الأحكام القضائية والنتائج المترتبة على إصدارها

الأحكام القضائية والنتائج المترتبة على إصدارها.

يترتب على صدور الحكم ان تخرج القضية من تحت يد المحكمة التي اصدرته ، وما حكم به يعد حقا للمحكوم له ، وأن الحكم يعد عنوان الحقيقة ، فلا يجوز نظر النزاع المحكوم به أمام القضاء من جديد  ويترتب على صدور الحكم  القضائي تنفيذ ما حكم به(1).

ذلك أن الأحكام واجبة الاحترام ولا سبيل للمساس بها مهما كان فيها من العيوب إلا بالطعن فيها بالطرق المنصوص عليها قانونا .

ويترتب على صدور الحكم من وقت النطق به في الجلسة انتهاء الدعوى في دور من ادوارها ويترتب على ذلك عدة نتائج ابرزها خروج النزاع من ولاية المحكمة واكتساب الحكم حجية الأمر المقضي فيه وتقرير  الحقوق ومصاريف الدعوى (2) فبصدور الحكم تستنفذ المحكمة ولايتها بالنسبة لما فصلت فيه بحكمها ويخرج النزاع من ولاية المحكمة سواء كانت اعادة النظر من تلقاء نفسها او بناء على طلب الخصوم ،

فلا يستطيع المحكمة العدول عما قضت به او تعديله الا وفقا للقانون ، وهذا الاستنفاذ يقتصر فقط على المسألة التي فصلت فيها بهذا الحكم ، فليس للمحكمة التي قضت بالدين على المدين ان تعود وتعطيه مهلة للوفاء او وان تقضي شمول حكمها .

بالنفاذ المعجل(3)  بعد سبق صدوره بأنه غير مشمول بهذا النفاذ(4) هذا وتعد حجية الحكم أثرا قانونيا للحكم القضائي فقد قرر التشريع  العراقي المقارن(5)على اعتبارها قرينة قانونية لا تقبل اثبات العكس(6) وترجع الحكمة لهذه الحجيه لأمور تتعلق بالصالح العام ،

اذا لو اجيز لكل خصم خسر الدعوى يحددها مرة اخرى لتأبدت المنازعات ولتعددت الاحكام الصادرة في النزاع نفسه مما يحتمل تضاربها وابتعاد القضاء عما  يجب ان تتوافر له من قدسية واحترام(7) ويكتسب الحكم حجيه الامر المقضي فيه حتى وان كان بالإمكان الطعن فيه بإحدى الطرق المقررة قانونا ، وهذه الحجية تبقى ولا تزول الا  اذا ابطل او عدل او مسح او نقص الحكم(8).

ويعد تقرير الحقوق وانشاؤها من أهم الآثار التي تترتب على الأحكام والأصل في الأحكام أنها مقررة أي كاشفة للحقوق وليست منشئة لها ،لأن سلطة القضاء لا تقوم بسن القوانين وانما تقوم بحمايتها ،  وعندما تفصل المحكمة في النزاع انما تكشف عن الحقوق المتنازع فيها ولا تنشئ لأطراف الدعوى حقوق جديدة ، اي ان للأحكام القضائية اثر رجعي(9) او اذا كان الاصل ان الاحكام مقررة للحقوق ،

فان بعض هذه الاحكام يكون منشأ ا لها وذلك خلافا للأصل العام في حالة ما اذا كان من شأن الحكم ان ينشئ حالة جديدة ، اي حقا او مركزا قانونيا لم يكن قائما  قبل صدوره(10) أما الاثر الاخير الذي يترتب على صدور الاحكام باختلاف انواعها فهو مصا ريف الدعوى(11) فإقامة الدعوى تتطلب رسوما ومصاريف اخرى وهذه النفقات تدفع من قبل المدعي بالحق ابتداء على ان يتحملها المحكوم عليه اي من يخسر الدعوى يتحملها انتهاء ،

سواء أكان هو المدعي ام المدعي عليه ،وتحكم بها المحكمة على المحكوم عليه من تلقاء نفسها وتعد اجرة الخبراء ومصاريف الكشف ونفقات استقدام الشهود واجور الترجمة واتعاب المحاماة وغيرها من مصاريف الدعوى يتحملها الطرف الذي خسر  الدعوى(12) علما بان اجور المحاماة لا تتعدد بتعدد المحكوم لهم او المحكوم عليهم او بتعدد الوكالات وفي حالة تعدد المحكوم عليهم تقوم المحكمة بقسمة المصاريف بينهم كل بنسبة ما حكم به عليه ولا يلزمون بالتضامن الا اذا كانوا متضامنين في اصل الحق المدعى به ،

اما اذا ظهر كل من الطرفين غير محق في قسم من الدعوى فان كل طرف يتحمل من  المصارف بنسبة القسم الذي خسره(13) وهنالك دعاوى يتحمل فيها المدعي مصا ريف الدعوى ابتداء وانتهاء وذلك لعدم وجود محكوم عليه كدعوى الطلاق لعدم امكان اعتبار احد الزوجين خاسرا فيها ، لان الطلاق امر بيد الزوج وقد اوقعه ولا يمكن اعتبار الزوجة خاسرة في هذه الحالة (14) وكذلك الحكم في دعوى ازالة الشيوع(15) حيث يتحمل جميع الشركاء  مصاريف الدعوى(16) …

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- د. محمود محمد الكيلاني ، اصول المحاكمات والمرافعات المدنية ، المجلد الاول ، ط 1 ، دار الثقافة ، عمان ، الاردن  2012 ، ص 321 .

2- آدم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، ط 3 ، العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ، 2011 ، ص 362

3- يقصد بالنفاذ المعجل : كتنفيذ الحكم القضائي قبل ان يكتسب درجة البتات ، اي قوة الشيء المحكوم به ، ولذلك اطلق عليه انه معجل ومؤقت ، لان تنفيذه يتعلق بحصر الحكم ، فهو غير مستقر يبقى اذا اكتسب الحكم درجة البتات بتأييده استئنافاً وتصديقه تميزاً ، ويزول اذا نقض الحكم ، وترجع اعتبارات الأخذ بهذا النظام ان دليل المدعى يكون قوياً في بعض الحالات يرجح معها تأييد الحكم عند الطعن به باحدى طرق الطعن … ينظر لمزيد من التفصيل : ضياء شيت خطاب ، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية ، ج 3 ، ط 1 ، مطبعة بابل ، بغداد ، 1977 ، ص 277 ؛ ود. سعدون ناجي القشطيني ، شرح أحكام المرافعات ، ج 1 ، مطبعة المعارف ، بغداد ، . 1976 ، ص 214

4-  غير ان هذا المبدأ ترد عليه استثناءات ثلاثة تكون محل موضوع نقاش بحثنا هذا ، وتلك الاستثناءات هي تصحيح الأحكام وتفسيرها واغفال الفصل في بعض الطلبات وقد عدت هذه الاستثناءات حالات يمكن من خلالها مراجعة الأحكام بغرير طرق الطعن وهو ما سنعالجه في المبحث الثاني من هذا البحث .

5- ينظر المادة  106  من قانون الاثبات العراقي النافذ ذي الرقم  107 لسنة 1979 المعدل والمادة  101  من قانون الاثبات المصري ذي الرقم 25  لسنة 1968 النافذ المعدل والمادة  480  من قانون المرافعات المدنية الفرنسي النافذ المعدل .

6-  لمزيد من التفصيل ينظر : د. عصمت عبد المجيد بكر ، اصول الاثبات ، ط 1 ، اثراء للنشر والتوزيع ، جامعة جيهان ، اربيل ، العراق ، 2012 ، ص 359 ، ود . عابد فايد عبد الفتاح ، نظام الاثبات في المواد المدنية والتجارية ، ط 1 ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2006 ، ص 193 ، وينظر :

Eric D. Green ، Federal Rules of Evidence ، ASPEN PUBLISHERS، New York ، U.S.A p: 527 ،2003

7-  وهذه الحجية قرنية ذات فرعين احدهما يسمى قرنية الصحة والاخر قرنية الحقيقة ، ينظر للتفصيل : ، محمد علي الصوري ، التعليق المقارن على مواد قانون الاثبات ، ج 2 ، مطبعة شفيق بغداد ، 1983 ص 887 ؛ و د. سمير عبد السيد تناغو ، النظرية العامة في الاثبات ، ط 1 ، منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 1999 ، ص 119 ، و د. قدري عبد الفتاح الشهاوي ، الاثبات مناطه وضوابطه، ط 1  منشاة المعارف ، الاسكندرية ، 2002 ، ص 480 .

8-  المادة  160 / ف 3 من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ المعدل .

9- ترجح المحكمة من تسويغ الاثر الرجعي للأحكام القضائية الى حماية صاحب الحق من الضرر الذي يتعرض له بسبب بطء القضاء او منازعة خصمه واذا كانت الاحكام القضائية كاشفة للحقوق ولا تنشئ الحق للمحكوم له الا ان هذه الاحكام تمنح صاحب الحق مزايا عدة … د. عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، ط 1 دار الكتب ، جامعة الموصل ، 2000 ، ص 395

10-  ومثال ذلك الاحكام الصادرة بإشهار افلاس تاجر او ايقاع حجر على شخص بسبب امور مالية وعقلية او حجز احتياطي او تعيين حارس قضائي . وهذا الاثر اجمعت عليه القوانين المقارنة … ينظر المادة: 385 /ف 1 من  القانون المدني المصري ذي الرقم 131  لسنة 1948 النافذ المعدل ؛ والمادة  1445  من القانون المدني الفرنسي لسنة 1804 النافذ المعدل .

11- لمزيد من التفصيل :- د. حامد ابو طالب ، نظام القضاء المصري في ميزان الشريعة ، ط 1، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1993 ، ص 16 ؛ و د. محمد سعيد عبد الرحمن ، الحكم القضائي ، ط 1، دار  النهضة العربية ، القاهرة ، 2008 ، ص 275.

12- المادة  160 /ف 3 من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل .

13-  المادة 166  من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل ؛ وقد ايد القضاء ذلك … ينظر قرار 1978 ، مجموعة الاحكام العدلية العدد /11/ محكمة التمييز المرقم 223 /مدنية اولى / 1978 فب 29 الرابع ، السنة التاسعة ، ص 94

14- قرار محكمة التمييز المرقم 95 /شخصية/ 1973 ، النشرة القضائية ، السنة الرابعة ، العدد الثالث ،  ص 288

15- قرار محكمة التمييز المرقم 472 /مدنية/ 1974 في  27 /6/ 1974  ، النشرة القضائية ، السنة الخامسة ، العدد الثاني ، ص 270

16-  د. ادم وهيب النداوي ، مصدر سابق ، ص 2011

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *