أساس ثبوت الحقوق للجنين

أساس ثبوت الحقوق للجنين.

انقسمت اراء الفقهاء في بيان أساس ثبوت الحقوق للجنين إلى إتجاهين رئيسيين: 

الإتجاه الأول: يرى إن الشخصية القانونية للانسان تبدأ من وقت تمام ولادته مع تحقق حياته عند الولادة ، “فالشخصية لا يتصور منحها إلا لكيان له قدر من الوجود الذاتي المستقل. أما الجنين في بطن أمه، فهو يظل حتى ولادته جزءا منها معتمدا عليها في غذائه وتنفسه” ، ومن ثم فإن ولادة الجنين حيا تعد شرطا لاكتسابه الشخصية القانونية، أما قبل الولادة فلا شخصية له، ويكون غير صالح لاكتساب أيّ من الحقوق .

وان اعتراف المشرع له بمجموعة من الحقوق يعد أمرا استثنائيا أملته ضرورة رفع الظلم عن الجنين، وحماية حقوقه، فلا تثبت له من الحقوق سوى تلك التي يعطيها له القانون صراحة ، لان المشرع وحده يملك حق تقرير اكتساب الجنين للحقوق، كما يملك تقريرها لغيره، ومن ثم لا يجوز القياس عليها، ولا التوسع في تفسيرها، لانها جاءت على خلاف الأصل الذي يشترط الولادة حيا لثبوت الشخصية، كما إن ثبوتها يكون مقصورا على تلك الحقوق التي لا تحتاج إلى قبول ، ولا يحتج على ذلك بان القانون قد اجاز تعيين وصي على الجنين يمكن إن يقبل عنه، لان هذا الوصي لدى هذا الرأي ما هو إلا امين لحفظ اموال الجنين .

أما الإتجاه الثاني: فيرى انه إذا كانت الشخصية القانونية هي مجرد الصلاحية لاكتساب الحقوق، ولو لم تكتسب حقوقاً فعلا، وهي أيّضا الصلاحية لاكتساب بعض الحقوق وليس كلها، فإن النتيجة المنطقية لكل هذا هو إن الجنين يتمتع بالشخصية القانونية، وتبدأ بذلك هذه الشخصية بالنسبة للانسان “منذ الحمل، لا منذ الولادة، اذ لا يعقل إن تبدأ الأهلية قبل إن تتكون الشخصية” ، ومن ثم، فإن “تحقق ولادته حيا لا يحدد اذن بداية شخصيته، فهي مبتدأة منذ الحمل، وإنما يؤكد استقرار هذه الشخصية المبتدأة من قبل استقرارا باتا ونهائيا.

ولكن لتحقق هذه الولادة اثرا مهما اخر، هو إعتباره بداية لاتساع أهلية وجوب الانسان بعدما كانت عليه من قصور ونقصان وقت الحمل، فكأن تمام الولادة حيا شرط لاستقرار ما كان ثابتا للانسان منذ الحمل من شخصية غير باتة، وشرط كذلك لبداية اتساع مدى أهلية الوجوب، والخروج بها من طور القصور والضمور” ، وينتج من ذلك إن شخصية الانسان تبدأ منذ الحمل ، وان أهلية وجوبه تكون ناقصة وقت الحمل ، فالنقصان يلحق بأهلية الوجوب لا بالشخصية .

وهذا الإتجاه هو الذي نؤيده على إعتبار إن القول بوجود حق يعني بالضرورة وجود صاحب ينسب إليه، والحقوق لا تثبت إلا لمن اعترف له القانون بالصلاحية لاكتسابها، أيّ لمن يتمتع بالشخصية القانونية التي تخوله لاكتساب الحقوق وتحمل الإلتزامات، وهي تتوافر لدى الشخص إذا كان صالحا لاكتساب ولو لحق واحد فقط، ومن ثم تثبت بصرف النظر عما يمكن إن يكسبه من حقوق أو يلتزمه من واجبات، كما لا يشترط لثبوتها إن تتوافر للانسان القدرة الارادية لكسب حق أو للتحمل بالتزام، ولذلك فهي أما إن توجد واما إن تنعدم،

واذا وجدت، فإنها تكون كاملة ولا تتصور أبداً ناقصة؛ فهي تعبير عن وصف مجرد لا يقبل النقصان، فليس بين وجودها وعدم وجودها منطقة وسطى هي الوجود الناقص، أو الشخصية الناقصة، ومن هذا المنطلق، فإن اجماع القوانين والفقه على إن الجنين تثبت له مجموعة من الحقوق يجعل النتيجة المنطقية لذلك إن الجنين يتمتع بالشخصية القانونية، ولا يمكن إن تثبت له هذه الحقوق مع عدم إعتبارها، ثم إن الجنين من جهة اخرى جزء من أمه، إلا انه جزء قابل للانفصال عنها، وهي تتمتع بالتأكيد بالشخصية القانونية، فيكتسب هو الآخر هذه الشخصية تبعا للرابطة التي تربطه بأمه.

لكل ذلك، فإنه يمكن القول إن الشخصية القانونية بالنسبة للانسان تبدأ بمجرد الحمل، خصوصا إن لا شيء يمنع، من منطق القانون، من إن يكون للجنين شخصية قانونية، فالقانون يعترف للاشخاص بشخصية مفترضة وهم أجنة في بطون أمهاتهم، وهذا الاعتراف في الحقيقة ليس إستثناء من قاعدة عامة مقتضاها إن شخصية الانسان لا تبدأ إلا بولاته،وإنما هو قاعدة عامة تشمل جميع بني الانسان، ومن ثم فإن شخصية الانسان تبدأ من وقت الحمل، لتوافر شرط الحياة المتطلبة لهذه الشخصية فيه،

لانه يعد حيا بإعتبار المآل، ويكون تقدير حياته هو استدلال على حياته في البطن بحياته التي تتحقق بعد وضعه على طريق الاستصحاب المعكوس، أيّ الحكم على الماضي بما ثبت في الحاضر، وهو ما يدعو إلى التساؤل حول إمكانية القول إن الجنين تكون له شخصية قانونية بحسب المآل.

وبهذا الاستدلال افترض المشرع توافر شرط الحياة للجنين، الذي تثبت له به أهلية الوجوب لاكتساب بعض الحقوق، ويكون شرط ثبوت الحقوق للجنين بعد انفصاله حيا هو شرط لنفاذ هذه الحقوق، لانها تثبت له وهو في بطن أمه، أيّ إن اشتراط انفصاله حيا ظاهره انه لا تثبت له إلا بعد انفصاله مع انها تثبت له وهو في بطن أمه من وقت تحقق سببها. بل إن بعض القوانين تأكيدا لهذه الشخصية أوجبت عليه “الإلتزامات التي تقتضيها ادارة امواله” .

وعلى ذلك فإنه ليس هناك أصل ولا إستثناء بالنسبة للشخصية القانونية للجنين، وإنما مرحلة إحتمال ومرحلة تحقق، من حيث إن الجنين تكون له حياة ذاتية، كما يكون مهيأ للانفصال والاستقلال بذاته، فإنه تثبت له شخصية قانونية تجعله صالحا لاكتساب الحقوق، ومن حيث إن انفصال الجنين واستقلاله بذاته يكون غير محقق، فإن الشخصية القانونية التي تثبت له تكون شخصية إحتمالية .

أما الاختلاف حول نوع الحقوق التي تثبت له، بين حقوق تحتاج إلى قبول، وحقوق اخرى لا تحتاج إليه، إنما يتعلق بمصادر الحقوق التي يكتسبها الجنين ولا يمس حقه في اكتسابها، كما إن ذلك يؤدي إلى ادخال غلة الاموال التي تشملها التركة ضمن الحقوق المقررة له، وذلك من وقت ثبوت الحمل لحين ولادته حيا، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *