العدول عن الخطبة والآثار المترتبة على ذلك في أحكام القانون المصري

العدول عن الخطبة والآثار المترتبة على ذلك في أحكام القانون المصري

 

تمهيد
حين يوجه المرء سفينة أختياره إلى مرفأ الزوجة المثالية فى هدى المنارة الدينية والنفسية يكون قد خطا خطواته الأولى نحو الاقتران بشريك الحياة، وما أن ترسو به سفينة الأختيار حتى تبدأ رحلة جديدة يمهد فيها لأرتباط ابدى مع هذه الشريكة، وهنا تبدأ الخطبة.

ولأن الزواج كعمل من أعمال الأنسان هو أعدلها أثرا في حياته، وكعقد هو أهم العقود وأجلها وأخطرها، فهو تتغير به كثير من ملامح حياة الإنسان وانطباعاته، وتتسع به رقعة مسئولياته، ولقد جرت عادة الناس أن يسبق كل عقد من العقود-ذات الشأن والخطر والتي لها أهمية في حياة الأنسان – مقدمات تمهد له، وذلك حتى يكون المتعاقدين على بينة من أمرهم، كذلك بالنسبة لعقد الزواج.

وحيث أن لعقد الزواج أهمية خاصة في جميع التشريعات سواء السماوية منها، او الوضعية. حيث نر ى انه فى الشريعة الاسلامية قد أطلق على عقد النكاح الميثاق الغليظ، ففي قوله تعالى “وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا “، وفى شرائع المسيحين عرفه البعض بأنه السر المقدس، وبالغوا في أهمية هذا العقد وقدسيته في بعض طوائفهم حين عرفه بانه عقد بموجبه يقترن رجل واحد بامرأة واحدة مدى الحياة وحرموا الطلاق. ولم يكن القانون المصري أقل اهتماما بعقد الزواج، حيث أعتبره المشرع الأساس المشروع لقيام الأسرة والتي تعد اللبنة الأولى لبناء المجتمع ككل.

وبسبب هذة الاهمية العظيمة لعقد الزواج كان من الضرورى ان يكون لهذا العقد مقدمات، تمكن اطرافه من دراسة بعضهم البعض بشكل يجعلهم مقدمين على تحمل المسئولية والاستعداد لبناء اسرة قوية. ومن هنا جاءت الحكمة من تشريع الخطبة.

وسوف نلقى الضوء فى هذا البحث على تعريف الخطبة، واثار العدول عنها
المبحث الاول: تعريف الخطبة.
1. تعريفها في الشريعة الاسلامية.
2. تعريفها في الشرائع المسيحية.
3. الوضع في القانون المصري ووفقا لآراء الفقه واحكام القضاء.

المبحث الثاني: أثر العدول عن الخطبة بالنسبة للمهر والهدايا.
1. الوضع في الشريعة الاسلامية.
2. الوضع في الشرائع المسيحية.
3. الوضع في القانون المصري ووفقا لآراء الفقه واحكام القضاء.

المبحث الثالث: التعويض عن الاضرار المترتبة على العدول عن الخطبة.
1. الوضع في الشريعة الاسلامية.
2. الوضع في الشرائع المسيحية.
3. الوضع في القانون المصري ووفقا لآراء الفقه واحكام القضاء.

المبحث الأول:
تعريف الخطبة
أولاً: تعريف الخطبة في الشريعة الإسلامية
لغةً: الخِطبة في اللغة بكسر الخاء هي طلب الرجل المرأة للزواج.
وليس المعنى الشرعي الأصطلاحي للخطبة عن المعنى اللغوي ببعيد.
شرعاً: طلب الرجل الزواج بأمرأة معينة تحل له شرعًا.

ثانياً: تعريف الخطبة في الشرائع المسيحية
للخطبة أهمية خاصة في الشرائع المسيحية، حيث أن العلاقة الزوجية غير قابلة للأنحلال –من حيث الأصل – في تلك الشرائع، ولذلك كان لابد من التمهيد لها عن طريق الخطبة حتى تقوم على أساس سليم.

وتعرف الخطبة في الشرائع المسيحية بأنها وعد متبادل بين رجل وامرأة بأبرام الزواج في المستقبل، فلا يكفي أن يكون هناك وعد من جانب واحد، بل لابد أن يكون هناك وعد من كل من الطرفين على وجه قاطع.

وقد اشار الأنجيل إلى الخطبة، وهو ما يعنى الاعتراف بها وأنها كانت من الخطوات السابقة على الزواج قبل ميلاد السيد المسيح (عليه السلام) ففي أنجيل متى (الأصحاح الاول، الآية 18) قوله ” لما كانت مريم أمةً مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا، وجدت حبلى من الروح المقدس…” وجاء في أنجيل لوقا أيضا (الأصحاح الأول الأية 27) قوله ” وفى الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل أسمها ناصرة ألى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود أسمه يوسف…”

وكذلك أن الخطبة معرفة في المجموعات المختلفة لطوائف المسيحين: فقد نصت المادة الأولى من مجموعة الأقباط الأرثوذكس لسنة 1937 على ان ” الخطبة عقد يتفق به رجل وامرأة على الزواج ببعضهما في أجل محدد “

كما نصت المادة الأولى من مجموعة 1955 لنفس الطائفة بأن ” الخطبة عقد بين رجل وامرأة محددة ”
ونصت المادة الثانية من قانون الأنجليين الوطنيين على أن ” الخطبة هى طلب التزوج و تتم بحصول أتفاق بين ذكر و أنثى راشدين على عقد الزواج بينهما ”
وقد عبرت المادة السادسة من الأرادة الرسولية للكاثوليك لعام 1949 عن ذات المعنى حيث وصفت الخطبة بالوعد المتبادل للزواج.

ثالثاً: تعريف الخطبة في القانون المصري
لا يوجد فى القانون المصرى تعريف للخطبة و لكن نجد أن محكمة النفض قد عرفت الخطبة فى أحكام كثيرة لها ومنها حكمها بأن ” إن الخطبة ليست إلا تمهيداً لعقد الزواج. وهذا الوعد بالزواج لا يقيد أحداً من المتواعدين، فلكل منهما أن يعدل عنه في أي وقت شاء” (لطعن رقم 13 -لسنة 9 ق).

المبحث الثاني:
أثر العدول عن الخطبة بالنسبة للمهر والهدايا.
أولاً: الوضع في الشريعة الإسلامية
بالنسبة للمهر: لا خلاف بين الفقهاء، أن الخطبة إذا انتهت بالعدول وكان الخاطب قد أدى المهر أو جزء منه إلى المخطوبة أو وليها، فأن له الحق في استرداد ما أداه إن كان قائما أو بدله مثلا أو قيمة إن هلك او أستهلك. لأن المخطوبة لا تستحق المهر ألا بعقد الزواج، لكونه حكما من أحكامه ولا يترتب على شيء حكمه إلا بعد وجوده. وحيث لم يتم عقد الزواج فأنه يبقى حقا خالصا للخاطب فكان له استرداده ويستوي في ذلك أن يكون العدول منه أو منها.

بالنسبة للشبكة: يختلف الوضع بالنسبة للشبكة تبعاً لأختلاف الأعراف من مكان لأخر، حيث أن الشبكة في بعض البلاد تعتبر من الهدايا التى يقدمها الخاطب إلى خطيبته، وفى بلاد أخرى جرى العرف على اعتبار أن الشبكة جزء من المهر، إذ هي من أهم وأول ما تتناوله مفاوضات الزواج وقد تكون بالنظر الى قيمتها هى المهر الحقيقى أو تمثل جانبا كبيراً منه.

وبناء على ذلك فأن أثر العدول عن الخطبة فيما يخص الشبكة يختلف باختلاف الأعراف، فإذا كان العرف السائد يعتبرها من المهر فأنها يجب ردها، أما إذا كان العرف السائد يعتبرها من الهدايا التى تقدم أثناء الخطبة فأننا سوف نتولى شرح ذلك فيما يلي.

يرى الباحث فيما يخص الشبكة، وهل تعتبر من الهدايا أم من المهر؟ فأننا نرى، و فقا للعرف الجاري في مصر، أن الشبكة لا تعتبر من الهدايا حيث أنها من أول ما تشمله المناقشات التى تسبق الزواج و قد يختلف الطرفين في تحديدها، حيث ان أهل الفتاة قد يغالون فى طلب الشبكة و هو ما قد يرفضه الخاطب في بعض الاحيان، مما قد يؤدى إلى عدم الوصول إلى أتفاق و بالتالي عدم اتمام الزيجة، و بالتالي فهي تختلف عن الهدايا الأخرى التى يقدمها الخاطب اإلى خطيبته ابان فترة الخطبة، و التي لا تكون شرط لأتمام الزواج، حيث أنها من الممكن ان لا تقدم على الأطلاق، و ان كانت مستحبة للتقريب بين الخاطبين فى هذه الفترة و زيادة المودة بينهم، فهي في العادة انها قد تقدم فى اوقات المناسبات و فى غير اوقات المناسبات<و يسرى عليها ما يسرى على الهبات من احكام .

بالنسبة للهدايا: الهدايا هي كل ما يقدمه أحد الخاطيبين للأخر من النقد والحلى والأمتعة والأواني والسيارات والملابس وغير ذلك، تعبيرا عن المودة. والهدايا بصفة عامة مستحبة في الشريعة الإسلامية، حيث يقول الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) ” تهادوا تحابوا ” وبالتالي فأن الهدايا مستحبة بشكل عام بين المسلمين وبعضهم البعض وبشكل خاص بين المخطوبين لأن ذلك من شأنه حصول الألفة بينهم، والهدايا عادة ما تكون متبادلة بين الطرفين وعلى كل منهما أن يقبل هدية الأخر مهما كانت ضئيلة ولا يردها لما في الرد من أهانه وغلظة.

وأثر فسخ الخطبة على الهدايا وفقا لمذهب الحنفية – والذي يعتبر القانون الواجب التطبيق على منازعات الأحوال الشخصية فيما لم يرد بشأنه نص خاص – أن ما قدمه الخاطب من هدايا هى فى معنى الهبة فعند العدول عن الخطبة له أن يرجع عن هبته ويسترد هداياه ما دامت باقية، أما إن هلكت أو أستهلكت أو حصل فيها أى مانع من موانع الرجوع في الهبة، فليس للخاطب الرجوع فيها.

وموانع الهبة وفقا لمذهب الحنفية هم سبعة نسردهم على النحو الاتي:
1) أن يزيد المال الموهوب زيادة متصلة كأن يكون أرضا فيبني عليها.
2) أن يخرج الموهوب من يد الموهوب له كأن يبيعه، أو يهبه بدوره.
3) أن يهلك موضوع الهبة، كأن يكون حيوانا فيموت، أو يكون دارا فتتهدم.
4) أن يموت أحد العاقدين: الواهب أو الموهوب له.
5) أن تكون الهبة بين الزوجين.
6) أن تكون الهبة بين ذوي الرحم المحرم كالهبة بين الشخص وخالته أو عمته.
7) أن يأخذ الواهب عوضا عن هبته.

ثانياً: الوضع فى المذهب الشيعى
ان الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً وغايته السكن والاحصان.
الخطبة لا تلزم بالزواج ومثلها الوعد به وقبض المهر وقبوله أو تبادل الهدايا.

فيما يخص المهر:
1.إذا عدل أحد الطرفين عن الخطبة فللخاطب أن يسترد المهر الذي أداه أو قيمته يوم تلفه إن تعذر رد عينه.
2.إذا اشترت المخطوبة بمقدار مهرها أو بعضه جهازاً ثم عدل أحدهما فعليها رد المهر بحاله الفعلي نقداً أو عيناً إلا أن يتصالحا على غير ذلك.

فيما يخص الهدايا:
1.مع عدولهما أو عدول أحدهما عن الخطبة تسترد الهدايا المشروطة باتمام الزواج ولو كان ذلك الشرط ارتكازياً.
2.مع عدم كون الهدية مشروطة باتمام الزواج فلا تسترد مع تصرف الموهوب له في العين الموهوبة تصرفاً ناقلاً أو متلفاً.
3.يستثنى من البند السابق ما إذا كان بين الزوجين قرابة رحمية فتلزم الهبة حينئذ بمجرد القبض.

ثالثاً: الوضع في شرائع المسيحين
بالنسبة للأقباط الأرثوذكس:
تبدو الخطبة عقد غير ملزم، ويستطيع أي من الخاطبين أن يعدل عنها في أي وقت شاء لدى طائفة الأقباط الأرثوذكس، وقد نصت على ذلك المادة 12 من مجموعة 1938 بقولها ” يجوز الرجوع فى الخطبة بأتفاق الطرفين او بأراده أحدهما فقد….”، كما نصت على ذلك أيضا المادة 11 من مجموعة 1955 حيث قالت ” يجوز لكل من الخاطبين العدول عن الخطبة ويثبت العدول في محضر يحرره الكاهن…”

وأما عن أثار العدول عن الخطبة فقد تكلمت عنه المادة 13/12 من المجموعتين 1938 و1955 مميزة بين العدول بمقتضى والعدول بغير مقتضى فقالت “إذا عدل الخاطب عن الخطبة بغير مقتضى فلا حق له فى أسترداد ما يكون قدمه من مهر أو هدايا، وإذا عدلت المخطوبة عن الخطبة بغير مقتضى فللخاطب ان يسترد ما قدمه لها من المهر أو الهدايا غير المستهلكة. هذا فضلا عما لكل من الخاطبين من الحق فى مطالبة الأخر أمام المجلس الملى ( المحكمة العادية حاليا)بتعويض الضرر الذى لحقه من جراء عدولة عن الخطبة “، وطبقا لهذا النص فأن العدول عن الخطبة إذا كان بمبرر فلا يترتب عليه أي جزاءات مالية، أما إذا كان بدون مبرر أو عذر مقبول فأنه يترتب عليه جزاءات ماليةلا تقتصر فقط على فقد المهر و الهدايا المقدمة بل تشمل ايضا التعويض عن الأضرار التى تصيب الطرف الأخر من جراء هذا العدول، و لكن النص المذكور لم يبين متى يكون العدول بمقتضى و متى لا يكون بمقتضى و معنى ذلك أن تقدير وجود المبرر من عدمه متروك للقاضي.

بالنسبة للطوائف الكاثوليكية:
فقد نصت المادة 6/3 من الأرادة الرسولية على أنه ” لا دعوى للمطالبة بعقد الزواج بناء على وعد به بل لتعويض الضرر إن وجب “، ومفاد هذا أن الخطبة هي عقد غير ملزم ومن ثم يجوز لأي من الطرفين العدول عنها

كما يستفاد منه كذلك انه إذا كان العادل قد أرتكب خطأ بمناسبة أستعمال حقه فى العدول ألتزم بتعويض الطرف الأخر على ما حل به من أضرار مادية وأدبية وتقدير ذلك متروك للقاضي.

وقد أكدت المادة 782/2 من قوانين الكنائس الشرقية لعام 1990 هذا الحكم بقولها ” لا مجال لدعوى المطالبة بالأحتفال بالزواج بناء على وعد به، لكن هناك مجال لدعوى التعويض من الأضرار أذا لزم الأمر “.

بالنسبة للإنجيليين الوطنيين:
نظمت المادة 3 من قانون أحوالهم الشخصية العدول عن الخطبة فقالت انه ” أذا عدل أحد الخطيبين عن عقد الزواج بعد الخطبة بدون سبب كاف حكمت عليه السلطة المختصة للأخر بالتعويضات ويخصم من التعويضات المذكورة ما يكون قد دفع نقدا من أحد الخطيبين وأما الهدايا العينية فتضيع على الناكث وتبقى للأخر “

والواضح من هذا النص أنه يجيز العدول عن الخطبة من حيث المبدأ ولكنه يقتضي أن يكون هذا العدول بمبرر أو بمقتضى أو بسبب كاف فإذا أنعدم المبرر فأن العادل لا يكون له أى حق فى المهر أو الهدايا وحكمت السلطة المختصة وهي المحكمة على من عدل بتعويض للطرف الأخر ولكن يجب أن يخصم من هذا التعويض ما يكون الأخير قد حصل عليه نقدا من الناكل عن الخطبة.

رابعاً: الوضع في القانون المصري
لقد أخذ القانون المصري -وسارت على منواله محكمة النقض-برأي المذهب الحنفي فيما يخص الهدايا حيث أعتبرها من الهبات وبالتالي أخضعها لأحكام الرجوع في الهبات الواردة في القانون المدني المصري

حيث نص فى المادة 500 على الحالات التى يجوز للواهب أن يرجع فى الهبة بأنه ” 1- يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك.

2- فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع.”

وجاء فى المادة 501 حالات خاصة للرجوع فى الهبة فنص على ” 1- يجوز للواهب أن يرجع في الهبة إذا قبل الموهوب له ذلك.

2- فإذا لم يقبل الموهوب له جاز للواهب أن يطلب من القضاء الترخيص له في الرجوع، متى كان يستند في ذلك إلى عذر مقبول، ولم يوجد مانع من الرجوع.”

ثم جاء المشرع فى المادة 502 ليحدد موانع الرجوع فى الهبة فنص على “يرفض طلب الرجوع في الهبة إذا وجد مانع من الموانع الأتية:
(أ) إذا حصل للشيء الموهوب زيادة متصلة موجبة لزيادة قيمته فإذا زال المانع عاد حق الرجوع.
(ب) إذا مات أحد طرفي عقد الهبة.
(ج) إذا تصرف الموهوب له في الشيء الموهوب تصرفاً نهائياً. فإذا اأقتصر التصرف على بعض الموهوب، جاز للواهب أن يرجع في الباقي.
(د) إذا كانت الهبة من أحد الزوجين للأخر ولو أراد الواهب الرجوع بعد أنقضاء الزوجية.
(هـ) إذا كانت الهبة لذي رحم محرم.
(و) إذا هلك الشيء الموهوب في يد الموهوب له، سواءً كان الهلاك بفعله أو بحادث أجنبي لا يدّ له فيه أو بسبب الاستعمال، فإذا لم يهلك إلا بعض الشيء، جاز الرجوع في الباقي.
(ز) إذا قدّم الموهوب له عوضاً عن الهبة.
(ح) إذا كانت الهبة صدقة أو عملاً من أعمال البر.”

وجاءت احكام محكمة النقض متفقة مع هذا الرأي حيث حكمت بانه
” هدايا الخطبة ليست من مسائل الأحوال الشخصية هي من قبيل الهبات ويسري عليها ما يسرى على الهبات من أحكام يطبق في حق الخاطب في استرداد تلك الهدايا أحكام الرجوع الواردة في المادة 500 مدني وما بعدها “(الطعن رقم 302 – لسنة 28 ق).

“هدايا الخطبة تعد من قبيل الهبات. القضاء بردها يخرج عن ولاية المحاكم الروحية
الهدايا التي يقدمها أحد الخاطبين إلى الآخر إبان فترة الخطبة تعد من قبيل الهبات إذ أنها ليست ركنا من أركان الزواج ولا شرطا من شروطه وينبني على ذلك أن القضاء بردها يخرج عن اختصاص المحاكم الروحية فإذا كانت المحكمة الروحية قد قضت في حكمها المطعون فيه بإلزام الطاعنة بأداء مبلغ معين في مقابل تلك الهدايا فإنها تكون قد فصلت في نزاع خارج عن ولايتها “(الطعن رقم 5 – لسنة 30 ق).

المبحث الثالث:
التعويض عن الاضرار المترتبة على العدول عن الخطبة.
أولا: الوضع في الشريعة الاسلامية
قد ينجم عن العدول عن الخطبة ضرر بأحد الطرفين، وهذا الضرر إمّا أن يكون مادّيًّا أو معنويًا.

ومثال الضرر المادي: أن تترك المخطوبة العمل بناءً على طلب من الخاطب، أو أن يجهّز الأهل ابنتهم بجهازٍ قد طلبه الخاطب (وهذا في البلاد التي يجهز فيها أهل العروس مسكن الزوج مثل مصر).

ومثال الضرر المعنوي: ما يلحق بسمعة الفتاة من كلام وافتراءات حيث تكون قد أمضت مُدّة ًطويلة ًمع خاطبها، وربما خرجا معًا ودخلا، وكانا محط نظر الناس وكلامهم.

وإذا سرّحنا النظر في كتب الفقهاء فإننا لن نجد لهذه المسألة أثرًا، ولعلّ السبب في ذلك أنه خلال السنين الماضية لم يكن لإطالة فترة الخِطبة في الحياة الاجتماعية وجود، بل كان يسود بينهم المثل الشائع “خير البر عاجلُه”، وأزيد على ما سبق أنّ حياة السابقين ومفاهيمهم كانت مصبوغةً بصبغة الإسلام وتعاليمهم حيث انه وفقا لهذه المفاهيم لا يجوز ان يظهر الخاطبان بمظهر الزوجية، ولا يدع بحال للاختلاط المريب فادابه لا تسمح بريئة المخطوبة وبحضور محرم لها،

ولكن نظرا لما وصل اليه حال المجتمعات الاسلامية فى هذا العصر المتطور بالعادات الزاخر باختلاط النساء والرجال في كل مناحي الحياة، أصبح العدول عن الخطبة مجلبة للضرر ولم يجد الناس في عرض حوادثه أي غضاضة او حرج.

وإذا تأمّلنا آراء الفقهاء المعاصرين في الضرر المادي والمعنوي الناجم عن العدول عن الخطبة، نجدها محصورة في ثلاثة آراء:

الرأي الأول: عدم التعويض مطلقًا: ومن القائلين به الشيخ محمد بخيت المطيعي (مفتي الديار المصرية سابقًا) وأ. د. محمد عقلة الإبراهيم وأ. د. عمر سليمان الأشق ويستند أنصار هذا الرأي الى:
1) إنّ العدول أمر جائز شرعًا، والجواز الشرعي يتنافى مع الضمان.
2) إنّ الخِطبة ليست عقدًا بل هي وعد بالعقد، ولا إلزام في هذا الوعد، فمن عدل عن خِطبته إنما يمارس حقًا من حقوقه، ولا يجوز أن نرتب على ممارسة الحقوق أي تعويض.
3) لم يُفوّت العادل عن الخطبة على الآخر حقًا حتى يُلزم بالتعويض.
4) قد يلزم من الحكم بالتعويض إلزام الخاطب على الزواج عند عدم قدرته على دفع التعويض، وهنا يختفي الركن الأعظم لعقد النكاح وهو التراضي

ونعيب على هذا الرأي حيث ان العدول في كثير من الاحيان يترتب عليه اضرار بالطرف الاخر ومن ثم فان التعويض يكون لازما في هذه الاحوال وذلك لجبر الاضرار.

الرأي الثاني: التعويض مطلقًا: ومن القائلين به: الشيخ محمود شلتوت (شيخ الأزهر الشريف سابقًا) وادلتهم:
1) إن القاعدتين الفقهيتين التاليتين هما أول دليل يستند إليه من قال بالتعويض:
أ) لا ضرر ولا ضرار.
ب) الضرر يزال.
2) لا سبيل إلى إزالة الضرر سوى التعويض المالي.
3) إن الخاطب قد سبب للمخطوبة ضررًا نتيجة عدم الوفاء بوعده، فلا بد أن يترتب عليه تعويض يتناسب مع مقدار ما تسبب به من ضرر.

ونعيب على هذا الراى:انه يجعل من الخطبة عقد وان العدول عنه يعد اخلالا به وبالتالى فانه يلزم التعويض فى حين ان الخطبه هى مجرد وعد وليست عقد.

الرأي الثالث: إنّ التعويض يترتب على العدول عن الخطبة إذا ترتب عليه ضرر ماديًا كان أو معنويًا، وبه قال الشيخ مصطفى السباعي، ولكنه وضع ثلاثة شروط لوجوب التعويض:
1) أن يثبت أنّ العدول لم يكن بسبب المخطوبة.
2)أن يثبت أن العدول قد أضر بها ماديّا أو معنويّا غير الاستهواء الجنسي.
3)أن يكون الخاطب قد أكد رغبته في الزواج من المخطوبة بما يستدل به عادة وعقلاً على تأكيد خطبته وتصميمه على إجراء عقد الزواج.

ونعيب على هذا الراى: أنه يُراعي المخطوبة حال عدول الخاطب، ويضرب عُرض الحائط بالخاطب حال عدول مخطوبته.

رأى الباحث فيما يخص التعويض بسبب العدول عن الخطبة، أن الخطبة هي مجرد وعد بإتمام الزواج، وهذا الوعد يكون مشروط بشرط ضمني، ألا وهو وجود اتفاق بين الخاطبين في العادات والطباع والاخلاق، فالخطوبة هي فترة لكي يدرس كل طرف الاخر، حتى يتم الزواج وهو على بينة من أمره، فأن الخطبة قد شرعته كمرحلة قبل الزواج حتى يتعرف كل طرف على الأخر ويرتاح له كوسيلة لتلافى الخلافات التي تنشأ بعد الزواج نتيجة لاختلاف العادات والطباع وغيرها.

ولذلك فأننا نرى أن العدول عن الخطبة بحسب الأصل لا يجب أن يصحبه تعويض، وذلك حتى لا يكون ذلك قيد يمنعه من إنهاء الخطبه رغم تيقنه من أستحالة العشرة فيما بعد بينهم إذا تم الزواج. ولكن التعويض يجب ان يكون فى حالة إذا ما تسبب الطرف العادل في الاضرار بالطرف الاخر نتيجة لهذا العدول وسواء كان هذا الضرر مادي أو معنوي.

ثانيا: الوضع فى شرائع الطوائف المسيحية المختلفة
ان النصوص التى توضح احكام الرجوع في الخطبة بالنسبة للمهر والهدايا في الطوائف المسيحية المختلفة -والموضحة سابقا -هي ذات النصوص التي تتكلم عن التعويض الواجب وذلك على النحو التالي.

بالنسبة لطائفة الاقباط الارثوذكس: حيث تنص المادة 13/12 من المجموعتين 1938 و1955 مميزة بين العدول بمقتضى والعدول بغير مقتضى فقالت “إذا عدل الخاطب عن الخطبة بغير مقتضى فلا حق له فى استرداد ما يكون قدمه من مهر او هدايا، وإذا عدلت المخطوبة عن الخطبة بغير مقتضى فللخاطب ان يسترد ما قدمه لها من المهر او الهدايا غير المستهلكة. هذا فضلا عما لكل من الخاطبين من الحق فى مطالبة الاخر امام المجلس الملى ( المحكمة العادية حاليا)بتعويض الضرر الذى لحقه من جراء عدوله عن الخطبة “، وطبقا لهذا النص فان العدول عن الخطبة اذا كان بمبرر فلا يترتب عليه أي جزاءات مالية، اما اذا كان بدون مبرر او عذر مقبول فانه يترتب عليه جزاءات ماليةلا تقتصر فقط على فقد المهر و الهدايا المقدمة بل تشمل ايضا التعويض عن الاضرار التى تصيب الطرف الاخر من جراء هذا العدول، و لكن النص المذكور لم يبين متى يكون العدول بمقتضى و متى لا يكون بمقتضى و معنى ذلك ان تقدير وجود المبرر من عدمه متروك للقاضي.

بالنسبة للطوائف الكاثوليكية: نصت المادة 6/3 من الارادة الرسولية على انه ” لا دعوى للمطالبة بعقد الزواج بناء على وعد به بل لتعويض الضرر ان وجب “، ومفاد هذا ان الخطبة هي عقد عير ملزم ومن ثم يجوز لأي من الطرفين العدول عنها، كما يستفاد منه كذلك انه إذا كان العادل قد ارتكب خطا بمناسبة استعمال حقه فى العدول التزم بتعويض الطرف الاخر على ما حل به من اضرار مادية وادبية وتقدير ذلك متروك للقاضي.

وقد اكدت المادة 782/2 من قوانين الكنائس الشرقية لعام 1990 هذا الحكم بقولها ” لا مجال لدعوى المطالبة بالاحتفال بالزواج بناء على وعد به، لكن هناك مجال لدعوى التعويض من الاضرار إذا لزم الامر “.

بالنسبة لطائفة الانجيليين الوطنيين: نظمت المادة 3 من قانون احوالهم الشخصية العدول عن الخطبة فقالت انه ” إذا عدل أحد الخطيبين عن عقد الزواج بعد الخطبة بدون سبب كاف حكمت عليه السلطة المختصة للأخر بالتعويضات ويخصم من التعويضات المذكورة ما يكون قد دفع نقدا من أحد الخطيبين واما الهدايا العينية فتضيع على الناكث وتبقى للأخر “.

والواضح من هذا النص انه يجيز العدول عن الخطبة من حيث المبدأ ولكنه يقتضي ان يكون هذا العدول بمبرر او بمقتضى او بسبب كاف فاذا انعدم المبرر حكمت السلطة المختصة وهي المحكمة على من عدل بتعويض للطرف الاخر ولكن يجب ان يخصم من هذا التعويض ما يكون الاخير قد حصل عليه نقدا من الناكل عن الخطبة.

وعلى خلاف شرائع الاقباط الاخرى، فان المادة الرابعة من قانون الانجيليين ذكرت الاسباب الكافية للعدول عن الخطبة، عند توافر أحدها فان العادل لا يلتزم بأي تعويض للطرف الاخر.

وجاء نص المادة على ان ” السبب الكافى لفسخ الخطبة (بالعدول عنها) هو أحد الاسباب الاتية:
اولا) أذا ظهر فساد في اخلاق أحدهما فيما يختص بالعفة ولم يكن معلوما للأخر قبل الخطبة.
ثانيا) إذا ظهرت بأحدهما عاهة سابقة على الخطبة ولم تكن معلومة للأخر.
ثالثا) إذا وجد باحداهما مرض فتاك معد.
رابعا) إذا اعتنق أحدهما دينا اخر بعد الخطبة.
خامسا) إذا ارتكب أحدهما جريمة مهينة للشرف مهما كان الحكم المدني الذي حكم به عليه بسببها.
سادسا) إذا ارتكب أحدهما جريمة غير مهينة للشرف وحكم عليه بسببها بالحبس سنة فأكثر.
سابعا) إذا غاب أحد الخطيبين في جهة غير معلومة للاخر او بدون رضاه وطالت مدة الغياب حتى بلغت سنة علاوة عل الاجل المحدد للزواج. ”
ويراعى ان هذه الاسباب ليست الا امثلة لما يعتبر مبررا يستند اليه الناكل عن الخطبة حتى لا يكم عليه بالتعويض ولكن لا مانع من الاخذ بغيرها.

ثالثا: الوضع في التشريع المصري
ان القضاء قد استقر على انه:
1)الخطبة تمهيد للزواج وليست عقدا ولا الزاما به.
2)مجرد العدول عنها لا يوجب التعويض.
3)وجوب توافر شروط المسئولية التقصيرية للحكم بالتعويض عن الخطبة، بان يقترن العدول بفعل خاطئ في ذاته ومسئول عنه من أحد الطرفين يترتب عليه ضرر مادي او ادبى للطرف الاخر.

معيار الخطأ التقصيري الذي يوجب التضمين: معيار الخطأ التقصيرى هو المعيار المعروف، فإذا أنحرف الخطيب وهو يفسخ الخطبة عن السلوك المألوف للشخص العادى فى مثل الظروف الخارجية التي أحاطت بالخطيب، كان فسخ الخطبة خطأ يوجب المسئولية التقصيرية لأنه ألحق ضرر بصاحبه، والضرر إما مادي وهو: إخلال محقق بمصلحة ذات قيمة مالية، وإما أدبي وهو: الذي لا يصيب الشخص في ماله بل هي سمعته وكرامته.

وفي ذلك قضت محكمة النقض بانه “إن الخطبة ليست إلا تمهيداً لعقد الزواج. وهذا الوعد بالزواج لا يقيد أحداً من المتواعدين، فلكل منهما أن يعدل عنه في أي وقت شاء، خصوصاً وأنه يجب في هذا العقد أن يتوافر للمتعاقدين كامل الحرية في مباشرته لما للزواج من الخطر في شئون المجتمع، وهذا لا يكون إذا كان أحد الطرفين مهدداً بالتعويض. ولكن إذا كان الوعد بالزواج والعدول عنه، باعتبار أنهما مجرد وعد فعدول، قد لازمتها أفعال أخرى مستقلة عنهما استقلالا تاماً، وكانت هذه الأفعال قد ألحقت ضرراً مادياً أو أدبياً بأحد المتواعدين، فإنها تكون مستوجبة التضمين على من وقعت منه. وذلك على أساس أنها هي في حد ذاتها -بغض النظر عن العدول المجرد -أفعال ضارة موجبة للتعويض.” (طعن رقم 13 لسنة 9 ق).

كما قضت بانه “يتعين للحكم بالتعويض بسبب العدول عن الخطبة أن تتوافر شرائط المسئولية التقصيرية بأن يكون هذا العدول قد لازمته أفعال خاطئة فى ذاتها ومستقلة عنه استقلالاً تاماً ومنسوبه لأحد الطرفين وأن ينتج عنه ضرر مادي أو أدبي للطرف الآخر.”(الطعن رقم 438 – لسنة 25 ق)

وقضت فى حكم اخر لها بانه “استطالة أمد الخطبة في الزواج والإحجام عن إتمامه ثم العدول عن الخطبة، كل ذلك أمور لا تفيد سوى العدول عن إتمام الخطبة ولا تعد أعمالاً مستقلة بذاتها عن هذا العدول. ومجرد العدول عن الخطبة -على ما جرى به قضاء محكمة النقض -لا يعد سبباً موجباً للتعويض مهما استطالت مدة الخطبة إلا إذا اقترن هذا العدول بأفعال أخرى مستقلة عنه ألحقت ضرراً بأحد الخطيبين”(الطعن رقم 174 -لسنة 27 ق).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *