وسائل إثبات الزوجية في ميدان الأحوال الشخصية

وسائل إثبات الزوجية في ميدان الأحوال الشخصية

إذا كان الأصل أن توثيق العلاقة الزوجية حسب عالم المذهب المالكي الأستاذ محمد التاويل[1] ليس ضروريا إلا إثبات الزوجية لابد له من قواعد حددتها مدونة الأسرة في المادة 16 ولهذا سنحاول في هذا الموضوع قدر المستطاع تحليل جزئيات هذه المادة، والتي تخص سماع دعوى الزوجية وذلك من خلال الوقوف أولا على وسائل إثبات الزوجية في حالة عدم توثيقه في إبانه ثم ثانيا على مستوى القضاء من حيث كيفية تعامله مع مختلف دعاوي ثبوت الزوجية.

إثبات دعوى الزوجية قانونا
إذا كان العلاقة الزوجية لا تثبت إلا بوثيقة عقد الزواج، فإن هناك عدة زيجات لم توثق إما لوجود ظروف قاهرة حالت دون ذلك، أو لخضوعها لتقاليد وأعراف الجماعة التي تكتفي بالفاتحة دون العقد، او لتجاوز عقبة قانونية قد لا تسمح للزوجين بتوثيق عقد زواجهما ( الفقرة الأولى) وفي حالة المطالبة بسماع دعوى الزوجية لدى القضاء فإن على أطراف العلاقة الزوجية إثباتها بما تيسر لهم من الأدلة والحجج التي تدعم إدعائهم ( الفقرة الثانية )

الإطار القانوني لإثبات الزوجية
تضمنت المادة 16 من مدونة الأسرة، قاعدة أساسية تقضي باعتبار عقد الزواج هو الوسيلة الوحيدة المقبولة لإثباته ، علما بأن هذا النهج ليس بالجديد بل كان منصوص عليه في مدونة الأحوال الشخصية القديمة في الفصل الخامس منها [2] لكن الفرق بينهما يكمن في أن المدونة القديمة لم تحدد أجلا لسماع دعوى الزوجية غير الموثقة وكذلك فيما يخص وسائل إثباته ، فالمدونة القديمة نصت على أنه يثبت بجميع وسائل الإثبات الشرعية ولم تنص على اعتماد الخبرة، وكذا تحديد فترة انتقالية يسمح فيها بسماع دعوى الزوجية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول المدونة حيز التنفيذ
ووعيا من المشرع المغربي بخصوصية مجتمعه وظروفه وعلمه اليقين بأن هناك عدد مهم من الزيجات التي لم توثق وحتى وإن وثقت فهي غير مضمنة بكنانيش الحالة المدنية ولا بسجلات الأنكحة لدى المحاكم الابتدائية ، وهذا ما يبرر وجود هذه المادة والتي من خلالها فتح المشرع إمكانية سماع دعوى الزوجية .

وقد منحت المحكمة صلاحية إجراء بحث عن الظروف والقرائن المؤكدة لقيام العلاقة الزوجية[3] كإقامة حفل الزفاف ووجود أنباء ومعاشرة الزوج لزوجته معاشرة الازواج كما تبحث في توفر شروط الزواج من صداق وغيره، وتعتمد في ذلك جميع وسائل الإثبات كشهادة الشهود او اللجوء إلى الخبرة وغير ذلك [4] وأيضا تتأكد وهي تنظر في دعوى الزوجية مما إذا كان الزواج يتوقف على إذن من الأذون التي يتطلبها القانون في بعض الحالات الخاصة فزواج القاصر يتوقف على إذن بالزواج من القاضي المكلف بشؤون القاصرين (م 20) دعوى الزوجية المرفوعة من قبل رجال الأمن والدرك والقوات المساعدة والجنود تتطلب الحصول على رخصة من الجهة المختصة ( قرار وزير العدل رقم 270 -04 الصادر بتاريخ 3 – 2- 2004 بشأن تتميم لائحة المستندات التي يتكون منها ملف الزواج ).

وسائل الإثبات
الأصل في الزواج أن يثبت بشهادة عدلين غير أن المشرع في مدونة الأسرة لم يكتف بهذه الشهادة مجرد إنما اشترط تحريرها في وثيقة رسمية واعتبرها من خلال المادة 46 من مدونة الأسرة الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج [5] لكن وكما سلف الذكر، فإن هناك عدة زيجات غير موثقة الأمر الذي يفتح المجال أمام إثباته بعدة وسائل وبينات أخرى تعتمد المحكمة في سلطتها التقديرية على الترجيح بينها والركون إلى أصحها ومن بين هذه الوسائل نذكر أهمها وهي:

أ-شهادة الشهود: وهي تعتبر في الفقه المالكي أقوى الأدلة إذا اجتمعت فيها شروطها الشرعية [6] ، وقد جرى بها العمل في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة، وأفتى بها كثير من فقهاء المالكية
ب-شهادة التلقية: وشهادة التقارير بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج حسب منشور رقم 13 س ن الذي وجهه السيد وزير العدل إلى السادة القضاة الملحقين بالسفارة المغاربية بالخارج وعليه يتعين على المغيين بالأمر إنجاز وثيقة يصادق عليها أمام المصالح القنصلية لتقديمها كحجة أمام المحكمة الإثبات الزوجية
خ-الخبرة الطبية: لإثبات النسب على أن دعوى النسب قد ترفع مستقلة عن دعوى ثبوت الزوجية في حالة ما إذا أنكر الزوج نسب المولود إليه أثناء قيام العلاقة الزوجية شكا في زوجته ، كما يمكن ان تفضي هذه الخبرة إلى ثبوت نسب المولود إلى المدعى عليه ورفض المطلب سماع دعوى الزوجية .
د-صدور حكم قضائي بثبوت الزوجية، أو تثبيته بكنانيش الأنكحة المحكمة الابتدائية وتثبيته بسجلات الحالة المدنية على أن هذا الحكم القضاي فيه من الضمانات الشيء الكثير على مستوى الشرعية، أو على مستوى الثبوت فإذا كانت وثيقة عقد الزواج العدلية تتم من طرف عدلين فإن الحكم بثبوت العلاقة الزوجية يتم من طرف هيئة قضائية تتكون من ثلاثة قضاة مما يعطي للعلاقة الزوجية حجية أكبر وقوة أبلغ.. ” انتهى قول عبد العزيز فتحاوي في اللفيف العدلي ودوره في الإثبات ص 116 -117 [7]
وفي الأخير وبعد صدور الحكم بثبوت الزوجية توجه المحكمة ملخصا منه لضابط الحالة المدنية لمحل ولادة الزوجين يعد صيرورة الحكم نهائيا [8]

هذه بعض وسائل الإثبات التي يمكن الاستناد إليها في دعوى إثبات الزوجية فكيف يتم التعامل معه من لدن القضاة أثناء نظرهم فيها، وهذا ما تقوم به من خلال تعليقنا على بعض الأحكام الصادرة في إطار ثبوت الزوجية الصادرة عن مختلف المحاكم الابتدائية بجهة مكناس تافيلالت لسنتي 2004 و 2005.

تنص المادة 16 من مدونة الأسرة على ما يلي:
” تعتبر وثيقة عقد الزواج الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة.
تأخذ المحكمة بعين الاعتبار وهي تنظر في دعوى الزوجية وجود أطفال أو حمل ناتج عن العلاقة الزوجية وما إذا رفعت الدعوى في حياة الزوجين يعمل بسماع دعوى الزوجية في فترة انتقالية لا تتعدى خمس سنوات ابتداءا من تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ”.

وبالقراءة المتأنية لمقتضيات هذه المادة نستنتج ان عقد الزواج يثبت بإحدى الطريقتين الآتيتين: إما بالوثيقة أو الرسم العدلي المتضمن لعقد الزواج ( الفقرة الأولى من المادة 16) وهذه هي القاعدة وإما بالحكم القضائي المعترف بوجود ذلك العقد ( الفقرة الثانية والثالثة والرابعة من المادة 16) وهي على سبيل الاستثناء ولقد نبه المشرع المغربي من خلال الفقرة الأولى من الفصل 16 إلى أن الوثيقة المتضمنة لعقد الزواج هي التي تثبت العلاقة الزوجية وبالتبعية هي التي تثبت صفة الزوج وصفة الزوجة حالة الترافع امام القضاء

ومن الملاحظ أن الفقرة الأولى من المادة 16 جاءت عامة، بحيث تفرض إثبات العلاقة الزوجية عن طريق الكتابة ، سواء أمام القضاء أو أمام مختلف الإدارات العمومية الوطنية أو الاجنبية كالهيئات الديبلوماسية من سفارات وقنصليات على سبيل المثال.
وبهذا تكون المحكمة قد استبعدت ما كان معمولا به في بعض مناطق المغرب وخاصة البوادي النائية منها من إثبات الزواج باللفيف العدلي، حيث الناس كانوا يقتصرون على إثبات زواجهم بقراءة الفاتحة وحضور الجماعة حفل الزفاف وما إلى ذلم من الأعراف الخاصة بكل منطقة معينة ، كما أن المحكمة قد استبعدت ماكان معمولا به في بعض المحاكم سابقا من إثبات العلاقة الزوجية عن طريق المقاررة [9].
كما أنه يستفاد من عبارة أن وثيقة الزواج ” تعتبر الوسيلة المقبولة لإثبات عقد الزواج” والمضمنة بمطلع المادة 16 من مدونة الأسرة أعلاه، أنه لم يعد بالإمكان استنتاج وجود ذلك العقد من الاعتراف الصريح او الضمني به بالكيفية التي سبقت أن اعتمدها القضاء المغربي في ظل مدونة الأحوال الشخصية الملغاة .

إلى جانب القاعدة التي قررها المشرع المغربي من خلال الفقرة الأولى من المادة 16 م أ والتي تقضي بأن إثبات العلاقة الزوجية يتم بالوثيقة العدلية المنجزة في إطار المواد من 65 إلى 69 من مدونة الأسرة، عاد المشرع في الفقرة الثانية من المادة 16 أعلاه ليضع استثناء على القاعدة أعلاه مفاده أنه بالإمكان إثبات عقد الزواج بحكم قضائي وفقا لشروط محددة، جاء في تلك الفقرة ما يلي: إذا حالت أسباب قاهرة دون توثيق العقد في وقته تعتمد المحكمة في سماع دعوى الزوجية سائر وسائل الإثبات وكذا الخبرة”. ويعالج هذا المقتضى الحالة التي لا يوثق فيها العقد الزواج في وقته لأسباب قاهرة حيث يصح إثبات العقد أمام المحكمة في هذه الحالة استثناء بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك الخبرة . وهكذا وطبقا لذات المقتضى يجب أولا إثبات السبب القاهر قبل إثبات العلاقة الزوجية امام المحكمة التي تصدر في المسألة حكما قضائيا .
الخطبة والزواج
_______________________
[1] – صرح في حديثه ” العربية نت” بان كتابه وتوثيق الزواج إنما هو من أجل عدم تعرض الزوجة لأي مس او انتهاك في حقوقها أو ضياع لها التصريح منشور بالموقع: www.almaraya.me
[2] – كان الفصل 5 من مدونة الأحوال الشخصية القديمة يصن على:” 1-يشترط على عقد الزواج حضور شاهدين عدليين سامعين في مجلس واحد الإيجاب والقبول من الزوج او نائبه ومن الولي بعد موافقة الزوجة، 2-لابد من تسمية المهر للزوجة ولا يجوز العقد على إسقاطه، 3 يجوز للقاضي بصفة استثنائية سماع دعوى الزوجية واعتماد البنية الشرعية في إثباتها ” للمزيد من التوضيح في شرح هذا الفصل يرجى الرجوع إلى شرح مدونة الأحوال الشخصية للدكتور عبد الكريم شهبون ، ج I مكتبة المعارف للنشر والتوزيع 1987 ص 60-61
[3] – ع العزيز وحشي:” سماع دعوى الزوجية في ضوء العمل القضائي ” مقال منشور بمجلة قضاء الأسرة ، عدد مزدوج 4 و 5 فبراير 2009 ص 43 منشورات جمعية نشر المعلومة القانونية والقضائية مطبعة إليت .
[4] – ع الصادق ميلاوي:” الإثبات الاستثنائي لعقد الزواج ص 102 مداخلة ضمن أعمال الندوة الوطنية بعنوان “مدونة الأسرة بين النص والممارسة ” نظمتها شعبة القانون الخاص ومركز الدراسات القانونية المدينة والعقارية بكلية الحقوق بمراكش يومي 27 – 28 يناير 2005 سلسلة للندوات والأيام الدراسية ع 25 الطبعة 1- 2006 المطبعة والوراقة الوطنية الداوديات مراكش .
[5] -بشرى برودي وسائل إثبات في ميدان الأحوال الشخصية ، رسالة لنيل د د ع م إشراف الدكتور محمد بوزلافة كلية الحقوق فاس ، السنة الجامعية 2008-2009
[6] – منها على الخصوص شهادة إثنا عشر رجلا وذكر مستند عليهم الخاص مع الإشارة إلى أن المجلس الاعلى تباينت مواقفه بخصوص النصاب الشرعي ( 12 رجلا) فشارة بقبلها وتارة لا .
[7] عبد العزيز وحشي:” سماع دعوى الزوجية في ظل العمل القضائي ، مرجع سابق، ص 48
[8] -عبد الصادق مهلاوي:” الإثبات الاستثنائي لعقد الزواج ” م س ، ص 103.
[9] – المقاررة: تعني اعتراف الزوجين بالعلاقة الزوجية فيما بينهم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *