حكم القضاء المصري في ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها

حكم القضاء المصري في ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما في حكمها

لا يجوز لغير المعينين المتخصصين بوزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف المصرح لهم , ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها. ويصدر بالتصريح قرار من شيخ الازهر او وزير الاوقاف حسب الاحوال

بسم الله الرحمن الرحيم
باسم الشعب
مجلس الدولـة
محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية
(الدائرة الأولي – الثالثة والثلاثون – بحيرة)

بالجلسة العلنية المنعقدة بمقر المحكمة 27 ابريل 2015 الموافق 8 من رجب 1436هجرية
برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد احمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة
وعضوية كل من:
السيد الأستاذ المستشار/ صالح محمد عبد العاطى كشك نائب رئيس مجلس الدولة
والسيد الأستاذ المستشار/ وائل المغاورى عبده محمد شوشه نائب رئيس مجلس الدولة
وحضور السيد الأستاذ المستشارالمساعد / مصطفى حمدى غالى مفوض الدولة
وسكرتاريــة السيـــد/ جابر محمد شحاته

اصدرت الحكم الاتى:

فى الدعوى المقيدة بالسجل العام تحت رقم 4019 لسنة 15 ق

المقامة من

ايمن شعبان السعيد محمد السكرى

ضــد

1ـ وزير الاوقاف
2ـ وكيل وزارة الاوقاف بالبحيرة
3ـ مدير ادارة اوقاف دمنهور ثان غرب

الوقائع

بموجب عريضة مودعة قلم كتاب هذه المحكمة بتاريخ 17/ 12/ 2014 اقام المدعى هذه الدعوى طالبًا فى ختامها الحكم بقبولها شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء القرار المطعون فيه الصادر من وزير الاوقاف بتاريخ 15/ 12/ 2014 فيما تضمنه من الغاء تصريح الخطابة الممنوح له بمسجد اهل السنة خلف مستشفلى المبرة بدمنهور بمحافظة البحيرة وعدم التصريح له مستقبلا بذلك وما يترتب على ذلك من أثار، والزام الادارة بالمصروفات.
وذكر المدعى شرحا لدعواه , أنه بتاريخ 22/ 3/ 2011 حصل على ترخيص بأداء خطبة الجمعة بمسجد العزيز الغفار بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة , وظل يؤدى خطبة الجمعة بانتظام حتى صدر القانون رقم 51 لسنة 2014 بتنظيم ممارسة الخطابة فى 5/ 6/ 2014 , وبعد صدوره منحته الجهة الادارية تصريح مؤقت بالخطابة لمدة ثلاثة اشهر تنتهى فى 31/ 8/ 2014 فى مسجد اخر هو مسجد اهل السنة الكائن خلف مستشفى المبرة بدمنهور التابع لادارة اوقاف دمنهور ثان غرب , ثم منحته الجهة الادارية تصريح مؤقت ثان بالخطابة لمدة ثلاثة اشهر تالية للتصريح السابق تبدأ من 1/ 9/ 2014 , الا انه فوجئ بتاريخ 15/ 12/ 2014 بورود اشارة تليفونية لادارة اوقاف دمنهور ثان بالغاء تصريح المدعى بالخطابة وعدم التصريح له مستقبلا بناء على تعليمات امنية , ونعى المدعى على القرار المطعون فيه مخالفته لحكم وانه صدر مشوبا باساءة استعمال السلطة , اذ تتوافر فيه كافة الشروط الواردة بقرار وزير الاوقاف رقم 11 لسنة 1997 فهو محمود السيرة وحسن السمعة , ولم تصدر ضده اية احكام جنائية , بل انه يعمل محام بالنقض فهو حاصل على ليسانس الشريعة الاسلامية من جامعة الازهر بتقدير جيد جدا دفعة 1996/ 1997 , كما انه حصل على افادة من ادارة اوقاف دمنهور ثان غرب بتاريخ 30/ 11/ 2014 مفادها انه ملتزم بتعليمات الوزارة.
واضاف المدعى ان القرار المطعون فيه يخالف القانون , لان القانون اعفاه من الخضوع للمقابلات او الاختبارات لحصوله على شهادة من الازهر الشريف , كما ان مسجد اهل السنة الذى كان يتولى الخطابة فيه مسجد اهلى يتبع الاهالى ولا يتبع الحكومة ممثلة فى وزارة الاوقاف , وان من شأن القرار المطعون فيه غلق المسجد فضلا عن ان استمرار القرار المطعون فيه من شأنه تعريض المدعى للجزاء الجنائى الوارد بقانون تنظيم ممارسة الخطابة التى تصل الى الحبس ثلاث سنوات وغرامة خمسين الف جنيه , الامر الذى حدا به الى اقامة دعواه الماثلة بغية الحكم له بطلباته آنفة البيان.
وبجلسة 12/ 1/ 2015 نظرت المحكمة الدعوى فى الشق العاجل منها على النحو الثابت بمحاضرالجلسات وخلالها قدم المدعى حافظتى مستندات طويت اهمها على صورة من كتاب ادارة مديرية اوقاف دمنهور اول شرق مؤرخة 26/ 11/ 2013 مزيلة بتوقيع مدير الادارة وبجوارها توقيع المفتش والموجهة الى مدير عام اوقاف البحيرة مفادها ان المدعى يؤدى خطبة الجمعة بمسجد العزيز الغفار بدمنهور بالتزام كامل ومذكرة ثانية صادرة من ادارة غرب بمديرية اوقاف البحيرة عن قيامه بخطبة الجمعة بمسجد اهل السنة والمزيلة كذلك بتوقيع مدير الادارة والمفتش ايضا والتى مفادها ان المدعى ملتزم بتعليمات الوزارة , والمحررة بتاريخ 30/ 11/ 2014 , وصورة موافقة الاوقاف على الترخيص له بالخطابة الصادر له من مدير الدعوة بمديرية اوقاف البحيرة وصورة من شهادة حصوله على ليسانس الشريعة الاسلامية بتقدير جيد جدا بكلية الشريعة والقانون بدمنهور التابعة لجامعة الازهر , وصورة من شهادة قبوله محاميا امام محكمة النقض وصورة الطلب المقدم منه للتصريح له بالخطابة.
وبجلسة 2/ 2/ 2015 قدم المدعى مذكرة ختامية صمم فيها على طلباته , وقدم الحاضر عن الدولة حافظة مستندات طويت اهمها على قرار وزير الاوقاف رقم 241 لسنة 2014 بشأن ضوابط الحصول على تصريح الخطابة بالمكافأة او تطوعا , وكتاب مديرية اوقاف البحيرة ادارة الدعوة والمتابعة الموجه الى وكيل وزارة الاوقاف بالبحيرة المحرر فى 7/ 12/ 2014 مفاده ان المدعى خالف موضوع الخطبة المحدد من قبل وزارة الاوقاف وهو ” الاسلام دين الامن والامان لا للبلطجة ولا للارهاب ” وهى خطة الوزارة فى احكام لغة الخطاب الدينى.لكنه تحدث فى موضوع اخر فضلا عن تجاوزه للوقت المحدد للخطبة من الوزارة المحدد بعشرين دقيقة وصورة الفتوى الصادرة من دار الافتاء المصرية بان ما قررته وزارة الاوقاف من تحديد سعة الزوايا التى يسمح فيها باقامة الجمعة بثمانين مترا موافق للشريعة الاسلامية طبقا للاسانيد الواردة به , ومذكرة وزارة الاوقاف ورد بها ان المدعى خالف موضوع الخطبة وتجاوز الوقت المحدد للخطبة , وانه تعهد بعد تكرار ذلك مستقبلا ولم يلتزم بما وعد به , كما ان الزاوية التى يخطب بها اقل من 80 مترا واوصت اللجنة بغلقه , ومذكرة بالرد طلب فيها الحاضر عن الدولة رفض طلب وقف التنفيذ.
وبذات جلسة 2/ 2/ 2015 طلب المدعى حجز الدعوى للحكم ,ولم يمانع الحاضر عن الدولة فى ذلك , وقررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 23/ 2/ 2015 , وفيها قررت المحكمة اعادة الدعوى للمرافعة بناء على طلب المدعى استنادا الى ان قرار وزير الاوقاف رقم 241 لسنة 2014 بشأن ضوابط الحصول على تصريح بالخطابة لم يتم نشره فى الجريدة الرسمية , وكلفت المحكمة الجهة الادارية تقديم ما يفيد نشر قرار وزير الاوقاف المشار اليه بالجريدة الرسمية , وبجلسة 2/ 3/ 2015 قدمت الجهة الادارية اصل العدد رقم 43 الوارد بالوقائع المصرية فى 23 فبراير 2015 بنشر القرار الوزارى المذكور , وقررت المحكمة تأجيل نظر الدعوى ليطلع المدعى ويعقب على مستندات الادارة , ثم قدم المدعى صور احكام للمحكمة الدستورية العليا مفادها ان نشر القرارات التنظيمية العامة شرطا جوهريا لسريانه فى مواجهة المخاطبين به , وبجلسة 9/ 3/ 2015 قررت المحكمة حجز الدعوى للحكم بجلسة 30/ 3/ 2015 , وفيها قررت مد اجل النطق بالحكم لجلسة اليوم لاتمام المداولة , وفيها صدر واودعت مسودته المشتملة على اسبابه عند النطق به.

المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة المقررة قانونا
ومن حيث أن حقيقة طلبات المدعى – فى نطاق الشق العاجل من الدعوى – الحكم بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ قرار وزير الاوقاف المطعون فيه السلبى فيما تضمنه من الامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح له من قبل بمسجد اهل السنة بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة , وما يترتب على ذلك من أثار اخصها الزام وزير الاوقاف بتجديد تصريح الخطابة له بالمسجد المذكور , و الزام جهة الادارة المصروفات.
ومن حيث أنه عن شكل الدعوى فإن القرار المطعون فيه من القرارات الادارية السلبية التى لا يتقيد الطعن فيها بمواعيد دعوى الالغاء طالما ظلت حالة الامتناع قائمة، وإذ استوفت الدعوى سائر أوضاعها الشكلية الأخرى، فمن ثم تكون مقبولة شكلاً.
ومن حيث انه عن طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه , فان مناط الحكم به – حسبما استقر عليه قضاء مجلس الدولة – مرهون بتوافر ركنين اساسيين: اولهما ركن الجدية ومؤداه ان يبنى الطلب على اسباب ومطاعن من شأنها ان ترجح – بحسب الظاهر من الاوراق – الحكم بالغاء القرار المطعون فيه , وثانيهما ركن الاستعجال بأن يترتب على الاستمرار فى تنفيذ القرار المطعون فيه نتائج يتعذر تداركها
ومن حيث انه عن ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فان المادة (7) من الدستور المعدل الصادر فى 18 يناير 2014 تنص على انه:
” الازهر الشريف هيئة اسلامية علمية مستقلة , يختص دون غيره بالقيام على كافة شئونه , وهو المرجع الاساسى فى العلوم الدينية والشئون الاسلامية , ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر العالم ……………. ”
وتنص المادة (90) من ذات الدستور على أنه:
” تلتزم الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيرى لاقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية وغيرها , وتضمن استقلاله وتدار شئونه وفقا لشروط الواقف , وينظم القانون ذلك “.
ومن حيث ان المادة الاولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 157 لسنة 1960 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف ولائحة إجراءاتها تنص على انه ” يضاف إلى المادة (1) من القانون رقم 272 لسنة 1958 المشار إليه فقرة أخيرة نصها الآتي: ” كما تتولى وزارة الأوقاف إدارة المساجد سواء صدر بوقفها إشهاد أم لم يصدر , على أن يتم تسليم هذه المساجد خلال مدة أقصاها عشر سنوات تبدأ من تاريخ العمل بهذا القانون، ويكون للوزارة الإشراف على إدارة هذه المساجد إلى أن يتم تسليمها، وتتولى أيضًا الإشراف على إدارة الزوايا التى يصدر بتحديدها قرار من وزير الأوقاف وتوجيه القائمين عليها لتؤدى رسالتها الدينية على الوجه الصحيح “.
ومن حيث ان المادة الاولى من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 51 لسنة 2014 بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها الصادر فى 5 يونية 2014 – والمنشور فى الجريدة الرسمية العدد 23 (تابع) فى 5 يونية سنة 2014 – تنص على انه:
” تكون ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها من الساحات والميادين العامة وفقا لاحكام هذا القانون ”
وتنص المادة الثانية من ذات القرار بقانون على انه:
” لا يجوز لغير المعينين المتخصصين بوزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف المصرح لهم , ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها. ويصدر بالتصريح قرار من شيخ الازهر او وزير الاوقاف حسب الاحوال. ويجوز الترخيص لغيرهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها وفقا للضوابط
والشروط التى يصدر بها قرار من وزير الاوقاف او من يفوضه فى ذلك ”
وتنص المادة الرابعة من القرار بقانون المذكور على انه:
“يكون للعاملين المتخصصين بوزارة الاوقاف الذين يصدر بتحديدهم قرار من وزير العدل بالاتفاق مع وزير الاوقاف صفة مأمورى الضبط القضائى فيما يتعلق بتطبيق احكام هذا القانون “.
وتنص المادة الخامسة من القرار بقانون المشار اليه على انه:
” مع عدم الاخلال باية عقوبة اشد ينص عليها قانون اخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر ولا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن عشرين الف جنيه ولا تجاوز خمسين الف جنيه او باحدى هاتين العقوبتين كل من قام بممارسة الخطابة او اداء الدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها بدون تصريح او ترخيص بالمخالفة لحكم المادة الثانية من هذا القانون , وتضاعف العقوبة فى حالة العود ………. ”
وتنص المادة السادسة من القرار بقانون سالف البيان على انه:
” ينشر هذا القرار بقانون فى الجريدة الرسمية ويعمل به اعتبارا من اليوم التالى لتاريخ نشره “.
وتنص المادة الاولى من القانون رقم 238 لسنة 1996 بتعديل المادة 10 من القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الاوقاف ولائحة اجراءاتها – المنشور فى الجريدة الرسمية العدد الاول تابع فى 2 يناير 1997 –
على انه:
” يستبدل بنص الفقرتين الرابعة والخامسة من المادة (10) من القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الاوقاف ولائحة اجراءاتها النص الاتى:
” يصدر وزير الاوقاف قرارا بالشروط الواجب توافرها فى الاشخاص الذين يحق لهم ممارسة القاء الخطب أو اداء الدروس الدينية بالمساجد , وبالاجراءات اللازم اتخاذها للحصول على تصريح من وزارة الاوقاف لممارسة ذلك”.
ومن حيث ان وزير الاوقاف اصدر قرارا تنظيميا عاما رقم 241 لسنة 2014 بتاريخ 13 سبتمبر 2014 – ونشر فى الوقائع المصرية العدد 43 فى 23 فبراير سنة 2015 – ونص فى مادته الاولى على انه:
“على الخطيب بالمكافأة او الخطيب المتطوع ان يعمل وفق خطة وزارة الاوقاف الدعوية واحتياجاتها وتوزيعها للخطباء على المساجد وألا يقوم بالخطابة خارج مديرية الاوقاف المصرح له بالعمل فيها الا بتنسيق مسبق بين مديريتى الاوقاف المصرح له بالعمل فيها والتى وجهت له الدعوة أو يرغب فى اداء الخطبة بأحد المساجد التابعة لها , وذلك من خلال موافقة كتابية صريحة من مديرية الاوقاف التابع لها “.
وتنص المادة الثالثة من القرار الوزارى سالف الذكر على انه:
” الحاصلون على مؤهل جامعى ازهرى فى العلوم الشرعية او العربية مسبوق بالثانوية الازهرية , والحاصلون على معاهد اعداد الدعاة المركزية التابعة لوزارة الاوقاف وفق نظامها الجديد الذى تبدأ الدراسة به ابتداء من العام الدراسى 2014/ 2015 يشترط لحصولهم على تصريح الخطابة اجتياز الاختبار الذى تحدده وزارة الاوقاف فى هذا الشأن ”
وتنص المادة الرابعة من ذات القرار الوزارى المشار اليه على انه:
” يشترط فى الحاصلين على مؤهل ازهرى فى العلوم الشرعية غير مسبوق بالثانوية الازهرية والحاصلين على مؤهل جامعى من الكليات العملية مسبوق بالثانوية الازهرية للحصول على تصريح بالخطابة اجتياز الاختبارات والدورة التأهيلية التى تعقدها الوزارة بنجاح , ولوزير الاوقاف ان يعفى من مارس الخطابة بتصريح مسبق من الاوقاف دون اخلال بواجباته الدعوية من الدورات اذا اجتاز الاختبارات المطلوبة ”
وتنص المادة السابعة من القرار الوزارى سالف البيان على انه:
“يكون اصدار تصاريح الخطابة وفق حاجة كل مديرية او كل ادارة حال العجز فى عدد الائمة المعينين بالنسبة لعدد المساجد التابعة لها ”
وتنص المادة الثامنة من القرار الوزارى المذكور على انه:
” يسحب تصريح الخطابة اذا اخل المصرح له بمقتضيات العمل المسند اليه أو خالف تعليمات الوزارة المنظمة لخطبة الجمعة واداء الدروس الدينية بالمساجد أو ما فى حكمها أو خالف ايا من احكام القانون الصادر فى هذا الشأن ”
وتنص المادة التاسعة من هذا القرار الوزارى على انه:
” يعمل هذا القرار من تاريخ صدوره ويلغى ما يخالفه من قرارات , وعلى الجهات المختصة تنفيذه ”
ومن حيث انه بادئ ذى بدء , وعما اثاره المدعى من ان القرار الوزارى رقم 241 لسنة 2014 الصادر فى 13 سبتمبر 2014 لايسرى على حالته , تأسيسا على انه تم نشره فى 23 فبراير 2015 , فى تاريخ لاحق على رفع الدعوى الحاصل فى 17/ 12/ 2014 , فذلك مردود عليه ان القرار المطعون فيه هو قرار وزير الاوقاف السلبى فيما تضمنه من الامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح له من قبل بمسجد اهل السنة بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة , وهذا القرار من القرارات السلبية التى يلعب الزمن فيها دورا جوهريا فى اعتبارها قرارات مستمرة بطبيعتها مادامت حالة الامتناع قائمة وبهذه المثابة يظل مخاطبا باحكام القرار الوزارى التنظيمى العام رقم 241 لسنة 2014 فى اية مرحلة كانت عليها الدعوى ,فضلا عن ان القرار الوزارى رقم 11 لسنة 1997 الذى يطلب المدعى تطبيقه عليه , قد تضمن هو الاخر نص المادة الثامنة جواز سحب التصاريح ممن وردت عنهم تقارير تفيد تجاوزهم لحدود اعمالهم , وهو ما سوف تعرض له المحكمة عن مدى مشروعية القرار المطعون فيه فى ظل ما يمكن نسبته الى المدعى , مما يتعين معه طرح ماذكره المدعى فى هذا الصدد.
ومن حيث أنه يستفاد مما تقدم ان المشرع الدستورى جعل من الازهر الشريف هيئة اسلامية علمية مستقلة وجعله المرجع الاساسى فى العلوم الدينية والشئون الاسلامية , واناط به مهمة مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة
العربية فى مصر والعالم مما يؤكد عالمية رسالة الازهر , وكون الازهر هيئة اسلامية علمية , تعنى انه لا قداسة فى الاسلام , ولا عصمة لاحد الا للرسول الكريم فيما يبلغ به عن ربه , والحق انه ليس بالازهر الشريف وحده يقع عبء نشر الدعوة الاسلامية , بل يشاطره فى ذلك بدور جوهرى وفعال وزارة الاوقاف , وان لم ينص على ذلك الدستور المصرى , بخلاف الدساتير العربية , التى اناطت بمهمة نشر الدعوة لوزارة الاوقاف وحدها بتلك البلاد , وذلك نظرا لعدم وجود الازهر الشريف بتلك الدول , والذى تنفرد به مصر دون العالم , فكان طبيعيا ان يفرد المشرع الدستورى للازهر الشريف نصا خاصا دون ان يوازيه نص دستورى اخر فى تنظيم العمل الدعوى لوزارة الاوقاف فتنجلى بذلك غمة ما يمكن نسبته من خلل دستورى وان كان المشرع الدستورى ذاته قد تناول التزام الدولة بتشجيع نظام الوقف الخيرى لاقامة ورعاية المؤسسات العلمية والثقافية والصحية والاجتماعية وغيرها , وتضمن استقلاله وهى التى تقوم عليها وزارة الاوقاف.
ومن حيث ان أية هذا النظر السديد بشأن اشتراك الازهر الشريف ووزارة الاوقاف فى نشر النشاط الدعوى للاسلام المستنير دون ان يستأثر به احدهما دون الاخر , ان المشرع اناط باصدار التصريح بممارسة الخطابة بقرارمن شيخ الازهر أو وزير الاوقاف حسب الاحوال بما يعنى ان دورهما يتكاملان ولا يتنافران , بل اناط بوزير الاوقاف بقرار منه الترخيص بممارسة الخطابة لغير المعينين المتخصصين بوزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف المصرح لهم بممارسة الخطابة وفقا للضوابط والشروط التى يصدر بها قرار من وزير الاوقاف ذاته او من يفوضه فى ذلك , فكان ذلك دليلا على ان نشر الدعوة الاسلامية المستنيرة قاسما مشتركا بين الازهر ووزارة الاوقاف التى هى من اقدم الدواوين فى تاريخ مصر بما لها من تقاليد راسخة ومتوارثة حيث تولى مسئوليتها حتى الان عظماء على مدار التاريخ من اصحاب الفكر الوسطى المستنير الذين حملوا على اعناقهم حماية الدعوة الاسلامية الصحيحة فى المنطقة
العربية والاسلامية فى العالم الاسلامى بأسره , بالتعاون مع الازهر الشريف بجلاله وقدره وعظمة ادائه , ومؤدى ذلك ولازمه انه اذا كان الازهر الشريف هو الهيئة الاسلامية العلمية التى تعمل على اعداد جيل جديد فى الدراسة والبحث والتحصيل للحصول على الشهادات الازهرية من كليات جامعة الازهر المختلفة , فان وزارة الاوقاف هى
المؤسسة العملية الدعوية التربوية التى تعمل على اعداد الدعاة بعد تخرجهم من تحصيل الدراسة الى واقع الحياة العملية وتأصيل الخبرة اللازمة لديهم , بحيث اضحى الازهر والاوقاف كلاهما جناحى الرحى فى نشر اصول الدين الوسطى الصحيح.
ومن حيث انه نظرا لخطورة تأثير ممن هو غير اهل لممارسة الخطابة فى نفوس البسطاء فلم يجز المشرع ممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها من الساحات والميادين العامة لغير المعينين المتخصصين بوزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف المصرح لهم بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها , واناط باصدار التصريح قرارمن شيخ الازهر أو وزير الاوقاف حسب الاحوال.ومما لا مرية فيه ان صدور ترخيص الخطابة من شيخ الازهر او وزير الاوقاف هو ما يؤكد الدور التكاملى لكل من الازهر الشريف ووزارة الاوقاف فى نشر الدعوة الاسلامية الصحيحة , بل انه امعانا لدور وزارة الاوقاف على الصعيد العملى والميدانى اجاز المشرع الترخيص لغيرالمعينين بوزارة الاوقاف والوعاظ بالازهر الشريف ممن هو مصرح لهم , وذلك بممارسة الخطابة والدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها وفقا للضوابط والشروط التى يصدر بها قرار من وزير الاوقاف او من يفوضه فى ذلك ,وهذا توكيد من المشرع على الدور الحيوى الجوهرى لما تقوم به وزارة الاوقاف فى هذا الصدد , كما جعل المشرع من اعتلاء المنبر وممارسة الخطابة او اداء الدروس الدينية بالمساجد وما فى حكمها من الساحات والميادين بدون تصريح او ترخيص جريمة جنائية يعاقب مرتكبها بالعقوبات السالفة وتضاعف العقوبة فى حالة العود
ومن حيث ان المشرع اناط بوزير الاوقاف اصدار قرار بالشروط الواجب توافرها فى الاشخاص الذين يحق لهم ممارسة القاء الخطب أو اداء الدروس الدينية بالمساجد , وبالاجراءات اللازم اتخاذها للحصول على تصريح من وزارة الاوقاف لممارسة ذلك , وقد نظم وزير الاوقاف ذلك الامر بقراره رقم 214 لسنة 2014 المشار اليه والزم
المصرح له بالخطابة بالمكافأة او المتطوع ان يعمل وفق خطة وزارة الاوقاف الدعوية واحتياجاتها وتوزيعها للخطباء على المساجد وألا يقوم بالخطابة خارج مديرية الاوقاف المصرح له بالعمل فيها الا بتنسيق مسبق بين مديريتى الاوقاف المصرح له بالعمل فيها والتى وجهت له الدعوة أو يرغب فى اداء الخطبة بأحد المساجد التابعة لها , وذلك من خلال موافقة كتابية صريحة من مديرية الاوقاف التابع لها , وقد اشترط الحصول على تصريح الخطابة اجتياز الاختبار الذى تحدده وزارة الاوقاف فى هذا الشأن لكل من الحاصلين على مؤهل جامعى ازهرى فى العلوم الشرعية او العربية مسبوق بالثانوية الازهرية , والحاصلين على معاهد اعداد الدعاة المركزية التابعة لوزارة الاوقاف وفق نظامها الجديد الذى تبدأ الدراسة به ابتداء من العام الدراسى 2014/ 2015 , كما الزم الحصول على تصريح بالخطابة اجتياز الاختبارات والدورة التأهيلية التى تعقدها الوزارة بنجاح للحاصلين على مؤهل ازهرى فى العلوم الشرعية غير مسبوق بالثانوية الازهرية والحاصلين على مؤهل جامعى من الكليات العملية مسبوق بالثانوية الازهرية للحصول , واجاز لوزير الاوقاف ان يعفى من مارس الخطابة بتصريح مسبق من الاوقاف دون اخلال بواجباته الدعوية من الدورات اذا اجتاز الاختبارات المطلوبة , ونظرا لاهمية تصاريح الخطابة فقد جعل القرار الوزارى المذكور اصدار تصاريح الخطابة وفق حاجة كل مديرية او كل ادارة حال العجز فى عدد الائمة المعينين بالنسبة لعدد المساجد التابعة لها.
ونظرا لخطورة ما يترتب على التوجيه الدينى فى البلاد من اثار فى نفوس الناس خاصة البسطاء منهم فقد اجاز القرار الوزارى المذكور – بما تضمنه من قواعد عامة مجردة – لوزير الاوقاف بسحب تصريح الخطابة اذا تحققت احدى ثلاث حالات:
اولها: حالة قيام المصرح له بالاخلال بمقتضيات العمل المسند اليه
وثانيها: حالة مخالفة المصرح له تعليمات الوزارة المنظمة لخطبة الجمعة واداء الدروس الدينية بالمساجد أو ما فى حكمها من حيث تحديد موضوعها او تحديد نطاق زمنها
وثالثها: حالة مخالفة المصرح له لاى من احكام القانون الصادر فى هذا الشأن.
ومن حيث انه على هدى مما تقدم , وكان البادى من ظاهر الأوراق – وبالقدر اللازم للفصل فى طلب وقف التنفيذ – دون مساس بأصل طلب الالغاء – أن المدعى كان مصرحا له بالخطابة بمسجد العزيز الغفار بمدينة دمنهور اعتبارا من 1/ 4/ 2011 , ثم صرحت له ادارة الدعوة بمديرية اوقاف البحيرة بالخطابة بمكافأة بمسجد اهل السنة خلف
مستشفى المبرة بدمنهوراعتبارا من 1/ 6/ 2014 لمدة ثلاثة اشهر ثم جددت له ذلك التصريح لمدة ثلاثة اشهر اخرى اعتبارا من 1/ 9/ 2014 , الا ان ادارة الدعوة والمتابعة بمديرية اوقاف البحيرة حررت مذكرة الى وكيل وزارة الاوقاف بالبحيرة – وعلى نحو ما جاء بحافظة مستندات الجهة الادارية – انه نتيجة مرور لجنة المتابعة يوم الجمعة 5/ 12/ 2014 على بعض المساجد والزوايا التابعة لادارتى دمنهور شرق وغرب لمتابعة خطة الوزارة بشأن الدعوة تبين لها ان مصلية اهل السنة المذكورة مفتوحة بالمخالفة لتعليمات الوزارة لانها اقل من ثمانين مترا واصدرت وزارة الاوقاف قرارا بمنع اقامة الصلاة فى الزوايا التى تقل عن ثمانين مترا يوم الجمعة فقط ,وايدته دار الافتاء المصرية بفتواها الصادرة فى 18/ 9/ 2013 , ثم قام المدعى باداء خطبة الجمعة فيها وتلاحظ للجنة انه خالف موضوع الخطبة المحدد من قبل الوزارة وهو ” الاسلام دين الامن والامان , لا للبلطجة ولا للارهاب ” وتحدث فى موضوع اخر خلافا لما قررته وزارة الاوقاف وقد تجاوز الوقت المحدد لخطبة الجمعة المحدد له عشرون دقيقة , ومن ثم يكون المدعى – وبحسب الظاهر من الاوراق – قد خالف القواعد الواردة بالقرار الوزارى التنظيمى الصادر من وزير الاوقاف رقم 241 لسنة 2014 المنظم لضوابط الحصول على تصريح الخطابة بالمكافأة او تطوعا فى المادة الثامنة منه التى الزمت المصرح له بعدم مخالفة تعليمات الوزارة المنظمة لخطبة الجمعة , فضلا عن اعتلائه للمنبر بعد انتهاء الترخيص المصرح له فى 1/ 12/ 2014 , وقبل الترخيص له مجددا – وهو الفعل المؤثم جنائيا بقانون الخطابة السالف – على نحو ما جاء بكتاب مديرية الاوقاف المشار اليه , بالنظر الى ان المخالفة وقعت منه يوم الجمعة الموافق 5/ 12/ 2014 , ومن ثم يضحى قرار وزير الاوقاف المطعون فيه السلبى بالامتناع عن تجديد الترخيص للمدعى – بحسب الظاهر من الأوراق – متفقاَ وحكم القانون مما ينتفى معه ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذه، الأمر الذى تقضى معه المحكمة برفض هذا الطلب دونما حاجة لبحث ركن الاستعجال لعدم جدواه.
ومن حيث انه لا ينال من ذلك , ما قدمه المدعى ضمن حافظة مستنداته من من مذكرتين احداهما صادرة من ادارة دمنهور اول شرق مزيلة بتوقيع مدير الادارة والمفتش اذ تبين انها محررة بتاريخ 26/ 11/ 2013 اى قبل اصدار القانون رقم 51 لسنة 2014 بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية فى المساجد وما فى حكمها , وكذلك قبل اصدار وزير الاوقاف لقراره التنظيمى رقم 241 لسنة 2014 بشأن ضوابط الحصول على تصريح الخطابة بالمكافأة او تطوعا , وعن مسجد اخر هو مسجد العزيز الغفار , كما لا يغير من ذلك ايضا مما قدمه فى المذكرة الثانية الصادرة من ادارة غرب بمديرية اوقاف البحيرة عن قيامه بخطبة الجمعة بمسجد اهل السنة والمزيلة كذلك بتوقيع مدير الادارة والمفتش ايضا والتى مفادها ان المدعى ملتزم بتعليمات الوزارة , والمحررة بتاريخ 30/ 11/ 2014
, فذلك مردود عليه بان الالتزام الوارد بقرار وزير الاوقاف التنظيمى العام رقم 241 لسنة 2014 فى المادة الثامنة منه بعدم جواز اخلال المصرح له بمقتضيات العمل المسند اليه او مخالفة تعليمات الوزارة المنظمة لخطبة الجمعة واداء الدروس الدينية بالمساجد او ما فى حكمها او مخالفة ايا من احكام القانون الصادر فى هذا الشأن , هو ليس التزام ابتداء فحسب وانما هو التزام بقاء و استمرار , بمعنى ان التزامه يلعب فيه الزمن دورا جوهريا فيه , ويتعين التزامه به طيلة الوقت باستغراق الزمن له دون فاصل , وهو مالم يلتزم به المدعى فى الجمعة التالية لها مباشرة بتاريخ 5/ 12/ 2014 على نحو ما قدمته الادارة من حافظة مستندات.
كما لا ينال مما تقدم كذلك , ما ذكره المدعى من انه مخاطب باحكام القرار الوزارى رقم 11 لسنة 1997 دون القرار الوزارى رقم 241 لسنة 2014 المنظمين لقواعد الخطب بالمساجد , اذ انه فضلا عن ان المحكمة قد بينت من قبل , انه مخاطب باحكام القرار الوزارى الاخير بحسبان ان القرار المطعون فيه من القرارات السلبية ومن ثم
يظل مخاطبا باحكام هذا القرار طالما ظلت حالة الامتناع قائمة , على نحو ما سلف بيانه , فان القرار الوزارى رقم 11 لسنة 1997 تضمن هو الاخر نص المادة الثامنة من انه تشكل لجنة برئاسة رئيس قطاع الشئون الدينية ورئيسى الادارة المركزية للمساجد والدعوة للنظر فى الحالات التى ترى المديريات فيها سحب التصاريح ممن وردت عنهم تقارير تفيد تجاوزهم لحدود اعمالهم , وهو ذات ما نسب للمدعى من خروجه لحدود عمله المكلف به على نحو ما سلف بيانه.
ومن حيث ان المحكمة ترى انه من واجبها ان تسجل فى هذه الدعوى التى كشفت عن ان المخالفة المنسوبة للمدعى للامتناع عن تجديد الترخيص له بمباشرة الخطابة انما تتصل مباشرة باحدى اساليب تجديد الخطاب الدينى الذى بات المشكلة الكبرى لكافة الاقطار العربية والاسلامية ومصر فى قلبها النابض , وبحسبان ما قررته وزارة الاوقاف وعلى نحو ما جاء بكتاب مديرية اوقاف البحيرة ادارة الدعوة والمتابعة الموجه الى وكيل وزارة الاوقاف بالبحيرة المحرر فى 7/ 12/ 2014 مفاده ان المدعى خالف موضوع الخطبة المحدد من قبل وزارة الاوقاف وهو ” الاسلام دين الامن والامان لا للبلطجة ولا للارهاب ” وهى خطة الوزارة فى احكام لغة الخطاب الدينى , وهى احدى المشكلات المتصلة باساليب تجديد الخطاب الدينى , مما يقتضى من المحكمة – بحسبانها جزء من نسيج هذا الوطن – ان تكشف النقاب عن الداء وان تضع له الدواء لمن يرغب الشفاء.
ومن حيث ان المجتمع الدولى بأسره بات يمر بأزمة حقيقية مصيرية لشعوب العالم نتيجة دعاة الارهاب والعنف والتشدد وقتلة الانسانية الذين يستغلون الدين لتحقيق ماربهم الدنيئة التى استشرت فى بعض الدول العربية والافريقية والاسلامية وتتحمل مصر باعتبارها الرائدة فى العالم العربى والاسلامى محاربة هذا الارهاب بل لم تسلم دول اوروبا ومنها امريكا وفرنسا على سبيل المثال من ان ينالها شطر من هذا الارهاب الاسود , ولا مرية فى ان اساس هذا الفكر الارهابى ايا كانت مسمياته تنبثق من المفاهيم المغلوطة عن اصول الدين ووسطية الاسلام المستنير , وهم عن صحيح الدين الاسلامى معرضون , وقد ظنوا انه بارهابهم لغالبون , ألا بئس ما ظنوا وخاب ما كانوا يؤملون , انهم لشرذمة قليلون , وباتت شعوب الدول من ارهابهم لحذرين , بعد ان عبدوا مفاهيم خاطئة فظلوا لها عاكفين , وعن مفاهيم صحيح الدين ضالين , وقد اضلوا بشباب برئ من كل واد فى الدنيا يهيمون , وما اضلهم الا المجرمون , وهم الذين بارهابهم يفسدون فى الارض ولا يصلحون , ولن يرتدعوا عن غفلتهم حتى يذيقوا من عقاب القانون الدنيوى عن فعلهم الاثيم , فضلا عما ينتظرهم من العقاب الاخروى الاليم.
ومن حيث ان الازمة المصيرية لشعوب العالم من دعاة التشدد باسم الدين وما يصاحبه من عنف وارهاب من الجماعات المتطرفة التى تستبيح الدماء والاموال لتفسد فى الارض , يقتضى الاسراع فى تشخيص الداء ووصف الدواء لمن يرغب الشفاء خاصة وان هاجس عدوى الارهاب والتشدد لم يعد قاصرا على دول العالم الثالث بل انتقل الى عدة دول حتى المتقدم منها والمستقر , ذلك ان الارهاب لا دين له ولا وطن , ويتعاعظم هذا الدور مع تطور التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال التى جعلت من العالم الفسيح قرية صغيرة تعرف فى الحال ما يدور فى اخواتها , ولما كان للنشاط الدعوى لوزارة الاوقاف تعاونا مع الازهر الشريف دورا جوهريا عالميا ليس فى مصر فحسب بل فى كافة اقطار العالم اجمع , لذا كان دورهما مضاعفا ومسئوليتهما كبرى ازاء المواجهة الفكرية لما يحدث من ارهاب نتيجة استقطاب الجهلاء باحكام الدين , ويتوجب عليهما ان يبحثا بعلمائهما المتميزين كيفية تجديد الخطاب الدينى بطريقة تتناسب وروح العصر للرسالة الصالحة لكل زمان ومكان , فريادة مصر للعالم الاسلامى , لم تكن ريادة فى تقدم العلوم الدينية فحسب بل هى فى المقام الاول ريادة تصحيح للمفاهيم المغلوطة لاعداء الدين عن حقيق الدين الاسلامى المستنير الذى بعث نبيه ليكون رحمة للعالمين.
ومن حيث ان المحكمة ترى انه بات من الاصول العامة الخالدة ما بقيت الحياة قائمة ان طبيعة الشريعة الاسلامية تقتضى ان يظل باب الاجتهاد فيها مفتوحا لا يوصد بحسبان انها الشريعة الخاتمة لجميع البشر وهو ما يتصل بتجديد الخطاب الدينى , وبمراعاة انها صالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان وفى اى مجتمع , لكونها المنظمة
لعلاقات الناس ومعاملاتهم فى شتى مناحى الحياة وعلاقتهم جميعا بالخالق سبحانه وتعالى , لذلك فكان لزاما ان تحمل خاصية بيان الاحكام الشرعية لكافة مستجدات الحياة فى جميع جوانبها , وهكذا تظل حاجة اتباعها الى الاجتهاد قائمة باستمرار لتساير مستجدات العصر فيصبح الخطاب الدينى متجددا يافعا معبرا عن كل بيئة مهما اختلفت الاوطان.
ومن حيث ان المشرع الوضعى لم يضع تعريفا للمجتهد , كما ان هناك فراغا تشريعيا – وليس شرعيا – بشأن ايجاد تنظيم تشريعى متكامل لعملية الافتاء فى المجتمع المصرى وهو ما يسبب مشكلات جمة – باستثناء ما تقوم به دار الافتاء المصرية – فظل الافتاء ليس حكرا على احد , فكل مسلم بلغ فى علوم الشريعة الاسلامية مبلغ التخصص وتوافرت فى حقه اهلية الاجتهاد من حقه الفتوى , اما من يتصدى للفتوى من غير المتخصصين او ممن ينقصهم اتقان التخصص فانه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك , الا ان علماء الامة قديما وحديثا تواترت اراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد الذى يجوز له ان يفتى للناس فى امور دينهم ودنياهم , ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر فى شأنهم اهلية الاجتهاد او ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والافتاء بدون علم , لما يترتب على ذلك من مأس دينية ودنيوية او الاساءة الى الاسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب , وتأسيا بمسلك كبار الفقهاء الاوائل الذين اسسوا مدارس فقهية لها مناهجها العلمية فكانوا يتحرجون من الفتوى على عكس الامر الحاصل الان من تجرؤ غير المتخصصين على الافتاء الذين يجب عليهم الابتعاد عن دائرة الاجتهاد , حتى لا يصعب الامر على المتلقى فى اختيار من يتلقى منه الفتاوى , كما نادوا بأن يقتصر الافتاء على العلماء الثقات الذين يجيدون الغوص فى بحر الاجتهاد المتلاطمة امواجه القادرين على استنباط الحكم الشرعى المؤسس على فقه سليم , وبحت اصواتهم عن مدى حاجة المسلمين فى كل مكان الى الافتاء السليم الذى يربط بين العقيدة الصحيحة ومستجدات العصر فى ظل الثورة العلمية التكنولوجية وما افرزته من قضايا مستجدة , وانه عندما تقدمت العلوم وتنوعت التخصصات فان المسألة التى تتعدد فيها وجهات النظر وتختلف فيها الرؤى تكون بحاجة الى نظر جماعى , اى الاجتهاد الجماعى لا الاجتهاد الفردى , تأسيسا على ان المسألة الواحدة التى تنازعتها فتويان فان الامر يقتضى ترجيح واختيار الفتوى الاصوب والارجح , وكل هذه الاقوال صارت من باب العلم العام , فالمسائل الخلافية التى تتعدد فيها اراء العلماء لا يجوز ان ينفرد بالافتاء فيها فقيه واحد , فيكون الاجتهاد الجماعى هو السبيل الوحيد للافتاء فيها للعامة لترجيح واختيار الفتوى الاصوب والارجح , فليس كل ما يعلم بين العلماء المتخصصين يقال للعامة والا احدثوا فتنة واثارة للبلبلة وعدم استقرار المجتمع الدينى.
(يراجع قريب من هذا المعنى: حكم المحكمة الادارية العليا فى الطعن رقم 26437 لسنة 53 ق.ع. بجلسة 16 مايو 2009)
ومن حيث انه من الجدير بالذكر ان الاختلاف بين الناس سنة من سنن الله فى الكون التى لا تتبدل , الامر الذى نتج عنه اختلاف المجتهدين فى الفروع التى تعتبر محلا للاجتهاد ويقتصر نطاقه عليها , وهذا الاختلاف شرعا يعتبر سنة محمودة مادام كان لكل مجتهد دليله وحقائقه المستمدة من اصل شرعى يستند اليه , بغية الوصول الى الحق وطاعة الله وسانده حديث الرسول صلى الله عليه وسلم بأجر الاجتهاد القاضى بانه اذا اصاب المجتهد فله اجران: اجر اجتهاده واجر اصابته , وان اخطأ فله اجر باجتهاده.
ومن حيث ان المقرر شرعا ان الاجتهاد – باعتباره احدى وسائل تجديد الخطاب الدينى – امر ثابت فى الشريعة الاسلامية بل يعد احد مصادرها , كما تعتبر المذاهب الفقهية نتاج هذا المصدر , واختلاف فتاوى الفقهاء فى المسألة الواحدة يعد ابرز شكل من اشكال الاجتهاد , وبمراعاة ان نطاق هذا الاختلاف يقتصر على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الاسلامى المقررة بأدلة قطعية والتى تشمل الاصول والمبادئ او الاعتقاد , ويعد الاختلاف بين المذاهب الفقهية – كما قيل بحق – رحمة ويسرا باتباع الدين الاسلامى , وفى ذات الوقت تعتبر ثروة تشريعية كبرى محل اعتزاز وفخار الحضارة الاسلامية , ومنبع الاختلاف فى استنباط الاحكام يرجع الى تفاوت قدرات العقول البشرية والافكار فى فهم وادراك اسرار التشريع وعلل الاحكام الشرعية وانعكس ذلك فى فتاويهم التى حوتها كتبهم
واقولهم وكشفت عن الرؤى المختلفة بينهم بسبب تعدد مداركهم وتنوع مشاربهم , لذا قيل بحق: ” من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه ” ومن ثم فان فتاوى الفقهاء لا تعدو ان تكون مجرد اراء اجتهادية متفاوتة فى درجات الترجيح بين راجح ومرجوح , ولا تلزم الا صاحبها , وغير ملزمة للغير بحسب الاصل ويجوز لقائلها الرجوع عنها الى رأى فقهى اخر.
ومن حيث ان تجديد الخطاب الدينى ليس تجديدا للدين – كما يفهم البعض خطأ – , فلن تجد لسنة الله تبديلا , اعمالا لقول الحق جل شأنه: ” سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ” الاية 23 سورة الفتح , وانما التجديد فى الفكر ذاته , لان الفكر يرتبط بمستجدات الحياة , والحياة بطبيعتها تتطور بتتطور الازمة والامكنة , فكان طبيعيا ان يتطور الفكر حتى يتلاءم مع الحياة , فضلا عن ان التجديد يكون قاصرا على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الاسلامى المقررة بأدلة قطعية والتى تشمل الاصول والمبادئ او الاعتقاد على نحو ما سلف.
ومن حيث انه ولما كانت مصر قد استوت على قمة العالمين العربى والاسلامى , ليس فقط بكثافة سكانها وموقعها المتميز , وانما بحضارة تليدة وموروث ثقافة جعلت منها فى ثورات العرب وحروبهم وبانتصاراتهم , الدولة القائدة , وفى ميدان السلام والتعاون العربى بين دول العالم الدولة الرائدة , فان تعبير شعبها المعطاء – وقضاؤها جزء من هذا الشعب – عن مكنونه فى مسألة مصيرية تتعلق بالمخاطر التى تحاك للامة العربية والاسلامية والارهاب الموجه لمصر او احدى البلاد العربية والاسلامية بات امرا لازما ليتشارك مع الموقف الرسمى للدولة فى نبذ كل عدوان او تهديد به , ينال مصر او احد الشعوب العربية , وهو موقف مسبوق من مصر العربية فى قريب المشكلات العربية وبعيدها , غاية الامر ولزومه التزاما قانونيا على علماء وزارة الاوقاف والازهر الشريف استنهاض الهمم لاتباع اساليب غير تقليدية لتجديد الخطاب الدينى بما يعبر عن اصالة هذا الشعب العظيم ودوره التاريخى فى الدفاع عن امته العربية والاسلامية بما يكفل لها القيادة والريادة فى مواجهة احلك الظروف التى تمر بها الامة , نتيجة استغلال الدين فى غير مقاصده والمفاهيم المغلوطة لاعداء الدين , انحرافا عما فيه من سماحة وقيم ويسر ووسطية تكفل له الخلود حتى يأذن الله فى امر كان مفعولا.
ومن حيث انه من الجدير بالذكر ان اول وثيقة وضعت المبادئ السامية التى يجب ان يدور الخطاب الدينى فى فلكها والتى حددت المصالح المعتبرة التى يحميها الشرع وهى حفظ النفس وحفظ الدين وحفظ العرض وحفظ المال وحفظ العقل ألقاها الرسول صلى الله عليه وسلم سنة 10 هجرية في حجة الوداع يوم عرفة من جبل الرحمة وقد نزل فيه الوحى مبشرًا أنه ” اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينًا” بقوله صلى الله عليه وسلم ” أما بعد أيها الناس اسمعوا منى أبين لكم فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا فى موقفى هذا.أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا – ألا هل بلغت اللهم فاشهد………”
” أيها الناس إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه – ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
– – فلا ترجعن بعدى كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض، فإنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب الله وسنة نبيه، ألا هل بلغت اللهم فاشهد …………..”
” أيها الناس إن ربكم واحد وإن أباكم واحد كلكم لآدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله اتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى , ألا هل بلغت….اللهم فاشهد قالوا نعم – قال فليبلغ الشاهد الغائب. ” وهى مصالح معتبرة تبرز روح التسامح فى الاسلام.
ومن حيث ان المحكمة ترى ان وزارة الاوقاف والازهر الشريف عن طريق الاجهزة العلمية المتخصصة ومنها مجمع البحوث الاسلامية ملزمين بالعمل على تجديد الثقافة الاسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب واثار التعصب الدينى الذى ينتج عنه الانحراف فى الفكر المذهبى والسياسى , وابراز تجليات جوهر الدين الاصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم بها لكل مستوى وفى كل بيئة , وبيان الرأى فيما يجد من مشكلات مذهبية او اجتماعية تتعلق بالعقيدة , وحمل تبعة الدعوة الى سبيل الله بالحكمة الموعظة الحسنة , كل ذلك عن طريق العلماء والمفكرين
المتخصصين باتباع المنهج العلمى فى التنقيب والبحث والاختيار والتصدى للدراسات الزائفة ودعاة الفكر المنحرف وتفسيراته الخاطئة ضد الدين والرد على الافتراءات والشبهات والاباطيل وتوضيح الحقائق.
ومن حيث ان المحكمة ترى ان اساليب واليات تجديد الخطاب الدينى التى يتعين انتهاجها فى العصر الحديث لمواجهة ظاهرة الارهاب يجب ان تجمع ولا تفرق , تبشر ولا تنفر , تصلح ولا تفسد , تيسر ولا تعسر , تصون ولا تبدد , وان يأتى على القمة من اولوياتها اهم تسع نقاط تالية تحتاج الى معالجتها من العلماء المتخصصين بوزارتى الاوقاف والازهر الشريف على النحو التالى:
أولا: يجب ان يعتمد تجديد الخطاب الدينى على فكرة ان الاسلام يدعو الى السلام فى الارض , فالاسلام دين خير وسلام وليس دين عنف او عدوان , يقول الله تعالى: ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ” الاية 2 من سورة المائدة وقوله تعالى: ” وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ” الاية 190 من سورة البقرة , كما ان الدعوة الى الله تكون بمواجهة الفكر بالفكر , بالحكمة والموعظة الحسنة وليس باستخدام العنف , فقال الله تعالى: ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” الاية 125 من سورة النحل. كما نهى عن الجدال مع اهل الكتاب – اليهود والنصارى – فى قوله تعالى: ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ” الاية 46 من سورة العنكبوت.
مع ضرورة الاعتناء بمفاهيم جديدة لتجريم العدوان او التعدى على النفس البشرية او التعاون عليه ,ومواجهته وسد منابع امداده , والعمل على صد المعتدين ومعاقبتهم بالمثل , قال الله تعالى:” الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ” الاية 194 من سورة البقرة , فالاسلام لا يعرف ما يسمى بالفريضة الغائبة فى تكفير المسلم وقتل البشر ,وينبغى ان يعتمد اسلوب التجديد على فكرتى الترغيب والترهيب وفكرة القصاص اساس كل عدل , كما يجب ان يشتمل خطاب التجديد ما يدعو الى الوحدة وليس الى التفرق , فالسلام حق لجميع البشرية ايا كانت دياناتهم , قال الله تعالى: ” وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ” الاية 25 من سورة يونس , فالاسلام يدعو الى السلام الذى يؤخذ ضمن اطر العدل والمساواة والحرية لجميع المنتمين للاديان السماوية وليس للمسلمين فحسب.
ثانيا: ان تجديد الخطاب الدينى يقتضى اعادة فهم النصوص على ضوء واقع الحياة وما تستحدثه البيئة المعاصرة بحيث تتناسب من روح التطور وهى سنة الحياة فلا تظل قابعة فى البيئة التى صدرت بها منذ 1436 عاما مع عدم المساس بثوابت الدين نفسه من نصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة , فيجب ان يكون اسلوب التجديد فى الفروع فحسب ليكون مواكبا للاحداث الجارية ومتأثرا بها , محددا ما هو حق منها , وهذا ما فعله الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب حينما اوقف حد السرقة فى عام المجاعة , بل ان الائمة الاربعة خاصة الامام الشافعى انتهجوا ذات نهج تجديد الخطاب الدينى وفقا للنوازل الجديدة , فقد كانوا يفتون فى كل بلد حسب العرف السائد فى كل منها , فى اطار المبادئ العامة للشريعة الغراء وهو ما يعرف ” بفقه الواقع ” مما يدل على مرونة الشريعة الاسلامية ذاتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان.
وينبغى التأكيد على جوهر المشكلة , ان الدين عقيدة وعلم , عقيدة لكل انسان فى قرارة ذاته وعلم لتبيان احكامه للناس خارج نطاق النفس ومنه يتفرع العديد من العلوم الشرعية , له مناهجه فى البحث واساليبه فى العرض وطرائقه فى الدراسة وليس للعوام او غير المتخصصين او الجهلاء او المغرضين الافتاء فيه , على ان احتكار تجديد الخطاب الدينى بيد العلماء المتخصصين فى علوم الدين بالازهر الشريف وعلماء الاوقاف , لا يعنى انغلاقهم عن المجتمع , فلا قداسة فى الاسلام , ولا عصمة لاحد الا للرسول الكريم فيما يبلغ به عن ربه , وقد شقى المسلمون بالفرقة سنوات طوال بسبب هذا الانغلاق ,كما انه لا يعنى فى ذات الوقت – وكما سلف – ان يتصدى للفتوى فى مجال التجديد من غير المتخصصين او ممن ينقصهم اتقان التخصص فانه ليس بأهل للفتوى ولا يجوز له ذلك , ذلك ان علماء الامة قديما وحديثا تواترت اراؤهم على وجوب توافر مواصفات محددة فى المجتهد الذى يجوز له ان يفتى للناس فى امور دينهم ودنياهم , ونهى غير المتخصصين الذين لا تتوافر فى شأنهم اهلية
الاجتهاد او ممن ينقصهم اتقان التخصص عن التجرؤ على الاجتهاد والافتاء بدون علم , لما يترتب على ذلك من مأس دينية ودنيوية او الاساءة الى الاسلام وتشويه صورة المسلمين بين مختلف الشعوب , وانما يعنى انه يجب ان يكون قيام العلماء المتخصصين بتجديد الخطاب الدينى بتفاعلهم مع غيرهم من المهتمين بشئون الوطن والدعوة كاساتذة الجامعات والخبراء ومنظمات المجتمع المدنى ووسائل الاعلام المرئية والاذاعية والرقمية والصحافة واهل الفن الهادف البناء , القادرين على توصيل الفكر الوسطى المستنير فى اعمالهم الجديرة البناءة لان هذه الوسائل هى الاكثر وصولا وتأثيرا فى نفوس وقلوب وعقول الناس , وهذا التفاعل الايجابى من شأنه دفع عجلة الحياة فى مصر كاملة غير منقوصة , ذلك ان تجديد الخطاب الدينى بهذا المفهوم اصبح ضرورة ذاتية وحياتية وشرعية وتنموية على درجة سواء.وهو ما يسهم فى توحيد الصفوف واطفاء الخصومات.
ثالثا: يجب ان يكون على القمة فى عناصر تجديد الخطاب الدينى كذلك معالجة مفهوم ” الوطن ” فى ضوء تحديد حقيقة مفهوم ” الفكر السياسى الاسلامى” وهما المعضلة الشائكة و المسألة المشكلة التى لا يهتدى لوجهها , للمخاطر التى تواجه الامة.
رابعا: ان تجديد الخطاب الدينى لا يجب ان يكون محصورا داخل الامة الاسلامية فحسب – ومصر قلب العالم الاسلامى – بل يتعين ان يتعدى حدود اقطارها الى خارجها وذلك هو الاهم , فتجديد ذلك الخطاب يقتضى ان يشتمل على عدة لغات وهو ما يتفق مع رسالة الاسلام العالمية وليست المحلية , ذلك ان الاصل الصحيح للخطاب الدينى الاسلامى ان يكون عالميا موجها للناس كافة , وليس للمسلمين فحسب , اعمالا لقوله سبحانه وتعالى عن رسوله الكريم حيث بعثه بالرسالة ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ” الاية 107 من سورة الانبياء , ومن ثم فلا ينصرف التجديد الى مكان معين او لون او جنس او طائفة دون اخرى , بل يجب ان يجوب العالم خاصة العالم الغربى الذى كان مستعمرا ومستعبدا للبلاد العربية والافريقية والاسلامية , فلا يستكين خطاب التجديد قابعا داخل اقطار الدول الاسلامية فحسب , وهو ما يقتضى اعداد جيل من الدعاة يتقن اللغات الاجنبية وصولا لنشر الصورة الصحيحة للاسلام فى انحاء العالم
ويجب الا يغيبن عن بال الامة الاسلامية والعربية ان الجماعات التنظيمية المتطرفة ليست مارقة عن الدين فحسب بقدر ماهى فصائل ارهابية بنهج منظم تتخذ من الدين ستارا يلبسون به ارهابهم لصالح الصهيونية العالمية للاساءة الى الاسلام من ناحية , وكوسيلة مستجدة من اساليب الاستعمار عن طريق الوكالة لصالح بعض الدول الكبرى ذات الفكر الاستعمارى من ناحية اخرى , بعد ان اصبح الاستعمار بصورته التقليدية غير متناسب مع روح العصر , ولا مرية فى ان منادة الغرب للامة الاسلامية والعربية بتجديد الخطاب الدينى فى القرن الماضى كان مبعثه الحفاظ على مصالحها فحسب ذلك ان بعض الدول الغربية فى بداية القرن الحالى بدت فى التواصل فى خفية الظلام مع فصيل الجمود والتطرف فى عديد من الاقطار الاسلامية بزعم تجديد الخطاب الدينى , وكشف التاريخ – وهو المعمل والمختبر لتجارب الانسانية – ان هذا التواصل كان لتحقيق ماربها وبسط هيمنتها وسيطرتها على المجتمعات النفطية العربية منذ عدة عقود , لاستغلال ثروات المسلمين , بحيث صارت هذه التنظيمات المتطرفة لا حد لها حتى مع بعض الدول الغربية التى هيأت لها الوجود وظنت انها وسيلتها المستجدة فى غزو ثروات تلك الاقطار , مما يتوجب فيه على الامة الاسلامية والعربية ان تتوحد وتعتصم بحبل الله وقوته فقال الله تعالى: ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ” الاية 103 من سورة ال عمران.
والحق انه ان لم تتحد الدول الاسلامية والعربية خاصة الخليجية منها مع مصر فى العمل على تجديد الخطاب الدينى الصحيح والاصطفاف معها , فسوف ينالها لا محالة قدر من هذا التطرف والارهاب فهو بلا وطن , وحتى ينكشف للامة الاسلامية والعربية من يريد بها سوءا , ومن ينقلب على مصر فلن يضر الله بها شيئا. ويجب ان يكون مبعث اهتمام مصر من خلال علماء الاوقاف والازهر الشريف – وهى الرائدة فى العالم الاسلامى – فى الحفاظ على
اصول الاسلام الوسطى المستنير مخاطبة البشر اجمعين , ومصر بذلك تؤرخ لدور عالمى وليس اقليميا لانها تواجه بقوة وثبات وتضحية دعاة الارهاب والتطرف لحماية الانسانية جمعاء. وقيامها بذلك الدور اعمالا للمادة الاولى من الدستور المصرى الذى نص على ان الشعب المصرى جزء من الامة العربية يعمل على تكاملها ووحدتها ومصر جزء من العالم الاسلامى تنتمى الى القارة الافريقية وتعتز بامتدادها الاسيوى وتسهم فى بناء الحضارة الانسانية.
خامسا: يجب ان يعتمد تجديد الخطاب الدينى على الاعتدال ووسطية المنهج دون افراط او تفريط ,اعمالا لقوله تعالى: ” وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ” الاية 143 من سورة البقرة فمن الاعجازالعددى للقران ان تقع هذه الاية وسط سورة البقرة البالغ اياتها 286 للدلالة على توكيد منهج الوسطية فى الاسلام , كما يجب ان يكون تجديد الخطاب الدينى موافقا للقلوب وللعقول حتى اذا تلقته تلقفته بالارتياح والقبول , وان يتسم بالتنوع لكافة فئات المجتمع فلا يقتصر على فئة دون اخرى , وان يكون رائده التيسير على العباد لا التعسير عليهم , بحيث يميل الى الابداع والخلق الجديد للمستجدات , وان يبتعد عن الركود والجمود , كما يجب ان يتسم بروح التسامح التى يشعها الاسلام التى تقتضى الاحترام والاجلال والتحاور مع اصحاب الاديان السماوية , فرسالة الاسلام للعالمين تتمثل فى الرحمة التى تحمى ولا تهدد وتصون ولا تبدد.
سادسا: يجب ان يتناول خطاب التجديد الدينى طريق الوصول عبر تكنولوجيا العصر , وان يقيم وزنا فى ادواته لشبكة المعلومات الدولية ” الانترنت” التى اضحت لغة العصر , لتوجيه كافة المجتمعات البشرية الى الحق والعدل والسلام , وبدون لغة العصر المشار اليها سيضيع جهد المخلصين والمجتهدين , اذ تواجه تربية النشء صعوبات جمة فى عصر العولمة , وتضاءلت دور الاسرة فى اصلاح الابناء , نتيجة التأثير السحرى لوسائل الاتصال المتطورة والكون الفضائى المفتوح.
سابعا: يقتضى تجديد الخطاب الدينى مواجهة الفكر بالفكر , خاصة الشباب , ذلك ان الواقع كشف عن ان هناك ثمة تقصير فى مناقشتهم واحتوائهم , ولا مرية فى ان قادة الفكر الدينى الوسطى , يدركون انه يجب ان تكون اساليب التجديد للخطاب الدينى مرتبطة ارتباطا وثيقا بتطور الحياة ومنبثقة عن تعاليم الإسلام السمح، ذلك ان التاريخ اثبت ان المذاهب الإسلامية المتشددة لم تستطع أن تخترق مصر على مر تاريخها , بسبب تشرب علمائها الاجلاء من منهج الاعتدال , وقد باتوا الان ملزمين بمواجهة دعاة التكفير , وفى مضمار تعليم النشء روح التسامح والاعتدال يجب اعادة النظر فى المناهج الأزهرية التى تعاقب عليها عدة انظمة متباينة بحيث تثير آفاق الطلاب نحو قبول الفكر الجديد والاختلاف , الامر الذى يحتاج إلى تعديل المنهجية الفكرية باعتماد برامج ومعايير جديدة تواكب روح العصر وتؤدى الى احياء التعليم الأزهرى الأصيل الذى يعمل على اعداد دعاة يفيدون المجتمع فتتلقفهم وزارة الاوقاف وتكمل المسيرة باعداد الدعاة وفقا للخطط التى تنتهجها فى اساليب التجديد , فلا يجب ونحن فى القرن الحادى والعشرين استغلال جهل البسطاء لدى دعاة الفكر المتطرف فى ان تكون الجنة والنار من المسائل التى تدخل فى تقدير العباد لانها علاقة خاصة بين العبد وربه لا يطلع عليها سوى علام الغيوب , فالجنة والنار ليست من صكوك الغفران المعقودة بيد البشر التى سادت الكنسية فى القرون الوسطى بل هى من اخص العلائق بين العبد وربه
ونظرا لخطورة ما تتعرض له الامة العربية والاسلامية من ارهاب نتيجة المفاهيم الخاطئة التى تبث فى نفوس الشباب وهو ما ادركته بالفعل القمة العربية التى عقدت بشرم الشيخ وحرص رؤساؤها ومنهم رئيس مصر على المناداة ببذل الجهد للعمل على تجديد اساليب الخطاب الدينى لمواجهة دعاة الفكر المتطرف , والحق ان الازهر الشريف – كهيئة اسلامية علمية مستقلة – بعلمائه الثقات وبحسبانه المرجع الاساسى فى العلوم الدينية والشئون الاسلامية ومسئوليته عن الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية فى مصر والعالم اجمع لقادر على تطوير وانتهاج خطة محكمة لمواجهة دعاة الفكر الارهابى المظلم وهو الحصن المنيع على مدار التاريخ لرد عدوان كل معتد اثيم
على الاسلام , وبهذه المثابة لم يشأ المشرع الدستورى ان يجعل الازهر الشريف ملكا لمصر فحسب بل للعالم الاسلامى بأسره ومن ثم صار بيت العلماء وساحة التداول الفقهى بلا سلطة او قداسة , كما ان وزارة الاوقاف القائمة بالاشراف على اخطر ما يتصل باحد اهم وسائل تجديد الخطاب الدينى على المساجد والزوايا بل وباعتبارها المسئولة عن النشاط الدعوى الدينى بصفة عامة فى العالم العربى والاسلامى بحسبان ان نشاطها لتبيان صحيح الدين ليس قاصرا على مصر فحسب , يقوم على قيادتها الحالية عقلية منهجية متجددة تعمل على احياء التقاليد الراسخة والمتوارثة والتجديد فيها بما يلائم روح العصر لتقديم صحيح الدين بعلمائها اصحاب الفكر الوسطى المستنير الذين يحملون على اعناقهم حماية الدعوة الاسلامية الصحيحة فى المنطقة العربية والاسلامية فى العالم الاسلامى بأسره , وهى تمثل العمود الفقرى القادرعلى ان ينهض بالقيام بمهمة التجديد على خير وجه , فاضحت ديوانا للمعرفة وواحة للفكر ومركزا لتبليغ الناس باصول الدين الوسطى , واية ذلك ما كشفت عنه الدعوى الماثلة من جهد وعمل اذ بدأت وزارة الاوقاف بقيادتها الحالية بالفعل باتباع اساليب مستجدة تناسب روح العصر – لم تألفها من قبل – واهمها ما سعت اليه مع بعض البلاد العربية والاسلامية الشقيقة الى توحيد الخطبة الذى انضمت اليها بعض تلك البلاد لمواجهة الفكر المتشدد من ذوى الصبغة الاثمة عالميا , ومنها كذلك المؤتمرات العلمية التى يساهم فيها علماؤها فى البحث الدائب عن اساليب تجديد الخطاب الدينى واهمها المؤتمر الوطنى العام الذى اعلنت عن انعقاده فى مايو المقبل بعد انعقاد القمة العربية بشرم الشيخ ليشارك فيه الخبراء والمتخصصين والمفكرين والتربويين والاعلاميين من مصر وكافة البلاد العربية والاسلامية الشقيقة ليتدارسون ويبحثون عن اليات تجديد الخطاب الدينى , ومازال امامها الكثير من انتهاج الطرق غير التقليدية التى تواكب ركب التقدم العلمى ونوازل العصر لمواجهة دعاة التطرف مما يقتضى منها الاستمرار فى بذل غاية جهدها لتصبح قطوفها دانية.
ثامنا: تجديد الخطاب الدينى يجب ان يعتمد على ان الدين ليس للعبادة فحسب وانما الدين يرتبط بالمعاملة ويتصل بالحياة الدنيا كارتباطه بالاخرة , اعمالا لقوله تعالى: ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ” الاية 77 من سورة القصص , فالدين المعاملة من مكارم الاخلاق والامانة والصدق , ويجب ان يتناول تجديد الخطاب الدينى كافة مظاهر الحياة , فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية والثقافية والحضارية , وهذا هو الفهم الصائب المتصل بطبيعة الدين الاسلامى وقدرته الروحية العجيبة على الخلود والخلق والابداع والابتكار والتعايش , فقد عانت الامة الاسلامية من التخلف الحضارى بسبب الاستقطاب المذهبى المتنافر.
تاسعا: التأكيد على ان حقيقة تجديد الخطاب الدينى ليست تجديدا للدين ذاته ,حاشا لله , فلن تجد لسنة الله تبديلا اعمالا لقول الحق: ” سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ” الاية 23 سورة الفتح , وانما التجديد فى الفكر نفسه , لان الفكر يرتبط بمستجدات الحياة , والحياة بطبيعتها تتطور بتتطور الازمة والامكنة ,
فكان طبيعيا ان يتطور الفكر حتى يتلاءم مع الحياة , فضلا عن ان التجديد يكون قاصرا على الفروع فقط دون ثوابت الشرع الاسلامى المقررة بأدلته قطعية الثبوت والدلالة والتى تشمل الاصول والمبادئ او الاعتقاد.
ومن حيث أن من يخسر الشق العاجل من دعوى يلزم مصروفاته عملا بحكم المادة 184 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسبــاب

حكمت المحكمة: بقبول الدعوى شكلاً , وبرفض طلب وقف تنفيذ قرار وزير الاوقاف السلبى المطعون فيه , فيما تضمنه من الامتناع عن تجديد تصريح الخطابة الممنوح له من قبل بمسجد اهل السنة بمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة باعتباره من بين السلطة التقديرية المعقودة لوزير الاوقاف المحددة لاساليب تجديد الخطاب الدينى , وألزمت المدعى مصروفاته، وأمرت باحالة الدعوى الى هيئة مفوضى الدولة لتحضيرها واعداد تقرير بالرأى القانونى فى موضوعه.

سكرتير المحكمة         رئيس المحكمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *