شرح مبسط حول مدى اهمية قضاء الامور المستعجلة في القانون المصري

شرح مبسط حول مدى اهمية قضاء الامور المستعجلة في القانون المصري

مجلة المحاماة – العدد العاشر
السنة السابعة عشرة1937
قضاء الأمور المستعجلة [(1)]

دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عاملان قويان:
الأول: أهمية القضاء المستعجل في ذاته ثم بالنسبة لما يعرض عليه في كل يوم من القضايا العديدة وكثير منها مبتكر حديث.
الثاني: الإبهام والغموض اللذان يحوطان بهذا القضاء في المحاكم الأهلية ويجعلان اختصاصه محل جدل ومناقشة ومحل خلاف في الرأي أيضًا من جانب من يتولونه من القضاة.
والخلاف القائم بشأن تحديد دائرة القضاء المستعجل أمام المحاكم الأهلية يرجع إلى سببين أحدهما عام والثاني خاص
أما الأول: فهو إجمال النص التشريعي المنشئ للقضاء المستعجل فالمادة (806) من قانون المرافعات الفرنسي تقول:
(Dans tous les cas d’urgence où lorsqu’il s’agira de statuer provisoirement sur les difficutltés relatives à l’exécution d’un titre exécutoire ou d’un jugement, il sera procédé ainsi qu’il va être réglé ci – après).
والمادة (34) من قانون المرافعات المختلط تقول:
(Le Tribunal des référes………….. statuera… tant en matière civile que commerciale sur les mesures urgentes à prendre sans préjudice du fond et sur l’exécution des jugements sans préjudice des questions d’interprétation.
والمادة (28) من قانون المرافعات الأهلي تقول:
(يحكم قاضي الأمور المستعجلة……. في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ………. ويحكم أيضًا في الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت).
وهذه النصوص لم تحدد المسائل المستعجلة ولا المنازعات الخاصة بالتنفيذ تحديدًا يجعلها بعيدة عن النزاع أو على الأقل يقلل من النزاع الذي يقوم بشأنها.
أما الثاني: وهو خاص بالتشريع المصري الأهلي فهو أن المشرع المصري عندما وضع نظام القضاء أمام المحاكم الأهلية لم يجعل (كما فعل أمام المحاكم المختلطة) الفصل في الأمور المستعجلة من اختصاص قاضٍ خاص بها بل جعلها من اختصاص القاضي الجزئي علاوة على اختصاص العادي وتظهر أهمية هذا السبب الثاني وتأثيره في حقوق المتقاضين عندما يتفق المتخاصمان على اختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالفصل في المنازعات الموضوعية ويدفع المدعي عليه بعدم الاختصاص بناءً على أن اختصاص قاضي الأمور المستعجلة من النظام العام ويترتب على ذلك بطلان الاتفاق على تحكيمه في المسائل الموضوعية فيرد المدعي على هذا الدفع بأنه تحصيل حاصل لأنه ما دام القانون قد سمح بتحكيم القاضي الجزئي وجعله مختصًا باتفاق الخصوم بالفصل نهائيًا في المنازعات مهما كانت قيمتها وما دام أن القاضي الجزئي هو قاضي الأمور المستعجلة فلا تكون للمدعي عليه أية مصلحة من دفعه، وكثير من القضاة يتبع هذا الرأي ويقولون بتحكيم الذوق السليم في المسألة وهذا الذوق السليم في نظرهم يقضي بعدم التفرقة بين قاضي الأمور المستعجلة والقاضي الجزئي.
والحق يقال إني لا أستطيع أن أفهم كيف تهمل نصوص القانون الصريحة ويعمل بالذوق السليم.
أنا أفهم أن الذوق السليم يستخدم في تقدير الوقائع وتكييفها وفي تطبيق نصوص القانون على الوقائع، أما الحكم بالذوق السليم وحده مع وجود النص القانوني فمعناه أن القاضي يشرع لنفسه، وهذه الطريقة لو انتشر استعمالها يكون لها نتائج في غاية الخطورة على النظام القضائي لأن أمور الناس تصبح تحت رحمة ذوق القاضي وهو شيء مجهول وغير خاضعة لأحكام القانون المعروفة ويترتب عليها أيضًا أن تسقط قيمة القانون في عيون الناس وتنعدم في نفوس المشتغلين به ملكة البحث والاجتهاد.
ما هو قضاء الأمور المستعجلة؟
لم يعطِ له تعريف ما لا في القانون الفرنسي ولا في القانون المصري وفي اعتقادي أن التعريف الجامع المانع هو:
(القضاء المستعجل هو الفصل قضائيًا بإجراءات سريعة في طلب اتخاذ إجراء وقتي لمنع وقوع ضرر يتعذر إصلاحه بفوات الوقت بشرط أن لا يمس هذا الإجراء أصل الحق المتنازع بشأنه، وفي طلب الفصل في الإشكالات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ بشرط عدم التعرض لتفسيرها).
حكمة وضع هذا النظام:
والحكمة من وضع هذا النظام هي ضرورة إيجاد قضاء مؤقت ذي إجراءات سريعة لحماية الحقوق المهددة بالخطر العاجل ولضمان عدم تعطيل تنفيذ الأحكام ذلك التنفيذ الذي بدونه لا تكون هناك قيمة للأحكام والسندات الواجبة التنفيذ وتضيع على أصحابها مجهوداتهم وما صرفوه في سبيل الحصول عليها.
ما يترتب على أحكام القضاء المستعجل:
كل ما يصح أن يترتب على هذه الأحكام هو إجراء مؤقت يأمر به القضاء لحماية الحقوق المتنازع بشأنها من الأخطار التي تتهددها إذا تركت من غير هذا الإجراء أو يأمر به لإخلاء طريق التنفيذ من العقبات أو لوقف التنفيذ متى كان غير واجب.
ولا يصح أن يترتب على الحكم المستعجل أي مساس بأصل الحق المتنازع بشأنه أو أي تفسير للأحكام والسندات الواجبة التنفيذ.
ومعنى ذلك أن يكون للخصوم دائمًا حق الالتجاء إلى قاضي الموضوع وعرض موضوع النزاع عليه ليفصل فيه ويكون حكمه ملغيًا أو مؤيدًا لما قضى به القاضي المستعجل من الإجراءات الوقتية والمثل الظاهر لهذه القاعدة هو الدعوى المستعجلة بطلب إيقاف التنفيذ والدعوى الموضوعية بطلب بطلان إجراءات التنفيذ فإذا حكم برفض طلب إيقاف فلا يترتب على ذلك الحكم بعدم قبول دعوى البطلان وإذا حكم بإيقاف التنفيذ فلا يترتب على ذلك حتمًا الحكم ببطلان الإجراءات.
كذلك الحال في الدعوى المستعجلة بوقف البناء فالحكم بوقف البناء بناءً على حق ظاهر لا يمنع قاضي الموضوع من الحكم بعدم وجود الحق ولا غرابة في ذلك كله لأن قاضي الأمور المستعجلة ليس له في دائرة الاختصاص القضائي ما لقاضي الموضوع من سلطة ووقت غير محدودين لتحري حقيقة الواقع فيما يدعيه الخصوم.
كيف أدخل الشارع المصري هذا النظام في مصر؟
عندما وضع الشارع المصري قانون المحاكم المختلط أدخل فيه نظام القضاء المستعجل مأخوذًا عن القانون الفرنسي، فبالرجوع إلى قانون المرافعات الفرنسي نجد ما يأتي.
(فالمادة (806) تقول:
في جميع الأحوال المستعجلة أو في حالة طلب الحكم بصفة مؤقتة في المنازعات المتعلقة بتنفيذ السندات الواجبة التنفيذ أو بتنفيذ حكم يتبع ما يأتي من الإجراءات والمادة (807) تقول:
يقدم الطلب في جلسة يعقدها لهذا الغرض رئيس المحكمة الابتدائية أو القاضي الذي ينوب عنه في اليوم والساعة المحددين من المحكمة).
والمادة (808) تقول:
(إذا كانت الحالة تدعو إلى الاستعجال يجوز لرئيس المحكمة أو من يقوم مقامه أن يرخص بحضور الأخصام في الجلسة أو في منزله في الساعة التي يحددها ولو كان ذلك في أيام الأعياد).
والمادة (809) تقول:
(لا تمس الأحكام الصادرة في المواد المستعجلة أصل الحق وتكون قابلة للنفاذ العاجل بلا كفالة إذا كان القاضي لم يأمر بتقديمها، ولا تقبل المعارضة في هذه الأحكام ويجوز استئنافها قبل مضي ثمانية أيام من تاريخها ولا يكون استئنافها مقبولاً إذا رفع بعد مضي خمسة عشر يومًا من تاريخ إعلانها).
والمادة (810) تقول:
(تودع أصول الأوامر المستعجلة بقلم الكتاب).
والمادة (811) تقول:
(يجوز للقاضي في حالة الضرورة القصوى أن يأمر بتنفيذ أمره بنسخته الأصلية) ثم بمراجعة قانون المرافعات أمام المحاكم المختلطة نجد.
(المادة (26) منه تقول:
المحاكم التي تحكم ابتدائيًا هي:
1 – المحاكم الجزئية.
2 – المحاكم المدنية.
3 – المحاكم التجارية.
4 – محكمة الأمور المستعجلة.
والمادة (34) منه تقول:
(تتشكل محكمة الأمور المستعجلة من قاضٍ تعينه المحكمة ويفصل بموجهة الأخصام في المسائل المدنية والتجارية في طلب اتخاذ الإجراءات المستعجلة بدون مساس بأصل الحق وفي المسائل المتعلقة بتنفيذ الأحكام بدون تعرض لتفسيرها).
والمادة (136) تقول:
(يعقد رئيس محكمة الأمور المستعجلة في الأيام والساعات التي ستحدد في اللائحة جلسات يعرض عليه فيها أمر الفصل في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ وفي طلب اتخاذ إجراءات وقتية بدون مساس بأصل الحق).
والمادة (137) تقول:
تعلن طلبات الحضور قبل ميعاد الجلسة بيوم كامل.
والمادة (140) تقول:
(في الأحوال الأخرى التي تستوجب استعجالاً مطلقًا يكون للقاضي أن يأمر بإجراء الإعلان لحضور الأخصام بالجلسة أو في منزله بميعاد ساعة ولو كان ذلك في أيام الأعياد).
والمادة (142) تقول:
(لا تمس الأوامر المستعجلة مطلقًا بأصل الحق).
والمادة (143) تقول:
(تكون واجبة التنفيذ تنفيذا مؤقتًا بلا كفالة إلا إذا أمر بها القاضي)
والمادة (144) تقول:
(لا يجوز الطعن فيها بطريق المعارضة).
والمادة (145) تقول:
(يجوز للقاضي أن يأمر بأن يكون تنفيذ الأمر بنسخته الأصلية إذا رأى ضرورة لذلك)
والمادة (146) تقول:
(تودع أصول الأوامر المستعجلة بقلم الكتاب)
والمادة (407) تقول:
(يقصر الميعاد (ميعاد الاستئناف) إلى خمسة عشر يومًا في الأمور المستعجلة).
وبالرجوع إلى قانون المرافعات الأهلي نجد:
المادة (28) تقول:
(وكذلك يحكم قاضي الأمور الجزئية بمواجهة الأخصام في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ بشرط أن لا يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام ويحكم أيضًا في الأمور المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت بحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل الدعوى).
المادة (36) تقول:
(يجوز تكليف المدعى عليه بالحضور أمام قاضي المواد الجزئية بمقتضى علم خبر في المنازعات المستعجلة المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ وكذلك في الأمور المبينة في المادة (28))
والمادة (39) تقول:
(إذا حصلت المنازعات المذكورة في المادة (36) في وقت التنفيذ وجب على المحضر أن يكلف المدعى عليه بالحضور في ميعاد قصير ولو بميعاد ساعة واحدة ويكتب ذلك في محضر التنفيذ).
والمادة 49/ 2 تقول:
(وكذلك يجوز تكليف المدعى عليه بالحضور أمام المحكمة في ميعاد ساعة واحدة في المواد التجارية والجزئية في حالة شدة الضرورة على حسب ما يرى القاضي).
والمادة (355) تقول:
(يكون ميعاد الاستئناف خمسة عشر يومًا في الأحكام الصادرة في المنازعات المتعلقة بالتنفيذ وفي الأمور المستعجلة المبينة في المادة (28)).
والمادة (395) تقول:
(التنفيذ المؤقت يكون واجبًا لكافة الأحكام الصادرة من محاكم المواد الجزئية في المنازعات والأمور المذكورة في المادة (28).
والمادة (396) تقول:
(وفي الأحوال المستوجبة للاستعجال أو التي يخشى من تأخيرها حصول ضرر يجوز للمحكمة أو لقاضي المواد الجزئية الأمر بأن التنفيذ يكون بموجب نسخة الحكم الأصلية).
وبمقارنة نصوص هذه القوانين الثلاثة يتضح ما يأتي:
1 – إن قاضي الأمور المستعجلة في فرنسا هو رئيس المحكمة المدنية أو من ينوب عنه وفي المحاكم المختلطة هو القاضي الذي تندبه المحكمة الابتدائية وفي المحاكم الأهلية هو قاضي المواد الجزئية.
2 – في فرنسا والمحاكم المختلطة لقاضي الأمور المستعجلة دائرة خاصة وفي المحاكم الأهلية تدخل القضايا المستعجلة في دائرة المواد الجزئية.
3 – في فرنسا والمحاكم المختلطة لا تجوز المعارضة في الأحكام الغيابية الصادرة من قاضي الأمور المستعجلة أما في المحاكم الأهلية فهي قابلة للمعارضة لعدم وجود نص على الحرمان منها.
4 – في فرنسا والمحاكم المختلطة تستأنف الأحكام المستعجلة أمام محكمة الاستئناف وفي المحاكم الأهلية تستأنف أمام المحكمة الابتدائية كباقي الأحكام الجزئية.
ومما تقدم يتبين أن نظام المحاكم المختلطة يكاد يكون مطابقًا في كلياته وجزئياته لنظام المحاكم الفرنسية أما المحاكم الأهلية فلها نظام خاص شاذ هو دائمًا مثار للتردد والحيرة.
الفرق بين القضاء العادي والقضاء المستعجل:
من مقارنة النصوص السالفة الذكر الخاصة بالأمور المستعجلة بالنصوص الأخرى الخاصة بالأمور الموضوعية نتبين الفروق الآتية (في التشريع الأهلي).
1 – قصر مواعيد الإعلان بالحضور، فهي في القضاء المستعجل أقصر من مثلها أمام المحاكم الموضوعية.
2 – في النفاذ، فإن الأحكام المستعجلة واجبة النفاذ المعجل ولو لم ينص فيها على ذلك بخلاف الأحكام الأخرى فإنها لا تكون واجبة النفاذ معجلاً إلا في أحوال مخصوصة كما أن الأحكام المستعجلة يصح تنفيذها بنسختها الأصلية وهذا أمر غير جائز بالنسبة للأحكام الأخرى.
3 – ميعاد الاستئناف، هو خمسة عشر يومًا بالنسبة للأحكام المستعجلة مع أنه ثلاثون يومًا بالنسبة للأحكام الجزئية وستون يومًا بالنسبة للأحكام الابتدائية.
يضاف إلى هذه الفوارق فارق عظيم وهو أن الأحكام المستعجلة لا تحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالمعنى المعروف بالنسبة للأحكام الأخرى كما أن الأحكام المستعجلة تفقد مفعولها بزوال توقيتها أو بصدور حكم نهائي في الموضوع.
الدعوى المستعجلة هي دعوى ككل الدعاوى الأخرى:
يجب أن يتوفر في الدعوى المستعجلة ما يجب أن يتوفر في كل دعوى أخرى من أركان ثلاثة:
1 – الحق Droit.
2 – الصفة Qualité.
3 – المصلحة Intérêt .
ومن حق القاضي المستعجل بل من واجبه أن يتحقق قبل الحكم في الدعوى من توفر هذه الأركان فإذا وجدها متوفرة حكم في موضوع الطلب وإذا وجدها غير متوفرة كلها أو بعضها يقضي بعدم قبول الدعوى أو برفضها.
ويجب أن تتوفر هذه الأركان حتى في دعوى إثبات الحالة التي يقصد بها مجرد الحصول على دليل في الدعوى الموضوعية المزمع رفعها فيما بعد.
ولا يصح القول بأن بحث قاضي الأمور المستعجلة في توفر ركن الحق هو بحث موضوعي خارج عن اختصاصه ذلك لأن القاضي المذكور عند تعرضه للبحث في الحق لا يتعمق في بحثه بل يكتفي بقيام الدليل على احتمال وجود الحق ولنضرب لهذه المسألة مثلاً.
إذا جاء شخص وطلب إثبات حالة زراعة لحقها ضرر من فعل شخص آخر ولم تكن هذه الزراعة مملوكة له ولا له أي حق عليها فالقاضي يحكم في هذه الحالة بعدم قبول دعواه أو برفضها أما إذا ادعى أن له حقًا عليها ونازعه خصمه في دعواه فإن القاضي ينظر في حجج الطرفين وأدلتهما فإذا استخلص من ظاهرها ما يدل على احتمال وجود الحق يقبل الدعوى ويفصل فيها، أما إذا وجدها لا تؤيد هذا الاحتمال فإنه يقضي برفضها.
وكذلك يكون الحال بالنسبة للبحث في توفر ركني الصفة والمصلحة.
تحديد اختصاص قاضي الأمور المستعجلة:
يجب أن يلاحظ أن القاعدة العامة Tout tribunal est juge de sa competence) تنطبق أيضًا على قاضي الأمور المستعجلة.
فهو إذا صاحب السلطة في تحديد اختصاصه وحكمه خاضع لرقابة المحكمة الاستئنافية بطبيعة الحال، ولقد تبين مما تقدم بأن نصوص التشريعين الفرنسي والمصري جعلت اختصاص القاضي المستعجل محصورًا في أمرين.
1 – المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت.
2 – المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام والسندات الواجبة التنفيذ.
وأنها قيدت الأمر الأول بعدم المساس بأصل الحق وقيدت الأمر الثاني بعدم تفسير الأحكام ويتضح من ذلك أن المنازعات المتعلقة بتنفيذ الأحكام تعتبر في ذاتها وبطبيعتها من اختصاص القاضي المستعجل.
أما المسائل الأخرى التي يخشى عليها من فوات الوقت فيجب أن يتوفر فيها شرط الاستعجال وهذا الاستعجال معناه الخطر من فوات الوقت وهذا الخطر يجب أن يكون محققًا ومهددًا بالوقوع في أقرب وقت.
فإذا لم يكن هناك خطر أو كان الخطر غير محقق أو كان وقوعه غير منتظم في الحال أو في وقت قريب خرجت المسألة عن اختصاص القاضي المستعجل.
ولقد كان قضاء المحاكم المختلطة صريحًا حاسمًا في هذه المسألة فإذا وصفت الدعوى بصفة الاستعجال وقبل المدعي تأجيلها أجلاً واسعًا اعتبرها القاضي غير مستعجلة.
وكذلك الحال إذا سكت المدعي عن رفع الدعوى مدة طويلة من الزمن واحتمل خطر الانتظار اعتبرت دعواه غير مستعجلة.
وبكل أسف أقول إن في القضاء الأهلي في كثير من الأحيان لا يشعر القاضي الجزئي بحكمة الاستعجال فيؤجل الدعوى عدة جلسات للمرافعة ويؤجلها عدة جلسات للحكم.
وأعرف قضية حراسة كنت أترافع فيها عن المدعى عليه مكثت أمام القاضي تسعة شهور تقريبًا ثم صدر فيها حكم تمهيدي بتعيين خبير لمراجعة الحساب، واسمحوا لي أن أسرد لكم على سبيل التمثيل بعض المسائل الداخلة بلا خلاف في اختصاص القاضي المستعجل.
1 – المسائل المستعجلة:
1/ المنازعات الخاصة بإجراء الإصلاحات الوقتية وتمكين المالك من فعلها رغمًا من ممانعة المستأجر.
2/ إيقاف البناء على أرض ليس للباني عليها حق البقاء أو للغير عليها حق ارتفاق ثابت يقضي بتركها بلا بناء.
3/ هدم البناء الآيل للسقوط والمهدد لحياة الغير بالخطر أو اتخاذ الاحتياط اللازم لمنع سقوطه.
4/ إيقاف البناء الذي يقوم به المقاول مخالفًا للشروط.
5/ إخراج المستأجر من المنزل لإجراء إصلاحات مستعجلة أو هدم محكوم به.
6/ إخراج المستأجر من العين المؤجرة بعد نهاية الإيجار أو بعد أن أصبح العقد مفسوخًا بحكم أو بنص العقد بدون حاجة إلى حكم.
7/ تسليم العين لصاحب الصفة في إدارتها أو لمالكها بعد الحكم له بذلك.
8/ إثبات الحالة وتقدير التعويض بمعرفة خبير.
9/ بيع المنقولات المحجوز عليها وإيداع ثمنها بالخزينة.
10/ تعيين الحارس القضائي وتحديد مأموريته.
2- المسائل المتعلقة بالتنفيذ:
1/ إيقاف تنفيذ الأحكام أو السندات الواجبة التنفيذ.
2/ رفع الحجز الباطل.
3/ إيداع ثمن المبيع بخزانة المحكمة.
ولا يفوتني أن أقول إن المنازعات المتعلقة بالتنفيذ يدخل فيها ما هو متعلق بالشكل وما هو متعلق بالموضوع فالأولى كتحدي المحكوم عليه بعدم توافر شروط التنفيذ لانعدام التنبيه السابق مثلاً أو لعيب في إجراءاته كالتنفيذ على عقار (ماكينة ري ملتصقة بأرض مملوكة للمدين) بطريق التنفيذ على منقول والثانية كأن يدعى المحكوم عليه براءة ذمته من الدين بالتخالص أو كان يثير نزاعًا بشأن حقيقة ما قصدته المحكمة من حكمها.
فالمنازعات المتعلقة بإجراءات التنفيذ الشكلية هي وحدها التي تدخل في اختصاص قاضي الأمور المستعجلة وأما المنازعات الموضوعية فتكون من اختصاص المحكمة الموضوعية التي أصدرت الحكم (مادة (386) مرافعات) أو أي محكمة أخرى تنظر في النزاع الجديد.
ويجب على قاضي الأمور المستعجلة أن يبتعد عن المساس بقوة الشيء المحكوم فيه وعن تفسير الاتفاقات وعن التعرض لأصل الحق المتنازع فيه.
ويخرج عن اختصاصه:
1 – تصحيح الخطأ المادي الواقع بالحكم أو التعرض لتفسيره.
2 – اعتبار العقد مفسوخًا في حالة ما إذا كان هذا الفسخ غير متفق على حصوله بدون حاجة إلى حكم قضائي.
3 – إثبات مخالفة المتعهد لالتزاماته إذا كانت المخالفة تستدعي أبحاثًا ومناقشات موضوعية.
4 – الفصل في صحة العقود أو بطلانها.
5 – الحكم بتقديم كفالة إذا كان الحكم مشمولاً بالنفاذ بغيرها.
6 – إعطاء مهلة للمحكوم عليه لدفع المبلغ.
7 – الأمر بتنفيذ الحكم على شخص غير محكوم عليه.
8 – الحكم ببطلان إجراءات التنفيذ.
هل يزول اختصاص القاضي المستعجل إذا كانت هناك دعوى موضوعية منظورة في الوقت نفسه؟
المسألة خلافية:
ولكن الرأي الواجب العمل به هو أنه متى كان هناك خطر يدعو للسرعة والاستعجال فإن القاضي المستعجل يكون مختصًا رغمًا من قيام دعوى موضوعية أمام محكمة أخرى.
هل هذا الاختصاص من النظام العام؟
هو بلا جدال كذلك
والمسألة ليست خلافية في التشريع الفرنسي والتشريع المختلط ولكن بكل أسف فإن بعض المحاكم الأهلية لا يعتبره كذلك ويعتمد على أن الاختصاص المعتبر من النظام العام هو المنصوص عنه في المادة (15) والمادة (16) من لائحة الترتيب كما تقضي بذلك المادة 134/ 2 مرافعات أهلي.
وهذا خطأ ظاهر لأن اختصاص القاضي المستعجل هو من النظام العام بحكم تحديده في المادة ((28) مرافعات) التي تقول:
(……. بشرط أن لا يتعرض في حكمه لتفسير تلك الأحكام…… وبحيث لا يكون لحكمه تأثير في أصل الدعوى).
ومتى كان التشريع الفرنسي والمختلط يعتبران هذا الاختصاص من النظام العام وجب اعتباره كذلك في التشريع الأهلي لأنها كلها متفقة في تحديد هذا الاختصاص.
وكون القاضي الجزئي هو المختص أيضًا بالأمور المستعجلة لا يحمل مطلقًا على الخلط بين الاختصاصين.
مثل القاضي الجزئي وهو يعمل كقاضي للأمور المستعجلة كطبيب الإسعافات الوقتية هو في ذاته يستطيع أن يقوم بعمل العمليات الجراحية ولكنه باعتباره طبيب إسعاف لا يستطيع أن يفعل أكثر من ثم يرسل المصاب إلى المستشفى لعمل العملية اللازمة له.
هو مثل الآلة التي تستطيع أن تدور مائة دورة في الدقيقة مثلاً ولكنها تربط لتدور خمسين فقط هو كالممثل الذي يستطيع أن يمثل دورين مختلفين ولكنه متى لبس ثياب أحدهما لا يستطيع أن يمثل بها الدور الآخر.
ويجب أن لا يفهم من قول الشارع في المادة (28) مرافعات أهلي (وكذلك يحكم قاضي المواد الجزئية في المنازعات المستعجلة) أن الشارع قصد أن يخلط بين القضاء في الأمور المستعجلة والقضاء في المواد الجزئية، كلا، بل أنه قصد مجرد إحالة أمر الفصل في الأمور المستعجلة إلى القاضي الجزئي بطريق الندب القانوني.
ماذا يترتب على اعتباره من النظام العام؟
يترتب على هذا الاعتبار:
1 – عدم جواز اتفاق الخصوم على ما يخالفه فإن اتفقوا على مخالفته كان اتفاقهم باطلاً وكان لأي طرف منهم حق التحدي بهذا البطلان.
2 – جواز حكم القاضي من تلقاء نفسه بعدم اختصاصه.
3 – حق التمسك بعدم الاختصاص في أي حالة كانت عليها الدعوى وفي جميع أدوار التقاضي.

أرجو أن أكون قد وفقت إلى أن أقدم لكم صورة صحيحة مصغرة عن القضاء المستعجل ومدى اختصاصه وإلى تنبيه الأذهان إلى أهمية هذا الاختصاص ووجوب وضعه في دائرته الحقيقية وإني أشكر لكم تفضلكم بالاستماع إلى هذا الحديث القانوني، والسلام عليكم ورحمة الله.

[(1)] محاضرة ألقاها حضرة صاحب العزة الأستاذ محمد بك زكي علي المحامي (والمستشار بمحكمة استئناف مصر الأهلية حالاً) على المحامين تحت التمرين في يوم 5 مارس سنة 1926 بقاعة محكمة الاستئناف الأهلية، طلب منا نشرها بمناسبة العناية الموجهة إلى القضاء المستعجل في الوقت الحاضر، وما أضحى له من مكانة في المحيط القضائي، ومعلوم أنه قد استحدث الآن وبقرار من وزير الحقانية أمام محكمتي مصر وإسكندرية الأهليتين نظام القضاء المستعجل مستقلاً عن القاضي الجزئي فكانت له مميزاته وثمراته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *