دراسة حول القصد الإحتمالي في ركن العمد – بحث تحليلي قانوني

دراسة حول القصد الإحتمالي في ركن العمد – بحث تحليلي قانوني.

(1) درج قضاء النقض منذ زمن علي اصطلاح ما يسمى “القصد الاحتمالي” كأحد صور القصد الجنائي في الجرائم العمدية وقضت في احكامها الاولي بتحقق القصد الإحتمالى فى صورة ما إذا وضع شخص النار عمداً فى قطن بداخل غرفة لإحراقه فإحترقت الغرفة و ما جاورها . لأن وضع النار لإحراق القطن الذى بالغرفة يترتب عليه غالباً إحراق نفس الغرفة و ما جاورها من الأماكن و إذن يأخذ الجاني بجريمة الحريق العمد عن تلك الاماكن المجاورة.

(الطعن رقم 1667 لسنة 46 جلسة 1929/06/13 س -1 ع 1 ص 341 ق 283)

وفي مرحلة لاحقة عرفت محكمة النقض القصد الاحتمالي بأنه “نية ثانوية تختلج بها نفس الجاني ، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الإجرامية التي لا يتغياها بالدرجة الأولى فيمضى مع ذلك فى تنفيذ الفعل ، مستويًا لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها.وقضت بان القصد الإحتمالى يقوم مقام القصد الأصيل فى تكوين ركن العمد .

و هو لا يمكن تعريفه إلا بأنه نية ثانوية غير مؤكدة تختلج بها نفس الجانى الذى يتوقع أن قد يتعدى فعله الغرض المنوى عليه بالذات إلى غرض آخر لم ينوه من قبل أصلاً فيمضى مع ذلك فى تنفيذ الفعل فيصيب به الغرض الغير المقصود .

و مظنة وجود تلك النية هى إستواء حصول هذه النتيجة و عدم حصولها لديه . و المراد بوضع تعريفه على هذا الوجه أن يعلم أنه لابد فيه من وجود النية على كل حال و أن يكون جامعاً لكل الصور التى تشملها تلك النية مانعاً من دخول صور أخرى لا نية فيها داعياً إلى الإحتراس من الخلط بين العمد و الخطأ .

و الضابط العملى الذى يعرف به وجود القصد الإحتمالى أو عدم وجوده هو وضع السؤال الآتى و الإجابة عليه :” هل كان الجانى عند إرتكاب فعلته المقصودة بالذات مريداً تنفيذها و لو تعدى فعله غرضه إلى الأمر الإجرامى الآخر الذى وقع فعلاً و لم يكن مقصوداً له فى الأصل أم لا ؟ ” فإن كان الجواب بالإيجاب تحقق وجود القصد الإحتمالى ، أما إن كان بالسلب فهناك لا يكون فى الأمر سوى خطأ يعاقب عليه أو لا يعاقب بحسب توفر شروط جرائم الخطأ و عدم توفرها .

ثم إن الإجابة على هذا السؤال تنبنى طبعاً على أدلة الواقع من إعتراف أو بينات أو قرائن . و عليه فالقصد الإحتمالى لا يتحقق فى صورة ما إذا قصد المتهم قتل زيد فوضع له مادة سامة فى قطعة حلوى و أعطاها له ليأكلها فإستبقى زيد هذه القطعة و جاء بكر فوجدها فأكل منها فمات فإن المتهم فى هذه الحالة يعاقب بتهمة الشروع فى قتل زيد فقط و لا تجوز معاقبته بتهمة قتل بكر بإدعاء أن القصد الإحتمالى قد تحقق لأن النية الثانوية غير موجودة بل الموجودة نية متركزة منصبة كلها على الغرض الأصلى المقصور بالذات مقصورة عليه و غير متجاوزة له إلى أى غرض إجرامى آخر

( الطعن رقم 1835 لسنة 47 ق ، جلسة 1930/12/2).

(2) ولقد انتقد اغلب الفقهاء القضاء المار ذكره اذ يخلط ما بين القصد الاحتمالي والجريمة متعدية القصد إذ قول النقض بتحقق القصد الاحتمالي متي كان الجانى عند إرتكاب فعلته المقصودة بالذات مريداً تنفيذها و لو تعدى فعله غرضه إلى الأمر الإجرامى الآخر الذى وقع هو بعينه الجريمة متعدية القصد.والحق أن ما اصطلح علي تسميته القصد الاحتمالي هو في حقيقته قصد جنائي غير مباشر إذ قد يتجه قصد الجاني مباشرتا الي ارتكاب جريمة ما ويتجه قصده بطريقة غير مباشرة الي ارتكاب جريمة اخري فالقصد الجنائي متوافر في الحالتين غايه الأمر انه في الأول مباشر وفي الاخر غير مباشر.

اما اذا انتفي العمد اصلا فلا قصد مطلقا وان جاز البحث في ركن الخطأ.

(3) ويبدوا من أحكام النقض الحديثة أنها ولئن اقرت نظرية القصد الاحتمالي إلا أنها تتشدد في اعمالها إذ تلزم قضاه الموضوع بايراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه ، فلا يكفي فى هذا المقام أن يتحدث الحكم عن استطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلي.

وتطبيقا لذلك قضت بأنه لما كان ما أورده الحكم فى معرض تدليله على توافر نية القتل قد شابه اضطراب وتناقض فى التدليل إذ خلط الحكم فى الاستدلال على توافر تلك النية بين القصد الجنائي المباشر والذى يفترض أن نتيجــة الاعتــداء مرغوبـا فيهـا علـى نحـو يقيني أو متـلازم ، وقـد دلـل عليـه الحكـم بأن نية إزهاق الروح قد توافرت لدى الطاعنين ،

وبين القصد الجنائي الاحتمالي الذى يقوم مقام القصد الأصيل فى تكوين ركن العمد ، وهو نية ثانوية تختلج بها نفس الجاني ، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الإجرامية التي لا يتغياها بالدرجة الأولى فيمضى مع ذلك فى تنفيذ الفعل ، مستويًا لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها، ومن ثمّ يجب لتوافر القصد الاحتمالي فى جريمة القتل العمد أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجنى عليه كأثر ممكن لفعله وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة،

وينبغي على الحكم الذى يقضى بإدانة متهم فى هذه الجناية استنادًا إلى توافر القصد الاحتمالي لديه أن يعنى بالتحدث استقلالاً عن اتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجنى عليه، متمثلاً فى قبول تحقق هذا الغرض إلى جانب الغرض الأول الذى استهدفه بفعله ، وأن يورد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه ، فلا يكفيه فى هذا المقام التحدث عن استطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلي وقبول إزهاق روح المجنى عليه ،

ولما كان ما أورده الحكم تدليلاً على توافر ذلك القصد بصدد وقائع قتل المجنى عليهم الآخرين والشروع فيه خلاف المجنى عليهما من أفراد عائلة …. قد وقف عن حد التدليل على إمكان توقع تحقق وفاة وإصابة المجنى عليهم كأثر لفعل الطاعنين باعتبار أن ذلك من النتائج المألوفة دون أن يُعنى بالكشف عن توافر التوقع الفعلي لدى الطاعنين واتجاه إرادتهم نحو إزهاق روح المجنى عليهم سيما وأن من بينهم والد الطاعن الثاني ووالدة الطاعن الثالث

وبذلك يكون الحكم قد جمع بين القصد الجنائي المباشر وغير المباشر ودلل على توافر كل منهما بغية الوصول إلى توافر نية القتل فى حق الطاعنين رغم ما بين القصدين من تعارض ، ومن ثم يكون الحكم معيبًا فى هذا الصدد – فضلاً عن القصور فى التسبيب – بالاضطراب والتناقض فى التدليل بما يستوجب نقضه .

(الطعن رقم 16692 لسنة 83 جلسة 2014/04/13)

وقضت محكمة النقض أيضا بأنه من المقرر أن القصد الاحتمالى هو نية ثانوية تختلج بها نفس الجانى، قوامه أن يتوقع أن فعله يمكن أن يحدث النتيجة الاجرامية التى لا يتغياها بالدرجة الأولى، فيمضى مع ذلك في تنفيذ الفعل، مستوياً لديه حصول هذه النتيجة أو عدم حصولها بما يوفر لديه قبول تحققها، ومن ثم يجب لتوفر القصد الاحتمالى في جريمة القتل العمد أن يكون الجاني قد توقع وفاة المجنى عليه كأثر ممكن لفعله، وأن يقبل ويرضى بتحقق هذه النتيجة،

وينبغى على الحكم الذى يقضى بإدانة متهم في هذه الجناية إستناداً إلى توافر القصد الاحتمالى لديه أن يعنى بالتحدث إستقلالاً عن إتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجنى عليه، متمثلاً في قبوله تحقق هذا الغرض إلى جانب الغرض الأول الذى إستهدفه بفعله، وأن يورد الأدلة التى تدل عليه وتكشف عنه، فلا يكفيه في هذا المقام التحدث عن إستطاعة المتهم التوقع أو وجوبه بل يجب عليه أن يدلل على التوقع الفعلى وقبول إزهاق روح المجنى عليه. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد تحدث عن نية القتل بقوله:

“وحيث أن جريمة القتل العمد فقد تطلب الشارع قصداً خاصاً فيها وهو ضرورة توافر نية القتل كما تقوم ذات الجريمة إذا ما توافر القصد الاحتمالى وهو الحالة الذهنية للشخص الذى يتمثل النتائج الممكنة أو المحتملة لفعله أو الذى يعلم أن وضعاً إجرامياً معيناً يمكن أن ينشأ من نشاطه بحيث لا يكون تحقق هذه النتائج أو هذا الوضع داخلاً في الهدف أو الدافع إلى النشاط ولكنه يريده أى يريد النشاط، وعلى ذلك فإن الجاني قد يتعمد جريمة معينة فتتحقق بدلاً منها جريمة أخرى أو قد تتحقق الجريمة المقصودة ومعها جريمة ثانية فطبقاً لنظرية القصد الاحتمالى ينبغى مساءلة الجاني عن جميع النتائج التى تحصل إذا كانت مقبولة أو بالأقل متوقع حدوثها.

وإذ كان ذلك، وكان المتهم قد جذب المجنى عليها داخل المنزل المهجور لهتك عرضها وحال تنفيذه لتلك الجريمة وضع يده على فيها وأنفها فإن ذلك الفعل من جانب المتهم هو الذى أدى إلى وفاة المجنى عليها نتيجة إسفكسيا كتم النفس كما أورى تقرير الصفة التشريحية وأن تلك النتيجة التى ترتبت على فعل المتهم مألوفة ومتوقعة نتيجة وضع اليد على فاها وأنفها وكتم نفسها وبالتالى حقق جريمته المقصودة وهى هتك العرض كما تحقق معها جريمة أخرى كنتيجة للأولى وهى جريمة القتل العمد لتوافر القصد الاحتمالى في حقه”.

ولما كان ما أورده الحكم في هذا الخصوص، وما ساقه من أدلة الثبوت إستدلالاً منه على توافر نية القتل في حق الطاعن قد وقف عند حد التدليل على إمكان توقع تحقق وفاة المجنى عليه كأثر لفعل الطاعن – بإعتبار أن ذلك من النتائج المألوفة – دون أن يعنى بالكشف عن توافر التوقع الفعلى لدى الطاعن وإتجاه إرادته نحو إزهاق روح المجنى عليه فإنه يكون مشوباً بالقصور

(الطعن رقم 10639 لسنة 66 جلسة 1997/04/03 س 48 ع 1 ص 420 )

(4) والواقع أن الأخذ بنظرية القصد الاحتمالي علي شذوذها وتعميمها_دون نص_ يفضي إلى الخلط ما بين القصد الجنائي و ركن الخطأ مع التبصر وهي نتيجة لم تغب عن بال الفقه ولقد حاول العلامة المرحوم الدكتور محمود نجيب حسني في مؤلفة القصد الجنائي أن يضع معيار للتفرقة حاصله عدم تحقق القصد الاحتمالي إلا بتوقع الجاني حصول النتيجة _كوفاة المجني عليه مثلا في جريمة القتل_ كأثر ممكن لفعله وقبوله بتحقق هذه النتيجة الي جانب الجريمة الاصليه التي استهدفها بفعله.

اما مجرد استطاعة المتهم توقع النتيجة أو وجوبه فغير كاف لدي سيادته لتحقق هذا القصد إذ لا يعدوا أن يكون خطا مع التبصر لا يحرك المسؤوليه الجنائيه عن جريمة عمدية بل يحقق فحسب ركن الخطأ. وهو ما نراه محل نظر لأن توقع النتيجه ثم قبولها هو قصد جنائي مباشر تتجه فيه الارادة الي أحداث النتيجة وفي جميع الأحوال لا تكون النتيجه اكيدة بل متوقعه فمن يطلق النار على غيره بقصد قتله لا يملك سوي توقع النتيجة وهي الوفاة اما تحقق النتيجة فعلا فامر خارج عن إرادته إذ قد تتحقق أو لأ تتحقق.ولهذا كان توقع النتيجة كاثر للفعل هو قصد جنائي عادي أو بالاحري قصد مباشر.

ولا نبعد عن الحقيقة إذ قررنا أن الاخذ بنظرية القصد الاحتمالي حسبما ذهبت محكمة النقض واجتهادات الفقه في إيجاد منطقه لها تميزه عن الخطأ مع التبصر وتعميمها بشأن كافة الجرائم علي شذوذها محل نظر لانها في رأينا احد صور المسؤولية الموضوعية المتمثلة في تحمل الجاني نتيجه جريمة لم يقصدها مادام قصد تحقق جريمة أخري. وتلك المسوؤلية علي شذوذها لا يصح تقريرها الا بنص.

وهو ما نحاه المشرع في العديد من النصوص كالضرب المفض الي موت والحريق العمد الذي ترتب عليه وفاه شخص أو أكثر ومسؤولية الشريك عن الجرائم الاخري التي يرتكبها الفاعل متي كانت نتيجة محتملة للجريمه التي قصد الاشتراك فيها وكذا مسؤليه المشارك في التجمهر عن الجرائم التي يرتكبها غيره من المتجمهرين متي كانت نتيجة محتملة للتجمهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *