مراحل إصدار الأحكام القضائية في القوانين المقارنة

مراحل إصدار الأحكام القضائية في القوانين المقارنة.

الحكم في اللغة القضاء (1) بالعدل وجمعه احكام واصله المنع ، ويقال حكمت عليه بكذا اذا منعته من خلافه فلم يقدر الخروج من ذلك وحكمت بين القوم وصلت بينهم(2) .

ويأتي الحكم بمعنى العلم والفقه قال  تعالى : ” وآتيناه الحكم صبياً ” (3) ويتفق غالبية الفقهاء المحدثين ان الحكم هو : كل قرار يصدر عن القاضي وفقا للشكل المقرر قانونا في دعوى قضائية يتم تحريكها بموجب أحكام قانون المرافعات “(4)

وهذا التعريف ينطوي على عنصرين ، العنصر الموضوعي وهو ان الحكم قرار صادر في منازعة بين خصمين او اكثر ، والعنصر الشكلي ، ويقصد به أنه يجب مراعاة اوضاع واجراءات معينة عند اصدار الأحكام(5) والحكم في قانون المرافعات المدنية العراقي ذي الرقم  83  لسنة 1969 النافذ المعدل يقصد به القرار النهائي الذي تنتهي به الدعوى ويعد حجة فيما فصل ، بوصفه حقيقة قضائية وهو على نوعين : الحكم  القطعي البات(6) . والحكم النهائي(7) .

وقد اطلق المشرع العراقي مصطلح (الحكم ) على القرار الذي تنتهي به الدعوى ، أما مصطلح (القرار ) فأطلقه على الاجراء الذي  تتخذه المحكمة قبل الفصل في النزاع(8).

وأجاز القانون العراقي للمحكمة ان تصدر قبل الفصل في النزاع ما تقتضيه الدعوى من قرارات ، ولها أن تعدل عن هذه القرارات او ان لا تأخذ بنتيجة الاجراء بشرط ان تبين اسباب ذلك في محضر الجلسة(9) واستنادا لما تقدم الحكم القضائي لكي يكتسب صفة الأحكام يجب مراعاة عدة قواعد عند اصداره ، لعل أهمها : كون الحكم صادرا من جهة قضائية وان يكون متخذا في منازعة رفعت عنها قضية بين خصمين وأن يكون صادرا من محكمة ذات اختصاص وان يكون قد حاز درجة  البتات(10).

واذا كان حق التقاضي مضمونا ومكفولا للناس كافة ، فانه من الضروري وضع قواعد منظمة لتنظيم ذلك الحق واصدار احكامه على  النحو الذي يولد الثقة فيها(11) وبالتالي اصدار ذلك الحكم القضائي والنطق به أي نطق القاضي بقراره الذي به يعمل حكم القانون على النزاع القائم امامه والذي اعمل ازائه القياس القضائي الذي انتهى بقول كلمة القانون القائمة في حكم  القاعدة القانونية التي تطابق مفترضها المكون للمقدمة الكبرى في القياس  القضائي مع المقدمة الصغرى المكونة لوقائع الخصوم(12)

على ذلك ، فالخطوات التي يقوم القاضي باتخاذها ابتداء من قراره بختام المرافعة وانتهاء بالنطق بالحكم وتنظيم الاعلام ومن ثم تسبيب  الحكم هي أبرز اجراءات اصدار الأحكام القضائية(13) اذ نصت المادة 156  من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل على أنه : ” اذا تهيأت الدعوى لإصدار الحكم تقرر المحكمة ختام المرافعة…”(14) .

ولا يجوز للمحكمة ، بعد ان قررت ختام المرافعة الاستماع الى اقوال احد طرفي الدعوى الا بحضور الطرف الاخر ، او ان تقبل مذكرات او مستندات من احد الطرفين لان القول بخلاف ذلك يعني حرمان الطرف الاخر من حق الدفاع مما يتعارض مع احكام  القانون(15) وهذا ما اكد عليه القضاء العراقي اذ جاء في قرار لمحكمة التميز ” …

وقد وجد ان المحكمة افهمت بختام المرافعة في الجلسة المؤرخة في 10/4/ 1980  التي حضرها الطرفان وقررت تفهيم القرار في يوم 13/4/1980 وفي هذا اليوم حضر المدعي ولم يحضر المدعى عليهما فقررت المحكمة فتح باب الم ا رفعة لوجود نقص في التحقيقات التي اجرتها ولكنها لم تؤجل الدعوى لغرض التبليغ للمدعى عليهما والاستماع الى ايضاح المدعى عليهما بل استمرت في المرافعة في نفس الجلسة التي قررت فيها فتح باب المرافعة خلافاً لحكم المادة  157 من قانون المرافعات المدنية مما اخل بصحة حكمها شكلاً …”(16)

وبعد ان تقرر المحكمة ختام يتصدى لعملية اصدار الحكم ويكون ذلك عن طريق المداولة التي يقصد بها لتشاور في الحكم بين اعضاء المحكمة اذا كانت مؤلفة من اكثر من قاضٍ واحد والتفطير في الحكم وتكوين الراي فيه اذا كان القاضي منفردا (17)  ويشترط لسلامة المداولة توافر عدة شروط(18)  فيها السرية(19)وان لا تستمع المحكمة لأي خصم او وكيله دون حضور الطرف الاخر او ان تقبل مذكرات او مستندات من احد الخصوم دون اطلاع الخصم الآخر عليها(20) وان يكون القضاة الذين اشتركوا في المداولة هم انفسهم الذين  سمعوا المرافعة واختتمت بحضورهم(21) ويصدر الاحكام باسم الشعب(22) ويجب تبليغها للخصوم

ومع ذلك يعد اطراف الدعوى مبلغين بالحكم تلقائيا اذا كانت المرافعة قد جرت حضوريا سواء حضرا في الموعد المقرر للنطق  بالحكم ام لم يحضرا في الموعد الذي عين تلاوة القرار(23). بعد ذلك يتطلب القانون بغية التنظيم الصحيح للحكم القضائي وبعد الانتهاء من المداولة ان يكون الحكم مسببا . ويقصد بتسبيب الاحكام ايراد الادلة الواقعية والقانونية التي استدت اليها المحكمة في اصدار الحكم(24) وهو أشق المهمات الملقاة على عاتق القاضي ، لان كتابة وتسبيب الحكم تتطلب منه فضلا عن اقتناعه هو بما اختاره من قضاء ان يقنع به أصحاب الشأن ،

وكل من يطلع على حكمه بقصد  مراقبته(25) . ويعد تسبيب الأحكام الجزء الأكثر أهمية من الأحكام ، ذلك ان بواسطة التسبيب تتحدد شرعية هذه الأحكام وحجيتها ، لذلك أوجب المشرع تسبيب الأحكام ليضمن عدم تحيز القاضي وصدور أحكامه بعيدة عن التأثر بالعواطف ، فضلا عن أنها وسيلة من الوسائل التي تؤدي الى قناعة الخصم الذي خسر الدعوى بالحكم وفي حالة عدم قناعته تمكنه من دراسة أسباب الحكم عند الطعن به ،

وكذلك تمكن محكمة التمييز او الاستئناف من بسط رقابتها على سلامة الحكم ، وأخيرا فان من فوائد التسبيب أيضا أنه يساعد الفقه والقضاء في تطبيق القانون وتفسيره وذلك عن طريق دراسة وتحليل الأحكام – أحكام القضاء – دراسة علمية مقارنة  مما تساعد في تطوير القانون وتقدمه(26) وتقسم الأسباب في الحكم الى أسباب واقعية وأخرى قانونية(27) هذا واذا ما كانت نتيجة الحكم غير موافقة للقانون ، ك

ان الحكم معيبا بعيب مخالفة القانون فان الحكم هنا يتع رض للفسخ او النقض(28) . واذا كان القانون قد نص على ان القصور او النقص في اسباب الحكم واقعية يترتب عليها بطلان الحكم فان المقصود بذلك ، ان هذا القصور يرجع الى عدم توافر اي شرط من الشروط التي لا بد ان تتوافر في الأسباب  الواقعية(29) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي ، مختار الصحاح ، دار الكتاب العربي ، بيروت ، لبنان ، 1981 ، ص 148 ، مادة : ( ح ك م ) .

2- مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي ، القاموس المحيط ، ط 1 ، مطبعة مصطفى الحلبي وأولاده ، القاهرة ، مصر ، 1952 ، ص 375 ، مادة ( ح ك م ).

3- القرآن الكريم ، سورة مريم ، الآية  12.

4- د. أحمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام في قانون المرافعات ، ط 6 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، مصر ، 1989 ، ص 24 ؛ ود. نبيل اسماعيل عمر ، النظرية العامة للطعن بالنقض في المواد المدنية والتجارية ، منشأة المعارف ، الاسكندرية ، 1980 ، ص 37 ؛ ود. كامل كيره ، قانون المرافعات الليبي ، مطابع جامعة القاهرة ، القاهرة ، 1970 ، ص 679.

5- عبد الرحمن العّلام ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم  83  لسنة 1969 ، ج 3 ، ط 1 ، مطبعة بابل ، بغداد ،1977 ، ص 164 ؛ وكذلك د. آدم وهيب النداوي ، المرافعات المدنية ، ط 3 ، العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ،2011 ، ص 352 ؛ وينظر أيضاً القاضي صادق حيدر ، شرح قانون المرافعات المدنية ، دراسة مقارنة ، مكتبة السنهوري ، بغداد ، العراق ، 2011 ، ص 320 .

6- الحكم القطعي البات : هو الحكم الفاصل الذي تصدره المحكمة في دعوى معينة معروضة على القضاء وتبت او تقطع به في درجتها الاعتيادية .

7-  الحكم النهائي : وهو الذي استكمل جميع مراحل الطعن ووصل الى الدرجة النهائية ولم يعد قابلاً للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن القانونية .

8-  وتجدر الاشارة الى ان القرار الذي أخذ به المشرع العراقي ، هو أكثر شمولاً من الحكم ، والذي تتخذه المحكمة في القضاء المستعجل ، وكذلك الأمر في الأوامر على عريضة أحد الخصوم ، فالقاضي في القانون العراقي يحكم ويقرر ويأمر ، ونتفق مع استاذنا الدكتور عباس العبودي على ان المصطلحات التي استخدمها المشرع العراقي أكثر دقة من القوانين العربية لا.

9- ينظر : المادة  155  من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ والمواد المقارنة لها : المواد (166-183) المصرية والمواد (20-60)من قانون المرافعات الفرنسي النافذ المعدل .

10-  ينظر : د. فتحي والي ، الوسيط في قانون القضاء المدني ، دار النهضة العربية ، جامعة القاهرة ، 1993 ، ص 615 ؛ ود. حسام  مهنى صادق عبد الجواد ، الآثار الاجرائية للحكم القضائي  المدني ، ط 1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2010 ، ص 20

11-  د. عوض أحمد الزعبي ، أصول المحاكمات المدنية ، دراسة مقارنة ، ط 1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، الأدرن ، 2003 ، ص 11 وما بعدها .

12- د. نبيل اسماعيل عمر ، الوسيط في قانون المرافعات المدنية والتجارية ، دار الجامعة الجديدة ،  الاسكندرية ، 2011 ، ص 601

13-  القاضي مدحت المحمود ، شرح قانون المرافعات المدنية رقم  83  لسنة 1969 وتطبيقاته العملية ،  ط 2 ، موسوعة القوانين العراقية ، بغداد ، 2008 ، ص 212

14-  وتقابلها المادة 166  من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري والمادة 158 من قانون اصول المحاكمات المدنية الأردني ذي الرقم  24  لسنة 1988 المعدل ؛ والمادة  400  ما بعدها من قانون المرافعات المدنية الفرنسي النافذ المعدل .

15-  الا ان ذلك لا يمنع المحكمة من فتح باب المرافعة مجدداً لان للمحكمة ان تفتح باب المرافعة مجدداً اذا وجدت نتيجة لتدقيقها لإضبارة الدعوى اموراً تستعدي في ذلك على ان تدون ما يبرر اتخاذ هذا القرار ، وبعد استكمال النقص الذي استوجب فتح باب المرافعة من أجلها ، تقر ختام المرافعة ثانية .

16- قرارها المرقم 76 / مدنية اولى بداءة /1980 في 6/9/1980 مجلة الأحكام العدلية ، العدد الثالث ، 1980،ص49.

17- المادة  157  من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ويقابلها المواد المقارنة اعلاه .

18- ينظر لمزيد من التفصيل : مدحت المحمود ، مصدر سابق ، ص 216 ، والسيد عبد الوهاب عرفة ، ، الشامل في المرافعات المدنية ، ط 1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية ، القاهرة ، 2009 ص 254 .. وهذه الشروط اجمعت عليها القوانين المقارنة متفق مع القانون العراقي … ينظر المادة 157  من القانون العراقي والمواد المقارنة لها : 166المصرية ،  402 الفرنسية ،  158  من قانون اصول المحاكمات المدنية اللبناني ذي الرقم  90 لسنة 1983 النافذ المعدل ؛ والمادة  272  من قانون المرافعات الليبي لسنة 1953 النافذ المعدل .

19-  هذا قد أثير جدلاً واسعاً في فرنسا بخصوص نقد مبدأ سرية المداولة ، وقيل ان حصول المداولة في جلسة علنية يستكمل مقصد المشرع من مبدأ علانية الجلسات ويحث قضاة المحكمة على دراسة القضية دراسة كاملة بل يوجب العناية بتوضيح اي رأي لهم وتسبيبه تسبيباً جدياً … ينظر :Jean Vincent Civil ، Dalloz ، Paris ، 1999 ، p : 461 .

20- الفقرة الاولى من المادة  157  من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل ، والمادة  6 في قانون التنظيم القضائي العراقي ذي الرقم  160 لسنة 1979 النافذ المعدل .

21-  د. عباس العبودي ، شرح احكام قانون المرافعات المدنية ، ط 1دار الكتب ، جامعة الموصل 2000، ص 382

22-  المادة  154  من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل ، والمادة  6 في قانون التنظيم القضائي العراقي ذي الرقم  160  لسنة 1979 النافذ المعدل .

23- المادة  161من قانون المرافعات العراقي النافذ المعدل .

24- د. عزمي عبد الفتاح ، تسبيب الأحكام وأعمال القضاة ، ط 1 ، مطابع جامعة القاهرة ، 1983 ص 203 وما بعدها .

25-  د. أحمد أبو الوفا ، نظرية الأحكام في قانون المرافعات ، ط 6 ، منشاة المعارف ، الإسكندرية ، مصر ، 1989 ، ص 172

26- وجاء في الأسباب الموجبة لقانون المرافعات العراقي : ” أن القانون ذهب الى التشدد في تسبيب الأحكام قبل اصدارها وقبل النطق بها وذلك لحمل القضاة على ألا يحكموا في الدعاوى على اساس فكرة مبهمة لم يتضح معالمها او جملة غابت او خفيت تفاصيلها ، وان يكون الحكم على دائماً نتيجة أسباب معينة واضحة محصورة جرى على اساسها تفكير القاضي وتقديره .

27- والأسباب الواقعية هي بيان الوقائع والأدلة التي يستند اليها الحكم اما القانونية فيراد بها بيان ، النصوص القانونية التي يصدرها الحكم تطبيقاً لها … ينظر : ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، ط 1  مطبعة الاهالي ، بغداد ، 1984 ، ص 100

28-  ينظر المواد  193 و 213  من قانون المرافعات المدنية العراقي والمواد المقارنة المقابلة لها : المواد ( 221 و 248 ) مرافعات مصري والمواد ( 543 و 461 ) مرافعات فرنسي .

29-  ومن تلك الشروط ان تكون الأسباب كافية ومنطقية ومستمدة من اجراءات الدعوى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *