دراسة حول عقد نقل التكنولوجيا وتكوينه القانوني

دراسة حول عقد نقل التكنولوجيا وتكوينه القانوني.

 أولاً: النصوص القانونية ونطاق التطبيق:

طبقاً لحكم المادة (72/1) تجاري، تسري أحكام المواد المنظمة لعقد نقل التكنولوجيا والواردة بالفصل الأول من الباب الثاني الخاص بالالتزامات والعقود التجارية، على عقد نقل التكنولوجيا بقصد استخدامها داخل مصر سواء كان هذا النقل دولياً يقع عبر الحدود الإقليمية لمصر أو داخلياً. هذا ولا أثر لجنسية الأطراف أو محال إقامتهم سواء في النقل الدولي أو الداخلي للتكنولوجيا.

وبناء على ذلك يخضع لأحكام قانون التجارة كل عقد يكون محله نقل تكنولوجيا سواء كان هذا النقل داخل مصر أو كان نقلاً من خارج مصر إلي داخلها.هذا ولا نتفق مع الرأي القائل بأن نطاق تطبيق أحكام عقد نقل التكنولوجيا المشار إليها يقتصر على العقود التي تنفذ داخل مصر فقط([1])، إذ قد يتفق بين الطرفين على تصنيع وتنفيذ المواد المراد انتاجها بالتكنولوجيا محل العقد بالخارج لاستخدامها داخل مصر كما هو الشأن عند الاتفاق على تصنيع أقمار صناعية أو طائرات بتكنولوجيا متقدمة خارج مصر ولكن بقصد استخدامها داخل مصر، ففي مثل هذه الحالات يخضع هذا العقد لأحكام قانون التجارة المصري.

كما تطبق أحكام قانون التجارة المشار إليها سواء كانت عقود نقل تكنولوجيا أو كان اتفاق نقلها وارداً ضمن عقد آخر.

ثانياً: التعريف بعقد نقل التكنولوجيا:

هناك الكثير من التعريفات التي وضعها الفقه لعقد نقل التكنولوجيا([2]) نكتفي في هذا المجال بذكر التعريف الذي أتي به قانون التجارة رقم 17/1999 المشار إليه طبقاً لما جاء بالمادة (73) وهو:

«عقد نقل التكنولوجيا اتفاق يتعهد بمقتضاه (مورد التكنولوجيا) بأن ينقل بمقابل معلومات فنية إلي (مستورد التكنولوجيا) لاستخدامها في طرق فنية خاصة لإنتاج سلعة معينة أو تطويرها أو لتركيب أو تشغيل آلات أو أجهزة أو لتقديم خدمات. ولا يعتبر نقلاً للتكنولوجيا مجرد شراء أو بيع أو تأجير أو استئجار السلع. ولا بيع العلامات التجارية أو الأسماء التجارية أو الترخيص باستعمالها، إلا إذا ورد ذلك كجزء من عقد نقل التكنولوجيا أو كان مرتبطاً به».

ويتضح من هذا التعريف أن محل عقد نقل التكنولوجيا، يجب أن يكون نقلاً لمعلومات فنية لإنتاج سلعة معينة أو لتطويرها، أو لتقديم خدمات فنية. ويترتب على ذلك أن قصر العقد على بيع أو شراء معدات أو قطع غيار أو شراء علامة تجارية أو الحصول على ترخيص باستعمالها لا يعد نقلاً لتكنولوجيا. ولكن يمكن أن يعد كذلك إذا كان هذا الشراء أو الترخيص بالاستعمال تابعاً لعقد نقل معرفة فنية أو جزءاً من هذا العقد أو مرتبطاً به.

ثالثاً: تكوين العقد:

وفقاً للقواعد العامة فإن عقد نقل التكنولوجيا، شأنه في ذلك شأن باقي العقود، يتم بتراضي أطرافه، فهو من العقود الرضائية المؤسسة على مبدأ سلطان الإرادة. بمعني أن هذا العقد يتم وينعقد باتفاق أطرافه وتلاقي إرادتهم على شروط هذا العقد.

علي أنه إذا كانت هذه هي القاعدة العامة إلا أن بعض التشريعات تشترط شكلاً معيناً في عقد نقل التكنولوجيا كما هو الشأن بالنسبة لقانون التجارة المصري السابق الإشارة إليه حيث قرر في المادة (74/1) على أنه:
يكون عقد نقل التكنولوجيا مكتوبًا وإلا كان باطلاً.

وحكم هذا النص، اعتبار الكتابة ركناً في عقد نقل التكنولوجيا يترتب على فقدانها بطلان العقد. كما اشترط المشرع المصري في الفقرة الثانية من ذات المادة (74) أن يشتمل العقد على بيان عناصر المعرفة التي تنقل إلي مستورد التكنولوجيا وتوابعها([3]).كما أجاز المشرع أن يرد ذكر هذا البيان مصحوباًُ بدراسات الجدوي والتصميمات والرسوم الهندسية والخرائط والصور وبرامج الحاسب الآلي وغيرها من الوثائق الموضحة للمعرفة في ملاحق ترفق بالعقد وتعتبر جزءاً منه.

وقصد المشرع المصري من اشتراط كتابة عقد نقل التكنولوجيا وإلا كان باطلاً وكذلك بيان وافي للمعرفة الفنية محل العقد بكامل مستنداتها ودراستها، حماية الطرف متلقي التكنولوجيا في مواجهة مورد التكنولوجيا وتحديد التزامات الأطراف كتابة بكل دقة منعاً للخلافات التي تنتهي غالباً لصالح مورد التكنولوجيا.

رابعاً: مدة العقد:

يخضع تحديد مدة العقد بصفة عامة لحرية أطرافه. فللمتعاقدين اشتراط المدة التي يريانها مناسبة لتحقيق الهدف من التعاقد. ويعد هذا تطبيقاً للقواعد العامة القائمة على مبدأ حرية التعاقد وسلطان الإرادة.

علي أن طبيعة عقد نقل التكنولوجيا تقتضي من طرفيه تحديد هذه المدة في ضوء التطورات التي تطرأ على التكنولوجيا محل العقد ومواكبتها للتطور التكنولوجي في مجال استخدامها. إذ قد يترتب خلال فترة التعاقد انخفاض في القيمة الفنية للتكنولوجيا في مجال استخدامها، أو انعدام قيمتها كلية نتيجة ظهور تكنولوجيا جديدة في ذات المجال بأقل تكلفة وأكثر فاعلية.فتصبح عبئاً على متلقي التكنولوجيا سواء من الناحية المالية أو العائد الفني من محل العقد.

وقد راعي المشرع التجاري طبيعة هذا العقد وأهمية المدة فيه فنص في المادة (86) منه على أنه «يجوز لكل من طرفي عقد نقل التكنولوجيا بعد إنقضاء خمس سنوات من تاريخ العقد أن يطلب إنهاؤه أو إعادة النظر في شروطه بتعديلها بما يلائم الظروف الاقتصادية العامة القائمة ويجوز تكرار تقديم هذا الطلب كلما انقضت خمس سنوات ما لم يتفق على مدة أخرى».

ومفهوم النص المشار إليه، أنه يحق لأي من طرفي عقد نقل التكنولوجيا، إذا زادت مدته على خمس سنوات أن يطلب بعد مضي خمس سنوات إما إنهاء العقد أو إعادة النظر في شروطه بتعديلها بما يتناسب والظروف القائمة وقت طلب هذا التعديل. وهذا الحق لكل من مورد التكنولوجيا أو متلقيها. على أن هذا الحق لا يمنع الطرف الآخر من رفض إعادة النظر في شروط التعاقد أو إنهائه رغماً عنه،

حيث لا يتضح من صياغة نص المادة (86) أنه نص آمر.بمعني أن تقرير حق أي من المتعاقدين في طلب إعادة النظر في شروط التعاقد أو طلب إنهاء التعاقد ليس من النظام العام وإنما يمثل قاعدة مقررة عند عدم الاتفاق على خلافها، بل إنه لا يضع جزاء أو التزاماً للطرف الرافض لإنهاء العقد أو تغيير شروط التعاقد رغم وجود ظروف تستدعي ذلك. على أن هذا لا يمنع الطرف المتضرر من الالتجاء إلى القضاء فى ضوء نص المادة (86) سالفة الذكر.

وإذا كانت مدة العقد طويلة نوعاً ما، فإن الحق في طلب إعادة النظر في شروطه أو إنهائه يمكن أن تتكرر كل خمس سنوات ما لم يتفق على مدة أخري، بمعني أنه يجوز الاتفاق على مدة أكثر من خمسسنوات لطلب إعادة النظر في شروط التعاقد أو إنهائه كما يجوز الاتفاق على مدة أقل.

ويبدو أن المشرع أراد من النص المشار إليه تنبيه المتعاقد المتلقي للتكنولوجيا إلي ضرورة مراعاة مدة العقد وألا تكون هذه المدة طويلة واشتراط مراجعة شروط التعاقد بعد مضي مدة معينة في ضوء التغيرات المتلاحقة لتقدم التكنولوجيا المماثلة أو البديلة حرصاً على مصالح المتلقي الاقتصادية.

خامساً: مرحلة التفاوض في عقد نقل التكنولوجيا:

قبل إبرام عقد نقل التكنولوجيا في أي صورة من صوره هناك مرحلة تمر بين الأطراف الراغبة في التعاقد قبل إبرام العقد هي مرحلة التفاوض بينهما، هذه المرحلة تعد في مجال عقود نقل التكنولوجيا من أهم المراحل التي يمر بها هذا العقد.هذه المرحلة يحاول الفقه من خلالها دراسة المراكز القانونية للأطراف المتفاوضة والالتزام بالسرية للمعلومات الفنية محل التعاقد. وسوف نشير إلي المقصود بالتفاوض والتزامات الطرفين خلال مرحة التفاوض.

سادساً: المقصود بالتفاوض في عقد نقل التكنولوجيا:

يتميز عقد نقل التكنولوجيا بتمتعه بسمات وخصائص تميزه عن غيره من العقود بصفة عامة، فهو من العقود التي تبرم بناء على قررات ودراسات متعاقبة بين أطرافه تأخذ عادة مدداً ليست بالقصيرة، وتظل تدريجياً بين الأطراف إلي أن تصل في النهاية إلي اتفاق نهائي يتسم بمحاولة التوفيق بين الرغبات المتعارضة والمتبادلة بين أطرافه. أي أن عقد نقل التكنولوجيا يحتاج في تكوينه عادة إلي مرحلة زمنية تفصل بين الإيجاب الصادر من طالب التكنولوجيا ومتلقيها وقبول الطرف الآخر مانح التكنولوجيا، هذه الفترة الزمنية يتم خلالها عدة لقاءات بين الطرفين يبدي كل طرف خلالها آرائه وأهداف تعاقده وأسباب اختياره لهذه التكنولوجيا دون غيرها.

ويطلق على هذه الفترة فيما بين تلقي العروض والموافقة عليها مرحلة التفاوض، التي توصل إليها في سبيل اختياره التكنولوجيا محل العقد وتفضيلها عن مثيلاتها، ويتبادل الأطراف المناقشة حول كل ما يتصل بالعقد مثل المقابل وكيفية سداده ودرجة وكفاءة التكنولوجيا وسند الملكية.

والمفاوضات لا تخضع كقاعدة عامة لشكل معين أو قالب قانوني محدد، فقد تتم شفاهه أو بطريق المراسلات أو تبادل الرسومات التوضيحية المؤيدة بلقاءات وإجتماعات مستمرة بين الطرفين ومتابعة نتائج مراحل المفاوضات وتحديد المرفوض والمقبول منها تباعاً.

وهذه المفاوضات لا شك بعد إقرارها بصفة نهائية وصياغتها كتمهيد للعقد تعد اما جزءاً لا يتجزأ من بنوده إذا ما رغب أطرافه ذلك وإما هادياً لهم عند الاختلاف في تفسيره أو تنفيذه حيث تمثل المفاوضات في الواقع أهمية قانونية كبيرة لإيضاح غايات وأهداف التعاقد والأسباب الدافعة لإبرامه.

ويراعي أن هناك مرحلة يمر بها الطرف الراغب في التعاقد على نوع من أنواع المعرفة الفنية، سابقة على مرحلة التفاوض، يطلق عليها الاختيارات التكنولوجية، وهي تمثل الجهد والبحث الذي قام به في سبيل اختيار التكنولوجيا الملائمة واستقراره على نوع معين ومحدد وبأوصاف خاصة ومن مصانع أو إنتاج الطرف الآخر الذي يرغب في التعاقد معه كسابقة خبراته في هذا المجال. بمعني أن مرحلة التفاوض تأتي لاحقة لمرحلة الاختيار والتي يقوم بها الطالب وحده في سوق التكنولوجيا ليحدد النوع الذي يأمل التعاقد عليه والذي استقر عليه بناء على دراساته الاقتصادية والفنية ودراسات الجدوي التي قام بها الخبراء التابعين له.

والمفاوضات المبدئية بين الأطراف الراغبة في التعاقد على نوع من أنواع التكنولوجيا تعني عرضاً من الراغب في التعاقد لما يريد الاتفاق عليه وعناصر هذا العرض والأهداف المراد تحقيقها من هذا التعاقد وكذلك عرضاً لمعلوماته التي قام بتجميعها في شأن مزايا التكنولوجيا محل العقد والأنواع المثيلة لها والمقارنات التي توصل إليها في سبيل اختياره التكنولوجيا محل العقد عن مثيلاتها. ويتبادل الأطراف المناقشة حول كل ما يتصل بالعقد مثل المقابل وكيفية سداده ودرجة كفاءة التكنولوجيا وسند الملكية.

ويجب أن يراعي عند التفاوض أن يتم عرض الرغبات ومزايا التكنولوجيا محل العقد وشروط الأطراف وفقاً لمبدأ حسن النية. بمعني أن تتم المفاوضات بأمانة وجدية. فالالتجاء إلي الطرق الملتوية في عرض مزايا وعوائد التكنولوجيا محل التعاقد على خلاف الحقيقة قد يؤدي إلي أسوأ نتائج خلال تنفيذ العقد وقد يؤدي إلي تفويت الأهداف الباعثة والدافعة لتعاقد طالب التكنولوجيا.

 

——————————————————————————————

(1) في هذا الخصوص د.هاني سري الدين نقل التكنولوجيـا طبعة 2001 دار النهضة العربية.

(2) في هذا الخصوص بحثنا بعنوان: تقييم شروط الاتفاق والالتزام بالضمان في عقود نقل التكنولوجيا والمراجع المشار إليها به.مجلة مصر المعاصرة – السنة السابعة والسبعون – العدد 406 أكتوبر 1986.

(3) د. محسن شفيق – نقل التكنولوجيا من الناحية القانونية – مطبعة جامعة القاهرة والكتاب الجامعى 1984.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *