دراسة حول المسؤلية التقصيرية – بحث قانوني متميز

دراسة حول المسؤلية التقصيرية – بحث قانوني متميز

 

الفعل الضار
المسؤولية التقصيرية إحدى أنواع المسؤولية المدنية، وتنشأ من حدوث إخلال بالتزام معيّن فرَضَه القانون، وهو عدم الإضرار بحقوق الآخرين، وإن حدث مثل هذا الضرر فإنّ المسؤولية التقصيرية للشخص مُحدِث الضرر تقوم مما يترتب عليه التعويض للشخص المتضرر، ولا تعد المسؤولية التقصيرية حديثة الوجود، حيث ظهرت منذ القدم في القانون الفرنسي القديم، ثمّ انتقلت إلى القانون الفرنسيّ الحديث عام 1804، ولم يقتصرْ ظهورها على القانون الفرنسي، بل نصّت تشريعات عدّة عليها كالقانون الأردني والعراقي والمصري وغيرها، وهناك علاقة وثيقة بين المسؤولية التقصيرية والتطور الصناعي والتكنولوجي، فبعد ظهور وسائل النقل والآلآت الحديثة التي تزيد فرصة إحداث الضرر للإنسان في تحرّكاته اليوميّة، وهذا يعني أن المسؤولية التقصيرية هدفها الأساسي حماية الإنسان من الأضرار.

بحث حول المسؤولية التقصيرية
على الرّغم من أنّ المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية هما نوعان لمسؤولية واحدة وهي المسؤولية المدنية إلا أنه لا يجوز الجمع بينهم، فقديمًا كان يحاول الباحثيون الجمع بين المسؤوليّتين وعدم التفرقة بينهم، إلا أن جميع محاولاتهم كتب لها الفشل، فالمسؤولية العقدية تنشأ نتيجة الإخلال بالتزام عقدي، أي أثر مترتب على مخالفة أحد شروط العقد، أما المسؤولية التقصيرية مصدرها القانون، وتنشأ نتيجة الإخلال بواجب فرضه القانون ألا وهو عدم الإضرار بالآخرين، حيث إن الالتزام العقدي ينبغي أن تتوفّر فيه الأهلية حتى تقوم المسؤولية العقدية، أما المسؤولية التقصيرية فلم تشترط الأهلية لقيامِها، ويمكن التنازل عن المسؤولية العقدية لأنها لا تتعلق بالنظام العام، على عكس المسؤولية التقصيرية التي لا يجوز التنازل عنها لأنها متعلقة بالنظام العام.[١]

على الرّغم من عدم جواز الجمع بين المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية بتاتًا
إلا أنّ هناك اتجاهًا قويًّا من الفقهاء والقضاء نحو الجواز في الخيرة بين المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية، وتعني الخيرة أنه يجوز للشخص المتضرر أن يعتبر الفعل الذي سبّب له ضررًا إما راجعًا للمسؤولية العقدية أو للمسؤولية التقصيرية، فإذا قام باختيار إحدى الدعوتين السابقتين، فيترتب عليه السير بها وعدم الرجوع عنها لاختيار الدعوى الأخرى، أمّا الإتجاه الآخر وهو الأقرب للواقع فكان لا يجيز الخيرة بين المسؤوليتين السابقتين بأي حال من الأحوال، لأن كلا المسؤولتين تنتج عن التزامات مختلفة، كالمسؤولية التقصيرية التي تنتج عن الاختلال بالتزام قانوني والمسؤولية العقدية التي تنتج عن الإخلال بشروط العقد، وأجاز هذا الاتجاه الخيرة بين المسؤوليتين إذا كان هناك فعل يعدّ إخلالًا بالتزام عقدي وقانوني معًا، كأن يرتبط مع عدم الوفاء بالتزام عقدي جريمة جنائية، كأن يمتنع المودع له عن رد الشيء المودع عنده وتتوفّر في فعلته أركان جريمة إساءة الأمانة.[٢]

إن أساس المسؤولية التقصيرية يعود للأسباب التي دفعت القوانين على الأخذ بها
فالمسؤولية التقصيرية تعود للأضرار التي وقعت على الأفراد في مجتمع ما، ففي أيّ مجتمع قد تقع الأضرار وتزداد هذه الأضرار بزيادة عدد السكان وكثافتهم، الذين يسعون إلى تحقيق حاجاتهم وإشباع مصالحهم، مما يؤدي في بعض الأحيان إلى الضرر ببعضهم البعض، فكان لِزامًا الأخذ بالإجراءات الوقائية التي تحد من هذه الأضرار وتقلل من ارتكابها، عن طريق تحميل كلّ فرد مسؤولية ما أوقعه من أضرار على الآخرين نتيجة إنحراف سلوكه عمّا هو مألوف، لأن المسؤولية تؤسس على فكرة الخطأ، بحيث لا وجود للمسؤولية التقصيرية إلا بوجود الخطأ، فمن يقدم على ممارسة نشاط ما يتسبب به بالضرر لشخص آخر لزم عليه استحقاق تعويضه عما لحق به من ضرر.[٣]

تُعرّف المسؤولية التقصيرية على أنّها
“الحالة التي تتكوّن خارج إطار الالتزام العقدي، ويكون مصدرُها القانون”، فإذا قام شخص ما بارتكاب سلوك معين من شأنه أن يسبّب ضررًا للآخرين فعندها تقوم مسؤوليته ويترتب عليه التعويض، وحتّى تقوم المسؤولية التقصيرية يجب توفّر عدة أركان رئيسة وهي: الخطأ والضرر والعلاقة السببيّة، أمّا الخطأ يُعرف على أنّه: “انحراف الشخص في سلوكه المعتاد في المجتمع”، فهناك التزام يقع على جميع أفراد المجتمع بعدم إتيان أيّ تصرف قد يضرّ بغيرهم، وقد اختلف الفقهاء حول نوع هذا الخطأ، فذهب الاتجاه الأول على اعتباره شخصيًا، ويجب أن يتوفّر بهذا النوع ركنان هما: الفعل الذي لا يجيزه القانون والذي يسبب اعتداءً على حقوق الآخرين.[٤]

بالإضافة إلى ركن آخر وهو أن تتجه إرادة الشخص إلى إحداث مثل هذا الضرر
أما الاتجاه الثاني اعتبر أن هذا الخطأ يسمّى الخطأ الموضوعي، والذي له ركن واحد فقط وهو مجرد قيام الشخص بفعل مخلّ لالتزام محدد في القانون يكفي لقيام المسؤولية التقصيرية دون الحاجة للبحث عن إرادة الفاعل وتمييزه، ويشترط في الخطأ أن يكون مباشرًا، أي أن يكون الفعل الذي أتاه الشخص هو السبب الوحيد للضرر، بالإضافة إلى شرط التسبب والذي يعني أنّ ارتكاب شيء ما يقضي عادةً إلى تلف شيء آخر ويقال لفاعله متسبب، أما الركن الثاني وهو الضرر، ويُقسّم إلى ضرر معنويّ وضرر ماديّ، ويعني الضرر المعنويّ الضرر الذي لا يصيب الذمة المالية للشخص بل يمس أخلاقه ومشاعره كأن يقوم شخص بنشر صور شخص آخر دون أخذ إذنه، ويعني الضرر المادي الضرر الذي يصيب الذمة المالية للشخص المتضرر كحرق منزله، وآخر ركن العلاقة السببية، والتي تعني أن يكون الضرر نتيجة الخطأ، وفيما تقدّم بحث حول المسؤولية التقصيرية موجَز وموضِّح.[٤]

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-↑ عبدالقادر العرعاري (2011)، المسؤولية المدنية (الطبعة الثالثة)، الرباط-المغرب: دار الأمان، صفحة 14-16.بتصرّف.
2-↑ سمير عبدالسيد تناغو (2009)، مصادر الإلتزام (الطبعة الأولى)، الإسكندرية-مصر: مكتبة الوفاء القانونية، صفحة 220-221. بتصرّف.
3-↑ عزالدين ناصوري،عبدالحميد الشواربي (1988)، المسؤولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء، مصر-الإسكندرية: دار الكتب والدراسات العليا، صفحة 55، جزء الأول. بتصرّف.
4-^ أ ب عدنان السرحان، نوري خاطر (2012)، شرح القانون المدني مصادر الحقوق الشخصية الإلتزامات (الطبعة الخامسة)، عمان-الأردن: دار الثقافة للنشر والتوزيع، صفحة 356-428. بتصرّف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *