نظرية تحول العقد وإنتقاص العقد تطبيقا لنصوص القضاء المصري

نظرية تحول العقد وإنتقاص العقد تطبيقا لنصوص القضاء المصري

 

(نظرية تحول العقد Conversion du contrat)
(ونظرية انتقاص العقد Réduction du contrat)

 النصوص القانونية:
لم يكن القانون القديم يتضمن نصاً يقرر النظرية كمبدا عام ولكن القضاء كان يطبقها في بعض الحالات .
أما القانون الحالي فقد أورد فيها نصاً صريحاً هو المادة 144 ، وهي تجري على الوجه الآتي :
” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للإبطال وتوافرت فيه أركان عقد أخر ، فان العقد يكون صحيحا باعتباره العقد الذي توافرت أركانه ، إذا تبين أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى إبرام هذا العقد ([1]) ” .
ونظرية تحول العقد نظرية ألمانية ، صاغها الفقهاء الألمان في القرن التاسع عشر ، واخذ بها التقنين الألماني كقاعدة عامة في نص صريح هو المادة 140 ([2]) . وعلى نهج التقنين الألماني سار القانون المدني الحالي .

 كيف يتحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر صحيح:
وتتلخص النظرية في أن التصرف الباطل قد يتضمن رغم بطلانه عناصر تصرف آخر ، فيتحول التصرف الذي قصد إليه المتعاقدان وهو التصرف الباطل ، إلى التصرف الذي توافرت عناصره وهو التصرف الصحيح . وبذلك يكون التصرف الباطل قد أنتج أثراً قانونياً عرضياً لا أصلياً .ومن الأمثلة على تحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر صحيح ” كمبيالة ” لم تستوف الشكل الواجب فتتحول من كمبيالة باطلة إلى سند عادي صحيح . ومن الأمثلة أيضاً شخص يتعهد تعهداً لا رجوع فيه أن يجعل آخر وارثا ً له ، فيكون التعهد باطلا لأن الشريعة الإسلامية لا تعرف عقد إقامة الوارث ( institution d’héritier ) ، ولكنه يتحول إلى وصية صحيحة يجوز الرجوع فيها . ومن أمثلة التحول كذلك وصية لاحقة لوصية سابقة ، فإذا كانت الوصية اللاحقة باطلة تحولت إلى عدول صحيح عن الوصية السابقة . ومثل هذا تصرف باطل في شيء كان قد أوصى به المتصرف قبل صدور التصرف ، فيتحول التصرف الباطل إلى عدول صحيح عن الوصية .

شروط تحول العقد:
ويتبين مما تقدم أن هناك شروطاً ثلاثة لتحول التصرف الباطل إلى تصرف آخر صحيح :
( 1 ) بطلان التصرف الأصلي .
( 2 ) وتضمنه لعناصر تصرف آخر .
( 3 ) وانصراف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى هذا التصرف الآخر ([3]) .

فيجب أولاً أن يوجد تصرف أصلي باطل . وتترتب على هذا الشرط نتيجتان :
( 1 ) لو أن التصرف الأصلي كان صحيحاَ ؟ ، فلا يتحول إلى تصرف آخر كان المتعاقدان يؤثرانه على التصرف الأول ، حتى لو تضمن التصرف الصحيح عناصر هذا التصرف الآخر . مثل ذلك هبة صحيحة تتضمن عناصر الوصية ، ويتبين أن كلا من الواهب والموهوب له كان يفضل الوصية على الهبة ، فلا تتحول الهبة إلى وصية في هذه الحالة ، لأن الهبة وقعت صحيحة ، ولا يتحول إلا التصرف الباطل .
( 2 ) يجب أن يكون التصرف الأصلي باطلا بأكمله . أما إذا كان جزء منه باطلا وكان التصرف قابلا للانقسام ، فلا يكون هناك محل لتحول التصرف ، بل لانتقاصه ( réduction ) ، فيزول الجزء الباطل ويبقى الجزء الصحيح .

وقد نصت المادة 143 من القانون المدني الحالي صراحة على هذا الحكم ، فقضت بأنه ” إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للأبطال فهذا الشق وحده هو الذي يبطل ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع أو قابلا للأبطال فيبطل العقد كله ” ([4]) . مثل ذلك قسمة أعيان بعضها موقوف وبعضها مملوك ، فتقع قسمة الموقوف باطلة ، وتبقى قسمة المملوك صحيحة ، إلا إذا اثبت من يطعن في القسمة كلها إنها ما كانت لتتم في المملوك دون الموقوف .

ويتبين من ذلك أن وجود شرط باطل في وصية ، يكون من شأنه أن يبطل الوصية كلها إذا كان هو الدافع إلى التصرف ، أو يبطل هو وحده إذا لم يكن هو الدافع ، يدخل في نطاق قاعدة انتقاص العقد . ويدخل في نطاق هذه القاعدة أيضاً ما يشترط فيه القانون أن يقف عند رقم محدود على أن ينقص ما يزيد على هذا الرقم ، كعقد بقاء في الشيوع اتفق على أن تكون مدته أكثر من خمس سنوات فتنقص المدة إلى خمس ( م 834 ) ، أو عقد قرض بفوائد تزيد على 7 في المائة فتنقص الفوائد إلى 7 في المائة ( م 227 ) .
في مثل هذه الأحوال ينتقص العقد لا يتحول ما دام قابلا للتجزئة .

أما إذا لم يكن قابلا لها فإنه يبطل بأكمله . وقد يكون هناك محل في هذه الحالة لتحوله إلى عقد آخر صحيح ، كما قدمنا يكون هناك محل في حالة الانتقاص لتحول الجزء الباطل وحده إلى عقد آخر صحيح . وانتقاص العقد ليس إلا تطبيقاً للقواعد العامة ، وكان القضاء يأخذ به في ظل القانون القديم ([5]) .
ويجب ثانياً أن يتضمن التصرف الباطل جميع عناصر التصرف الآخر الذي يتحول إليه دون أن يضاف إلى هذا التصرف الآخر عنصر جديد . فإذا اختل هذا الشرط لم يجز التحول . مثل ذلك شخص باع أرضا من آخر ، وتبين أن الأرض غير مملوكة للبائع ، فلا يتحول العقد إلى بيع يقع على منزل مملوك للبائع ، حتى لو ثبت أن المتعاقدين كانا يقبلان ذلك لو علما بأن البائع لا يملك الأرض ([6]) .

ويجب أخيراً أن تنصرف إرادة المتعاقدين المحتملة إلى التصرف الآخر الذي تحول إليه التصرف الأصلي . وليس معنى ذلك أن المتعاقدين أرادا التصرف الآخر إرادة حقيقية ، بل معناها إنهما كانا يريدانه لو إنهما علما بان التصرف الأصلي باطل .

فإرادتهما الواقعية انصرفت إلى التصرف الأصلي ، وانصرفت ارادتهما المحتملة إلى التصرف الآخر . ومن هنا نرى أن القاضي قد استخلص من التصرف الباطل – باعتباره واقعة مادية – عناصر تصرف صحيح انصرفت إليه الإرادة المحتملة للمتعاقدين ، فأقام هذا التصرف الصحيح مقام التصرف الباطل ، وجعل ذاك أثراً عرضياً لهذا ([7]) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ^ تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 203 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا كان العقد باطلا أو قابلا للبطلان وتوافرت فيه أركان عقد آخر ، فإن العقد يكون صحيحاً باعتباره العقد الذي توافرت أركانه إذا تبين أن المتعاقدين كانت نيتهما تنصرف إلى إبرام هذا العقد لو إنهما كانا يعلمان ببطلان العقد الأول ” . وفي لجنة المراجعة ادخلت بعض تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 148 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب على المادة دون تعديل . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ جرت مناقشات طويلة حول حذف العبارة الأخيرة من النص ، وقيل في الرد على ذلك بأن المقصود بهذه المادة أن نضع للقاضي معياراً لتحقيق العدالة ، فنحن لا تلزمه بالبحث عن نية المتعاقدين ، ولكنا نطالبه أن يستخلص ما كانت تنصرف إليه نية المتعاقدين عند إبرام العقد ، وهذا التكييف القانونين من القاضي يقع تحت رقابة محكمة النقض على أن يكون مفهوماً أن القاضي يبحث في النية التي كان مفروضاً قيامها قبل النزاع . وانتهت اللجنة إلى الاقتصار على حذف عبارة ” لو إنهما كانا يعلمان ببطلان العقد الأول ” لأنها تزيد لا محل له ، ولان المسألة نيط أمرها بالنية ، ولا لمحل للتقيد بعد ذلك بالعلم أو بأي ظرف آخر ما دام الأمر سيرجع في النهاية إلى تقدير القاضي . وأصبح رقم المادة 144 – ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته . ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 262 – ص 267 ) .

[2] ^ وقد قضت المادة 140 من التقنين الألماني بما يأتي : ” إذا كان العمل القانونين الباطل يفي بشروط عمل قانونين آخر ، فهذا العمل الأخير هو الذي يؤخذ به إذا فرض أن المتعاقدين كانا يريدانه لو كانا يعلمان بالبطلان ” . ويجمع هذا النص شروط التحول الثلاثة التي سيأتي ذكرها ، وقد أخذ بالإرادة الاحتياطية ولا بانعدام الإرادة العكسية على ما سيأتي بيانه ( أنظر في هذا الموضوع سالي في إعلان الإرادة م 140 ص 158 ) .

[3] ^ وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” استقيت أحكام المادة 203 ( م 144 جديد ) من التقنين الألماني أيضاً . بيد أن فكرة تحويل العقد أو انقلابه أدق من فكرة الانتقاص التي تقدمت الإشارة إليها . فليس يرد أمر التحويل إلى مجرد تفسير لإرادة المتعاقدين . بل الواقع أن القاضي يحل نفسه محلهما ، ويبدلهما من عقدهما القديم عقداً جديداً يقيمه لهما . ويشترط لاعمال أحكام التحويل أن يكون العقد الأصيل باطلا أو قابلا للطبلان . فإذا كان صحيحاً فلا يملك القاضي بوجه من الوجوه أن يحل محله عقداً آخر قد يؤثره المتعاقدان لو فصل لهما أمره . ويشترط كذلك أن تكون عناصر العقد الجديد التي يقيمه القاضي قد توافرت جميعاً في العقد الأصيل الذي قام به سبب من أسباب البطلان ، فلا يملك القاضي على أي تقدير أن يلتمس عناصر إنشاء العقد الجديد خارج نطاق العقد الأصيل . ويشترط أخيراً أن يقوم الدليل على أن نية المتعاقدين كانت تنصرف إلى الارتباط بالعقد الجديد لو إنهما تبينا ما بالعقد الأصيل من أسباب البطلان . ويستخلص مما تقدم أن سلطة القاضي في نطاق التحويل ليست سلطة تحكمية . فإذا كان يتولى عن العاقدين إعادة إنشاء التعاقد إلا أنه يسترشد في ذلك بارادتهما بالذات . وليست الشروط الثلاثة المتقدمة سوى قيود قصد بها أن تحد من إطلاق تقدير القاضي على نحو يتيح تقريب الشقة ما أمكن بين نية المتعاقدين المفترضة ونيتهما الحقيقية . ولعل اعتبار الكمبيالة التي لا تستوفى ما ينبغي لها من الشروط الشكلية سنداً أذنياً أو مجرد تعاقد مدني من ابرز التطبيقات العملية التي يمكن أن تساق في صدد فكرة التحويل ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 263 – ص 264 ) .

[4] ^ تاريخ النص : ورد هذا النص في المادة 202 من المشروع التمهيدي على الوجه الآتي : ” إذا كان العقد في شق منه باطلا أو قابلا للبطلان ، فهذا الشق وحده هو الذي يبطل ، أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلا ، إلا إذا تبين أن العقد ما كان ليتم بغير الشق الذي وقع باطلا أو قابلا للبطلان ” . وفي لجنة المراجعة ادخلت بعض تعديلات لفظية ، وأصبح رقم المادة 147 في المشروع النهائي . ووافق مجلس النواب المادة دون تعديا . وفي لجنة القانون المدني لمجلس الشيوخ حذفت عبارة ” أما الباقي من العقد فيظل صحيحاً باعتباره عقداً مستقلا ” لأن هذه العبارة جاءت على سبيل الإيضاح وهي تقرر نتيجة تستخلص في غير عناء من النص نفسه ، وأصبح رقم المادة 143 . ووافق مجلس الشيوخ على المادة كما أقرتها لجنته ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 259 – ص 261 ) .
وقد جاء في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد ما يأتي : ” اقتبس المشروع أحكام المادة 202 ( م 143 جديد ) من التقنينات الجرمانية ، ومن بينها التقنين الألماني وتقنين الالتزامات السويسري والتقنين البولوني بوجه خاص ( أنظر أيضاً المادتين 327 / 308 من التقنينين التونسي والمراكش ي 9 . وهي تعرض لانتقاص العقد عندما يرد البطلان المطلق أو النسبي على شق منه . فلو فرض أن هبة اقترنت بشرط غير مشروع ، أو أن بيعاً ورد على عدة أشياء وقع العاقد في غلط جوهري بشأن شيء منها ، ففي كلتا الحالتين لا يصيب البطلان المطلق أو النسبي من العقد إلا الشق الذي قام به سببه . وعلى ذلك يبطل الشرط المقترن بالهبة بطلاناً مطلقاً ، ويبطل البيع فيما يتعلق بالشيء الذي وقع الغلط فيه بطلاناً نسبياً ، ويظل ما بقى من العقد صحيحاً باعتباره عقداً مستقلاً ، ما لم يقم من يدعى البطلان الدليل على أن الشق الذي بطل بطلاناً مطلقاً أو نسبياً لا ينفصل عن جملة التعاقد ( قارن المادة 139 من التقنين الألماني والمادتين 327 / 308 من التقنينين التونسي والمراكشي ، وهي تلقى عبء الإثبات على عاتق من يتمسك بصحة ما بقى من أجزاء العقد ) . وغنى عن البيان أن هذه الأحكام التشريعية بست إلا مجرد تفسير لإرادة المتعاقدين ” ( مجموعة الأعمال التحضيرية ج 2 ص 260 ) .

[5] ^ محكمة الزقازيق في 16 أكتوبر سنة 1929 المحاماة 10 رقم 165 ص 232 – وانظر في موضوع الانتقاص مقالا للدكتور حلمي بهجت بدوي في مجلة القانون والاقتصاد 3 ص 405 – ص 407 – وانظر أيضاً المادة 20 فقرة 2 من تقنين الالتزامات السويسري .

[6] ^ ومن ثم لا يعد تحولا ما نصت عليه المادة 124 من القانون المدني الجديد . وقد رأينا ، تطبيقاً لهذه المادة ، أن الشخص الذي اشترى شيئاً وهو يعتقد أنه أثرى يظل مرتبطاً بالعقد إذا عرض البائع أن يعطيه الشيء الاثرى الذي قصد شراءه ( أنظر آنفاً فقرة 178 ) . وليس في هذا تحول بيع شيء غير أثرى إلى بيع شيء أثرى ، لأن البيع الثاني أدخل عليه عنصر جديد لم يكن موجوداً في البيع الأول ، وهو الشيء الأثرى بالذات ، فتخلف بذلك شرط من شروط التحول .
ويحسن في هذه المناسبة أن نشير إلى وجوب التمييز ما بين تصحيح العقد وتحوله واجازته .
فتصحيح العقد يكون بإدخال عنصر جديد عليه يؤدي قانوناً إلى جعله صحيحاً . فعرض البائع على المشتري أن يعطيه الشيء الأثرى الذي قصد شراءه في المثل المتقدم يجعل المشتري مرتبطاً بالعقد كما قدمنا ، وإدخال هذا العنصر الجديد – الشيء الأثرى – على العقد قد أدى قانوناً إلى جعل العقد صحيحاً . وفي الاستغلال يجوز في عقود المعاوضة أن يتوقى الطرف المستغل دعوى الإبطال إذا عرض ما يراه القاضي كافياً لرفع الغبن ، فعرض ما يكفي لرفع الغبن . هو إدخال عنصر جديد في العقد أدى إلى تصحيحه . وكذلك الحال في تكملة الثمن إلى أربعة أخماس ثمن المثل في بيع العقار المملوك لشخص لا تتوافر فيه الأهلية إذا كان في البيع غبن يزيد على الخمس ، ويعتبر أيضاً تصحيحاً لعقد القسمة إكمال نصيب المتقاسم المغبون ما نقص من حصته إذا لحقه غبن يزيد على الخمس . ومن قبيل تصحيح العقد تخفيض الفوائد الاتفاقية إلى 7% ، وتخفيض الأجل الاتفاقي للبقاء في الشيوع إلى خمس سنين ، وإن كان التصحيح في هاتين الحالتين الأخيرتين قد أتى عن طريق انتقاص العقد وهو إجباري بمقتضى القانون لا اختاري بإرادة المتعاقد . ويجري التصحيح ، كما رأينا ، بتغيير في عنصر من عناصر العقد : إما بإبداله بعنصر جديد كما في إبدال غير الأثرى بالأثرى ، وإما بزيادة فيه كالتكملة في حالتي الاستغلال والغبن ، وإما بانتقاص منه كتخفيض الفوائد الاتفاقية وإنقاص الأجل الاتفاقي للبقاء في الشيوع . والتصحيح هو مزيج من تصرف إرادي وعمل مادي يصدر ، بخلاف الإجازة ، من الطرف الذي لم يتقرر بطلان العقد لصالحه . وله اثر رجعي كالإجازة ، فيعتبر العقد المصحح صحيحاً من وقت نشوئه لا من وقت تصحيحه – وتصحيح العقد غير مراجعة القاضي للعقد . فالتصحيح يكون بمقتضى إرادة المتعاقد أو بمقتضى حكم القانون ، أما مراجعة العقد فتكون من عمل القاضي . والتصحيح لا يكون إلا في عقد نشأ معيباً منذ البداية ، أما مراجعة العقد فقد تكون في عقد نشأ معيباً كإنقاص الالتزامات في الاستغلال وفي عقود الإذعان ، وقد تكون في عقد نشأ صحيحاً كاستكمال القاضي للمسائل غير الجوهرية التي لم يتفق عليها المتعاقدان ( م 95 جديد ) وكإنقاص الالتزام المرهق في نظرية الحوادث الطارئة .
أما تحول العقد فهو ، كما رأينا ، استبدال عقد جديد بعقد قديم من غير إدخال أي عنصر جيد ، بل تبقى عناصر العقد القديم كما هي ، وإنما تكيف تكييفاً قانونياً غير التكييف الأول ، فيقع بذلك استبدال العقد الجديد بالعقد القديم . وعدم إدخال أي عنصر جديد هو الذي يميز التحول من التصحيح .
وأما إجازة العقد فهي ، كما سنرى ، استبقاء العقد القابل للإبطال بعناصره كما هي ، وفي هذا تتفق الإجازة مع التحول وتختلف عن التصحيح ، مع استبقاء العقد المجاز على تكييفه القانونين الأصلي دون أن يكيف تكييفاً جديداً ، وفي هذا تتفق الإجازة مع التصحيح وتختلف عن التحول .

[7] ^ ويبرر ذلك أن التصرف الصحيح قد قام على الغاية التي قصد إليها المتعاقدان ( volonté téléologique ) كما يقول سالي . فهناك غاية عملية يريد المتعاقدان الوصول إليها ، وقد اختارا لذلك طريقاً قانونياً تبين بطلانه . فإن كان هناك طريق قانونين صحيح يؤدي إلى الغاية ذاتها ، فمن الممكن القول بأنهما كانا يريدان هذا الطريق القانونين الصحيح ، لو أنهما كانا يعلمان ببطلان الطريق القانونين الذي اختاراه ، ما دام الطريق الصحيح يؤدي إلى الغاية العملية التي قصداها . فالعبرة إذن بالغاية العملية ، لا بالإرادة القانونية .
هذا وهناك من أنصار نظرية الإرادة الباطنة من يشترط في التحول أن تنصرف إرادة المتعاقدين احتياطياً إلى التصرف الصحيح الذي تحول إليه التصرف الباطل . فلا تكفي الإرادة المحتملة . بل يجب أن يتوقع المتعاقدان احتمال بطلان التصرف الأصلي فتتصرف ارادتهما احتياطياً إلى التصرف الآخر عند تحقق هذا الاحتمال . والإرادة الاحتياطية هي كما نرى إرادة حقيقية . ويكون المتعاقدان قد أرادا تصرفاً باطلا في الأصل ، وأرادا تصرفاً صحيحاً على سبيل الاحتياط . فيقوم التصرف الصحيح على إرادة حقيقة لا على إرادة محتملة .
وعلى النقيض من ذلك يوجد من أنصار نظرية الإرادة الظاهرة من لا يتطلب لا إرادة احتياطية ولا إرادة محتملة ، بل يكتفي بانعدام الإرادة العكسية . فيتحول العقد ما لم يتضح من الظروف أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى استبعاد هذا التحول .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *