محاكم مواقع التواصل الإجتماعي ووضعها القانوني

محاكم مواقع التواصل الإجتماعي ووضعها القانوني.

(١) تعتبر مواقع التواصل الإجتماعي احدي التقنيات الحديثة التي قربت المسافات بين الناس وجعلت التواصل بينهم سهل ميسور. وكأي اختراع حديث فإن تلك المواقع قد تكون نعمه أن استخدت في الخير ونقمة متي استعملت في الشر. ومن صور الشر ما ظهر مؤخرا واطلق عليه”محاكمة السوشيال ميديا”حيث ينصب بعض الناس أنفسهم قضاه يتناولون وقائع قضايا من منظور ومصالح شخصية بحته تحكمه عوامل بعيده جدا عن الاجراءات القضائية التي يستلزمها الدستور والقانون في المحاكمات القضائية لدرجه اصبح أمام الرأي العام محكمتان:محكمة السوشيال ميديا ويتولاها أفراد لا اختصاص لهم في شئون القضاء

ومحكمة قضائية يتولاها قضاه متخصصون في شئون القضاء يعملون حكم القانون من حيث ضمانات المحاكمة العادلة واحترامه حقوق الدفاع وقرينة البراءة بخلاف محاكم السوشيال ميديا التي تعتمد علي اثارة الراي العام بعرض ادلة مبتوره أو مغلوطه أو وقائع لم تحدث لتوجيهه وجه معينه للضغط علي القضاه بحيث يحكم بما سبق وأن اعلنه الراي العام في محاكمة السوشيال ميديا وقد يتأثر القاض بحسبانة بشرا أما خوفا من سخط الراي العام أو اقتناعا برايه .بل أن تلك المحاكم قد تمكن الجناة الاخرين الذين لم يقعوا بعد في قبضه العداله الي الفرار أو تعريض الشهود للخطر بسبب معرفتهم أو معرفة اقوالهم. لدرجه يمكن أن نقول معه أن محاكم السوشيال ميديا اصبحت كغذاء مسموم يسمم الأفكار ويتلاعب بها.مما يفرض علي القضاه أن يكونوا حذرين حتي لا يكونوا لعبه في يد اصحاب محاكم السوشيال ميديا فهذه المحاكمات لعنه من لعنات المدنية الحديثة.

ولعل اهم ما يشغل بال رجال القانون في محاكمات السوشيال ميديا ثلاث مسائل الاولي :مدي التعارض بين نصوص الدستور التي تكفل حرية الراي والاخري التي تحظر التدخل في شئون القضايا وتكفل استقلال القضاء؟ والمسألة الثانية:مدي مشروعية المحاكمات القضائية التي تجري في اعقابها متي تأثر القضاه بها؟ والثالة مدي تجريم سلوك من يجري محاكمة السوشيال ميديا ويدعوا الجمهور الي مشاركتها؟وكذا مسئولية الجمهور ذاته؟

(٢) فاما عن مسألة التعارض فيلاحظ أنه ينبغي فضه. إذ نصت المادة ٦٥ من الدستور علي أن”حرية الفكر والرأى مكفولة. ولكل إنسان حق التعبيرعن رأيه بالقول، أو الكتابة، أو التصوير، أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر” في حين نصت ١٨٤علي أن السلطة القضائية مستقلة، تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ويبين القانون صلاحياتها، والتدخل فى شئون العدالة أو القضايا، جريمة لا تسقط بالتقادم” فهذين النصين يوجد تعارض ظاهري بينهما إذ الاول مطلق عام يكفل حرية الراي في كافة المسائل ومن بينها القضايا عبر السوشيال ميديا

أما الثاني خاص ويكفل استقلال القضاء وعدم التدخل في القضايا الذي قد يحدث من خلال السوشيال ميديا أو من غيرها. ولما كانت نصوص الدستور تخصص بعضها البعض عند شبهه التعارض وكان النص الخاص يقيد العام ويحد من إطلاقه لذا يمكن القول أن نص المادة ١٨٤ يقيد ويخصص عموم نص المادة ٦٥ بحيث تعطل حرية الراي متي كان من شانها المساس باستقلال القضاء والتدخل في القضايا من خلال محاكم السوشيال ميديا. ولقد قضت المحكمة الدستورية العليا أن حرية الراي والتعبير ولئن كانت ضرورية إلا أنها ليست مطلقة إذ ينبغي أن تمارس في اطارها الدستوري وإلا اضحت فوض لا عاصم من جموحها تعصب بشططها ثوابت المجتمع

(حكم المحكمة الدستورية العليا في ٢٠٠١/٥/٥ القضيه رقم ٢٥لسنه ٢٢ق). 

(٣) وأما عن مشروعية المحاكمات القضائية التي تجري في اعقاب محاكم السوشيال ميديا:فإن القضاء في الولايات المتحدة الأمريكية ذهب في اكثر من مناسبة الي بطلان المحاكمة القضائية أن تأثر القضاة بضغط الراي العام وظهر ذلك جليا في حكمهم بسند المساس بالحق في المحاكمة المنصفه(Injunction and the press in fair trial cases .U.S Jovernment PRINTING office WashinJton 2004 ,p1088 ) وهي ذات النتيجه التي وصلت إليها محكمة النقض المصرية ولكن من خلال أن القاض الذي يكون لدية معلومات سابقة عن القضية يحظر عليه الفصل فيها.

وقالت في ذلك بأنه لما كانت المادة 247 من قانون الإجراءات الجنائية قد حددت الأحوال التي يمتنع فيها على القاضي الحكم في الدعوى لما بينها وبين وظيفة القضاء من تعارض ومن هذه الأحوال أن يكون لديه معلومات شخصية عن موضوعها لم يستقها من الجلسة وما طرح فيها من أدلة – فيتعين على القاضي في هذه الأحوال أن يمتنع من تلقاء نفسه عن الحكم في الدعوى ولو لم يطلب أحد الخصوم رده وإلا وقع قضاؤه باطلاً متصلاً بالنظام العام بصدوره من قاضى محظور عليه الفصل فيها – ومناط عدم صلاحية القاضي للفصل في الدعوى هو خلو ذهنه عن موضوعها وأدلتها حتى يستطيع أن يزن حجج الخصوم ويقدر أدلتها في حيدة

وتجرد مخافة أن يلتزم برأيه ومعلوماته الشخصية ويتأثر بهما في وزن وتقدير تلك الحجج والأدلة التي تشف عنها معلوماته الشخصية ضناً بأحكام القضاء من أن يعلق بها ثمة ريبة من جهة شخص القاضي لدواع يذعن لها أغلب الخلق ، وأن عمل القاضي أو قضاءه في تلك الحالة يقع باطلاً وتقضى المحكمة بهذا البطلان من تلقاء نفسها . لما كان ذلك ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه أنه بنى قناعته بالإدانة من بين ما عول عليه على قوله ( وما لمسته المحكمة من واقع الأحداث التي جرت يوم 22-7-2013 ) وهو تاريخ الواقعة – مما مفاده أنه قد استمد قناعته بالإدانة من واقع معلوماته الشخصية عن الأحداث موضوع الدعوى – ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون باطلاً

(الطعن رقم 7215 لسنة 85 جلسة 2016/10/22)

(٤) واما عن الحماية الجنائية فلقد جعل المشرع التاثير علي القضاه من خلال النشر والعلانية جريمة ولكن جاءت العقوبة ضعيفه وزهيدة.اذ نصت المادة ١٨٧من قانون العقوبات علي يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها أموراً من شأنها التأثير في القضاة الذين يناط بهم الفصل في دعوى مطروحة أمام أية جهة من جهات القضاء في البلاد أو في رجال القضاء أو النيابة أو غيرهم من الموظفين المكلفين بتحقيق أو التأثير في الشهود الذين قد يطلبون لأداء الشهادة في تلك الدعوى أو في ذلك التحقيق أو أموراً من شأنها منع شخص من الإفضاء بمعلومات لأولي الأمر أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو التحقيق أو ضده.

كما حاول المشرع الحيلوله دون التجاوز في علانية الاجراءات القضائية اذ نصت المادة ١٨٩ من قانون العقوبات علي أن يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من نشر بإحدى الطرق المتقدم ذكرها ما جرى في الدعاوى المدنية أو الجنائية التي قررت المحاكم سماعها في جلسة سرية.ولا عقاب على مجرد نشر موضوع الشكوى أو على مجرد نشر الحكم. ومع ذلك ففي الدعاوى التي لا يجوز فيها إقامة الدليل على الأمور المدعى بها يعاقب على إعلان الشكوى أو على نشر الحكم بالعقوبات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة ما لم يكن نشر الحكم أو الشكوى قد حصل بناءً على طلب الشاكي أو بإذنه.

كما جرم المشرع في المادة١٩١كل من ينشر بعلانية ما جرى في المداولات السرية بالمحاكم أو نشر بغير أمانة وبسوء قصد ما جرى في الجلسات العلنية بالمحاكم.كما خول المشرع للمحكمة أن تصدر أمر بعدم نشر المرافعات القضائية أن رأت ذلك ضروريا نظر لنوع وقائع الدعوي أو للمحافظه علي النظام العام والاداب ورصد جزاء جنائي لمن ينتهك حظر عدم النشر اذ نصت المادة ١٩٠ من قانون العقوبات علي أن يجوز للمحاكم نظراً لنوع وقائع الدعوى أن تحظر في سبيل المحافظة على النظام العام أو الآداب نشر المرافعات القضائية أو الأحكام كلها أو بعضها بإحدى الطرق المبينة في المادة ١٧١ومن يخالف ذلك يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *