مفهوم البطلان في ميدان القانون المدني – بحث مبسط

مفهوم البطلان في ميدان القانون المدني – بحث مبسط

 

مــقــــدمــة

ان العقد هو اتفاق بين شخصين أو أكثر و الأساس الذي يقوم عليه هو الرضا و هذا الأخير أساس كل عقد و عند قيام هذا الركن تقوم على أساسه الأركان الأخرى و المتمثلة في المحل و السبب و هناك من يضيف الشكل السليم .
و قد أقر القانون أن أي تخلف لأي ركن من هذه الأركان يعني بطلان العقد.
و البطلان يعني إبطاله أو انعدامه وذلك هو جزاء لتخلف ركن من الأركان المذكورة.
و قد عرفه بعض الفقهاء ” انه الجزاء الذي يوقعه القانون لعدم توافر أركان العقد و شروط صحتها “.
من خلال هذه التعاريف السابقة يمكننا أن نقول أن العقد لا يكون دائما صحيحا فقد تتخلله عوارض تكون سببا في إبطاله أو قابليته للإبطال.
و السؤال الذي يتبادر هو:
ما مفهوم البطلان و أنواعه ؟
ما هي أثار تقريره ؟
ما هو موقف المشرع الجزائري من ذلك ؟

المبحث الأول : مفهوم البطلان و أنواعه :

الـمـطـلب الأول: تعريف البطلان

كنا قد استعرضنا الشروط أو الأركان الواجب توفرها حتى يكون العقد صحيحا ، إلا انه بتخلف ركن من هذه الأركان يصبح العقد باطلا أو قابلا للإبطال .
هناك من عرفه ” يعني انعدام الأثر القانوني للعقد الذي لم تحترم فيه القواعد التي أوجبها المشرع في العقد ” .
بالإضافة إلى هذا التعريف هناك تعاريف أخرى : ” هو وصف يلحق تصرفا قانونيا معينا لنشاته مخالفا لقاعدة قانونية يؤدي إلى عدم نفاذه ” و السبب في استبدال كلمة جزاء بكلمة وصف هو دقة المعنى ، فكلمة الجزاء تفيد فكرة العقاب و هذه الفكرة مستبعدة تماما في القانون المدني ، و استبعاد فكرة العقاب فهذا لا يعني إن المشرع لا يقيم لها وزنا على الإطلاق فبطلان العقد كون سببه أو محله غير مشروع هو فعلا عقاب للمتعاقدين ، على عكس إبطال العقد بسبب التدليس الذي يرمي قبل كل شيء إلى حماية رضا المدلس عليه من دون أن نتجاهل سلوك المدلس الذي يعاقب عن طريق إبطال العقد هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إن كلمة الجزاء لا تعني حتما ردعا و العقاب المسلط على الفرد ، بل يقصد به النتائج القانونية المترتبة على التعريفات إذا تمت مخالفة للقانون .
بالإضافة إلى هذه التعاريف هناك من شبه العقد بكائن حي و البطلان حالة خاصة تلحق العقد و كيفية هذه الحالة حسب خطورتها .
و يترتب على بطلان العقد أو فسخه زوال كل أثاره وهذا هو وجه الشبه بين النظاميين ، فالبطلان مثل الفسخ ( فيرجع ) يؤدي إلى انعدام الرابطة القانونية ، أما بالنسبة لوجه الاختلاف يتمثل في الأسباب التي أصابت العقد ، فالانعدام بسبب البطلان يعود إلى عيب أصاب العقد في احد أركانه ، و اما الفسخ فيرجع إلى عدم تنفيذ احد المتعاقدين لالتزامه في العقد الملزم للجانبين و يزول العقد اي ينقضي و ذلك عن طريق الانحلال و يجمع بين الانحلال و البطلان انه يترتب عليهما زوال العقد لكن الانحلال يرد على عقد نشا صحيحا و قد ينحل العقد باتفاق الطرفين.
و قد ينحل عن طريق الرجوع إلى الإرادة المنفردة لأحد العاقدين .
و العقد الباطل مثله مثل العقد غير النافذ لا يسري في حق الغير و لا يمكن الاحتجاج به لدى الغير ، و السبب في عدم نفاذ العقد هو الإخلال بإجراءات الشهر العقاري و هذه الإجراءات تمثل تقييد نقل حق الملكية و الحقوق العينية الأخرى بين المتعاقدين
يتميز البطلان عن عدم النفاذ لكون العقد الباطل منعدم الوجود قانونا بالنسبة للمتعاقدين نفسيهما و بالنسبة للغير كذلك.
أما في حالة عدم نفاذ العقد فهو موجود قانونا بين المتعاقدين و منعدم بالنسبة للغير .

المطلب الثاني : أنــواع البطلان

أولا : الـبـطــلان الـمـطـلق

إن العقد الباطل بطلانا مطلقا ، فهو منعدم الوجود و لا حاجة إلى تقرير البطلان ، و يضاف لهذا النوع من بطلان العقد الذي لم يستوفى أركانه ، كانعدام تطابق الإرادتين ، و انعدام المحل أو السبب ، أو عدم مشروعية محله أو سببه .
إن كان من شروط التراضي هناك شروط أساسية و هي أن يصدر ممن بلغ سن التمييز ، وانه إذا صدر من عديم التمييز كان باطلا بطلانا مطلقا و لو كان العقد لمصلحته .
و كذلك بالنسبة للمحل يجب أن يكون موجودا أو ممكن الوجود في المستقبل وإذا لم يكون موجودا عند التعاقد بل كان قد هلك فان العقد يكون باطلا بطلانا مطلقا وإذا كان المحل مستحيل الوجود في المستقبل استحالة مطلقة فان العقد يكون باطلا مطلقا
و كذلك من شروط المحل أن يكون معينا او قابلا للتعيين و إلا كان العقد باطلا بطلانا مطلقا.
بالإضافة لذلك فان المحل يجب أن يكون مشروعا فإذا كان عكس ذلك فانه اي العقد يكون باطلا .
يترتب البطلان المطلق بنص في القانون لنص المادة 92/2 ببطلان التعامل في تركة إنسان على قيد الحياة و لو كان برضاه و كذلك نص القانون على بطلان بيع الوفاء من ذلك نص المادة 396 : ” يكون البيع باطلا إذا احتفظ البائع يوم البيع بحق استرداد الشيء المبيع في اجل معين ” و البطلان المطلق يجعل العقد في حكم المعدوم بحيث لا ينتج أي اثر قانوني و إن كانت تترتب عليه أثار .
و لكل ذي مصلحة ان يطلبه. هذا البطلان المطلق لا ترد عليه الإجازة و لا يسقط الحق في طلب بطلانه إلا بمضي مدة التقادم 15 سنة إن الدفع بهذا البطلان لا يسقط أبدا .

ثانيا : البـطـلان النـسبـي

العقد القابل للإبطال أو البطلان النسبي ففيه يكون العقد قائما و لكن معيبا بعيب من عيوب الرضا و هي نقص أهلية المتعاقد المميز و الغلط و التدليس و الإكراه و الاستغلال ، و يكون طلب إبطال العقد ( الناقص ) لمن عيب رضاه إن الإبطال النسبي شرع لمصلحة المتعاقد الناقص الأهلية أو لمن وقع في غلط أو للمدلس عليه أو المكره أو لمن استغل فان احدهم أجاز العقد أو تنازل عن طلب الإبطال فيصبح العقد و يبقى قائما منتجا لأثاره .
و قد حدد القانون مدة طلب الإبطال بمدة 10 سنوات و ذلك طبقا لما جاءت به المادة 101 : ” يسقط الحق في إبطال العقد إذا لم يتمسك به صاحبه خلال 5 سنوات و يبدأ سريان هذه المدة في حالة نقص الأهلية من اليوم الذي يزول فيه هذا السبب و في الغلط أو التدليس من اليوم الذي يكشف فيه ، و في حالة الإكراه من يوم انقطاعه غير انه يجوز التمسك بحق الإبطال لغلط أو تدليس أو أكراه إذا انقضت 10 سنوات من وقت تمام العقد ” .
إلى جانب البطلان النسبي الذي تقرره القواعد العامة يوجد بطلان نسبي يقرره القانون طبقا لنص المادة 397 : ” إذا باع شخص شيئا معينا بالذات و هو لا يملكه فللمشتري الحق بطلب إبطال البيع و يكون الأمر كذلك و لو وقع البيع على عقار أعلن أو لم يعلن بيعه ، أو في كل حالة لا يكون هذا البيع ناجزا في حق مالك الشيء المبيع و لو أجازه المشتري ” .
إختلال الرضا ينتج عنه أن يكون العقد قائما حتى يطلب من صدر منه الرضا حماية القانون و عندئذ يزول العقد و هذا هو البطلان النسبي فهو قائم و صحيح و منتج للآثار غير انه على خطر الإبطال.
بالإضافة للمواد السابقة نصت المادة 99 عل القابلية للإبطال : ” إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للمتعاقد الأخر إن يتمسك بهذا الحق”.
و كذلك المادة 100:” يزول حق إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية و تستند الإجازة إلى التاريخ الذي تم فيه العقد ، دون إخلال بحقوق الغير ” .
الإجازة تلحق العقد الباطل نسبيا فيزول حق الإبطال بالإجازة الصريحة أو الضمنية و هي تصرف قانوني من جانب واحد يزيل به احد المتعاقدين العيب الذي لحق العقد ومن ثم فيلزم إن تتوافر فيه شروط التصرف من حيث الأهلية و سلامة الإدارة من العيوب .
و الفرق بين الإجازة والإقرار أن الأخير يصدر من جانب واحد و يكون خارج عن أطراف العقد مثال إقرار المالك في حالة التمسك بالإبطال كناقص الأهلية بعد بلوغه و إن يكون العقد باطلا نسبيا ، و أن يكون على علم بالعيب و يريد أن يجيزه أو أنها تصدر بعد زوال العيب فلا إجازة لقاصر أو لمكره و لا إجازة إلا بعد اكتشاف الغلط و التدليس ، وزوال ما يشوب الإرادة و هي الوقوع تحت الاستغلال .
إذا أجيز العقد الباطل بطلانا نسبيا استقر وجوده نهائيا و الإجازة لا تصحح العقد القابل للإبطال لأنه صحيح قبلها و لكنها تزيل خطر الابطال و هي لا تخل بحق الغير إذ لا يصح إن تضر بحق الغير ، و يقصد بالغير هنا الخلف الخاص للمتعاقد الذي له الحق في الإبطال .
مثال : إن يرهن قاصر عقار ( مثل هذا العقد قابل للبطلان ) ثم يجيزه بعد بلوغه سن الرشد العقد الباطل نسبيا فهو مهدد بالإبطال لكن إذا مضت عليه المدة القانونية أصبح صحيحا و سقط الإبطال بالتقادم ، وتحسب المدة من يوم زوال العيب و يفسر انه امتناع عن إقامة الدعوى .
و يعتبر تصحيحا لعقد البيع ما قضت به المادة 358 : ” إذا بيع عقار بغبن يزيد عن خمس فالبائع الحق في طلب تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل “.
و يجب لتقدير ما إذا كان الغبن يزيد عن الخمس إن يقوم العقار بحسب قيمته وقت البيع .
كما يعتبر تصحيحا لعقد القسمة ما نصت عامة المادة 732/2 : ” يجوز نقض القسمة الحاصلة بالتراضي إذا اثبت أحد المتقاسمين انه لحقه منها غبن يزيد على الخمس ، على أن تكون العبرة في التقدير بقيمة الشيء وقت القسمة “.
لا يتمسك بالإبطال إلا المتعاقد الذي تقرر الإبطال لمصلحته و لا تملك المحكمة إن تقضي به من تلقاء نفسها و الإبطال لا يتقرر إلا بالرضاء أو القضاء و حكم القاضي هنا الذي ينشئ البطلان و إن كان يستند بأثر رجعي .

المبحث الثاني : الآثار التي يرتبها العقد الباطل و القابل للإبطال :

المطلب الأول : مبدأ زوال العقد

يترتب على تقرير البطلان أو إبطال العقد زواله الكلي أو بأثر رجعي .
أولا : الزوال الكلي للـعـقـد
إذا تقرر بطلان العقد إبطاله فانه يزول كليا ، أي انه ينعدم ، أي كان لم يكن أصلا .
فالواجبات و الحقوق التي رتبها العقد أو كان سيرتبها تزول كليا.
مثلا : تقرير إبطال عقد البيع أو إبطاله زوال عملية البيع فتزول صفة البائع للمالك و كل الحقوق و الواجبات التي اكتسبها أو تحملها بموجب العقد .
فليس له الحق في المطالبة بثمن المبيع أو مصاريفه ، و ليس عليه إن يسلم المبيع و كذلك بالنسبة للمشتري .
فهذا الأمر متعلق بالبطلان المطلق، كون العقد لم ينعقد أصلا ، إما بالنسبة للعقد القابل للابطال فانه ينعقد صحيحا و يكتسب أطرافه حقوقا و يحملهم واجبات ، وعليه فان تقرير الإبطال يزيل هذه الحقوق و الواجبات و ذلك من إبرام العقد .

ثانيا : زوال العقد بأثر رجعي
إذا تقرر بطلان العقد أو إبطاله سريان هذا الإبطال على المتعاقدين من يوم إبرام العقد ، و في بعض الحالات إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، وذلك بالإضافة للغير إذا كان قد اكتسب حقا من احد المتعاقدين .
ومثال ذلك : ما جاءت به المادة 103 مدني .
أ‌- إعادة المتعاقدين إلى حالتها الأصلية :
جاءت المادة 103 مدني وكذلك ما قضى به قرار المجلس الأعلى بتاريخ 09/07/1989 : ” حيث وانه وان كان قضاة الموضوع قد نطقوا ببطلان عقد الشركة تطبيقا للمادة 545 تجارية ، من اجل عدم إفراغه في الشكل الرسمي فانه كان ينبغي عليهم استخلاص جميع النتائج المترتبة على هذا البطلان بقصد إعادة الطرفين إلى الحالة التي كانا عليها قبل و استند إلى نص المادة 103 مدني ” .
يعني ذلك إعادة المتقاعدين إلى ما قبل إبرام العقد ، خاصة إذا كان المتعاقد ناقص الأهلية أو الملوث ( الغاش ) .
1- كيفيات الاسترداد :
إذا تقرر بطلان أو العقد الذي شرع في تنفيذه فلا بد أن يسترد كل منها أداه عينا ( 1 ) بمقابل ( 2 ) حتى تزول كل أثار هذا العقد .
1 أ / الاسترداد العيني:
أفضل حالة لإعادة المتعاقدين إلى ما قبل العقد هي استرداد كل منهما ما أداه عينا .
* فالبائع إن يسترد المبيع و ثماره منذ إبرام العقد و للمشتري إن يسترد ما أداه أي الثمن بالإضافة إلى المصاريف التي أنفقها لحفظ المبيع .
و مثال ذلك أب المشتري اجرى ترميمات على عقار و كان حسن النية فله الحق في طلب التعويض و ذلك ما اخذ به المجلس الأعلى في قراره المؤرخ في 18/06/1969 .
أما إذا استحال استرداد ما أداه المتعاقدان عينا بسبب هلاك الشئ أو الطبيعة ( كالإيجار ) يكون الاسترداد عن طريق التعويض فإذا تقرير إبطال عقد الإيجار فلا يمكن للمؤجر إن يسترد المنفعة التي تحصل عليها المؤجر منذ إبرام العقد ، في هذه الحالة للقاضي تحديد مبلغ التعويض الذي يحل محل الاسترداد العيني .
و كذلك بالنسبة إذا هلكت المبيع بعد تنفيذ العقد فله إن يسترد تعويضا عن ذلك فقط .
ب/ حرمان المتعاقد جزئيا أو كليا من الاسترداد :
إذا كانت نصت المادة 103 على المادة المتعاقدان إلى ما قبل العقد إلا انه هناك حالات لا يمكن فيها ذلك منها إلزام المتعاقد ناقص الأهلية برد جزء فقط من الأشياء التي تحصل عليها .
بالإضافة إلى هذا فبالنسبة للملوث ( الغاش ) فليس له أن يستفيد من غشه ففي حالة بطلان العقد بسبب عدم مشروعيته ، فان المتعاقد المتسبب في عدم المشروعية لا يستفيد من حق استرداد ما أداه .
و كذلك بالنسبة للتساوي في الغش فلا يستردان كلاهما .
مثال ذلك: بالنسبة للراشي و المرتشي ( م 133 عقوبات ) .
و كذلك مصادرة المال ما جاءت به المواد 161 – 167 – 168 – 202 – 203 عقوبات
ج- سقوط حقوق الغير:
إذا تم تقرير البطلان أو الإبطال في حق المتعاقدين فستسري حتى على الغير الذي استفاد من وراء هذا العقد .
فتتأثر حقوقه بصحة أو ببطلان العقد ، و الغير ليس الأجنبي عن العقد إنما هو الخلف الخاص الذي يخلف المتعاقدين في حق عيني أو في عين معينة :
مثال : فإذا باع علي لعمر شقة و باعها عمر لأحمد فان تم إبطال عقد البيع الاول فان الثاني يبطل كذلك .
إلا انه هناك استثناء على هذه القاعدة و هو بتوفر حسن النية و عدم العلم ببطلان العقد و حيازة سندا صحيحا أو سند لحامله .
فقد نظم المشرع ذلك واقر بحيازة الشيء موضوع العقد و تكون حيازته صحيحة، و ذلك ما نصت عليه م 885 مدني، فيما يتعلق بالرهن

المطلب الثاني : الآثار العرضـيـة للعـقـد الباطل

من العقود الباطلة التي تنتج آثار عرضية الزواج بين المحارم فهو باطل إنما ينتج أثار عرضية بوصفه واقعة مادية كوجوب المهر و ثبوت النسب و العدة.
و العقد الباطل لتدليس أو إكراه يوجب التعويض عن المسؤولية التقصيرية .
عن الفعل غير المشروع بالنسبة للمتعاقد حسن النية و ذلك ببطلان العقد لسبب لم يكن يعلم به .
مثال ذلك : استعمال القاصر لطرق غير مشروعية لإخفاء نقص أهليته كتزوير شهادة ميلاده فهذا الاحتيال يستوجب المسؤولية عن الفعل غير المشروع .
أولا : نظرية الخطأ عند تكوين العقد
هذه النظرية أخذ بها الفقيه الألماني اهرنج و أيدها الفقيه الفرنسي سالي و مفادها أن من يتسبب في إنشاء عقد مع طرف ثاني حسن النية لما في العقد من خطأ لا يعلمه لذلك فعلى أساس افتراض عقد ضمان فهو يلتزم بان لا يكون هناك سبب للبطلان أن من جهة فإذا تحقق سبب البطلان فالطرف المتسبب في البطلان يلزم بتعويض الطرف المتضرر من هذا البطلان حسن النية ، فان انعدم أساس حسن النية فينعدم التعويض .
ثانيا : نظريتا إنقاص العقد و تحول العقد
وهما نظريتين ألمانيتان تقومان على أساس تفسير إرادة المتعاقدين .
أ‌- حالة إنقاص العقد: فهو بطلان جزئي كبطلان شطر في العقد فيقتصر البطلان على الشطر الباطل فقط و يبقى العقد صحيحا.
أما إذا كان هذا التقسيم يتعارض مع إرادة المتعاقدين فانه يصبح باطلا كله .
مثال : هبة مقترنة بشرط غير مشروع فتصح الهبة و يبطل الشرط .
ما لم يكن هذا الشرط هو الدافع إلى التبرع فيبطل الهبة كلها .
نظرية تحول العقد : وذلك ما جاءت به المادة 105 ق م إذا كان العقد باطلا أو قابل للإبطال وتوفرت فيه أركان عقد أخر، فان العقد يكون صحيحا باعتبار العقد الذي توفرت أركانه ، إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد
1) مثال :البيع بثمن تافه يبطل العقد كبيع لانعدام ركن الثمن ولكنه يتحول لهبة صحيحة متى استوفى باقي شروطه
2) السند الرسمي الباطل يتحول إلى سند عرفي متى اشتمل على توقيع الطرفين

ج) شروط إنقاص العقد
1) إن يكون العقد باطلا في أحد أجزائه دون الأجزاء الأخرى لأنه إذا كان باطلا في كل أجزائه فيكون باطلا ، ومادام جزء فقط فيمكن إنقاصه
2) إن يكون هذا العقد قابل للتجزئة ، أما إذا لم يكن قابل لذلك إلا بتوفر الشق الباطل فان العقد يبطل باكمله
مثال : وجود شرط باطل في وصية فانه يبطل الوصية إذا كان هو الدافع الحقيقي أما إذا كان الشرط الباطل ليس هو الدافع للتصرف فان التصرف يكون قابلا للتجزئة فيجوز إنقاصه
د)شروط تـحـول الـعـقـد:
1- إن يكون العقد الأصلي باطلا :فالهبة الصحيحة لا يمكن أن تتحول إلى وصية ، ويجب أن يكون العقد باطلا بأكمله فان كان بعضه باطلا وبعضه صحيحا فلا تحول ولا إنقاص أو إذا كان ثمة غلط بالنسبة لشيء من جملة أشياء ورد عليها بيع ، أو كان تصرف هبة مقرونة بشرط غير مشروع ولم يكن هذا الشرط هو العنصر الأساسي للتعاقد فتصح الهبة ويبطل الشرط
وكذلك ما جاء في المادة 722 مدج
2- إن يتضمن العقد الباطل كل عناصر التصرف الأخر: فلا يجوز أن يضاف إليها عنصر جديد و إلا فلا تحول بل يصحح العقد
مثال: شراء شخص شيء ضنا منه انه أثرى وتبين انه ليس كذلك لوجود غلط فالعقد باطل، أما إذا عرض عليه البائع الشيء الحقيقي الأثري فهنا عنصر جديد منها فتصحيح العقد يكون بإدخال هذا العنصر الجديد .
3- إن تنصرف إرادة العاقدين المحتملة إلى عقد أخر :
معنى ذلك إن إرادة المتعادين الظاهرة قد انصرفت إلى العقد الباطل فان إرادتهما المحتملة انصرفت إلى عقد أخر لو أنهما علما بهذا البطلان فالمهم هو الوصول إلى الغاية الموجودة من التعاقد تحول أثار العقد تترتب على العقد الصحيح وليس على العقد الباطل .

المبحث الثالث: موقف المشرع

المطلب الأول : موقف المشرع الجزائري من أنواع البطلان

يتبين لنا من خلال الأحكام الواردة في المواد من 99 إلى 105 من التقنين المدني أن المشرع اعتمد التقسيم الثنائي للبطلان حيث ميز بين البطلان النسبي والبطلان المطلق وقد تناول أحكام البطلان النسبي في المواد من 99 إلى 101 مبينا زوال الإبطال بالإجازة ويسقط بالتقادم وقد بين في المادة 101 حالات قابلية العقد للإبطال وذكر – نقص الأهلية – وعيوب الرضا- والتي تم ذكرها في المواد
80-81 -86-88-90 ق م ، والتي تنص على قابلية العقد للإبطال للأسباب الآتية
نقص الأهلية (8 ،الغلط (81-85) ، التدليس (86-87) ، الإكراه (88-89)، الغبن (90-91) –الاستغلال
وتضمن المادة 102 ق م البطلان المطلق وقضت :
– بجواز التمسك ببطلان العقد لكل ذي مصلحة .
– للمحكمة أن تقضي بذلك من تلقاء نفسها .
– الإجازة لا تلحق البطلان المطلق .
– سقوط دعوى التقادم .
يتبين لنا من خلال الأحكام الواردة في المواد 92 إلى 98 أن البطلان المطلق يلحق العقد الذي شابه عيب في احد أركانه .
وهي التراضي – المحل – السبب ، أو لعدم مشروعية المحل و السبب و خصص المواد من 103 إلى 105 للأحكام المشتركة بينهما .
و في الأخير نقول إن المشرع قد اخذ في تحديد انواع البطلان بإن المصلحة العامة هي أساس البطلان المطلق و المصلحة الخاصة هي أساس البطلان النسبي .
و إذا صعب تحديد المصلحة العامة من المصلحة الخاصة فيتدخل المشرع بنص خاص يوضح فيه الأحكام الواجبة التطبيق .

المطلب الثاني: موقف المشرع الجزائري من الأثر العرضية للعقد الباطل و القابل للإبطال

إن المشرع الجزائري قد أخذ بانقاص وتحول العقد ، وهكذا تنص المادة 104 من القانون المدني أن : ” إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للإبطال ، فهذا الشق وحده الذي يبطل ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا ، أو قابلا للإبطال فيبطل العقد كله ” .
أما المادة 105 فتنص أن ” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتورث فيه أركان عقد أخر فإنه يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توفرت أركانه، إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام العقد .

خـــــاتــــمــــة :

حفاظا على الثقة و الائتمان لابد إذن من وضع ضوابط قانونية يخضع لها كل المتعاقدين وبدون استثناء .
لأجل ذلك كانت ضرورة إبطال العقود التي تشوبها نقائص أساسية في صحة العقود و ذلك من اجل منع تعسف طرف على الآخر.
أو وجود عقود لا تستجيب لما اقره المجتمع من آداب و نظام عام. و حتى لا يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالح ذاتية دون مراعاة أدنى التزام، وحتى يكون الجميع سواسية أمام قواعد قانونية جاز لكل طرف تجاوز في استعمال حقه بطرق يحددها القانون.
و إن اكبر عقاب للمتعاقدين هو الإبطال فهي الأداة التي بها يردع المخالفون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الــــمـــراجــــع

1- د- بلحاج العربي – النظرية العامة للالتزام في القانون المدني الجزائري – ج1 – ديوان المطبوعات الجامعية – الجزائر – طبعة 3 – 2004-
2- د- نبيل إبراهيم سعد – النظرية العامة للالتزام – ج1- دار المعرفة الجامعية الإسكندرية – بدون طبعة – 1994
3- علي فيلالي – النظرية العامة للالتزام – موفـم للنشر و التوزيع – الجزائر – 2005

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *