الإتفاق الإبتدائي ووضع هذا الإتفاق أو الوعد في القانون المدني المصري

الإتفاق الإبتدائي ووضع هذا الإتفاق أو الوعد في القانون المدني المصري

( الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي والعربون) مرحلة تمهيدية في التعاقد:
تعاقد غير نهائي:
عالجنا فيما قدمناه كيف يتم التعاقد ، ووصلنا في ذلك إلى مرحلته النهائية ، فرأينا كيف يتم العقد على نحو بات نهائي .
ولكن قد يسبق مرحلة التعاقد النهائي مرحلة تمهيدية تؤدي على وجه محقق أو غير محقق إلى المرحلة النهائية . وأبرز الصور لهذه المرحلة التمهيدية الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي والعربون .

1 الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي ( * )
( Promesse de contrat – Contrat préliminaire )
( Avant – contrat )

الصور العملية للوعد بالتعاقد وللاتفاق الابتدائي:
الوعد بالتعاقد كثير الوقوع في الحياة العملية : يتوقع شخص حاجته في المستقبل إلى ارض بجوار مصنعه أو منزله ، أو هو الآن في حاجة إليها ولكن لا يستطيع شراءها فوراً ، فيكتفي بالتعاقد مع صاحب هذه الأرض على أن يتعهد هذا ببيع الأرض له إذا أبدى رغبته في الشراء في مدة معينة ، فيتقيد صاحب الأرض بالعقد دون أن يتقيد به الطرف الآخر .

يقوم المستأجر بإصلاحات هامة في العين المؤجرة ، ويحصل قبل قيامه بهذه الإصلاحات من المالك على وعد ببيع العين له إذا رغب شراءها في خلال مدة الإيجار حتى ينتفع بهذه الإصلاحات انتفاعاً كاملاً . يعد المالك من تسلم الشيء بشرط مذاقه أن يبيعه إياه إذا هو أعلن رغبته في الشراء في مدة معينة ، وهذا ما يسمى ببيع المذاق ( م 422 ) . يؤجر المالك العين ويشترط على المستأجر أن يشتريها إذا هو أبدى رغبته في البيع في خلال مدة الإيجار ، وهذا هو الوعد بالشراء يقابل الوعد بالبيع في الصور المتقدمة . يفتح مصرف حساباً جارياً لعميل قبل أن يقرضه شيئاً ، فيكون هذا وعداً من المصرف بالإقراض عندما يريد العميل أن يقترض . ويلاحظ في كل هذه الصور – الوعد بالبيع والوعد بالشراء والوعد بالإقراض – أن العقد ملزم لجانب واحد هو الواعد ، أما الموعود له فلم يلتزم بشيء .
على أن هناك صوراً أخرى للوعد بالتعاقد يكون فيها ملزما للجانبين : يريد شخصان التعاقد ولكنهما لا يستطيعان ذلك فوراً . يمنعهما من ذلك مثلا إجراءات لا بد منها في إبرام العقد النهائي كاستخراج مستندات ضرورية أو الحصول على إذن من المحكمة الشرعية أو المحكمة الحسبية أو نحو ذلك . أو يمنعهما ضرورة الكشف عن العقار لتبين ما عسى أن يثقله من الحقوق العينية . أو يمنعهما أن هناك مصروفات كثيرة يقتضيها إبرام العقد النهائي وشهره وهما لا يستطيعان الاضطلاع بها في الحال ( [1] ) .

هذه بعض أمثلة من الموانع التي تحول دون إبرام العقد النهائي فوراً . ولكن المتعاقدين قد قرر قرارهما على إبرام العقد ، ويريدان التقيد به منذ الآن ، فيمضيان اتفاقاً ابتدائياً يعد كل منهما فيه الآخر بأن يمضي العقد النهائي في مدة تعين في الاتفاق . وهذا هو الاتفاق الابتدائي ، وهو وعد بالتعاقد ، ولكنه وعد ملزم للجانبين .
ولننظر الآن كيف ينعقد الوعد بالتعاقد ، في صورتيه الملزمة لجانب واحد والملزمة للجانبين ، وما الذي يترتب عليه من الآثار .

أ – كيف ينعقد الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي
 الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي، عقد كامل لا مجرد إيجاب. ولكنه عقد تمهيدي لا عقد نهائي.
وعلى هذين الأساسين ترتكز كل القواعد التي سنقررها في هذا الموضوع .
وأول ما يستخلص من ذلك أن الوعد بالتعاقد ، وكذلك الاتفاق الابتدائي ، وسط بين الإيجاب والتعاقد النهائي . وبيان هذا أن الواعد بالتعاقد – بالبيع مثلا – يلتزم بأن يبيع الشيء الموعود ببيعه إذا أبدى الطرف الآخر رغبته في الشراء . وهذا أكثر من إيجاب ، لأنه إيجاب قد اقترن به القبول فهو عقد كامل . ولكن كلا من الإيجاب والقبول لم ينصب إلا على مجرد الوعد بالبيع – أو على بيع تمهيدي في حالة الاتفاق الابتدائي – ولذلك يكون الوعد بالتعاقد ، وكذلك الاتفاق الابتدائي ، مرحلة دون التعاقد النهائي ، وهو خطوة نحوه .

 ما الذي يجب الاتفاق عليه في الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي:
تنص الفقرة الأولى من المادة 101 من القانون المدني الحالي على أن ” الاتفاق الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد ، إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه ، والمدة التي يجب إبرامه فيها ( [2] ) ” . وهذا الحكم نتيجة منطقية من أن كلا من الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي هو خطوة نحو التعاقد النهائي ، فوجب أن يكون السبيل مهيأ لإبرام العقد النهائي بمجرد ظهور رغبة الموعود له في الوعد بالتعاقد الملزم لجانب واحد ، أو بمجرد حلول الميعاد في الاتفاق الابتدائي الملزم للجانبين .

والمسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه هي أركان هذا العقد . فإن كان بيعاً وجب أن يتفق الطرفان على المبيع والثمن ( [3] ) . وإن كان شركة وجب أن يتفقا على المشروع المالي الذي تكونت من أجله الشركة وعلى حصة كل شريك . وإن كان مقايضة وجب أن يتفقا على الشيئين اللذين يقع فيهما التقايض؛ وهكذا . فإذا لم يتم الاتفاق على جميع هذه المسائل ، فإن الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لا ينعقدان .

وتعيين المدة التي يجب في خلالها إبرام العقد الموعود به ضروري أيضاً لانعقاد الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي . وهذا التعيين قد يقع صراحة على مدة محددة أو قابلة للتحديد ، وقد يقع دلالة كما إذا كان العقد الموعود به لا يجدي تنفيذه بعد فوات وقت معين ، فهذا الوقت هو المدة التي يجب في خلالها إبرام هذا العقد . وإذا اتفق الطرفان على أن تكون المدة هي المدة المعقولة ، وكان في عناصر القضية ما ينهض لتحديد هذه المدة ، جاز الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي لأن المدة هنا تكون قابلة للتحديد ، وإذا اختلف الطرفان على تحديدها تكفل القاضي بذلك .

 الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي في العقود الشكلية:
وإذا كان العقد الموعود به عقداً شكلياً ، كالهبة والرهن الرسمي والشركة ، فإن الشكل الذي يعتر ركناً فيه – ورقة رسمية أو ورقة مكتوبة – يعتبر أيضاً ركنا في الوعد بالتعاقد وفي الاتفاق الابتدائي . وهذا ما تقضي به صراحة الفقرة الثانية من المادة 101 ، فهي تنص على أنه ” إذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين ، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضا في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد ( [4] ) ” .

فإذا لم يستوف الوعد بالتعاقد أو الاتفاق الابتدائي الشكل المطلوب وقع باطلا ( [5] ) . فالوعد بالرهن الرسمي إذا لم يفرغ في ورقة رسمية كان باطلا ، ولا يجوز إجبار الواعد على تنفيذ وعده تنفيذاً عينياً بأن يجبر على إبرام الرهن الرسمين لأن هذا يقتضي تدخلا شخصياً من الواعد لإتمام رسمية الرهن ، وإجباره على هذا التدخل الشخصي ممتنع . ولا يجوز كذلك أن يقوم الحكم على الواعد بالتنفيذ مقام الرهن الرسمي لأن الوعد بالرهن باطل كما قدمنا ، ولانه لو جاز ذلك لأمكن بطريق ملتو أن يصل الطرفان إلى إبرام رهن رسمي دون ورقة رسمية ، إذ يقتصران على وعد بالتعاقد غير رسمي يصلان به إلى حكم يقوم مقام الرهن الرسمي .

ولكن يجوز أن يؤدي الوعد بالرهن الرسمي غير المفرغ في ورقة رسمية إلى النتيجة الآتية : يعتبر عقداً غير معين ثم بإيجاب وقبول وفقاً لمبدأ سلطان الإرادة ، وتب التزاماً شخصياً في ذمة الواعد . ولما كان هذا الالتزام يتعذر تنفيذه معيبنا ، فلا يبقى إلا التعويض يحكم به على الواعد ، ويجوز أن يؤخذ به حق اختصاص فيؤدي عملا إلى نتيجة قريبة من الرهن الرسمي . كما يجوز الحكم بسقوط اجل القرض الذي كان يراد ضمانه بالرهن ، وأخذ حق اختصاص بمبلغ القرض ( [6] ) .

 شروط الانعقاد والصحة في العقد الموعود به ومتى تراعى في الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي:
ولما كان الوعد هو خطوة نحو العقد النهائي ، فإن شروط هذا العقد من حيث الانعقاد والصحة قد تكون مطلوبة في عقد الوعد ذاته . ذلك أنه ، كما قدمنا ، لا يحول في الوعد دون الوصول إلى العقد النهائي إلا ظهور رغبة الموعود له إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد ، أو حلول الميعاد لإبرام العقد النهائي إذا كان الوعد ملزماً للجانبين ( أي اتفاقا ابتدائياً ) .

ويترتب على ذلك أن الوعد إذا كان ملزماً للجانبين ، فإن الأهلية المطلوبة لإبرام العقد النهائي في كل من الطرفين تكون مطلوبة أيضاً في الاتفاق الابتدائي . أما إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد ، فتقدر الأهلية بالنسبة إلى الواعد وقت الوعد ، فيجب أن يكون أهلاً للتعاقد النهائي في هذا الوقت حتى لو فقد الأهلية وقت التعاقد النهائي بأن حجر عليه مثلا ( [7] ) . وعيوب الإرادة بالنسبة إلى الواعد تقدر وقت الوعد أيضاً لأنه لا يصدر منه رضاء بعد ذلك إذ أن التعاقد النهائي يتم بمجرد ظهور رغبة الموعود له . أما اهلية الموعود له فتقدر وقت التعاقد النهائي لا وقت الوعد ، فيصح أن يكون قاصراً وقت الوعد بشرط أن تتوافر فيه الأهلية وقت ظهور رغبته ، ذلك لأنه ل يلتزم بشيء وقت الوعد وإنما يلتزم عند التعاقد النهائي . على أنه يجب أن تتوافر فيه أهلية التعاقد – أي التمييز – وقت الوعد لأن الوعد عقد كامل كما قدمنا وهو أحد طرفيه . أما عيوب الإرادة فتقدر بالنسبة إليه وقت الوعد ووقت التعاقد النهائي معاً ، إذ أنه يصدر منه رضاء في كل من هذين الوقتين ، فيجب أن يكون رضاؤه في كل منهما صحيحاً .
وسواء كان الوعد ملزماً لجانب واحد أو ملزماً للجانبين فإن مشروعية المحل والسبب يكفي توافرها وقت التعاقد النهائي ، حتى إذا لم تكن متوافرة وقت الوعد .

ب – الآثار التي تترتب على الوعد بالتعاقد والاتفاق الابتدائي
 مرحلتان يفصلهما حلول الميعاد أو ظهور الرغبة:
إذا انعقد الوعد صحيحاً على النحو الذي قدمناه ، فإن الأثر الذي يترتب عليه يجب أن نميز فيه بين مرحلتين . فإذا كان الوعد ملزماً للجانبين ( اتفاقاً ابتدائياً ) فإن حلول الميعاد المضروب لإبرام العقد النهائي هو الذي يفصل ما بين هاتين المرحلتين . أما إذا كان الوعد ملزماً لجانب واحد فإن الذي يفصل بينهما هو ظهور رغبة الموعود له في التعاقد النهائي .

 قبل حلول الميعاد أو ظهور الرغبة:
ففي المرحلة التي تسبق حلول الميعاد أو ظهور الرغبة لا يكسب الوعد إلا حقوقاً شخصية ولا يرتب إلا التزامات ، حتى لو كان التعاقد النهائي من شأنها أن ينقل حقاً عينياً كما في البيع .
يتبين ذلك في الاتفاق الابتدائي ( الوعد الملزم للجانبين ) ، فإن كلا من الطرفين يكون ملزما ًن في المرحلة التي تسبق حلول الميعاد المضروب لإبرام العقد النهائي ، بإبرام هذا العقد عند حلول الميعاد ، وهذا التزام بعمل . ويتبين ذلك أيضاً في الوعد الملزم لجانب واحد ، فإن الواعد وحده يترتب في ذمته التزام شخصي أن يقوم بوعده عند ظهور رغبة الموعود له ، وهذا أيضاً هو التزام بعمل ، أما الموعود له فلا يلتزم بشيء .

فإذا كان العقد النهائي المراد إبرامه هو عقد بيع ، وتم اتفاق ابتدائي ملزم للجانبين على عقده ، أو تم وعد ملزم لجانب واحد ، فإن الموعود له بالبيع في الحالتين لا يكسب في هذه المرحلة إلا حقاً شخصياً في ذمة الواعد ، ولا تنتقل إليه ملكية الشيء الموعود ببيعه . ويترتب على ذلك أمران لا يخلوان من أهمية عملية :

( أولاً ) يبقى الواعد مالكاً للشيء . فله أن يتصرف فيه إلى وقت التعاقد النهائي ، ويسرى تصرف الواعد في حق الموعود له متى توافرت الشروط المتعلقة بالشهر بالنسبة إلى العقار . فإذا باع العين وسجل البيع ، فليس للموعود له إلا الرجوع بتعويض على الواعد .

( ثانياً ) إذا هلك الشيء قضاء وقدراً تحمل الواعد تبعة هلاكه ، لا لأنه لم يسلمه إلى المتعاقد الآخر فحسب كما في العقد النهائي ، بل أيضاً لأنه لا يزال المالك . ولكنه لا يكون مسئولا عن الضمان نحو الموعود له إذ المفروض أن الشيء قد هلك قضاء وقدراً ( [8] ) .

 بعد حلول الميعاد أو ظهور الرغبة:
أما المرحلة الثانية فتحل . في الاتفاق الابتدائي الملزم للجانبين ، بحلول الميعاد المحدد لإبرام العقد النهائي . فإذا حل هذا الميعاد التزم كل من الطرفين بإجراء العقد النهائي ، وجاز إجباره على التنفيذ عيناً على النحو الذي سنبينه فيما يلي . ومتى وقع التعاقد النهائي التزم كل من المتعاقدين بأحكامه ( [9] ) .,

وتحل المرحلة الثانية في الوعد الملزم لجانب واحد بظهور رغبة الموعود له في إبرام العقد الموعود به وذلك في خلال المدة المتفق عليها . فإذا لم تظهر هذه الرغبة قبل انقضاء المدة سقط الوعد بالتعاقد . أما إذا ظهرت ، صراحة أو ضمناً كأن تصرف الموعود له في الشيء الموعود ببيعه إياه . فإن التعاقد النهائي يتم بمجرد ظهور هذه الرغبة ولا حاجة لرضاء جديد من الواعد ( [10] ) ويعتبر التعاقد النهائي قد تم وقت ظهور الرغبة لا من وقت الوعد .

وإذا اقتضى إبرام العقد النهائي تدخلا شخصياً من الواعد ، في حالتي الوعد الملزم للجانبين والوعد الملزم لجانب واحد ، كما إذا كان هذا العقد بيعاً واقعاً على عقار ولزم التصديق على إمضاء البائع تمهيداً للتسجيل ، فامتنع البائع عن ذلك ، جاز استصدار حكم ضده ، وقام الحكم متى حاز قوة الشيء المقضي مقام عقد البيع ، فإذا سجل انتقلت ملكية العقار إلى المشتري . ويستثنى من هذه القاعدة العقد الشكلي إذا لم يكن الوعد به قد استوفى الشكل المطلوب ، فقد قدمنا أن الحكم فيه لا يقوم مقام العقد ، بل يقتصر القاضي على الحكم بالتعويض . أما إذا كان الوعد بعقد شكلي قد استوفى الشكل الواجب ، فإن الحكم في هذه الحالة يقوم مقام العقد . وهذه الأحكام نص عليها القانون المدني الجديد صراحة في المادة 102 ، فهي تقضي بأنه ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل وقاضاه المتعاقد الآخر طالبا تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لتمام العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم متي حاز قوة الشيء المقضي به مقام العقد ( [11] ) ” .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 ( [1] ) ويقع كثيراً في بعض هذه الصور أن المتعاقدين يقصدان أن يكون العقد المبرم عقداً نهائياً ، ويسميانه مع ذلك عقداً ابتدائياً . والعبرة في ذلك بنية المتعاقدين ( أنظر المشروع في لجنة المراجعة : مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 77 ) .

 ( [2] ) تاريخ النص : وردت المادة 101 بفقرتيها في المشروع التمهيدي ( م 150 ) على الوجه الآتي : ” الاتفاق الذي يعد بموجبه المتعاقدان أو أحدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا يكون صحيحاً إلا إذا حددت المسائل الأساسية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب أن يتم فهيا العقد . 2 – إذا اشترط القانون لصحة العقد استيفاء شكل معين ، فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الابتدائي الذي يتضمن وعداً بإبرام هذا العقد ” . ولما عوض النص على لجنة المراجعة عدلته على الوجه الآتي : ” 1 – الاتفاق الابتدائي الذي يعد بموجبه كلا المتعاقدين أو احدهما بإبرام عقد معين في المستقبل لا ينعقد إلا إذا عينت جميع المسائل الجوهرية للعقد المراد إبرامه والمدة التي يجب إبرامه فيها . 2 – وإذا اشترط القانون لتمام العقد استيفاء شكل معين فهذا الشكل تجب مراعاته أيضاً في الاتفاق الذي يتضمن الوعد بإبرام هذا العقد ” . وأصبح رقم المادة 103 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على النص دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استفهم عما هو مقصود بالشكل المعين ، فأجيب أن المقصود بالشكل هي الرسمية في عرف الفقه والقضاء ، فمثلا عقد الهبة لا يتم إلا إذا كتب في ورقة رسمية طبقا للأوضاع المقررة ، فالوعد بالهبة لا يتم هو أيضاً إلا إذا كتب في ورقة رسمية ، وهذا هو مدلول الفقرة الثانية من المادة 013 .

( ملاحظة من المؤلف : الشكلية أوسع من الرسمية ، فعقد الشركة في القانون الجديد يجب أن يكون مكتوباً ( م 507 ) وليس من الضروري أن يكون مكتوباً في ورقة رسمية ، فهو عقد شكلي دون أن يكون عقداً رسمياً ، ويترتب علىذ لك أن الوعد بالشركة يجب أن يكون مكتوباً كعقد الشركة ذاته ) . واعترض أمام لجنة القانون المدني على كلمته ” ابتدائي ” الواردة في النص ، إذ هي قد تحدث لبسا ، لأن العمل قد جرى على اعتبار العقود الابتدائية عقوداً نهائية ، فوافقت اللجنة على حذف هذه الكلمة دفعاً للبس . ثم وافقت اللجنة ووافق مجلس الشيوخ على النص تحت رقم 101 ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 72 – ص 76 ) . وانظر المادة 2 من قانون الالتزامات السويسري والمادة 62 من قانون الالتزامات البولوني .

 ( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأن الثمن ركن من أركان البيع التي يجب التثبت من توافرها قبل الحكم بانعقاده ، وما يجريه قاضي الموضوع من هذا التثبت – في دعوى صحة التعاقد – يجب عليه أن يورده في أسباب حكمه ليقوم هذا الايراد شاهداً على أنه لم يغفل أمر هذا الركن من أركان العقد المتنازع فيه ، وليمكن به محكمة النقض من أن تأخذ بحقها في الاشراف على مراعاة أحكام القانون ، فإذا كان الحكم الصادر بثبوت حصول البيع بين طرفيه وبالترخيص بتسجيل الحكم ليقوم مقام العقد في نقل الملكية مجهلا فيه ركن الثمن المقول بأن البيع تم على أساسه ، فإنه يكون مشوباً بقصور أسبابه ، متعيناً نقضه ( نقض مدني في 28 فبراير سنة 1946 مجموعة عمر 5 رقم 42 ص 113 ) .

 ( [4] ) أنظر هامش فقرة 134 في تاريخ هذا النص .

 ( [5] ) ويلاحظ أن العقد إذا كان رضائياً ، فإن الوعد بهذا العقد يكون رضائياً مثله ، حتى لو اشترط المتعاقدان عند الوعد بالتعاقد أن يكون العقد النهائي مكتوباً في ورقة رسمية . ذلك أن الرسمية المطلوبة في العقد النهائي قد اشترطها المتعاقدان ولم يشترطها القانون ، فالعقد الموعود به هو في أصله عقد رضائي لا عقد شكلي .

 ( [6] ) وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” يتناول النص حكم الوعد بالتعاقد سواء فيما يتعلق بالعقود الملزمة للجانبين والعقود المزمة لجانب واحد . ويشترط لصحة مثل هذا الاتفاق التمهيدي تحديد المسائل الأساسية في التعاقد والمدة التي يتم فيها. أما فيما يتعلق بالشكل فلا يشترط وضع خاص – على نقيض التقنين البولوني فهو يشترط الكتابة إطلاقا في المادة 62 فقرة 2 – إلا إذا كان القانون يعلق صحة العقد المقصود إبرامه على وجوب استيفاء شكل معين ، ففي هذه الحالة ينسحب الحكم الخاص باشتراط الشكل على الاتفاق التمهيدي نفسه . ويوجه هذا النظر أن إغفال هذا الاحتياط يعين على الافلات من قيود الشكل الذي يفرضه القانون ، مادام أن الوعد قد يؤدي إلى اتمام التعاقد المراد عقده فيما إذا حكم القضاء بذلك . ويكفي لبلوغ هذه الغاية أن يعدل المتعاقدان عن إبرام العقد الذي يرغب في الافلات من القيود الخاصة بشكله ، ويعمدا إلى عقد اتفاق تمهيدي أو وعد باتمام هذا العقد لا يستوفي فيه الشكل المفروض ، ثم يتصدرا حكما يقرر إتمام التعاقد بينهما ، وبذلك يتاح لهما أن يصلا من طريق غير مباشر إلى عدم مراعاة القيود المتقدم ذكرها . ومع ذلك فالوعد بإبرام عقد رسمي لا يكون خلواً من أي اثر قانوني إذا لم يستوف ركن الرسمية . فإذا صح أن مثل هذا الوعد لا يؤدي إلى اتمام التعاقد المقصود فعلا ، فهو بذاته تعاقد كامل يرتب التزامات شخصية ، طبقا لمبدأ سلطان الإرادة . وهو بهذه المثابة قد ينتهي عند المطالبة بالتنفيذ إلى اتمام عقد الرهن أو على الأقل إلى قيام دعوى بالتعويض ، بل والى سقوط اجل القرض الذي يراد ترتيب الرهن لضمان الوفاء به ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 73 – ص 75 ) .

وهذا ويتفق الدكتور أبو عافية في رسالته ( التصرف القانوني المجرد نسخة فرنسية ص 60 وما بعدها ) القانون الجديد في أنه جعل الوعد بالعقد الشكلي – إذا لم يفرغ في الشكل المطلوب – باطلا . وهو يرى وجوب التمييز في هذا الصدد بين ما إذا كان الشكل قد فرضه القانون لمصلحة العاقدين فيكون الوعد في هذه الحالة باطلا ، أو فرض لمصلحة الغير حماية لهم من الغش وإبرازاً لإرادة المتعاقدين فيكون الوعد في هذه الحالة صحيحاً ( أنظر في هذا المعنى قانون الالتزامات السويسري م 22 فقرة 2 ) . ويستند في ذلك إلى أن القانون هو الذي فرض الشكل وهو الذي يعين جزاءه ، فينبغي أن يكون هذا الجزاء مرناً يتلاءم مع الظروف في كل حالة ما دام الشكل أمراً خارجاً عن الإرادة ولا يغني عنها .

ونحن نسلم مع الدكتور أبو عافية بأن الشكل في القانون الحديث وظيفته خارجية لا داخلية ، وانه لا يغني عن وجود الإرادة . وعلى هذا الأساس يكون الشكل من صنع القانون ، وهو الذي يعين له الجزاء الكافي في حالة الاخلال به . فقد يجعل العقد الذي لم يستوف الشكل المطلوب باطلا لا ترد عليه الإجازة ، وقد يسمح ؟؟ كما في الهبة الباطلة شكلا ( م 489 جديد ) ، وقد يجعل الشكل من المرونة بحيث يقبل أن يستكمل ، وان يحتج به في فرض دون فرض كما في شركات التضامن والتوصية . بل إن هذا هو أيضاً شأن الشكل ذي الوظيفة الداخلية – كما كان الأمر في القانون الروماني – إذ القانون استقل هنا كذلك بصنع الشكل ، وأمعن في ذلك إلى حد أن استغنى به عن الإرادة .

فإذا رأى المشرع أن يجعل الوعد بالعقد الشكلي شكلياً مثله ، وأن يرتب على الإخلال بهذا الشكل بطلان الوعد – دون تفرقة بين ما إذا كان الشكل لمصلحة المتعاقدين أو لمصلحة الغير وهي تفرقة تدق في كثير من الأحيان – فله ذلك . وهو لا يخل في هذا بسلطان الإرادة ما دام قد ميز الوعد بالعقد وارتفع به عن محض اتفاق ملزم إلى جعله سبيلا للوصول إلى العقد الكامل عن طريق حكم قضائي . إذ لا يجوز في طبيعة الأشياء أن الوعد بعقد شكلي يؤدي مباشرة إلى هذا العقد الشكلى ما لم يكن الوعد ذاته مفرغاً في الشكل المطلوب ، وإلا جاز دائماً التحايل على الشكل .

ولكن لا يجوز للمشرع ، من ناحية مبدأ سلطان الإرادة ، أن ينكر على أي وعد قوته الملزمة حتى لو لم يفرغ في الشكل المطلوب ، لا باعتبار أنه وعد بعقد معين ، بل على أساس أنه اتفاق غير مسمى ، وهو ملزم على كل حال . وإنما يجب على المشرع أن ينكر على هذا الاتفاق أن يؤدي مباشرة إلى العقد الشكلي الكامل ما لم يكن مفرغاً في الشكل المطلوب . وهذا هو ما قررته المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي ، وهو ما انتقده الدكتور أبو عافية في رسالته دون نظر إلى الاعتبارات التي قدمناها .

 ( [7] ) ويشترط طبعاً ألا يقع أي تعديل فيما التزم به الواعد وقت الوعد ( أنظر في هذا المعنى ديموج 2 فقرة 521 – بلانيول وريبير وإسمان 1 فقرة 5 ) .

 ( [8] ) وكهلاك الشيء نزع ملكيته ، يتحمل الواعد تبعته ، ولكن لا يكون مسئولا عن الضمان . وقد قضت محكمة النقض بأنه لا يجوز بحال أن يحسب على الوعد نزع ملكية بعض العين للمنفعة العامة ، لأن نزع ملكية المبيع يجري عليه حكم هلاكه ، وهذا يكون حتما على المالك ، وبحكم اللزوم العقلي لا يضمن عنه الواعد بالبيع ( نقض مدني في 13 يناير سنة 1938 مجموعة عمر 2 رقم 84 ص 240 ) .

 ( [9] ) وإذا اختلف العقد النهائي عن الاتفاق الابتدائي فالعبرة بالعقد النهائي فهو الذي تم عليه الاتفاق نهائياً . وقد قضت محكمة النقض ، تطبيقاً لهذه القاعدة ، بأنه إذا كان الحكم فيما حصله من وقائع الدعوى لتحديد التزامات كل من طرفي التعاقد توطئه لمعرفة المقصر منهما قد رجع إلى عقد البيع الابتدائي دون العق النهائي الذي اختلفت شروطه عن العقد الابتدائي وبه استقرت العلاقة بين الطرفين ، فإنه يكون قد خالف القانون بعدم أخذه بهذه العقد الذي يكون هو قانون المتعاقدين ( نقض مدني في 23 مارس سنة 1944 مجموعة عمر 4 رقم 1 ص 302 ) .

 ( [10] ) ­وقد قضت محكمة النقض بأنه إذا اتفق الطرفان على أن لأحدهما الخيار في مدة معينة في أن يشتري العين ، فإن صاحب الخيار لا يتحلل من التضمينات إلا عند عدم قبول التعاقد في الفترة المحددة للاختيار . أما إذا قبل التعاقد فإنه يصبح مسئولا عن تنفيذه وملزماً بالتضمينات في حالة عدم التنفيذ ( نقض مدني في مايو سنة 1952 مجموعة عمر 3 رقم 154 ص 430 ) .

 ( [11] ) ‏تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 151 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد وامتنع عن تنفيذ وعده ، جاز للمحكمة أن تحدد له أجلاً للتنفيذ إن طلب المتعاقد الآخر ذلك ، وكانت الشروط اللازمة لصحة العقد ، وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل ، متوافرة . فإذا لم يتم إبرام العقد في الأجل المحدد ، يقوم الحكم ، متى حاز قوة الشيء المحكوم فيه ، مقام العقد ” . ولما تلى النص في لجنة المراجعة لوحظ أن هذه المادة لا تعرض للحالة التي يوجد فيها عقد يسمى خطأ بالعقد الابتدائي وهو في الواقع عقد نهائي ، لأن هذه الحالة منصوص عليها في المادة 287 من المشروع التمهيدي ( تقابل المادة 210 من القانون الجديد ) ، وإنما يعرض النص لحالة ما إذا وجد عقد ابتدائي بالمعنى الصحيح يتلوه عقد نهائي ، لاسيما إذا كان العقد من العقود الشكلية كالرهن الرسمي ، فمتى وجد وعد برهن رسمي مثلا ، وكان هذا الوعد قد استوفى الشروط الشكلية ، جاز إذا لم ينفذ الواعد وعده أن يجبر على ذلك ، ويقوم الحكم مقام العقد النهائي . وهذا الحكم ليس مقطوعاً به في القانون الحالي فوجب النص حتى يزول كل شك . فأثير اعتراض على تحديد أجل التنفيذ ، واستقر الرأي بعد المناقشة على حذف هذا الشرط ، وأصبحت المادة في نصها النهائي كما يأتي : ” إذا وعد شخص بإبرام عقد ثم نكل ، وقاضاه المتعاقد الآخر طالباً تنفيذ الوعد ، وكانت الشروط اللازمة لصحة العقد وبخاصة ما يتعلق منها بالشكل متوافرة ، قام الحكم ، متى حاز قوة الشيء المقضي به ، مقام العقد ” . وأصبح رقم المادة 104 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ استبدلت عبارة ” لتمام العقد ” بعبارة ” لصحة العقد ، وأصبح رقم المادة 102 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها اللجنة ( مجموعة الأعمال التحضيرية 2 ص 77 – ص 79 ) – أنظر أيضاً المادة 62 الفقرة الثالثة من القانون البولوني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *