أحكام سماع الشهادة في المرافعة في المملكة السعودية.
الشهادة إحدى وسائل الإثبات في التقاضي، ولها أهميَّتها البالغة في إثبات المدَّعَى به، وسبَق الوقوف عند الشهادة وتعريفها، وأبرز أحكامها في الفقه الإسلامي، وفي هذه الحلقة نَلِج فيما يتعلَّق بالشهادة في نظام المرافعات وإجراءات التقاضي.
فمن أهم شروط سَماع الشهادة في القضيَّة:
أن تكون ذات علاقة بالقضيَّة المنظورة قضاءً؛ لِما في المادة السابعة والتسعين من نظام المرافعات السعودي الصادر عام 1421هـ: (يجب أن تكون الوقائع المُراد إثباتُها أثناء المُرافعة مُتعلِّقة بالدعوى، مُنتِجة فيها، جائزًا قَبولها).
فإذا لَم يكن بين الشهادة والدعوى المنظورة ارتباط وتأثيرٌ، فلا مجال لإقحامها في الدعوى؛ لأنها إشغال للقاضي والمتقاضين دون مُبررٍ أو فائدة.
وأمَّا ما يخصُّ الشهادة في نظام المرافعات، فإليكموه أيُّها الأفاضل:
جاء في المادة السابعة عشرة بعد المائة:
(على الخَصم الذي يَطلب أثناء المرافعة الإثبات بشهادة الشهود – أن يُبيِّن في الجلسة كتابةً أو شفاهاً الوقائع التي يُريد إثباتها، وإذا رأَت المحكمة أنَّ تلك الوقائع جائزة الإثبات بمقتضى المادة السابعة والتسعين، قرَّرت سماع شهادة الشهود، وعيَّنت جلسة لذلك، وطلبَت من الخَصم إحضارهم فيها.
وبيَّنت اللائحة التنفيذيَّة للمادة:
أنه إذا لَم يُبادر الخَصم إلى طلب سماع بيِّنته على ما يدَّعيه – سأله القاضي عنها؛ وذلك لأنَّ هدف القاضي التوصُّل إلى الحق، ومعلوم أنَّ الدعوى غير كافية في إيصال ما يَطلبه المدَّعي لنفسه، ما لَم يَقترن بها إقرارٌ من المدَّعى عليه، أو بيِّنة تُثبت الدعوى.
وإذا قرَّر القاضي سماع شهادة الشهود، وعيَّن جلسة لسماع شهادتهم – فيُشار إلى ذلك في ضَبْط القضية؛ حِفظًا لحقِّ المترافعين.
ومراعاةً لذَوِي الأعذار من الشهود، ممن لا يتمكَّن من الحضور لدى القاضي؛ للإدلاء بشهادته، أو ممن هو مُقيم خارج البلد – فقد جاء في المادة الثامنة عشرة بعد المائة: (إذا كان للشاهد عذرٌ يَمنعه عن الحضور لأداء شهادته، فيَنتقل القاضي لسماعها، أو تَندب المحكمة أحدَ قُضاتها لذلك، وإذا كان الشاهد يُقيم خارج نطاق اختصاص المحكمة، فتَستخلف المحكمة في سماع شهادته محكمةَ محلِّ إقامته).
وبيَّنت اللائحة التنفيذية
أنه يُرجع في تقدير العُذر المانع من حضور الشاهد إلى ناظر القضيَّة.
وإذا كان الشاهد مُقيمًا خارج نطاق اختصاص المحكمة، فتَستخلف المحكمة في سماع شهادته محكمة محلِّ إقامته، بأن تَبعث لتلك المحكمة خلاصةَ الدعوى، واسمَ الشهود؛ لسماع الشهادة وتعديل الشهود – أي: تَزْكيتهم – فيما إذا كانت الشهادة مُوصلة – أي: مؤثِّرة في الدعوى.
وعن كيفيَّة سماع الشهادة لدى القاضي، جاء نص المادة التاسعة عشرة بعد المائة:
(تُسمع شهادة كلِّ شاهدٍ على انفراد بحضور الخصوم، وبدون حضور باقي الشهود الذين لَم تُسمَع شهادتهم، على أنَّ تَخلُّفهم لا يَمنع من سماعها، وعلى الشاهد أن يَذكر اسمه الكامل وسنَّه، ومِهنته ومحلَّ إقامته، وجهة اتِّصاله بالخصوم؛ بالقرابة، أو الاستخدام، أو غيرها، إن كان له اتِّصالٌ بهم، مع التحقُّق من هُويَّته).
وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة:
أنه إذا كان الشهود نساءً، فيتمُّ التفريق بين كلِّ اثنتين منهنَّ سويًّا.
وإذا حضَر الشاهد في الجلسة المحدَّدة لسماع شهادته، ولَم يَحضر الخَصم المشهود عليه، فيتمُّ سماع شهادته وضَبْطها، وتُتلى على الخَصم إذا حضر في جلسة تالية.
وتُضيف المادة العشرون بعد المائة:
حكمًا مهمًّا في الشهادة وكيفيَّة أدائها، ونصُّها: (تؤدَّى الشهادة شفويًّا، ولا يَجوز الاستعانة في أدائها بمذكرات مكتوبة، إلاَّ بإذن القاضي، وبشرط: أن تُسوِّغ ذلك طبيعة الدعوى، وللخَصم – الذي تُؤدَّى الشهادة ضده – أن يُبيِّن للمحكمة ما يخلُّ بشهادة الشاهد من طَعْنٍ فيه، أو في شهادته.
ففي اشتراط أداء الشهادة شفويًّا مَنعٌ للتلاعب في الشهادة، أو إتاحة الفرصة للخَصم؛ كي يُلقِّن الشهود ما يُريد منهم أن يَشهدوا به، ومع ذلك فقد يكون في الشهادة تفاصيلُ لا يَحفظها الشاهد، فيُمكن للقاضي أن يأذَنَ للشاهد بأداء شهادته من مذكرات مكتوبة، بشرط أن تَفرض ذلك طبيعة الدعوى، كما لو كانت الشهادة على صحَّة نصٍّ مقروءٍ، أو كانت بأطوال وأرقام دقيقة، لا يُمكن حِفظها، ونحو ذلك.
وللخَصم – الذي تُؤدَّى الشهادة ضده – أن يُبيِّن للمحكمة ما يُخِلُّ بشهادة الشاهد من طَعْنٍ فيه، أو في شهادته؛ لأنه في حال كون الشهادة مُوصلة، لا يَسَع القاضي إلاَّ الأخذ بها، والحكم بموجبها، ما لَم يَطعن الخَصم المشهود عليه في الشاهد وعدالته أو حِفظه، أو يُثبت تناقضَ الشاهد، أو يُحضر الخَصم المشهود عليه شهودًا يُثبتون نقيضَ ما شَهِد به شهود خَصمه، ونحو ذلك.
وفي المادة الحادية والعشرين بعد المائة:
بيان أنَّ للقاضي والخصوم مناقشةَ الشهود فيما شَهِدوا به، ونصُّها: (للقاضي من تلقاء نفسه، أو بناءً على طلب أحد الخصوم – أن يوجِّه للشاهد ما يراه من الأسئلة مفيدًا في كَشْف الحقيقة، وعلى القاضي في ذلك إجابة طلبِ الخَصم، إلاَّ إذا كان السؤال غير مُنتجٍ).
وبيَّنت اللائحة التنفيذية:
أنه يُرجع في تقدير كون السؤال مُنتجًا، أو غير مُنتجٍ إلى نظر القاضي.
وأمَّا المادة الثانية والعشرون بعد المائة:
ففيها بيان استحقاق المُهلة؛ لإحضار الشهود، ونصُّها: (إذا طلب أحدُ الخصوم إمهالَه؛ لإحضار شهوده الغائبين عن مجلس الحكم، فيُمهَل أقلَّ مدَّة كافية في نظر المحكمة، فإذا لَم يَحضرهم في الجلسة المعيَّنة، أو أحضَر منهم مَن لَم تُوصِّل شهادته – أُمْهِل مرة أخرى مع إنذاره، باعتباره عاجزًا إن لَم يُحضرهم، فإذا لَم يُحضرهم في الجلسة الثالثة، أو أحضَر منهم مَن لَم تُوصِّل شهادته، فللمحكمة أن تَفصل في الخصومة، فإذا كان له عُذرٌ في عدم إحضار شهوده – كغَيبتهم، أو جَهْله محلَّ إقامتهم – كان له حقُّ إقامة الدعوى متى حضَروا.
وبيَّنت اللائحة التنفيذية للمادة:
أنه إذا قرَّر الخَصم عدم قُدرته على إحضار الشهود، أو طلبَ مُهلة طويلة عُرفًا تضرُّ بخَصمه – فللقاضي الفصل في الخصومة، ويُفهمه بأنَّ له حقَّ إقامة دعواه بسَماع شهوده متى أحضَرهم، وعلى القاضي ناظر القضية أو خلفِه أن يَبني على ما سبَق ضبْطه.
وفي المادة الثالثة والعشرين بعد المائة:
إيضاحٌ لكيفيَّة رَصْد الشهادة، ونصُّها: (تُثبَت شهادة الشاهد وإجابته عمَّا يُوجَّه له من أسئلة في دفتر الضبْط بصيغة المتكلِّم، دون تغييرٍ فيها، ثم تُتلى عليه، وله أن يُدخلَ عليها ما يرى من تعديلٍ، ويذكر التعديل عقب نصِّ الشهادة، مع توقيعه وتوقيع القاضي عليه).
وفي اللائحة التنفيذية:
يُراعى في تدوين شهادة الشاهد أن تكون مطابقةً لِما نطَق به، ولا يُسوغ للقاضي أن يُعيد صياغتها؛ لِما في ذلك من احتمال الخطأ، أو إضعاف الشهادة، وإذا حصَل إجمال أو إبهامٌ في شهادة الشاهد، فعلى القاضي أن يَطلب من الشاهد تفسيرَ ذلك؛ لأن الشاهد أدرَى بما شَهِد به، ولا يُسوغ للقاضي أن يُفسِّر الشهادة بما لا يَقصده الشاهد نفسه.