وقت إنتقال حقوق التركة إلى الورثة في ضوء الفقة الإسلامي

وقت إنتقال حقوق التركة إلى الورثة في ضوء الفقة الإسلامي

 

متى تنتقل حقوق التركة إلى الورثة:
وإذ قررنا أن الحقوق المالية تنتقل بالميراث من المورث إلى الورثة ، فإنه يبقى أن تحدد متى تنتقل هذه الحقوق إلى الورثة . وقد اختلفت المذاهب في تحديد وقت انتقال التركة إلى ملك الورثة .

فعند المالكية ، تبقى أموال التركة على ملك الميت بعد موته إلى أن يسدد الدين ، فإذا ما سدد انتقلت ملكية التركة إلى الورثة من وقت السداد .
وعند الحنفية ، يجب التمييز بين ما إذا كان الدين مستغرقاً للتركة أو كان غير مستغرق لها . فإن كان الدين مستغرقاً ، تبقى أموال التركة على ملك الميت ولا تنتقل إلى ملك الورثة ([1]) ، فإذا ما صفيت وسددت الديون لم يبق من التركة شيء لأن الدين مستغرق لها . وأما إن كان الدين غير مستغرق ، فالرأي الراجح أن أموال التركة

تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث مع تعلق الدين بهذه الأموال . وهناك رأي ثان يذهب إلى أن الأموال لا تنتقل في هذه الحالة إلى الورثة إلا بعد سداد الدين ، ورأي ثالث يذهب إلى أنه يبقى على ملك الميت من الأعيان ما يكفي لسداد الدين وتنتقل بقية الأموال إلى الورثة .
وعند الشافعية في المذهب الجديد والحنابلة في أشهر الروايتين ، تنتقل أموال التركة إلى ملك الورثة فوراً بموت المورث مع تعلق الدين بها ، سواء كان الدين غير مستغرق للتركة أو كان مستغرقاً لها ([2]) .

ولا شك في أن أموال التركة ، في القانون المصري ، تنتقل ملكيتها إلى الوارث فوراً بمجرد موت المورث ، سواء كانت التركة غير مدينة أو كانت مدينة ، وسواء كان الدين غير مستغرق لها أو كان مستغرقاً . وذلك لأن الميراث سبب لكسب الملكية كما بينا ، فتنتقل الملكية بمجرد تحقق سبب انتقالها . والميراث يكون بموت المورث ، ومن ثم تنتقل أموال التركة إلى الوارث بمجرد موت المورث . وقد أكدت ذلك المادة الأولى من قانون المواريث إذا نصت على أن ” يستحق الإرث بموت المورث أو باعتباره ميتاً بحكم القاضي ” ([3]). وعلى ذلك يكون حكم القانون المصري في هذه المسألة متفقاً مع الشريعة الإسلامية ، وذلك في مذهبين من مذاهبها : الشافعية في المذهب الجديد والحنابلة في أشهر الروايتين .

ويلاحظ أن تحديد وقت انتقال ملكية أعيان التركة إلى الورثة بموت المورث لا يعني حتماً أن الورثة يستطيعون التصرف في هذه الأعيان من ذلك الوقت ، فإن ملكية الأعيان قد تنتقل إليهم والديون متعلقة بها فلا يستطيعون التصرف فيها على النحو الذي سنبينه فيما يلي . ولكن هناك نتائج أخرى تترتب على تحديد وقت انتقال أعيان التركة إلى ملك الورثة بموت المورث ، لا بوقت سداد الديون ([4])

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ^ بل لا يستطيع الورثة أن يستخلصوا أموال التركة إلا إذا دفعوا كل الديون ، ولا يكفي أن يدفعوا قيمة التركة ، وهذا على الرأي المشهور في المذهب الحنفي . وفي قول آخر ، يكفي لاستخلاص أموال التركة أن يدفع الورثة للدائنين قيمة هذه الأموال لا جميع الديون ( أنظر الوسيط 4 فقرة 190 ص 340 ) .

[2] ^ أنظر في عرض المذاهب المختلفة والأدلة التي يحتج بها كل مذهب : على الخفيف في مدى تعلق الحقوق بالتركة في مجلة القانون والاقتصاد السنة الثانية عشرة ص 158 – ص 174 .

[3] ^ ولا يجوز إسناد موت المورث لتاريخ سابق على وقت حصولهن وقد جاء في تقرير لجنة الشؤون التشريعية بمجلس النواب الخاص بقانون المواريث في هذا الصدد ما يأتي : ” بالنسبة لجواز إسناد الوفاة لتاريخ سابق اختلف رأي اللجنة . فاتجاه رأي فريق من أعضاء اللجنة إلى عدم جواز الإسناد . واعتمد في تبرير رأيه إلى أن الموت إما أن يكون حقيقة أو حكماً . ففيما يتعلق بالموت الحقيقي ، للقاضي أن يحكم – كلما توافرت لديه الأدلة المقنعة – بأن الوفاة وقعت في تاريخ معين ، وله في ذلك مطلق الحرية في التقدير أسوة بكل نزاع آخر يعرض عليه للفصل فيه . أما الموت الحكمي فيحتاج بالضرورة إلى حكم يصدر من القاضي ، وبغير هذا الحكم لا يمكن القول بأن الشخص مات حكماً . فحكم القاضي يقرر الوفاة ويظهرها في الحالة الأولى ، ولكنه ينشئها في الحالة الثانية . ويعززون رأيهم بأن هذا ما أجمع عليه فقهاء الشريعة الغراء ، وبالتالي فكل رأي يخالفه يعوزه السند الشرعي ، وإنهم بهذا الرأي يتمشون مع المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 الخاص بالمفقود . ويضيفون إلى ما تقدم أنه يصعب جداً وضع ضابط محكم يسترشد به القاضى عند إسناد الوفاة إلى تاريخ دون آخر ، إذ قد يترتب على هذا الإسناد حرمان شخص من الإرث أو ثبوت حقه فيه . فترك المسألة إلى القاضي يحكم فيها بما يمليه عليه تقديره قد يوقعه في الحرج . . . وقد ناقشت اللجنة هذين الرأيين طويلاً ، وانتهت إلى ترجيح الرأي الأول أخذاً بالأضبط والأحوط ” .

[4] ^ أنظر في هذه النتائج بحث الأستاذ على الخفيف في مدى تعلق الحقوق بالتركة في مجلة القانون والاقتصاد السنة الثانية عشرة ص 174 – ص 177. ويذكر من هذه النتائج ما يلي :
أ -نماء أعيان التركة بزيادتها زيادة متولدة متصلة أو منفصلة ، كالثمرة والسمن والولد والريع ، إذا قلنا ببقاء التركة على ملك الميت ، يكون ملكاً للميت ، فتقضى من هذه الميادة ديونه وتنفذ وصاياه . وإذا قلنا بأن الملكية تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث، فإن هذه الزيادة تكون ملكاً للورثة، فلا تقضى منها ديون الميت ولا تنفذ منها وصاياه . وقد أخذت محكمة النقض بأن ملكية التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث ، فقضت بأن الدين ، وإن كان مستغرقاً للتركة ، لا يمنع انتقالها لورثة المدين عند موته . وهذا يتفرع عليه أن إيراد التركة ونتاجها يكون حقاً خالصاً للورثة ، فلا يتعلق حقهم بالأصل فقط . وقد قال بها الرأي فريق من فقهاء الشريعة الإسلامية في تفسير قاعدة ” لا تركة إلا بعد وفاء الدين ” ، وهو قول يتفق مع أحكام القانون المدني . فإدعاء الحائز لأعيان التركة بدين كبير على التركة مستغرق لها لا يصح الاستناد إليه في التمسك بقاعدة ” لا تركة إلا بعد وفاء الدين ” ، في وجه الوارث الذي يطلب إيراد نصيبه في التركة ( نقض مدني 7 ديسمبر سنة 1944 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في مدى 25 عاماً جزء 2 ص 999 رقم 8 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *