كتابة مسودة الأحكام القضائية بواسطة جهاز الكمبيوتر موقعة من الدائرة التي أصدرتها ومدى صحتها

كتابة مسودة الأحكام القضائية بواسطة جهاز الكمبيوتر موقعة من الدائرة التي أصدرتها ومدى صحتها

 

ومن حيث إن مقطع النزاع فى المسألة المعروضة يكمن فى مدى صحة كتابة مسودة الأحكام الصادرة من محاكم مجلس الدولة كاملة بواسطة جهاز الكمبيوتر .
ومن حيث إنه سبق لهذه الدائرة أن قضت بجلستها المعقودة بتاريخ 10/1/2009 فى الطعن رقم 18006 لسنة 53 ق.عليا ” بجواز كتابة مسودة الأحكام القضائية بواسطة جهاز الكمبيوتر إذا تمت كتابة المسودة بمعرفة أحد أعضاء الدائرة متى تضمنت البيانات الأساسية ومنطوق الحكم بخط اليد ……” على سند مؤداه أنه يتعين الرجوع فى الإجراءات أمام محاكم مجلس الدولة فيما لم ينص عليه قانون مجلس الدولة إلى أحكام قانون المرافعات .

ومن حيث إن قانون المرافعات أوجب أن تكون المداولة فى الأحكام القضائية سراً بين قضاة الدائرة وأن تشتمل مسودة الحكم على منطوقه وأسبابه وتوقع من جميع القضاة الذين استمعوا المرافعة واشتركوا فى المداولة .

ومن حيث إن مسودة الحكم لا تعدو أن تكون ورقة من أوراق المرافعات تكتب عقب انتهاء المداولة وقبل النطق بالحكم تمهيداً لتحرير نسخة الحكم الأصلية التى يوقع عليها رئيس الدائرة وكاتبها وتكون هى وحدها دون مسودة الحكم هى المرجع فى أخذ الصور الرسمية والتنفيذية وعند الطعن عليه من ذوى الشأن باعتبار أن نسخة الحكم الأصلية هى التى يحاج بها ولا تقبل المجادلة فى بياناتها إلا عن طريق الطعن عليها بالتزوير .

ومن حيث إنه يتبين من مطالعة قوانين المرافعات ، والإجراءات الجنائية أن المشرع لم يشأ مطلقاً تحديد ماهية مسودة الحكم أو تنظيم وسيلة كتابتها ، وإنما أورد لفظ المسودة فى نصوص قوانين المرافعات والإجراءات الجنائية بصورة عامة وأن المشرع تطلب فحسب أن تشمل مسودة الحكم على منطوقه وأسبابه وتوقيع القضاة الذين سمعوا المرافعة واشتركوا فى المداولة ولم يشأ المشرع أن يرتب أى بطلان على الوسيلة التى تكتب بها مسودة الحكم ولم ينص صراحة أو ضمناً على كتابة المسودة بخط يد القاضى أو القضاة الذين أصدروا الحكم .

ومن حيث إنه ولئن كان العمل قد جرى على أن تكتب مسودة الحكم بخط يد أحد القضاة الذين اشتركوا فى المداولة فإنه لا يجب الوقوف على المعنى الحرفى للفظ ” كتابة ” وتجريده من مضمونه وغايته إذ يجب أن تفهم هذه الكلمة فى إطار الهدف منها فليس المقصود بكتابة مسودة الحكم بيد القاضى أن يكون ذلك باستعمال أى من الأقلام أو الأحبار فحسب ، بل يكون القاضى كاتباً لمسودة الحكم إذ توصل إلى ذلك باستخدام الكمبيوتر أو آلة الكتابة طالما أنه قام بذلك بنفسه ، ولا يعهد به إلى آخرين من غير القضاة الذين اشتركوا معه فى المداولة ، فإذا أجاد القاضى استخدام جهاز الكمبيوتر بنفسه فى كتابة مسودة الحكم عندئذ يكون الحكم نابعاً من شخص القاضى ومكتوب بيده لا بيد غيره ، ذلك أن كتابة القاضى مسودة الحكم بجهاز الكمبيوتر لا تتم إلا بضغط من أنامله وأصابعه على الحروف مستكملاً الكلمة توصلاً إلى الجملة التى يصوغ بها وقائع وأسباب ومنطوق الحكم ، كما يصح أن يكون جهاز الكمبيوتر مجهزاً بتلقى صوت القاضى نفسه ويقوم الكمبيوتر بنقل الصوت على الورقة كتابة ، فهو إذن وسيلة للكتابة لا تختلف عن وسيلة الكتابة باستعمال القلم بأنواعه المختلفة . وقد غدا استخدام جهاز الكمبيوتر فى يد القضاة وخاصة الشباب منهم وسيلة فعالة لإنجاز العديد من الأحكام . وليس من عيب فى استخدام جهاز الكمبيوتر فى كتابة مسودة الأحكام بل هناك محاسن كثيرة إذ تسهل قراءة المسودة ولا تختلط عباراتها أو تضطرب كما يسهل على القاضى تسجيل أفكاره وترتيبها وتنسيقها وسرد الوقائع إلى نحو أفضل وأن إلزام القاضى بكتابة مسودة الحكم بخط اليد وباستخدام القلم وحده مع حظر استخدام الكمبيوتر فى الكتابة بعد أن اتصل العديد من القضاة بالثورة المعلوماتية والتقنية العلمية حتى غدا استعمال جهاز الكمبيوتر جزءً من منظومة عمله القضائى ، مما يجب أن يترك للقاضى حرية التعبير عن أفكاره فى كتابة مسودة الأحكام بالوسيلة التى تحقق له اليسر والسهولة والعبرة تكمن فى المحافظة على سرية الأحكام قبل النطق بها علانية وعدم إنشائها أو مشاركة غير القضاة فى كتابتها .

ومن حيث إن مركز المعلومات القضائى بوزارة العدل وكذلك مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء قد أعد كلاً منهما دراسة فنية انتهت إلى استخدام الحاسب الآلى فى كتابة مسودة الأحكام لا يؤثر على سرية المداولة وإنه يؤدى إلى سهولة التحرير والمراجعة والتعديل قبل طباعة المسودة بجانب توفير أكبر فرصة للقاضى للتأمل الهادئ فى الموضوع الذى يعالجه وإن استخدام القاضى لجهاز الكمبيوتر فى كتابة مسودة الحكم لا يعدو أن يكون مجرد وسيلة من وسائل الكتابة لترجمة ما استقر فى وجدانه ، فالقلم والكمبيوتر كلاهما وسيلة للتعبير ، ولن تتغير طبيعة المسودة وسريتها إنها كتبت بخط اليد أم على الآلة الكاتبة أو على الحاسب الآلى لأن السرية ليس لها علاقة بوسيلة الكتابة ، وإنما تتوقف على إفشاء سر المداولة من أحد القضاة الذين حضروا المداولة ووقعوا على المسودة وأنه فى حالة استخدام القاضى لجهاز الحاسب الآلى فى كتابة المسودة ، حيث توجد برامج للسرية تمنع غيره من الاتصال أو الاطلاع أو استرجاع ما سطره بمسوده الحكم مادام هو الذى يستخدمه بنفسه ويستحيل على غيره أن يطلع على ما دونه على حاسبه بدون استخدام كلمة السر التى لا يعلمها غير القاضى .

ومن حيث إنه إذ ما كان الأمر كذلك وكانت الجهات الفنية قد أكدت – على نحو ما تقدم – أن كتابة مسودة الحكم بجهاز الحاسب الآلى المزود ببرامج السرية ، تحول دون اتصال الغير أو الاطلاع أو استرجاع ما دونه القاضى بمسودة الحكم ، مما يجعل كتابة المسودة بجهاز الكمبيوتر أمر لا غبار عليه وأنه يكتفى بالتوقيعات الممهورة بها مسودة الحكم وورودها فى نهاية المسودة دون اشتراط تعددها بتعدد أوراق وصفحات المسودة وهو الأمر الذى استقر عليه الفقه والقضاء العادى والقضاء الإدارى …. إلا إن المحكمة ترى مع ذلك ” إنه يلزم على القاضى أن يكتب البيانات الأساسية للحكم وهى رقم الدعوى وتاريخ إيداع العريضة وأسماء الخصوم وكذلك منطوق الحكم بخط يده دون استخدام جهاز الكمبيوتر ” وانتهت المحكمة – دائرة توحيد المبادئ – إلى حكمها سالف البيان .

ومن حيث إنه إزاء ما سلف ذكره وكانت كتابة مسودة الحكم باستخدام جهاز الكمبيوتر لا يؤثر على سرية المداولة وسرية الحكم حتى النطق به علانية ، فمن ثم لا يكون ثمة لزوم للتفرقة فى حكم جواز كتابة مسودة الأحكام القضائية كاملة بواسطة جهاز الكمبيوتر ، بين أى من مدونات مسودة هذه الأحكام ، بحيث يستوى فى ذلك كتابة بياناته الأساسية كرقم الدعوى وتاريخ إيداع العريضة وأسماء الخصوم وكذا منطوق الحكم وكتابة غير ذلك من هذه المدونات ، الأمر الذى ترى معه المحكمة العدول عما سبق أن قررته بجلستها المنعقدة بتاريخ 10/1/2009 فى الطعن المشار إليه سابقاً فى هذا الشأن والحكم بجواز كتابة مسودة الأحكام القضائية كاملة بواسطة جهاز الكمبيوتر على أن توقع نهاية المسودة من الدائرة التى أصدرت هذه الأحكام .

(دائرة توحيد المبادئ بالجلسة المنعقدة علناً فى يوم السبت الموافق 3/12/2011في الطعن رقم 1208 لسنة 54 ق ع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *