الشريعة الإسلامية في ظل القانون السعودى – قراءة قانونية
قبل الخوض في علاقة الشريعة بالقانون يلزم الوقوف على ماهية القانون بغية إدراك هذه العلاقة توافقاً وتبايناً، والقانون في حقيقته هو مجموعة القواعد التي تنظم الروابط المجتمعية بمختلف صورها والتي يجبر الأفراد على اتباعها بالقوة عند الاقتضاء، فالقانون يطلق على القواعد والمبادئ والأنظمة التي يضعها أهل الرأي في مجتمع ما، لتنظيم شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية؛ استجابة لمتطلبات الجماعة، وسداً لحاجاتها، ومرجع القانون في الغالب العادات والتقاليد والأعراف
فإذا كان الأمر كذلك فما هي علاقة الشريعة بالقانون التي يلزم طالب القانون التعرف عليها؟ والحقيقة أن هذا التساؤل أثير في هذا الموضع من باب تقريب المفاهيم المنهجية لطالب العلم، وإلا فإنه لا وجه للمقارنة بين الشريعة والقانون لبعد كل واحد منهما عن الآخر مبنىً ومعنىً، والذي يظهر لنا أن هناك جامعاً وفارقاً بين المفهومين، أما الجامع فيمكن القول بأن المفهومين عبارة عن نصوص لفظية بحاجة إلى معرفة معانيها ومقاصدها وفق منهجية تحليلية تفكيكية، مع العلم أن الشريعة في حقيقتها تتجاوز كونها نصوصاً مجردة إلى كونها خطاباً للناس كافة يبقى تأثيره ظاهراً في العقول والقلوب والأجساد حتى وكأنه حديث النزول من السماء، وأما الفارق بين المفهومين فيمكن إجماله فيما يأتي:
أولاً: أن الشريعة وضع إلهي، بينما القانون وضع بشري.
ثانياً: أن الشريعة تستوعب حاجات الناس في كل مرحلة زمنية، فهي بهذا صالحة لكل زمان ومكان، بينما القانون مؤقت لجماعة خاصة في عصر معين.
ثالثاً: أن الشريعة لا يعتريها النقص ولا الاستدراك؛ لأنها وضع إلهي فلا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها تنزيل من حكيم حميد، بخلاف القانون فإنه يطرأ عليه النقص والقصور والأهواء والنزعات؛ لكونه وضعاً بشرياً.
الحكم الشرعي
مفهومه:
الحكم في اللغة: المنع، وقد سمي لجام الدابة حَكَمَة؛ لأنها تمنع الدابة من الانحراف بصاحبها، ووصف الحكم الشرعي بهذا الوصف؛ لكونه مانعاً للمكلف من الانحراف عن الشرع. وأما في الاصطلاح الشرعي، فهو: خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين طلباً أو تخييراً أو وضعاً.
تحليل التعريف:
خطاب: توجيه الكلام نحو الغير، وهو جنس يشمل كل خطاب سواء من الله أو من البشر، وبإضافة الخطاب إلى لفظ الجلالة الله يقيد بكلامه سبحانه، ومقصود به الوحي المنزل سواء كان لفظاً ومعنى كما هو شأن القرآن الكريم، أو معنى فقط كما هو شأن السنة النبوية الصحيحة.
أفعال: مقصود بها تصرفات الإنسان، ولا يمكن وصفها بأنها تصرفات حتى تكون جامعة لثلاثة أوصاف تترتب عليها المسؤولية الشرعية والقانونية، وهي الإرادة والقدرة والاختيار.
المكلفين: جمع مكلف، وهو البالغ العاقل، والبلوغ يثبت بأحد ثلاث علامات، وهي نزول المني حال اليقظة أو النوم، ونبات شعر العانة، وبلوغ الإنسان خمس عشرة سنة، وهذه العلامات يشترك فيها الذكر والأنثى، وتزيد الأنثى علامة رابعة وهي نزول الحيض. وأما العقل فيثبت بالتمييز ويراد به فهم الخطاب، فالتكليف يثبت بالبلوغ وفهم الخطاب.
طلباً: مقصود به طلب فعل أو طلب ترك، وطلب الفعل إما أن يكون طلب فعل لازماً كما هو شأن الواجب، أو طلب فعل غير لازم كما هو شأن المندوب، وطلب الترك إما أن يكون طلب ترك لازماً كما هو شأن الحرام، أو طلب ترك غير لازم كما هو شأن المكروه.
تخييراً: هو ما خير المكلف بين فعله وتركه، ومقصود به الإباحة.
وضعاً: ويراد به جعل الشيء سبباً أو شرطاً أو مانعاً أو وصفه بالصحة أو الفساد أو البطلان.
والناظر في مفهوم الحكم الشرعي وتعريفه يدرك أنه جامع لقسمي الحكم الذي يتضمنه الحكم الشرعي، وهما الحكم التكليفي والحكم الوضعي، وسيأتي مزيد بيان عند الوقوف على أنواع هذين القسمين.