التداول القانوني لصكوك الموصوف في الذمة قبل البدء في تعيين محل العقد

التداول القانوني لصكوك الموصوف في الذمة قبل البدء في تعيين محل العقد

من المهم أن يكون التمييز واضحاً بين إصدار الصكوك وتداول الصكوك وإطفاء الصكوك. وسوف أتحدث هنا عن تداول الصكوك؛ وهو كل ما يجري عليها من انتقالات من يد إلى أخرى بعد أن أُصدرت وحتى تُطفأ أو تنتهي دورة حياتها. وتداول الصكوك هو سر إيجادها وسر حياتها وسر ممارستها لوظيفتها، ومن غير الممكن عملياً تصور وجود صكوك محظور عليها التداول بشكل مطلق.

وعندما يقال عن الصكوك تتداول فليس المعنى الحقيقي لذلك مقتصراً على مجرد انتقال هذه الأوراق من يد إلى يد، ولكن المعنى الحقيقي هو انتقال ما هو مدون في هذه الأوراق من أموال، أياً كان نوعها. وتكمن الإشكالية هنا في أن نوعية الأموال المدونة في هذه الأوراق قد تكون مغايرة تماماً لنوعية الأموال على أرض الواقع وهي التي يجري انتقالها بالفعل، فقد يكون المدون في الورقة أعيان أو منافع، لكن ما الذي يضمن أن هذه الأعيان هي التي على أرض الواقع عند التداول؟ هل يعلم البائع حقيقة ما اشتراه؟ إن الأصول المثبتة في الصكوك لا تبقى واقعياً على حالة واحدة لفترات طويلة من الوقت، وإنما هي سريعة التبدل والتغير، من نقود إلى أعيان ومنافع وديون، ومن ذلك إلى منافع فقط أو ديون فقط.. أو غير ذلك من الأشكال، ويزداد الأمر غموضاً والتباساً عندما نكون بصدد إجارة موصوف في الذمة، وبخاصة في مرحلة ما قبل تعيينه.

ولكن .. ماذا يعني «قبل تعيين محل العقد»؟

أما محل العقد في الإجارة – أي إجارة – فهو المنفعة، والمنفعة عَرَض لا تقوم بنفسها وإنما تحتاج أصلاً تقوم فيه، ولا يتصور وجود منفعة مجردة من أصل، مثل منفعة الدار ومنفعة الآلة ومنفعة الرجل …الخ.

وتعيين المنفعة وعدم تعيينها متوقف على تعيين الأصل الذي تحل فيه، فعندما يكون الأصل معيناً تكون منفعته معينة، وعندما لا يكون الأصل معيناً لا تكون المنفعة معينة. والعين أو الأصل غير المعين قد يكون عدم تعيينه راجعاً إلى أنه لم يوجد بعد عند العقد، أو أنه موجود، ولكنه غير حاضر. وإجارة غير المعين تعني إجارة الموصوف، وإصدار صكوك إجارية للموصوف جائز، وحال إصدار هذه الصكوك وعقبها لا يكون محلها معيناً، ومن ثم غير متمكَّن منه ولا مقبوض، فهل من حق حامل هذه النوعية من الصكوك أن يبيعها وهي في تلك الحالة؟

وإذا أردنا أن نتكلم عن الحكم الشرعي لتداول صكوك إجارة الموصوف في الذمة نجد أن فقهاءنا الأجلاء قد أطالوا القول فيه، وفي مناسبات عدة، داخل المجمع وخارجه، ومن فضل الله أن ما قدموه في هذه الصدد مدون ومتاح. ولا أراني – وأنا لست فقيهاً – يمكن أن أضيف إلى ما قالوه شيئاً، ولكني أكتفي بالإشارة الكلية المجملة العاجلة إلى ما قيل؛ فهناك من أجاز، وهناك من منع، وهناك من أجاز شريطة مراعاة الأحكام الخاصة بتبادل النقود وتبادل الديون، ونترك لأهل الترجيح أن يرجحوا لنا ما يرون، وغاية ما يكون علينا لهم من النصح هو ضرورة مراعاة المآلات، والاحتياط الكافي لعدم الوقوع في منطقة الربا الفاحش، ومدى الانسجام مع مقاصد التمويل الإسلامي، والأخذ في الحسبان مصالح كل الأطراف بما فيهم المجتمع، وأخذ العبرة مما حدث في الغرب خلال تعاملهم مع قضية توريق الديون، وأن يكون للصور الواقعية حضور بجوار الصور النظرية، ومراعاة ما للموقف المتخذ من آثار توسعية أو انكماشية في استخدام صكوك الإجارة، ولا يمدح أي من التوسع والانكماش إلا بقدر ما له من رصيد شرعي واقتصادي، وعليهم كذلك الوعي أنهم – واقعياً – أمام صيغة الإجارة المنتهية بالتمليك، إن لم تكن بشكل كامل فبشكل غالب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *