تطبيق محكمة النقض لقاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم علي تحريات الشرطة

تطبيق محكمة النقض لقاعدة تفسير الشك لمصلحة المتهم علي تحريات الشرطة.

القاعدة القانونية أن الشك دائما يفسر لمصلحة المتهم ، وخيراً للعدالة أن يهرب ألف مجرم من العقاب على أن يعاقب شخص واحد برئ .

إﻻ أنه في الآونة الأخيرة باتت تلك القاعدة القانونية العالمية ، و التي رسختها أحكام محكمة النقض عاطلة عن التنفيذ، فقد اصبحت اروقة النيابات والمحاكم تعج بالعديد من القضايا التي تعتمد فقط على التحريات المرفقة بأوراق تلك القضايا، والتي باتت السبب الوحيد للحبس الاحتياط رغم أن تلك التحريات تزعم وتلصق بالمتهمين اتهامات لاوجود لها ولا دليل عليها ، وقد تصدر القرارات بالحبس دون التمحيص والفحص في حقيقة وجدية هذه التحريات.

والاقتصار على التحريات في هذه القضايا يخل بالضمانات الهامة التي نصت عليها المواثيق والعهود الدولية من ضمانات المحاكمة العادلة أﻻ وهي افتراض أن الأصل في الإنسان البراءة وأن الشك يفسر لمصلحة المتهم وذلك وفقاً لنص المادة الحادية عشر من اﻻعلان العالمي والتي نصت على (كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن يثبت ارتكابه لها قانوناً في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه )

وقد جاء في تعليق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على هذا العنصر أو المعيار الخاص بأصل البراءة ما يلي

“معنى افتراض البراءة هو أن عبء إثبات التهمة يقع على كاهل الإدعاء، وأن الشك يفسر في صالح المتهم، ولايمكن افتراض أن المتهم مذنب حتى يتم إثبات التهمة بما لا يدع مجالاً لأي درجة معقولة من الشك”.

وفي الكثير من القضايا تقوم النيابة العامة بإحالة القضايا إلى ساحات القضاء والمحاكم دون التحقق في الدليل ومواصلة البحث والتحري عن اﻻدلة وتقويتها وأيضا باﻻضافة الى انه قد صدر العديد من أحكام الإدانة والزج بالمتهمين في غياهب السجون بناء على تلك التحريات التي لا تعدو وأن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة و البطلان و الصدق و الكذب إلى أن يعرف مصدر تلك التحريات و يتحقق القاضى بنفسه من هذا المصدر و يستطيع أن يبسط رقابته على الدليل و يقدر قيمته القانونية فى الإثبات وذلك وفقاً لما تواترت عليه احكام محكمة النقض.فما هي التحريات ومن هو مجرى تلك التحريات وما هى مساويء آلية إجراء التحريات

اولاً : تعريف التحريات

هي تعزز دليلاً نشأ من قبل تلك التحريات فهي تؤازر ذلك الدليل فبالتالي فهي قرينة لا تصلح وحدها كدليل أو قرينة مستقلة على ثبوت الإتهام فهى لا تعدو أن تكون مجرد رأي مجريها تحتمل الصواب والخطأ وتحتمل الصدق والكذب التأويل .

وقد قضت محكمة النقض في هذا الشأن ( تحريات الشرطة بحسبانها قرينة لا تصلح بمجردها أن تكون دليلا كافيا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام فهى لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضى بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية فى الإثبات )

(طعن 24530 لسنة 59ق بجلسة 22 مارس 1990م).

ثانياً : من هو مجرى تلك التحريات :-

بالقضايا الجنائية المختص بجمع تلك التحريات هم ضباط ورجال المباحث من أمناء الشرطة والمخبرين، أما أغلب القضايا ذات الطابع السياسي فيختص قطاع اﻻمن الوطني بإجراء تلك التحريات أو يشترك في اجراء التحريات ضباط المباحث بقسم الشرطة محل الواقعة وقطاع اﻻمن الوطني .

مساوئ آلية إجراء التحريات

اولاً : مصدر تلك التحريات :-

في أغلب اﻻحيان يعتمد الضباط القائمين على جمع تلك التحريات على ” المسجلين والبلطجية سيئي السمعة ” المجبرين على التعامل مع ضباط المباحث.

ثانياً : إجراء التحريات خلال 24 من طلب النيابة العامة

في اغلب القضايا ترفق التحريات خلال 24 ساعة من طلب النيابة العامة وهو اﻻمر الذي يؤثر على مصداقيتها وعدم اتساقها مع باقي الأدلة من أقوال شهود أو اعترافات متهمين او تقارير فنية وغيرها من اﻻدلة في القضايا باﻻضافة إلي عدم معقولية تلك التحريات لذلك لابد وأن تستغرق التحريات الوقت الكافي لكي تكون جدية ومتسقة مع باقي اﻻدلة في القضايا .

ثالثاً عدم اﻻفصاح عن مصدره السري :-

كما أن أغلب التحريات لا يفصح مجريها عن مصدر تلك التحريات مكتفي بقول ( الحفاظ على المصدر السري وعدم تعريضه للخطر )

ويجب لصحة تلك التحريات أن يفصح مجري التحريات عن مصدره السري الذي اعتمد عليه في إجراء تلك التحريات لكي تقوم النيابة العامة بسؤالهم واستجوابهم بشأن ما ورد على لسان المصري من معلومات وذلك وفق صحيح القانون .

وقد قضت محكمة النقض في هذا الشأن (تحريات الشرطة بحسبانها قرينة لا تصلح بمجردها أن تكون دليلا كافيا بذاته أو قرينة مستقلة على ثبوت الاتهام فهى لا تعدو أن تكون مجرد رأى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصحة والبطلان والصدق والكذب إلى أن يعرف مصدرها ويتحدد، حتى يتحقق القاضى بنفسه من هذا المصدر ويستطيع أن يبسط رقابته على الدليل ويقدر قيمته القانونية فى الإثبات)

ومما هو ثري بالاشادة ان محكمة النقض قد اصدرت حكما رائعا تكبح فيه جموح تحريات الشرطه وتقرر …..

ان تحريات الشرطه ليست كلها صحيحه ويجب ان يفصح ضابط المباحث عن مصدر تحرياته لان ليس كل ما يقال عن الناس يصادف الحقيقه والصدق وان تحريات الشرطه لا تصلح وحدها ان تكون دليلا اساسيا على ثبوت الجريمه ولا يجوز للقاضى ان يبتدع الوقائع او ان ينتزعها من الخيال ..

وجاء باسباب حكم محكمة النقض الصادر بجلسة 6-2- 2016والذى عادت به الى الزمن الجميل في صياغة الاحكام من عذوبة الكلمه ورصانة الاسلوب وقوة التعبير فقد صاغت اسباب حكمها في الطعن رقم25951 لسنة 58ق بصياغه رائعه قالت فيه(ان تحريات الشرطه ليست كلها صحيحه وليس كل ما يقال عن الناس يصادف الحقيقه والصدق ….والواقعه الواحده يختلف الناس في تفسيرها ……وان تحريات الشرطه لا تصلح وحدها ان تكون قرينه معينه او دليلا اساسيا على ثبوت الجريمه ……. ويجب على ضابط المباحث ان يبين مصدر تحرياته لمعرفة ما اذا كانت تؤدى الى صحة ما انتهى اليه من عدمه وانها بهذه المثابه لا تكون الا مجرد راى لصاحبها يخضع لاحتمالات الصدق والكذب الى ان يعرف مصدره ويتحدد كنهه

كما تضمن الحكم أيضا ان من حق محكمة الموضوع أن تستخلص الواقعة من أدلتها أو عناصرها المختلفة ، إلا أن شرط ذلك أن يكون استخلاصها سائغاً وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائماً في أوراق الدعوى ؛ فالأحكام يجب أن تبنى على أسس صحيحة من أوراق الدعوى وعناصرها ، فإذا استند الحكم إلى رواية أو واقعة لا أصل لها في التحقيقات ، فإنه يكون معيباً لابتنائه على أساس فاسد ، متى كانت الرواية أو الواقعة هى عماد الحكم ، فلا مشاحة أن يقدر قاضي الموضوع التحقيقات وما بها من أدلة وأن يستخلص منها الوقائع التي يعتقد ثبوتها ويبني عليها حكمه ، ولكن بشرط أن تكون هذه الوقائع متمشية مع تلك التحقيقات وما بها من أدلة ، بحيث إذا كان لا أثر لها في شئ منها فإن عمل القاضي في هذه الصورة يعتبر ابتداعاً للوقائع وانتزاعاً لها من الخيال ، وهو ما لا يسوغ له إتيانه ؛ إذ هو مكلف بتسبيب حكمه تسبيباً من جهة الوقائع على أدلة تنتجها ، ومن جهة القانون على نصوص تقتضي الإدانة في تلك الوقائع الثابتة.

(الطعن رقم 25951 لسنة 85 جلسة 6-2-2016 )

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *