ضوابط وشروط ميراث الحمل وفقاً لأحكام الشريعة الاسلامية

ضوابط وشروط ميراث الحمل وفقاً لأحكام الشريعة الاسلامية

مسألة ميراث الحمل

(من خلف ورثة فيهم حمل يرثه فطلبوا القسمة، وُقِفَ للحمل، إن اختلف إرثه بالذكورة والأنوثة، الأكثر من إرث ذكرين أو أنثيين، فإذا ولد أخذ حقه من الموقوف وما بقي فهو لمستحقه، وإن أَعْوَزَ شيء بأن وقفنا ميراث ذكرين فولدت ثلاثة رجع على من هو بيده)[1].

قال في “المغني”: “إذا مات الإنسان عن حملٍ يرثه وقف الأمر حتى يتبين، فإن طالب الورثة بالقسمة لم يُعطوا كل المال بغير خلافٍ، إلا ما حُكِيَ عن داود، والصحيح عنه مثل قول الجماعة، ولكن يدفع إلى من لا ينقصه الحمل كمال ميراثه، وإلى من ينقصه أقل ما يصيبه، ولا يدفع إلى من يسقطه شيء.

فأما من يُشاركه:

فأكثر أهل العلم قالوا: يُوقف للحمل شيء ويدفع إلى شركائه الباقي، وبهذا قال أبو حنيفة وأصحابه[2] والليث وشريك ويحيى بن آدم، وهو رواية الربيع عن الشافعي[3].

والمشهور عنه[4]: أنه لا يدفع إلى شركائه شيء؛ لأن الحمل لا حدَّ له، ولا نعلمُ كم يترك له… إلى أن قال: واختلف القائلون بالوقف فيما يوقف:

فرُوي عن أحمد[5]: أنه يُوقف نصيبُ ذكرين إن كان نصيبهما أكثر، أو أنثيين إن كان نصيبها أكثر، وهذا قول محمد بن الحسن[6] واللؤلؤي.

وقال شريك: يوقف نصيب أربعة، وروى ابن المبارك هذا القول عن أبي حنيفة[7]، ورواه الربيع عن الشافعي رضي الله عنه[8].

وقال الليث وأبو يوسف[9]: يُوقف نصيب غلام ويؤخذ ضمِين من الورثة.

ولنا[10]: أن ولادة التوأمين كثيرٌ معتادٌ، فلا يجوز قسم نصيبهما كالواحد، وما زاد عليهما نادر، فلم يُوقف له شيء كالخامس والسادس.

ومتى ولدت المرأة من يرث الموقوف كله أخذه، وإن بقي منه شيء رد إلى أهله، وإن أَعْوَز رجع على من هو في يده.

ولا يرث الحمل إلا بشرطين:

أحدهما: أن يعلم أنه كان موجوداً حال الموت، ويُعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر، فإن أتت به لأكثر من ذلك نظرنا، فإن كان لها زوج أو سيد يطؤها لم يرث، إلا أن يُقر الورثة أنه كان موجوداً حال الموت.

وإن كانت لا تُوطأ إما لعدم الزوج أو السيد، وإما لغيبتهما أو اجتنابهما الوطء عجزاً أو قصداً أو غيره ورث؛ ما لم يجاوز أكثر مدة الحمل، وذلك أربع سنين، في أصح الروايتين[11]، وفي الأخرى: سنتان[12].

والثاني: أن تضعه حيّاً، فإن وضعته ميتاً لم يرث في قولهم جميعاً”[13].

وقال البخاري: “(باب الولد للفراش حُرَّةً كانت أو أمةً).

حدثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن وليدة زَمْعَة منِّي، فاقبضه إليك، فلما كان عام الفتح أخذه سعدٌ فقال: ابن أخي، عهد إلي فيه، فقام عبد بن زَمْعَة: فقال: أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراشه، فتساوقا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال سعد: يا رسول الله، ابن أخي قد كان عهد إليَّ فيه، فقال عبد بن زَمْعَة: أخي وابن وليدة أبي، وُلد على فراشه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هو لك يا عبد بن زَمْعَة، الولد للفراش، وللعاهر الحجر)، ثم قال لسودة بنت زَمْعَة: (احتجبي منه)، لما رأى من شَبَهِهِ بعتبة، فما رآها حتى لقي الله[14].

وذكر حديث أبي هريرة، وفيه: (الولد لصاحب الفراش)[15]”.

قال الحافظ: “قوله: (باب الولد للفراش حرة كانت – أي: المُستفرَشة – أو أمة)… إلى أن قال: واستدل به على أن الأَمَة تصير فراشاً بالوطء، فإذا اعترف السيد بوطء أَمَته، وثبت ذلك بأي طريقٍ كان، ثم أتت بولدٍ لمدة الإمكان بعد الوطء لحقه من غير استلحاق كما في الزوجة، لكن الزوجة تصير فراشاً بمجرد العقد، فلا يُشترط في الاستلحاق إلا الإمكان؛ لأنها تُراد للوطء، فجعل العقد عليها كالوطء، بخلاف الأَمَة فإنها تُراد لمنافع أُخرى، فاشترط في حقها الوطء.

ومن ثمَّ يجوز الجمع بين الأختين بالملك دون الوطء، وهذا قول الجمهور[16].

وعن الحنفية[17]: لا تصير الأَمَة فراشاً إلا إذا ولدت من السيد ولداً ولَحِق به، فمهما ولدت بعد ذلك لَحِقَه، إلا أن ينفيه.

وعن الحنابلة[18]: من اعترف بالوطء فأتت منه لمدة الإمكان لحقه، وإن ولدت منه أولاً فاستلحقه لم يلحقه ما بعده إلا بإقرار مستأنف على الراجح عندهم.

وترجيح المذهب الأول ظاهر؛ لأنه لم ينقل أنه كان لزَمْعَة من هذه الأمة ولد آخر.

والكل متفقون على أنها لا تصير فراشاً إلا بالوطء[19].

واستدل به على أن السبب لا يخرج، ولو قلنا: إن العبرة بعموم اللفظ، ثم وقع الاتفاق على تعميمه في الزوجات، لكن شرط الشافعي والجمهور الإمكان زماناً ومكاناً[20].

وعن الحنفية[21]: يكفي مُجرد العقد فتصير فراشاً ويلحق الزوج الولد، وحجتهم: عموم قوله: (الولد للفراش)؛ لأنه لا يحتاج إلى تقدير وهو: الولد لصاحب الفراش؛ لأن المراد بالفراش: الموطوءة، ورده القرطبي: بأن الفراش كناية عن الموطوءة؛ لكون الواطئ يستفرشها، أي: يصيرها بوطئه لها فراشاً له، يعني: فلا بد من اعتبار الوطء حتى تُسمى فراشاً، وألحق به إمكان الوطء، فمع عدم إمكان الوطء لا تُسمى فراشاً.

قال ابن دقيق العيد[22]: معنى: (الولد للفراش): تابع للفراش: أو محكوم به للفراش، أو ما يقارب هذا.

واستدل به على أن القَائِف إنما يعتمد في الشَّبَه إذا لم يُعَارِضه ما هو أقوى منه؛ لأن الشارع لم يلتفت هنا إلى الشبه والتفت إليه في قصة زيد بن حارثة.

وكذا لم يحكم بالشَّبَه في قصة الملاعنة؛ لأنه عارضه حكم أقوى منه، وهو مشروعية اللعان.

وفيه: تخصيص عموم الولد للفراش.

قوله: (ثم قال لسودة: احتجبي منه)، في رواية الليث: (واحتجبي منه يا سودة بنت زَمْعَة)[23]، وقد استدل به الحنفية على أنه لم يلحقه بزَمْعَة؛ لأنه لو ألحق به لكان أخا سودة، والأخ لا يُؤمر بالاحتجاب منه.

وأجاب الجمهور: بأن الأمر بذلك كان للاحتياط؛ لأنه وإن حكم بأنه أخوها لكن لما رأى الشَّبَه بيِّناً بعتبة أمرها بالاحتجاب منه احتياطاً، وأشار الخطابي إلى أن في ذلك مَزِيّة لأمهات المؤمنين؛ لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن.

قال: وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث، وليس بالثابت: (احتجبي منه يا سودة؛ فإنه ليس لك بأخٍ)[24].

قال الحافظ: وإذا ثبتت هذه الزيادة تعيَّن تأويل نفي الأخوة عن سودة على نحو ما تقدم من أمرها بالاحتجاب منه.

ونقل ابن العربي في “القوانين” عن الشافعي نحو ما تقدم، وزاد: ولو كان أخاها بنسب مُحَقَّق لما منعها، كما أمر عائشة ألّا تحتجب من عَمِّها من الرضاعة.

وقال البيهقي: معنى قوله: (ليس لك بأخ) – إن ثبت -: ليس لك بأخ شَبَهاً، فلا يخالف قوله لعبد: (هو أخوك)[25].

قال الحافظ: أو معنى قوله: (ليس لك بأخ) بالنسبة للميراث من زَمْعَة؛ لأن زَمْعَة مات كافراً وخلَّف عبد بن زَمْعَة والولد المذكور وسودة، فلا حقَّ لسودة في إرثه، بل حازه عبد قبل الاستلحاق، فإذا استلحق الابن المذكور شاركه في الإرث دون سودة.

فلهذا قال لعبد: (هو أخوك)، وقال لسودة: (ليس لك بأخ)، وقال القرطبي – بعد أن قرَّر أن أمر سودة بالاحتجاب للاحتياط وتوقِّي الشُّبهات – ويحتمل أن يكون ذلك لتغليظ أمر الحجاب في حقِّ أمهات المؤمنين، كما قال: (أفعمياوان أنتما)[26]، فنهاهما عن رؤية الأعمى مع قوله لفاطمة بنت قيس: (اعْتَدِّي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه أعمى)[27]، فغلَّظ الحجاب في حقِّهنَّ دون غيرهن.

واستدل به على أن لوطء الزنى حُكم وطء الحلال في حرمة المصاهرة، وهو قول الجمهور[28].

ووجه الدلالة: أمر سودة بالاحتجاب بعد الحكم بأنه أخوها لأجل الشبه بالزاني. انتهى مُلخصاً”[29].

وقال ابن رشد: “واتفقوا على أن الولد لا يلحق بالفراش في أقل من ستة أشهر، إما من وقت العقد وإما من وقت الدخول، وأنه يلحق من وقت الدخول إلى أقصر زمان الحمل، أو إن كان قد فارقها واعتزلها[30].

واختلفوا في أطول زمان الحمل الذي يلحق به بالوالد الولد:

فقال مالك[31]: خمس سنين، وقال بعض أصحابه[32]: سبع.

وقال الشافعي[33]: أربع سنين.

وقال الكوفيون[34]: سنتان.

وقال محمد بن الحكم: سنة.

وقال داود[35]: تسعة[36] أشهر.

وهذه المسألة مرجوع فيها إلى العادة والتجربة، وقول ابن عبد الحكم والظاهرية هو أقرب إلى المعتاد والحكم إنما يجب أن يكون بالمعتاد لا بالنادر، ولعله أن يكون مُستحيلاً.

وذهب مالك[37] والشافعي[38] إلى أن من تزوج امرأة ولم يدخل بها أو دخل بها بعد الوقت وأتت بولد لستةِ أشهر من وقت العقد لا من وقت الدخول: أنه لا يلحق به، إلا إذا أتت به لستة أشهر فأكثر من ذلك من وقت الدخول.

وقال أبو حنيفة[39]: هي فراش له ويلحقه الولد.

وعمدة مالك: أنها ليست بفراش إلا بإمكان الوطء، وهو مع الدخول.

وعمدة أبي حنيفة: عموم قوله عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش)[40]، وكأنه يرى أن هذا تعبُّد بمنزلة تغليب الوطء الحلال على الوطء الحرام في إلحاق الولد بالوطء الحلال.

واختلفوا من هذا الباب في إثبات النسب بالقافة، وذلك عندما يطأ رجلان في طهر واحد بملك يمين، أو بنكاح، ويتصور الحكم أيضاً بالقافة في اللقيط الذي يدَّعيه رجلان أو ثلاثة.

والقَافَة عند العرب: هم قوم كانت عندهم معرفة بفصول تشابه أشخاص الناس.

فقال بالقافة من فقهاء الأمصار: مالك[41] والشافعي[42] وأحمد[43] وأبو ثور والأوزاعي.

وَأَبَى الحُكْمَ بالقافِة الكوفيون[44] وأكثر أهل العراق.

والحكم عند هؤلاء: أنه إذا ادعى رجلان ولداً كان الولد بينهما، وذلك إذا لم يكن لأحدهما فراش، مثل: أن يكون لقيطاً، أو كانت المرأة الواحدة لكل واحدٍ منهما فراشاً، مثل: الأمة أو الحرة يطؤها رجلان في طهرٍ واحد.

وعند الجمهور من القائلين بهذا القول أنه يجوز أن يكون عندهم للابن الواحد أبوان فقط.

وقال محمد صاحب أبي حنيفة[45]: يجوز أن يكون ابناً لثلاثة إن ادعوه.

وهذا كله تخليط وإبطال للمعقول والمنقول.

وعمدة استدلال مَن قال بالقافة: ما رواه مالك، عن سليمان بن يسار: أن عمر بن الخطاب كان يُلِيطُ أولاد الجاهلية بمن استلاطهم – أي: بمن ادعاهم في الإسلام – فأتى رجلان كلاهما يدَّعي ولد امرأةٍ فدعا قائفاً فنظر إليه فقال القائف: لقد اشتركا فيه، فضربه عمر بالدرة ثم دعا المرأة فقال: أخبريني بخبركِ. فقالت: كان هذا لأحد الرجلين يأتي في إبل لأهلها فلا يفارقها حتى يظن أو نظن [أنه قد استمر بها حمل، ثم انصرف عنها فأهريقت عليه دماً، ثم خلف هذا عليها – تعني: الآخر – فلا أدري أيهما هو، فكبَّر القائف فقال عمر للغلام: وَالِ أيهما شئت[46].

قالوا: فقضاء عمر بمحضر من الصحابة بالقافة من غير إنكار من واحد منهم، هو كالإجماع.

وهذا الحكم عند مالك[47] إذا قضى القافة بالاشتراك أن يؤخر الصبي حتى يبلغ، ويقال له: والِ أيهما شئت، ولا يلحق واحد باثنين، وبه قال الشافعي[48].

وقال أبو ثور: يكون ابناً لهما إذا زعم القائف][49] أنهما اشتركا فيه، وعند مالك: أنه ليس يكون ابناً للاثنين؛ لقوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13].

واحتج القائلون بالقافة أيضاً بحديث ابن شهابٍ، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً تبرق أسارير وجهه، فقال: (ألم تسمعي ما قال مجزز المدلجي لزيد وأسامة ورأى أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض)[50].

قالوا: وهذا مَروي عن ابن عباس، وعن أنس بن مالك، ولا مُخالف لهم من الصحابة.

وأما الكوفيون فقالوا: الأصل ألّا يحكم لأحد المتنازعين في الولد إلا أن يكون هنالك فراش؛ لقوله عليه السلام: (الولد للفراش)، [فإذا عُدم الفراش، أو اشتركا الفراش كان ذلك بينهما، وكأنهم رأوا ذلك بُنُوَّة شَرْعِيَّة لا طبيعية، فإنه ليس يلزم من قال: إنه لا يمكن أن يكون ابنٌ واحدٌ عن أبوين بالعقل ألّا يجوز وقوع ذلك في الشرع.

ورُوي مثل قولهم عن عمر، ورواه عبد الرزاق عن علي.

وقال الشافعي[51]: لا يُقبل في القافية إلا رجلان، وعن مالك في ذلك روايتان[52]:

إحداهما مثل قول الشافعي.

والثانية: أنه يُقبل قولُ قائفٍ واحد.

والقافة في][53] المشهور عن مالك[54] إنما يُقضى بها في ملك اليمين فقط لا في النكاح.

وروى ابن وهب عنه مثل قول الشافعي.

وقال أبو عمر بن عبد البر[55]: في هذا حديث حسن مسند، أخذ به جماعة من أهل الحديث وأهل الظاهر، رواه الثوري، عن صالح بن حي، عن الشعبي، عن زيد ابن أرقم قال: كان علي باليمن فأُتي بامرأةٍ وطئها ثلاثة أُناس في طهرٍ واحدٍ فسأل كل واحدٍ منهم أن يُقر لصاحبه بالولد فأبى فأقرع بينهم، وقضى بالولد للذي أصابته القرعة، وجعل عليه ثلث الدية، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه وضحك حتى بدت نواجذه[56]، وفي هذا القول إنفاذ الحكم بالقافة وإلحاق الولد بالقرعة”[57].

وقال في “الاختيارات”: “باب: ما يلحق من النسب ولا تصير الزوجة فراشاً إلا بالدخول، وهو مأخوذ من كلام الإمام أحمد في رواية حرب.

وتتبعض الأحكام؛ لقوله: (احتجبي يا سودة)، وعليه نصوص أحمد، وإن استلحق ولده من الزنى ولا فراش لحقه، وهو مذهب الحسن وابن سيرين والنخعي وإسحاق.

ولو أقرَّ بنسب أو شهدت به بينة فشهدت بينة أُخرى أن هذا ليس من نوع هذا، بل هذا رومي وهذا فارسي، فهذا في وجه نسبه تعارض القافة أو البينة، ومن وجه كبر السن فهذا العارض[58] النافي للنسب هل يَقدح في المقتضي له؟

قال أبو العباس: هذه المسألة حدثت وسُئِلتُ عنها، وكان الجواب: أن التغاير بينهما إن أوجب القطع بعدم النسب فهو كالسن، مثل أن يكون أحدهما حبشياً والآخر روميّاً ونحو ذلك، فهنا ينتفي النسب وإن كان أمراً محتملاً لم ينفه، ولكن إن كان المقتضي للنسب الفراش لم يلتفت إلى المعارضة، وإن كان المثبت له مجرد الإقرار أو البينة، فاختلاف الجنس مُعارض ظاهر، فإن كان النسب بنوة فثبوتها أرجح من غيرها إذ لا بد للابن من أب غالباً وظاهراً.

قال في “الكافي”: ولو أنكر المجنون بعد البلوغ لم يلتفت إلى إنكاره.

قال أبو العباس: ويتوجه أن يقبل؛ لأنه إيجاب حق عليه بمجرد قول غيره مع منازعته، كما لو حكمنا للقيط بالحرية، فإذا بلغ فأقر بالرقِّ قبلنا إقراره، ولو أَدخلت المرأة لزوجها أَمَتَها إن ظن جوازه لحقه الولد وإلا فروايتان[59]، ويكون حرّاً على الصحيح إن ظن حلها بذلك.

وإذا وطئ المرتهن الأمة المرهونة بإذن الراهن وظنَّ جواز ذلك لحقه الولد، وانعقد حرّاً، وإذا تداعيا بهيمةً أو فصيلاً فشهد القائف أن دابة هذا تنتجها، ينبغي أن يُقضى بهذه الشهادة، وتقدم على اليد الحسية.

ويَتَوَجَّهُ أن يُحكم بالقيافة في الأموال كلها، كما حكمنا بذلك في الجذع المقلوع إذا كان له موضع في الدار، وكما حكمنا في الاشتراك في اليد الحسيَّة بما يظهر من اليد العُرفية، فأعطينا كل واحدٍ من الزوجين ما يُناسبه في العادة، وكما حكمنا بالوصف في اللقطة إذا تداعاها اثنان، وهذا نوع قيافةٍ أو شبيه به.

وكذلك لو تنازعا غِراساً أو ثمراً في أيديهما فشهد أهل الخبرة أنه من هذا البستان ويرجع إلى أهل الخبرة حيث يستوي المتداعيان، كما رجع إلى أهل الخبرة بالنَّسب.

وكذلك لو تنازع اثنان لِباساً، أو نعلاً من لباس أحدهما دون الآخر، أو تنازعا دابة، تذهب من بعيد إلى اصطبل أحدهما دون الآخر، أو تنازعا زوج خفٍّ أو مصراعاً مع الآخر شكله أو كان عليه علامة لأحدهما كالزَّرْبُول التي للجُند، وسواء كان المُدعي في أيديهما أو في يدِ ثالث.

وأما إن كانت اليد لأحدهما دون الآخر، فالقِيافة المعارضة لهذا كالقيافة المُعارضة للفراش، فإذا قلنا بـ [تقديم] القيافة في صورة الرجحان فقد نقول هاهنا كذلك، ومثل أن يَدَّعي أنه ذهب من ماله شيء ويثبت ذلك فيقص القائف أثر الوطء من مكان إلى مكان آخر.

فشهادة القائف أن المال دخل إلى هذا الموضع توجب أحد الأمرين، إما الحكم به وإما أن يكون لوثاً يُحكم به مع اليمين للمدعي، وهو الأقرب، فإن هذه الأمارة ترجح جانب المدَّعي، واليمين مشروعة في أقوى الجانبين، ولو مات الطفل قبل أن تراه القافة، قال المزني: يوقف ماله، وما قاله ضعيف، وإنما قياس المذهب: القُرعة، ويحتمل الشركة، ويحتمل أن [لا] يرث واحد منهما”[60].

[1] الروض المربع ص368.

[2] حاشية ابن عابدين 6/ 856.

[3] المجموع 17/ 177.

[4] تحفة المحتاج 6/ 424، ونهاية المحتاج 6/ 31.

[5] شرح منتهى الإرادات 4/ 611، وكشاف القناع 10/ 453.

[6] حاشية ابن عابدين 6/ 856.

[7] حاشية ابن عابدين 6/ 857.

[8] المجموع 17/ 177.

[9] حاشية ابن عابدين 6/ 856.

[10] شرح منتهى الإرادات 4/ 611، وكشاف القناع 10/ 452 – 453.

[11] شرح منتهى الإرادات 5/ 590، وكشاف القناع 13/ 14.

[12] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 24/ 42.

[13] المغني 9/ 177 – 180.

[14] البخاري 6749.

[15] البخاري 6750.

[16] فتح القدير 2/ 360، وحاشية ابن عابدين 3/ 42. والشرح الصغير 1/ 400، وحاشية الدسوقي 2/ 257. وتحفة المحتاج 7/ 307، ونهاية المحتاج 6/ 278. وشرح منتهى الإرادات 5/ 165، وكشاف القناع 11/ 330.

[17] فتح القدير 3/ 441، وحاشية ابن عابدين 3/ 725 – 727.

[18] شرح منتهى الإرادات 5/ 581، وكشاف القناع 12/ 554 – 555.

[19] الشرح الصغير 2/ 458، وحاشية ابن عابدين 4/ 407. وتحفة المحتاج 8/ 281، ونهاية المحتاج 7/ 170. وشرح منتهى الإرادات 5/ 581، وكشاف القناع 12/ 554 – 555.

[20] فتح القدير 3/ 447، وحاشية ابن عابدين 3/ 725. والشرح الصغير 2/ 458، وحاشية الدسوقي 4/ 407. وتحفة المحتاج 8/ 281، ونهاية المحتاج 7/ 170 – 171. وشرح منتهى الإرادات 5/ 581، وكشاف القناع 12/ 554 – 555.

[21] فتح القدير 3/ 445.

[22] إحكام الأحكام شرك عمدة الأحكام 2/ 205.

[23] البخاري 6765.

[24] أخرجه النسائي 6/ 180 قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، عن جرير، عن منصور، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، مولىً لهم، عن عبد الله بن الزبير، قال: كانت لزَمْعَة جارية يطؤها … الحديث.

وأخرجه أحمد 4/ 5 قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا سفيان، عن منصور، عن مجاهد، عن عبد الله بن الزبير، نحوه. ليس فيه: يوسف بن الزبير. وأخرجه الحاكم 4/ 108، والبيهقي 6/ 87، من طريق جرير، عن مجاهد، عن يوسف بن الزبير، عن عبد الله بن الزبير.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال البيهقي: في رواته من نُسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ وهو جرير بن عبد الحميد، وفيهم من لا يُعرف بسبب يثبت به حديثه، وهو يوسف بن الزبير.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 7/ 296: هذا حديث صحيح الإسناد.

وقال ابن التركماني في الجوهر النقي: هذا سند صحيح … ويوسف معروف العدالة، وروى عنه مجاهد وبكر بن عبد الله المزني، وأخرج له الحاكم، وذكره ابن حبان في الثقات، وفي الكاشف للذهبي: هو ثقة. ولعل يوسف هذا اشتبه على البيهقي بآخر يقال له: يوسف بن الزبير، يروي عن أبيه عن مسروق، هو وأبوه مجهولان.

[25] البخاري 4303.

[26] أخرجه أحمد 6/ 296، وأبو داود 4112، والترمذي 2778، والنسائي في الكبرى 5/ 3939241، عن يونس بن يزيد، وعقيل عن ابن شهاب الزهري، عن نبهان مولى أُم سلمة، عن أم سلمة رضي الله عنه، به.

وصححه: الترمذي، وابن الملقن في البدر المنير 7/ 512.

وقال الحافظ في الفتح 9/ 337: وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعلة قادحة؛ فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد؛ لا ترد روايته.

تعقبه الألباني في السلسة الضعيفة 12/ 902 5958 بقوله: كذا قال! وليس يخفى على البصير أن وصف الزهري لنبهان بما ذَكَر ليس له علاقة بالتوثيق بوجه من الوجوه مطلقاً، وهل هو إلا كما لو قال: عبد فلان، أو: أخو فلان؛ بل و: ابن فلان، ونحو ذلك من الأوصاف التي لا تُسمن ولا تغني من جوع في التعديل والتوثيق.

قال الإمام أحمد كما في المغني لابن قدامة 6/ 563: نبهان روى حديثين عجيبين، يعني هذا الحديث وحديث: إذا كان لإحداكن مكاتب فلتحتجب منه.

ونبهان هذا أورده الذهبي في ذيل الضعفاء، وقال: قال ابن حزم: مجهول، وقال الحافظ في التقريب: مقبول.

[27] مسلم 1480، من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنه.

[28] فتح القدير 2/ 365، وحاشية ابن عابدين 3/ 34. وشرح منتهى الإرادات 5/ 160، وكشاف القناع 11/ 320.

[29] فتح الباري 12/ 32 – 38.

[30] فتح القدير 3/ 308، وحاشية ابن عابدين 3/ 142. والشرح الصغير 1/ 493، وحاشية الدسوقي 2/ 460. وتحفة المحتاج 8/ 214، ونهاية المحتاج 7/ 112. وشرح منتهى الإرادات 5/ 578، وكشاف القناع 12/ 549.

[31] الشرح الصغير 1/ 500، وحاشية الدسوقي 4/ 407.

[32] الشرح الصغير 1/ 500، وحاشية الدسوقي 2/ 474.

[33] تحفة المحتاج 8/ 243، ونهاية المحتاج 7/ 133.

[34] فتح القدير 3/ 310، وحاشية ابن عابدين 3/ 567.

[35] المحلى 10/ 131.

[36] كذا في الأصل، وهو الصحيح، وفي بداية المجتهد: “ستة أشهر”.

[37] الشرح الصغير 1/ 493، وحاشية الدسوقي 2/ 460.

[38] تحفة المحتاج 8/ 214، ونهاية المحتاج 7/ 112.

[39] فتح القدير 2/ 470، وحاشية ابن عابدين 3/ 142.

[40] البخاري 2053، ومسلم 1457، من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.

[41] حاشية الدسوقي 3/ 416، ومنح الجليل 3/ 445.

[42] تحفة المحتاج 10/ 348، ونهاية المحتاج 8/ 375.

[43] شرح منتهى الإرادات 4/ 622، كشاف القناع 10/ 467.

[44] فتح القدير 3/ 455، وحاشية ابن عابدين 3/ 732.

[45] فتح القدير 3/ 458، وحاشية ابن عابدين 3/ 732.

[46] رواه مالك 2/ 740، والبيهقي 10/ 263، والطحاوي في “شرح معاني الآثار” 4/ 161.

[47] الشرح الصغير 2/ 462، وحاشية الدسوقي 4/ 414.

[48] تحفة المحتاج 10/ 431، ونهاية المحتاج 8/ 441.

[49] ما بين المعقوفين كلام غير واضح في الأصل، واستدرك من بداية المجتهد.

[50] البخاري 6770، ومسلم 1459.

[51] نهاية المحتاج 8/ 375.

[52] الشرح الصغير 2/ 239، وحاشية الدسوقي 3/ 417.

[53] ما بين المعقوفين كلام غير واضح في الأصل، وأثبت من بداية المجتهد.

[54] حاشية الدسوقي 3/ 417.

[55] الاستذكار 7/ 175 – 176.

[56] أخرجه عبدالرزاق 7/ 359 13472، ومن طريقه أبو داود 2270، والنسائي 6/ 182، وابن ماجه 2348، والبيهقي 10/ 266 – 267، عن الثوري، عن صالح الهمداني، عن الشعبي، عن عبد خير الحضرمي، عن زيد بن أرقم، قال: أُتي عليُّ بن أبي طالب … الحديث.

قال العقيلي في الضعفاء الكبير 1/ 123: لا يُتابع الأجلحَ على هذا – مع اضطرابه فيه – إلا من هو دونه: محمد بن سالم.

[57] بداية المجتهد 2/ 330 – 332.

[58] كذا في الأصل، وفي الاختيارات: “المعارض”.

[59] الإنصاف مع المقنع والشرح الكبير 26/ 451 – 452، وشرح منتهى الإرادات 6/ 226، وكشاف القناع 14/ 113.

[60] الاختيارات الفقهية ص278 – 280.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *