الدفع ببطلان الإستيقاف والقبض والتفتيش لإنتفاء حالة التلبس

الدفع ببطلان الإستيقاف والقبض والتفتيش لإنتفاء حالة التلبس

 

مبدأ هام لمحكمة النقض فى الاستيقاف:

“لما كان من المقرر أن القيود الواردة على حق رجال الضبط القضائي في إجراء القبض والتفتيش بالنسبة إلى السيارات إنما تنصرف إلى السيارات الخاصة بالطرق العامة ، فتحول دون تفتيشها أو القبض على ركابها إلا في الأحوال الاستثنائية التى رسمها القانون طالما هى في حيازة أصحابها ، أما السيارات النقل – كالسيارة محل التفتيش – فإن من حق مأمور الضبط القضائي إيقافها أثناء سيرها في الطرق العامة للتحقق من عدم مخالفة أحكام قانون المرور ،

وكان من المقرر كذلك أن الاستيقاف هو إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحرى عن الجرائم وكشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف ، وهو أمر مباح لرجل السلطة العامة إذا ما وضع الشخص نفسه طواعية منه واختياراً في موضع الريب والظن ، على نحو ينبئ عن ضرورة تستلزم تدخل المستوقف للتحرى وللكشف عن حقيقته عملاً بحكم المادة 24 من قانون الإجراءات الجنائية ،

وكان الفصل في قيام المبرر للاستيقاف أو تخلفه من الأمور التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع بغير معقب مادام لاستنتاجه ما يسوغه ، كما أن تقدير توافر حالة التلبس أو عدم توافرها هو من الأمور الموضوعية البحت التى توكل بداءة لرجل الضبط القضائي على أن يكون تقديره خاضعاً لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع ـ وفق الوقائع المعروضة عليها ـ بغير معقب ، مادامت النتيجة التى انتهت إليها تتفق منطقياً مع المقدمات والوقائع التى أثبتتها في حكمها ،

وكان الحكم المطعون فيه قد خلص في منطق سليم واستدلال سائغ وبما يتفق وحكم القانون إلى مشروعية ما قام به رجل الضبط القضائي من إيقاف السيارة التى كان يستقلها الطاعنان اللذان وضعا نفسيهما إثر ذلك موضع الريب على نحو برر استيقافهما ، وأن حالـة التلبس ترتبت على مشاهدة الضابط ببصره لغطاء البالوعة محل السرقة في مكان ظاهر بصندوق السيارة الخلفى ، وهو ما يسلمان به في أسباب طعنهما ولم يدعيا أنه كان في مكان خفى ، فإن النعى على الحكم في هذا الصدد يكون في غير محله “.

الدفع ببطلان الاستيقاف والقبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس:

” لما كان الحكم عرض للدفع ببطلان الاستيقاف والقبض والتفتيش لانتفاء حالة التلبس واطرحه في قوله ” أن ضابط الواقعة استوقف المتهم استناداً إلى أنه معروف لديه بارتكابه جرائم البلطجة والاتجار بالمواد المخدرة وأنه حاول الفرار بعد أن أصابه الارتباك وأبصر انتفاخاً بملابسه فاستوقفه وأمره بإخراج ما يخفيه بملابسه فوجده كيس به عشرة لفافات تحوى كل منها كمية من نبات الحشيش المخدر ومن ثم يضحى الاستيقاف له ما يبرره ويحق لضابط الواقعة تفتيشه وقائياً أيضاً بعد أن وضع المتهم نفسه طواعية مواضع الريبة والشبهة وإذ لاحظ ضابط الواقعة انتفاخ بملابس المتهم وأمره بإخراج ما يخفيه فوجده كيس يحوى عشرة لفافات تحوى كل منها نبات الحشيش المخدر ومن ثم تكون الواقعة في حالة تلبس وفق صحيح القانون ” .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس والقبض عليهم بدون وجه حق ، وكان من المقرر أيضاً أن التلبس حالة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ، وكان مؤدى الواقعة التى أوردها الحكم ليس فيها ما يدل على أن المتهم قد شوهد في حالة من حالات التلبس المبينة حصراً بالمادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، والتى لا يوفرها مجرد معرفة ضابط الواقعة عنه ارتكاب جرائم البلطجة والاتجار في المواد المخدرة أو محاولته الفرار عند رؤيته له

كما أن مجرد ما يبدو على الشخص من مظاهر الحيرة والارتباك مهما بلغا لا يمكن اعتباره دلائل كافية على وجود اتهام يبرر القبض عليه وتفتيشه وكان إخراج الطاعن ما يخفيه بملابسه من مخدر عندما أمره الضابط بذلك هو نوع من التفتيش لا يصح أن يوصف أنه كان برضاء من الطاعن إنما كان مكرهاً مدفوعاً إلى ذلك بعامل الخوف من تفتيشه قهراً عنه ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى قضاءه على صحة هذا الإجراء ، فإنه يكون أخطأ في تطبيق القانون وتأويله بما يوجب نقضه “.

” الدوائر الجنائية – الطعن رقم 32412 / 73 بتاريخ 3-7-2010 “

استيقاف جميع المارة أو المركبات عشوائياً إهدار لقرينة البراءة المفترضة في الكافة:

أقرت هذا المبدأ الهام الدوائر الجنائية فى الطعن رقم 1161 / 79 بتاريخ 24-3-2011 بأن قررت الاتى :

” لما كان من المقرر أنه لا يصح في القانون أن يقوم رجل الشرطة في سبيل أداء دوره الإدارى الذي نص عليه في قانون المرور أن يعد كميناً يستوقف فيه جميع المركبات المارة عليه دون أن يضع قائدها نفسه موضع الشبهات بسلوك يصدر عنه اختياراً ، ولا يصح لرجل الشرطة أن يستوقف المارة في كل طريق عام ليطلع على تحقيق شخصية كل منهم ما لم يضع الشخص نفسه باختياره موضع الريب والشكوك ، لأن في استيقاف جميع المارة أو المركبات عشوائياً في هذه الأماكن إهدار لقرينة البراءة المفترضة في الكافة ،

وينطوي على تعرض لحرية الأفراد في التنقل المقررة في الفقرة الأولى من المادة 41 من الدستور والقول بغير ذلك يجعل النص الذي رخص له في الإطلاع على تراخيص المركبات وتحقيق الشخصية مشوباً بعيب مخالفة الدستور وهو ما يتنزه عنه الشارع ، إلا أن تكون جريمة معينة وقعت بالفعل ويجرى البحث والتحري عن فاعلها وجمع أدلتها ، فيكون له بمقتضى دوره كأحد رجال الضبطية القضائية أن يباشر هذه الصلاحيات مقيداً في ذلك بأحكام قانون الإجراءات الجنائية .

لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضابطي الواقعة حال وجودهما بأحد الأكمنة ـ في سبيل أداء دورهما الإداري ـ  استوقفا السيارة الخاصة قيادة الطاعن دون أن يصدر عنه ما يثير الريبة والشك في وقوع جريمة ما ، فإن الاستيقاف على هذا النحو يتسم بعدم المشروعية مشوباً بالبطلان ، وباطل أيضاً ما ترتب عليه من تفتيش ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه على صحة القبض والتفتيش ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه والإعادة “.

الاستيقاف والتلبس فى جرائم المخدرات:

قضت محكمة النقض بأن :

” و بعد أن أفصح الحكم عن ثبوت الواقعة ….. عرض لما دفع به الطاعن من بطلان الاستيقاف لعدم قيام ما يبرره ،وبطلان القبض لعدم وجو المتهم في حالة من حالات التلبس ،و أطرحه في قوله  ( فهو مردود ، ذلك أنه لما كان من المقرر أن الاستيقاف إجراء يقوم به رجل السلطة العامة في سبيل التحري عن الجرائم و كشف مرتكبيها ويسوغه اشتباه تبرره الظروف ،

و كانت المادة 38 من قانون الإجراءات الجنائية قد خولت لرجال السلطة العامة في الجرائم المتلبس بها إذا لم يمكن معرفة  شخصية المتهم أن يحضروه إلى أقرب مأمور من مأمور الضبط القضائي ،

لما كان ذلك و كان الثابت من أقوال ضابط الواقعة التي تطمئن إليها أنه شاهد المتهم جالساً بجوار السائق ممسكاً بكيس منتفخ ،و بطلب الإطلاع على ما بداخل الكيس بدت على المتهم أمارات الارتباك و حاول الفرار واضطرب في حركته  ،الأمرالذي يرتب قيام حالة من الريبة في شأنه ،خاصة و قد سقط من الكيس أجزاء من نبات المخدر ، و هذه الظروف مجتمعة تبرر استيقاف المتهم ، و من ثم فإن هذا يعد استيقاف لا قبضاً و قد توافرت مبررات الاستيقاف ،فضلاً عن سقوط المخدر أمام الضابط يوفر في حقه حالة التلبس بالجريمة ، و ذلك لأن الثابت أنه كانت هناك شبهات ظاهرة حيث وضع المتهم نفسه موضع الريبة و الشك اختياراً و طواعية ، و من ثم يكون ما أثاره الدفاع على غير سند صحيح متعيناً رفضه .

لما كان ذلك ،  و كانت المادتان 34 ، 35 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتان بالقانون رقم 37 لسنة 1972 المتعلقة بضمان حريات المواطنين قد أجازتا لمأمور الضبط القضائي في أحوال التلبس بالجنايات أوالجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن يقبض على المتهم الحاضر الذي توجد دلائل كافية على اتهامه ،   فإذا لم يكن حاضراً جاز للمأمور إصدار أمر بضبطه و إحضاره ،  كما خولته المادة 46 من القانون ذاته تفتيش المتهم في الحالات التي يجوز فيها القبض عليه قانوناً ، وأن من المقرر أن التلبس صفة تلازم الجريمة ذاتها لا شخص مرتكبها ، مما يبيح للمأمور الذي شاهد وقوعها أن يقبض على كل من يقوم دليل على مساهمته فيها و أن يجري تفتيشه بغير إذن من النيابة العامة ، وأنه إن كان تقدر الظروف التي تلابس الجريمة و تحيط بها وقت ارتكابها ومدى كفايتها لقيام حالةالتلبس أمراً موكولاً إلى محكمة الموضوع ،إلا أن ذلك مشروط بأن تكون الأسباب و الاعتبارات التي تبني عليها المحكمة تقديرها صالحة لأن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها .

لما كان ذلك ، وكان للإستيقاف شروط ينبغي توافرها قبل اتخاذ هذا الإجراء ، وهي أن يضع الشخص نفسه طواعية منه و اختياراً  في موضع الشبهات و الريب ، و أن ينبئ هذا الوضع عن صورة تستلزم تدخل المستوقف للكشف عن حقيقته .

لما كان ذلك و كانت صورة  الواقعة – كما حصلها الحكم المطعون فيه التي سلف بيانها – لا تنبئ عن أن جريمة إحراز المخدر التي دين الطاعن بها و كانت في حالة من حالات التلبس المبينة على سبيل الحصر في المادة 30 من قانون الإجراءات الجنائية ، إذ أن تلقي مأمور الضبط القضائي نبأ الجريمة عن الغير لا يكفي لقيام حالة التلبس ما دام لم يشهد أثر من آثارها ينبئ بذته عن وقوعها قبل إجراء القبض ، و كان ما ساقه الحكم المطعون فيه – على السياق المتقدم – من محاولة الطاعن الفرار بمجرد أن طلب منه ضابط الواقعة الإطلاع على ما بداخل الكيس تتوافر به حالة التلبس التي تجيز لمأمور الضبط القضائي إلقاء القبض عليه ، ليس صحيحاً في القانون ، و ذلك لما هو مقرر في قضاء هذه المحكمة من أنه ليس في مجرد ما يعتري الشخص من مظاهر الحيرة و الارتباك مهما بلغا ما يوفر الدلائل الكافية على اتهامه بالجريمة المتلبس بها و يبيح من ثم القبض عليه و تفتيشه ، و يكون إلقاء الطاعن ما كان يحمله و تخليه عنه – حتى مع سقوط المخدر – و ليد إجراء غير مشروع ، إذ اضطر إليه اضطراراً عند محاولة القبض عليه – في غير حالاته – لا عن إرادة و طواعية و اختياراً من جانبه ، و من ثم فإن ضبط المخدر على إثر ذلك الإجراء الباطل تنتفي معه حالة التلبس بالجريمة لوقوعه على غير مقتضى القانون .

فضلاً عن أن تخلي الطاعن عما يحمله عند مشاهدته مأمور الضبط القضائي يهم باللحاق به لا ينبئ بذاته عن توافر جريمة متلبس بها تجيز لمأمور الضبط القضائي القبض عليه وتفتيشه ، و من ثم فإن ما وقع في حق الطاعن هوقبض باطل ، و لا محل لما أورده الحكم المطعون فيه في معرض إطراح دفع الطاعن ببطلان القبض و التفتيش توافر مبرر لاستيقاف ضابط الواقعة للطاعن ، إذ أن الاستيقاف على هذه الصورة هو القبض الذي لا يستند إلى أساس في القانون ،

و من ثم فهو قبض باطل ، و يبطل معه – ما ترتب عليه من تخلي الطاعن عن المخدر إثر فراره عند ملاحقة ضابط الواقعة له ،  لأنها كانت نتيجة إجراء باطل لا يعتد بما أسفر عنه من دليل ، و كان من المقرر أن بطلان الاستيقاف والقبض مقتضاه قانوناَ عدم التعويل في الحكم الصادر بالإدانة على أي دليل مستمد منه ، و بالتالي فلا يعتد بشهادة من قام بهذا الإجراء الباطل .

لما كان ذلك ، و كان لا يضير العدالة إفلات المجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حريات الناس و القبض عليهم بغير وجه حق ، و كان الدستور قد كفل هذه الحريات باعتبارها أقدس الحقوق الطبيعية للإنسان بما نص عليه في المادة 41 منه من أن الحرية الشخصية حق طبيعي و هو مصونة لا تمس ، و فيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد و منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق و صيانة أمن المجتمع ، و يصدر هذا الأمرالقاضي المختص أو النيابة العامة وفقاً لأحكام القانون .

لما كان ذلك ، و كانت الدعوى – حسبما حصلها الحكم المطعون فيه – لا يوجد فيها من دليل سوى شهادة من أجرى إجراء القبض الباطل – النقيب عمرو صلاح الدين حافظ – فإنه يتعين الحكم ببراءة الطاعن عملا بالفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 و مصادرة المخدر المضبوط عملاً بالمادة 42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات المعدل  ” .

(  الطعن رقم 35408 لسنة 77 ق – جلسة 15/4/2009 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *