قانون الإرهاب المصري يقف في صف قانون حقوق الإنسان الدولي 

قانون الإرهاب المصري يقف في صف قانون حقوق الإنسان الدولي 

 

ظهور موجة إرهابية جديدة كتلك التي تضرب مصر منذ صيف ٢٠١٢ وتتوطن بشكل أساسي في شمال شبه جزيرة سيناء يعد مناسبة لطرح السؤال القديم حول كيفية الموازنة بين مواجهة أمنية وسياسية فعالة للخطر الإرهابي وبين حماية حقوق وحريات المواطنين الأساسية.

على الرغم من الطبيعة القديمة للسؤال والجهود النظرية التي بذلت لمعالجته فلا يوجد في الواقع حل سحري لهذه المعضلة بدليل أنها تطل برأسها عند كل تجدد للخطر الإرهابي ليس في مصر فقط. إلا أن مجتمع الباحثين في حقل دراسات القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن خلال تراكم القراءات للنصوص المؤسسة للشرعة الدولية لحقوق الإنسان وعلى رأسها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، قد طوروا عبر فصول هذه المواجهات الطويلة عدد من المعايير، أو الاختبارات، التي قد تساعد صناع القرار وغيرهم من مؤسسات المجتمع المدني في الاقتراب من نقطة التوازن المذكورة. تمثل حزمة القوانين والتعديلات التشريعية التي صدرت تباعًا، مثل قانون الكيانات الإرهابية والتعديلات المزمعة لقانون الإجراءات الجنائية، في مصر للتعاطي مع تجدد الخطر الإرهابي فرصة لاختبار تلك المعايير وتوضيح ما يمكن أن تقدمه من إسهامات. سنركز هنا على قانون مكافحة الإرهاب الصادر في ٢٠١٥ وتعديلاته في ٢٠١٧ بوصفه المعبر الأمثل عن المنطق الناظم لكافة التطورات القانونية السابق ذكرها. حقوق الإنسان في مواجهة الحرب على الإرهاب؟

أحد أهم إشكاليات الانقسام الذي يضع حقوق الإنسان على طرف والأمن القومي على الطرف الآخر من الطيف هي أن هذا الانقسام يفترض أن مواثيق حقوق الإنسان تكرس حقوقاً لا حدود لها، وأنه يجب بالتالي وضع تشريعات وطنية لفرض حدود مؤقتة على هذه الحقوق. هذا التعميم خاطئ، فاتفاقيات ومواثيق حقوق الإنسان بالفعل تحتوي على نظام للقيود لأغراض مثل تحقيق التوازن بين الحريات وضرورة مواجهة الأخطار المهددة للأمن القومي، بما في ذلك خطر الإرهاب. فوفقًا للمقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان والإرهاب، “لا حاجة […] إلى الموازنة بين حقوق الإنسان والأمن، إذ يمكن، بل يجب إيجاد التوازن الصحيح داخل حقوق الإنسان نفسها. فالقانون هو الميزان، وليس عنصراً يجب قياس وزنه.”1 وقد أجمع الباحثون والفقهاء على اختبار من ثلاث خطوات يستند إلى سوابق قضائية لمحاكم حقوق الإنسان الدولية من تقييم مشروعية أي تدبير من تدابير تقييد الحقوق، بما في ذلك تقييد الحق في الحرية والأمان الشخصي أو الحق في حرية التعبير. ويرتكز هذا الاختبار إلى ثلاثة عناصر: الأول أن يكون التدبير “منصوصاً عليه في القانون”، الثاني، أن يكون له “هدفٍ مشروع”، والثالث أن يكون “ضرورياً ومتناسباً”. ويتضمن قانون مكافحة الإرهاب المذكور تدابير متعددة تهدف إلى الحد من عدة حقوق لغرض مكافحة الإرهاب سنستعرضها تباعًا في ضوء هذه العناصر.

١ – “أن ينص عليها القانون”
مصر ملزمة بمبدأ المشروعية بموجب المادة ١٥ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. وبموجب هذه المادة يجب أن يكون أي تقييد للحقوق، لأي أسباب استثنائية بما في ذلك الإرهاب، “منصوص عليه في القانون”. إن عبارة “منصوص عليه في القانون” لا تعني وجود تشريعات واعتمادها فحسب، بل هي تتطلب أيضاً “وضع القانون بدقة كافية بحيث يمكن للأفراد تنظيم سلوكهم (…) [و] […] توقع، إلى درجة معقولة في ظل الظروف، العواقب التي قد تترتب على إجراءٍ ما.”2 في هذا السياق، تشير المادة الثانية من قانون مكافحة الإرهاب لتعريف “العمل الإرهابي” إلى ” كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع” الذي يهدف، من بين أمور أخرى، إلى: الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع أو مصالحه أو أمنه للخطر، أو إيذاء الأفراد أو إلقاء الرعب بينهم، أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو حقوقهم العامة أو الخاصة أو أمنهم للخطر(…)، أو الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعي أو الأمن القومي، أو إلحاق الضرر بالبيئة، أو بالموارد الطبيعية أو بالآثار أو بالأموال أو بالمباني أو بالأملاك العامة أو الخاصة” بالإضافة إلى “تعطيل تطبيق أي من أحكام الدستور أو القوانين أو اللوائح. “3 عند مقارنة هذا التعريف بالتعريف الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة في عام ٢٠٠٤ والذي يعرّف الإرهاب بأنه “عمل يرتكب بقصد القتل أو التسبب في إصابات جسدية خطيرة أو أخذ الرهائن بهدف تخويف أو ترهيب السكان أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام أو الامتناع عن القيام بأي عمل “، نجد تناقض واضح بين التعريفين من حيث الدقة في استخدام اللغة. وإذا نظرنا إلى تعريف العمل الإرهابي في القانون المذكور، فمن الواضح أن اللغة فضفاضة بما يكفي للسماح عملياً بتصنيف جرائم متعددة، بغض النظر عن مدى بساطتها، بأنها أعمال إرهابية. وبمجرد التساؤل عما إذا كان هذا التعريف دقيقاً بما يكفي لوصف عمل إرهابي محدد وتمكين المواطن من تنظيم سلوكه للتفرقة بين جرائم منصوص عليها في قانون العقوبات وبين جريمة الإرهاب، فالجواب هو بالسلب. فصياغة هذا التعبير واسعة بدرجة كافية لتشمل الإضرار بالبيئة على أنها عمل إرهابي تحت نفس مظلة التعريف الذي يجرم التآمر وتنفيذ هجوم مسلح أو تفجيرات كعمل إرهابي. إن المنطق الداعي إلى إدراج الدقة في صياغة الجرائم وتعريفها يستهدف على وجه التحديد إلغاء التعاريف التي يمكن أن تستخدمها السلطات كوسيلة لتغطية قمع أفعال سلمية مثل حماية حقوق العمال وحقوق الأقليات وحقوق الإنسان “للتمكن من حد أي نوع من المعارضة السياسية.”4 وحين يخالف التعريف معايير الدقة المطلوبة لصياغته فهو يخالف الالتزام بالتقيد بمبدأ المشروعية بموجب المادة ١٥ من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وبالتالي فالقانون يفشل في الجزء الأول من اختبار مشروعية تدابير مكافحة الإرهاب.

٢- الهدف المشروع
ويتناول الجزء الثاني من اختبار التقييد ما إذا كان التدبير المنصوص عليه عملاً “بهدفٍ مشروع”. وفي سياق مكافحة الإرهاب، أدرجت آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فضلاً عن مختلف المحاكم الدولية لحقوق الإنسان، “الأمن القومي” و “السلامة العامة” ضمن الأهداف التي يمكن الاعتماد عليها كهدف مشروعٍ لتقييد بعض الحقوق المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولذلك، فإن الأمن القومي في حالة مصر هو في الواقع هدف مشروع يمكن للدولة أن تقيد على أساسه حقوق معينة.

٣ – الضرورة في مجتمع ديمقراطي والتناسبية
والجزء الثالث من اختبار قانونية تدابير مكافحة الإرهاب هو اختبار الضرورة والتناسبية. هذا الجزء من الاختبار يأخذ في الاعتبار أساساً الآثار العملية لتدابير مكافحة الإرهاب. ولكي يكون أي تدبير مشروعاً وفقاً للخطوة الأخيرة من الاختبار، يجب أن يكون ضرورياً ومعقولاً لتحقيق الهدف الملح؛ يجب أن يكون الخيار “الأقل تطفلاً” متاحاً للحكومة لتحقيق هدفها؛ ويجب أن يكون متناسب مع طبيعة هذا الهدف. وعلى افتراض أنه تم تعديل التعريف المصري للإرهاب ليستوفي معايير الدقة والقابلية للتنبؤ المذكورة أعلاه، فإن جميع التدابير التي أدخلت في قانون مكافحة الإرهاب، بما في ذلك تقييد الحق في حرية التعبير بموجب المادة ٣٥ والحق في الحرية وسلامة الشخص بموجب المادة ٤٠، لا تزال بحاجة إلى استيفاء شروط هذا الجزء الثالث من الاختبار. وعند طرح السؤال ما إذا كان من الضروري احتجاز شخص إدارياً، مثلًا، فإن السؤال الذي يجري بحثه ليس ما إذا كان الاحتجاز ضرورياً في بعض الأحيان، ولكن يجب تطبيق الاختبار على كل حالة على حدة. وبعبارة أخرى، في كل مرة يحتجز فيها شخص إدارياً بموجب قانون مكافحة الإرهاب، يجب أن تثبت ضرورية احتجازه وعلى الحكومة أن تثبت أنه لم تكن هناك وسائل أقل تطفلاً من إدارة المخاطر المحددة التي يسببها الشخص غير الاحتجاز الإداري. مع أخذ هذه الخلفية في الاعتبار، فلا يمكن اللجوء إلى الاحتجاز الإداري كتدبير إلا في ظروف استثنائية “حيث يشكل الشخص المعني تهديدا واضحا وخطيراً للمجتمع لا يمكن احتوائه بأي شكل آخر”، ومن ثم يكون احتجازه ضروريًا مثلا لمنعه من الهروب أو العبث بالأدلة.5 فالاحتجاز يصبح تعسفياً إذا لم يكن ضرورياً في جميع ظروف القضية وليس فقط في لحظة الاحتجاز. ويتعين على الحكومة أن تثبت أنه لم تكن هناك وسائل أقل تدخلاً لإدارة المخاطر التي يسببها الشخص بخلاف الاحتجاز. وكل ذلك مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يجوز تحت أي ظرف تقييد الحق في الطعن على الاحتجاز أمام جهة قضائية. بالنسبة لمعظم التدابير، يقتضي العهد الدولي أن تكون التدابير “ضرورية في مجتمع ديمقراطي”. وتستخدم شروط التقييد المتعلقة بالحق في حرية التعبير، والحق في حرية تكوين الجمعيات، والحق في حرية التجمع، هذه اللغة صراحةً في جزء الاختبار الخاص بالضرورة. وتفسر “مبادئ سيراكيوزا المتعلقة بأحكام التقييد وعدم التقيد” مصطلح “في مجتمع ديمقراطي” بأن الدولة التي تفرض التقييدات عليها أن تثبت أن هذه التقييدات “لا تفسد سير أمور المجتمع على نحو ديمقراطي.” كما توضح المبادئ أن جميع الدول التي وافقت على الحقوق والمبادئ المكرسة في الميثاق وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومصر منهم، متوقع منها أن تكون مجتمعات ديمقراطية وبالتالي متوقع منها تطبيق تدابير لا تتعارض مع أسس ديمقراطية. ومن الواضح أن هذا الجزء من الاختبار يركز على الممارسة أكثر من النظرية في المعادلة. وفي حالة تطبيقه على قانون مكافحة الإرهاب المصري هذه هي بعض الأسئلة التي يمكن طرحها:
هل درست السلطات المصرية جميع التدابير البديلة الأقل حدة قبل وضع أي مواطن تحت الاعتقال الإداري؟
هل يشكل كل معتقل خطراً وشيكاً ومحدد طول فترة احتجازه لفترتين متتاليتين مدة كل منهما ١٤ يوم؟
هل تقييد الحق في حرية التعبير والحق في تداول المعلومات بموجب المادة ٣٥ من القانون ضروري ومتناسب دائماً من أجل ردع خطر محدد زمنياً ومكانياً؟ هل تقييد الحق في حرية التعبير بموجب المادة ٣٥ لا يفسد سير المجتمع على نحو ديمقراطي؟
هل هناك علاقة مباشرة بين الحد من هذا الحق وردع خطر محدد؟ إذا كان الجواب على أي من أمثلة الأسئلة السابقة بالنفي، فمن المنطقي أن نستنتج أن قانون مكافحة الإرهاب لا يستوفي معايير اختبار الحدود المذكور.

مرة أخرى، نشدد على أن طرح هذا الاختبار لمشروعية الحدود المفروضة على الحقوق والحريات العامة في أوقات محاربة الإرهاب لا يعد عنصرًا مقحمًا على جهود الدول في مواجهة الخطر الإرهابي، بقدر ما يمثل مكونًا أصيلًا من مكونات حكم القانون بشكل عام، وهو المبدأ الذي ارتضته مصر وغيرها، والذي يوفر في الواقع، حال الالتزام به، أساسًا أكثر فاعلية لمواجهة جذور هذا الخطر المتمثل في غياب العدالة بمعناها الشامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تقرير المقرر الخاص المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنـسان والحريـات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، السيد مارتين شاينين: عشرة مجالات للممارسات الفضلى في مكافحة الإرهاب، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٠، ص٨ https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G10/178/96/PDF/G1017896.pd…
لويز دوسوالد-بيك، “حقوق الإنسان في أوقات النزاع والإرهاب”، مطبعة جامعة أكسفورد ٢٠١١ ، ص٧١
قانون رقم 94 لسنة 2015 بإصدار قانون مكافحة الإرهاب، مادة ٢
UN Office of the High Commissioner for Human Rights (OHCHR), Fact Sheet No. 32, Human Rights, Terrorism and Counter-terrorism, July 2008, No. 32, available at: http://www.refworld.org/docid/48733ebc2.html [accessed 5 June 2017] .
/ .A v Australia, para 9.2. See also: Capora Schweizer v. Uruguay, Human Rights Committee Communication 66/1980, UN Doc Supp. No. 40 (A/38/40) at 117 (1983), para. 18.1.

ياسمين شاش

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *