خضوع حق الإرث للشهر تطبيقا لقانون تنظيم الشهر العقاري المصري

خضوع حق الإرث للشهر تطبيقا لقانون تنظيم الشهر العقاري المصري

 

لم يستقص قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 استقصاء تاماً المحررات التي يجب شهرها . فقد اقتصر في التصرفات القانونية على العقود ما بين الأحياء ، وترك الوقائع والتصرفات التي تنقل الملك بسبب الموت وهي الإرث والوصية . وقد كان عدم شهرهما ثغرة واسعة في نظام الشهر الذي قرره التقنين المدني السابق .

فبقى ثغرة واسعة في نظام الشهر الذي قرره قانون التسجيل . فالوصية تصرف قانوني ، ولكنها ليست بعقد من جهة وهي من جهة أخرى تنتقل الملك بسبب الموت لا فيما بين الأحياء ، ومن ثم لم تكن خاضعة للتسجيل طبقاً لأحكام قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 . وكذلك حق الإرث لم يكن خاضعاً للتسجيل طبقاً لهذا القانون ، فالإرث ينقل الملك بسبب الموت لا فيما بين الأحياء ، وهو ليس بعقد ، بل هو ليس بتصرف قانوني إذ هو واقعة مادية . وقد كان ذلك سبباً في قصور دفاتر الشهر عن أن تكشف عن تسلسل الملكية العقارية ، فكثيراً ما تنتقل هذه الملكية بالإرث أو بالوصية فتنقطع حلقات السلسلة عن ذلك . لهذا لم يكن قانون التسجيل الصادر في سنة 1923 أساساً صالحاً للتمهيد لنظام السجل العيني مع وجود هذه الثغرات فيه .

وقد سد هذه الثغرات قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 المعمول به منذ أول يناير سنة 1947 ، ولا يزال معمولاً به حتى الآن . فقد استقصى هذا القانون جميع التصرفات الواجب شهرها . منشئة كانت أو كاشفة . فدخل فيما يجب شهره جميع التصرفات ، سواء كانت بين الأحياء كالبيع أو بسبب الموت كالوصية ، وكانت الوصية لا تخضع للتسجيل من قبل كما سبق القول . وتناولت المادة 13 من قانون تنظيم الشهر العقاري واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً . وهي واقعة الإرث ، فأخضعتها للشهر لما في شهرها من أهمية بالغة ، إذ هي من أكثر الأسباب شيوعاً في نقل الملكية ([1]) .

فحق الإرث إذن لا يخضع للشهر إلا بموجب قانون تنظيم الشهر العقاري ، منذ أول يناير سنة 1947 وهو تاريخ العمل بهذا القانون . وعلى ذلك فحقوق الإرث التي نشأت قبل أول يناير سنة 1947 ، بموت المورث قبل هذا التاريخ ، لا تخضع للشهر وتنقل فيها الملكية للورثة ، ويستطيع هؤلاء أن يتصرفوا في العقارات التي ورثوها وتشهر تصرفاتهم دون حاجة إلى شهر حق الإرث . على أن قانون تنظيم الشهر العقاري نص في المادة 53 منه على أن ” تطبق المواد 48 وما يليها على حقوق الإرث التي تنشأ ابتداء من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون . أما حقوق الإرث السابقة على هذا التاريخ ، فلا تطبق في شأنها المواد المذكورة إلا اختياراً ” ([2]) . فالقانون إذن أباح لمن تلقى حق الملكية بطريق الميراث قبل أول يناير سنة 1947 أن يقوم بشهر حق الإرث إذا أراد ذلك ، فالشهر ليس إجبارياً بالنسبة إليه وإن كانت له مصلحة عملية كبيرة في القيام به ([3]) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الوسيط 4 فقرة 261 ص 459 وفقرة 263 ص 464 – وتقول المذكرة الإيضاحية لقانون تنظيم الشهر العقاري في هذا الصدد : ” ولعل نص هذه المادة والمادة التي تليها أهم ما أتى به المشروع المرافق من أحكام جديدة في صدد المحررات الواجب شهرها ، ولم يكن بد من اتخاذ هذه الخطوة بالنص على شهر المحررات المشار إليها في هاتين المادتين ، تمهيداً وتيسيراً لوضع نظام السجلات العينية ، إذ لوحظ في شأن هذه المحررات أن عدم خضوعها للشهر في الماضي كان سبباً من أهم أسباب عدم استقرار الملكية العقارية في البلاد ” .

[2] وقد نص المشروع الجديد لقانون الشهر العقاري والتوثيق صراحة على كل ذلك في الفقرة الأولى من المادة 11 منه إذ تقول : ” يجب شهر حق الإرث إذا كانت الوفاة لاحقة على 31 ديسمبر سنة 1946 ، بتسجيل إشهادات الورثة الشرعية أو الأحكام النهائية أو غيرها من المستندات المثبتة لحق الإرث مع قوائم جرد التركة التي يجب أن تتضمن نصيب كل وارث إذا اشتملت على حقوق عينية عقارية . وإلى أن يتم هذا التسجيل لا يجوز شهر أي تصرف يصدر من وارث في حق من هذه الحقوق . وإذا كانت الوفاة سابقة على أول يناير سنة 1947 ، فيكون شهر حق الإرث اختيارياً ” .

[3] ويقول الدكتور محمود شوقي توضيحاً لذلك : ” لا شك أن للورثة مصلحة كبيرة في الالتجاء إلى شهر حق الإرث المتعلق بهم ، سواء أكانت التركة قد آلت إليهم قبل أم بعد تنفيذ قانون الشهر العقاري . وذلك لأن شهر هذا الحق يقتضي من جانب مكاتب الشهر ومأمورياتها فحص أساس الملكية من الناحيتين القانونية والهندسية ، وتسليم ذوي الشأن عقب إجراء الشهر مستندات كفيلة ببيان حقيقة حقوقهم وصحة حدود ومسطحات العقارات التي آلت إليهم ، مما ييسر عليهم الوقوف على بيان المقادير المضبوطة لهذه العقارات وإجراء أي تصرف لاحق دون حاجة إلى فحص جديد . ويزيد من أهمية هذا الإجراء أن مأموريات الشهر العقاري وأقلامها الهندسية تقوم بضبط ملكية العقارات وحقيقة مسطحها وبيان موقعها على الطبيعة وفي الخرائط وتحديها تحديداً لا يقبل الشك بوضع حدائد عليها عند الاقتضاء ، مما يجعل الورثة على بينة من كافة عقارات التركة ويغنيهم عن القيام بهذه البحوث على حسابهم الخاص ، فيحقق لهم بذلك توفير كثير من الجهد والمال ، بينما يتحقق غرض المشرع في ضبط جميع تطورات الملكية توطئة لتنفيذ نظام السجل العيني . وتظهر قيمة إجراء شهر حق الإرث إذا ما علمنا أن المورث قلما يطلع الورثة على حقيقة أملاكه العقارية أو يشركهم في أعماله ليعلموا مدى حقوقهم ومقاديرها الصحيحة . فإذا ما التجأ الورثة إلى إجراء شهر حق الإرث ، وجدوا في الهيئة القائمة على أمر الشهر خبر عون لهم على ضبط حقيقة ملكيتهم العقارية ” ( محمود شوقي في الشهر العقاري علماً وعملاً ص 402 – ص 403 ) .
وإذا ثبت حق الإرث لوارث قبل أول يناير سنة 1947 ، وقام اختياراً بشهر هذا الحق ، فإنه يصعب القول بأنه دائن التركة ، حتى يحتفظ بحق التتبع وحق التقدم ، يتعين عليه أن يؤشر بحقه على هامش تسجيل حق الإرث . فدائن التركة التي فتحت قبل أول يناير سنة 1947 كان له حق التتبع وحق التقدم ، دون إجراء أي شهر للدين الذي له طبقاً للأحكام التي كان معمولاً بها قبل قانون الشهر العقاري . فمن حقه أن يطمئن إلى هذا المركز الذي كسبه ، ولا يلزمه أن يتكلف البحث في مكاتب الشهر المختلفة التي توجد في عقارات التركة ليرى هل شهر الوارث حق إرثه ليؤشر هو بحقه ، ما دامت تركة مورثه قد فتحت قبل أول يناير سنة 1947 ( أنظر عكس ذلك محمد علي عرفة 2 فقرة 384 ) .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *