التسوية الودية للدعاوى العمالية وأبرز الملاحظات في القانون السعودي

التسوية الودية للدعاوى العمالية وأبرز الملاحظات في القانون السعودي

 

تهدف هذه الرؤية إلى إبراز أهم الملاحظات التي يواجهها قطاع الأعمال تجاه خدمات التسوية الودية للدعاوي العمالية بمكاتب العمل وكذلك الإجراءات المطبقة التالية عند رفع تلك الدعاوي وبحثها لدى هيئات تسوية الخلافات العمالية .. بقصد السعي لتلافيها والعمل على تحسين تلك الخدمات _ وفيما يعمل على عدم ترك أي آثار سلبية على طرفي الخلاف وكذلك على سوق العمل .

أولاً – الملاحظات :
1- التدني النوعي لخدمات التسوية الودية :
إن أهم الملاحظات التي يواجهها قطاع الأعمال عند أولى خطوات بحث الدعاوي العمالية وهي خدمة التسوية الودية _ هو ضعف الآلية التي يتبعها المختصون العاملون في الأقسام المخصصة لذلك في مكاتب العمل .. من حيث إفهام الطرفين أوجه الحقوق والواجبات وأوجه القصور من أحدهما .. ومزايا التسوية الودية لكل منهما .. فضلا عن ما يلاحظ على بعض المختصين من تدني للفهم ولإدراك لأحكام نظام العمل ..الأمر الذي تسبب في زيادة الدعاوي المرفوعة للهيئات الابتدائية .
هذا ومع أن الوزارة قد أصدرت قرارا حول خدمات التسوية الودية ساعد ولا شك في تقليص بعض الخطوات والإجراءات إلا أنه لم يركز فعليا على الجوانب المذكورة .
وكذلك عدم قدرة المختصين على ارشاد المدعي لمتطلبات اثبات دعواه وحقوقه والتزاماته خلال الدعوى وتمييز الدعاوى الكيدية وتحذير المدعي من كيدية دعواه أو تحريض زملائه في العمل .

2- إطالة أمد إصدار الحكم في الدعاوي لدى الهيئات :
لعل أبرز ما يواجه قطاع الأعمال هو الإطالة والتأخير في إنهاء الدعاوي خصوصا المرفوعة للهيئة العليا .. وسواء كانت تتعلق بالحقوق الخاصة أو العامة .
ولعل هذا التأخير قد تسبب في استغلال العمالة الوافدة لهذا الشأن الأمر الذي شجعها على عدم قبول التسوية الودية وترك العمل بدون تمكن صاحب العمل من الإبلاغ عن تغيبه لكي يستطيع أن يعمل لحسابه أو لدى الغير .. مما يحفز العمل على المماطلة عند بحث الدعوى لدى الهيئات بدعوى إحضار مستندات أو معلومات بقصد تأجيل إنهاء الدعوى والحكم فيها ، ولكي يتاح لها الفرصة للبقاء والتنقل والعمل لدى الغير لأطول مدة ممكنة .. أو نهج أسلوب التسيب في سوق العمل أو العمل لدى منشأة أو منشآت منافسة لنشاط الكفيل وتسريب أسرار العمل _الأمر الذي نتج عنه عدة أضرار لأصحاب العمل فضلا عن النواحي الأمنية للبلاد .. هذا عدا ما تشجعه عملية الإطالة هذه من اختلاق الدعاوي من العمال والتي يتضح لاحقا أنها كيدية يهدف منها البقاء والتنقل لدى أكثر من صاحب العمل كما سبق ذكره للفترة الطويلة التي تنقضي قبل إصدار الحكم النهائي

3- اختلاف الأحكام الصادرة على نفس الدعاوي :
حيث يلاحظ أن بعض الهيئات الابتدائية ودوائر الهيئة العليا في بعض المناطق تصدر أحكام على قضايا معينة تختلف عما يصدره البعض الآخر على نفس الدعاوي .. فبعض الهيئات أو الدوائر المذكورة تصدر أحكام بالإعادة للعمل في دعاوي الفصل التعسفي للعاملين السعوديين بينما الأخرى تكتفي بالتعويض . وكذلك الأمر في الغرامات على مخالفات نظام العمل حيث بعض الهيئات تحكم بالحد الأدنى من الغرامات بينما البعض الآخر يحكم بالحد الأعلى لها .
وتشمل الملاحظة أيضا الاختلاف في تفسير بعض العبارات الواردة في بعض النصوص النظامية لنظام العمل ومن ذلك مثلا المعنى أو المفهوم أو المقصود بعبارة
“السبب المشروع”الأمر الذي ساعد على التباين في إصدار الأحكام على الدعاوي المتشابهة أو المتماثلة .

4- تسيب العامل أو بقائه بدون عمل أثناء بحث الدعوى :
من الملاحظ أن هناك شبه فراغ تنظيمي يتمثل في عدم وجود قواعد كاملة ووافيه تؤطر علاقة العامل بصاحب العمل أثناء بحث وسريان الدعوى لدى الهيئة وكذلك أثناء تنفيذ ما يصدر من أحكام عليها .
فمن المعروف أن العامل الذي يتقدم بدعوى عمالية سواء كان مواطنا أو وافدا ينقطع عن العمل أحيانا من ذاته وأحيانا مدفوعا من صاحب العمل .. الأمر الذي يجعله عاطلا عن العمل ودون دخل مادي ..وفي نفس الوقت ، وبالنسبة للعامل الوافد يتعذر عليه العمل بطريقة نظامية مالم يحصل على ترخيص بالعمل لدى الغير .
ومع أن هناك تعليمات توجب إعطاء هذه الفئة من الحالات خصوصا من العمالة الوافدة تصاريح عمل مؤقت يسمح لها بالعمل لدى غير صاحب العمل.. إلا أن الكثير من العمالة الوافدة استغلت ذلك و أصبح هذا هو الدافع لهم لإثارة الدعاوي من أجل الحصول على تلك التصاريح والبقاء لأطول مدة ممكنة في البلاد كما جرى ذكره _ تعمل لدى الغير بأجر أعلى أو لحسابها بدون أن يتمكن صاحب العمل من الإبلاغ عن تغيبها الأمر الذي أدى حفز العمالة إلى رفع عدد كبير من الدعاوى الكيدية أدى إلى زيادة عدد الدعاوى المنظورة بشكل كبير وتأخر الفصل فيها الأمر الذي يستوجب معه الحد من ذلك والتأكد أولا من رفض صاحب العمل لاستمرار عمل العامل لديه أثناء سريان بحث الدعوى لدى الهيئة قبل منع صاحب العمل من الإبلاغ عن تغيبه او منح العامل تصريح عمل مؤقت.

5- تنفيذ الأحكام الصادرة من الهيئات على العمال :
من الملاحظ أن الأحكام الصادرة من الهيئات بحق المنشأة الخاصة أو صاحب العمل يتم تنفيذها ومتابعة ذلك من الجهة المختصة ويستخدم في هذا الشأن مختلف الوسائل بما في ذلك إيقاف الخدمات من أجل دفع المنشأة إلى تنفيذ الحكم .. إلا أنه بالنسبة لما يترتب على العامل من أحكام فإن الأمر مختلف إذ لا توجد آلية أو وسيلة لمتابعة ذلك مما يجعل العمال خصوصا الوافدين الذين صدرت بحقهم أحكام تشمل ترحيلهم أو إعادة مبالغ منهم لا تأخذ مسار التنفيذ .. ويستغل العامل الوافد ذلك في التسيب مع استمرار عدم قدرة صاحب العمل عن الإبلاغ عن تغيبه ويقوم العامل الوافد الذي صدر بحقه حكم نهائي بإثارة العديد من الدعاوى الكيدية في المحاكم الشرعية أو مختلف الجهات الحكومية أو القضائية ليقوم بالتعذر بها لكي يتجنب تنفيذ الحكم عليه بتسفيره لبلده وليظل فترات طويلة أخرى في المملكة يقوم فيها بكافة الممارسات الغير نظامية.

6- التوكيل وتمثيل المدعي أو المدعى عليه لدى الهيئات :
من الملاحظ أيضا أن بعض الهيئات تقبل مراجعة موظفي سفارة البلدان التي يتبع لها العمال وذلك عند الترافع أو بحث الدعوى وذلك نيابة عن العامل أو العمال الذين لديهم دعاوي في الهيئات بحجة عدم معرفة العامل باللغة العربية .
ولما كانت الأنظمة الدبلوماسية المرعية لا تجيز أحقية موظفي السفارات في القيام بذلك وإنما على العمال توكيل محامين أو غيرهم لهذا الغرض .. فإن القبول بذلك يعتبر خروجا على التوجيهات التي تنص على عدم التعامل مع السفارات العاملة في المملكة إلا عبر وزارة الخارجية.
7- استقبال بعض الدعاوي دون مراعاة لجانب التقادم :
من الملاحظ أن بعض أقسام التسوية الودية وكذلك بعض الهيئات تستقبل بعض الدعاوي المرفوعة لها دون مراعاة لعامل الزمن وعنصر التقادم .. حيث يلاحظ أن بعض الهيئات بما فيها الهيئة العليا ترد بعض الدعاوي في هذا الشأن بعد مرور أكثر من عام على استقبالها وذلك بحجة التقادم في الوقت الذي يفترض فيه أن يتم رفضها في حينه أو في أول جلسة تحدد لها ..كذلك الأمر بالنسبة للدعاوي التي مضى على الحكم الابتدائي لها أكثر من شهر ولم يتم المرافعة أو الاستئناف عليها .
ولا شك أن قبول دعاوي مثل ما ذكر من شأنه إتاحة الفرصة لبعض الأطراف خصوصا العمال الوافدين للتسيب والعمل لدى الغير دون ارتباط بصاحب عمل معين .. فضلا عما لذلك من زيادة للأعباء على الهيئات وزيادة أعداد الدعاوي التي تبحثها

ثانياً – المرئيات :
إن قطاع الأعمال إذ يقدر ما اتخذته وزارة العمل من خطوات تطويرية لخدمات التسوية الودية للدعاوي العمالية .. وكذلك السعي لتقليص مواعيد بحثها لدى الهيئات إلا أنه ومن باب إبداء الرأي والحوار .. فإن قطاع الأعمال يرى وللحد من الملاحظات المذكورة الآتي :
1- أهمية تفعيل المادة221 من نظام العمل .. ومع أن الوزارة المذكورة قد اتخذت بعض الخطوات السالف ذكرها إلا أن الأمر يتطلب الفعالية في سرعة إصدار الأحكام دون إتاحة الفرصة للأطراف للتأجيل بحجة وجود مستندات أو معلومات أخرى .
إضافة إلى أهمية النظر في تعديل النظام برفع مبالغ الغرامات والحقوق التي يمكن أن تفصل فيها مباشرة الهيئات الابتدائية .. كذلك النظر في زيادة فتح دوائر للهيئة العليا في مختلف المناطق .

2- أهمية إجراء الدراسات والبحوث التي تهدف إلى معرفة أسباب التباين والاختلاف في الأحكام الصادرة من الهيئات على نفس الدعاوي للحد من هذا الشأن كما ويجب أن تشمل تلك الدراسات أو البحوث مدى إعطاء تعاريف موحدة لبعض العبارات التي تختلف الهيئات على تفسيرها أو معناها والتي تؤثر في إصدار الأحكام أو تتسبب في التباين والاختلاف .

3- الحاجة إلى إيجاد ضوابط عامة منسق حولها مع ممثلي أصحاب العمل أو تطوير ما هو قائم وبما يكفل تنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل والدور المحدد للهيئات بشأنها _ وذلك أثناء بحث أو سريان الدعاوي لدى الهيئات تشمل كيفية السماح للعامل بالعمل لدى الغير أثناء بحث الدعوى ومدد وشروط ذلك .. والوضع في حالة رغبة العامل الوافد في السفر لبلده ومدى الحاجة إلى توفير كفيل غارم يضمن ما قد يقع على العامل من حقوق مادية وكيفية تنفيذ تلك الإجراءات.

4- أهمية إيجاد وسيلة لتنفيذ الأحكام الصادرة من الهيئات على العمال بمختلف جنسياتهم واتخاذ الأساليب المناسبة لتطبيق وتنفيذ ما يصدر عليهم من حقوق والتنسيق مع الجهة المختصة بالوزارة ومع الجوازات من أجل التأشير آليا على وثائق إقامتهم ورخص عملهم بما يعني كونهم مطلوبين لتنفيذ الأحكام الصادرة بحقهم وكذلك الإيعاز للجهات التنفيذية لإلزامهم بذلك .

5- إيجاد آلية لفرز الدعاوي لدى الهيئات حين استقبالها وذلك من حيث التقادم وعدم مضي المدد النظامية على تاريخ رفعها أو الاستئناف عليها ما لم يكن هناك مشاحنة حول تلك التواريخ .

6- إيجاد آلية لتطبيق ما توجبه التوجيهات السامية حيال الشكاوي الكيدية متى ما ثبت للهيئات عدم صحتها .

7- تطوير عمليات وآليات التسوية الودية ومن ذلك التدريب للمختصين وإيجاد وحدات تحكيم في كل مكتب عمل لهذا الشأن .. وإمكانية الاستفادة من خدمات الموظفين المتقاعدين ذوي الخبرة في أعمال بحث الدعاوي .. بهدف توفير الكفاءات اللازمة لخدمات التسوية الودية .

8- وضع دليل لإجراءات الدعاوى العمالية وتوضيح طرق الاثبات للمخالفات وحقوق طرفي الدعوى وطرق تنفيذ الحكم

9- عدم السماح للعامل بالتوقف والتغيب عن العمل بمجرد رفع دعوى عمالية

10- إيجاد عقوبات مشددة للعامل الذي يقوم بتحريض زملائه أو يقوم بإفشاء أسرار العمل للضغط على صاحب العمل .

11- إلزام الدول المصدرة للعمالة بالاعتراف بما يصدر من أحكام نهائية من الهيئات .

12- إيجاد آلية سريعة للبت في الشكاوى العمالية التي تعتمد على كلام مرسل بدون أي قرائن أو أدلة أو شهود أو أي وسيلة من وسائل الإثبات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *