عقد نقل التكنولوجيا والشروط الواجب توافرها لصحته قانونا

عقد نقل التكنولوجيا والشروط الواجب توافرها لصحته قانونا.

تمهيد

يلجأ مورد التكنولوجيا عادة إلي فرض شروط يضمنها العقد، تقيد من حرية الطرف المتلقي في استعمال واستقلال التكنولوجيا استعمالاً لا يحقق الغايات الاقتصادية التي يهدفهما من إبرامه العقد. وانتشر استخدام الشروط المقيدة بصفة خاصة في عقود نقل التكنولوجيا بين الدول المتقدمة والدول النامية نظراً لضعف المركز التفاوضي للدول الأخيرة لاحتياجها إلي التكنولوجيا لمحاولة تقليل الفجوة الهائلة في النواحي الفنية والاقتصادية بينها وبين الدول المتقدمة.

ومن الأمثلة على الشروط التعسفية أو المقيدة تلك التي يفرضها الطرف المورد على المتلقي عند التعاقد بمنع المتلقي من إجراء الأبحاث والتحسينات على التكنولوجيا محل العقد أو الشروط التي تلزم المتلقي بإعلام المورد بكافة التحسينات ومنحه إياها دون مقابل. كذلك الشروط التي تجبر المتلقي على التنازل دون مقابل إلي المورد عن براءات الإختراع أو العلامات التجارية أو الإبتكارات والتحسينات التي يقوم بها المتلقي أو يحصل عليها خلال فترة التعاقد.

وهناك شروط أقوي يفرضها المورد مثل منع المتلقي من تطوير التكنولوجيا لتتلائم مع ظروفه واحتياجاته، كذلك حرمانه من بحث صلاحية حقوق الملكية الصناعية إذا كانت عنصراً من عناصر التكنولوجيا محل العقد وهي الحقوق التي ترد على براءات الإختراع والتصميمات والنماذج الصناعية والعلامات والأسماء التجارية. فطبيعة هذه الحقوق أنها تزول بعد مدة من احتكارها أو عند الحكم ببطلانها، حيث تسقط في الدومين العام ويحق الاستفادة منها بدون مقابل. كذلك يمثل قيداً على حرية المتلقي إبرام العقد لمدد طويلة رغم ما في ذلك من الإضرار بمصالح المتلقي إذا ما ظهرت تكنولوجيا جديدة أقل تكلفة وأكثر أهمية. كذلك شروط تقييد كمية الإنتاج الناشئ عن التكنولوجيا محل العقد أو حجمه أو تحديد أسعاره أو منع تصديره.

وقد راعي المشرع التجاري مصلحة مستورد التكنولوجيا فأجاز بالمادة (75) إبطال مثل هذه الشروط ما لم تكن قد وردت بعقد نقل التكنولوجيا بقصد حماية مستهلكي المنتج أو رعاية مصلحة جدية ومشروعة لمورد التكنولوجيا، كما إذا اشترط المورد إظهار علامته التجارية عند الإعلان والدعاية عن المنتج كنوع من بث الثقة التي يتمتع بها المورد من شهرة وضمان للمنتجات التي تحمل علامته. أو اشتراطه عدم التصدير للمنتجات المصنعة بواسطة التكنولوجيا محل العقد إلي منطقة محددة لسبق منحه قصر التوزيع فيها بعقود لوكلاء بهذه المناطق.

وأشارت إلي جواز إبطال الشروط المقيدة بعقد نقل التكنولوجيا المادة (75) تجاري بقولها «يجوز إبطال كل شرط يرد في عقد نقل التكنولوجيا ويكون من شأنه تقييد حرية المستورد في استخدامها أو تطويرها أو تعريف الإنتاج أو الإعلان عنه. وينطبق ذلك بوجه الخصوص على الشروط التي يكون موضوعها إلزام المستورد بأمر مما يأتي…..».

وسوف نشير إلي هذه القيود تباعاً.

أ- إلزام المتلقي قبول التحسينات التي يدخلها المورد على التكنولوجيا وآداء قيمتها:

وهذا الشرط معناه إجبار المتلقي بدفع مقابل كل تحسين يصل إليه المورد على التكنولوجيا محل العقد.

والواقع أن المتلقي قد لا تكون له مصلحة في ذلك إذا كان التحسين مجرد إضافة متواضعة ويغالي المورد في قيمتها، ولذلك ترك القرار للمتلقي دون إجبار في تقدير مصلحته. كما قد يكون شراء التحسين يمثل مصلحة مشروعة لطرفي العقد كما إذا كان في ذلك العمل على تشجيع المورد في الاستمرار في الأبحاث والوصول بالتكنولوجيا إلي أرقي استغلال لها.

ب حظر تعديل التكنولوجيا لملائمة الظروف المحلية:

أشارت الفقرة (ب) من المادة (75) إلي حظر المورد على المتلقي إدخال تحسينات أو تعديلات على التكنولوجيا لتلائم الظروف المحلية أو ظروف منشأة المتلقي، وكذلك حظر الحصول على تكنولوجيا أخري مماثلة أو منافسة للتكنولوجيا محل العقد.

وهذا الشرط يمثل في الواقع أشد أنواع الشروط المقيدة، حيث يضيع الهدف من التعاقد على المتلقي الذي يرغب في استخدام التكنولوجيا بما يتلائم والظروف البيئية والاقتصادية لبلده. كما أن في حرمان المتلقي من شراء تكنولوجيا منافسة يمثل إضراراً بالمتلقي إذ قد يجد في ذلك تنويعاً لمصادر التكنولوجيا محل العقد. على أن ذلك الشرط قد يمثل مصلحة مشروعة للمورد كما إذا كان المتلقي اشترط على المورد عدم إعطاء التكنولوجيا محل العقد إلي آخر وقصر منحها عليه وحده، فيجد المورد أن مصلحته في هذه الحالة وهي مصلحة مشروعة في اشتراط عدم حصول المتلقي على تكنولوجيا منافسة.

ج – إلزام المتلقي بوضع علامات تجارية معينة:

أجازت الفقرة (ج) من ذات المادة (75) إبطال شرط إلزام المتلقي استعماله لعلامات تجارية معينة لتمييز السلع التي استخدمت التكنولوجيا في إنتاجها. وهذا الشرط قد يمثل مصلحة مشروعة للمورد كما إذا كان ضامناً إنتاج السلعة في جميع حالات وظروف إنتاجها أو يكون المورد مبرماً لعقد تعهد فيه لأصحاب هذه العلامات بوضعها على جميع منتجاتهم أو سلعهم.

د – إلزام المتلقي بإنتاج قدر معين أو بأسعار محددة أو المنع من التصدير:

أجاز المشرع أيضاً لمتلقي التكنولوجيا إبطال اشتراط المورد إلزام المتلقي بإنتاج حجم معين أو البيع بأسعار معينة أو طرق توزيع محددة أو منعه من التصدير.

وهذه الشروط تحقق غالباً جملة أضرار للمتلقي الذي قد يري أن مصلحته في قصر إنتاجه إلي حد معين أو زيادته لتصديره أو تحديد أسعار منخفضة تتناسب والمستوي الاقتصادي للمتعاملين مع السلع المنتجة بواسطة التكنولوجيا محل العقد. ولذلك أجاز له المشرع طلب إبطال مثل هذه الشروط. وللقاضي كامل ومطلق التقدير في مدي تحقيق مثل هذه الشروط لمصلحة مشروعة للمورد من عدمه أو لمصلحة مستهلكي المنتج طبقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (75).

ومن الأمثلة على المصلحة المشروعة للمورد اشتراطه عدم التصدير للمنتجات إلي مناطق سبق له منح امتياز قصر توزيعها لمتعاقدين معه، إذ يترتب على تصدير المتلقي لهذه المنتجات بتلك المناطق مسئولية المورد في مواجهة أصحاب امتياز القصر عليهم.

كما قد يكون اشتراط ثمن محدد للمنتجات المصنعة بواسطة التكنولوجيا محل العقد ممثلاً لمصلحة المستهلكين ومنع المتلقي من رفع الأسعار وفق هواه.

ﻫ – إلزام المتلقي بإشراك المورد في إدارة مشروعه:

من أمثلة الشروط المقيدة أيضاً ما أشارت إليه الفقرة (هـ) من المادة (75) من اشتراط اشتراك المورد في إدارة منشأة المتلقي أو تدخله في اختيار العاملين الدائمين بها.

والملاحظ على هذا النص أنه لا يمنع اشتراط المورد على المتلقي الاستعانة بخبراء أجانب بصفة عرضية غير دائمة إذ قد يحتاج تشغيل التكنولوجيا محل التعاقد إلي خبراء أو عاملين من قبل المورد لضمان حسن التشغيل والإشراف المستمر من وقت لآخر خلال مدة العقد.

بل إن المشرع أجاز اشتراط تدخل المورد في إدارة المنشأة أو اشتراط عاملين دائمين من اختياره إذا كان ذلك يحقق مصلحة مشروعة له أو للمستهلكين، كما إذا كان التعاقد على تكنولوجيا جديدة معقدة تحتاج خلال فترة العقد إلي الاستعانة بخبراء يضمن المورد حسن الإنتاج من خلال اشتراكه في الإدارة أو تعيين عاملين من قبله.

و – إلزام المتلقى بشراء قطع الغيار من المورد:

كذلك أجاز المشرع للمتلقي إبطال شرط إلزامه بشراء المواد الخام أو المعدات أو الآلات أو الأجهزة أو قطع الغيار لتشغيل التكنولوجيا من المورد وحده أو من المنشآت التي يعينها دون غيرها. ويعد ذلك منطقياً من المشرع إذ قد يجد المتلقي هذه الأدوات والأجهزة بأسعار أفضل مما يحدده المورد خاصة وأن الملاحظ في عقود التكنولوجيا المتطورة تخفيض المورد لثمنها بالمقارنة لغيرها من التكنولوجيا المنافسة، ثم يقوم بتعويض ذلك باشتراط شراء المواد الأولية أو قطع الغيار منه وحده.

والواقع أن تقدير مدي بطلان هذه الشروط يتوقف على كل عقد على حده حيث قد يكون المورد هو المحتكر الوحيد لمكونات التكنولوجيا محل العقد وأن من مصلحة المستهلكين ذلك لضمان حسن استعمال المنتجات استعمالاً آمناً لسلامتهم خلال فترة هذا الاستعمال.

ز- إلزام المتلقي بالبيع لأشخاص محددين:

وأشارت أخيراً الفقرة (ز) من المادة (75) إلي جواز تمسك المتلقي ببطلان شرط قصر البيع للمنتجات المصنعة بواسطة التكنولوجيا محل العقد أو التوكيل في بيعها أو توزيعها على الأشخاص الذين يعينهم المورد أو البيع له وحده.

وهذا الشرط كسابقيه قد يمثل مصلحة مشروعة للمورد كما إذا كان من يحددهم للتوزيع أو التوكيل في البيع يتمتعون بسمعة وسابقة أعمال في مجال التكنولوجيا أو لديهم منشآت مجهزة لتصليحها أو متابعة الاستخدام الآمن لهذه المنتجات لصالح الجمهور.

هذا ويلاحظ أن ما سبق ذكره من شروط إنما يمثل أغلب الشروط التي درج المورد على اشتراطها في عقود نقل التكنولوجيا، بل إنها قد تكون مطبوعة على نماذج عقوده. على أن ذلك لا يمنع إمكان طلب المتلقي لإبطال شروط أخري قد يري فيها تقيداً لحريته، ويخضع ذلك لتقدير القاضي كما سبق القول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *