هيبة الدولة المصرية وفيضان القوانين 

هيبة الدولة المصرية وفيضان القوانين 

 

الاستهتار بتنفيذ القوانين دليل على ضعف الدولة أو فسادها، والدولة تصبح شبه دولة حين لا تنفذ القوانين باستهتار بالغ. مصر دولة بها ترسانة من القوانين يتم إضافة عشرات القوانين لها على فترات قصيرة. بعضها متعارض والكثير منها مستحيل تنفيذه وعدد منها ضار بالوطن ومستقبله.

عدم تنفيذ القانون يضر بمصداقية الوطن داخلياً وعالمياً ويؤثر سلباً على الاستثمار ويؤدى إلى تضخم حجم الفساد، وفى جميع دول العالم الدولة التى لا تنفذ قوانينها هناك شك فى كفاءتها. عدم فهم المشرع وظيفته وإصداره هذه القوانين المستحيلة التنفيذ كارثة بكل المقاييس.

قرأت أن مجلس النواب فى طريقه لإصدار قانون بتجريم الدروس الخصوصية بالحبس، ويقال إنه صدر، وهو قانون مقضى عليه بالفشل، ومستحيل التطبيق لأن عدد التلاميذ والمدرسين الضالعين فى الدروس الخصوصية أكبر بكثير من عدد كل رجال الشرطة فى مصر، ولن تستطيع الدولة أن تنفذ القانون. الدروس يتم الكثير منها فى البيوت، هل سوف تتفرغ النيابة لإصدار تصاريح بتفتيش عشرات الآلاف من البيوت يومياً لضبط المدرسين والتلاميذ فى حالة تلبس بتلقى العلم؟ ولن تثبت التهمة لأن أحداً لن يقول إنه تقاضى أو دفع أجراً. القانون سوف يؤدى إلى نوع جديد من الإفساد لأن هناك إتاوات سوف تدفع من المدرسين لمنع تطبيق القانون وسوف تضاف إلى فاتورة أولياء الأمور. منع الدروس الخصوصية لا يمكن أن يتم إلا حين تشعر الأسرة بأن الدرس الخصوصى لا فائدة منه وهى تكلفه لا لزوم لها وأن المدرسة تعطى التلميذ حقه فى التعلم.

قانون المرور يطبق فى مصر نسبياً على بضعة شوارع فى القاهرة والإسكندرية وقلة من الطرق الأخرى. 95% من طرق مصر وشوارعها ليس لها علاقة بقانون المرور المكون من عشرات المواد والذى يخالفه كل من له وظيفة أو وضعية خاصة فى الدولة فى كل مكان.

لقد أحال رئيس مجلس النواب قانون التجارب السريرية إلى لجنة الصحة، وصدر على عجالة قانون مجحف بدون دراسة أو استماع لوجهات النظر الأخرى. أعاد الرئيس القانون. لو طبق هذا القانون لضاع البحث العلمى وترتيب الجامعات المصرية عالمياً.

قدمت وزيرة التضامن مشروعاً للجمعيات الأهلية وافق عليه مجلس الوزراء، ويوم مناقشته قدم أحد الأعضاء مشروع قانون، فى الأغلب قدم له من جهة ما، وتمت الموافقة عليه فى نفس اليوم. وأثار القانون ضجة كبرى فى مصر والعالم ولم تصدر لائحة تنفيذية له حتى الآن. وبعد مرور شهور قال الرئيس فى شرم الشيخ إنه لا مانع من إعادة النظر فى القانون. هل هذه طريقة إصدار قوانين هامة تؤثر على الملايين؟

لا بد من إدارة حكيمة لحل مشكلة القوانين الجائرة والمتناقضة والمستحيلة التنفيذ.

بدون دراسة كافية وتروّ وعرض وجهات النظر المختلفة واستطلاع رأى الخبراء لن يصدر قانون يتم تنفيذه ويكون له استمرارية. بدون دراسة متأنية لتحديد مواصفات الجريمة بدقة شديدة يكون القانون ظالماً. القوانين الفضفاضة التى تصدر على عجالة دون صياغة منضبطة سوف تطبق بطريقة انتقائية على من لا يرضى عنه المسؤولون.

هناك قوانين مخالفة للدستور بوضوح، وإلغاء هذه القوانين يحتاج سنوات طويلة قبل حكم المحكمة الدستورية العليا.

نعلم أن إصدار القوانين يتم على عجالة وبدون دراسة كافية فى كثير من الأحوال وإهمال التصويت الإلكترونى المتاح فى المجلس وعدم إعطاء الفرصة لوجهة النظر الأخرى أمر كارثى.

احترام الشرطة أمر هام للحفاظ على هيبة الدولة، ولكن الشرطة لا يمكن احترامها إلا إذا قامت بتنفيذ القانون بطريقة عادلة وبدون تفرقة بين المواطنين. القانون الفضفاض والقانون المستحيل تطبيقه عملياً يضعان الشرطة فى مأزق ويؤديان إلى احتكاك بينها وبين الشعب وضياع هيبة الدولة وعدم تحقيق العدالة، ولكن يبدو أن إصدار قوانين عادلة تحافظ على الوطن وتساوى بين المواطنين لا تشغل بال بعض المشرعين.

وفى نهاية المقال وجدت أن من واجبى إضافة بوست فى صميم الموضوع للدكتور نور فرحات عن كتاب «مفهوم القانون» بقلم هربرت هارت يتحدث عن الذى يصدر القوانين كيفما اتفق دون ضوابط موضوعية أو توافق مجتمعى ويتساءل: هل الأوامر التى تستند للقوة المجردة الزاجرة تعد عادلة قابلة للتنفيذ؟

أرجو ألا يسارع المجلس بإصدار شىء يخص مجانية التعليم بناءً على كلام الوزير. ولنا عودة فى هذا الأمر.

نعم، هناك حاجة للتوقف عن إصدار القوانين إلا للضرورة القصوى والتفرغ لتنقية المنظومة من القوانين الجائرة والظالمة والمخالفة للدستور أو المعاهدات التى وقعت عليها مصر. أو تتعارض مع القواعد العالمية لحقوق الإنسان، عندئذ يمكن أن يسود العدل والأمان وتنطلق مصر إلى آفاق أحسن وأعظم.

محمد أبو الغار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *