دراسة شاملة حول معالم الوسطية في نظرية التشريع الاجتهادي وأثرها في تحقيق الأمن والتعايش

دراسة شاملة حول معالم الوسطية في نظرية التشريع الاجتهادي وأثرها في تحقيق الأمن والتعايش

معالم الوسطية في نظرية التشريع الاجتهادي

وأثرها في تحقيق الأمن والتعايش

د. محمد ورنيقي د.عبد الحق الإدريسي

جامعة الأغواط ، الجزائر دار الحديث الحسنية الرباط -المغرب.

Abstract:

Moderation is a holistic method/approach and a general purpose that governs Islamic legislations either as a basis serving extrapolation, an aim that directs discretion, or as a regulator that rules revelation. Islamic legislation, accordingly, is moderate in all of its terms and aspects; in religion as in belief, law, morals, worship and conduct. Islamic legislation has indeed included a moderate method/approach in law-making that protects society from temptations and dissesion, and preserves it from extremism and intransigence. It is a comprehensive system for both religion and state; a/an method/approach that puts on the same level the educational dimension and the injunctive one, the authority of the text and the role of discretion in the elaboration of the legislations which organize public affairs, the authority of tradition in defining intrests and the importance of reason in descerning those interests, the authority of the individual and that of the nation in the administration of public affairs.

One of the fields that reflect this moderate approach/method is jurisprudential legislation, which aims to apply revealed/revelation resolutions to reality variants and implement the terms of jurisprudential discretion in the administration of of public affairs and the cultural, intellectual, educational, political and economic life matters according to the religion’ values and principles.

ملخص

الوسطية منهج كلي ومقصد عام يحكم التشريعات الإسلامية سواء كأصل يخدم الاستنباط، أم كمقصد يوجه الاجتهاد، أم كضابط يحكم التنزيل، و لذلك فالتشريع الإسلامي تشريع وسطي في كل مفرداته وجوانبه، شريعة واعتقادا، قانونا وأخلاقا، تعبدا وسلوكا… فالشريعة الإسلامية تضمنت المنهج الوسط في التشريع الذي يعصم المجتمع من الفتن والفرقة، ويبعدهم عن التطرف والتشدد، فهو نظام شامل للدين والدولة، و منهج يوازن بين البعد التربوي و البعد الزجري، وهو كذلك يوازن بين سلطة النص ودور الاجتهاد في بناء التشريعات التي تنظم شؤون المجتمع، ويوازن بين سلطة النقل في تحديد المصالح ومكانة العقل في إدراكها، ويوازن بين سلطة الفرد وسلطة الأمة في تدبير الشأن العام.

ومن المجالات التي تعكس هذا المنهج الوسط مجال “التشريع الاجتهادي”، الذي يهدف إلى تطبيق مقررات الوحي على متغيرات الواقع. وتفعيل مفردات الاجتهاد الفقهي في توجيه الشأن العام، وتوجيه شؤون الحياة الثقافية والفكرية والتربوية والسياسية والاقتصادية بقيم الدين ومبادئه.

الكلمات المفتاحية: الوسطية، التشريع الإسلامي، الحاكمية، الأمن التشريعي

مقدمة

أجمعت كلمة العلماء سابقهم ولاحقهم على أن الإسلام دين وسط يتميز باليسر والرحمة، ويبتعد عن التطرف والتشدد في كل مجالاته، عقيدة وشريعة، فكرا وسلوكا. قال تعالى:”وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا[1]“.

والوسطية ضرورة إنسانية، ومطلب كوني، ومقصد عمراني، يتضمن قيم التوازن والاعتدال، ويشمل مفاهيم التسامح والرفعة والسمو ، ويؤول إلى مقاصد العدل والرحمة والصلاح والاستقامة، ويتشكل من مجموعة من القيم والمفاهيم المستنبطة من الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى تدبير الاجتماع العمراني وتوجيه السلوك الإنساني نحو اختيار العدل والرحمة والوسط من كل شيء من غير إفراط ولا تفريط.

ولهذا فالوسطية منهج كلي ومقصد عام يحكم التشريعات الإسلامية سواء كأصل يخدم الاستنباط، أم كمقصد يوجه الاجتهاد، أم كضابط يحكم التنزيل، ولذلك فالتشريع الإسلامي تشريع وسطي في كل مفرداته وجوانبه، شريعة واعتقادا، قانونا وأخلاقا، تعبدا وسلوكا…. مما يجعل الأمة الإسلامية أمةالعدالة والخيرية، ويؤهلها لأن تكون أمة الصلاح والاستقامة، ويحملها أمانة التوسط والاعتدال في البناء والعمران في كل جوانب الاجتماع البشري التعبدية والتربوية والاخلاقية والمادية من غير إفراط ولا تفريط.والوسطية في مفهومها العام، تعني الاعتدال في الاعتقاد والموقف والسلوك والنظام والمعاملة والأخلاق، وهذا يعني أن الإسلام دين معتدل غير جانح ولا مفرط في شيء من الحقائق، فليس فيه مغالاة في الدين، ولا تطرف ولا شذوذ في الاعتقاد، ولا استكبار ولا خنوع، ولا ذل ولا استسلام، ولا خضوع وعبودية لغير الله تعالى، ولا تشدد أو إحراج، ولا تهاون، ولا تقصير، ولا تساهل أو تفريط في حق من حقوق الله تعالى، ولا حقوق الناس، وهو معنى الصلاح والاستقامة[2].

ومن المجالات التي تعكس هذا المنهج الوسط مجال “التشريع الاجتهادي” لتنظيم شؤون الاجتماع البشري، الذي يهدف إلى تطبيق مقررات الوحي على متغيرات الواقع. وتفعيل مفردات الاجتهاد الفقهي في توجيه الشأن العام، وتوجيه شؤون الحياة الثقافية والفكرية والتربوية والسياسية والاقتصادية بقيم الدين ومبادئه.

هذا المجال شهد معارك وجدالات سياسية واعلامية بين مختلف مكونات المجتمع، هذه المعارك وصلت إلى حد التبديع أو التكفير، وأنتجت صراعات وخلافات أثرت على أمن المجتمعات واستقرارها.

وقد أجج هذه الصراعات الجهل بكثير من المفاهيم والقضايا التي لها تأثير على النظرية التشريعية في الإسلام، والوقوف منها إما موقف التفريط أو الافراط المنافي للمنهج الوسطي للإسلام، مثل: مفاهيم الدين والدولة، والحاكمية والمرجعية، وقضية سلطة النص ودور الاجتهاد البشري، ومكانة العقل الإنساني في مجال تدبير الشأن العام، ومسألة سلطة الفرد وسلطة الأمة، ومسألة الأغلبية ودور الأمة، وقيمة العقل البشري في الفهم والتنزيل .

إن استقرار المجتمع وأمنه التشريعي والقانوني يتوقف على الفهم السليم والراشد لهذه الشبكة من المفاهيم المركزية في الفكر الإسلامي التي تؤثر على نظرية التشريع، وتوجه فكر الأمة نحو بناء نظام سياسي وتشريعي وسطي. هذا الفهم الوسطي السليم يساهم في حل كثير من الاشكالات الفكرية والمنهجية التي تؤثر على نظرية التشريع، وتؤثر على أمن المجتمع واستقراره، مثل مفاهيم السلطة والأمة والجماعة والتشريع والحلال والحرام والاجتهاد والتقليد وقيمة العقل الإنساني في فهم النصوص الشرعية.

إن الجهل بالتأصيل الشرعي والفهم الوسطي لهذه القضايا والمفاهيم، نتج عنه امتناع البعض عن الالتزام بكثير من التشريعات والقوانين، والتهرب من الامتثال لها بدعوى أنها قوانين وتشريعات وضعية مخالفة للشرع، ومعارضة له. الأمر الذي دفع مجموعة من أفراد المجتمع، وكثيرا من الجماعات السياسية إلى نصب العداء للقانون وللمجتمع الذي يحتكم له، ومحاربتهما بذريعة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وظهرت بسبب ذلك فتن ومآسي فكرية واجتماعية وسياسية، عانت منها المجتمعات ولا زالت آثارها الوخيمة تعكر صفو الأمن والاستقرار والتعايش.

إن الشريعة الاسلامية تضمنت المنهج الوسط في التشريع الذي يعصم المجتمع من الفتن والفرقة، ويبعدهم عن التطرف والتشدد، فهو نظام شامل للدين والدولة مع نوع من التمييز الوسطي بين أحكام الديانة وأحكام الدولة والمدنية، من حيث طرق الاستنباط ومسالك التنزيل، وهو كذلك منهج يوازن بين البعد التربوي الاخلاقي للتشريع وبين البعد الزجري العقابي له، ويؤسس التشريع الاجتهادي والتدبير المجتمعي على نصوص الشرع ومقاصده، ويفتح المجال للاجتهاد المنضبط بقيم الشرع لتدبير شؤون الاجتماع البشري، وهو كذلك يوازن بين سلطة النص ودور الاجتهاد في بناء التشريعات التي تنظم شؤون المجتمع، ويوازن بين سلطة النقل في تحديد المصالح والمنافع ومكانة العقل في إدراك المصالح الدنيوية، ويوازن بين سلطة الفرد وسلطة الأمة في تدبير الشأن العام.

ولأهمية هذه القضايا وخطورتها على الأمن التشريعي للمجتمع، سنبين بعضها وفق المسائل التالية:

المسألة الأولى: وسطية التشريع الاجتهادي ومسألة المرجعية والحاكمية
المسألة الثانية: الموازنة بين مكانة العقل في العملية التشريعية وبين نصوص الشريعة ومبادئها
المسألة الثالثة: التشريع بين الإلزام الإلهي والإلزام الاجتهادي
المسألة الرابعة: وسطية التشريع الاجتهادي ومسألة التوحيد
المسألة الخامسة: التكليف حسب الإمكان من قواعد وسطية التشريع
المسألة السادسة: الموازنة بين الأساس الخلقي والزجري للتشريع الاجتهاد
المسألة السابعة: الموازنة والتمييز بين الحكم الإلهي والحكم الاجتهادي

المسألة الأولى:وسطية التشريع الاجتهادي ومسألة المرجعية والحاكمية

أثيرت مسألة الحاكمية وحُمل شعارها في المرحلة التي أراد المسلمون بناء الدولة المعاصرة، وأثيرت أسئلة كثيرة حول المرجعية والسلطة والسيادة في البناء السياسي والتشريعي للدولة الإسلامية المعاصرة. وقد أثّر السجال والصراع السياسي والفكري الذي شهدته هذه المسألة سلبا على النظرية التشريعية والقانونية الإسلامية.

وتأتي أهمية تناول مسألة “الحاكمية” أثناء بيان وسطية نظرية التشريع الاجتهادي باعتبار الحاكمية أصل ونظرية التشريع فرع عنها، ولذلك يعتبر فهم هذه القضية وتجلياتها التشريعية وأبعادها الوسطية له تأثير كبير على النظرية الإسلامية السياسية والتشريعية.

ولذا فمفهوم الحاكمية مفهوم مركزي في الفكر الإسلامي بمختلف أبعاده الفلسفية والتشريعيةوله ارتباط بشبكة أخرى من المفاهيم المحورية في العملية التشريعية على مستوى التأطير النظري والفكري. مثل مفهوم الحكم والحاكم بمختلف معانيهما الشرعية والتشريعية، ومفهوم الألوهية والعبودية والربوبية والتوحيد، ومفهوم الحلال والحرام.

إن التأصيل المنهجي والفهم الوسطي السليم لمسألة الحاكمية، يحل كثيرا من الاشكالات الفكرية والمنهجية التي تؤثر على نظرية التشريع، ويعصم من الوقوع في كثير من صور الضلال والزيغ والفتن، ويساهم في تصحيح التصورات والمفاهيم، وتوضيح القضايا الرئيسة في النظرية التشريعية في الإسلام، مثل: سلطة الفرد وسلطة الأمة، ومسألة الأغلبية ودور الأمة، ومفاهيم التشريع والحلال والحرام والاجتهاد والتقليد، وقيمة العقل الانساني في الفهم والتنزيل والتشريع…[3]

فالحاكمية مبدأ وتصور يعني أن الله مصدر جميع الأحكام الشرعية سواء ارتبطت بالتصور العقدي عن الله والكون والانسان، أم بالأحكام التشريعية المنظمة للعبادات، والأخلاق، والمعاملات سواء حددت هذه الأحكام بالنصوص الشرعية أو توصل إليها الاجتهاد.

ومن ثم فالحاكمية في إطار الفهم الوسطي توازن بين حاكمية نصوص الشريعة ومبادئها وبين حاكمية الاجتهاد في التدبير والتنزيل، فالحاكمية مستويان:

الأول: حاكمية نصوص الشريعة ومبادئها وقواعدها وقيمها على الفعل الانساني، “فالله تعالى وضع هذه الشريعة حجة على الخلق كبيرهم وصغيرهم مطيعهم وعاصيهم برهم وفاجرهم لم يختص بها أحد دون أحد”[4] ويدخل فيه قصر التحليل والتحريم على الله تعالى. ومسائل العبادة والعقيدة.

الثاني: حاكمية الاجتهاد في التدبير والتشريع في الأمور الاجتماعية والمدنية وفق نصوص الشريعة وقيمها. فهي ليست حاكمية على الحقيقة، وإنما هي حاكمية بيان واستمداد، بيان حكم تقتضيه الشريعة القائمة، واستمداد القوانين والتشريعات من نصوص القرآن والسنة، وما نصبه الشارع من الأدلة والأمارات، وما وضعه من المبادئ والقواعد العامة، “فالحاكمية لا تنفي أن يكون للبشر قدر من التشريع أذن به الله لهم إنما تمنع أن يكون لهم إستقلال بالتشريع غير مأذون به من الله فمن حق المسلمين أن يشرعوا لأنفسهم وذلك في دائرة ما لا نص فيه”[5]. وهذا المستوى الثاني فرع عن الأول.

ويتسع مجال ونطاق حاكمية نصوص الشريعة أو حاكمية الاجتهاد، تبعا لكثرة النصوص القطعية أو قلتها، بحيث تصبح النصوص وقواعدها هي الضوابط الحاكمة للفعل والممارسة، لا يجوز تجاوزها أو مخالفتها، ويصبح الاجتهاد والتشريع تجسيدا للنصوص حركة وغاية.

ويترتب على التأصيل المنهجي والفهم الوسطي لمفهوم الحاكمية فيما يرتبط بالتشريع الاجتهادي أمور عدة منها:

تحديد المرجعية التشريعية، وهذه المرجعية هي ما يكسب التشريع شرعيته، وقد عبر عن المرجعية الخلفاء الراشدون في خطبهم يوم توليهم الخلافة قال أبو بكر يوم تولى خلافة المسلمين:”أطيعوني ما أطعت الله ورسوله”[6]. وهو هنا يشير إلى ما يحكم إرادة الحاكم ويقيد سلطة الدولة من مبادئ وقيم شرعية فيما تتخذه من تدابير وتشريعات.
في إطار الفهم الوسطي السليم للحاكمية، حاكمية الشريعة والقرآن، تبدو المسؤولية الإنسانية في القراءة والفهم والتنزيل على الواقع واضحة، فكأن الحاكمية حاكمية بشرية تجري في إطار قراءة كتاب إلهي مطلق، ينفذ الإنسان المستخلف تعاليمه أيا كان نسقه الحضاري ونمطه الثقافي ومجاله المعرفي[7]. ومن ثم يتضح دور الإنسان في الفهم والتلقي، و دوره في الاجتهاد والتشريع، و دوره في التنزيل والتطبيق.
إن إعلان الالتزام العقدي “بحاكمية الله” يقتضي أن يقوم التشريع القانوني والدستوري في المجتمع والدولة على أساس الشريعة إستنادا للمصدر الإلهي، فالحاكمية تعني أن يعود الناس أو السلطة في شأن وضع القوانين والشرائع المنظمة للمجتمع والدولة إلى الذين يستوحون من مصادرها أحكامهم وشرائعهم ونظمهم”[8]. لأن معضم القوانين تتشابه كثيرا في الحلول العملية التي تقدمها، و لكن تختلف في المصدر والمرجعية التي تستقي منها البناء العام للتشريع.
يترتب على الالتزام العقدي بحاكمية الشريعة والقرآن، أن يتأسس البناء الدستوري والقانوني للدولة على أساس الشريعة الإسلامية، لأن تنزيل مبدأ الحاكمية وتجسيده في الواقع يقتضي أن كل قانون أو تشريع يراد تنفيذه أو الالزام به يجب أن يكون مؤسسا على نصوص الشريعة ومبادئها محققا لأهدافها ومقاصدها، مستجيبا ليسرها ووسطيتها، وكل تشريع أو قانون مخالف لمبادئها وأصولها أو مناقض لها يعد باطلا غير نافذ. وبهذا تكون سلطة التشريع والتقنين مقيدة بعدم مخالفة أصول الشريعة. ومن ثم نجد الموازنة بين فتح باب الاجتهاد، وبين ثوابت الشريعة وقواعدها.لأن بالوسطية وحدها نستطيع حفظ الثوابت وتطبيقها دون إهمال للمتغيرات.
يبرز دور التشريع الاجتهادي في إطار المحدد العقدي، في كونه آلية من آليات تحقيق معاني الحاكمية، وتنزيل مفاهيم الوسطية، ووسيلة من وسائل تمكين الشريعة في الحياة العامة، لأن التشريع الاجتهادي يهدف إلى تنزيل وتحقيق مضمون الحاكمية في الواقع على مستوى السلوك الفردي والجماعي، ويحاول تنظيم المجتمع بما يجسد عقيدة المسلم وشريعته وأخلاقه في كل شؤون الحياة، وهو ما يمكن تسميته بالحاكمية القانونية “التشريعية” التي يبرز فيها دور المجتهد والأمة في القراءة المتجددة لنصوص الوحي ومبادئه وتجسيدها في البناء القانوني والدستوري للمجتمع.
يترتب على الفهم الوسطي للحاكمية في علاقتها بالتشريع الاجتهادي، ضرورة التمييز بين مرحلة التصديق والإيمان العقدي بمقتضيات العقيدة ومضامين الحاكمية، ومرحلة التطبيق وتجسيد مفردات العقيدة، وتنزيل عناصر الحاكمية في الواقع والحياة، وترجمة الاعتقاد إلى ممارسة وسلوك.

إن مرحلة التصديق والايمان بضرورة الالتزام والاحتكام للاحكام الشرعية؛ غير مرحلة العمل بها واقعا. وإن كان الامتثال والممارسة لازما من لوازم الإيمان، ومقتضى من مقتضيات العقيدة وحاكمية الشريعة. فمرحلة التصديق من الأصول والكليات، وتتمحور حول التصور والحكم النظري والاعتقاد، قبل التطبيق وبعده، مع التطبيق وبدونه. أما مرحلة العمل فهي من الجزئيات والفروع، ولذلك يحكمها التطبيق ويؤثر فيها الواقع بملابساته، ويطرأ عليها استثناءات وظروف وأحوال، وهنا تبرز أهمية اعتبار مفاهيم الوسطية، ومراعاة قواعد اليسر والتخفيف عند التنزيل والتطبيق، فلكل جزئية خصوصياتها التي تستوجب نظرا واجتهادا وتتطلب تحقيق المناط الخاص بها. “إن موقع الفرد المسلم والجماعة المسلمة والدولة المسلمة ومرحلتها الحياتية هما اللذان يحددان ما يخصهما من أحكام الإسلام، إلا أنه يتوجب عليهم الإيمان بباقي أحكام الإسلام وأن يستعد كل واحد منهم للعمل بباقي الأحكام متى حانت الظروف وتهيأت الأحوال”[9].

وتتحمل الأمة بكل مكوناتها ومؤسساتها، مسؤولية تحويل مقتضيات الحاكمية ومفاهيم الوسطية إلى ممارسة وسلوك، عن طريق تحقيق مناط التدرج، وتحديد الأولويات، واعتبار فقه الواقع والتوقع. وهذا لا يدخل في باب تجزيء أحكام الشريعة وتبعيضها وهدمها، وإنما يدخل في باب اعتبار فقه التدرج والمرحلية والتيسير، واعتبار حال الأمة من الضعف والقوة…

يجب التمييز بين حاكمية الشريعة العامة المطلقة التي من مقتضياتها الحكم بما أنزل الله بمعنى اختصاص الله بالتحليل والتحريم في أمر العبادة والدين، وبين الحاكمية بالمعنى السياسي التي تتضمن نظام الحكم، وبين الحاكمية التشريعية الاجتهادية بالمعنى القانوني، دون الفصل المطلق بينها، إذ لا يمكن الحديث عن حاكمية الشريعة بأصولها وقواعدها ونصوصها، دون الحديث عن بناء سياسي وإطار تشريعي قانوني يجسد هذه الحاكمية.

ومن ثم يتوجب الاعتراف بصفة الحاكمية الاجتهادية للإنسان الذي يضع آلاف الأحكام في تنظيم تعايشه والعلاقات بين أفراده، وكيف لا تنسب إليه تلك الأحكام والدين يقوم على محاسبته على ما فعل من خير أو شر؟ وفي هذا السياق يرى الخمليشي أن صفة الحاكم ينبغي أن تضاف في أصول الفقه إلى الله بمفهوم أن منه صدرت النصوص التشريعية كان النص جزئيا أو كليا، وتضاف هذه الصفة كذلك إلى الأمة بمفهوم كونها القائمة بتطبيق تلك النصوص وتفسيرها، وبالتشريع التفصيلي في ظل مبادئها العامة وقيمها الكلية[10]

مما سبق، يظهر الارتباط الوثيق بين مسألة الحاكمية وبين فكرة الاجتهاد التشريعي وبين مبدأ الوسطية الذي يميز الاسلام، لأنه بدون تحقق عملي وتنزيل واقعي وفهم وسطي لمقتضيات الحاكمية، تبقى مجرد شعارات وخطابات وادعاءات، وبدون إيمان واقتناع عقدي بضرورة استناد القوانين والتشريعات للمرجعية الإسلامية، تكون هذه الأحكام والقوانين مجرد سلوكات وتصرفات منبتة عن مرجعيتها وهويتها العقدية، إذ لا يكفي أن يكون التصرف صحيحا سليما بل لا بد أن يصدر عن عقيدة المجتمع وهويته حتى يكسب الاحترام والتقديس.

المسألة الثانية: الموازنة بين مكانة العقل في العملية التشريعية وبين نصوص الشريعة ومبادئها

مسألة دور العقل في العملية التشريعية، والمكانة التي يحتلها، ودوره في إدراك المصالح والمفاسد، وحدوده وعلاقته بالنصوص الشرعية فهما وتنزيلا، فرع عن مسألة “العقل والوحي” أو “التحسين والتقبيح” التي شغلت الفكر الإسلامي زمنا غير يسير وتعددت حولها الجدالات والحوارات واختلفت الرؤى والتوجهات، ودون الدخول في المجادلات الكلامية والخلافات الأصولية والتضارب في وجهات النظر حول المسألة، فالحقيقة الشرعية تبين أن الله زود الانسان بالعقل وجعله مناط التكليف، وأساس الاستخلاف، ومنحه القدرة على إدراك الحق، ومعرفة الخير والصلاح، والتمييز بين المصلحة والمفسدة، وذلك ليؤهله لحمل مسؤولية الأمانة والقيام بمهمة الخلافة.

إن مهمة الخلافة والإعمار التي من أجلها خلق الإنسان تتأسس على العقل الإنساني، وما التشريع الاجتهادي في مجال الشؤون الاجتماعية والمدنية إلا جزء من القيام بهذه المهمة، وتنزيل وتجسيد لها في الحياة الاجتماعية. فلو لم يتم الاعتراف للعقل بالقدرة على التشريع وإدراك المصالح فيما لا نص فيه؛ مهتديا بالمبادئ العامة للشريعة، لما صح أن يكون العقل مناط التكليف بالخلافة؛ وأساس تحمل الأمانة.

إن نفي مكانة العقل في التشريع الاجتهادي ودوره في معرفة المصالح والمفاسدالدنيوية، تنكب عن منهج الوسطية، لأنه يؤدي إلى حرج عقلي وديني، خاصة وأن نصوص الشريعة التفصيلية لم تستوعب كل تفاصيل الحياة الاجتماعية والمدنية والسياسية التي يحتاج الإنسان إلى تنظيمها، ومن ثم يظهر بوضوح ضرورة الاحتكام للعقل في العملية التشريعية التي تروم صياغة القواعد المنظمة لشؤون الحياة الاجتماعية فيما لم يرد فيه نص، “فإذا تعطل الفهم والتعقل تعذر التطبيق”[11].

دور العقل في فهم النصوص

نصوص الشريعة نوعان، فإذا ارتبط الأمر بالنصوص الجزئية التفصيلية التي تتناول القضايا الاجتماعية والمدنية والسياسية، فهي أولا قليلة، وثانيا أغلبها ظني، مما يعني ضرورة الاحتكام للعقل المنضبط بالشروط المنهجية للاجتهاد، والمستند للمبادئ والقيم الشرعية التي يتعين أن لا يعارضها تفسير النصوص التفصيلية، أما إذا ارتبط الأمر بتفسير النصوص الكلية والمبادئ العامة، فهي كما يقول الشاطبي ترجع إلى معان معقولة وكلت إلى نظر المكلف واجتهاده، وفي النوعين معا من النصوص يظهر دور العقل في صياغة القوانين والتشريعات الهادفة إلى حسن تنزيلها في الحياة الفردية والجماعية.

دور العقل عند غياب النصوص

يعتبر العقل المرجع الأساس لتحديد المصالح والمفاسد. كما يقول محمد رشيد رضا:”العقل هو المدرك للحكم والمصالح”[12]عند غياب النصوص الشرعية، وهي قليلة جدا في مجال تنظيم الشؤون الاجتماعية، خاصة وأن مجالات الحياة التي يراد تنظيمها في المرحلة الحضارية المعاصرة اتسعت وتعقدت وتنوعت على ما كانت عليه قديما، مما يبرز ضرورة الاحتكام إلى العقل المستند إلى الخبرة والتجربة والمعرفة، واعتباره المرجع الأساس في صياغة القوانين والتشريعات الملزمة.

إن العقل الذي نقصده ونريد الحديث عن مكانته في المنهجية التشريعية هو العقل الذي تشبع بمبادئ الشرع وقيمه وفهمها، وتشرب كلياته وعقائده، وانضبط لنصوصه الآمرة، ولم يتجاوزها، واستند إلى الخبرة والتجربة والمعرفة بوقائع الحياة، وخضع لضوابط الاجتهاد وشروط الفكر والنظر.

والعقل الذي نريده كذلك هو مجموع الآليات الاجتهادية والضوابط المنهجية التي تحكم العملية الاجتهادية أثناء فهم النصوص الجزئية والكلية، واستنباط القوانين والتشريعات منها، وتنزيلها على الواقع والحياة. وهذا القدر من دور العقل ومكانته متفق عليه بين كل الفرق الإسلامية، وإذا وجد من ينكر دور العقل في معرفة المصالح الاجتماعية، ويضيق من مكانته في العملية التشريعية، فليس ذلك إنكارا للعقل ذاته، بل لمحاربة وإنكار فكرة التحسين و التقبيح التي أقحمت في الفكر الأصولي وهي من القضايا النظرية الكلامية، و خشية القول بالاستغناء عن الشريعة بالعقل وحده.

قال ابن عبد السلام:”ومعظم مصالح الدنيا ومفاسدها معروف بالعقل وذلك معظم الشرائع”[13]. و”أما مصالح الدنيا وأسبابها ومفاسدها فمعروفة بالضرورات والتجارب والعادات والظنون المعتبرات، فإن خفي شيء من ذلك طلب من أدلته، ومن أراد أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما فليعرض ذلك على عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به ثم يبني عليه الأحكام فلا يكاد حكم منها يخرج عن ذلك إلا ما تعبد الله به عباده ولم يقفهم على مصلحته أو مفسدته، وبذلك تعرف حسن الأعمال وقبحها”[14].

ويقول الشاطبي:”كل دليل شرعي ثبت في الكتاب مطلقا غير مقيد، ولم يجعل له قانون ولا ضابط مخصوص؛ فهو راجع إلى معنى معقول وُكِّلَ إلى نظر المكلف، وهذا القسم أكثر ما تجده في الأمور العادية التي هي معقولة المعنى؛ كالعدل، والإحسان، والعفو، والصبر، والشكر في المأمورات، والظلم، والفحشاء، والمنكر، والبغي، ونقض العهد في المنهيات”[15].

ويقول علال الفاسي:”ومن مميزات الشريعة أنها لا تطلب من الإنسان الإيمان بما فوق العقل ولا بما يناقضه”[16]. وبهذا “فالمصلحة وإن كان مفهومها شرعيا إلا أن مقاييس الشريعة المستقرأة من أدلتها حول المصلحة لا تتعارض مع مقاييس العقل والفطرة السليمة”[17].

المسألة الثالثة: التشريع بين الإلزام الإلهي والإلزام الاجتهادي

إن الإلزام بالأحكام الشرعية فعلا وتركا، وما يترتب عن ذلك من مدح وذم في الدنيا، وعقاب وثواب في الآخرة، مسألة خاصة بالله تعالى فهو مصدر الأمر والنهي والحكم والتدبير والعقاب والثواب، لا ينازعه أحد في شيء من ذلك.

أما العقل فلا يملك شيئا من ذلك، فليس له أن يلزم بحكم ولا أمر ولا تشريع استقلالا، فهو تابع لنصوص الوحي فيما ورد فيه نص، ولمبادئه العامة وقواعده الكلية فيما لم يرد فيه نص، “فما يقوم به العقل في مجال الاجتهاد ليس إلا بحثا عن الإيجاب الشرعي في المواطن التي لم يرد فيها ذلك الإيجاب صريحا، فالمجتهد ليس إلا باحثا عن الحكم الإلهي بالظن وليس مخترعا لذلك الحكم، وأما في حالة عدم ورود الوحي فإن العقل الإنساني لا تكون له أهلية الإيجاب الذي يقتضي الثواب والعقاب. لأن التقدير العقلي تقدير ظني ليست إصابة الحق فيه قطعية،… ولكن العقل إذا لم يكن مؤهلا لإيجاب يناط به المدح والذم والثواب والعقاب بميزان الشرع، فإن قيمته التقديرية يمكن أن تؤهله لإيجاب ظني يكون أساسا للتعامل الإنساني في غياب الوحي، وذلك كأفضل ضمان متاح لاستقامة الحياة في هذا الغياب دون أن تبنى على ذلك تبعية شرعية”[18].

المسألة الرابعة: وسطية التشريع الاجتهادي ومسألة التوحيد

أهمية التشريع والإلزام به انطلاقا من الشرع الإسلامي مرتبطة بالتوحيد ارتباطا وثيقا فتحكيم الشريعة في كل مناحي الحياة عنصر مهم من عناصر التوحيد الذي يقوم عليه الإسلام، فعقيدة التوحيد ترفض الشرك في العبودية لله أو في التحكيم والتحاكم لغير شرعه، وإعمال شرع الله مرتبط بمنهج اجتهادي وبناء تشريعي قانوني يستجيب للحاجيات التشريعية والتنظيمية للمجتمع الإسلامي. والحكم والتشريع من خصائص الألوهية، ومن نازع الله تعالى في الحكم والتشريع فقد تجاوز حد العبودية.

قال ابن تيمية “والإنسان متى حلل الحرام المجمع عليه وحرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافرا مرتدا باتفاق الفقهاء”[19].

وكثير من الناس يعترض على فكرة التشريع الاجتهادي من منطلق أن عقيدة التوحيد تقتضي إفراد الله بالحكم والأمر والإيجاب والتشريع المطلق، ومرد ذلك إلى الجهل بوسطية الإسلام، وإلى عدم التمييز بين التشريع الإلهي في قضايا الحلال والحرام من أمور الدين والعقيدة، وبين التشريع الاجتهادي من أهله بيانا لنصوص الشريعة، وتنزيلا لمقاصدها، وتجسيدا لقيمها. فالتشريع الاجتهادي تشريع بيان وتنفيذ لشريعة قائمة، وليس تشريع تأسيس وإنشاء، لهذا عندما يلتزم المجتمع في تنظيم شؤونه الاجتماعية والمدنية بقوانين مستنبطة من النصوص أو من قواعدها ومبادئها العامة، فإن ذلك لا يناقض التوحيد ولا يهدمه.

فالمجتهدون من الأمة لا يطاعون لذواتهم، وإنما يطاعون لاستنادهم في اجتهاداتهم للأدلة الشرعية؛ من جهة، ولأن غرضهم تحقيق مصالح الناس؛ من جهة أخرى، ولأنهم يمثلون الأمة وينوبون عنها، ولذلك ينسب ما يضعونه من الأحكام والقوانين الاجتهادية المدنية والسياسية للأمة كلها.

وقد ذهب الشيخ محمد رشيد رضا إلى أن التشريع الاجتهادي من أولي الأمر في المصالح العامة للأمة لا يعارض مبدأ توحيد الربوبية الذي يقتضي إسناد التشريع المطلق لله تعالى، فالأمة عندما تلتزم بالاجتهاد التشريعي الذي استنبطه ممثلوها من أولي الأمر استنادا إلى قواعد الشرع ومبادئه، إنما تلتزم بحكم الله؛ أو بحكم نفسها الذي استنبطه من ينوب عنها، يقول: “ويجب على الأمة قبول هذه الأحكام والخضوع لها سرا وجهرا، وهي لا تكون بذلك خاضعة خانعة لأحد من البشر، ولا خارجة من دائرة توحيد الربوبية الذي شعاره إنما الشارع هو الله {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}[20]، فإنها لم تعمل إلا بحكم الله تعالى أو حكم رسوله بإذنه، أو حكم نفسها الذي استنبطه لها جماعة أهل الحل والعقد والعلم والخبرة من أفرادها الذين وثقت بهم واطمأنت بإخلاصهم وعدم اتفاقهم إلا على ما هو الأصلح لها، فهي بذلك تكون خاضعة لوجدانها لا تشعر باستبداد أحد فيها، ولا باستدلاله واستعباده لها”[21].

المسألة الخامسة: التكليف حسب الإمكان من قواعد وسطية التشريع

هذه قاعدة مهمة من القواعد التي تبرز وسطية المنهج الإسلامي في التشريع سواء من الناحية التعبدية أو من الناحية التشريعية القانونية التي تتأسس عليها نظرية التشريع. “فإن مدار الشريعة على قوله تعالى: “فاتقوا الله ما استطعتم“[22]. المفسر لقوله: “اتقوا الله حق تقاته“[23]. وعلى قول النبي: “إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم”[24].

ومن فروعها المرتبطة بموضوعنا، أن الشروط والضوابط والتكاليف تعتبر حسب الإمكان، والضرورة تدعوا إلى التخفيف والتيسير تفاديا لضياع الحقوق، وفوات المصالح، قال المرداوي: “ويشترط في من يتولى القضاء أن يكون مجتهدا مطلقا إن تيسّر وإلا جاز تولية مجتهد مذهب للحاجة فإن لم يتيسر جاز المقلد للحاجة وإلا تعطلت أحكام الناس”[25].

ومن ثم فالإفراط في وضع الشروط ليس من منهج الشرع الذي يبني التكليف على الوسط واليسر والسهولة، فمدار ومناط تحديد شروط الاجتهاد والتشريع هي القدرة البشرية والمتطلبات التشريعية، لأن المعتبر هو تحقيق مصالح الناس، سواء حصل ذلك بمن بلغ درجة الاجتهاد المطلق، أم بمجموعة من الفقهاء يمكنهم تحصيل الحاجات التشريعية للناس دون مخالفة الشرع سواء كانوا مجتهدين أم متبعين، بحيث يُمَكِّنهم علمهم من الاطلاع على النصوص وفهمها وتحقيق مصالح الناس.

ثم إن الحاجيات التشريعية للمجتمع المعاصر لا تتوقف على وجود المجتهد المطلق الذي تصوره الدرس الأصولي وتحدث عن شروطه. يقول القرافي: “ونص ابن أبي زيد في النوادر على أنا إذا لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم، ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم، لئلا تضيع المصالح، وما أظنه يخالفه أحد في هذا، فإن التكليف مشروط بالإمكان، وإذا جاز نصب الشهود فسقة لأجل عموم الفساد جاز التوسع في أحكام المظالم والجرائم لأجل كثرة فساد الزمان”[26].

أما الإصرار على تقرير صفات المجتهد والغلو في تحديد شروطه، واستصعاب مقامه، التي يحيل العقل اجتماعها في شخص واحد كما تصورها الدرس الأصولي، فهذا أدى إلى الخروج بمقام الاجتهاد عن حد القدرة البشرية، وعن مقتضيات التكليف، وهذا بعيد عن منهج الوسطية الذي يميز التشريع الإسلامي، ومخالف لمنهج النصوص الشرعية التي تربط التكليف بالقدرة البشرية والحاجات التشريعية والمتطلبات التكليفية، مما نتج عنه انسحاب الفقه والفقهاء من الواقع ومن استنباط الأحكام، واستسلامهم لدعاوى غلق باب الاجتهاد وخلو العصر من المجتهدين، وتعطيل ملكة العقل والإبداع. وبذلك يكون “الاشتغال بالبحث النظري عن المجتهد وشروطه، ليس إلا مسايرة لواقع فصل الدين عن الدولة، وتكريسا لعزلة الفكر الفقهي عن حياة المجتمع ومشاكله”[27].

ومن فروع المسألة أن الفقهاء أوجبوا عقد الإمامة لمن كان مجتهدا في الشرع، بحيث يمَكِّنه اجتهاده من فهم وتنزيل الأحكام تحقيقا لمقصد الشرع من هذه الولاية. إلا أن إصرار الفقه على ضرورة بلوغ المنتصب للولاية العامة درجة الاجتهاد في العلوم الشرعية مع تمكنه من علوم السياسة والإدارة والتدبير – مع أنها مسألة نظرية في الواقع المعاصر- أمر صعب إن لم يكن محالا، وفيه تكليف ما لا يطاق، ولذلك أجاز بعض الفقهاء تولية من ليس أهلا للاجتهاد إذا اقتضت الضرورة والمصلحة ذلك[28]. وفي ذلك عدول عن الحكم الأصلي إلى حكم آخر استثناء لوجود مصلحة تقتضي العدول عن الحكم الأصلي، وهو عين دليل الاستحسان. ثم إن المقصد الأساس من الولاية العامة هو تحقيق المصالح العامة للمسلمين بجلب الصلاح ودفع الفساد قدر الإمكان، وسواء تحقق ذلك بمجتهد بنفسه، أو تحقق بمن يرجع إلى اجتهاد غيره من الفقهاء والمتخصصين[29].

المسألة السادسة: الموازنة بين الأساس الخلقي والزجري للتشريع الاجتهادي

من نتائج قيام التشريع الاسلامي على مبدا الوسطية واستناده للعقيدة، أنه لا يفصل بين الأحكام التشريعية وبين القيم والأخلاق، فهو يوازن بين البعد التربوي الخلقي للتشريع والبعد الزجري العقابي له، فالعقيدة تجعل من القيم الأساس الأول في التشريع والتعامل، ولذلك نجد التشريع إنما يحاول تجسيد القيم والأخلاق، بل هو صورة عملية للقيم العامة، والمتتبع للأحكام والاجتهادات التي استنبطها الفقهاء عبر تاريخ الفقه الإسلامي، يجدها غنية بالأحكام الخلقية التي تدور في فلك العقيدة، ثباثا ورسوخا، بل هو أساس الأحكام التشريعية الملزمة، إذ لا تكاد تجد قاعدة عامة، أو حكما شرعيا تفصيليا ملزما، مؤيدا بجزاء دنيوي قضائي، إلا ويستند أساسا إلى قيمة خلقية[30].

واستناد التشريع على الأساس الخلقي، وتعويله على البعد التربوي، يجعله تشريعا وسطا لا يعول على العقاب فقط ولا يهمل أهميته في الزجر، وإنما يُقوم بالتربية والاخلاق، ويُصلح بالقيم، هذا المنهج الوسط هو ما يميزه عن غيره، وهو ما يبعث في نفوس أتباعه نوعا من الإلتزام الديني بالقوانين والتشريعات التي تصدرها الدولة، ذلك أن القواعد الأخلاقية والقواعد القانونية في التشريع الإسلامي تتفق من حيث المصدر والغاية، ومن ثم لا فرق بين سلوك الفرد أثناء امتثاله للقواعد القانونية التي تصدرها الدولة، وبين امتثاله وخضوعه للقواعد الأخلاقية، والغاية والمقصد من النوعين واحد، وهو تنظيم المعاملات والشؤون الاجتماعية. إلا أن الفرق بينها هو أن سلطة الدولة والقواعد القانونية لا تمضي إلا على الظاهر من أمور الناس، وما يجهرون به من معاملات وتصرفات، وما ينشأ بينهم من علاقات تحتاج إلى ضبط وتنظيم، أما القواعد الأخلاقية فتعم الظاهر والباطن ولا تخضع لسلطة الدولة ولا حكم القضاء، وتنظم علاقة الإنسان بخالقه ونفسه وغيره …

المسألة السابعة: الموازنة والتمييز بين الحكم الالهي والحكم الاجتهادي

التمييز بين التعبير عن الرأي الاجتهادي والحكم الإلهي.

تتميز نظرية التشريع الاسلامي بتمييزها بين الرأي الاجتهادي وبين الحكم الالهي، فالأحكام النصية القطعية في دائرة الحلال والحرام أحكام ملزمة بذاتها دائمة ومطلقة وأبدية، لا تخضع لتغيير أو تبديل أو تعطيل… لأن التحليل والتحريم حق خالص لله تعالى، أما الأحكام والقوانين الاجتهادية التي تصدرها الأمة أو من ينوب عنها تنزيلا وإعمالا للنصوص القطعية أو للمبادئ الشرعية، أو تدبيرا للشؤون العامة في مجال المباح أحكام ظنية اجتهادية، لا تملك خصائص الحل والحرمة، وتحتاج إلى إلزام الدولة وامتثال الأمة. وبالتالي تخضع للتغيير والتبديل، حسب ما يحقق المصلحة وفق قواعد الشرع ومقاصده. يقول ابن تيمية:” الشرع المنزل هو ما جاء به الرسول، وهذا يجب اتباعه ومن خالفه وجبت عقوبته. والشرع المؤول هو آراء العلماء المجتهدين فيها، كمذهب مالك ونحوه. فهذا يسوغ اتباعه ولا يجب ولا يحرم، وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ولا يمنع عموم الناس منه”[31].

ويقول ابن القيم:”وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميره بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك، فتأمل كيف فرق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يسمى حكم المجتهدين حكم الله”[32].

التمييز بين العمل الفقهي والعمل التشريعي:

العمل الفقهي عمل ونظر اجتهادي حر ، أما العمل التشريعي فعمل وقانوني ملزم، وهو ما يفرض التمييز بين الحكم الاجتهادي الملزم في الشؤون العامة والذي تصدره المؤسسة الدستورية المختصة بأمر التشريع والتقنين، وبين الاجتهاد الفقهي الحر غير الملزم في ميدان الفكر .

العمل الفقهي:

يتناول اجتهاد الفكر والتنظير، وهو عمل اجتهادي حر، يتميز بالاختلاف والتعدد، ولذلك يجب اعتبار العناصر التالية:

العمل الفقهي عمل حر: هو عمل اجتهادي حر يقوم به كل من أنس من نفسه القدرة على ذلك، وأمتلك الشروط والضوابط المؤهلة له، سواء اعترف له الآخرون بالقدرة على الاجتهاد أم لا.
حق الاختلاف في الرأي الفقهي: العمل الفقهي عملية اجتهادية يقوم بها المجتهد فردا كان أو جماعة يعبر فيها عن فهمه ورأيه الفقهي غير الملزم، وفق خطة منهجية اجتهادية. ولذلك تتصف بالتعدد والاختلاف، والدليل على ذلك تعدد المذاهب الفقهية.
العمل الفقهي غير ملزم: العمل الفقهي تعبير عن رأي شخصي أو جماعي غير ملزم، لانه وإن كان تعبيرا عن رأي الشريعة حسب نظر المجتهد، فليس تعبيرا عن رأي المجتمع ولا عن اختياره، فلا يملك الرأي الاجتهادي صفة الإلزام، لأن الآراء الفقهية كثيرة ومتعددة. “وليس لأحد أن يلزم عموم الناس به ولا يمنع عموم الناس منه”[33].

العمل التشريعي الملزم:

العمل التشريعي الملزم الصادر عن المؤسسة الدستورية المنتخبة التي خول لها الدستور النظر في أمور التشريع والقيام بشؤون التقنين، وهو الذي يهدف إلى تنظيم المجتمع عن طريق صياغة الأحكام والقوانين الملزمة وفقا لنصوص الشريعة وروحها، ويركز على مسألتين: الأولى؛ كيفية اختيار الحكم التشريعي المناسب من بين مختلف الأحكام والتشريعات، مما يقتضي البحث عن الوسيل المناسبة لتدبير الاختلاف التشريعي. والثانية؛ كيف يكتسب الحكم التشريعي صفة الإلزام والنفاذ.لأن التنظيم الاجتماعي المعاصر والمعاملات المدنية الحالية، لا تقبل التعدد في الحكم الاجتهادي المنظم لها.

فالعمل التشريعي يتميز بخاصيتين فهو تعبير عن رأي الشريعة في القضايا العامة التي لا تقبل تعدد الأراء، من قبل مجموعة من الفقهاء والمتخصصين الذين رضيت بهم الأمة للقيام بهذه المهمة. وهو كذلك تعبير عن رأي المجتمع واختياره.

الخاتمة

إن تحقيق الأهداف السابقة وتنزيل مقتضيات الوسطية لتصبح منهج حياة وأسلوب عيش، لا بد من الاعتماد على المدخل التربوي الأخلاقي والمدخل التشريعي القانوني، الأول يهتم بتزويد الناشئة بالقيم والأخلاق الإسلامية الوسطية التي تعصم المجتمع من الزيغ والضلال، وتوضح للناس المفاهيم وتصحح التصورات وتقوم الاعتقادات الخاطئة، وتتصدى للشبهات والتأويلات المغرضة، والثاني يهتم بالجانب القانوني التشريعي الذي يهدف إلى تنزيل مقتضيات المنهج الوسطي في الواقع سلوكا ملزما، وجعل مفهوم الوسطية يصاغ قوانين وتشريعات تنظم المجتمع وتحكم العلاقات الاجتماعية، ولذلك فمدخل التنظيم هو مدخل الواجب والمقاصد، ذلك أن تطبيق الشرع وتنزيل مقتضيات العقيدة ومضامين الحاكمية ومفاهيم الوسطية يتطلب بناء مؤسسات تستند إلى الرؤية الإسلامية، وتسعى إلى تحقيق مقاصد الشرع، وتهدف إلى تنزيل مقررات الوسطية، والملاحظ أن أغلب الدراسات التشريعية والقانونية المعاصرة تركز على كليات النظام التشريعي والسياسي وقواعده العامة، ولم تخط خطوات هامة نحو تقديم صيغ تنظيمية تحكم الممارسة والفعل وتنظم العملية التشريعية، ومن تم فالأساس العملي للتشريع يقتضي إقامة مؤسسات تشريعية يوكل إليها مهمة بناء قواعد الوسطية، وصياغة نظم التعايش داخل المجتمع، بما يكفل رعاية المصالح العامة للأمة، وحفظ أمنها واستقرارها.

قائمة المراجع :

ابن القيم الجوزية: إعلام الموقعين (تحقيق عصام الدين الصبابطي،دارالحديث القاهرة،الطبعة الثالثة، 1417هـ/ 1997م
ابن تيميةتقي الدين: مجموع الفتاوى (تحقيق أنور الباز وعامر الجزار،دارالوفاء،الطبعة الثالثة،1426 هـ/2005 م
ابن عابدين: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار (تحقيق عادل احمدعبد الموجود وعلي محمد معوض،دار عالم الكتب،الرياض، 1423هـ/2003م)،
أبو اسحاق الشاطبي: الاعتصام (ضبطه أحمد عبد الشافي،دار الكتب العلمية بيروت، الطبعةالأولى، 1408هـ، 1988م
أبو البقاء الكفوي: كتاب الكليات (تحقيق عدنان درويش ومحمد المصري،الرسالة،بيروت، 1419هـ/1998م
أبو حامد الغزالي: فضائح الباطنية (راجعه محمدعلي القطب،المكتبة العصرية بيروت، 1422هـ/2001م)
أبو يعلى الفراء: الأحكام السلطانية (صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي،دار الكتب العلمية،بيروت، لبنان، ط2،1421هـ/2000م
أحمد الخمليشي: وجهة نظر،الجزءالسادس،جمود الفقه الإسلامي أسبابه التاريخية والفكرية ومحاولة العلاج
الزحيلي،وهبة، “إذا اختل ميزان الحق والعدل والتوسط وقع المجتمع فريسة الانحرافات القاتلة” حوار في مجلة الوعي الاسلامي،العدد رقم: 481، السنة 42،ص 37-41،اكتوبر/ نونبر 2005. وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية الكويت
الشربيني مغني المحتاج.
شهاب الدين القرافي: الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام (اعتنى به عبد الفتاح أبوغدة، دارالبشائر الإسلامية،بيروت،ط 2، 1416هـ/1995م
شهاب الدين القرافي: الذخيرة (تحقيق محمد بوخبزة، دارالغرب الإسلامي،الطبعةالأولى، 1994م
الطبراني: المعجم الكبير(تحقيق حمديبن عبد المجيد السلفي،مكتبة العلوم والحكم،الموصل،ط 2، 1404هـ/ 1983م
عبد الحميدعشاق،من يحقق المناط (بحث مقدم لمؤتمر مستجدات الفكر الإسلامي،الدورة الحادية عشر،في موضوع “الاجتهاد بتحقيق المناط فقها الواقع والتوقع” 18-21 فبراير2013. وزارة الأوقاف الكويت
عبد المجيد النجار: خلافة الإنسان بين العقل والوحي بحث في جدلية النص والعقل والواقع (المعهد العالمي للفكرالإسلامي،دار الغرب الإسلامي،ط2، 1413هـ/1993م)
عبد الوهاب خلاف السياسة الشرعية أو نظام الدولة الإسلامية في الشؤون الدستورية والخارجية والمالية (المطبعة السلفية،القاهرة 1350هـ)
عز الدين ابن عبدالسلام: قواعد الأحكام في مصالح الأنام (تحقيق محمود بن التلاميد الشنقيطي،دار المعارف،بيروت
علال الفاسي: دفاع عن الشريعة: (تقديم دريساتراوري،دارالكتاب المصري القاهرة،الطبعةالأولى، 1432هـ/2011م
فتحي الدريني: النظريات الفقهية (منشورات جامعة دمشق،الطبعة الثانية، 1417هـ/1997م )
محمد رشيد رضا: تفسيرالقرآن الكريم المشهور “بتفسير المنار” (الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة،1990
المرداوي : الإنصاف.
المقريزي،تقي الدين أحمد بن علي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية (تحقيق محمد زينهم ،ومديحة الشرقاوي

[1]- سورة البقرة، الآية 143.

[2]- الزحيلي، وهبة، “إذا اختل ميزان الحق والعدل والتوسط وقع المجتمع فريسة الانحرافات القاتلة” حوار في مجلة الوعي الاسلامي، العدد رقم: 481، السنة 42، ص 37-41، اكتوبر/ نونبر 2005. وزارة الأوقاف والشئون الاسلامية الكويت.

[3]- طه جابر العلواني: مقدمة كتاب الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، هشام أحمد جواد جعفر (المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1416هـ / 1995م) ص 38.

[4]- الشاطبي أبو اسحاق: الاعتصام (ضبطه أحمد عبد الشافي، دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ،1988م) 2/499.

[5]- هشام أحمد جواد جعفر: الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، ص116. (مرجع سابق)

[6]- مصنف عبد الرزاق، باب لا طاعة في معصية، 11/ 336

[7]- ينظر: مقدمة طه جابر العلواني لكتاب الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، هشام أحمد جواد جعفر، ص 38.

[8]- هشام أحمد جواد جعفر: الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، ص93.

[9]- الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، هشام أحمد جواد جعفر: ص111.

[10]- أحمد الخمليشي: وجهة نظر، الجزء السادس، جمود الفقه الإسلامي أسبابه التاريخية والفكرية ومحاولة العلاج، ص 71-72.

[11]- وجهة نظر: الخمليشي، 1/210. (مرجع سابق)

[12]- تفسير المنار: 7/153. (مرجع سابق)

[13]- قواعد الأحكام في مصالح الأنام :1/ 4. (مرجع سابق)

[14]- قواعد الأحكام في مصالح الأنام:1/ 8.

[15]- الموافقات:3/ 46. (مرجع سابق)

[16]- الفاسي علال: دفاع عن الشريعة: (تقديم دريسا تراوري، دار الكتاب المصري القاهرة، الطبعة الأولى، 1432هـ/2011م) ص91.

[17]- وجهة نظر:1/212. (مرجع سابق)

[18]- النجار عبد المجيد: خلافة الإنسان بين العقل والوحي بحث في جدلية النص والعقل والواقع (المعهد العالمي للفكر الإسلامي، دار الغرب الإسلامي، ط2، 1413هـ/1993م) ص 86.

[19]- مجموع الفتاوى: 3/ 267.

[20]- سورة يوسف: الآية 40.

[21]- تفسير المنار: 9/ 526.

[22]- سورة التغابن: الآية 16.

[23]- سورة آل عمران: الآية 102.

[24]- صحيح البخاري: كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[25]- المرداوي: الإنصاف، 11/177-178.

[26]- القرافي شهاب الدين: الذخيرة (تحقيق محمد بوخبزة، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1994م) 10/ 46.

[27]- وجهة نظر: أحمد الخمليشي، 2/127.

[28]- ردالمحتار:ابن عابدين، 6/414،مغني المحتاج:الشربيني،ج5/424،الأحكام السلطانية،أبو يعلى الفراء،ص 20.

[29]- ينظر: أبو حامد الغزالي: فضائح الباطنية (راجعه محمد علي القطب، المكتبة العصرية بيروت، 1422هـ/2001م) ص 192.يقول: “فإذا كان المقصود ترتيب الإمامة على وفق الشرع فأي فرق بين أن يعرف حكم الشرع بنظره أو يعرفه باتباع أفضل أهل زمانه؟ وإذا جاز للمجتهد أن يعول على قول واحد ويروي له حديثا فيحكم به إماما كان أو قاضيا فما المانع من أن يحكم بما يتفق عليه العلماء في كل واقعة؟ وإن اختلف فيتبع فيه قول الأفضل الأعلم”.

[30]- ينظر: النظريات الفقهية، ص 45.

[31]- مجموع الفتاوى :3/ 268.

[32]- ابن القيم: إعلام الموقعين (تحقيق عصام الدين الصبابطي، دار الحديث القاهرة، الطبعة الثالثة، 1417هـ/ 1997م (1/ 39. ويقول أيضا: “لا يجوز أن يقول لما أداه إليه اجتهاده ولم يظفر فيه بنص عن الله ورسوله إن الله حرم كذا وأوجب كذا وأباح كذا وإن هذا هو حكم الله” إعلام الموقعين (1/ 44)

[33]- مجموع الفتاوى :3/ 268. – مدبولي، القاهرة، الطبعة الأولى، 1998

– هشام أحمد جواد جعفر: الأبعاد السياسية لمفهوم الحاكمية رؤية معرفية، (المعهد العالمي للفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، 1416هـ / 1995م)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *