عقوبة إستعمال بطاقة الإئتمان المزورة

عقوبة إستعمال بطاقة الإئتمان المزورة.

 جرمت التشريعات الجزائية العربية واقعة استعمال المحرر المزور حتى ولو لم يكن المستعمل للمحرر المزور هو نفسه من زوره.

وقد أجمع الفقه والقضاء على المساءلة الجزائية لكل من استعمل بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة سواء بالسحب أو بالوفاء، إلا أنهم اختلفوا فيما بينهم حول نوع الجريمة التي يساءل عنها وكما يلي:

الرأي الأول: يرى بعض الفقه العربي مساءلة مرتكب هذه الواقعة عن جريمة سرقة مشددة لاستعماله مفتاح مصطنع، واستدلوا بأن المال خرج من حيازة المجني عليه بغير رضائه وان البطاقة المزورة تعد من قبيل المفتاح المصطنع، على أساس أن المفتاح المصطنع هو كل أداة تقوم بذات الوظيفة التي يقوم بها المفتاح بغض النظر عن شكلها أو حجمها أو المادة المصنوع منها، خاصة وان البطاقة في حقيقتها مجرد أداة للوصول إلى سحب النقود من الحساب، فالجهاز يعتبر خزينة نقود والرقم السري لبطاقة الائتمان هو المفتاح الذي يفتح به الجاني خزينة النقود([1]).

إلا أن هذا الرأي تعرض للنقد من قبل غالبية الفقه المصري مستندين في أن تسليم النقود قد تم إرادياً من قبل الجهاز الآلي لتوزيع النقود بمجرد إدخال البطاقة الإلكترونية في الجهاز وكتابة الرقم السري لها وليس خلسة، كما أن هذه البطاقة الائتمانية الإلكترونية لا تعد ولو حكماً مفتاحاً مصطنعاً لأن المفتاح المصطنع يعرف على انه تلك الأداة المستخدمة من قبل الجاني في فتح قفل الباب الخارجي للمكان، سواء أكان مفتاحاً مقلداً أم مفتاحاً حقيقياً للباب قلده صاحبه واستعاض عنه بغيره، فعثر عليه السارق ([2]).

كما أن هذا المفتاح يستخدم للدخول إلى المكان الذي سوف ترتكب فيه واقعة السرقة وهو ما لا يتحقق في بطاقة الائتمان الإلكترونية فهي لا تستعمل في الدخول لمثل هكذا مكان، بل هي أداة الجريمة نفسها. أضف إلى ما تقدم، فالمبادئ العامة في القانون الجنائي تمنع القياس في النصوص القانونية التجريمية لأن القول بأن بطاقة الائتمان الإلكترونية هي بمثابة مفتاح مصطنع يعد نوعاً من القياس وهو ما لا يجوز قانوناً([3]).

الرأي الثاني: يرى بأنه إذا قام أحد الأفراد باستعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء فانه يعد مرتكباً لجريمة الاحتيال ودليلهم في ذلك أن استعمال مثل هذا النوع من البطاقات المزورة هو بمثابة استخدام طرق احتيالية لخداع الجهاز الآلي الذي يقوم بدوره بسحب النقود أو إيهام التاجر بوجود ائتمان بهدف الحصول على السلع والخدمات([4]).

وقد أخذ بهذا الرأي القضاء الجنائي الفرنسي حيث قضت محكمة النقض الفرنسية أن الجهاز الآلي لتوزيع النقود يمكن خداعه لأنه يوجد خلف كل جهاز صاحبه وهو موظف البنك، على الرغم من أن بعض المحاكم الجزائية الفرنسية قد اعترضت على هذا الرأي مستندة إلى أن الطرق الاحتيالية يجب أن تربط بين شخصين وهما الجاني والمجني عليه وهو ما لا يتحقق هنا، فالعلاقة التي تنشأ عن استخدام بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة في السحب مثلاً تكون بين شخص وهو الجاني وبين شيء وهو الصراف الآلي([5]).

الرأي الثالث: يرى بأن استعمال بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة يشكل جريمة استعمال محرر مزور وذلك لتوافر أركان هذه الجريمة في هذه الواقعة، فموضوع الجريمة يرد على محرر مزور وهو هنا بطاقة الائتمان الإلكترونية المزورة، كما يشترط في النشاط المادي لجريمة استعمال محرر مزور أن يحتج بالمحرر المزور على أنه صحيح وهو ما حدث في هذه الواقعة، حيث استعملها حائزها سواء أكان ذلك في السحب أو الوفاء،

كما يشترط أن ينخدع التاجر أو الجهاز الآلي بها وهو ما حدث بالفعل حيث تمكن من السحب أو الوفاء، بعد استعانته بالبيانات التي تضمنتها البطاقة المزورة للتأثير على التاجر من أجل قبول تلك البطاقة في الوفاء([6]).

فضلاً عن تحقق القصد الجنائي لدى مستعمل بطاقة الائتمان الإلكترونية فهو يعلم بأنها مزورة وتنصرف إرادته إلى استعمالها فيما زورت من أجله([7]). وبهذا الرأي أخذ قانون الجزاء العماني([8]).

ونحن بدورنا نتفق مع ما ذهب إليه الرأي الثالث لرجاحة حججه وقناعة أدلته . مع ملاحظة أن الجاني باستخدامه بطاقة ائتمان إلكترونية مزورة من قبل الغير يعد مرتكباً لجريمة استعمال محرر مزور وجريمة احتيال باستعمال اسم كاذب وصفة غير صحيحة، ونظراً لارتباط الجريمتين ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة، فإنه تطبق عليه عقوبة الجريمة الأشد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) د. هدى قشقوش، مصدر سابق، ص134؛ د. فاضل نصر الله عوض، الطبيعة القانونية للاستيلاء على الأموال من البنك الآلي، تعليق على حكم محكمة الاستئناف رقم (1589، 87 جزائي)، مجلة الحقوق، السنة (22)، العدد (1)، الكويت، 1998، ص283-300.

([2]) د. محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات (القسم الخاص)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1984، ص496.

([3]) د. محمود نجيب حسني، مصدر سابق، ص955؛ د. عمر سالم، مصدر سابق، ص38.

([4]) د. جميل عبد الباقي الصغير، مصدر سابق، ص112.

([5]) د. محمود أحمد طه، مصدر سابق، ص1145.

([6]) د. فايز رضوان، مصدر سابق، ص214.

([7]) Cavalda, OP. cit., P. 92.

([8])انظر نص الفقرة (2) من المادة (276 مكرر) من قانون الجزاء العماني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *