حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى

حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى

 أنه مهما يكن من قدر الحرية التي تطلق للقاضي في الاثبات، فلا جدال في أن أي دليل يقدمه الخصم في الدعوى يجب أن يعرض على الخصوم جميعاً لمناقشته وان ويدلى كل برأيه فيه، يفنده أو يؤيده، والدليل الذى لا يعرض على الخصوم لمناقشته لا يجوز الأخذ به ([1]) .

ولا يجوز للمحكمة أن تأخذ بدليل نوقش في قضية أخرى ما لم يناقش في القضية القائمة ([2]) .وهذا مبدأ جوهري من مبادئ التقاضي ، حتى لا تبقى الخصومة مجهلة ، وحتى تتكافأ فرص الخصوم في الدعوى . ومن ثم كان للخصم حق طلب التأجيل للاطلاع على المستندات المقدمة من خصمه والرد عليها ( م 108 مرافعات ) .

ولا يجوز للقاضي أن يقوم بمعاينة مكان النزاع في غيبة الخصوم ودون أن يدعوهم لحضور المعاينة ومن غير إصدار قرار بإجرائها. ولكن يكفي أن يعرض الدليل على الخصوم لمناقشته، فإذا لم يريدوا مناقشته فعلا فقد نزلوا عن حقهم في ذلك وصح الأخذ بالدليل ([3]) .

كذلك لا يجوز للقاضي ان يأتي بأدلة من عنده لم تقدمها الخصوم ، إلا إذا تراضوا عليها وقبلوا مناقشتها ([4]) .

ويترتب على حق الخصوم في مناقشة الأدلة التي تقدم في الدعوى أنه لا يجوز للقاضي أن يقضى بعلمه . ذلك أن علم القاضي هنا يكون دليلا في القضية ، ولما كان للخصوم حق مناقشة هذا الدليل اقتضى الأمر ان ينزل القاضي منزلة الخصوم ، فيكون خصما وحكماً ، وهذا لا يجوز([5]) .

وكما أن امتناع القاضي عن القضاء بعلمه لا يرجع إلى موقفه المحايد في الاثبات ، فان حياد القاضي لا يتعارض ضرورة مع القضاء بعلمه ، وإنما يرجع إلى ما نذكره هنا من حق الخصوم في مناقشة الدليل ([6]) .

وهذا الدور الإيجابي للخصوم في الاثبات ، وما يستتبعه من حقهم في مناقشة الأدلة ، تنظمه قواعد أربع :
(1) حق الخصم في الاثبات
(2) حق الخصم الآخر في إثبات العكس
(3) لا يجوز لأي خصم أن يصطنع دليلا لنفيه
(4) ولا يجوز إجباره على تقديم دليل ضد نفسه .

 

———————————————————————————–

[1] ^ فلا يجوز للقاضي أن يستند إلى أوراق عثرت عليها النيابة العامة دون أن يثبت أن هذه الأوراق قد عرضت على الخصوم لمناقشتها ( لارومبير 5 م 1316 فقرة 10 ـ ديمولومب 29 فقرة 200 ـ بودرى وبارد 3 فقرة 2056 ـ نقض فرنسي 20 نوفمبر سنة 1889 داللوز 90 ـ 1 ـ 54 ) . ولا يجوز للمحكمة أن تعتد بكتاب أرسل إلى رئيسها ولم يعرضه الرئيس على الخصوم لمناقشته ( نقض فرنسي 23 أبريل سنة 1902 داللوز 1903 ـ 1 ـ 368 ) ولا بتحقيق جنائي لم تناقشه الخصوم ( نقض فرنسي 29 يوليه سنة 1903 داللوز 1903 ـ 1 ـ 448 ) . ولكن يجوز لمحكمة الاستئناف ، دون أن تفحص من جديد الدليل الذى سبق أن فحصته محكمة أول درجة ، أن تستخلص من هذا الدليل نتيجة غير النتيجة التي استخلصتها هذه المحكمة الأخيرة ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 99 ) .

[2] ^ كولان وكابيتان ومورانديير 2 فقرة 721 ص 488 . أنظر في هذه المسألة ـ مناقشة الخصوم للأدلة ـ من ناحية التطور التاريخى رسالة الدكتور محمد صادق فهمى في الاثبات في القانون المقارن ص 239 ـ ص 247.

[3] ^ نقض فرنسي 20 نوفمبر سنة 1889 داللوز 90 ـ 1ـ 54 ( سبقت الإشارة إليه ) ـ 22 فبراير سنة 1897 داللوز 98 ـ 1 ـ 114 ـ 23 أبريل سنة 1902 داللوز 1903 ـ 1 ـ 368 ( سبقت الإشارة إليه ) . انظر الأستاذ عبد الباسط جميعى فقرة 90 .

[4] ^ ويقول بارتان ( أوبرى ورو 12 فقرة 749 ص 74 حاشية رقم 8 ter) إنه لو سمح للقاضي أن يتدخل في الإثبات وأن يأتي من عنده بأدلة لم تقدمها الخصوم ، لخشى أن يعدل من طلبات المدعى أو أن يحور فيها ، وليست هذه مهمة القاضي فإذا ما أتى القاضي بأدلة من عنده ، ورضى الخصوم أن يناقشوها ، ونزلوا عن حقهم في الاعتراض ، كان هذا بمثابة اتفاق بين الخصمين ، وهو جائز في صورة صريحة فيجوز في هذه الصورة الضمنية ( ص 76 حاشية رقم 8 sexies) . وحتى الواقعة المعروفة بالشهرة العامة (commune renommée) لابد فيها من إثبات الشهرة العامة وحدها كما يقول أوبرى ورو ( 12 فقرة 749 ص 77 حاشية رقم 9 ) . انظر أيضاً كولان وكابيتان ومورانديبر 2 ص 488 .
[5] ^ ولكن هذا لايمنع من أن يستعين القاضي في قضائه بما هو مقروف بين الناس ولا يكون علمه خاصاً به مقصوراً عليه ، وذلك كالمعلومات التاريخية والجغرافية والعلمية والفنية الثابتة ، فله أن يستعين في قضائه بما هو معروف من أن الأراضي في مصر قد أصبحت مملوكة لأصحابها رقبة ومنفعة بعد أن كانت أراضي خراجية وذلك منذ عهد سعيد باشا . وبما هو معروف من أن رى الحياض لا يكون إلا دورة زراعية واحدة ، وبأن ثمن القطن كان منخفضاً في أوقات مرتفعاً في أوقات أخرى ( أنظر الأستاذ عبد الباسط جميعي ص 73 والأحكام التي اشار إليها والأستاذ عبد المنعم فرج الصدة ص 16 ) .
وانظر في جواز أن يقضى القاضي بعلمه في الفقه الإسلامى عند المتقدمين ( في غير الحدود الخالصة ) وفي عدم جواز ذلك إطلاقاً عند المتأخرين الأستاذ أحمد إبراهيم في طرق القضاء في الشريعة الإسلامية ص 33 ت ص 42 .

[6] ^ وقطع في ذلك أن القاضي الجنائي ، ودوره في الإثبات إيجابى إلى حد بعيد فلا يعتبر محايداً ، ممنوع مع ذلك من القضاء بعلمه ، كما لاحظ ذلك بحق الأستاذ عبد الباسط جميعى في كتابه ((نظام في الإثبات القانون المدنى المصرى )) ( ص 78 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *