الأثر الناقل للإستئناف في قانون المرافعات

الأثر الناقل للإستئناف في قانون المرافعات.

يعد الاثر الناقل من اهم الاثار التي تترتب على الاستئناف ، ويقصد به ان رفع الاستئناف يؤدي الى اعادة طرح النزاع الذي فصل فيه الحكم البدائي على محكمة الاستئناف ، فتصبح هذه المحكمة مختصة ببحثه والفصل فيه(1).

ويفهم مما تقدم ان قبول الاستئناف ينقل الدعوى الى محكمة الاستئناف بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم البدائي بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط (2).

وقد كرست المادة (192) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ، القاعدة المستقرة في فقه المرافعات المدنية وهي ان رفع الاستئناف يلزم محكمة الاستئناف الفصل في النزاع مجدداً وفي المواضيع التي رفع الاستئناف عنها على اساس ان محكمة الاستئناف محكمة درجة ثانية في التقاضي تتولى بحث الاعتراضات الواردة على الحكم الصادر عن محكمة البداءة وذلك بإكمال النقص في ذلك الحكم او اصلاح الخطأ الذي وقعت فيه محكمة البداءة(3)

ومحكمة الاستئناف بالصفة المتقدمة ، وبوصفها محكمة موضوع تملك الصلاحيات كافة المقررة لمحكمة البداءة ، فهي تبحث وقائع الدعوى وتقوم باتخاذ ما تراه من اجراءات الاثبات ، وتعين تقدير الوقائع من واقع ما قدم اليها من مستندات ، ومن واقع دفوع الخصوم ، ثم هي اخيراً تطبق القواعد القانونية التي تراها صحيحة على وقائع الدعوى(4) ،

فمرحلة الاستئناف تنقل الدعوى الى حالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم البدائي حيث تتولى محكمة الاستئناف بعد اكمال التحقيقات المقتضية اصدار الحكم الذي تراه موافقاً للقانون(5)، على ان نقل الدعوى الى محكمة الدرجة الثانية لا يتم تبعاً لرفع الاستئناف الا اذا كان هذا الطعن يتناول نقاطاً عرضت على محكمة الدرجة الاولى وفصلت فيها هذه المحكمة ورفع الاستئناف عنه ، فالطلبات التي عرضت امام محكمة الدرجة الاولى ولم تفصل فيها ولم تستنفذ ولايتها لا تنتقل الى محكمة الدرجة الثانية(6).

ان الدعوى الاستئنافية بعد ان تصبح صحيحة وكان الاستئناف مقبولاً يترتب على ذلك نقل النزاع برمته الى محكمة الاستئناف واعادة طرح موضوعه عليها مع اسانيده القانونية وادلته الواقعية مما يجعلها مختصة اختصاصاً كاملاً بكل ما يتعلق بالحكم من وقائع فصل فيها الحكم المستأنف (7).

وللقضاء العراقي تطبيقات عديدة بشأن الاثر الناقل للاستئناف فقد قضت محكمة التمييز في قرار لها جاء فيه ” …

وحيث ان محكمة الاستئناف لم تقتنع بتقرير خبراء البداءة فقد جنحت الى انتخاب خبراء جدد وهذا من حقها لان الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل حكم البداءة فيكون لمحكمة الاستئناف سلطة فحص النزاع من جديد وحيث ان الخبراء قد قدروا التعويض عن الضررين المادي والادبي بشكل مناسب لا مغالاة فيه ولا اجحاف فلا جناح على محكمة الاستئناف ان اتخذت من تقرير الخبراء سبباً لحكمها فلهذه الاسباب يكون الحكم المميز بما قضي به موافقاً للقانون  “(8).

اما عن موقف القوانين المقارنة من الاثر الناقل فقد تباينت تلك القوانين في النص عليها في تشريعاتها ، فقد نصت المادة (232) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ بأن ” الاستئناف ينقل الدعوى بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط ” ومفهوم الاثر الناقل في القانون المصري لا يختلف كثيراً عن مفهومه في القانون العراقي من حيث طرح النزاع على محكمة الاستئناف لتفصل فيه من جديد ،

وعدم السماح بإبداء طلبات جديدة في الاستئناف نظراً لان ذلك يؤدي الى تفويت درجة من درجات التقاضي على الخصم(9)، وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض المصرية في قرار لها والذي جاء فيه ” ان الاستئناف ينقل الدعوى الى محكمة الدرجة الثانية في حدود ما رفع الاستئناف عنه وشرطه التزام الحدود المقررة للأثر الناقل للاستئناف سواء من حيث الموضوع او من حيث الاطراف وما فصلت فيه محكمة الدرجة الاولى ورفع عنه الاستئناف فأن فصل محكمة الاستئناف في امر غير مطروح عليها يعد اساءة الى مركز المستأنف بالاستئناف وهو امرٌ غير حائز”(10).

اما فيما يتعلق بموقف القانون الاردني من فكرة الاثر الناقل فلم يتضمن قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني النافذ نصاً مشابهاً للنص الوارد في قانون المرافعات المصري ومع ذلك فأن عدم النص صراحة على قاعدة الاثر الناقل للاستئناف لا يعني التنكر لها من قبل المشرع الاردني(11).

ويؤيد هذه النظرة ان فكرة الاثر الناقل اصبحت قاعدة تقليدية متبعة في جميع القوانين التي تأخذ بنظام التقاضي على درجتين بوصفها من ابرز مظاهر هذا النظام وبصرف النظر عن التصور القانوني الذي يأخذ به هذا المشرع او ذاك لفكرة الاستئناف(12). وتطبيقات القضاء الاردني تسير في هذا الاتجاه(13).

اما عن قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ وموقفه بشأن الاثر الناقل للاستئناف فقد نصت المادة (659) من القانون اللبناني على ان ” الاستئناف يطرح مجدداً القضية المحكوم بها امام محكمة الاستئناف للفصل فيها من جديد في الواقع والقانون ” .. ويفهم من هذه المادة ان المشرع اللبناني لا يبتعد كثيراً عن بقية القوانين المقارنة في مفهومه لفكرة الاثر الناقل للطعن الاستئنافي . في حين اجمعت القوانين العربية المقارنة الاخرى على عد الاثر الناقل من اهم الاثار المترتبة على رفع الاستئناف(14) ،

اما القانون الفرنسي فقد تضمن المادتين (561 و 562) واللتان تكلفتا بتنظيم الاثر الناقل ، حيث تضمنت الاولى تعريفاً قريباً جداً من الاثر الناقل(15) ، اذ نصت على ان ” الاستئناف يضع حجية الشيء المقضي فيه المطروح امام المحكمة الاستئنافية وذلك لكي يتم البت بذلك من جديد من حيث الواقع والقانون” فالاثر الناقل بمفهوم هذه المادة يجب ان يكون محدداً بعناية فهو يقود الى نتائج مهمة للمحاكم القضائية  وللقواعد المرافعة والجلسة الاستئنافية(16).

اما المادة الثانية ، المادة (562) من القانون ذاته فقد نصت على ان ” لا يحيل الاستئناف الى المحكمة الا اجزاء الحكم التي ينتقدها صراحةً او ضمناً ، وان الاثر الناقل غير المقيد يسري بحق الجميع في حالة كون الاستئناف غير محدداً بأجزاء معينة ، وعندما يروم الى الغاء حكم ، او اذا كان موضوع الخصومة غير قابل للتقسيم ” .

ويفهم من صريح هذه المادة ان الاثر الناقل في قانون الاجراءات المدنية الفرنسي النافذ لا ينطبق بالضرورة على المسائل العملية كافة وعلى الحقوق في المرافعة البدائية فالقاعدة القانونية تقول : ” لا يسري الاثر الناقل الا اذا رفع الطعن امام محكمة الاستئناف”(17). هذا وقد اوردت المادة المشار اليها اعلاه عدة استثناءات عديدة على سريان ذلك الاثر(18).

وجدير بالذكر ان الاصل في القانون الفرنسي ان الدعوى تقام امام محكمة الاستئناف سواء تعلق الامر بالواقع ام في القانون(19)، غير ان هناك قيوداً على هذا الاصل ومن ابرزها منع الطلبات الجديدة في الاستئناف(20) ، وتقييد الاثر الناقل بحدود الحكم الصادر في الدعوى البدائية(21) .

وللقضاء الفرنسي تطبيقات قضائية عديدة بشأن هذا الاثر ، منها ما قضت محكمة النقض الفرنسية به في احدث قراراتها ، ان ” الاستئناف يرتب اثراً وهو طرح النزاع على محكمة الطعن لتفصل فيه من جديد ، وهذا الاثر هو الاثر الناقل للاستئناف…”(22).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-استاذنا الدكتور عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة الموصل ، 2000 ،ص416. 

2- وهذا الاثر الناقل للاستئناف ليس مطلقاً وانما هو مقيد لما رفع عنه الاستئناف فقط ، أي ان الاستئناف لا ينقل الى محكمة الاستئناف الا ما فصل فيه الحكم البدائي من طلبات موضوعية ويترتب على ذلك انه لا يجوز تقديم طلبات بدعاوى جديدة امام محكمة الاستئناف لانها تكون غير حائزة .. ولارتباط ذلك مع المرافعة الاستئنافية ارتأينا بحثه ضمن المطلب الخاص بالمرافعة الاستئنافية . 

3- مدحت المحمود ، شرح قانون المرافعات المدنية وتطبيقاته ، ج2 ، مطبعة الخيرات ، بغداد ، 2000. ، ص93. 

4- عبد الرحمن العلام ، شرح قانون المرافعات المدنية ، ج3 ، ط1 ، مطبعة بابل ، بغداد ، 1977.

، ص405. 

5- المادة (192) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ. 

6- لمزيد من التفصيل . انظر : د. سعدون ناجي القشطيني ، شرح احكام المرافعات ، ج1 ، مطبعة المعارف ، بغداد، 1976، ص395.  

7- عبد الهادي مظهر احمد صالح ، الاستئناف طريق من طرق الطعن العادية ، بحث مسحوب بالرونيو ، مقدم للمعهد القضائي العراقي ، بغداد ، 1998 ، غير منشور ، ص35. 

8- قرار محكمة التمييز المرقم 76/ مدنية اولى / 81 في 15/6/1981، مجموعة الاحكام العدلية ، العدد الثالث ، السنة الثالثة عشر ، 1981 ، ص71 ؛ وفي الاتجاه ذاته انظر قرارا محكمة استئناف كركوك المرقمين 53 /س/2002 و 94/س/2001 في 26/2/2002 و 4/7/2002 غير منشورين – .  

9- د. محمود محمد هاشم ، قانون القضاء المدني ، ج2 ، دار البخارى للطباعة ، القاهرة ، 1980 ، ص ص 476-477 ؛ ولمزيد من التفصيل حول هذا الاثر في القانون المصري . انظر : د. نبيل اسماعيل عمر ، نطاق الطعن بالاستئناف في قانون المرافعات المصري والفرنسي ، ط1 ، دار الجامعة للنشر ، الاسكندرية ، 1999، ص17. 

10- الطعن رقم 1196 لسنة 52ق ، جلسة 12/3/1986 ، مشار اليه عند : د. عدلي امير خالد ، الارشادات العملية في اجراءات الدعاوى المدنية ، طرق الطعن العادية وغير العادية في الاحكام ، ط1 ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 1988، ص628. 

11- ابراهيم حرب محسن ، النتائج العملية لقاعدة الاثر الناقل للاستئناف ، بحث منشور في مجلة دراسات الاردنية ، المجلد 26 ، العدد 1 ، 1999 ، ص69. 

12- انظر : محمد عبد الله الظاهر ، شرح قانون اصول المحاكمات المدنية الاردني تشريعاً ، فقهاً ، اجتهاداً ، ط1 ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، عمان ، الاردن ، 1997 ، ص590 وما بعدها . 

13- انظر حكم محكمة التمييز الاردنية المرقم 222/66 لسنة 1971 ، وايضاً قرارها المرقم 27/71 لسنة 1971 . مشار اليهما عند ابراهيم حرب محسين ، المصدر نفسه ، ص69. 

14- المادة (211) من قانون المرافعات والتنفيذ المدني اليمني النافذ ؛ والمادة (107) من قانون الاجراءات المدنية الجزائري النافذ . 

15-Jean Vincent et Serge Guinchard، Op. Cit.، 1999، p. 963.

16- Jean Vincent et Serge Guinchard، Op. Cit.، 1996، p.963.

17- Jean Vincent et Serge Guinchard، Op. Cit.، 1999، p. 965.

18- Jean Larguier، Op. Cit.، pp. 98-99.

19-Gerard Cornu et Jean Foyer، Op. Cit.، p.610.

20-Rene Monrel. Op. Cit. P. 491.

21- Jean Larguier et philippe Conte، Op. Cit.، p.142;                          . 

22- Cass civ 25/5/2000  وكذلك قرارها  Cass civ 13/7/2000      .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *