دراسة تحليلية مقارنة في التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016

دراسة تحليلية مقارنة في التعديل الدستوري الجزائري لسنة 2016

قراءة تحليلية مقارنة في التعديل الدستوري الجزائري لـ: 06 مارس 2016

” إصلاح واقعي أم تكيّف استراتيجي مع التغيرات الدولية المعاصرة”

الدكتور: ابرادشة فريد، أستاذ محاضر ـ أ ـ بجامعة محمد بوضياف المسيلة

ملخص الدراسة:

سنتطرق من خلال هذه الدراسة إلى مسألة في غاية من الأهمية، والمتمثلة في نص تعديل الدستور والتكيّف التشريعي الجزائري مع مختلف المستجدات الدولية والإقليمية والمحلية في الأساس، وذلك من خلال إجراء دراسة تحليلية مقارنة بين دستور 28 نوفمبر 1996 و التعديل الدستوري 6 مارس2016، هذا التعديل الذي حمل الكثير من الإضافات وفق ما يتماشى مع جملة التطلعات والمطالب الجماهيرية المتزايدة، و كما هو معروف فإنّ موجة ما اصطلح عليه بالربيع العربي قد أرست لقواعد نظام عالمي وإقليمي غير مسبوق سواء في سياسات الدول الداخلية أو الخارجية، ليست الدول العربية وحسب، وإنما قد مست هذه الموجة العديد من دول العالم الثالث، ووصل الحد إلى درجة أن طرقت أبواب الدول المتقدمة في كل من أوربا وأمريكا، خاصة دول أوربا الشرقية، وتبقى مسألة التطبيق من عدمه كفيلة بتضافر جميع مؤسسات الدولة، وخضوعها لهذا الدستور.

الكلمات المفتاحية: الإصلاح الدستوري، التعديل الدستوري، تكييف الدستور، دولة الحق والقانون.

Résumé

Dans cette étude, nous examinerons une question très importante qui représentée dans le texte de la nouvelle révision Constitutionnelle et de l’adaptation législative algérienne comparativement aux déférents développements internationaux, régionaux et même locaux .Cette étude analytique – comparative entre les deux constitutions de 1996 et 2016.

Dernièrement de nombreux pays (forcément et non volontairement) ont été obligées de s’adapter à cette vague de démocratisation et de réforme notamment les réformes Constitutionnelles, et pour éviter toutes glissements dans la région. Mais tous jours le problème est n’pas Dans les textes constitutionnels, ou dans la qualité des amendements soutenu, mais à la manière applicatifs.

Mot clé : Réforme constitutionnelle, Amendement constitutionnelle, adaptation du constitutionnelle. L Etat des droits et Lois.

مقدمة:

يعتبر الدستور في أي دولة من دول العالم العمود الفقري الذي تسير عليه الحياة العامة، و الذي تنتظم في فلكه كل التنظيمات والمؤسسات، بداية من الفرد والأسرة إلى غاية أكبر هيئة في الدولة وهي مؤسسة الرئاسة، ولهذا فلا يكاد يخلو نظام دولة من منهج دستوري أو سند قانوني يوجهه وينير مساره، ويحدد طريقه ويضبط جميع تعاملاته، هذا الدستور سواء كان سماويا أو وضعيا، مكتوبا أم عرفيا، ديمقراطيا أو ديكتاتوريا ما يهم في المسألة برمتها أنه يعتبر الضابط والمقاس الذي ينظم قواعد اللعبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في تلك الدول والمجتمعات، ولهذا فعادة ما يستند جميع المعارضين و المطالبون بالحقوق في العالم إلى فكرة الخروقات الدستورية والقانونية و ينادون من خلال ذلك إلى ضرورة إصلاح وتعديل تلك القوانين، بل و قد تصل الأمور في بعض الحالات إلى حد المطالبة بإلغائه وإصدار دستور جديد،كونه سيكون سندهم القانوني المقدس ووثيقة هويتهم التعريفية التي يتفاوضون بها .

إنّ الدولة الحديثة التي نشأت بعد معاهدة وستفاليا التاريخية1648 قد أكدت على أنّ عماد الدولة الأساسي هو الدستور المكتوب، ولهذا فقد كانت معظم دساتير الدول دساتير وضعية ومكتوبة، لكن في المقابل هناك دساتير دول أخرى ( عريقة ) هي عبارة عن أعراف كما هو الحال في المملكة البريطانية المتحدة. ولم يتوقف الأمر عند هذين النوعين من الدساتير،لأنّ هناك نوع ثالث من الدساتير وهو الأصل في تشريعات تلك الدول، إنه الدستور السماوي ( ما جاءت به الكتب السماوية والأنبياء من تعاليم ونصوص لضبط مجتمعاتهم وأممهم) وهو ما تسميه الغرب كذلك بالدولة التيوقراطية، ولكن عموما مهما كانت طبيعة ومصدر ذلك الدستور فإنّ الممارسة الميدانية هي التي تبين طبيعة ما نحن بصدد دراسته، وذلك للفرق الشاسع بين النص والواقع.[1]

وكغيرها من دول العالم اعتمدت الجزائر منذ إعلان استقلالها الرسمي في 5 / 7 / 1962 على مجموعة من الدساتير الوضعية المكتوبة والمقتبسة من بعض التشريعات الدستورية، ومن بين الدساتير الجزائرية في الفترة ما بين 1962 و 1996ما يلي:

1 ـ دستور 1963 وهو أول دستور للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

2ـ دستور 1965 ويسمى بالدستور الصغير نظرا للتعديلات الطفيفة التي مسته.

3 ـ دستور 1976.

4 ــ دستور 1989 وهو أول دستور تعددي والذي من خلاله تم إلغاء الأحادية الحزبية و ولوج مرحلة التعددية السياسية والحزبية.

5 ـ دستور 1996، تعرض هذا الأخير للعديد من التعديلات؛في 2002، 2008، 2016. ومايزال الدستور الجزائري كغيره من دساتير العالم قابلا للتعديل و التحيين حسب طبيعة المعطيات والمستجدات ( الدولية أو الإقليمية أو حتى المحلية ) التي قد تطرأ بين الحين و الآخر، وهذا أمر طبيعي جدا لكون واضع الدستور من البشر،وإذا كان مهندس الدستور من البشر فالخطأ فيه يبقى واردا لا محالة، وبالتالي فباب الإصلاح والتعديل كذلك لابد أن يبقى مفتوحا.

لقد اضطرت العديد من الدول إلى ضرورة التكيّف مع هذه الموجة تفاديا لأي انزلاقات قد تشهدها دول المنطقة، فبدأت سلسلة التنازلات شيئا فشيئا وفي مقدمتها التعديل في النصوص الدستورية، ولكن المشكل الذي ظهر إلى الوجود، ليس في نوعية تلك التعديلات والإصلاحات ولكن في كيفية تطبيقها، لأنّه وفي حال تزايد عدد الطلبات الجماهيرية قد تؤول الأمور إلى الطرق المسدودة، وهو ما يتمثل في حالة عدم قدرة الدولة على التعامل مع كل تلك المطالب، نظرا لعدم وفرة الإمكانيات مما قد يدفع بالأمور إلى أسوء السيناريوهات غير المتوقعة .

أهداف و أهمية الدراسة:

سوف يتم التطرق لهذا الموضوع في خطة متوازنة تنطلق من الإطار المفاهيمي ليليها إطارا تحليليا لأهم المواد الدستورية الجديدة التي وردت في التعديل مع الإشارة إلى بعض النصوص الدستورية العالمية، وفي الختام سوف نتطرق إلى العبرة من التعديل الدستوري الأخير الذي أصدره المشرع الجزائري، وسيتم هذا مع عقد بعض المقارنات بين التعديل الدستوري الجديد 6 مارس 2016 و الدستور الأصل لـ : 28 نوفمبر 1996. باعتبار أنّ المقارنة كمنهج ستقدم أحسن التفسيرات وأدّق الحلول، كما أنّ حجم أو قوة أو حتى مكانة أي دولة لا يمكن إدراكها إلاّ بمقارنتها مع دول أخرى، وليس بدراستها منفردة.

كما سينصب تركيزنا في هذه الدراسة على أهم المواد والإضافات التي وردت في التعديل الدستوري الجديد، وبالتحديد المواد التي تطرقت إلى مختلف الاصلاحات السياسية و التشريعية و القضائية ودعم الاستثمار والشباب والتجارة وتنظيم الجباية المحلية وكذلك مسائل تدعيم خلق الثروة محليا…الخ، ومهما يقال عن التعديل الدستوري الجديد 2016 فإن دستور 1996 يبقى الأصل والمرجعية الأساسية لأي قانون أو تعديل، مقارنة بالتعديلات التي جاءت بعده، وذلك لأنها كانت في الأساس تعديلات طفيفة و لمواد محددة و خاصة، كفتح مدة العهدة الرئاسية أو حتى العودة إلى غلقها، إضافة إلى ترسيم اللغة الأمازيغية كلغة وطنية ثم رسمية ثانية إلى جانب العربية، كما ورد ذلك في التعديل الدستور لعام 2002. [2]

إشكالية الدراسة:

من المفترض في كل تعديل دستوري أن يقدم جديدا، أو يعالج خللا، أو يكمل نقصا، أو يسد فراغا…الخ، ولهذا فإنّنا حينما أردنا معالجة هذا الموضوع انطلقنا من الإشكالية التالية: هل أضاف التعديل الدستوري لـ: 6 مارس 2016 جديدا إلى الساحة السياسية الجزائرية؟ أم أنّه مجرد تكيّف مؤقت في الوقت الراهن بقوانين جديدة تم استحداثها من أجل معالجة ثغرات القوانين الدستورية القديمة.؟

أولا: تحديد مفهوم مصطلحي الدستور والتعديل الدستوري

أـ تعريف الدستور: دستور جمع دساتير و يُعرف في اللغة العربية بأنّه الميثاق أو العهد، فهو القاعدة التي بمقتضاها يتم الاستناد إليها لتنظيم أمور الدولة، وقديما هو الدفتر الذي تكتب فيه أسماء الجنود ومرتباتهم، لاسيما في أعمال الدول التاريخية التي كانت المكانة والخصوصية فيها للجند وأعمالهم، أما اصطلاحا وبالتحديد في عالمنا المعاصر فتعني مجموعة القواعد الأساسية التي تحدد وترسم وتبين شكل الدولة ونظام حكمها وطبيعة عمل كل سلطة من سلطاتها والعلاقة فيما بينها.[3]

أما بالفرنسية فإنّ مصطلح دستور Constitution يعني الفعل الذي بواسطته نشكل أو نؤسس لهيئة ما، لأنّ الفعل اشتقت منه كلمة دستور Constituer بمعنى تشكيل أو تأسيس على غرار مصطلح Construire من بناء وتأسيس، ويقال أيضا بناء مجتمع. كما أنه مجموع العناصر الهامة التي يسير عليها المجتمع، واصطلاحا تعرف في الفقه الدستوري الفرنسي على أنها القانون الأساسي للأمة Loi Fondamental d’une nation.[4]

يرى الأستاذ نعمان أحمد الخطيب بأنّ الدستور هو القانون الأعلى في الدولة والذي يضبط كل علاقات وأعمال ومهام الدولة وكل مؤسساتها المركزية واللامركزية، ولا توصف الدولة بأنها دولة قانونية إلاّ إذا ساد جميع أعمالها وممارساتها حكم القانون، هذا الحكم الذي يخضع له الجميع دون استثناء الحاكم قبل المحكوم.[5]

وفي هذا الشأن هناك اتفاق بين فقهاء القانون والسياسة على سمو القواعد الدستورية على باقي القوانين في الدولة مهما كانت قيمتها أو أهميتها، خاصة وأن أساس هذه الفكرة يرجع إلى فلاسفة القانون الطبيعي الذين امنوا بوجود العقد الاجتماعي الممثل في الدستور قبل كيان الدولة، فالدستور هو الذي ينشأ الدولة وهو الذي يسهر على تنظيم السلطات والمؤسسات فيها.[6]

بينما عرّف الأستاذ عبد الوهاب الكيالي مصطلح الدستور على أنّه ” أهم وثيقة في الحياة السياسية للمجتمع وفي بنيان الدولة، وهو مجموع القواعد القانونية التي تحدد نظام الحكم وشكل الحكم في الدولة، … ويبين الدستور طبيعة النظام السياسي وهيئات الدولة وسلطاتها ووظائفها وكيفية انبثاقها وحركية تغيرها وعلاقاتها واختصاصاتها فيما بينها ثم علاقاتها مع المواطنين وحقوق المواطنين وواجباتهم وهو ضمانة لحريات الأفراد وحقوق الجماعات ويفترض أن تقوم الهيئة القضائية بحمايته من أي عبث من قبل الهيئات الأخرى ومن هنا كان استقلال القضاء في الدولة أمرا حيويا. “.[7]

في الحقيقة إنّ أي نظام سياسي في العالم إذا التزم بكل هذه الشروط التي تحددت في التعريف السابق، سوف لن تواجه هذه الدولة أي صعوبات أو عراقيل في دفع عملية الانتقال الديمقراطي، وسوف ينعم مواطنوها بما ينعم به مواطنو الدول المتطورة، في إطار ما يصطلح عليه بدولة الحق والقانون دولة المواطن الصالح، التي تكون فيها الحقوق موازية للواجبات.

ب ـ تعريف مصطلح تعديل الدستور: يمكن تحديد مفهوم التعديل الدستوري بأنه تلك القواعد والإجراءات الإضافية الجديدة التي يتم إدخالها على الدستور القديم، لتلافي مختلف الثغرات والنقائص التي حدثت عبر الزمن سواء من خلال تحولات خارجية دولية أو داخلية محلية.ومعلوم بالضرورة أنّ الوحدات الدولية تعيش في عالم متحول الملامح، وغير محدد الهوية ولا الوجهة، ولذلك فإنّ النظم السياسية في العالم أصبحت مضطرة بل ملزمة على مواكبة مختلف التطورات الحاصلة في نسقه، وبالتحديد حينما انتشرت الموجة الجديدة التي اجتاحت مجتمعات العالم في إطار ما سمي بمجتمعات ما بعد الحداثة، هذه المجتمعات التي أصبح فيها عنصر الشباب تحديدا يفرض منطقه على مختلف نظم الحكم في العالم، فبدأت مسائل تشبيب الإدارة والأحزاب والوظائف وغيرها تطفو إلى السطح. ولعل خير مثال على ذلك وصول إمانويل ماكرون صاحب 39 عاما إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية وهو ما يعتبر سابقة ليس في فرنسا وحسب وإنما في العالم، ولهذا فقد عنونت جريدة الباريسيان الفرنسيةLe Parisien في الصفحة الأولى من جريدة الثامن من ماي 2017 ، عنوانا وبالبنط العريض: ” 39 سنة رئيس ” و قد كان القصد من ذلك شخصية إمانويل ماكرون:9 ans et président3.[8]

أما كلمة تعديل بالفرنسية(Amendement)فتعني تغييرات تحدث على مستوى قانون أو مشروع ما، كما أنها تعني خدمة تحسين نوعية التربة عبر تقليبها وجعلها صالحة للزراعة بعدما كانت أرضا بورا.[9] أما الموسوعة السياسية فقد جاء فيها بأنّ التعديل هو إحداث تغييرات على نصوص المواد التي يتألف منها القانون الأساسي لتلك الدولة أو المجتمع، وبالتالي فتلك التعديلات تعتمد لمواكبة مختلف التطورات التي تهم الشعب و تقع في تطلعاته، طبعا مع وجود اختلاف في تحديد كيفية إجراء التعديل من نظام إلى آخر بين المرونة والتعقيد.[10]

وعلى سبيل المثال هناك دساتير عالمية تدل بعض نصوصها على تعطيل بعض أحكام الدستور أو كل مواده، خاصة في حالات الطوارئ، ويشرح الدكتور هاني الطهراوي هذه الحالات كالآتي: ” وقد يكون هذا الإلغاء أو التعديل جزئيا أو كليا على حسب الظروف التي تمر بها البلاد، وغالبا ما يتم معالجة تلك التوترات عبر منح المؤسسة التنفيذية صلاحيات استثنائية للتحكم في الوضع، هذا الوضع الذي سوف يكون له تأثير مباشر على حقوق الأفراد وحرياتهم . “[11]

إنّ أغلب الدساتير المكتوبة تنص على كيفية تعديلها جزئيا أو كليا، مع توضيح الإجراءات الواجب إتباعها ومراعاتها حيال هذه المسألة، لكنه من النادر أن نجد سندا قانونيا في هذه الدساتير دلالة على كيفية الإلغاء أو التعطيل التام، سواء بالأسلوب العادي أو بالأسلوب الجذري، الذي يستعمل في حالات الثورة التي تعتبر الأكثر مصداقية وشهرة في العالم من حيث إنهاء الدساتير، ولعل الأحداث التاريخية مليئة بمثل هذه الممارسات، بحيث غالبا ما تقوم النخب الثورية التي انتصرت في حربها بإلغاء العمل بالدستور القديم وإصدار دستور جديد، مثال ذلك ليبيا بعد القذافي، العراق بعد صدام حسين…الخ.

كذلك المادة 16 من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة، والتي منحت رئيس الجمهورية صلاحيات مطلقة للحفاظ على الأمة الفرنسية[12] ، المادة 74 من الدستور المصري، المادة 108 من دستور البحرين لعام 1973 كل هذه المواد الدستورية منحت صلاحيات واسعة جدا لرئيس الجمهورية في حالات الطوارئ.[13] أما الجزائر فإنّ الدستور لا يمكن أن يلغى أو يوقف العمل به إلاّ في حالة المادة 110 من التعديل الجديد و التي تنص أنه يوقف العمل بالدستور مدة حالة الحرب ويتولى رئيس الجمهورية جميع السلطات، وهو نفس نص المادة 96 من دستور 1996.

ثانيا: الأسباب العامة للتعديل الدستوري الجديد 6 مارس 2016

لا توجد ظاهرة من الظواهر مهما كان مجال حدوثها إلاّ ولها أسباب تؤدي إلى حدوثها، و لعل الظواهر الاجتماعية والإنسانية من أكثر الظواهر التي تحتاج إلى أسباب ودوافع لحدوثها، وهو نفس ما يمكن إسقاطه على موضوع دراستنا هذه وهو موضوع التعديل الدستوري الذي غالبا ما تلجأ له مؤسسات الدولة المتخصصة بعد أن تكون كل المنافذ مسدودة، وعلى هذا الأساس تقوم الدولة باللجوء إلى الإطار الشرعي والقانوني لتغيير مجموعة القوانين والأنظمة التي لم تعد تواكب التطور الحاصل، أو أنها صارت سببا في العديد من المشاكل، وقد يكون سبب التعديل لتغير طبيعة النظام السياسي من الأحادية إلى التعددية كما حدث في الجزائر وغيرها من الدول العربية التي انتقلت من فكر الحزب الواحد إلى الفكر التعددي، حتى و إن بقي هذا التعديل مجرد إطار نظري.

بالنسبة للتعديل الجديد هناك بعض المواد التي جاءت لتعديل بعض المواد التي وردت في التعديل الدستوري 15 نوفمبر 2008[14]، هذا الأخير الذي وردت فيه مواد خاصة توضح صلاحيات رئيس الجمهورية، وكذا عدد العهدات الرئاسية التي يمكن له أن يترشح فيها، تعديل المادة 74 من دستور 2008 بالمادة 88 من دستور 2016، بالإضافة إلى استحداث منصب الوزير الأول وإلغاء منصب رئيس الحكومة، مما كان بادرة دستورية لتغيير شكل النظام السياسي الجزائري من الشبه الرئاسي إلى الرئاسي ( أنظر المادة 93 من التعديل الجديد 2016)؛ بمعنى الانتقال من السلطة التنفيذية ذات الرأسين إلى السلطة التنفيذية ذات الرأس الواحد والتي يمثلها شخص الرئيس، وبالاستناد إلى هذا التعديل فقد أصبح شخص الوزير الأول مجرد ممثل لرئيس الجمهورية دون اشتراط انتمائه إلى حزب معين أو إلى حزب الأغلبية كما تنص على ذلك معظم الأدبيات السياسية في العالم التي يكون فيها الوزير الأول من حزب الأغلبية.

إذن فالقراءة العلمية الواقعية في التعديل الدستوري الأخير لـ: 06 مارس 2016 تؤكد لنا بأنها عبارة عن تحديثات وتكييفات أجريت على مجموعة من المواد الدستورية لدستور 28 نوفمبر 1996[15]، وكذلك على بعض المراجعات الدستورية لسنوات 2002 و 2008، التي كانت في الواقع تعديلات جزئية ومحصورة، لكن التعديل الدستوري الجديد جاء بأمور لم تكن تخطر على بال جميع المتتبعين على الأقل من الناحية النظرية. وبعد صدور هذه التعديلات في الجريدة الرسمية فإننا كباحثين لا يمكننا الحكم على مدى نجاعتها من عدمه، إلاّ بعد ملاحظة تطبيقها على أرض الواقع، لأنّ أي تعديل دستوري إذا لم يأت بالجديد وبما يعتبر مطلبا أساسيا عند الجماهير، فهو مجرد إجراء ظرفي لتجاوز أزمة معينة، و بالتالي فإنه بعد نهاية الظرف أو السبب الذي أوجد ذلك التعديل سوف تتم العودة إلى الأسلوب القديم، وهذا ما لا يمكننا أن نسميه تعديلا.

فالتعديل حقيقة هو إجراء ميداني يحتاج إلى مراقبة دقيقة لمدى تطبيقه على أرض الواقع، ومن ثمة الحكم عليه إما بالنجاح أو الفشل، وكما هو معلوم بالضرورة فالنظرية لا تتحول إلى حقيقة علمية إلاّ إذا تم تطبيقها على أرض الواقع ونجحت، حينها فقط نحكم على مدى علمية تلك النظرية من عدمها، وإلاّ فإنها تبقى مجرد افتراضات.[16] طبعا وهذا ما نريد توضيحه في هذا المقال، خاصة وأنّ المتصفح لنص التعديل يجد فيه أمورا جديدة لم تكن بالأمس إلاّ أحلاما صعبة المنال.

ثالثا: الأحكام العامة الواردة في التعديل الدستوري لعام 2016

لقد صدر هذا الدستور في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية[17] ليوم 6 مارس سنة 2016 تحت عنوان: المبادرة الشخصية من رئيس الجمهورية لتعديل الدستور دون عرضه على الاستفتاء الشعبي طبقا لأحكام المادة 176 من دستور 1996، التي تعطي الحق لرئيس الجمهورية أن يجري تعديلا للدستور دون عرضه على الاستفتاء الشعبي بناءً على إحرازه ثلاثة أرباع أصوات أعضاء غرفتي البرلمان .[18] وبموجب المرسوم الرئاسي رقم 16 ـ 46 ليوم 3 فبراير 2016، تم استدعاء البرلمان الجزائري للانعقاد بغرفتيه يوم 30 يناير 2016، وبعد التصويت عليه بالأغلبية صدر القانون 16 ـ 01 في الجريدة الرسمية الجزائرية العدد 14 لـ 6 مارس 2016.

وقد سارعت دار بلقيس بالجزائر العاصمة لنشر هذا التعديل في كتيب صغير وباللغتين العربية والفرنسية[19]. ولعل أول ما يمكن تسجيله كملاحظة شكلية على هذا الكتيب أنّ عدد صفحات التعديل بالعربية جاءت في 51 صفحة، بينما بالفرنسية جاءت في 67 صفحة، مما سهل من مهمة معرفة الجديد والتعديل الذي تم إدخاله على الدستور الجزائري ، بحيث جعلت التعديلات الجديدة بلون مغاير ( أحمر ) وتركت النصوص القديمة بلون أسود، وبالتالي يمكن للقارئ أو الباحث أو لأي مهتم أن يجد سهولة كبيرة في التعرف على الجديد الذي أقرته المراجعة الدستورية الأخيرة للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية.

أول ما يلاحظ على الدستور المعدل لسنة 2016 أنه اعترف بالأمازيغية كلغة وطنية و رسمية ، هذه الفكرة التي تجسدت مبدئيا في التعديل الدستوري لعام 2002 حيث أكدت المادة 4 من الدستور على أنّ تمازيغت هي كذلك لغة وطنية، و جاء التعديل الدستوري الجديد ليضيف عبارة و رسمية، و لقد شدد الفقه الدستوري الجزائري، و سدا لجميع الثغرات أن يتم استحداث مجمع جزائري للأمازيغية رعاية و تدعيما، لتصبح لغة فيما بعد خاصة بعد توجيه الاجتهادات إلى الأكاديميين، تأسيا باللغة العربية و المجمع الجزائري للغة العربية، و تفاديا لكل تسرع اشترط المشرع الجزائري أن تؤطر هذه العملية تحت قانون عضوي مستقبلي يوضح كيفيات عمل هذا المجمع، الذي يشبه المجمع الجزائري للغة العربية.

و لعل الجديد كذلك في هذا التعديل الدستوري أنه أولى أهمية بالغة لقضية التنمية المحلية والمستدامة، بحيث تحدث المشرع الجزائري في مواد جديدة لم تذكر في الدساتير السابقة، عن قضايا التنمية المحلية، كمسألة القضاء على التفاوت الجهوي في مجال التنمية، وسلبيات إقصاء محليات والاهتمام بمحليات أخرى، والتمييز من خلال الاهتمام بالشريط الساحلي وإهمال الجزائر العميقة، أيضا مسألة العدالة الاجتماعية وترقيتها، وتشجيع بناء اقتصاد متنوع يثمن قدرات البلد كلها، الطبيعية والبشرية والعلمية، أما بالنسبة للاقتصاد الوطني فقد أضاف المشرع عبارة حمايته من الرشوة أو التجارة غير المشروعة أو التعسف، وهو ما ورد صراحة في نص المادة التاسعة من ذات التعديل.

أيضا دعمت المادة 15 هذا المسعى لتنمية المحليات من خلال أنّ الدولة الجزائرية تشجع الديمقراطية التشاركية على مستوى الجماعات المحلية، حيث تعتبر المحليات المجال الخصب لتطبيق الديمقراطية، ولعل عبارة حكم الشعب، لا يمكن أن تتجسد حقيقة إلاّ إذا حكم الشعب على مستوى بلديته أو ولايته باعتبارها الأقرب والأسهل من حيث الاتصال من المركز.

كذلك المادة 19 التي جاءت لأول مرة لتتحدث عن مستقبل الأجيال القادمة من خلال أنّ الدولة تضمن الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة، الدولة تحمي الأراضي الفلاحية والأملاك العمومية للمياه. بل وجعلت تطبيق هذه المادة من اختصاص القانون لتنظيم تجسيدها على أرض الواقع، وهذه المادة في الواقع هي تنظيم وحماية لأحد موارد الدولة الحساسة و الإستراتيجية.

الجديد كذلك في هذا التعديل الدستوري والذي لم يكن معمولا به من قبل ، ما نصت عليه المادة 23التي فرضت شروطا على الوظائف الرسمية في الدولة، وكذلك تعدد العهدات أن لا تكون مصدرا للثراء أو وسيلة لخدمة المصالح الخاصة، وبالتالي يجب على كل شخص يعيّن في وظيفة سامية في الدولة أو ينتخب في مجلس محلي أو ينتخب أو يعين في مجلس وطني أو في هيئة وطنية أن يصرح بممتلكاته في بداية وظيفته أو عهدته وفي نهايتهما كذلك، مع الإشارة إلى أنّ القانون هو الكفيل بتنظيم هذه الحالة التي لا يستطيع الدستور أن يتفصل فيها لدقتها وحساسيتها.

أما المادة 27 والتي تعتبر جديدة من حيث الصياغة كونها لم ترد في دستور 1996، فقد نصت على أنّ المواطنين الجزائريين في الخارج محميين من طرف الدولة الجزائرية في إطار احترام القانون الدولي والاتفاقيات المبرمة مع البلدان المضيفة والتشريع الوطني وتشريع بلدان الإقامة، لأنه يجب أن تحترم بلدان الإقامة وأن لا يساء لها في بلدها. كما تسهر الدولة على استقطاب المواطنين المقيمين بالخارج وربطهم بهويتهم وأمتهم ومن خلال تعبئة مساهمتهم في تنمية بلدهم الأصلي، وهذا هو الدور الدبلوماسي الذي يجب أن تلعبه مختلف السفارات والقنصليات الجزائرية في الخارج.

أما فيما يتعلق بمجال الحقوق والواجبات فالملاحظ أنّ الحقوق أكثر بكثير من الواجبات وذلك أن المواد التي جاءت لمعالجة الحقوق والحريات من 32 إلى 73 بينما الواجبات من 74 إلى 83، بالمقارنة بدستور 1996 حيث جاءت المواد التي تطرقت للحقوق والحريات من 29 إلى 59 في حين كانت الواجبات في عشر مواد فقط من 60 إلى المادة 69 بمعنى أنه بقي على حاله ما عدا التعديل اللغوي والجزائي للمادة 65 من دستور 1996 بالمادة 79 من التعديل الدستوري 2016حيث بدل عبارة: ” يجازي القانون الآباء على القيام بواجب تربية أبنائهم ورعايتهم،كما يجازي الأبناء على القيام بواجب الإحسان “بينما وردت العبارة الجديدة كما يلي : ” تحت طائلة المتابعات يُلزم الأولياء بضمان تربية أبنائهم وعلى الأبناء واجب القيام بالإحسان إلى آبائهم ومساعدتهم “ وطبعا هذا الأمر ليس جديدا لأنه خُلق الإسلام، كيف لا؟ والمادة الدستورية الثانية في الجزائر تقول أنّ: ” الإسلام دين الدولة “.[20]

وكذلك بالرجوع إلى مجال الحقوق والحريات نجد أنّ ما هو واجب على شخص قد يكون لاحقا في ذمة الآخر، كما هو مبين في المادة 72 المعدلة حيث ورد بأنّ الأسرة والمجتمع والدولة يجب أن تعمل جميعا لحماية حقوق الطفل، كما تكفل الدولة الأطفال المتخلي عنهم أو مجهولي النسب، بالإضافة إلى أنّ القانون يقمع العنف ضد الأطفال، وكذلك حماية المسنين والفئات الضعيفة وحمايتهم من كل أشكال الاحتياج، لكن هذه الإجراءات مازالت ضيقة التطبيق نظرا لطبيعة المجتمع الجزائري التي لا تبلغ على مثل تلك الحالات بدعوى الخوف من الفضيحة والنبذ الاجتماعي لمرتكب مثل هذه الأفعال.

لقد تضمن التعديل الدستوري الجديد إضافة مواد جديدة لم ترد في دستور 1996 ومنها المادة 36 حول إحداث التناصف بين الرجال والنساء في سوق التشغيل وكذلك ترقية المرأة في مختلف المناصب العمومية والمؤسسات، المادة 37 والمتعلقة بالاهتمام بالشباب واعتباره القوة الحية في بناء الوطن، ولذا يجب على الدولة السهر على توفير كل الشروط لتنمية قدراته وتفجير طاقاته، المادة 42 في مسألة حرية العبادة لكن في ظل احترام القانون وعدم المساس بالمقدسات الإسلامية والموروث الإسلامي الجزائري، أما المادة 43 فقد نصت على حرية الاستثمار والتجارة في ظل احترام القانون، من خلال ضبط الدولة للسوق وحماية حقوق المستهلكين، بالإضافة إلى تحريم الاحتكار والمنافسة غير النزيهة، أيضا المادة 44 تحدثت عن حرية ممارسة البحث العلمي خدمة للتنمية المستدامة للأمة، كما أن المادة 45 تحدثت عن الحق في الثقافة مضمون لكل المواطنين وأنّ الدولة تحمي وتحافظ على التراث الوطني المادي وغير المادي، المادة 46 التي جاء الجديد فيها من خلال عدم المساس بمراسلات أي مواطن دون أمر معلل من السلطة القضائية صيانة لحرمة الحياة الخاصة للمواطن.

أيضا تحدثت المواد 49 و 50 و 51 على حرية التظاهر والصحافة بأنواعها وحق الحصول على المعلومات والمعطيات والإحصائيات لكل مواطن دون المساس بحياة الغير الخاصة وبحقوقهم وبالمصالح المشروعة للمؤسسات وبمقتضيات الأمن الوطني وفي إطار ما نص عليه القانون، وهذا طبعا مكسب كبير لبناء وتدعيم المسار الديمقراطي.

أما فيما يتعلق بعلاقة المواطن بالعدالة وسلك القضاء لم يغفل المشرع الجزائري هذه الناحية وتحدث عن كافة الضمانات التي توفرها الدولة للمواطن في حال دخوله أروقة العدالة و لأي سبب كان، كما وفر له التعديل الدستوري الجديد كافة الآليات للدفاع عن نفسه، بداية بما نصت عليه المادة 56 التي تعتبر كل شخص بريئا في نظر القانون حتى تثبت إدانته من طرف جهة قضائية نظامية، وأضافت كجديد أنّ هذه التهم سوف تكون في إطار محاكمة عادلة تؤمن له الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه، ومن بين تلك الضمانات، الاتصال بأسرته وتعيين محامي ، وإذا كان معوزا فقد تكفلت المادة 57 من الدستور المعدل بمساعدة الأشخاص المعوزين كالدفاع عنهم من طرف محامي تعينه الدولة. وقد تحدث المشرع الدستوري الجزائري في المادة 59 عن الحبس المؤقت والذي لم تنص عليه الدساتير السابقة، إذ يعد عامل من عوامل إصلاح العدالة تم تحديد مدته وأسبابه وشروط تمديده، وهو إجراء استثنائي.كل هذه التطورات والإصلاحات هي في الحقيقة بداية مسار حقيقي نحو بناء دولة الحق والقانون، والانتصار الذي تحققه العدالة الجزائرية اليوم لا يمكن أن يكتمل دون تراكمية قضائية في الأحكام ( الاجتهاد القضائي ) ودون تجارب سابقة، سواء محلية أو دولية ولهذا فقد تدارك المشرع الجزائري في كل مرة يقوم فيها بتعديل الدستور أو القوانين تلك الأخطاء السابقة.

بينما المادة 69 فقد جاءت هذه المرة للتأكيد على الضمانات القانونية لحق العامل في الضمان الاجتماعي، كما تمنع هذه المادة عمالة الأطفال دون السن 16 سنة ، وللدولة برامج لترقية التمهين وسياسات المساعدة على استحداث مناصب الشغل، طبعا ويبقى هذا مجرد قوانين تحتاج إلى تطبيق وتجسيد ميداني.

رابعا: المجلس الدستوري:حتمية الاستقلالية في مواجهة التبعية

الجديد الذي حمله التعديل الدستور لسنة 2016 أنه أضاف عبارة هيئة مستقلة للمجلس الدستوري، ويتمتع بالاستقلالية الإدارية والمالية، كما يسهر على النظر في الطعون التي يتلقاها حول نتائج الانتخابات الرئاسية والتشريعية ويعلن النتائج النهائية للانتخابات،وهو نص المادة 182، طبعا هذه الفقرات التي لم ترد بهذا التفصيل والوضوح في النص الدستوري الأساسي لعام 1996في مادته 163، كانت أكثر وضوحا في التعديل الدستوري الجديد 2016.

كذلك بالنسبة لتشكيلة المجلس الدستوري بعدما كان يتشكل من 9 أعضاء في دستور 1996 المادة 164، أصبحت 12 عضوا في التعديل الدستوري الجديد ( المادة 183)، بل لقد تم توضيح طريقة عمل المجلس خاصة إذا تساوت أصوات أعضائه بأنّ صوت الرئيس سيكون مرجحا وهو ما لم يرد في دستور 1996، أيضا أوضحت نفس المادة كيفية تأدية هؤلاء الأعضاء للقسم أمام رئيس الجمهورية، بالإضافة إلى أنها اشترطت شروطا في الأعضاء، كشرط بلوغ سن 40 سنة كاملة يوم تعينهم أو انتخابهم، مع ضرورة توافرهم على الكفاءة العلمية والمهنية التي لا تقل عن 15 سنة في التعليم العالي، خاصة في تخصصات العلوم القانونية أو مهنة محام لدى المحكمة العليا، أو مجلس الدولة، أو في وظيفة عليا في الدولة، والعبارة الأخيرة وظيفة عليا في الدولة، فهذه لوحدها قد تفسح المجال أمام شخصيات غير متخصصة في القانون، بقدر ولائها للسلطة ولشخص رئيس الجمهورية، وهذا أمر عادي جدا في الكثير من الأنظمة العالمية وذلك لخلق أغلبية لصالح رئاسة الجمهورية كونه يعين أربعة أعضاء من بينهم رئيس المجلس ونائبه، و2 أعضاء ينتخبهما المجلس الشعبي الوطني، وبالتأكيد سيكونان من أحزاب السلطة لأنها تحوز الأغلبية، وبهذا فقد أصبح نصف أعضاء المجلس الدستوري في ناحية رئيس الجمهورية، أما باقي الأعضاء 2 من مجلس الأمة، و 2 تنتخبهما المحكمة العليا ، و2 من مجلس الدولة.

قد يبدو الأمر مرجحا بطريقة حسابية لصالح رئاسة الجمهورية، ولكن ما لا يعلمه الكثير أنّ هؤلاء جميعا مقيدون بمواد الدستور ولا يمكن لهم أن يتجاوزوها، لأنّ الديمقراطية في كل دول العالم تتيح إمكانية أن يحكم الرئيس أو الحكومة عن طريق الأغلبية، ففي فرنسا مثلا، يحق للرئيس الفرنسي إذا وجد أغلبية غير موالية له أن يحل البرلمان ويعلن عن انتخابات تشريعية ليأتي بأغلبية يحكم بها، خاصة وأنه حاز على منصب رئاسة الجمهورية، وهذا ما حدث فعلا في التشريعيات الفرنسية الأخيرة التي جرت في شهر جوان 2017.

كما تم منح الحصانة القضائية لأعضاء المجلس الدستوري الـ: 12 في عهدتهم الدستورية، وتكون أراء المجلس الدستوري وقراراته نهائية وملزمة لجميع السلطات الإدارية والقضائية كما نصت عليه المادة 191 من التعديل الدستوري الجديد. وعلى هذا الأساس فإنّ المجلس الدستوري يعتبر أعلى هيئة قضائية في البلاد، وهي حارسة على حماية الدستور وعلى حماية القوانين جميعا مع الحرص على مطابقتها لأحكام الدستور.

خامسا: السلطة التشريعية بين الإستقلالية النظرية والتبعية العملياتية

لقد قام المشرع الدستوري الجزائري فيما يتعلق بالسلطة التشريعية بإضافة العديد من المواد التي تساهم في عملية بناء الصرح الديمقراطي، ومنها المواد 114، 116، 117، 135، 137 ، 138،[21] والتي سوف نتفصل فيها في هذا العنصر من الدراسة، ومعلوم بالضرورة أنّ السلطة التشريعية التي تعتبر أهم سلطة من سلطات الدولة كونها ممثلة الشعب ومحاميه الذي يرافع ويدافع عنه، ولهذا يجب أن تعزز بقوانين ومواد توفر لها القدرة التامة على توجيه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية …الخ للبلاد، في مواجهة إنفراد السلطة التنفيذية واحتكارها لسلطة التشريع، التي تعتبر إختصاصا أصيلا لممثلي الشعب وليس لأعضاء الحكومة، ولكن الضرورات كما يقال تبيح المحظورات، خاصة إذا كان البرلمان لا يتوفر على الكفاءات العلمية والتقنية والمتخصصة التي تكون على مستوى يؤهلها لاقتراح قانون ومناقشته. [22] و لهذا السبب جاءت المادة 114 كجديد لم يتطرق له دستور 1996 حيث تحدثت واعترقت لأول مرة عن المعارضة وحقوقها وأهم المهام التي تمارسها تحت حماية الدستور، وبالتالي كفلت هذه المادة حرية الرأي والتعبير والاجتماع والمشاركة في الدبلوماسية البرلمانية في الخارج، الاستفادة من المنح المالية لتسهيل العمل البرلماني ولتسهيل المشاركة في الحياة السياسية.

أما المادة 116 والتي جاءت في الحقيقة نتيجة واقع غير مرغوب فيه، وهو ظاهرة الغيابات المتكررة لأعضاء المجلس، والتي صارت ظاهرة سلبية تؤثر على قيمة وجودة العمل النيابي المقدس، وكثيرا ما كنا نتابع بعضا من جلسات المجلس فنلاحظ أن البرلمان شبه خالي من النواب، فيتساءل المتابع للشأن فيقول أين ذهب 462 نائب من نواب الشعب، ولكن هذه المادة في الحقيقة جاءت لتغلق باب الغيابات، ولتجعل المشاركة أكثر من طرف نواب المجلس، وقد نص القانون الداخلي للبرلمان الجزائري كل بنظامه الداخلي على العقوبات التي يتعرض لها النائب في حال تجاوزه القانون، ولعل جمهور الناخبين اكتشفوا هذا الأمر بعدما صارت جلسات البرلمان تتم علنا وبواسطة وسائل الإعلام المرئية، أنّ النواب الذين انتخبوهم لا يحضرون جلسات المجالس التشريعية وبالتالي هذا ما يقلل من فرص نقل انشغالاتهم إلى الحكومة، وعليه فقد تفطن المشرع الجزائري ووضع آليات في القانون الداخلي للغرفتين تضبط حضور النائب وتوقع عليه العقوبات في حال تكرار الغياب دون مبرر مقبول.

بينما المادة 117 جاءت بدورها لمعالجة ظاهرة التجوال السياسي، هذا التجوال الذي شاع في الانتخابات التشريعية لماي 2012، وبالتالي نصت المادة الدستورية الجديدة على تجريد أي منتخب سواء في المجلس الشعبي الوطني أو مجلس الأمة ، في حال انتخابه تحت لواء حزب سياسي أن يقوم في البرلمان بتغيير حزبه السياسي، ولهذا فإنّ أي نائب في هذه الحالة يعتبر فاقدا لعهدته الانتخابية بقوة القانون[23]، ولكن الباب هنا قد ترك مفتوحا أمام النائب لتغيير حزبه دون الانخراط في حزب آخر حتى لو لم يبد ذلك صراحة، لكن التساؤل العميق هو عند التصويت من سيلزمه بالتصويت لصالح حزبه السياسي، ولهذا كان من الممكن أن تدرج مادة في قانون الأحزاب السياسية تجبر النائب أن يصوت لصالح حزبه مهما كان خلافه مع كتلته البرلمانية لأن هذا ليس مسوغا على تغيير التصويت لصالح حزب أخر.

كذلك هناك مشكل أخر قد يعترض التطبيق الحرفي لهذه المادة وهو عدم التطرق إلى النواب الأحرار في حال تغييرهم لتوجههم داخل المجلس كأن ينضموا إلى حزب أخر، فكيف سيطبق القانون عليهم، ونعلم أن النائب الحر، هو حر في جميع تصرفاته بما فيها التصويت والتضامن و حتى الانضمام التاريخي إلى حزب أخر، لأنه لا يمنعه من كل هذه الأعمال إلاّ انضمامه لحزب سياسي جديد.

أما النائب الذي استقال أو أُبعد من حزبه فينص القانون على أنّه يحتفظ بعهدته بصفته نائب غير منتم، ولذلك قلنا آنفا أنه من الممكن أن يستقطب من طرف أحزاب أخرى في عمليات التصويت وهو طبعا ما سوف يؤدي إلى خلق خارطة جديدة في حال كثرة عدد هؤلاء، وربما هذا ما حدث في الكثير من البرلمانات العربية حينما يترشح مجموعة من الكفاءات والوجهاء و أكاديميين…الخ كأحرار، ولكنهم بمجرد فوزهم في الانتخابات ودخولهم إلى تلك المجالس الشعبية يقومون بتغيير ألوانهم السياسية الحرة إلى انتماءات صريحة للأحزاب الحاكمة. ولكن هذه هي السياسة كما يعرفها رجالها من المدرسة الواقعية؛ السياسة هي: فن الممكن، ولهذا فقد استطاعت النظم السياسية الحاكمة في البلاد العربية وغيرها( حدث مؤخرا في بريطانيا مع حزب رئيسة الوزراء تيريزا ماي التي استمالت أصوات الأحزاب الايرلندية وحتى الاسكتلندية ) تتفاوض مع مثل هؤلاء مستميلة أصواتهم لصالح أحزاب الدولة.

ترى الباحثة ثناء فؤاد عبد الله:بأنّ أحزاب المعارضة في مصر تتجه نحو التشرذم والتقوقع على الذات، عكس أن تتجه نحو التكتل ثم استعمال آلية الاستقطاب الأيديولوجي، لجلب الكثير من الأحرار في البرلمان وبالتالي تكون الغلبة في الأخير لصالح المعارضة على أحزاب السلطة، وفي الواقع هذا ما تقوم السلطة باستعماله وليس المعارضة.

في حين تحدثت المادة 130 عن وجوب ابتداء الفترة التشريعية التي تنطلق في اليوم 15 الذي يلي تاريخ إعلان المجلس الدستوري للنتائج، عكس الدستور القديم 1996 الذي تحدث على 10 أيام كما نصت عليه المادة 113. واعتقد أنّ الفارق ليس كبيرا بالنسبة للقانونين، ولكنه فرصة إضافية تمنح للمجلس الدستوري للتحقق من الأمور جيدا ومن دراسة الطعون بطريقة صحيحة وكافية، وعدم التسرع في إصدار القرارات.

بينما المادة 134 فقد وضحت كيفية عمل اللجان ليس فقط في إطار المجلس والتقارير التي تصل إلى غرفتي البرلمان، بل بحرية العمل والتصرف خارج البرلمان، حيث يمكن لكل لجنة دائمة من لجان البرلمان بغرفتيه تشكيل بعثة استعلام مؤقتة للاطلاع ودراسة موضوع محدد أو وضع معين، ولعل هذا الأمر الذي نعتبره جديدا هو في الحقيقة من صميم عمل البرلمان وهو الرقابة لكل أعمال الدولة ولكل مصالح السلطة التنفيذية، ولهذا يسمى النائب في البرلمان ممثل الشعب، وممثل الشعب في الحقيقة يمتلك سلطة رقابية عليا تؤهله للتحقيق في أي قضية قبل إرسالها للقضاء إذا ثبت تورط أحد الأطراف مهما كان منصبه أو نفوذه.

أيضا المادة 136 الجديدة فقد عدلت المادة 119 من دستور 1996 حيث أضافت حق المبادرة بالقوانين إلى أعضاء مجلس الأمة، بدل الاقتصار على الوزير الأول والنواب في المجلس الشعبي الوطني، وهو ما يعني أنّ المشرع الجزائري قد تفطن إلى التركيبة المهنية والأكاديمية و التكنوقراطية المتخصصة التي يحتويها مجلس الأمة، حيث تملك هذه الفئة مؤهلات كبيرة للتشريع لا تملكها في الحقيقة تركيبة المجلس الشعبي الوطني، ولذلك فما هو الهدف من حرمانها من المبادرة بالقوانين، وبهذا يكون المشرع الجزائري قد منح فرصة لمجلس الشيوخ حتى يكون مساهما أكثر في العمل البرلماني.

الجديد الآخر هو ما جاءت به المادة 137 من الدستور المعدل الجديد 2016 حيث نصت على أنّ مشاريع القوانين المتعلقة بالتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي تودع مكتب مجلس الأمة، وأما كل مشاريع القوانين الأخرى فتودع مكتب المجلس الشعبي الوطني، ولعل الحكمة هنا في أنّ التنمية المحلية تناقش فقط على مستوى مجلس الشيوخ حتى تصبغ المناقشة بالطابع الوطني ولا مجال للجهوية في هذا الأمر، وهذا ذكاء وفطنة من المشرع حتى يسد باب الجهوية و الإقليمية وغيرها، كما أنّ مسألة التقسيم الإقليمي مثلا قد يتم التصويت فيها لصالح مناطق على حساب مناطق أخرى بناءً على معطيات قد لا تكون وطنية بل محلية و ضيقة جدا وهذا من بين الانتقادات التي توجه للنظامين المركزي و الجهوي.

وبهذا فقد استحدثت طريقة جديدة للمصادقة في المجلس الشعبي الوطني ولا سيما في حالة المادة 137 التي يناقش فيها المجلس الشعبي الوطني المشاريع التي صدق عليها مجلس الأمة، أي مناقشة من الأعلى إلى الأسفل، ولكن عاد المشرع وقال في الفقرة الرابعة من المادة 138 من التعديل الدستوري 2016 أنه في كل الحالات يصادق مجلس الأمة على النص الذي صوت عليه المجلس الشعبي بأغلبية أعضائه الحاضرين بالنسبة للقوانين العادية، وبالأغلبية المطلقة بالنسبة للقوانين العضوية، وفي حالة الخلاف بين الغرفتين تتشكل لجنة متساوية الأعضاء من المجلسين للبت في القضية محل الخلاف في أقل أو يساوي شهر؛ 15 يوما لاقتراح لتشكيل اللجنة و15 يوما لدراسة الخلاف والفصل فيه، في حين أبقى دستور 1996 في مادته 120 مدة الفصل في الخلاف مجهولة ولم تحدد بمدة وهو ما يعني طول الإجراءات وموت القوانين في أدراج مكتبي الغرفتين. وهذا الإجراء يحسب للعمل البرلماني الجديد.

كذلك جاءت المادة 151 من التعديل الدستور الجديد 2016 لتعالج وتضبط مسألة عدم التدقيق الزمني في استجواب أعضاء الحكومة حول قضايا الساعة، واشترطت أن يكون الجواب في أجل أقصاه 30 يوما، بدل المادة 133 من دستور 1996 التي تركت المجال الزمني غير محدد، وبالتالي بقيت الكثير من الأسئلة بلا جواب إلى يومنا هذا، طبعا نظرا لأنّ القانون هنا ترك المدة مفتوحة.لكن المادة 152 قطعت الشك باليقين بحيث نصت على أنّ مدة الجواب على السؤال سواء كان كتابيا أو شفويا أجل أقصاه 30 يوما.

ولعل هذا الأمر قد ساهم في حركية البرلمان حيث أضافت الفقرة الأخيرة من المادة 152 السالفة الذكر تميزا نوعيا من حيث التطبيقات العملية، إذ أصبح على أنّ البرلمان بغرفتين وبالتداول يعقد جلسة أسبوعية تخصص للإجابة عن الأسئلة الشفوية للنواب ولأعضاء مجلس الأمة، ( أسبوع لمجلس النواب، وأسبوع لمجلس الأمة.)، لكن العبارة التي صيغت بها المادة ليست إلزامية كما يظهر، وهي عبارة: ” يعقد “ التي لا نلمس فيها الإلزام، كعبارة: ” يجب “ أو ” يُلزم “، وبالتالي ما هي الإجراءات التي تجعل من هذه المادة مفعلة، ثم من ناحية أخرى، هل من المعقول أن يلزم الوزير بالرد على الأسئلة كل أسبوع، ويتخلى عن مهمته التنفيذية والزيارات الميدانية لمختلف الأقاليم بهدف مراقبة مختلف المشاريع والبرامج… وغيرها، ولهذا فالمسألة هنا ومن منظور واقعي تتطلب المرونة في التعامل.[24]

سادسا: السلطة التنفيذية بين ضعف المؤسسة التشريعية ومتطلبات التنمية والإصلاح

إنّ السلطة التنفيذية تعتبر في الحقيقة الأداة الحقيقية للتنفيذ؛ من خلال تجسيد كل البرامج والقوانين التي صادق عليها البرلمان، ولهذا فإنّ الحكومة بداية من أعلى سلم فيها وهو الرئيس إلى غاية أبسط موظف في أصغر خلية قاعدية شعبية وهي البلدية، كلهم يعتبرون أو يمثلون الجهاز التنفيذي، هذه الهيئة التي تعتمد عليها الدولة في تنفيذ كل القوانين المصدق عليها خاصة ما تعلق بالقطاعات الحساسة والإستراتيجية كحماية الأمن العام وتوفير السكينة للمواطنين، الصحة، السكن، التعليم، المساواة، العدل…الخ، و في هذا الصدد قام المشرع الدستوري الجزائري في التعديل الجديد 2016 بسد الكثير من الثغرات، التي كانت مثارا للجدل على مستوى الإعلام و الأحزاب السياسة وحتى منظمات المجتمع المدني، خاصة في مسألة الترشح لرئاسة الجمهورية وقضية الجنسية الجزائرية الأصلية للمترشح وزوجه.

فيما يتعلق برئاسة الجمهورية فالجديد في التعديل الدستوري 2016، أن المترشح لمنصب الرئاسة في الجزائر زيادة على ما ورد في أحكام المواد 70 إلى 74 من دستور 1996 تم إضافة الآتي: أن يحدد القانون العضوي( والقانون العضوي أقوى من القانون العادي ) الكيفيات الأخرى للانتخابات الرئاسية،فبعدما كان مجرد قانون حسب ما أشارت إليه المادة 85 من التعديل الجديد، جاءت المادة 87 لتغلق الباب أمام ملف الجنسية، بحيث فرضت على كل مترشح لمنصب الرئاسة أن يكون متمتعا بالجنسية الجزائرية الأصلية وفقط، وأن لا يكون قد تجنس في يوم من الأيام بجنسية أجنبية، كما يجب عليه أن يثبت الجنسية الجزائرية الأصلية للأب والأم، وأن يثبت بأنّ زوجه ( زوجة المترشح للرئاسة تتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط، بالإضافة إلى أنه يجب أن يثبت الإقامة الدائمة بالجزائر دون سواها لمدة عشر 10 سنوات على الأقل قبل إيداع ملف الترشح، مما يعني أنه في حال عدم توفر أحد هذه الشروط لن يكون ملف المترشح للرئاسة الجزائرية مقبولا، و سيرفض لعدم استيفاء الشروط القانونية، و لقد أحسن المشرع الجزائري حين أغلق الباب أمام الكثير ممن قد تتوفر فيهم شروطا قد تخدم أطرافا أجنبية.

و لكن للأمانة العلمية فإنّ هذه المسألة هي مسألة غير مطلقة الحكم، و ذلك للعديد من الاعتبارات الموضوعية و العملياتية، و تبقى هذه المسألة مسألة ضمير،بحيث أنك قد تجد شخصا لا تتوفر فيه كل هذه الشروط و تجده أكبر المخلصين للجزائر و للوطن و للإسلام و للعربية و الأمازيغية و أهلها، و في المقابل قد تجد من تتوفر فيه كل تلك الشروط التي حددها المشرع غير أنه لا يتمتع بأي حس اتجاه الجزائر و لا أهلها و لا هويتها، فهذه إذن قضية ضمائر لا قضية جنسيات،و لكن القانون لا يرى و لا يؤمن إلاّ بالوثائق، و كما يقال الثقة في الوثيقة، مثل ذلك أيضا المادة القانونية التي تقول القانون لا يحمي المغفلين، و في المقابل لا توجد مادة قانونية تقول القانون يحمي الطيبين، فهذه المسألة راجعة إلى عنصر النيّة، و القانون لا يدرس النيات و إنما يدرس الملموس، و تبقى هذه المسألة مسألة روحية أخلاقية بحتة، يجازي الله بها من كان صادقا في مسعاه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ” إنما الأعمال بالنيات، و إنما لكل امرئٍ ما نوى…”[25] أما البشر فلا يمكنهم أن يعلموا النيات أو أن يطلعوا على ما تخفي الصدور .

كذلك لعل هذه المادة تمثل بيت القصيد و هي التي من أجلها تم تعديل الدستور، و هي المادة 88 حيث عاد المشرع الجزائري إلى ما نصت عليه المادة 74 من دستور 1996 بأن تكون مدة العهدة الرئاسية 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وأعتقد أن هذه المادة وبهذا السياق اللغوي يمكن أن تمنح فرصة لانتخابه كرئيس بعد خروجه من الرئاسة وترشح شخص آخر، لأنّ المشرع لم يفصل فيها بعبارة مدى الحياة.

كما أنّ المادة المادتين 77 و 78 من دستور 1996 واللتان أثارتا الكثير من الجدل، لم تعدلا في التعديل الدستوري الجديد 2016 ما عدا أنها اشترطت على رئيس الجمهورية أن يعين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية المادة 91 ، ولكن هذا لم يحدث في أرض الواقع كون الوزير الأول، وحتى الوزراء المشكلين للطاقم الحكومي ليسوا من حزب الأغلبية.

أما المادة 92 من التعديل الدستوري الجديد فقد تحدثت عن منصب الرئيس الأول للمحكمة العليا و الذي كان غير منصوص عليه في دستور الجزائر لعام 1996، ولكن الحقيقة أن هذا المنصب هو منصب قضائي و بما أنه يضطلع بسلطة تعيين القضاة، وبالتالي فرئيس المحكمة العليا هو قاض في الأساس ولهذا فإنّ المشرع الدستوري الجزائري أراد أن يشير لأهمية و مكانة هذا المنصب، لأنه بالرجوع إلى نص المادتين 174 و 177 من التعديل الدستوري الجديد سوف ندرك الحجم الكبير الذي يتمتع به هذا الموظف فهو الشخص المخول أن يسهر على احترام أحكام القانون الأساسي للقضاء، و على رقابة انضباط القضاة ( المادة 174)، و كذلك من مهام المحكمة العليا للدولة أنها تختص بمهمة محاكمة كل من رئيس الجمهورية عن الأفعال التي يمكن وصفها بالخيانة العظمى و كذلك الوزير الأول عن الجنايات و الجنح التي يرتكبها هذا طبعا في حال تأديتهما لمهامهما ( المادة 177 ).

و لذلك كان هذا المنصب من المناصب العليا و الحساسة في النظام السياسي الجزائري.بل و قد أضافت المادة 92 من التعديل بأنّ رئيس الجمهورية زيادة على سلطة التعيين في المناصب و الوظائف الحساسة، يعين في وظائف قضائية أخرى، و هو ما تركه المشرع مفتوحا لغاية صدور القانون العضوي المتعلق به.

في حين المادة 93 من التعديل الدستوري الجديد قدمت شرحا و وصفا لطبيعة النظام السياسي الجزائري، حيث يتضح من طريقة تشكيل الطاقم الحكومي أنّ النظام رئاسي بامتياز كون رئيس الجمهورية هو من يعين أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول، و يتضح أيضا من الدور الاستشاري للوزير الأول أنه غير ملزم، و بالتالي فإنّ رئيس الجمهورية هو صاحب القرار، وقد صدق من قال أنّ المستشار مؤتمن وليس بضامن، ويبقى القرار الأول والأخير بيد السيد رئيس الجمهورية كما تقتضي الأعراف والدساتير ذات النظام الرئاسي.

بينما المادة 98 من التعديل الدستوري الجديد 2016 فقد جاءت لسد الفراغ والثغرة التي كانت واردة في المادة 84 من دستور 1996. حيث نصت المادة القديمة على عبارة: ” تقدم الحكومة سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة“ وهذه العبارة في واقع الحال غير ملزمة ولذلك لم نعهد من البرلمان الجزائري أن يقوم بتقديم بيان السياسة العامة باستثناء مخطط عمل الحكومة أو برنامج الحكومة الذي يقدم لبداية السنة المالية الجديدة،والتي من خلالها يوقع رئيس الجمهورية على ميزانية الدولة في شهر ديسمبر من كل سنة، أما المادة 98 الجديدة في التعديل 2016 فقد أزالت الغموض عن هذه المهمة إذ بدأت بعبارة:” يجب على الحكومة أن تقدم سنويا إلى المجلس الشعبي الوطني بيانا عن السياسة العامة ” وعبارة يجب تكون في غالب الأحوال ملزمة عندما توضع في نص ما، لا سيما إذا علمنا أنّ هذا النص هو نص دستوري يسمو فوق كل النصوص.

كما تم تعديل المادة 88 من دستور 1996 والمتعلقة بشغور منصب الرئاسة، على أن يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الجمهورية لمدة 60 يوما ، حيث نصت المادة 102 من الدستور الجديد على مدة أقصاها 90 تسعون يوما بدل 60 يوما السابقة، وحسنا فعل المشرع الجزائري إذ أعطى المدة الكافية للوصول إلى الحلول اللائقة والترتيبات الملائمة وفي الوقت المناسب، لأنّ مدة 60 يوم هي في الحقيقة غير كافية،.

كذلك الجديد في التعديل الدستوري الجديد 2016 توسيع قائمة المؤسسات المخولة بالاستشارة في حالات الطوارئ والحالات الاستثنائية والحرب، حيث كان رئيس الجمهورية قبل التعديل يستشير مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للأمن وفي بعض الحالات مجلس الأمة، فصار المجلس الشعبي الوطني بدوره مستشارا عند رئيس الجمهورية و وهو ما ورد في المواد من 105 إلى 111، وربما هذا ما استوحاه المشرع الجزائري من التشريع الفرنسي في دستور الجمهورية الخامسة 1958 حسب المادتين 16 و 5[26] .

سابعا: السلطة القضائية بين الإصلاحات والتحديات

إنّ التعديل الدستوري للسادس من شهر مارس عام 2016 قد قدم إصلاحات كبيرة وغير مسبوقة للمؤسسة القضائية وللقضاء بصفة عامة، هذه المؤسسة المقدسة التي أضحت الشغل الشاغل في اهتمامات الدولة ورئاسة الجمهورية، حيث نصت المادة 156 في فقرتها الثانية المضافة أنّ رئيس الجمهورية هو الضامن لاستقلالية السلطة القضائية.

كذلك أضافت المادة 160 من التعديل سندا قانونيا حيث ضمن القانون التقاضي على درجتين في المسائل الجزائية وحدد كيفيات تطبيقها، كما تم معالجة الأوامر القضائية بأن ضمنها المشرع أن تكون معللة، كما يعاقب القانون كل من يعرقل تنفيذ حكم قضائي وهو نص المادة 163، ولعلّ هذا الإشكال لا يزال مطروحا وبحدة في الساحة الجزائرية عموما حيث نجد أنّ الكثير من الأحكام القضائية رغم وجود أحكام قضائية نافذة إلاّ أنها لا تزال تجد عوائق كبيرة حيال التطبيق.

كما تضمنت المادة 166 تعديلا جديدا يتعلق بمسألة حماية القاضي، حيث أنه يحق للقاضي أن يخطر عن أي تدخل في سير العدالة، كما يجب عليه أن يتفادى أي موقف من شأنه المساس بنزاهته

أيضا و لأول مرة يذكر فيها المحامي في الدستور الجزائري من خلال المادة 170 وتكفل له الضمانات القانونية للحماية من كل أشكال الضغوط والتي تمكنه من ممارسة عمله بكل نزاهة وفي ظل سيادة القانون . هذه المادة التي لم تكن واردة في دستور 1996 قد تفطن لها المشرع الجزائري من خلال الضغوطات التي كانت تمارس على المحامي وتعوقه من أداء عمله.

كما منح التعديل الدستوري الاستقلالية الإدارية و المالية للمجلس الأعلى للقضاء، ونصّ على أن يكون ذلك تحت قانون عضوي وهذا طبعا ما ورد في نص المادة 176 من الدستور الجديد بدلا من المادة 157 من الدستور الجزائري لعام 1996. التي لم تتطرق إلى هذه الاستقلالية التي ستدفع بالقضاء الجزائري قدما إلى الأمام، وقد أصبح العالم يتحدث عن مجال إصلاح العدالة انطلاقا من إصلاح القضاء فالعدالة كما يعرفها المختصون هي تلك العملية المعقدة بحكم أنها تتضمن آليات وسبل تحقيق الاستقرار الاجتماعي وتحقيق السعادة للمواطن واحترام قاعدة المساواة بين الأفراد، بينما العدل فهو مجال تطبيق التشريعات والقوانين سواء كانت مكتوبة، عرفية أو سماوية.[27]

الملاحظ على الفصل الثالث من الباب الثاني المتعلق بالسلطة القضائية أنّ هناك تبعية كبيرة لرئاسة الجمهورية خاصة في مسألة التعيينات التي يقوم بها الرئيس، ولهذا هناك من يقول بأنّ الأشخاص الذين يعينهم الرئيس سيكونون تُبّعا له، ولكن ما هو معمول به عالميا أنّ الرؤساء هم من يقومون بتعيين القضاة ورؤساء المحاكم العليا والدستورية وغيرها من المناصب القضائية الحساسة، وقليل من الدول من تلجأ إلى انتخابهم من قبل الشعب أو حتى من نوابهم، كما هو حال بعض مناطق الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فالقضية هي قضية ضمير وليس تبعية بالضرورة.

ثامنا:مراقبة الانتخابات في الجزائر خطوة إلى الأمام أم انتكاسة إلى الوراء

لعل الجديد الذي تضمنه التعديل الدستوري لـ 2016 والذي لم يتطرق له دستور 1996 هو مسألة مراقبة الانتخابات، هذه الانتخابات التي تعتبر في حقيقة الحال بوابة الديمقراطية، لكنها قد تعتبر بوابة الإحتكار والتعصب للرأي والاستئثار بالسلطات، ولهذا فإنّ الانتخابات الحقيقية والنزيهة عادة ما تفرز وضعا صحيحا ومعادلة دقيقة، بينما العكس هو الذي يؤدي إلى احتكار السلطة، ولذلك فقد ضمّن المشرع الجزائري الدستور المعدل فصلا كاملا يتشكل من مادتين والعديد من الفقرات التي أتت بضوابط وأمور لم تكن معمولا بها من قبل، كمسألة تشكيل لجنة أو هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات و التي خُول لها العديد من الصلاحيات لضبط العملية الانتخابية من بدايتها إلى نهايتها، كما أُعطيت لهذه الهيئة الكثير من التسهيلات التي لم تكن الأحزاب السياسية الناشطة في الساحة الجزائرية تحلم بها في دستور 1996 ، وفيما يلي سوف سنتفصل في شرح هاتين المادتين:[28]

المادة 193: نصت على أنّ السلطات العمومية المكلفة بتنظيم الانتخابات بإحاطتهـا بالشفافية والحياد، وبهذه الصفة توضع القائمة الانتخابية عند كل انتخاب تحت تصرف المترشحين تفاديا لأي تزوير أو تحوير أو استغلال ..الخ وقد وضح القانون العضوي المتعلق بالانتخاب هذا الأمر غاية الوضوح .

في حين جاءت المادة 194 لتأسيس هيئة عليا لمراقبة الانتخاب وكذلك كيفية تعيين رئيسها وأعضائها وأهم المهام التي تقوم بها تلك الهيئة المستقلة، التي يكون القضاء جزءا منها بالإضافة إلى كفاءات من مختلف حساسيات المجتمع المدني، أما رئيسها فيكون شخصية وطنية يُعيّنها رئيس الجمهورية طبعا بعد استشارة الأحزاب السياسية، ( المعارضة ) ومن بين أهم أعمالها ما يلي:

ـ السهر على شفافية الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية وكذا الاستفتاء، ونزاهتها منذ استدعاء الهيئة الناخبة حتى إعلان النتائج المؤقتة للاقتراع.

ـ الإشراف على عمليات مراجعة الإدارة للقوائم الانتخابية

ـ صياغة توصيات لتحسين النصوص التشريعية والتنظيمية التي تحكم العمليات الانتخابية

ـ تنظيم دورة في التكوين المدني لفائدة التشكيلات السياسية حول مراقبة الانتخابات وصياغة الطعون.

وعلى الرغم من بداية عمل هذه اللجنة منذ الانتخابات التشريعية لسنة 2012 ، إلاّ أنّ المعارضة عادة ما توجه أصابع الاتهام إلى السلطة أساسا و إلى هذه اللجنة ثانيا؛وذلك بعد كل استحقاق انتخابي؛ كوصفها بعدم الحياد، وسكوتها عن التجاوزات… الخ ويستندون إلى قضية أحادية القرار في الشخصية التي تختار لرئاسة اللجنة،وذلك لأنها من تعيين رئيس الجمهورية، بالإضافة الى عدم تمتعها بكافة الصلاحيات التي من خلالها تستطيع التأثير في العملية الانتخابية ككل. وباعتبار أنّ الانتخاب هو لب العملية الديمقراطية، فبدونه لا أساس للديمقراطية أصلا. وعلى هذا الأساس يبقى من حق أي معارضة أن تفسر الأمور كما تراها، ولكن الحقيقة الأكيدة أنّ رئيس اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات، عادة ما يكون تحت استشارة تلك الأحزاب السياسية وبموافقتها وهو ما يتم ملاحظته إعلاميا .

إذن من خلال ما تقدم فعوضا من لجوء الأحزاب السياسية في الجزائر( خاصة المعارضة )إلى تلمس مكان الداء وعلاجه، فإنه يتم الاشتغال بأمور لا تضيف للمشهد السياسي إلاّ التخلف والركود، وذلك من خلال انتشار النزعة الواحدية الضيقة ونبذ كل أطروحات الأخر مهما كانت عقلانية، وبالتالي زيادة الفجوة والتشرذم بين مختلف التشكيلات السياسية، عوض سيادة فكرة الاستقطاب الإيديولوجي بينها لبناء مؤسسات الدولة، وفرض تقاليد جديدة على الحزب الحاكم، حينها فقط سيكون الطريق ممهد لبناء تنافس سياسي ديمقراطي نزيه عماده التنافس الايجابي البناء، الذي سوف يخرج الحياة الحزبية من نظرية العقد الاجتماعي حرب الجميع ضد الجميع والتي يرى فيها كل حزب أنه الوحيد الذي يملك مفاتيح حل الأزمة دون غيره.[29]

إن اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات وبفضل التقارير والتوصيات التي ترفعها إلى الحكومة عقب كل استحقاق انتخابي، ستسهم في إثراء الوعاء القانوني لإصلاح نظام الانتخابات، و معلوم بالضرورة أنّ التجارب الانتخابية المتكررة سوف تؤدي عبر الزمن إلى تدارك أخطاء الماضي وبالتالي تعديل قانون الانتخابات بما يتماشى وخدمة اللعبة الديمقراطية، ولهذا يجب التأكيد على حقيقة أنّ هناك العديد من المكاسب المحققة رغم تسجيل بعض التحفظات ولكن عند مقارنتها بفترة التسعينيات فإن هناك قفزة نوعية لا يمكن إنكارها، ومع ذلك فلابد من تعميق وإصلاح هذه التجربة مستقبلا .

تاسعا: الهيئات الاستشارية الجديدة بين تقديم الاستشارة وتحديات الواقع

لقد أضاف التعديل الدستوري الجديد العديد من المواد الدستورية، كما استحدث العديد من الهيئات والمؤسسات الاستشارية لدى رئيس الجمهورية كما هو الحال بالنسبة للمادة 198 التي استحدثت مجلسا وطنيا لحقوق الإنسان، ويتبع برئاسة الجمهورية، وهو نفس الأمر الذي تحدثت عنه المادة 200 في قضية استحداث مجلس أعلى للشباب يُربط كذلك برئاسة الجمهورية،أيضا المادة 202 التي تكفلت بتأسيس هيئة وطنية للوقاية من الفساد ومكافحته ويتبع رئاسة الجمهورية. الجديد في هذه الهيئة أنّ أعضائها يؤدون اليمين حتى تكون النزاهة أكثر، وهي سلطة إدارية مستقلة لدى رئيس الجمهورية، وتوفر الدولة لهم كل الحماية من التهديد والترهيب أو الإهانة أو التهجم أو الشتم، وهذا أمر منطقي بحكم حساسية المهمة.

المادة 204: المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي كإطار للحوار والتشاور والاقتراح في المجالين الاقتصادي و الاجتماعي وهو مستشار الحكومة، ومن مهامه حسب المادة 105 منبر للمشاركة المجتمعية في قضايا السياسة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، وتمتين عرى الحوار بين مختلف الشركاء، ورفع اقتراحات وتوصيات إلى الحكومة.

المادة206: استحداث مجلس وطني للبحث العلمي والتكنولوجيات يكون هدفه كما نصت عليه المادة 207 في تقييم وتثمين الأبحاث العلمية لفائدة الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة. بالإضافة إلى ترقية البحث الوطني في مجال الابتكارات العلمية والتكنولوجية، ويرأس هذا المجلس كفاءة وطنية يعينها طبعا رئيس الجمهورية.

ولكن السؤال الذي يبقى مطروحا هل أنّ إنشاء هذه المجالس وإتباعها برئاسة الجمهورية هو في الحقيقة من أجل مراقبة أعمال الحكومة والجماعات المحلية وتقديم تقارير مفصلة إلى رئيس الجمهورية، طبعا مع تقديم المشورة للرئيس ومعاونيه في الرئاسة، أم أنها مجرد هياكل إدارية نص عليها الدستور وينصبها رئيس الجمهورية ثم بعد ذلك تنخرط في سبات طويل لا تستيقظ منه إلاّ في حالة تلقيها إيعازا من السيد الرئيس، وهذا طبعا ما عودتنا عليه الكثير من المجالس واللجان في الدول العربية عموما.

الجواب يتضمن شقين الشق الايجابي في وجود واستحداث مثل هذه الهيئات، شق سلبي لا يرى من وجود أو استحداث مثل هذه الهيئات إلاّ مضيعة للمال والوقت والجهد، طالما أنها مربوطة بالسلطة التنفيذية، وأنّ استقلاليتها ستبقى مسألة شكلية، ولا طائل من ورائها، طبعا هذا رأي المعارضة دائما، ولكن الواقع قد يفرض منطقا آخر، حين تكون هذه المؤسسات وسيلة للاتصال والتواصل بين الحاكم والمحكوم، مثال ذلك الدول المعاصرة التي صارت تعتمد كثيرا على نظام الاستشارة والمستشارين، شريطة أن يكون هذا المستشار من ذوي التخصص والخبرة حتى يستطيع الإفادة من خبرته.

الخاتمة:

ختاما ما يمكن أن يقال حول مسألة التعديل الدستوري لعام 2016 أنه انتصار جديد للحريات في الجزائر، ولو من الناحية النظرية والقانونية، وذلك لأنّ التطبيق عادة ما يُوقع القوانين في فخ جدلية النظرية والواقع، لأن القوانين عادة ما يحتاج إلى متسع من الوقت حتى يتم ترسيمها على أرض الواقع، ثم التأكد من الصعوبات التي تعترض تطبيقها، وطبعا بمرور الأيام سوف تتحصل المعارضة على المزيد من المكتسبات، هذه المكتسبات التي كانت بالماضي ضربا من الخيال أو المستحيل، وعلى العموم فالنظرة العامة على الدستور الجزائري ولاسيما التعديل الدستوري الجديد للسادس من شهر مارس عام ألفين وستة عشر والدستور التعددي الأصل لعام 1996 هي من الدساتير الجيدة و المعمول بها عالميا، كونها أولا مقتبسة من مختلف التشريعات العالمية و المعترف بها ( خاصة فرنسا )، وثانيا لأنها قللت من عدد الثغرات والفجوات التي كانت في الدساتير والتعديلات السابقة وطبعا هذا هو حال التعديل الدستوري الجديد 2016 الذي قلل من فجوات دستور 1996.

توصيات الدراسة:

إذن وبعد كل هذه التعديلات وفي أولى تطبيقات الدستور الجديد وبالتحديد الانتخابات التشريعية 4 ماي 2017 لا زالت الجزائر تراوح مكانها في مسألة إعمال النصوص الدستورية بين النظرية والتطبيق، كون الدستور وثيقة مقدسة تنظم مختلف العلاقات في الدولة داخليا وخارجيا، ولكن في حال ما إذا لم تطبق هذه الوثيقة أو تم اختراقها تحت أي ظرف من الظروف، لا نقول حينها أنه ليس لدينا دستور كما يقول البعض، لأنّ المسألة هنا لا تعدو أن تكون خللا في التطبيق أما النصوص النظرية فهي صحيحة، وللتوضيح أكثر هل إذا كان الدستور الأمريكي ناجحا معناه يمكن تطبيقه في الجزائر، الجواب: لا لأنّ الأمر لا يتوقف على النصوص فقط، بل لابد من مراعاة البيئة والذهنية التي سيطبق فيها هذا الدستور، حينها فقط ندرك بأنّ ما ينجح هناك لا يعني أنه سينجح هنا بالضرورة، فالقضية ليست حتمية كما يعتقد البعض،لأنّ النظري عادة ما يصطدم بمعوقات التطبيق خاصة إذا لم تكن هناك إرادة بشرية حقيقية نحو التغيير.

ومن التوصيات التي أقرتها اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التشريعية 2017وعلى لسان رئيسها عبد الوهاب دربال،الذي أكدّ بأنّ نظام الانتخابات في الجزائر لا يزال في حاجة كبيرة إلى إدخال العديد من الإصلاحات على الأخطاء التي حدثت خلال الحملة الانتخابية وكذلك في أثناءها و حتى ما جاء بعدها، من تحفظات ومن احترازات، وإخطارات، سواء من طرف الأحزاب السياسية أو المترشحين الأحرار أو حتى من الهيئة المستقلة لمراقبة الانتخابات نفسها، ولكنه عاد وأكدّ على أنّ إصلاح القوانين يكون عن طريق الممارسة والتطبيق الميداني، لأنه بدون ممارسة لا يمكن أن تُعرف مواطن الخطأ ولا كيفية إصلاحها، ولهذا يقال لن يعمل من يخشى الانتقاد.[30]

قائمة المراجع:

أولا: مراجع بالعربية

أ ـ القوانين والمراسيم

ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رقم 76 لـ: 8 ديسمبر 1996، صدر دستور 28 نوفمبر 1996، الساري المفعول بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96 ـ 438 المؤرخ في 7 ديسمبر 1996، والمتعلق بإصدار نص التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء الشعب يوم 28 نوفمبر 1996.pdf

ـ الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ( التعديل الدستوري في القانون 16 ـ 01 ليوم 06 مارس 2016، الصادر بالجريدة الرسمية العدد 14 ، يوم 7 مارس 2016 الجزائر: دار بلقيس للنشر، 2016.pdf

ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية القانون 02 ـ 03 المؤرخ في 10 أفريل 2002 المتضمن تعديل الدستور، عدد 25 لـ: 14 أبريل سنة 2002.pdf

ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 63 لـ : 16 نوفمبر 2008 ،القانون 08 ـ 19 المؤرخ في 15 نوفمبر 2008 المتضمن تعديل الدستور.pdf

ب ـ الكتب

ـ الحنبليابن رجب، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 2007.

ـ الخطيب نعمان أحمد، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، ط1، الإصدار الثاني، عمان: دار الثقافة للنشر، 2009.

ـ السيد عدنان حسين، تطور الفكر السياسي، ط2، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2009.

ـ الطهراوي هاني علي، النظم السياسية والقانون الدستوري، ط1، الإصدار 2، عمان: دار الثقافة للنشر، 2009.

ـ العاني حسان محمد شفيق، الانظمة السياسية والدستورية المقارنة، بغداد : مطبعة جامعة بغداد، 1987.pdf

ـ الكيالي عبد الوهاب، موسوعة السياسة، الجزء الثاني، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، د س ن. pdf

ـ المناسية أمين محمد سلاّم، قواعد البحث العلمي ومناهجه ومصادر الدراسات الإسلامية، عمان: مؤسسة رام للتكنولوجيا والكمبيوتر، 1995.pdf

ـ الهواري صلاح الدين، المعجم الوسيط، بيروت: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر، د ت ن.

الدوريات والأطروحات:

ـ جمال الدين بن عميّر، ” الاصلاح الحزبي في الجزائر أثناء فترة التعددية السياسية “، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فرع التنظيم السياسي والاداري، كلية العلوم السياسية و العلاقات الدولية ، جامعة الجزائر 3، السنة الجامعية: 2014 ـ 2015. Pdf

ثانيا: مراجع بالأجنبية

-Dictionnaire LAROUSSE, 2 édition, France: Maury-Eurolivre, Manchecourt, Mai 2001.

ثالثا: مواقع الكترونية

ـ قناة الشروق News، الأخبار ليوم 14 ماي 2017.

[1]ـ نعمان أحمد الخطيب، الوسيط في النظم السياسية والقانون الدستوري، ط1، الإصدار الثاني، عمان: دار الثقافة للنشر، 2009، ص 506 الى 517.

[2]ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية عدد 25 لـ: 14 أبريل سنة 2002. القانون رقم 02 ـ 03 المؤرخ في 10 أبريل 2002 .

[3]ـ صلاح الدين الهواري، المعجم الوسيط، بيروت: دار ومكتبة الهلال للطباعة والنشر، د ت ن، ص 538.

[4]ـ -Dictionnaire LAROUSSE, 2 édition, France: Maury-Eurolivre, Manchecourt, Mai 2001, p 89.

[5]ـ نعمان أحمد الخطيب، مرجع سابق، ص 531.

[6]ـ حسان محمد شفيق العاني، الانظمة السياسية والدستورية المقارنة،بغداد: مطبعة جامعة بغداد، 1987، ص 215.

[7]ـ عبد الوهاب الكيالي، موسوعة السياسة، الجزء الثاني، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، د س ن، ص ص 679 ـ 680.

[8]ـ موقع الكتروني ، جريدة لوبارسيانLe Parisian، يوم واحد بعد ظهور نتائج الرئاسيات وفوز ماكرون فيها.

[9]ـ Dictionnaire LAROUSSE,Ibid, p 14.

[10]ـ عبد الوهاب الكيالي، مرجع سابق، ص ص679 ـ 680.

[11]ـ هاني علي الطهراوي، النظم السياسية والقانون الدستوري، ط1، الإصدار 2، عمان: دار الثقافة للنشر، 2009، ص 397.

[12]ـ حسان محمد شفيق العاني، مرجع سابق، ص ص 105 ـ 106

[13]ـ نعمان الخطيب، مرجع سابق، ص ص 594 ـ 597.

[14] ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، عدد 63، القانون ـ 08 ـ 19المؤرخفي 15 نوفمبر 2008 المؤرخة في 16 نوفمبر 2008 .

[15]ـ صدر دستور 28 نوفمبر 1996، الساري المفعول بموجب المرسوم الرئاسي رقم 96 ـ 438 المؤرخ في 7 ديسمبر 1996، والمتعلق بإصدار نص التعديل الدستوري المصادق عليه في استفتاء الشعب يوم 28 نوفمبر 1996، في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية رقم 76 لـ: 8 ديسمبر 1996، والذي أمضى عليه الرئيس اليمين زروال آنذاك.

[16] ـ أمين محمد سلاّم المناسية، قواعد البحث العلمي ومناهجه ومصادر الدراسات الإسلامية، عمان: مؤسسة رام للتكنولوجيا والكمبيوتر، 1995 ص 15.

[17]ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، عدد 14، ليوم 07 مارس 2016، المتضمن نص تعديل الدستور، بالقانون 16 ـ 01 المؤرخ في 06 مارس 2016.

[18]ـ الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، عدد 76، ليوم 8 ديسمبر 1996، المتضمن دستور 28 نوفمبر 1996، المادة 176.

[19]ـ دار بلقيس، دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، ( التعديل الدستوري في القانون 16 ـ 01 ليوم 06 مارس 2016، الصادر بالجريدة الرسمية العدد 14 ، يوم 7 مارس 2016 الجزائر: دار بلقيس للنشر، 2016.

[20]ـ المادة 2 من جميع الدساتير الجزائرية باستثناء دستور 1963 الذي وردت في المادة 4.

[21]ـ من التعديل الدستوري 06 مارس 2016.

[22]ـ ما يجب أن نوضحه في هذا المقام أنه من حق البرلمان أن يقترح القانون، أما الأمر الاعتيادي في العالم أن الحكومة هي التي تتقدم بمشاريع قوانين باعتبارها هي التي ستنفذ تلك القوانين فالأولى إذن أن تكون هي صاحبة المبادرة، و أما النواب فمن حقهم أن يعدلوا المواد التي لا تتلاءم وتطلعات الجماهير التي انتخبتها، وهذا ما هو معمول به في معظم دول العالم، ونحن هنا لا ننفي حق البرلمان أن يبادر باقتراح قوانين، لأننا سلفا تحدثنا بعبارة من حق وبالتالي فقد اكتسب البرلمان ونوابه الأسبقية في اقتراح القوانين، ولكن ونظرا لقلة خبرة النواب وعدم تخصصهم في الأمور التقنية للقوانين فإنّ الحكومة هي التي تسيطر على هذا المجال بقوة العلم والمعرفة. لمزيد حول موضوع السلطة التشريعية وطريقة عملها في مختلف الانظمة المقارنة: أنظر/ حسان محمد شفيق العاني، مرجع سابق، من ص 327 ـ الى ص 350.

[23] ـ ينص الدستور المعدل لـ 6 مارس 2016 في مادته 117 على أنه في حال ثبوت تغيير النائب طوعا للانتماء الحزبي الذي انتخب على أساسه، أن يبلغ المجلس الدستوري من طرف رئيس الغرفة المعنية ( مجلس الأمة أوالمجلس الشعبي الوطني ) فيعلن المجلس الدستوري بناءً على ذلك حالة الشغور، ومن ثم يتم استخلافه بنائب جديد كما تنص عليه القوانين التي تحكم العلمية الانتخابية في الجزائر.

[24]ـ المادة 152 من التعديل الدستوري 6 مارس 2016، مرجع سابق، ص 29.

[25]ـ ابن رجب الحنبلي، جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم، ط2، بيروت: دار الكتب العلمية، 2007، ص 15.

[26]ـ حسان محمد شفيق العاني، مرجع سابق، ص 106.

[27]ـ عدنان السيد حسين، تطور الفكر السياسي، ط2، بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 2009، ص 93.

[28]ـ المادتين 193 و 194 من دستور الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية 1996.

[29]ـ جمال الدين بن عميّر، ” الاصلاح الحزبي في الجزائر أثناء فترة التعددية السياسية “، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، فرع التنظيم السياسي والاداري، كلية العلوم السياسية و العلاقات الدولية ، جامعة الجزائر 3، السنة الجامعية: 2014 ـ 2015، ص ص 293 ـ 294. نقلا عن: عاطف السعداوي، مفهوم الحزب الديمقراطي: دراسة في المحددات والمعايير، ورقة بحثية مقدمة في اللقاء 20لمشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية بعنوان: مفهوم الأحزاب الديمقراطية وواقع الاحزاب في الدول العربية،: مفهوم الاحزاب الديمقراطية وواقع الأحزاب في الدول العربية، أكسفورد: الجماعة العربية للديمقراطية 24 جويلية 2010، ص ص 7 ـ 8 أنظر الموقع الإلكتروني:2016

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *