ورقة بحثية حول المسؤولية الجنائية في ضوء القانون الوضعي والتشريع الاسلامي

ورقة بحثية حول المسؤولية الجنائية في ضوء القانون الوضعي والتشريع الاسلامي

مركز راشيل–لم يهبط الإنسان على الأرض فردا ولم يواجه تحدياتها وحيدا، وإنما هو مدني بالطبع – كما قال أرسطو في عبارة مأثورة – وتلك صفة ملازمة للإنسان منذ بدأ رحلته، حاملا قدره ومصيره، مزودا بما أودعه الخالق فيه من قوى وطاقات، ومن غرائز وحاجات وأغلب الظن، سوف يظل الإنسان على نحيزته هذه العيش في مجتمع حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

والعيش في مجتمع يترتب عليه طبقا لطبيعة الأشياء وجود قواعد وقوانين، وعادات وتقاليد، أو أنماط معينة من السلوك يفرض الكيان الجمعي على الأفراد احترامها وإتباعها على السواء. ولذلك فخاطئة تلك النظرة التي يراها كثير من علماء الاجتماع من أنه أتى على الإنسان حين من الدهر لم تكن له قواعد ولا نظم وعاش في فوضى بلا ضابط، تحكمه غرائزه، وتقوده شهواته تلك مرحلة لا يتصورها المرء كواقع إنساني شامل ” ذلك أن كل مجتمع من المجتمعات مسود بعدد من النظم الاجتماعية التي من مهمتها الأولى تنظيم سلوك الأفراد في نواحي النشاط الاجتماعي المختلف سواء قضائية أو سياسية وأسرية وتربوية واقتصادية واجتماعية… وهذا التنظيم الاجتماعي لازم وضروري في كل مجتمع من المجتمعات إذ بدونه لا يمكن أن تستقيم الحياة الجمعية أو تستمر.

* في المسؤولية الجنائية: يعني بالمسؤولية الجنائية تلك الرابطة التي تقوم بين الواقعة الإجرامية التي تعد جريمة في نظر القانون من جهة، والمتهم بتلك الواقعة من جهة أخرى. فتجعل هذا الأخير متحملا لتبعية الفعل المنسوب إليه أم لا وهي روابط سببية تكون الصورة التي تبين أن المتهم نفسه هو الذي تسبب سلبا أو إيجابا في الواقعة. وروابط معنوية تكون الصورة التي تسند الواقعة الإجرامية إلى عقلانية المتهم، وحيث لا وجود للمسؤولية إلا بوجود مجرم وجريمة تقوم بينهما هذه الروابط ويسمى ذلك بقيام المسؤولية وإسنادها وحيث أنه لا يمكن إسنادها وحيث أنه لا يمكن إسناد المسؤولية رغم قيامها إلا إذا توافرت في المتهم شروط تتكون منها ما يسمى بأهلية التكليف بالمسؤولية الجنائية.

ونظرا لأن أهمية التكليف يمكن أن تنعدم أو تصير في حكم العدم فيتعذر إسناد المسؤولية، ونذكر بأن هناك حالات تبطل فيها المسؤولية الجنائية بحكم القانون رغم توفير الشروط الموضوعية لقيامها وتعرف هذه الحالات، بحالات الإباحة في التشريع الجنائي وسنتعرض لها فيما بعد على حدة.

* فكرة المسؤولية الجنائية:

عند جانب من الفقه فإن المقصود بالمسؤولية الجنائية فهو ذاك الأثر القانوني المترتب عن الجريمة كواقعة قانونية أي يعتد بها القانون وتقوم على أساس تحمل الفاعل للجزاء الذي تفرضه القواعد القانونية الجنائية بسبب خرقه للأحكام التي تقررها هذه القواعد وفي هذا الصدد يقول إستفاني: “إن المسؤولية بصفة عامة تعني تحمل نتائج أعمالنا، وتتحدد هذه المسؤولية بوضوح ودقة في نطاق القواعد الجنائية في الالتزام بتحمل ما يترتب عن النشاط المجرم، وعند تنفيذ الحكم بالإدانة في واجب الالتزام بتنفيذ العقوبة”. أما يافيج فعنده أن: “تطبيق الجزاء بحق الجاني لا يعني وضع المسؤولية القانونية العقابية موضع التنفيذ، إذ الفرق بين المسؤولية والعقاب هو أن المسؤولية العقابية تعني التزاما خاصا من قبل الجاني يتحمل النتائج المترتبة على تصرفه والتي تمس حقوقه الشخصية أو المالية.

أما العقاب فهو محصلة بتطبيق القانون بحق الجاني بقصد إخضاعه للمسؤولية العقابية.

خلاصة الآراء السابقة هي أن المسؤولية الجنائية مرتبطة بالعقود أن الجزاء عموما على اعتبار هذا الأخير الجزاء المحقق منها إذ بدونه تفقد معناها أي المسؤولية من الناحية النظرية كما أن لا تبقى لها وجود من الناحية العلمية.

متى يكون الشخص مسؤولا جنائيا؟وكيف يتم تحديد هذه المسؤولية؟ وما هي العقوبة المفروضة على الأشخاص الذين لا يحترمون القانون في نطاق هذه المسؤولية ؟ وماهي موانع هذه المسؤولية ؟ وإلى أي حدا يمكن أن نعتبر هذه العقوبة وسيلة لردع مخالفيها؟

لأحاطتنا بالموضوع من كل جوانبه وأجابتا على الأسئلة سوف نتناولها من خلال هاذين الفصلين التاليين:

الفصل الأول: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص الطبيعية والمعنوية

الفصل الثاني: المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي

إن التساؤل الذي سنحاول الإجابة عنه في هذا الفصل هو معرفة ما إذا كانت الأشخاص الطبيعية والمعنوية حسب الرأي الراجح من الفقه يمكن أن تكون محلا للمسؤولية الجنائية، إلا أننا وقبل ذلك نعتقد أنه من الملائم أن نحدد مفهوم المسؤولية الجنائية ذاته وذلك لصعوبته البالغة والآتية من كونه أصبح مصطلحا شائعا يستعمل من طرف الكافة ويأخذ معاني متعددة باختلاف مستعمليه.

فله مفهوم فلسفي يرتبط بحرية الاختيار، وقانوني يسلم بحرية اختيار كل من المجرم والمتعاقد، وديني يتعلق بالخطيئة أو الإثم ونفسي يتعلق بالشعور الذاتي بالمسؤولية الشخصية، واجتماعي قوامه تطلب إصلاح الضرر أو على الأقل محاسبة من تسبب في ضرر للغير بفعله.

وفي هذا الصدد يعرفها علماء اللغة بأنها هي التبعة، وبوجه عام هي حال أو صفة من يسأل عن أمر من تقع عليه مسؤوليته، وبالتالي يقال أنا بريء من مسؤولية هذا العمل أي أنه لا أتحمل مسؤوليته.

والفقه مستقر على تقسيمها إلى أدبية وقانونية، وهذه الأخيرة تتفرع إلى مدنية وجنائية ويمكن تعريف المسؤولية الجنائية بأنها القدرة على تحمل الشخص لنتيجة عمله ومحاسبته عليه أو بعبارة أخرى هي النزاع الشخصي بتحمل النتائج التي رتبها القانون على أعماله غير المشروعة أو بصورة مختصرة هي إمكانية إسناد الإثم إلى من صدر عنه.

بعد هذه الإطلالة السريعة على مفهوم المسؤولية الجنائية سنتطرق إلى الفروع التي يشملها هذا الفصل وهي كالتالي:

 الفرع الأول: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص الطبيعية

 الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص المعنوية.

 الفرع الأول: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص الطبيعية

إن القاعدة العامة في محل المسؤولية الجنائية هي أنه لا يسأل جنائيا غير الإنسان لأن الإرادة ذات أهمية جوهرية في النظرية العامة للجريمة.

كما أن وظيفة القانون لا تتصور إلا الإنسان وإذا لم يكن جدال فقهي حول المسؤولية المدنية للشخص المعنوي فالمسؤولية الجنائية كانت محلا لجدال فقهي. وسنتكلم في هذا الفرع على قيام المسؤولية الجنائية وإسنادها عند الأشخاص الطبيعية في المبحث الأول، ونطاق المسؤول الجنائية وأساسها في المبحث الثاني.

 المبحث الأول: قيام المسؤولية الجنائية وإسنادها عند الأشخاص الطبيعية

قيام المسؤولية وإسنادها في التشريعات الجنائية تدرج عادة قاعدة مفادها أن كل شخص قادر على التمييز مالك لإرادته يتحمل شخصيا تبعية ما يتسبب به من الوقائع التي يجرمها القانون. والغرض من هذا القول تظهر أهميته عند بحث النتائج المترتبة على الوقائع الإجرامية، فالمشرع عندما يعتبر الواقعة جريمة إنما يفعل ذلك ليقرر لها عقوبة يكون من نتائجها حماية المصلحة العامة وضمان الطمأنينة للجماعة ومكافحة الظواهر التي تعرف سير المجتمع، وما كثرة صور الجريمة التي يحتمي المشرع في صياغتها إلا سدا للأبواب التي قد يسمح عدم إحكام غلقها في أن يقوم بعض المجرمين باقتراف جرائم في مهارة تمكنهم من التملص من تحمل تبعيتها، ومن جهة أخرى لكي لا تلحق العقوبة إلا الشخص الذي تسبب في الجريمة وحده وهذا ما يعبر عنه بقول “العقوبة شخصية” كما لو أن فردا من أسرة تضم أشخاصا

عدة قام مستقلا بارتكاب جريمة قتل أو سرقة أو غير ذلك فإنه وحده يكون المسؤول عن الجرم ويؤاخذ عليه بقدر ما تتحمل أهليته من هذه المؤاخذة حتى إذا كان فاقد الأهلية تظل الجريمة بدون عقاب عملا بمبدأ العقوبة شخصية… دون أن تلحق أية تبعية جنائية بأفراد أسرته الذين لم تقم بينهم وبين الجريمة أية رابطة، سوف نتطرق في هذا المبحث إلى المسؤولية الجنائية في الجرائم الواضحة والجرائم بالخطأ (المطلب الأول) والمسؤولية الجنائية في الجرائم الجنائية وأحكام رضى المجني عليه (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: المسؤولية في الجرائم الواضحة والجرائم بالخطأ

“أما في الفرض الأول فجميع الاتجاهات في الفقه كما في القضاء متفقة على تحميل الجاني مسؤولية عمله نظرا لوضوح أركان الجريمة وقيام الروابط اللازمة بين المجرم والجريمة. بينما تتضارب هذه الآراء في الفرض الثاني فمنهم أي الفقه والقضاء من يقول بمسؤولية المتهم إذا ثبت أن عمله كان السبب المباشر الذي مهد الطريق للأسباب الأخرى التي انتهى إليها الفعل حتى ولو لم يكن الجاني قصد تلك النتائج وبدا على أنه كان بإمكانه افتراضها أي أنهم يحلون ما يسمى بالخطأ المعنوي محل القصد الجنائي أو الركن المعنوي للجريمة، ويقول آخرون أن هذا القياس إذا صح في بعض الجرائم فلا يصح في جرائم كثيرة أخرى فقد يكون نشاط المتهم هو الذي مهد السبيل إلى تلك النتائج ويقطع الدليل على أنه لم يكن من المحتمل افتراض بعض النتائج كالذي يهمل نارا أشعلها في مكان لا يخشى استمرارها فيه إلى حريق أو غيره بسبب حرمة المكان فيسقط فيها من خرق حرمة المكان وتسبب له في حريق وبالتالي إلى الموت، ولكل ذلك فإن قيام المسؤولية وكذا مقدارها يتوقف في مثل هذه الأحوال على منطوق التشريعات المحلية وملابسات كل فعل.”

 المطلب الثاني: المسؤولية في الجرائم الجنائية وأحكام رضى المجني عليه

في هذا المطلب سوف نعالج فيه الجرائم الجنائية (الفقرة الأولى) وأحكام رضى المجني عليه (الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى: في الجرائم الجنائية

أما في الفرض الثالث (بند 40) وهو ما يطلق عليه الجريمة الخائبة (راجع بند 20) فإنه لا بد من التفريق بين الجريمة التي خاب أثرها رغم إرادة الجاني والجريمة التي يستحال أن تتحقق على الشكل التي بوشرت فيه فإذا كان فشل الجريمة بعد أن أفرغ الجاني كل مجهوداته دون عائق فإنه يكون مسؤولا عن عمله بداعي أن العوامل التي حالت دون عامل، فلو كانت حاملا لكان وصل قصده. فالحمل أو عدمه لا يؤثران في شيء على جوهر الجريمة التي وقعت تامة من طرف الجاني، أما إذا خاب أثر الفعل بتدخل إرادة الجاني كما لو أعطى شخص شخصا جرعة سم قصد قتله ثم عاد فأعطاه ترياقا أزال مفعول السم فإن الفعل يكون مجرد شروع في جريمة والمسؤولية في الشروع لا يمكن تحديدها إلا بالنسبة لدرجات الشروع التي تختلف باختلاف ملابسات كل واقعة.

أما إذا غاب أثر الفعل لاستحالة تحقيقه على الوجه الذي بوشر فيه فيظهر أن الرأي الراجح هو سقوط المسؤولية وذلك على أساس أن الفعل يعد محاولة لا جريمة ولا مسؤولية في محاولة أو إعداد فعل كذلك بجريمة، ما لم يكن يؤدي إلى جريمة فعلا (مع العلم، بأن إطلاق النار على جثة الميت المذكور في بند 40 يكون جريمة على حدة) وعلى كل حال فإن الحلول في هذه الأمور وما شاكلها تعود إلى ملابسات كل فعل على انفراد وبالنسبة إلى التقنينات الإقليمية.

 الفقرة الثانية: في المسؤولية وأحكام رضي المجني عليه

أما في الفرض الرابع (بند 41) حيث تتعلق المسؤولية الجنائية على المسؤولية المدنية ويسمى كذلك “يرضى المجني عليه” فإنه لا بد من التفريق بين الحقوق التي من حق الشخص أن يتصرف بها على مختلف الوجوه وبين الحقوق التي ينحصر حق تصرفه بها في ميادين معينة فإذا كان الاعتداء على ما تتألف منه ذمة المجني عليه المالية من مال وعقار وفي الدائرة التي يحدد فيها القانون مفرق التصرف للمالك فلا مسؤولية مع رضاء المجني عليه لأن رضاءه يسقط عن الفعل صفة الجريمة التي لا يمكن أن تكون في كافة هذه الأحوال إلا من أنواع جرائم السرقات ومعلوم أن الشرط الأساسي في قيام جريمة السرقة هو أن يأخذ الجاني متاعا دون إرادة صاحبه.

على أنه يجب التمييز بين مفهوم الرضا والتصالح ذلك أن الرضا أو التسامح في الحقوق المدنية يسقط الدعوى العمومية إذا وقع التصريح عنه قبل مباشرة الدعوى العمومية، بينما يعد أي التصالح تأكيد للجريمة إذا ما صرح عنه بعد مباشرة الدعوى العمومية ولا أثر له في هذه الحالة إلا على الحقوق المدنية فقط وهي ما تعرف بالدعوى المدنية التابعة. أما إذا كان رضى المجني عليه في ميادين يحصر القانون حقوق ممارستها على صاحبها ومده كحق الحياة أو طلب الموت فإن رضي المجني عليه لا أثر له على المسؤولية الجنائية لأنه لا يملك توكيل الغير في ممارسة هذا الحق وتكون الجريمة قائمة بمسؤوليتها ويلاحظ أن الشخص يمكن أن يسأل حتى في بعض تصرفاته بالحقوق التي تنحصر مباشرتها عليه شخصيا إذ كانت تلك التصرفات تلحق ضررا بالمصلحة العامة كما لو أحدث في جسمه عاهات تعوقه عن القيام بواجبه كعضو في المجتمع، وإذا كانت غالبية القوانين لا تعاقب على محاولة الانتحار فلكي تشجع المقدم عليه على العدول عنه.

 المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية وأساسها

سوف نتطرق في هذا المبحث إلى نطاق الجنائية (المطلب الأول) ثم سوف نتناول بعد ذلك أساس هذه المسؤولية (المطلب الثاني)

 المطلب الأول: نطاق المسؤولية الجنائية والمدنية

في هذا المطلب سوف نميز بين كل من المسؤولية المدنية والجنائية (الفقرة الأولى) ثم المسؤولية الجنائية والتأديبية (الفقرة الثانية) والوقائع القانونية التي تترتب عنها المسؤولية الجنائية (الفقرة الثالثة) وشخصية المسؤولية الجنائية (الفقرة الرابعة)

 الفقرة الأولى: التمييز بين كل من المسؤولية الجنائية والمدنية

المسؤولية الجنائية تترتب عن العمل أو الامتناع الذي جرمه المشرع الجنائي وعاقب عليه في نص من النصوص، على اعتبار أن الإمساك عن العمل أو إتيانه يلحق الضرر بالمجتمع بكامله، أما المسؤولية المدنية فتترتب عن إخلال الشخص بالتزام عقدي أو قانوني سواء كان ضد الالتزام محددا في نص من النصوص القانونية أم لم يكن كذلك شريطة أن يؤدي الإخلال به إلى الإضرار بالغير، ويترتب عما سبق بعض النتائج من أهمها:

أولا: بما أن العمل أو الامتناع تترتب عنه المسؤولية الجنائية يلحق الضرر بالمجتمع كله، فإن الجزاء المقرر لردعه يتمثل أساسا في العقوبة الجنائية التي توقع على المسؤولية جنائيا بغية زجره وتخويف غيره من مجرد التفكير في إتيان ذات الفعل أو الامتناع المجرم، أما العمل أو الامتناع الذي تترتب عنه المسؤولية المدنية بنوعها والذي لا ينجم عنه سوى ضرر خاص، فالقاعدة أن الجزاء فيه لا يكون إلا في التعويض الذي يفرض على المسؤول والذي تضمنه أمواله دون أن يتعدى الأمر لحد تقييد حريته أو القضاء على حياته…

ثانيا: عند ثبوت العمل أو الامتناع الذي تترتب عنه المسؤولية الجنائية فإن النيابة العامة وحدها هي المخولة قانونيا للمطالبة بتوقيع الجزاء الجنائي، بينما في العمل أو الامتناع الذي تترتب عنه المسؤولية المدنية فقط، فإن المضرور وحده – دون غيره – هو الذي يعود له الحق في رفع دعوى التعويض عن الضرر الذي لحق به من جراء إخلال مرتكب العمل أو الامتناع بالالتزام العقدي أو القانوني الذي أضر به.

ثالثا: لما كان ثبوت المسؤولية الجنائية في حق شخص من الأشخاص تترتب عنه نتائج خطيرة تتمثل في إمكانية عقابه بعقوبة جنائية تطال إما حياته أو حريته أو أمواله، فقط ساد المبدأ الشهير الذي بمقتضاه لا يجوز إدانة شخص جنائيا عن أي نشاط وعقابه عنه إلا إذا قرر المشرع في نص جنائي صريح تجريم إتيانه أو تركه والعقاب عنه، وهو ما يعرف بمبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص” وهذا ما لا نجد لا أي أثر في الميدان المدني حيث يمكن أن تترتب المسؤولية المدنية عن أي فعل أو امتناع غير مشروع يخرق فيه الفاعل أو الممتنع الالتزام القانوني المفروض على الكافة والقاضي بحظر إتيانهم لأفعال أو تروك قد تضر بالغير، سواء كانت هذه الوقائع التي يترتب عن تركها أو إتيانها الإضرار بالغير محددة في نصوص قانونية أو لم تكن كذلك.

رابعا: لا تلازم بين قيام المسؤوليتين الجنائية والمدنية وهذا ما يستتبع أن بعض الأفعال أو التروك قد ترتب على عاتق مؤتيها المسؤوليتين الجنائية والمدنية معا، كما في جرائم النتيجة (الإيذاء العمد والاغتصاب، والنصب، والتزوير…) لتخلف الضرر الخاص دوما عن نشاط الفاعل فيها، وقد تترتب المسؤولية الجنائية وحدها عن إتيان أفعال حظرها المشرع الجنائي إذا لم يتخلف عنها أي ضرر كما في الجرائم الشكلية، ومحاولات بعض الجرائم…

خامسا: عند ثبوت المسؤولية الجنائية بحكم جنائي مبرم لزم القاضي المدني التقيد بما أثبته في خصوص الوقائع المنسوبة للمدان والتي رتبت عليها المحكمة الزجرية قيام المسؤولية الجنائية على عاتق المحكوم عليه، وذلك عند المطالبة أمام القضاء المدني بإعمال قواعد المسؤولية المدنية، أما إذا قضت وبكيفية مبرمة المحكمة الجنائية ببراءة المتهم من الأفعال المنسوبة إليه لعدم ثبوت إسنادها إليه فإن القاضي المدني لا يجوز له الحكم بثبوتها في حق المبرأ والقضاء بمسؤوليته المدنية تبعا وهذا ما قرره المجلس الأعلى حين قال: ” يتعين على المحاكم المدنية اعتبار ما قضت به المحاكم الجنائية فيما يتعلق بوجود الحادث الجنحي ووصفه إدانة أو براءة من نسب إليه.

 الفقرة الثانية: التمييز بين كل من المسؤولية الجنائية والتأديبية

إن المشرع الجنائي اعتبر الجريمة التي تتولد عنها المسؤولية الجنائية تشكل إخلالا خطيرا بأمن وسلامة المجتمع وبكيفية مباشرة وحيوية وهذا خلاف الجريمة التأديبية التي تتولد عنها المسؤولية التأديبية لأنها تقوم فقط على خطأ مصلحي للموظف أو المؤدب عموما التي وإن كانت تؤدي بدورها إلى الإضرار بالمجتمع، إلا أن مدى هذا الإضرار جد محدود والاختلاف في هذا المدى في كل من الجريمتين بالمصالح العليا للمجتمع استتبع أمرا آخر وهو أن الجرائم الجنائية لا تنشأ إلا عن أخطاء محددة على سبيل الحصر وتبدأ هذه بالنسبة لقانون الوظيفة العمومية بالإنذار ثم التوبيخ فالحذف من لائحة الترقي، فالإنزال من الدرجة، فالقهقرة من الرتبة، ثم العزل من غير توقيف الحق في التقاعد، ثم العزل المصحوب بتوقيف الحق في التقاعد، فإن الأخطاء المهنية التي تترتب عنها المسؤولية التأديبية أو المهنية لا تدخل تحت تحديد حصري مسبق من طرف المشرع ويترتب عن الاختلاف السابق:

1- أن تقرير المساءلة الجنائية من الجرائم لا يكون إلا من طرف القضاء لخطورته البالغة أما النظر في الجرائم التأديبية وما يترتب عنها من مساءلة تأديبية فيرجع إلى هيئات غير قضائية منحها المشرع حق تتبع سلوك طائفة معينة من الطوائف المهنية (موظفين، تجار، أطباء… الخ) وتأديبها عند ما يخل أحد أفراد هذه الطائفة بالواجبات التي تفرضها عليه قواعد وأخلاق المهنة، ومن هذه المجالس أو الهيئات التأديبية نذكر مجلس الجامعة الذي ينظر في تأديب أساتذة الجامعة، ومجلس الكلية الذي يتولى تأديب الطلبة واللجان الإدارية المتساوية الأعضاء التي تتولى تأديب عموما، ومجلس نقابة هيئات المحامين الذي ينظر في المخالفات المهنية التي يرتكبها أعضاء الهيئة إلى غير ذلك من المجالس

2- الجريمة المهنية وما يترتب عنها من مسؤولية تأديبية تختلف عن الجريمة التي تنشأ عنها المسؤولية الجنائية ومستقلة عنها، لكن يجب أن يفهم هذا الاستقلال بكيفية لا مطلقة، بمعنى أن لا يقصد منه أن الدعوى الجنائية لا تؤثر في الدعوى التأديبية وأن هذه الأخيرة لا تؤثر في الأولى، وإنما يقصد به إمكانية قيام إحداهن رغم سقوط الأخرى، وكتوضيح فإن الدعوى الجنائية المرفوعة على موظف مثلا بسبب ارتكابه الجريمة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون الجنائي ولو انتهت إلى ببراءته، فقد يعاقب مع ذلك تأديبيا على أساس ارتكابه لخطأ مهني شريطة أن لا يكون هذا الخطأ قد استبعد جنائيا أيضا، كما أن صدور قرار من مجلس تأديب بعدم مساءلته جنائيا.

مما سبق يظهر أن المقصود بالاستقلال في هذا المقام ليس هو انعدام أية حجية بين الدعويين الجنائية والتأديبية، إذ أن الحكم الجنائي يفرض نفسه على سلطات التأديب في كل الأحوال وبكيفية مطلقة، وإنما المقصود به هو إمكانية استنفاد الطريقين الجنائي والتأديبي معا وفي مواجهة نفس الشخص، وإمكانية المتابعة بأحدهما رغم سقوط الآخر، وهو عكس ما هو عليه الأمر بالنسبة للاستقلال الموجودين الدعويين الجنائية والمدنية، لأن انعدام الخطأ الزجري لا تبقى معه إمكانية إثبات أي خطأ شخصي أمام القضاء المدني.

والقضاء كرس هذه القاعدة كما يتبين من حيثيات حكم صادر عن محكمة النقض الفرنسية في قضية مغربية جاء فيها ” لكن وحيث أن الوصف للوقائع التي كان (س) متابعا عنها أمام المحكمة الزجرية التي برأته منها بسبب عدم كفاية الأدلة لا يشكل السبب الذي كان من أجله انعقد المجلس التأديبي والذي اعتمد عليه الكاتب العام للحماية لتقرير عقوبة العزل، إن رئيس مجلس التأديب قال بوجود ملاحظة أن مهمة المجلس المذكور تختلف عن مهمة المحكمة الزجرية وأنه كان عليهم أن يبحثوا الواقعة ليس من وجهة القانون العام، ولكن من وجهة القانون الإداري، وحيث أن (س) المبرأ من طرف القضاء الزجري من تهمة الاحتيال أو اختلاس الأموال العامة، أمكن متابعته تأديبيا على نفس الأفعال من طرف المجلس التأديبي الذي اعتبر أن هذه الأفعال تتنافى وشروط الوظيفة. وحيث تبعا لذلك يلزم رد الوسيلة المقدمة من طرف الطاعن للمؤسسة على الشطط في استعمال السلطة من طرف ممثل إدارة فيما يتعلق بالقرار المطعون فيه.

 الفقرة الثالثة: الوقائع القانونية التي تترتب عنها المسؤولية الجنائية

عدد المشرع الجنائي هذه الوقائع في المادة 132 من المجموعة فقال ” كل شخص سليم العقل قادر على التمييز يكون مسؤولا شخصيا عن:

– الجرائم التي يرتكبها

– الجنايات أو الجنح التي يكون مشاركا في ارتكابها

– محاولات الجنايات

– محاولات بعض الجنح ضمن الشروط المقررة في القانون للعقاب عليها

ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك”

وبما الجريمة قد يرتكبها الشخص بنفسه فيسمى فاعلا ماديا لها، وإما أن يرتكبها بالواسطة فيكون فاعلا معنويا مسؤولا عنها بدل من ارتكبها ماديا (م 131) فإن الشخص يسأل جنائيا في القانون المغربي عن:

1- الجنايات والجنح والمخالفات التي يرتكبها شخصيا فاعل مادي أو بالواسطة فاعل معنوي أو يكون مساهما فيها

2- المحاولة في الجنايات مطلقا وفي بعض الجنح إذا نص المشرع صراحة على المساءلة عن محاولاتها استثناء، أما المخالفات فلا مساءلة عن المحاولة فيها، وكل ذلك بالشروط الواردة في الفصل 133 من المجموعة.

 الفقرة الرابعة: شخصية المسؤولية الجنائية

“بعد تطور استمر حقبة طويلة من الزمن ظهر في القوانين المقارنة مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية” الذي أخذ به المشرع المغربي بدوره ومفاده أن المسؤولية الجنائية لا تطال إلى الذي ارتكب شخصيا إحدى الوقائع التي عددها المشرع الجنائي في الفصل 132 ق.ج.م، وهذا ما أشار إليه النص السابق صراحة فالقاتل وحده هو الذي يسأل عن ارتكابه لجريمة القتل العمد دون زوجته أو أحد أقاربه مثلا، ومشاركه في ذات الجريمة هو وحده الذي يسأل باعتباره مرتكبا لجناية المشاركة في القتل العمد وهكذا… على اعتبار أن المسؤولية الجنائية مسؤولية شخصية، هذا هو المبدأ العام، لكن المشرع كما هو مقرر بالنص أورد استثناء في الفقرة الأخيرة من ذات الفصل لما قال ” ولا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات الجنائية الغير الشخصية يسأل في كل حالة ورد بشأنها نص خاص يسمح بالمساءلة عن غير فعل الشخص.

 المطلب الثاني: أساس المسؤولية الجنائية

اختلف الفقه في تحديد أساس المسؤولية الجنائية بحسب المدارس العقابية المتبعة فعند اتباع المدرسة التقليدية فإن المسؤولية الجنائية تقوم على وجود الإدارة المعتبرة قانونا، والتي لا تكون كذلك إلا إذا صدرت عن إنسان يتمتع بالإدراك والتمييز، وغير مكره على إتيان الفعل أو الترك، ويترتب على ذلك أن أساس المسؤولية الجنائية عندهم هو الخطأ والمسؤولية حينئذ تكون أخلاقية وأدبية على اعتبار أن الإنسان ما دام قادر على الاختيار بين الخير والشر، فإن هو اختار الطريق الأخير طريق الجريمة وهو حر مميز مدرك فقد أخطأ وقامت بالتالي مسؤوليته الأخلاقية وبالتبعية الجنائية أما إن كان مرتكب الفعل أو الترك أثناءه غير مدرك (المجنون) أو فاقدا للتمييز (صغير السن) أو مكرها فإنه لا يمكن مساءلته من الناحية الجنائية لأنه غير مخطئ وبالتالي غير مسؤول أخلاقيا

أما الذين أنكروا دور الإدارة في قيام الجريمة، واعتبروا الجريمة مسلمة من مسلماتهم، فقد صرحت نظريتهم على أن الشخص مساق إلى الجريمة سوقا بسبب عوامل أو ظروف إما أن تكون عائدة إليه (عوامل خلقية) أو أن المجتمع هو الذي فرضها عليه فرضا (ظروف بيئية، اقتصادية…) لذلك فإن هذا الجاني الذي يرتكب الجريمة تحت سلطان ووطأة هذه الظروف إذا أمكنت مساءلته، فلا يمكن تأسيس هذه المساءلة على ارتكابه للخطأ، لأنه من المسلم به أنه ارتكب الجريمة تحت ضغط ظروف تكون هي التي فرضت عليه إتيان السلوك المجرم ضدا على إرادته، وإنما يمكن تأسيسها على أساس اجتماعي، ومؤداه أنه من حق المجتمع أن يحمي نقسه من الأضرار التي يمكن أن تصيبه من أي كان، دون البحث عما إذا كانت إرادته معتبرة قانونا أم لا.

هذا عن اختلاف المدارس الفقهية في تأسيس المسؤولية الجنائية بين بنائها على أساس المسؤولية الأدبية (القائمة على الخطأ) وبين إقامتها على أساس المسؤولية الاجتماعية (المستقلة عن الخطأ) التي تعني تمكين المجتمع من حقه في حفظ سلامته وأمنه، فما موقف القوانين الجنائية؟

المبدأ في القوانين الجنائية المقارنة – التي قدر لنا الاطلاع عليها – هو إقامته المسؤولية الجنائية على أساس أخلاقي، أي على الخطأ، بحيث نجدها تشترط للمساءلة الجنائية أن يكون الإنسان مميزا ومدركا، للأفعال والترك التي يقوم بها، وأن يكون كذلك كامل الإرادة أي مختارا لها غير مكره أو مجبر على إتيانها، أما إذا فقد الإنسان إدراكه أو كان غير مميز، أو انتفت إرادته امتنعت مساءلته الجنائية كلية، أما إذا نقص عنده الإدراك أو التمييز فإن مسؤوليته الجنائية لا تنتفي كليا، وإنما تخفف بنسبة النقص الحاصل له في إدراكه أو تمييزه أو إرادته.

في هذا المطلب سوف نعالج فيه أهمية البحث في أساس المسؤولية الجنائية (الفقرة الأولى) ثم معنى المسؤولية (الفقرة الثانية) وأنواع المسؤولية (الفقرة الثالثة) وأخيرا خصائص الحديثة للمسؤولية الجنائية (الفقرة الرابعة)

 الفقرة الأولى: أهمية البحث في أساس المسؤولية

كثيرا ما يجيب رجل القانون عن السؤال القائل: متى يسأل الشخص جنائيا؟ ولكنه لا يتهم إلا قليلا بالإجابة عن السؤال القائل: لماذا يسأل الشخص جنائيا؟ على الرغم من أنه سؤال أولى وأساسي، ويغير الإجابة عن هذا السؤال الهام تظل الكثرة من الأبحاث القانونية وخاصة في المجال الجنائي تسير في طريق مسدود لا تخرج منه إلا بتبيينها عددا من الحلول العملية الوقتية، وقد تصور الاتحاد الدولي لقانون العقوبات الذي تم تكوينه عام 1880 على يد عدد من كبار الفقهاء أهمهم أدولف برنس الأستاذ بجامعة بروكسل وفون ليست الأستاذ بجامعة برلين وفان هاميل الأستاذ بجامعة أمستردام تصور هذا الاتحاد أنه خرج من المأزق عندما اعتنق مبدأ الحياد في الصراع الفلسفي الدائر بين المدرسة التقليدية، وبين الاتجاهات الوضعية في القانون الجنائي على الرغم من حياده المعلن. وموقف الاتحاد الدولي لقانون العقوبات في حد ذاته يكشف مدى أهمية البحث في الأساس الفلسفي للمسؤولية الجنائية حقا أن الموضوع شائك كما أن دراسته العملية يعترضها الكثير من العقوبات العلمية ولكن مستقبل القانون الجنائي مرهون في الحقيقة بالنتائج التي يمكن الوصول إليها في مجال أساس المسؤولية إنه البحث الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن نتعرف على ذاتية القاعدة الجنائية وعلى سماتها وملامحها كما أنه كفيل بالوصول إلى حلول معقولة في قضايا معلقة كثيرة مثل مسؤولية الشخص المعنوي جنائيا وأثر الجنون والحالات العقلية الأخرى كالسكر وغير ذلك على المسؤولية الجنائية، ويمكن الوصول أيضا إلى تعليل معقول لحالات الأعضاء من العقاب الجنائي بأسبابها المختلفة بل إن الوصول إلى تحديد واضح لأساس المسؤولية الجنائية يجعل الأبحاث في ميدان الجريمة والعقاب تسير على أرض صلبة وتصل إلى نتائج حاسمة، ويمكن الاستفادة من كل النظم المتحدثة في مجال العقوبات الجنائية “كما أن تحديد أساس المسؤولية مقدمة لا غنى عنها لبيان شروطها وتحديد حالات انتفائها”.

 الفقرة الثانية: معنى المسؤولية

المسؤولية لغة تعني المطلوب الوفاء وتعني المحاسب عنه وفي المعنى الأول يقول القرآن الكريم في سورة الإسراء: “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا” أي مطلوبا به أما المعنى الثاني فعبر عنه قوله تعالى: “إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا” أي مسؤولا عنه صاحبه ومحاسبا عليه وهي عند النحاة اسم مفعول منسوب إليه مأخوذ من سأل يسأل سؤالا واسم الفاعل من سأل سائل وهم سائلون واسم المفعول مسئول واسم الفاعل من سأل سائل وهم سائلون عنه واسم المفعول مسئول وهم مسؤلون.

وبعيدا عن الصرف ومسائله فإن المعنى اللغوي ليس بعيدا عن جوهر المسؤولية بل يؤكد الصلة بين أفكار ثلاث هي الإلزام والمسؤولية والجزاء والواقع أن هذه الأفكار الثلاثة يأخذ بعضها بحجر بعض ولا تقبل الانفصام فإذا ما وجدت الأولى تتابعت الأخريات على إثرها، وإذا اختفت ذهبا على الفور في أعقابها، فالإلزام بلا مسؤولية يعني القول بوجود إلزام بلا فرد ملزم، وليس بأقل استحالة من ذلك أن تفترض كائنا ملزما ومسؤولا بدون أن تجد هذه الصفات ترجمتها ونحققها في جزاء مناسب فإن معناه تعرية الكلمات من معانيها، وينبغي أن نعترف منذ البداية أن التعريف بالمسؤولية أمر عصي، فهي ظاهرة معقدة ومشتركة بين عدد من فروع المعرفة الاجتماعية والبحث في أساسها هو محاولة للوصول إلى التعريف الملائم، وعليه فلن نصادر على المطلوب بل نرسم مجرد إطار المعنى المسؤولية التي نفرد بها النوع الإنساني.

المسؤولية تحمل للتبعة

المسؤولية تحمل للتبعة، هذا حق، ولكنه وجه واحد للمسؤولية فالتحليل الدقيق للفكرة العامة للمسؤولية يؤكد أنها تنطوي على علاقة مزدوجة من ناحية الفرد المسؤول، علاقته بأعماله وعلاقته بمن يحكمون على قيمة هذه الأعمال والعلاقة الأولى قطعت وجها لوجه أمام أكثر المشاكل الفلسفية إثارة للمتاعب وهي مشكلة الجبر والاختيار، ولا بد لفهم هذه العلاقة من وجهة نظر المسؤولية في جانبها العام وفي معناه القانوني من الوصول إلى رأى في مسألة خلق الإنسان لأفعاله وكيفية انتسابها إليه وهو ما نعرض له عند معالجة الأساس الفلسفي للمدارس الجنائية.

وللمسؤولية بوجه عام مفهومان فهي إما مسؤولية بالقدرة أو بالفعل والمفهوم الأول مجرد وأما المفهوم الثاني فواقعي، ويراد بالمفهوم الأول صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه. والمسؤولية بهذا المعنى صفة في أو حالة تلازمه سواء وقع منع بهذا المعنى ما يقتضي المساءلة أو لم يقع منه شيء بعد، أما المفهوم الثاني فيراد به تحمل الشخص تبعة سلوك صدر منه حقيقة، والمسؤولية بهذا المعنى ليست مجرد صفة أو حالة قائمة بالشخص ولكنها فضلا عن ذلك جزاء والمفهوم الثاني يستغرق الأول أو يفترضه بحكم اللزوم العقلي لأنه لا يتصور تحميل شخص تبعة سلوك أتاه إلا إذا كان أهلا لتحمل التبعة ولا شك في صحة هذا التحليل، فالمسؤولية بالقوة. ضرورة لصحة المسؤولية بالفعل “لأن انتساب الفعل إلى فاعله على وجه الحقيقة ومسؤوليته عن نتائجه عن أمور تترتب على حال الفاعل حين يفعل” وهنا تبرز الفوارق بين مفهومي المسؤولية بالقوة والثانية ترتد إلى الماضي وفيها نكون مسئولين لا باعتبارنا قادرين على العمل وهنا لا بد من ملاحظة ضرورة تمام المسؤولية بالفعل مع المسؤولية بالقوة حتى يتصور قيام فعل يتحمل الفاعل تبعته، والحق أن هناك ميزة هامة في التحليل الذي يقدمه الدكتور عوض محمد، فهو يلملم عناصر المسؤولية التي يظنها البعض متباعدة كما أنه في ذات الوقت يدفع إلى القول بأنه يرى المسؤولية في معناها الدقيق، مسؤولية الإنسان أمام الإنسان، وهو ما يغيب عن باحث الفلسفة ودارس الأخلاق حيث يرتب المسؤولية في سلم تنازلي يبدأ بالمسؤولية أمام الله ثم أمام الضمير وأخيرا أمام المجتمع، يعبر عن ذلك “د. مقددا بالجن” في تعريفه للمسؤولية بأنها هي “تحمل الشخص نتيجة التزاماته وقراراته… واختياراته العملية من الناحية الإيجابية والناحية السلبية أمام الله في الدرجة الأولى وأمام ضميره في الدرجة الثانية وأمام المجتمع في الدرجة الثالثة. والحق أن اتساع معنى المسؤولية حتى تستوعب المسؤولية في المعنى الميتافيزيقي سوف يزيد مسؤولية الإنسان أمام المجتمع تعقيدا، ثم أن المسؤولية أمام الله تشمل كل ما خلق الله من كائنات، وهي بهذا المعنى مجهولة الفحوى للعقل البشري القاصر.

 الفقرة الثالثة: أنواع المسؤولية

المسؤولية بمعناها العام متنوعة، والذي يفصل بينهما ليس وجود إلزام من عدمه وإنما مصدر الالتزام ووجهته.

المسؤولية الدينية:

هي التزام الفرد بواجباته نحو الله بصير الفعل فيها حلالا أو حراما

المسؤولية الخلقية:

هي التزام الفرد بواجباته أمام نفسه وضميره والفعل فيها إما خير أو شر

المسؤولية القانونية:

وهي التزام الفرد بواجباته أمام المجتمع والفعل فيها، إما مشروع اجتماعيا لا جزاء فيه أو غير مشروع، وقد ردد البعض أن المسؤولية القانونية نوعان مسؤولية مدنية ومسؤولية جنائية. وإذا صح هذا التقسيم في القديم حيث كانت الأنظمة القانونية إلا هاذين النوعين من المسؤولية فإن هذا التقسيم يفقد صلاحيته بعد أن تعددت فروع القانون، بل إن القانون المدني ذاته تعددت فروعه، والرأي عندي أن المسؤولية تعددت فروع القانون فهي دولية في القانون الدولي، وإدارية في القانون الإداري وهكذا هي مسئوليات تتفق في أمور وتختلف في أمور والسؤال المطروح هل يمكن البحث عن أساس واحد ينتظم هذه المسؤوليات جميعا، هذا ما حاوله البعض عند تأصيل كل من المسؤولية الجنائية والمدنية وكانوا فريقين:

الفريق الأول:

يرى أن المسؤولية الجنائية تتميز عن المسؤولية المدنية سواء في أساسها وفي طابعها العام أو في عناصرها المكونة لها.

الفريق الثاني:

يرى أن هناك أساسا واحدا للمسئولية المدنية والمسئولية الجنائية وهذا الأساس هو فكرة الخطأ وإذا كان القانون الجنائي يبني قواعده على أساس إلا جريمة بغير خطأ فإن المسؤولية المدنية لا تقوم إلا على خطأ ثابت أو مفترض. وهذا الخلاف بين الفريقين له نتائج عملية في ميدان العقاب الجنائي وفي مجال الجزاء المدني.

أنواع المسؤولية القانونية: كما سبق القول تعددت المسؤوليات القانونية وفق الفروع المختلفة للقانون يكفي الإشارة إلى نوعين هما المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية.

المسؤولية المدنية: تقوم المسؤولية المدنية على ضرر يصيب الفرد والجزاء فيها هو إلزام المسؤول بتعويض المضرور وهي نوعان:

أ) مسؤولية عقدية وقوامها التزام تعاقدي ولا بد لتوافرها من شرطين أولهما، قيام عقد صحيح ينشئ التزاما بين المسؤول والمضرور وثانيهما أن يكون الضرر ناشئا عن الإخلال بذلك الالتزام.

ب) مسؤولية تقصيرية: وتؤسس على خطأ ثابت أو مفترض ينشئ التزاما غير إرادي بين المسؤول والمضرور هو الالتزام بالتعويض وتستوعبه المادة 163 من القانون المدني التي يتحدث عن المسؤولية المدنية وعن الفعل الضار بقولها: “وكل خطأ بسبب ضرر للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض وتتفرع إلى صور ثلاث: المسؤولية عن الأعمال التي صبه والمسؤولية عن الأعمال الشخصية والمسؤولية عن الغير والمسؤولية عن الأشياء.

المسؤولية الجنائية: يقصد بالمسؤولية الجنائية صلاحية الشخص لتحمل الجزاء الجنائي عما يرتكبه من جرائم فارتكاب شخص لفعل يحضره القانون الجنائي يثير فكرة المسؤولية الجنائية، وتوقيع الجزاء الجنائي على هذا الشخص بمقتضى حكم قضائي يعني أنه مسئول مسؤولية جنائية، وليس معنى هذا أن المسؤولية وليدة الجزاء لأن الجزاء الجنائي لا يخلق المسؤولية ولكنه يحصرها.

ولم تكن المسؤولية الجنائية دائما على نوعين منفصلا عن المسؤولية المدنية فانفصالهما كان لخبرة تطور قانوني طويل “ففي المجتمعات القديمة كانت فكرة التعويض “المسؤولية المدنية”

وفكرة العقاب المسؤولية الجنائية مختلطتين، فقد كان جزاء الفعل الضار هو الثأر، ثم حلت الدية محل الثأر، فكان الجاني بشري حق الثأر بدفع مبلغ من المال، وكانت الدية أول الأمر اختيارية تتوقف على اتفاق الطرفين ثم أصبحت إجبارية، وكانت الدية مثلها في ذلك مثل الثأر الذي حلت محله تحمل معنى عقاب الجاني وتعويض المجني عليه في نفس الوقت، ولم يظهر التمييز بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية إلا عندما بدأت السلطة العامة في الجماعة “الدولة” ترى أن هناك أفعالا لا يقتصر خطرها على الفرد أو الأفراد الذين تقع عليهم مباشرة بل يجاوزهم إلى المجتمع في مجموعة فلا يكفي فيها أداء الدية للمضرور بل يجب أن تفرض على مرتكبيها عقوبة باسم المجتمع؛ وقد ظهر حق الدولة في العقاب إلى النظر إلى حق المضرور في الدية باعتبارها تعويضا عن الضرر أصابه أكثر منه عقابا للتسبب في الضرر، ويظهر ذلك واضحا في القانون الروماني، فقانون الألواح الاثنى عشر يتمثل فيه الانتقال من مرحلة الدية الاختيارية فهو يتضمن النص على حالات محددة على سبيل الحصر، يجبر فيها المجني عليه على الاقتصار على الدية دون الالتجاء إلى الثأر، وقد بقيت الدية في القانون الروماني ينظر إليها عقوبة خاصة وتعويض في ذات الوقت فلم يصل القانون الروماني إلى إقامة تمييز كامل بين المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية وحتى بعد هذه المرحلة ظلت المسؤولية المدنية والمسؤولية الجنائية والمدنية تجمعهما ملامح مشتركة وعقوبات موحدة ولم يعرف الفكر القانوني في العالم الغربي خصائص مميزة للمسؤولية الجنائية إلا في بدايات القرن الثامن عشر، وربما تأخر انعكاسها على النص القانوني بعد هذا التاريخ الدفاع الاجتماعي الجديدة فأكدت مبدأ المسؤولية الشخصية التي تقوم على الإرادة الحرة

وسوف نعرض في مرحلة تالية للمدارس المختلفة في المسؤولية، وننظر في أمر بعض الاستثناءات من مبدأ شخصية المسؤولية مثل المسؤولية المفروضة والمسؤولية الجنائية المعنوية، وأيا ما كان الأمر، بعيدا عن جدل الفقه، فإن التشريعات الجنائية المعاصرة تصوغ قواعدها وفقا لمبدأ المسؤولية الشخصية وتعتبره ضمانا لحقوق الإنسان في التجريم والعقاب وفي كل الأحوال فإن أي استناد على مبدأ شخصية المسؤولية لا يجوز التوسع فيه قياسا أو تفسيرا.

 المسؤولية الجنائية تقوم على الخطأ

ركن الخطأ سواء كان عمدا أو إهمالا ملمح أساسي في المسؤولية الجنائية لدى كل التشريعات الحديثة فهي لا تتقرر إلا بناء على خطأ شخصي، وهي خصيصة تعد نتيجة طبيعية لاعتماده الإرادة أساسا للمسؤولية، وعلى العكس من ذلك فإن الاتجاهات الوضعية في القانون الجنائي تستبعد الخطأ من مجال المسؤولية، ووجدوا البديل عنه في العودة إلى المسؤولية الموضوعية وهناك عمل مماثل عند فقهاء القانون المدني عندما طرح بعضهم فكرة تحمل التبعة لتكون بديلا للخطأ تقوم عليه المسؤولية الأهلية والمسؤولية يميل بعض الباحثين إلى التفرقة بين الأهلية والمسؤولية فنهم من يرى أن الأهلية هي ما يسمى في الشريعة وعند فقهاء القانون المدني بأهلية الوجوب، بينما المسؤولية هي أهلية الأداء فالأهلية عندهم صفة لصيقة بالشخص ينظر فيها لصلاحية الشخص.

 الفقرة الرابعة: الخصائص الحديثة للمسؤولية الجنائية

بعد رحلة طويلة في الزمان عرفت بعض الخصائص التي نميز المسؤولية الجنائية وهي خصائص يقوم عليها صرح القانون الجنائي التقليدي وقد تعرضت للنقد اللاذع من الاتجاهات الوضعية في الفقه الجنائي ولكنها ظلت باقية في كل التشريعات المعاصرة.

1- المسؤولية الجنائية مسؤولية إنسانية: في القديم – كما أوضح القسم من التاريخي من الرسالة – كان الإنسان والحيوان والجماد محلا للمساءلة الجنائية ولكن الفكر القانوني الحديث قرر بصورة حاسمة أن الإنسان وحده.

2- المسؤولية الجنائية شخصية: في التشريعات القديمة بوجه عام رأينا صورا عديدة للمسؤولية الجماعية، فلم يكن مبدأ شخصية المسؤولية وشخصية العقوبة قد ظهرا بعد، اللهم إلا في القانون المصري القديم، أما في الفكر القانوني الحديث فإن المسؤولية الجنائية شخصية ولا يتحملها إلا من اكتملت في سلوكه وإرادته أركان الجريمة، فسواء كان المسؤول فاعلا أو شريكا.

فإن مسؤوليته تقوم على أساس فعله هو، وحتى تلك الاستثناءات التي ترد على هذا المبدأ فإن بعض الشرح يميل إلى إقامتها على خطأ شخصي ومنذ آمن الكلاسيون بضرورة قيام المسؤولية على الإرادة الحرة ساد في الفقه والتشريع مبدأ المسؤولية وظل الحال كذلك حتى جاءت المدرسة الوضعية فأنكرت الإرادة الحرة واستبعدت المسؤولية الشخصية بناء على أن الجريمة هي نتاج أسباب معينة بعضها داخلي يكمن في الإنسان ذاته “وتكوينه البيولوجي وحالته النفسية، والأضرار المدرسة الإيطالية وينعتها مدرسة “جراماتيكا” في الدفاع الاجتماعي فأنكرت أصلا فكرة

المسؤولية الجنائية الشخصية واستعاضت عنها بفكرة الانحراف الاجتماعي وجاءت بعد ذلك نظرية “مارك اسل” في

للقيام بالعمل ولو قبل وقوعه، أما المسؤولية فلا محل للبحث عن توفرها في الشخص أو عدم توفرها إلا إذا وقع معه العمل فعلا

ويطلق الدكتور مأمون سلامة تعبير الأهلية الجنائية على مجموعة العوامل النفسية توافرها في الشخص لكي يمكن نسبة الواقعة إليه بصفته فاعلها وبعبارة أخرى نقول أن الأهلية الجنائية هي أهلية الإسناد

والحقيقة أن صاحب هذا الرأي لا يقدم تحليلا واضحا الأداء أراه في موضع آخر يتحدث عنها وكأنها أهلية الوجوب وذلك عندما يقول أن قدرة الشخص على الاختيار شيء والاختيار الفعلي شيء آخر، فالأطر مناطة الجنائية والثاني مناطة المسؤولية عن فعل معين

ولا شك أن أصحاب التفرقة بين الأهلية والمسؤولية لم يقدموا لنا إلا فوارق لفظية، وقد أخطأوا في تصور أن بين الأهلية والمسؤولية كما صوروها حواجز لا يمكن عبورها والحق أننا في كلتا الحالتين أمام المسؤولية، ولكن بالنظر إليها إما مسؤولية بالقوة أو بالفعل، والمفهوم الأول مجرد، أما الثاني فواقعي، وجراء المفهوم الأول صلاحية الشخص لأن يتحمل تبعة سلوكه، والمسؤولية بهذا المعنى “صفة في الشخص أو حالة”

 الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص المعنوية

الأشخاص المعنوية هي مجموعة الأشخاص أو الأموال التي يعطيها المشرع الشخصية القانوني إذ الأصل أن الشخصية القانونية (مجموعة من الأموال أو الأشخاص كالشركات التجارية والجمعيات… وذلك حتى يمكن أن تتسبب الحقوق أو تلتزم بالواجبات وبالتالي تتمكن من أداء وظيفتها داخل المجتمع، والسؤال الذي يطرح في هذا المجال هو هل الأشخاص الاعتبارية هل لتحمل المسؤولية أم لا؟

يذهب جانب من الفقه إلى معارضة مسؤولية الشخص المعنوي وذلك لعدة أسباب منها أن المسؤولية الجنائية تتبنى على الإرادة والإدراك في حين أن الشخص المعنوي لا إرادة ولا إدراك له وأن مسؤولية الشخص الاعتبارية تتمثل إخلال بمبدأ شخصية المسؤولية الجنائية هذا بالإضافة إلى أن معظم العقوبات الجنائية لا يمكن تطبيقها على الشخص الاعتباري كالإعدام والعقوبة السالبة للحرية، وهناك رأي آخر ذهب إلى إقرار مسؤولية الشخص الاعتباري من الناحية الجنائية وذلك تأسيسا على أن هذا الشخص يتمتع بإرادة وبها يتعامل مع الغير، ومن جهة أخرى إذ كان لا يمكن تطبيق كل العقوبات على الشخص الاعتباري فإن كثير من العقوبات تتناسب مع طبيعة الشخص المعنوي وبالتالي يمكن تطبيقها عليه كالغرامة أو المصادرة كأنه ليس في تطبيق هذه العقوبات خروج على مبدأ شخصية العقوبة ما دامت هناك إمكانية نسبة الجريمة إلى هذا الشخص والمشرع المغربي أخذ بهذا الحل فأقر مسؤولية الأشخاص الاعتبارية في الميدان الجنائي وذلك حينما نص صراحة في الفصل 127 ق.ج على أنه لا يملك أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5 و6 و7 من الفصل 36، ويجوز أيضا أن يحكم عليه بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62، وعلى هذا يمكن القول بأن المشرع المغربي أخذ بمسؤولية الأشخاص الاعتبارية لكنه لم يسمح بالحكم عليها إلا بالعقوبات المالية والإضافية التي حين الإشارة إليها أن سنطرق في هذا الفرع إلى (المبحث الأول) المسؤولية الجنائية عند الأشخاص المعنوية ونطاق تطبيق الفصل 127 ق.ج (المبحث الثاني) عوارض المسؤولية الجنائية

 المبحث الأول: نطاق تطبيق المسؤولية الجنائية حسب الفصل 127 ق.ج

الحكم الأول:

وهذا الحكم الصادر بابتدائية الرباط والمتعلق بانتحال مهنة الطب والصيدلة البيطرية بدون ترخيص والغش في الأدوية واستيرادها.

ومن أهم ما جاء فيه: “حيث تبين للمحكمة من خلال تصنع أوراق الملف ولاسيما محاضر قمع الغش، أن المتهم يدير شركة أوضح أنها شركة ذات مسؤولية محدودة، وحيث أنه بغض النظر عن ثبوت أو عدم ثبوت الأفعال من حيث الواقع وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأفعال تشكل جريمة معاقب عليها بمقتضى القانون، فإنها تشكل للشركة المسماة “سوما دين” التي يدبرها المتهم، وحيث أنه بمراجعة الفصل 127 من القانون الجنائي واعتمادا على المبدأ الثابت والقائل بشخصية المسؤولية الجنائية، يتبين أن المتهم وهو مدير شركة لا يمكن متابعة ولا مساءلته جنائيا عن أفعال تدخل في نشاط الشركة باعتبارها شخصا اعتباريا، خاصة وأن اجتهاد المجلس الأعلى في الفصل 127 استقر على أنه بعد من قبيل ظرف مبدأ شخصية العقوبة، القرار القاضي بمعاقبة مدير شركة لم ينسب إليه أي خطأ شخصي لمجرد أن الشركة التي يمتلكها ارتكبت فعلا إجراميا

وحيث أنه بالنظر للأسباب السالفة لم يحصل للمحكمة الاعتقاد الصحيح بكون المتهم، ارتكب بصفة شخصية الأفعال موضوع الدعوى، وحيث أن البراءة هي الأصل، ففي هذا الحكم قضت المحكمة الابتدائية بالرباط ببراءة المتهم اعتمادا على:

– أن الأفعال سواء ثبتت أو لا وسواء أكانت جريمة أم لا فإنها تكون بالنسبة للشركة التي يديرها المتهم

– أن مبدأ شخصية المسؤولية الجنائية تقف حجر عثرة أمام متابعة المتهم عن أفعال تدخل في نشاط الشركة باعتبارها شخصا اعتباريا

إذن سوف نتطرق في أيضا في هذا المبحث إلى: الاتجاه المعارض للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي (المطلب الأول) ثم سوف نتناول بعد ذلك مبررات وشروط تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي (المطلب الثاني) بالإضافة موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية وعيوب الفصل 127 (المطلب الثالث)

 المطلب الأول: الاتجاه المعارض للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

يمثل هذا الاتجاه غالبية الفقه والقضاء وهم ينتمون إلى المدرسة التقليدية التي تقوم على أساس حصر المسؤولية الجنائية في الأشخاص الآدمية، أما الشخص المعنوي فهو مجرد افتراض وبالتالي لا يتمتع بالشخصية القانونية، عكس الشخص الطبيعي الذي يتوفر على ملكة الإرادة، التي من شأنها أن تكون له الأهلية اللازمة لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات، وهذا الاتجاه يستند على مجموعة من الحجج والأسانيد وهي كالتالي:

أولا: الطبيعة المجازية والافتراضية للشخص المعنوي

إن الشخص المعنوي لا وجود له في الحقيقة إذ هو ضرب من الخيال ومن ثم فهو لا يستطيع إثبات الفعل المادي للجريمة كما تعوزه القدرة والإرادة المريدة، أما الأنشطة التي تستند إليه والأفعال المنسوبة إليه فهي وليدة أفعال أشخاص طبيعيين سواء كانوا مريدين أو منفذين. وبالتالي فالأشخاص المعنوية مجرد كائنات ابتدعها القانون المدني تمكينا لها من القيام بدور محدد في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لكن ليس لها وجود في العالم الحقيقي والقانون الجنائي على الواقع وليس على الفرض، ويرى جاروا في هذا الصدد “أن العقوبة التي تنزل على الشخص المعنوي تنصرف في الواقع والحقيقة إلى الأفراد المكونين له، وأن المسؤولية الجنائية لشخص تجريدي هي مجرد افتراض أو مجاز، والقانون الجنائي يأبى أن يقوم على المجاز، ذلك لأنه وراء هذا الخيال يوجد أفراد طبيعيون يعينون ويعملون وهم الذين يتحملون العقوبة في التحليل الأخير…”

ثانيا: المسؤولية الجنائية إنما تقوم على الإرادة والتمييز

ويقوم هذا الاعتراض على أساس انعدام الإرادة لدى الأشخاص المعنوية أي افتقادها لإرادة خاصة بها استقلالا عن مكونيها، والحال أنه ليس هناك خطأ بدون إرادة وكما يعبر عنه ذلك الأستاذ راديلسكو فإن الشخص الذي ليس له إرادة لا يمكن أن يرتكب خطأ وبالتالي أن يتحمل المسؤولية الجنائية ومرد ذلك وكما يعبر عن ذلك بعض الفقه كونه غير صالح لتوجيه خطاب الشارع إليه كانعدام قدرته على التفكير، فلا يستطيع أن يمتنع عن ارتكاب الجرائم التي حظر الشارع منها، ولذلك تضحي المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ضربا من العبث، خصوصا وأن كل جريمة تتضمن عنصرا معنويا، وهذا يعني أنها تفترض وجود إرادة وشعور بمخالفة القانون وقد عبر عن ذلك الأستاذ سامي النصراوي “لا يتضرر أن يسأل شخص عن جريمة بدون أن تكون هناك علاقة بين ماديتها ونفسية، فالتشريعات الحديثة تجاوزت المسؤولية الموضوعية غير القائمة على الإثم والخطأ”.

ثالثا: مسؤولية الشخص المعنوي الجنائية تتعارض مع مبدأ شخصية العقوبة

إن التسليم بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ينطوي على إخلال بأهم مبدأ من المبادئ التي يقوم عليها قانون العقوبات وهو مبدأ شخصية العقوبة والذي يقضي بأن العقوبة يجب أن تصيب من ارتكب الجريمة بالغات أو من شارك فيها بصفته مساعدا أو محرضا أو شريكا بالاتفاق، ذلك لأن الأخذ بالمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يؤدي إلى جعل العقوبة ماسة بكل شخص حقيقي له مصالح في الشخص المعنوي وقد يكون هذا الشخص بريئا من الجريمة التي وقعت ومن ثم يمتد أثر العقوبة التي تطبق على الشخص المعنوي إلى أولئك الأبرياء الذين لم يساهموا في ارتكاب الجريمة الأمر الذي يؤكد بأن المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي تمثل خروجا عن الأصل.

رابعا: أهلية الشخص المعنوي محددة بأغراضه

لما كان الشخص المعنوي يقوم أصلا على مبدأ التخصص بمعنى أنه يستمد وجوده من الغاية التي أنشئ من أجلها، ولا وجود له خارج تلك الغاية فمساءلته الجنائية تعد خرقا لهذا المبدأ ويشرح ذلك الأستاذ إبراهيم علي صالح “بأن الشخص المعنوي قد أنشئ لتحقيق غرض وغاية مشروعة ولتحقيق هذه الغاية فإن الأمر لا يتطلب ارتكاب الجريمة، فاعتراض المشرع بأهلية هذه الأشخاص من الناحية القانونية مرتبط بالغرض من وجودها ولا يعقل أن يسع هذا الغرض ارتكاب الجرائم وهذا يعني أن هذه الأشخاص هي ذات أهلية ناقصة لأنها قررت بغية القيام بأنشطة معينة”

خامسا: مسؤولية الشخص المعنوي تتناقض مع مبادئ القانون الأساسي

إن تصفح نصوص التشريعات الجنائية في نظر معارضي هذه المسؤولية يكشف على أن الأغلب الأعم منها لا يمكن إنزاله على الأشخاص المعنوية، كالعقوبات السالبة للحرية مثلا بالإضافة إلى أن هذه العقوبات سوف تكون عديمة الجدوى، لأنها لا توقع على شخص آدمي يتمتع بالتمييز والإرادة حتى يمكن القول بتحقق أثرها من حيث تقديم وإصلاح المحكوم عليه وهذا وذاك من أخص وظائف العقوبة.

النتائج المترتبة على عدم جواز مساءلة الشخص المعنوي:

1- وجوب توقيع عقوبة مستقلة على كل عضو من أعضاء الشخص المعنوي تثبت إدانته في الجريمة وبذلك تتعدد العقوبات بتعدد الفاعلين

2- لا وجه لأن يسأل الشخص المعنوي عن الغرامات المحكوم بها على الأعضاء الداخلين في تكوينه

3- عدم جواز رفع الدعوى الجنائية على الشخص المعنوي

 المطلب الثاني: مبررات وشروط تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

إن الإقرار بإمكان مساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا غير كافي وإنما يتعين اتخاذ تدابير مختلفة لأنه لا يمكن أن تطبق بصورة خالصة على الأشخاص المعنوية جميع القواعد المقررة للأشخاص الطبيعية، ومرد ذلك أن هناك شروط لازمة لقيام المسؤولية الجنائية وكذلك هناك مبررات من الصعب تجاهلها تصب في اتجاه تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي.

 الفقرة الأولى: مبررات تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

إن تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في التشريع المقارن يأتي بناء على مقتضيات الواقع وتقوم على أسس فلسفية وقانونية وسياسية تبرره وتؤكد عليه ويصبح من الصعب تجاهل هذه المبررات والتي نتناولها فيما يلي:

أولا: الأسس الفلسفية: إن نظرة الفلسفة وعلم الاجتماع إلى الشخص المعنوي تقوم على أساس التسليم بوجود هذا الشخص، وبحياته وبذاتيته الخاصة المستقلة، وبالتالي فقد اعترف رجال الفلسفة والعلوم الاجتماعية بحقيقة الجماعات من جهة وبأنها توجد مستقلة عن أعضائها المكونين لها من جهة ثانية، وإذا كانت هذه هي خصائص الشخص المعنوي، فإنه يكون من الضروري باعتبار الأفعال الخارجية المشروعة وغير المشروعة منها، وكأنها قد صدرت عن الشخص المعنوي ذاته، بحيث تسأل عن الأعمال من الطائفة الأخيرة، وهذا يعني صلاحية الشخص المعنوي للإفادة من أعماله الناقصة واستحواذه عليها واستئثاره بنتائجها ثم التشكيك رغم ذلك في صلاحيته لتحمل المسؤولية عن التصرفات التي تلحق ضرر وأذى بالجماعة التي يعيش فيها.

لهذا يجب تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي ومحاولة التغلب على الافتراض الذي يثور بهذا الخصوص وذلك عن طريق تطويع نصوص قانون العقوبات وغيره من النصوص الجنائية بحيث تقرر أحكاما وقواعد خاصة تنسجم مع طبيعة الشخص المعنوي

ثانيا: الأسس القانونية: إن القواعد الأساسية تبرر وبشكل قاطع تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي لاسيما مبدأ العدالة ومبدأ شخصية العقوبة.

فمن ناحية اعتبارات العدالة، نلاحظ أن الأعمال الصادرة عن الشخص المعنوي تقع عن طريق أعضائه أو تابعيه وأيا كانت طبيعة هذه الأعمال مشروعة أم غير مشروعة. فإذا كان الفعل مؤثما، وعاقب القانون الشخص الطبيعي باعتباره مرتكب الفعل، وذلك بالرغم من أن هذا الشخص لم يرتكب ذلك الفعل أو غيره إلا تنفيذا لإرادة الشخص المعنوي متمثلة في شكل أوامر أو تعليمات صادرة عن الأشخاص الذين يمثلون إرادته. ولهذا يكون من الضروري التركيز على مسؤولية الشخص المعنوي بدلا من الشخص الطبيعي حيث أن حصر المسؤولية فقط في الأخير أمر ينطوي على إخلال بالعدالة، كأن القاعدة التي تنسجم عن الفعل الآثم، إنما يستفيد منها الشخص المعنوي.

أما من ناحية مبدأ شخصية العقوبة فيترتب على عدم تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وقوع إخلال جسيم بمبدأ شخصية العقوبة، إذ يظل الشخص الذي ارتكبت الجريمة باسمه ولحسابه وبوسائله، وتنفيذا لإرادته بمنجاة من العقاب، بينما يسند الجزاء الجنائي إلى شخص آخر.

ثالثا: الأسس الاجتماعية

إن تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي يسد النقص والفراغ الذي ينتج بسبب الاقتصار على المسؤولية الفردية فقط، ومن ثم يساهم إلى حد بعيد في تحقيق أغراض الدفاع الاجتماعي ومكافحة الجريمة وقد ثبت بالتجربة عدم جدوى العقوبات وضآلة فاعليتها حين تقتصر فقط على الأشخاص الطبيعيين الذين يعملون لمصلحة الشخص المعنوي لذلك لم يعد هناك ثمة مبرر لعدم تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي، خاصة وأن هذه الأخيرة أصبحت اليوم تشكل أهمية كبيرة في المجتمع، ومثلما تستطيع هذه الأشخاص أن نقوم بأعمال مشروعة يمكن كذلك وفي نفس الوقت أن ترتكب أعمالا غير مشروعة، وبالتالي أصبح على المجتمع أن يدافع عن نفسه وسلامة ضد هذا الخطر، وله في سبيل ذلك أن يقرر مسؤولية هذه الأشخاص جنائيا تأكيدا وضمانا للسياسة الجنائية المعاصرة التي تقوم على أساس الدفاع على المجتمع ومكافحة الجريمة.

رابعا: الأسس السياسية

من المعترف أن الشخص المعنوي في الغالب من الأحوال يمثل القوى الرأسمالية بما يملكه من إمكانيات غير معدودة من الأموال كما أن من بين الأشخاص المعنوية من تحظى بنفوذ قد يصل إلى حد المساس بسيادة السلطات العامة في الدولة، أو أن تنال من مكانتها، ومن أجل ذلك يكون من حسن السياسية الجنائية في التشريع، أن يؤخذ بمبدأ تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي وأن توضح نصوص تلائم طبيعة هذا الشخص حسب التجريم والعقاب.

 الفقرة الثانية: شروط مساءلة الشخص المعنوي جنائيا

إن بعض القوانين الصادرة حديثا قد استعاضت عن فكرة الوسائل المتقدمة من طرف الشخص المعنوي بفكرة العمل لحسابه، كما هو الشأن بالنسبة لآمر 1945 الفرنسي المتعلق بالإعلام والذي قرر في مادته الأولى أن المؤسسات الوصفية كما تسأل سوى عن أعمال أعضاء إرادتها أو مسيريها أو أحدهم العامل باسمها ولحسابها، وهو نفس الاتجاه الذي تبناه المشرع المغربي في مدونة الجمارك وحسب الأستاذ محمد العلمي فإن الاتجاه هو الحري بالتأييد الذي سنتفده أساسيا لتحديد شروط أعمال هذه المسؤولية.

أولا: العمل باسم الشخص المعنوي

وهو أول شرط يلزم توافره لقيام هذه المسؤولية ويقتضي ذلك أن يكون الفعل المؤثم صادرا من عضو وليس مجرد تابع، وأن يكون مختصا وأن يكون داخلا في دائرة نشاط الشخص المعنوي:

أ- أن يكون الفعل صادرا عن قصد: واشتراط هذا الشرط راجع إلى كون الشخص المعنوي هو كائن غير ملموس، أي غير منسجم وبالتالي فهو غير قادر على مباشرة أي نشاط إلا عن طريق أعضاءه الذين هم بالنسبة إليهم مثل اليد التي تعمل أو الرأس الذي يفكر

ب- أن يكون العضو مختصا: وإن هذا الشرط يستلزم بصورة عامة من طرف الفقه، فالعضو يجب أن يكون قد تصرف ضمن الشروط المفروضة من طرف القانون من أجل إلزام المجموعة بصورة مشروعة، وهذا ما أشار إليه الأستاذ فبناديت بقوله بأن إرادة الشخص المعنوي لا يتم التعبير عنها بصورة ناجحة عن طريق قرار لعضوين بصورة غير قانونية، أو أنهى مهامه، أو بتصويت جمعية عامة أو مجلس إدارة لم يستدع إليه العديد من أعضاءه، أو يتداول بدون احترام الأشكال القانونية أو النظامية المتعلقة مثلا بالتصويت، وسبب هذا الشرط مفهوم فعندما لا تحترم الشكليات فإن المجموعة تظهر كضحية وليست كجانية في الجرائم المرتكبة من طرف العضو خارج مهامه.

ج- يجب أن يكون الفعل داخلا في دائرة نشاط الشخص المعنوي

وهذا الشرط يستلزم أن يكون التصرف داخلا في دائرة نشاط الشخص المعنوي بناء على القانون أو النظام الرئاسي أو اللائحة ويضرب لذلك الأستاذ مستر المثال الآتي: “شركة للقرض يمكن أن تكون محلا للمساءلة عن جنحة القرض بفائدة غير مشروعة لأن هذه الجريمة ترتبط بنشاطها العادي، اختصاصها الوظيفي الذي هو الموافقة على القروض لكن إذا اغتال رئيسها المدير العام منافسا مزعجا، فإن الشركة لا يمكن اتهامها والحكم عليها من أجل القتل” وهذا الرأي هو الذي يأخذ به العديد من الفقهاء في الوقت الحاضر إلا أن هذا الاتجاه تعرض للنقض فالبعض يرى مثلا أن تخصص الشخص المعنوي لا يحدد مدى مقدرته التعاقدية المدنية، ولكنه غريب عن القانون الجنائي

ثانيا: أن يكون العمل قد تم لحساب الشخص المعنوي

وهو الشرط الثاني اللازم لقيام هذه المسؤولية حسب الرأي الراجح في الفقه، فالعمل يتعين أن يكون قد تم لحساب الشخص المعنوي، وفي هذا الصدد ورد في الحكم الصادر عن محكمة التمييز اللبنانية سنة 1971 أنه “لا يمكن أن يعتبر البنك مسؤولا جنائيا عن أعمال مديريه، إلا إذا كانت الوسيلة المستعملة تهدف إلى جلب المنفعة للبنك وليس بجني منفعة خاصة لمرتكب الوسيلة وذلك كما يتحقق العنصر المعنوي في المسؤولية الجنائية تجاه الشخص المعنوي”

 المطلب الثالث: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية والأشخاص المعنوية وعيوب الفصل 127

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية (الفقرة الأولى)، وعيوب الفصل 127 (الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية

ينص الفصل 127 من ق.ج على أنه “لا يمكن أن يحكم على الأشخاص المعنوية إلا بالعقوبات المالية والعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5 و6 و7 من الفصل 36 ويجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62”.

إن الفصل 127 يتطرق إلى الحديث عن الأشخاص المعنوية والتي لا يمكن أن يحكم عليها إلا بالعقوبات المالية، كالغرامات أو بالعقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5 و6 و7 من الفصل 36 كالمصادرة مثلا، كما يجوز أيضا أن يحكم على بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62 كالوضع تحت الحراسة والحل وتضييق النشاط وما إلى ذلك لأن هذا الفصل يعد نتيجة طبيعية لما جاء بالفصل السابق 126 والذي ينص على أن العقوبات الجنائية لا يحكم بها إلا على الأشخاص الذاتية أو الطبيعية وليست للأشخاص الاعتبارية.

وكما أنه انطلاقا من الفصل 127، انقسم الفقه بصدد تحديد موقف المشرع من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية إلى اتجاهين: الأول لا يجوز إلا بصورة استثنائية مساءلة الأشخاص المعنوية والثاني يرى بأن المشرع وضع قاعدة عامة لمسائلة الأشخاص المعنوية جنائيا.

الاتجاه الأول: ويتزعمه الأستاذ توفيق الشاوي وهو من المساهمين في وضع هذه المدونة، حيث يرى بأن الشخص الذي يطبق عليه القانون الجنائي المغربي هو الشخص الطبيعي، ولذلك قرر الفصل 126 “أن العقوبات والتدابير المقررة في هذا القانون تطبق على الأشخاص الطبيعية” ولكن الفصل 127 أضاف إلى ذلك قاعدة خاصة بالأشخاص المعنوية فقرر أنه لا يمكن أن تطبق عليها من العقوبات الأصلية سوى العقوبات المالية ومن العقوبات الإضافية المصادرة وحل الشخص المعنوي ونشر الحكم وفيما يتعلق بتدابير الوقاية فلا تطبق عليها سوى التدابير العينية المشار إليها في الفصل 62 وهي المصادرة وإغلاق المؤسسة.

ويفهم من ذلك أن المشرع يجيز تطبيق بعض العقوبات الأصلية والإضافية وبعض التدابير الوقاية العينية على الأشخاص المعنوية، التي يعتبرها أشخاصا خاضعة للقانون الجنائي، ولكن ضمن حدود معينة تستنتج من الفصل 132 الذي تقرر القاعدة العامة فيه أن المسؤولية الجنائية لا تقع إلا على عاتق الشخص المتمتع بالعقل والإرادة والتمييز، أي الشخص الطبيعي فقط، ولكن الفقرة الأخيرة من هذا الفصل أشارت إلى أنه “لا يستثنى من هذا المبدأ إلى الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك”.

ومعنى ذلك أن القانون الجنائي المغربي يجيز استثناء مساءلة الأشخاص المعنوية، التي لا تتمتع بالعقل والتمييز إذا وجد نص يصرح بذلك، وعليه فإن مسؤولية الأشخاص المعنوية وإن كانت غير موجودة في القانون الجنائي المغربي كأصل عام، إلا أن المشرع يجوز له استثناء أن يقررها في حالات خاصة بنصوص صريحة بصفة استثنائية.

الاتجاه الثاني: يرى أن المشرع وضع قاعدة عامة لمساءلة الأشخاص المعنوية جنائيا وأنصارهم من رجال القضاء والمساهمين في وضع هذه المدونة، وهم يبررون موفقهم بالقول بأنه وإن كان الفصل الأول من هذه المدونة قد تضمن عبارة “أفعال الإنسان” لا ينبغي الاستنتاج من ذلك أن المقصود بتلك الأفعال هو القاصر منها على التي يقوم بها الإنسان فقط، بل إن الفصلين 126 و127 المتكاملين قد أوضحنا أن المشرع قصد بعبارة “أفعال الإنسان” الأفعال في مفهومها الواسع والشامل سيان ما كان جماعيا واقعا من قبل مؤسسات وشركات، أو كان فرديا واقعيا من قبل شخص ذاتي.

ولئن بدا مضمون الفصل 126 متباينا مع مضمون الفصل 127 فإن منطوق كل منهما أتى متمما بصورة غير مباشرة لمنطوق الآخر، على أننا في حين نرى أن كافة العقوبات والتدابير الوقائية المنصوص عليها في القانون تنطبق على الأشخاص الذاتية نجد أنه لا ينطبق على الأشخاص المعنوية من العقوبات الأصلية سوى العقوبات المالية أي الغرامة ومن العقوبات الإضافية العقوبات المنصوص عليها في 5 و6 و7 من الفصل 36:

– حل الشخص المعنوي المنصوص عليه بالفصل 47 والذي ينشأ عنه تصفية أملاك المحكوم عليه ومنعه من مزاولة نشاطه الاجتماعي.

– نشر الحكم الصادر بالإدانة وفق الشروط المحددة في الفصل 48

ومن التدابير الوقائية العينية التدابير المنصوص عليها بالفصل 62 وهي:

* مصادرة الأدوات والأشياء الخطيرة والمحظورة المنصوص عليها بالفصل 89 ولو كانت مملوكة للغير.

* الإغلاق النهائي أو المؤقت للمحل التجاري أو الصناعي المنصوص عليها بالفصل 90.

ومع ذلك وبالرغم من أنه يتعذر الحكم ببعض العقوبات والتدابير الوقائية على الأشخاص المعنوية، فإنه يبدو من الفصل 127 بالنسبة لمضامينه أن القانون الجنائي قد نظر صراحة إلى هذه الأشخاص على سوية واحدة مع الأشخاص الذاتيين في موضوع الجرائم المرتكبة.

وفيما يتعلق بالتجريم فإن تطبيق مبدأ التشابه يفضي إلى ملاحقة الأشخاص المعنوية كفاعل أصلي عن كل جريمة لم ينص القانون صراحة أو ضمنا على قصر عقوبتها على الأشخاص الذاتيين كما أن الأشخاص المعنوية يمكن أن تقع تحت طائلة العقاب عن الجرائم المنصوص عليها في ق.ج وفي النصوص الخاصة وغني عن البيان أن عبارات “كل من” “كل شخص” أو “من” أو “كل مغربي أو أجنبي” هي عبارات من ناحية الصياغة القانونية لا تقصي الأشخاص المعنوية ولا تنفي عنها الشمول وذلك لخلوها من الحصر والتحديد، فالمشرع يقصد كل شخص إلا إذا كانت هناك استحالة مادية سواء أكان شخصا ذاتيا أو معنويا، وعلى أي فإن الشخص المعنوي يمكنه أن يرشي أو أن يهدد أو أن يمس بالأمن العام للدول ويرتكب جرائم النصب والغش في إعداد المواد الغذائية.

أما من حيث اعتباره شريكا في الجرائم، فليس هناك أي قيد سواء أكان ماديا أو قانونيا على إمكانية متابعة الشخص المعنوي كشريك مهما كانت طبيعة الجنايات أو الجنح التي ينص عليها القانون الجنائي أو الخاص، وفي الواقع نجد الركن المادي في أغلب حالات المشاركة وبخصوص العنصر المعنوي للجريمة، فإنه لا يخفى على أحد أنه من الصعوبة بمكان إثبات سوء النية الجرمية، ونظرا لغياب اجتهادات قضائية تنير السبيل في هذا الشأن فإنه يتعين إثبات سوء النية اعتمادا على التحايل التي يمكن القيام بها لسجلات والمداولات المتعلقة بالمجلس الإداري للشركة أو لمكتب الجمعية أو الدوريات والتعليمات المعطاة كتابة وكذلك شهادة الشهود.

وهذه الوجهة من النظر التي تعتبر الأشخاص المعنوية مسؤولا جنائيا في القانون الجنائي المغربي كقاعدة عامة هي السائدة في الفقه.

وهذا ما عبر عنه الأستاذ أحمد الخمليشي بالقول “وبهذا يكون القانون الجنائي المغربي قرر مسؤولية الأشخاص المعنوية بنص صريح لا مجال للمناقشة فيه، وحسنا فعل خصوصا في مجتمعنا الذي تستحوذ على اقتصاده الشركات الأجنبية وعلى أفكاره صحف ودور غير وطنية”.

 الفقرة الثانية: عيوب الفصل 127

إن صياغة الفصل 127 من القانون الجنائي المغربي يعيبها القصور وعدم الدقة، لأن تقرير المبدأ غير كاف، لأن هناك بعض المشاكل التي يتعين وضع حلول عملية لها والتي كان المشرع أن يأخذها بعين الاعتبار لكي يتحقق مساءلة هذه الأشخاص من الناحية الجنائية المبدئية بها، ومن أهمها:

أ- أن المشرع لم يحل سوى إشكالية العقوبة: من حيث تعداده للجزاءات الملائمة والتي يمكن إيقاعها على الأشخاص المعنوية، ورغم أن التعداد الوارد في الفصل 127 ليس شاملا لكل الجزاءات التي يمكن إخضاع الأشخاص المعنوية لها، إلا أنه يمكن القول بصورة عامة أنه قد حل مشكلة الجزاء.

ب- لم يحدد المشرع الشروط الواجبة لقيام المسؤولية، لأن ليس كل جريمة مرتكبة من طرفه يمكنه إسنادها إليه، وهذا ما دفع الأستاذ مانيول إلى اقتراح شرط مفاده أن المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية لا تقع إلا عندما يقوم ممثله بفعل باسم الشخص المعنوي وبوسائل مقدمة من طرفه، كما كانت تشير إلى ذلك المادة 88 م مشروع إصلاح القانون الجنائي الفرنسي لسنة 1934، فهذه المادة المتعلقة بالتدابير الوقائية كانت تأخذ بالمعيار الذي أتى به مؤتمر بوخارست.

وإن قدر للمشرع أن يتدخل لإعادة صياغة المادة 1278 استبدال العبارة المقترحة من طرف مؤتمر بوخارست، بعبارة أخرى مفادها أن يكون الفعل قد تم باسم ولحساب الشخص المعنوي تبعا لما هو سائد في الفقه الحديث وفي التشريعات المعاصرة التي أقرت هذه المسؤولية

ج- لم يحدد المشرع الحكم في حالة ما إذا ارتكب الشخص المعنوي، جريمة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية فقط كما هو الشأن في أغلب الجنايات وبعض الجنح.

وفي هذا الصدد يعتقد أنه كان على المشرع أن ينص على أن هذه العقوبة تستدل في مواجهة الشخص المعنوي بالغرامة والتي يتحدد مقدارها تبعا لخطورة العقوبة، وإلا كانت هناك استحالة لتقرير هذه المسؤولية بسبب انعدام العقوبة، لذا فإنه على المشرع التدخل لتطعيم الفصل 127 بما يفيد أن العقوبات السالبة للحرية تستبدل بالغرامة في مواجهة الشخص المعنوي والتي يعتبر مقدارها تبعا لها إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة أو مخالفة.

د- لم يحدد المشرع الأشخاص الذين في إمكانهم إلزام الشخص المعنوي جنائيا وفي هذا الصدد يوجد في الفقه اتجاهين:

الأول: يوسع من نطاق الأشخاص الذين في مكنهم إلزام الشخص المعنوي وكمثل على ذلك ما تنص عليه المادة 210/2 من القانون اللبناني المشابهة للمادة 209/2 من القانون السوري والتي جاء فيها “إن الهيئات المعنوية مسؤولة جزائيا عن أعمال مديريها وأعضاء إداراتها وممثليها وعمالها عندما يأتون هذه الأعمال باسم الهيئات المذكورة أو بإحدى وسائلها.

والثاني: يصنف من نطاق الأشخاص الذين في مكنهم إلزام الشخص المعنوي جنائيا، حيث يرى أنه هم جهاز المديرين الذي يتكون من كبار الموظفين المنفذين في الشركة ويكفي أن يصدر التصرف عن واحد فقط يتكون من أعضاء الجهاز لكي تقوم مسؤولية الشخص المعنوي وكمثال على ذلك تنص عليه المادة 80 من القانون العراقي التي جاء فيها “الأشخاص المعنويون فيما عدا ما تنص عليه المادة 80 من القانون العراقي وشبه الرسمية مسؤولية جزئيا عن الجرائم التي يرتكبها ممثلوها أو مديروها أو وكلاؤها”

وهذا الرأي الخير هو الرأي بالتأييد وبالتالي فإن ما قدر المشرع المغربي أن يتدخل لإعادة صياغة الفصل 127 أن يضمنه ما يفيد عدم مساءلة الأشخاص المعنوية سوى عن أفعال أعضائها دون تابعيها، لأنها هي التي تعتبرها صادرة عنها بصورة شخصية وحتى لا تصبح هذه الأشخاص عرضة لملاحظات لا حد لها.

ه- لم يحدد المشرع الموقف ما إذا كانت مساءلة الشخص المعنوي تغني عن مساءلة أعضاءه أم لا؟ وفي هذا المجال هناك اتجاهين فقهيان:

أولا: يرى بأنه إذا كانت هناك شروطا خاصة لمساءلة الشخص المعنوي فلا يكون هناك محل لعقوبة موازية، لأن العضو يتصرف بصفته ممثلا للإدارة العامة وليس من أجل مصلحته الخاصة أي من أجل مصلحة المجموعة ككل، ومن أبرز القائلين بهذا الرأي جيرك الذي يرى أن العقوبة المطبقة على الشخص المعنوي باعتباره مجموعة وباعتباره كذلك مجموعة من الأخطاء الفردية بمناسبة تنفيذ أوامر الشخص المعنوي فالمسؤولية الجماعية لا تستبعد المسؤولية الفردية للفاعل المادي للجريمة وشركاءه، وهذا الحل هو الذي يتعين أخذه بعين الاعتبار إذا ما قرر المشرع إعادة صياغة المادة.

وـ لم يشري المشرع في الفصل 127 إلى عدم إمكانية مساءلة الدولة هذا ما تلافته بعض التشريعات التي تقرر هذه المسؤولية كقانون العقوبات العراقي الذي جاء في المادة 80 منه أن “الأشخاص المعنوية فيما عدا مصالح الحكومة ودوائرها الرسمية وشبه الرسمية جزائيا” ومرد ذلك عائد إلى أن المسؤولية الجنائية للدولة إذا كانت بعض الأصوات في ميدان القانون الدولي تنادي بالأخذ بها، فإنه في الميدان الداخلي لا يمكن الأخذ بها لوجود جملة من الاعتبارات القانونية والسياسية والاجتماعية والتاريخية تحول دون ذلك فالدولة هي التي تملك حق تحريك الدعوى لعمومية التي تمارسها عن طريق السياسة العامة باسم المجتمع وبالتالي فإن الدولة لا يمكنها أن تعمل هذا الحق ضد نفسها، ولا أن تقرر عقاب نفسها بنفسها بالإضافة إلى أن الدولة هي صاحبة السيادة في البلاد ولا يمكن بالتالي محاكمتها، لا من طرف سيادة أعلى منها وهو ما يستحيل تصوره في القانون الوطني الداخلي.

ولذلك يحبذ أن يتدخل المشرع لتضمين الفصل 127 ما يفيد عدم مساءلة الدولة والأشخاص الإقليمية الأخرى جنائيا في الميدان الداخلي.

ز- لم يشر المشرع إلى ما إذا كان تطبيق عقوبة الغرامة يؤدي إلى تغيير نوع الجريمة وبالتالي الاختصاص أم لا.

وفي هذا الصدد نرى وكما يذهب إلى ذلك الفقه المغربي أن نص الفصل 127 على الحكم بالغرامة فقط على الأشخاص المعنوية لا يؤثر الجريمة فلا ينقلها من ناحية إلى جنحة ولا من جنحة إلى مخالفة، كما يبقى الاختصاص للمحكمة المعينة طبقا للوصف القانوني للجريمة

ح- لم يشر المشرع إلى الحكم في حالة التي يكون فيها النص القانوني لا يقضي بالغرامة، فهل يمكن الحكم بعقوبة إضافة أصلية؟

في هذا المجال نرى وكما يذهب إلى ذلك الفقه المغربي، أنه بالرغم من أنه من الصعوبة بمكان أن تقبل فكرة الحكم بعقوبة إضافية بدون وجود عقوبة أصلية يتعين أن نعتبر الفصل 127 استثناء من القاعدة العامة الواردة في الفصل 14 والتي تنص فقرتها الأخيرة على أن العقوبة تكون إضافية “عندما لا يسرع الحكم بها لوحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية”

ولهذا فإن للمحكمة أن تحكم على الشخص المعنوي بعقوبة إضافية لوحدها إذا كان النص القانوني يعاقب الجريمة موضوع المتابعة بعقوبة أصلية غير الغرامة.

ط- لم يحدد المشرع من الناحية المسطرية ما إذا كان يمكن متابعة الشخص المعنوي بصفة أصلية أمام القضاء الزجري أو على العكس.

 المطلب الخامس: العقوبة الجنائية للأشخاص المعنوية في التشريع المغربي

ما هي العقوبات التي يمكن أن تصدر في حق الأشخاص المعنوية، اعتبارا لطبيعتها غير الذاتية؟ إن الجواب ورد صريحا في الفصل 127 من ق.ج.م، لذا ينبغي القيام بتحليل هذه العقوبات الجنائية ومعرفة ما إذا كانت هذه العقوبة التي تقع على الأشخاص المعنوية تستند على السيادة العامة للقانون الجنائي لحالات الأشخاص الذاتية أو ما إذا كان ينبغي احتياط لكل المبادئ أخذا بعين الاعتبار الطبيعة الخاصة للأشخاص المعنوية.

أ- العقوبة الأصلية:

لا يمكن إصدار إلا العقوبات المالية في حق الأشخاص المعنوية اعتبارا لمعايير المسطرة لمختلف الفصول القانونية وتماشيا مع مقتضيات الفصلين 17 و18 من القانون الجنائي

– غرامة أكثر من 200 درهم إذا كان الأمر يتعلق بالجنحة

– غرامة ما بين 5 و200 درهم إذا كان الأمر يتعلق بالمخالفة

أما الحبس وهو عقوبة جنحية أصلية والاعتقال وهو عقوبة أصلية لا يمكن الحكم بها في مواجهة الأشخاص المعنوية سواء من الناحية القانونية أو من الناحية المادية الفعلية وكذلك الحال بالنسبة للعقوبات الأصلية: الإعدام والسجن المؤبد والإقامة الإجبارية والتجريد من الحقوق المدنية لأنه يستحيل عمليا تطبيقها في حق الأشخاص المعنوية.

فلا يمكن تطبيق أية عقوبة جنائية أصلية على الأشخاص المعنوية ونستنتج من ذلك أن هؤلاء لا يمكن أن يعاقبوا إلا من أجل الجنح والمخالفات.

ب- العقوبات التابعة:

لا تطبق على الأشخاص المعنوية إلا تلك العقوبات التابعة المنصوص عليها في الفصل 127 من ق.ج وهي العقوبات المنصوص عليها في الفقرات 5 و6 و7 من الفصل 36

أولا: الفصل 36 الفقرة 5: “المصادرة الجزئية لأموال المحكوم عليه” وذلك دون المصادرة المنصوص عليها كتدبير للوقائية في الفصل 89″

– مدى تطبيق هذه العقوبات على الأشخاص المعنوية:

إن هذا الفصل الذي تم توضيحه بمقتضيات الفصلين 42 و46 يقلب شيئا من المبادئ المنصوص عليها في القانون الجنائي العام، في ميدان العقوبات التبعية، فهذا القانون يحدد العقوبات التبعية على أساس أنها تكمل بالضرورة العقوبات الأصلية، وهذا ما ورد النص عليه في الفصل 14 الفقرة الثانية عندما ينص على: “وتكون إضافية عندما لا يسوغ الحكم بها وحدها، أو عندما تكون ناتجة عن الحكم بعقوبة أصلية”

ولا يمكن قبول تحليل من هذا النوع لسببين:

– ما دام الفصل 127 من ق.ج وضع مبدأ قابلية تطبيق الفصل 36 الفقرة الخامسة منه على الأشخاص المعنوية المرتكبين للجريمة، فإنه ينبغي تطبيق هذا الفصل دون قيد أو شرط مع جميع النصوص التطبيقية بما فيها الفصل 43 الذي يوضح شكليات المصادرة في الميدان الجنائي، حيث يمكن إصدار عقوبة جنحية على شخص معنوي من أجل فعل وصف بأنه جناية، وبالتالي تفتح إمكانية تطبيق مقتضيات (ف43)

– والسبب الثاني مرتبط بالتفسير الحرفي للتعريف الوارد في الفصل 14 في فقرة ثانية للعقوبة التبعية، فهذه يمكن تطبيقها إما في نفس الوقت مع العقوبة الأصلية وهذا يكون بالضرورة حال الأشخاص المعنوية التي لا يمكن الحكم عليها بعقوبة جنائية أصلية ولا يحكم عليها إلا بعواقب هذه العقوبة الأخيرة.

ثانيا: الفصل 36 الفقرة السادسة “حل الشخص المعنوي”

إن شكليات تطبيق هذه العقوبة التبعية محدثة في الفصل 47 من ق.ج “حل الشخص المعنوي هو منعه من مواصلة النشاط الاجتماعي، ولو تحت اسم آخر وبإشراف مديرين أو مسيرين أو متصرفين آخرين ويترتب عنه تصفية أملاك الشخص المعنوي، الفقرة 1 ولا يحكم به إلا في الأحوال المنصوص عليها في القانون وبنص صريح في الحكم بالإدانة الفقرة 2

وقابلية تطبيق هذا الفصل معلقة بترخيص من القانون وينبغي لتحديد مدى تطبيق هذه القاعدة أن تعدد حالات الحل المنصوص عليها في القانون.

كما أننا لا نجد تطبيقا لهذه القاعدة في القانون المنظم للشركات المدنية أو القانون المنظم للشركات التجارية، فعل الشخص المعنوي هنا يتم إما قانونيا أو إراديا أو قضائيا وهو يخضع بصفة دقيقة لقواعد القانون المدني أو القانون التجاري. وهكذا فالمبدأ الذي نص عليه الفصل 36 في فقرته السادسة والفصل 47 من ق.ج إلا أن الأمر يختلف بهذا الشأن بالنسبة لقانون الجمعيات الذي يعتبر القانون الوحيد الذي يخضع لمقتضيات الفصل 36 الفقرة السادسة الفصل 47

إن ظهير 16 يوليوز1957 المنظم للنقابات العمالية هو أول من فسح المجال لتطبيق هذه المقتضيات الذي نص في فصله 22 على أن كل مخالفة ترتكب ضد هذا الظهير أو ضد النظام الأساسية للنقابات تفسح المجال بطلب من النيابة العامة إلى حل هذه النقابات عن طريق السلطة القضائية.

ثالثا: الفصل 36 الفقرة السابعة “نشر الإدانة”

وردت شكليات تطبيق هذا النص في الفصل 48 وعبارته “للمحكمة في الأحوال التي يحددها القانون، أن تأمر بنشر الحكم الصادر عنها بالإدانة كلا أو بعضا في صحيفة أو عدة صحف تبعتها أو بتعليقه في أماكن تبنيها، والكل على نفقه المحكوم عليه من غير أن تتعدى صوائر النشر ما قدرته المحكمة لذلك ولا أن تتجاوز مدة التعليق شهرا واحدا”.

إن المبادئ العامة للقانون تخضع هنا لنفس القيود التي عاينها إبان المصادرة:

فعندما يكون التعليق أو النشر تابعا لعقوبة جنائية أصلية لا يمكن تطبيقها ماديا وقانونيا على الشخص المعنوي مرتكب الجريمة، تتحول العقوبة التابعة إلى عقوبة أصلية، ولا يعطي القانون الجنائي أي مثال لهذه الحالة.

ج- التدابير الوقائية العينية المنصوص عليها في الفصل 62:

هما تدبيران اثنان: المصادرة وإغلاق لمحل أو المؤسسة، إن الفصل 62 الفقرة الأولى والفصل 89 الذي يعتبر امتدادا له يفسحان المجال لفهم الغاية المقصودة من العقوبة الأولى

فباعتبارها تدبيرا وقائيا تقع المصادرة على “الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظورة امتلاكها” (الفصل 62 الفقرة 1) أو تلك “التي يكون صنعها أو استعمالها أو حملها أو حيازتها أو بيعها جريمة، ولو كانت تلك الأدوات أو الأشياء على ملك الغير حتى لو لم يصدر حكم الإدانة” (الفصل 89)

إن القواعد التي يمكننا استخلاصها من هذا التعريف تطبق بشكل مميز على زجر الجرائم المرتكبة من طرف الأشخاص المعنوية:

– باعتبار المصادرة عقوبة تابعة فإن مجال تطبيقها لا يشمل إلا أموال المدان في حين أن التدابير الوقائية بإمكانه أن يشمل أموال الغير، بإمكاننا أن نتصور إذن أن المصادرة فد تشمل ليس فقط أموال الشركة الأم بل حتى أموال فروعها المستقلة.

– يطبق الإجراء الوقائي في جميع الميادين الجنائية منها والجنحية والضبطية وبمقدوره أن يفسح المجال لزجر جنايات قد يقوم بها شخص معنوي دون إمكانية معاقبته عن طريق عقوبة أصلية شريطة أن تتوفر الأشياء المتعلقة بالجريمة على المواصفات المنصوص عليها في الفصل 62 الفقرة 1 و89 من ق.ج

ينص الفصل 62 الفقرة الثانية الذي وردت شكليات تطبيقه في الفصل 90 على إغلاق المحل أو المؤسسة التي استغلت في ارتكاب الجريمة، لا داعي للإشارة إلى أن هذه العقوبة الخطيرة قد تعتبر أحسن إجراء لمعاقبة الأشخاص المعنوية لكن ما هي المحلات التي يمكن أن تطبق بشأنها العقوبة؟ يبقى النص (الفصل 90) غامضا بهذا الشأن إذ يتكلم في الفقرة الأولى عن “محل تجاري أو صناعي” وفي الفقرة الثانية عن “أي مؤسسة أخرى” يستنتج في الواقع أن النصوص الخاصة تأخذ بالمفهوم العام للعبارة.

يبقى التدبير الوقائي دائما اختياريا شريطة أن يكون قد سبق التنصيص عليه من طرف المشرع إلا أننا بالرجوع إلى القانون الجنائي نجد أن قابلية تطبيق هذا الفصل جد استثنائية ما دام هذا القانون يقتصر على ثلاث جرائم فقط قابلة لهذه العقوبة.

أما النصوص الخاصة فيبدو أنها تجاهلت هذه العقوبة، وبذلك تبقى أبواب شاسعة من القانون القابلة للتطبيق على الأشخاص المعنوية غير خاضعة لهذا التدبير الوقائي هذا هو مثلا شأن المدونة الجديدة لزجر الغش من البضائع. التي كان بوسعها انطلاقا من اختصاصها المادي أن تعطي الأولوية لهذا الشكل من العقوبات إن إغلاق المحل أو المؤسسة هو من جهة أخرى الإجراء الوحيد حقيقة في حالة خاصة، الذي من شأنه أن يعاقب شخصا معنويا في حالة العود، إلا أن تشديد العقوبة هنا بخلاف المقتضيات العامة للقانون اختياري إذ أن القاضي غير ملزم بالحكم بإغلاق المحل.

ويتم إغلاق إما بصفة مؤقتة أو نهائية في الحالة الثانية يسقط المحل في حالة “عدم وقار عيني” يفسرها القانون الجنائي ب”منع المحكوم عليه من مزاولة نفس المهنة أو النشاط بذلك المحل (…) في حق الشخص المعنوي أو الهيأة التي كان ينتمي إليها المحكوم عليه أو كان يعمل لحسابها وقت ارتكاب الجريمة” (الفصل 90 الفقرة الثانية). ويلاحظ أن هذا الإجراء لا يخلو من الخطورة خصوصا فيما يتعلق بالمؤسسات التي تساهم في الاقتصاد الوطني ولهذه الاعتبارات فضل جانب من الفقه اللجوء إلى تقليل حجم المنشأة بدلا من غلقها، وأنه إذا كان لا بد من غلقها، كضرورة لمنع الجريمة، فإن ذلك يجب أن يقتصر على الجرائم الخطيرة التي تكدر صفو المجتمع.

 المبحث الثاني: عوارض المسؤولية الجنائية

لقيام المسؤولية الجنائية يشترط وجود الإرادة الحرة عند الفاعل، وهي لا تكون كذلك إلا إذا توافر الإدراك، والتمييز لديه، ومعنى هذا أن المسؤولية الجنائية تتغير بتغير عناصر الإرادة والإدراك والتمييز والحرية لدى الشخص وجودا وعدما، كمالا ونقصا، وعليه يكون مثلا فاقد الإدراك (الجنون، أو لأية عاهة أو التمييز (الصغير والمكره) غير ممكن نهائيا مساءلتهم من الناحية الجنائية، لكي يكون في المقابل الصبي الذي يتوفر على قدر من التمييز مسؤولا جنائيا إلا إن هذه المسؤولية ناقصة وهكذا…

وبالرجوع للنصوص القانوني العائدة للموضوع محل البحث في مجموعة القانون الجنائي نلاحظ أن المشرع قد قصر مبدئيا العوارض أو الأسباب التي تؤثر على المسؤولية الجنائية للشخص على تلك العائدة للإدراك أو التمييز فقط دون تلك العائدة للإرادة الحرة والاختيارية وهذا ما نستنج من خلال المواد 132 إلى 140 من مجموعة القانون الجنائي بعد ذلك للعاهات العقلية وصغر السن وأثرها على المسؤولية الجنائية كليا وجعل البعض الآخر مخففا منها فقط (المادة 134 وما بعدها وسوف نقسم هذا المبحث إلى العاهات العقلية (المطلب الأول) ثم إلى صغر السن (المطلب الثاني)

 المطلب الأول: العاهات العقلية

نوع المشرع أحكام العاهات العقلية بحسب ما إذا كان هذه الأخيرة (خلالا عقليا) فاعتبرها مانعا من موانع المسؤولية، وبين ما إذا كان ضعفا عقليا فرتب على قيامها تخفيف مسؤولية الفاعل فقط.

 الفقرة الأولى: مفهوم الخلل العقلي

جاء في المادة 134 من ق.ج.م “لا يكون ويجب الحكم بإعفائه، من كان وقت ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه في حالة يستحيل عليه معها الإدراك أو الإرادة نتيجة لخلل في قواه العقلية وفي الجنايات والجنح يحكم بالإيداع القضائي في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية وفق الشروط المقررة في الفصل 76 ق.ج

أما في مواد المخالفات، فإن الشخص الذي يحكم بإعفائه، إذا كان خطرا على النظام العام يسلم إلى السلطة الإدارية.

من المادة السابقة يتضح أن المشرع قد أكد على الشروط الواجب توافرها لقيام حالة الخلل العقلي، ويمكن القول بأن هذا المصطلح “الخلل العقلي” الذي استعمله المشرع من الوسع بحيث تدخل في نطاقه كل الاضطرابات التي تلحق بعقل الفاعل وتؤدي إلى إلحاق خلل به يفضي إلى القضاء على الإدراك عنده، مما يؤدي بالتالي إلى امتناع مساءلته من الناحية الجنائية، ومن الأمثلة على الخلل العقلي نذكر:

1) الجنون: وهو اضطراب يلحق القوى العقلية للشخص بعد أن كانت – أي القوى العقلية – عادية تؤدي وظيفتها، وهذا الاضطراب منشأة أسباب مختلفة منها ما يكون ناشئا عن مرض عضوي، أو عن مرض نفسي. والجنون قد يكون مستمرا كما في أغلب الحالات، كما قد يكون متقطعا ومتناوبا بحيث تعتري فيه المجنون فترات يرجع فيها لرشده ويستعيد قواه العقلية، وفي كافة الأحوال فإن حكم الجنون أو فقدان القوى العقلية لوظائفها الحيوية واحد لا يختلف وهو أن الفاعل “تمتنع مساءلته جنائيا” إذا ارتكب الجريمة وهو في حالة الجنون غير أن هذا الحكم لا يعمل به، إذا ثبت أن الشخص المشهور بالجنون المتقطع قد ارتكب الجريمة وهو في حالة إفاقة.

2) أمراض العقلية الأخرى، غير الجنون: وهي كافة الاضطرابات التي تؤدي إلى الخلل في القوى العقلية ويدخل تحتها مرض اليقظة أثناء النوم، وهو نوع من الأمراض يجعل الشخص يتحرك أثناء نومه، دون شعور أو إدراك منه لأفعاله بحيث لا يتذكر عند استيقاظه شيئا مما فعله أثناء نومه، وعليه فإذا حدث وارتكب جريمة في الظروف السابقة فإنه لا يسأل عنها جنائيا، كما يدخل تحت نطاق الأمراض العقلية الأخرى، غير المجنون – والتي تأخذ بالتالي حكمه من الناحية القانونية – مرض الصرع وهو عبارة عن نوبات تنتاب الشخص تجعله فاقدا لإدراكه ووعيه والسيطرة على جسمه وحواسه التي يمكن أن يرتكب بها – وهو على هذه الحالة – جريمة حيث تمتنع حينئذ مساءلته جنائيا عنها.

3) العته: وهو صورة من صور الخلل في القوى العقلية للشخص مردها عدم اكتمال النمو الطبيعي للملكات الذهنية والعقلية لسبب يعود غالبا إلى اضطرابات عضوية هرمونية، ومن مميزات هذا النوع من الخلل العقلي أنه خلل دائم لا يرجى شفاؤه لارتباطه بالتوقف التام في نمو الملكات.

 الفقرة الثانية: ثبوت قيام حالة الخلل العقلي

يجمع الفقه والقضاء المقارنين على أن ثبوت الخلل العقلي يرجع إلى محكمة الموضوع، فهي وحدها التي لها أن تقرر ما إذا كان الفاعل وقت ارتكابه للفعل في حالة خلل عقلي أم لم يكن كذلك ودون ما رقابة عليها في هذا الشأن من طرف قاضي النقض شريطة أن تؤسس وجهة نظرها في مسالة ثبوت قيام حالة الخلل العقلي من عدمه على أسباب سائغة منطقية، كما أن ذات القضاء والفقه يعتقد بأنه ليس هناك من داع لإلزام القضاء بالالتجاء إلى الخبرة الفنية لتنوير وجهة نظر المحكمة في مسألة انتفاء الخلل العقلي أو ثبوته.

وإذا كنا مع إجماع الفقه والقضاء المقارنين بالنسبة للنقطة الأولى، فإن ما يعتقده في خصوص النقطة الثانية محل نظر في القانون المغربي لسببين:

أولهما: وهو أن “الخلل العقلي” مصطلح قانوني أتى به الفصل 134 من ق.ج.م ويترتب على ذلك أنه إذا كان لقاضي الموضوع كامل الحق في تقرير ما إذا كان الشخص كامل القوى العقلية أم أنه فاقدها عند ارتكابه للجريمة، فإنه يلزم أيضا بإيراد العناصر التي استنتج منها قراره حتى يتأتى لقاضي النقض معرفة ما إذا كانت الواقعة تشكل فعلا خللا عقليا أدى إلى إعدام الإدراك عند الفاعل أم لا، هذا ما جهة، ومن جهة أخرى فإن مصطلح “الخلل العقلي” هو مسألة من مسائل القانون يعود لقاضي النقض مراقبة قاضي الموضوع في تفسيره وتطبيقه لها.

ثانيهما: وهو أن “الخلل العقلي” مصطلح علمي ورد في نص قانوني ويترتب على ذلك أن للقاضي لا يمكنه أن يفصل في هذه المسألة العلمية – بسبب تكوينه القانوني – عمليا، دون اللجوء إلى الخبرة الفنية التي ينجزها الاختصاصيون من أطباء ومحللين نفسانيين وغيرهم لمعرفة ما إذا كانت الواقعة تشكل فعلا خللا عقليا أم لا خصوصا وأن النصوص الجنائية المغربية توجب إن ضمنا (المجموعة الملغاة)، وإن صراخة (المجموعة الحالية) اللجوء إلى الخبرة الطبية قبل التقرير في وجود حالة الخلل العقلي من عدمه.

 الفقرة الثالثة: أثر قيام الخلل العقلي

إذا ثبت قيام الخلل العقلي لدى الشخص المتهم لحظة ارتكابه للجريمة امتنعت مساءلته جنائيا طبقا للمادة 134 من ق.ج، والمحكمة تحكم عليه بالإعفاء وليس بالبراءة كما تأمر وجوبا بوضعه أو إيداعه في مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية إذا كانت الجريمة التي ارتكبها جناية أو جنحة وكان الخلل العقلي ما زال قائما مستمرا وفق الشروط الواردة في المادة 78 ق.ج، أما إذا كانت الجريمة التي ارتكبت تشكل فقط مخالفة من المخالفات، فإن المحكوم عليه بالإعفاء يسلم إلى السلطة الإدارية إذا ثبت خطره على النظام العام.

أولا: إن المشرع المغربي في الفصل 134 ق.ج، المذكور قال بإعفاء كل مرتكب جريمة وهو في حالة خلل عقلي وامتناع مساءلته وهذا يعني أن امتناع المساءلة وبالتالي الإعفاء لا يمتد لغير المختل عقليا من مساهمين وشركاء معه في الفعل ما لم يكونوا بدورهم مختلي العقل فيشملهم الإعفاء، على اعتبار أن أثر هذا العارض شخصي محض لا ينطبق إلا على من قام به.

ثانيا: مرتكب الجريمة وهو في حالة خلل عقلي تسقط مسؤولية الجنائية والمدنية في نفس الوقت على اعتبار أنه لا يمكن أن يساءل مدنيا لعدم إمكانية نسبة أي خطأ إليه بسبب تطابق الركن المعنوي للخطأ في كل من الميدان الجنائي والميدان المدني التقصيري، ويلاحظ في هذه الصدد أن الأستاذ أبو الفتوح يقول ببقاء المسؤولية المدنية للشخص المعنوي بسبب خلل في قواه العقلية وهذا في الحقيقة إن كان يصح بالنسبة للقانون المصري لوجود نص خاص في القانون المدني المصري الجديد يجوز مساءلة المجنون أو عديم التمييز فإنه بالنسبة للقانون المدني المغربي الأمر غير ممكن بسبب خلو ق.ل.ع من هذا النص الخاص الذي يجوز مساءلة عديم الإدراك أو التمييز من جهة، ولصراحة النصوص المنظمة للمسؤولية عن العمل الشخص الخاطئ

ثالثا: للحكم بإعفاء الفاعل من العقاب والقول بامتناع المسؤولية الجنائية وفقا للمادة 134 من ق.ج فإنه يلزم:

أ)- أن يستحيل لديه الإدراك أو الإرادة بسبب الخلل العقلي قام به، والاستحالة المقصودة هنا يفسرها البعض بالفقدان الكلي للقوى العقلية والبعض الآخر يرى أن الاستحالة في الإدراك يقصد بها كل خلل يؤدي إلى الانتقاص من إدراك الشخص للحد الذي تمتنع فيه مساءلته حتى ولو لم ينعدم لديه قدر من التمييز الجزئي ومع ذلك تمتنع مساءلته نهائيا.

وفي اعتقادنا أن الخلل المقصود في المادة 134 ق.ج.م، هو الذي يعدم الإدراك كليا لدى الفاعل، أما إذا بقي الإدراك قائما لدى المختل عقليا ولو جزئيا، فإنه يسأل مسؤولية مخففة عملا بالمادة 135 ق.ج على اعتباره أن الفاعل إذ ذاك مصاب بضعف في قواه العقلية، أما القياس على حالة الصبي غير المميز للقول بامتناع مسؤولية الشخص الذي أتى الفعل وهو مصاب بخلل عقلي لم يؤد إلى إعدام ملكة الإدراك لديه نهائيا فهو قياس ليس في محله بسبب أن النص المقرر لامتناع مساءلة عديم التمييز بالمرة، وإعفاؤه كليا من العقاب جاء صريخا وينسحب لهذه الحالة الخاصة فقط من جهة، ولكون المشرع اعتبر عدم بلوغ الصبي 12 سنة قرينة قانونية قاطعة على انعدام التمييز كليا عنده وليس على نقصانه من جهة أخرى.

ب- أن تكون الجريمة قد اقترفت والفاعل مصاب بخلل عقلي أما إذا أصيب – الفاعل – بهذا الخلل بعد أن ارتكب الجريمة فإنه يكون مسؤولا من الناحية الجنائية والمدنية على السواء مع ملاحظة أن استمرار هذا الخلل لما بعد ارتكاب الجريمة وقبل المحاكمة، يؤدي إلى توقيف المتابع وجوبا كما تقضي بعد ذلك المادة 79 ق.ج كما يقف حجر عثرة أمام تنفيذ بعض العقوبات حتى ولو طرأ هذا الخلل العقلي بعد ثبوت الإدانة بحكم غير قابل للطعن فيه.

ولا أثر كذلك للخلل العقلي السابق على ارتكاب الجريمة لأنه يعتبر إذ ذاك خللا متقطعا لم يستمر لحين مقارنة الشخص للجريمة.

هذا وإن كان شرط ضرورة معاصرة الخلل العقلي لارتكاب الفاعل للجريمة لا يثير أي إشكال بالنسبة للجرائم الفورية، فإنه بالنسبة للجرائم المستمرة أو المتابعة فيجب أن يثبت قيام حالة الخلل في القوى العقلية للمتهم طول المدة التي تستمر فيها الجريمة، أما إن هو تاب رشده في أية لحظة من المدة التي تستمر فيها الجريمة فإنه يعتبر إذ ذاك مسؤولا عنها جنائيا ومدنيا، أما بالنسبة للجرائم التي تكون العادة ركنا فيها، أي جرائم الاعتياد، فلا تدخل في النشاطات (أي لا تحتسب) التي يتحقق بها هذا الركن إلا تلك – أي النشاطات التي يأتيها الفاعل وهو كامل القوى العقلية.

 الفقرة الرابعة: الضعف العقلي

ماهية الضعف العقلي: الضعف العقلي – أو الجنون الناقص – درجة وسطى بين الخلل العقلي وكمال القوى العقلية، فالشخص المصاب بضعف عقلي هو إنسان شاذ، فلا هو كامل الإدراك كالشخص الطبيعي المتمتع بكامل قواه العقلية ولا هو مختل العقل تماما كالمجنون أو المعتوه… ومن ثم استلزم الأمر مراعاة ظروف عند تقرير مسؤوليته، فلا ينبغي القول بامتناعها نهائيا، ولا تحمليه إياها بالكامل وفق هذا المنوال سار المشرع المغربي في المادة 135 من ق.ج حيث قال:

“تكون مسؤولية الشخص ناقصة إذا كان وقت ارتكابه الجريمة مصابا بضعف في قواه العقلية من شأنه أن ينقص إدراكه أو إرادته ويؤدي إلى تنقيص مسؤوليته جزئيا.

وفي الجنايات والجنح تطبق على الجاني العقوبات أو التدابير الوقائية المقررة في الفصل 78 أما في المخالفات فتطبق العقوبات مع مراعاة حالة المتهم العقلية”

 الفقرة الخامسة: أثر قيام الضعف العقلي على مسؤولية الفاعل

إذا ثبتت حالة الضعف العقلي لدى الفاعل المتهم أدت إلى انتقاص الإدراك أو الإرادة لديه حالة إتيانه للجريمة، فإن مسؤوليته تنتقص جزئيا ولا تمتنع كليا وهذا بصريح المادة 135 ق.ج.م، وجدير بالتنويه أن موقف المشرع المغربي فيه إتباع لرأي المدرسة التقليدية الحديثة التي تندرج فيها المسؤولية الجنائية من الكمال إلى النقصان إلى الانعدام، بحسب قوة الإدراك والإرادة لدى الشخص المقترف للجريمة، وتخفيف مسؤولية مرتكب الجريمة في ظل المادة 135 السابقة يوجب على المحكمة الفاصلة في الدعوى العمومية من ناحية، أن تحكم بإدانة الفاعل عن الجريمة التي ارتكبها وتحكم بمسؤوليته الجنائية، إلا أن عليها من ناحية أخرى تخفيض العقوبة المحكوم بها بكيفية إلزامية تأسيسا على أن إدراك الفاعل لم يكن لا كاملا ولا منعدما، وإنما كان بينهما، أي ناقصا بسبب حالة ضعفه العقلي، وجدير بالتنويه كذلك أن المجموعة الجنائية المغربية القديمة (لسنة 1953) قد سكتت عن الخلل الواجب إتباعه في حالة ارتكاب الفاعل للجريمة وهو واقع تحت تأثير الضعف العقلي مما كان معه أمر تخفيف المسؤولية وبالتالي العقوبة، وهي بمنح المحكمة للفاعل ظروف التخفيف بسبب حالته هذا بالنسبة للمسؤولية الجنائية لمرتكب الفعل المجرم وهو تحت تأثير حالة الضعف العقلي أما المسؤولية المدنية التي يمكن أن تترتب عن فعله (في جرائم الضرر) فإنه يتحملها كاملة وغير ناقصة تطبيقا لنصوص القانون المدني المغربي التي لا تحلل الشخص من المسؤولية المدنية إلا إذا كان قد ارتكب الفعل وهو فاقد للإدراك تماما، أما إذا كان هذا الإدراك عنده موجودا ولو بكيفية جزئية فإنه يبقى مسؤولا مسؤولية كاملة (راجع المادة 96 ق.ل.ع) وأخيرا فإن المشرع المغربي قد انتبه إلى أن إنقاص العقوبة الو جوبي في ظل المادة 135 ق.ج قد يجنح بالقضاء إلى الحكم بعقوبات غير ذات فعالية في زجر المجرم وإصلاحه على الخصوص.

 المطلب الثاني: صغر السن

يشكل جنوح الأحداث (صغيري السن) ظاهرة متميزة وذات خطورة بالغة تستدعي عناية خاصة على اعتبار أن المجرم الحدث أقرب إلى التقويم والإدماج في حظيرة المجتمع من المجرم الراشد، وتفرض هذه العناية، إفراد قواعد جنائية موضوعية متميزة تحكم مسؤولية وعقاب المجرم الحدث، وشكلية أو إجرائية تحدد بكيفية متميزة كذلك الجهة المختصة في محاكمته، والمسطرة الواجب إتباعها عند هذه المحاكمة والتي ينبغي أن تختلف عن المسطرة العادية، وهذا ما اتبعه المشرع المغربي بالفعل، إذ بالرجوع إلى المجموعة الجنائية نجده قد اعتبر صغر السن سببا من الأسباب التي تؤثر على المسؤولية الجنائية فتمنعها إما كليا أو جزئيا بحسب ما إذا كان التمييز عند الصغير منعدما أو ناقصا على ضوء سن الصغير كالتالي:

الطور الأول: سن الصبي دون الثانية عشرة سنة، في هذه المرحلة من عمر الصغير تنعدم مسؤوليته الجنائية تماما (المادة 138 ق.ج)

الطور الثاني: سن الصبي بين 12 و16 سنة، في هذه المرحلة تخفف مسؤولية الحدث وجوبا (المادة 139 ق.ج)

الطور الثالث: سن الصبي عندما يصل أو يتجاوز 16 سنة، وفي هذه المرحلة من العمر يعتبر الحدث بالغا لسن الرشد الجنائي (المادة 140 ق.ج)

والملاحظ أن المشرع في الفصول السابقة قد أخذ بعامل السن كدليل على كمال التمييز أو انعدامه، أو نقصانه عند الحدث بمقتضى قرينة قانونية قاطعة، وهذا يعني أن كل من يرتكب جريمة وسنه دون 12 من العمر، إلا ويعتبر غير مسؤول جنائيا بسبب افتراض عدم تمييزه بقوة النص القانوني (م 138 ق.ج) الذي اعتبر أن كل من كان دون 12 من عمره عديم التمييز حكما حتى ولو كان في الواقع الأمر مميزا ويحظى بقدر كاف من التمييز يكفي لمساءلته، والذي يبلغ أكثر من 12 سنة دون أن يصل إلى 16 سنة، يعتبر ناقص التمييز بقوة النص القانوني الذي اعتبر فيه المشرع أن الشخص في هذه السن غير كامل التمييز (م 139 ق.ج)، ويكون كل من بلغ 16 سنة فأكثر من عمره كامل التمييز بمقتضى قرينة قانونية قاطعة على كمال التمييز لديه شريطة سلامته العقلية، وسوف نقسم هذا المطلب إلى مرحلة الصبي الذين يكون سنة أقل من 12 سنة (الفقرة الأولى) ومرحلة الصبي الذي أتم 12 سنة من عمره دون أن يبلغ 16 سنة (الفقرة الثانية) ومرحلة الحدث الذي أتم 16 سنة من عمره (الفقرة الثالثة).

 الفقرة الأولى: مرحلة الصبي الذي يكون سنه أقل من 12 سنة:

إذا ارتكب الصبي الجريمة وكان سنه لم يصل بعد اثنتا عشرة سنة (حتى ولو تجاوزها وقت تحقق النتيجة الإجرامية أو وقت المحاكمة) فإنه يعتبر غير أهل للمسؤولية الجنائية فتمتنع مساءلته والمحكمة تحكم بإعفائه.

وهذا عملا بالمادة 138 ق.ج التي جاء فيها:

“الصغير الذي يبلغ سنه اثني عشر عاما يعتبر غير مسؤول جنائيا، لانعدام تمييزه وفي الجنايات والجنح، لا يمكن أن يحكم عليه إلا بواحد أو أكثر من تدابير الحماية أو التهذيب المقررة في الفصل 516 من المسطرة الجنائية، وفي المخالفات لا يمكن أن يحكم عليه إلا بالتوبيخ المقرر في الفصل 518 من المسطرة الجنائية”.

والفصل 516 ق.ج.م المحال عليه يقضي بما يأتي: “إن الحدث الذي لا يبلغ عمره 16 سنة لا يمكن أن يتخذ في شأنه – في قضايا الجنايات والجنح – إلا تدبيرا أو أكثر من بين تدابير الحماية أو التهذيب الآتي بيانها:

1- تسليمه لأبويه أو لوصيه أو لكافله أو لشخص جدير بالثقة.

2- تطبيق نظام الحرية المحروسة

3- إيداعه في مشروع أو مؤسسة عمومية أو خصوصية مخصصة للتهذيب أو التكوين المهني ومؤهلة لذلك الإيداع.

4- إيداعه بمؤسسة طبية أو طبية – تربوية مؤهلة لذلك.

5- إيداعه على يدي المصلحة العمومية المكلفة بالإسعاف

6- إيداعه بقسم داخلي صالح لإيواء مجرمين أحداث لا زالوا في سن الدراسة.

غير أنه يمكن أن يتخذ أيضا في شأن الحدث الذي يتجاوز عمره 12 سنة تدبيرا يرمي إلى إيداعه بمؤسسة عمومية معدة للتربية المحروسة أو للتربية الإصلاحية.

ويتعين في سائر الأحوال أن يحكم بالتدابير المشار إليها أعلاه لمدة معينة من غير أن تتجاوز التاريخ الذي يبلغ في الحدث 18سنة”

 الفقرة الثانية: مرحلة الصبي الذي أتم 12 سنة من عمره دون أن يبلغ 16 سنة:

إذا ارتكب الصبي جريمة وكان سنه إذ ذاك قد تجاوز 12 سنة دون أن يصل إلى سن السادسة عشرة، فإنه يكون أهلا للمساءلة الجنائية، ولكن أهليته ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه، وهذا يقضي تخفيف مسؤولية الجنائية لزوما عملا بما يقتضيه الفصل 139 ق.ج الذي جاء فيه: “الصغير الذي أتم اثني عشر عاما ولم يبلغ 16 تعتبر مسؤوليته ناقصة بسبب عدم اكتمال تمييزه وفي الجنايات والجنح يتمتع بعذر صغر السن، ويجوز أن يحكم عليه إما بتدابير الحماية أو التهذيب المقررة في الفصل 516 المسطرة الجنائية وإما بالعقوبات المخففة المقررة في الفصل 517

المسطرة الجنائية وفي المخالفات يمكن أن يحكم عليه إما بالتوبيخ وإما بعقوبة الغرامة المقررة في القانون طبق الشروط المقررة في الفصل 518 مسطرة جنائية”

والفصل 517 المحال عليه ينص على أنه: “وبصفة استثنائية يجوز لهيأة الحكم نظرا لظروف ولشخصية الحدث، أن تعوض في حق الأحداث الذين يتجاوز سنهم 12 بموجب قرار تعلل أسبابه خصيصا في هذه الحالة، التدابير المنصوص عليها في الفصل السابق (أي الفصل 516) أو تتميمها بغرامة أو عقوبة سجن وذلك إذا ما رأت ضرورة اتخاذ هذا الإجراء.

فإذا كانت الجريمة المقترفة تستوجب في حق مجرم راشد عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد وجب أن يحكم على الحدث أن بعقوبة تتراوح بين 10سنوات و20 سنة سجنا.

وإذا كانت الجريمة المقترفة تستوجب عقوبة السجن مع القيام بأشغال لمدة معينة يجب أن يحكم على الحدث بعقوبة تتراوح بين 3 و10 سنوات سجنا. وإذا كانت الجريمة المقترفة تستوجب عقوبة السجن فإن العقوبة المقررة في القانون يخفض مقدراها الأقصى والأدنى إلى النصف.

 الفقرة الثالثة: مرحلة الحدث الذي أتم 16 من عمره:

يقصي الفصل 140 ق.ج بأن: “المجرم الذي يبلغ سن الرشد الجنائي، أي 16 عاما يعتبر كامل المسؤولية.

إلا أنه يحوز إذا كانت سنة أقل من 18 عاما أن يخضع لتدابير الحماية أو التهذيب طبق الشروط المقررة في الفصل 514 ق.م.ج”

نلاحظ إذن أن الحدث الذي تبلغ سنة 16 سنة فما فوق يعتبر كامل الأهلية للمساءلة الجنائية، أي بالغا سن الرشد الجنائي مما يجعله يتحمل كامل المسؤولية عن الأفعال والتروك التي يأتيها، إلا أن المشرع قرر استثناء مرده افتراض أن يكون المجرم الذي تكون سنه أقل من 18 سنة، ولو أنه أتم السادسة عشرة، لم يكن متحكما في إرادته بكيفية كاملة – لأنه لم يكن كامل التمييز تماما – عند إتيانه للفعل أو الترك مما اقتضى معاملته بكيفية مخففة، وهذا ما صرح به الفصل 514 مسطرة جنائية المحال عليه بالفصل 140 ق.ج الذي جاء فيه “يدرك سن الرشد الجنائي ببلوغ 16 سنة.

إلا أنه يمكن لهيئات الحكم فيما يتعلق بالمجرمين الذين يتراوح عمرهم بين 16 و18 سنة أن تحكم بموجب مقرر معلل بأسباب إما بتعويض العقوبات العادية أو تتميمها بتدبير واحد أو عدة تدابير خاصة بالحماية أو إعادة تهذيبهم كما يقضي بذلك الفصل 516 مسطرة جنائية”.

الفصل الثاني—

سوف يتسع مفهومنا للفقه الإسلامي في هذا الفصل ليستوعب مواقف الفقهاء وآراء الأصوليين وأحكام المذاهب الفقهية، على أن ينحصر جهدنا في المواقف والآراء والأحكام التي تتعلق بفكرة الحرية وأساس المسؤولية.

ولا ينبغي الاعتقاد بأن الفقهاء كانوا بعيدين عن الجدال الدائر في عصرهم حول حرية الإرادة، “فالأوزاعي” فقيه الشام هو الذي أفتى بقتل “غيلان الدمشقي” وكان “غيلان” يقول بالقدر ثم أمسك في عصر “عمر بن عبد العزيز” ثم عاد إلى القول به مرة أخرى على عهد “هشام” وقطعت يده ثم قتل.

والإمام “أبو حنيفة” يدخل فيما ثار في عصره من جدل حول إثبات وجود الله والنبوات والإرادة، ويعرض الخوارزمي “في مفيد العلوم” الموقف الإمام “أبي حنيفة” عندما جاء رجل يسأل: ما الدليل على الصانع؟ وتأتي الإجابة موضحة عما بلغه الإمام الأعظم من علم بأحوال عصره وما طرحت فيه من أفكار مستجلبة أو محلية.

وإلى مثل ذلك ينحو “الشافعي” عندما دخل في حوار مع عدد من الزنادقة في طريق غزة – انتهى بإيمان من حاورهم الشافعي.

“وابن حنبل” الفقيه المتشدد في البعد عن التأويل – له أيضا موقفه، فهناك آيات اشتبهت على الجهمية، واحتجوا بها على ” أحمد بن حنيل” بأنهن من المتشابه، ففسر الإمام أحمد هذه الآيات بما أزال هذا هو موقف الصوفية من القدرة والاستطاعة فهم يثبتونهما ويرفضون الجبر، أو كما قال “التستري” أن الله لم يقو الإبرار بالجبر أنما قواهم باليقين وهذا يعني أن وصول الصوفي إلى مقاماته جاء عن اختبار وإرادة وصبر ومجاهدة ولو تصورنا الجبر بالمعنى الفلسفي سمة للحياة الروحية الإسلامية لانتفت قيمة التصرف ذاته وأصبح الوصول إلى مقاماتهم إجبارا وقد نفى “الكلابادي” الجبر عن الصوفية من واقع مواقفهم وقال: لا يكون الجبر إلا بين الممتنعين وهو أن يأمر الأمر ويمتنع المأمور فيجبره الأمر عليه ومعنى الإجبار أن يستنكره الفاعل على إتيان فعل هو له كاره ولغيره مؤثر فيختار المجبر إتيان ما يكره ويترك الذي يحبه ولولا إكراهه له وإجباره إياه لفعل المتروك وترك المفعول، ولملا نجد هذه الصفة في اكتسابهم الإيمان والكفر والطاعة والمعصية بل اختار المؤمن الإيمان واجبه واستحسنه… وأراده وأثره على ضده وكره الكفر وأبغضه واستقبحه ولم يرده وآثر عليه ضده.

 الفرع الأول: المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي وأساسها

المسؤولية هي تحميل الإنسان نتيجة عمله ولكي يسأل جنائيا عن جريمة من الجرائم يجب أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية الجنائية، فيكون مدركا مختارا فيما يفعل وفوق ذلك يلزم أن بكون مخطئا.

فالخطأ أساس المسؤولية الجنائية إذا انعدم فلا يسأل عما حدث، والخطأ وصف يلحق بالإدارة، ومن أجل ذلك إذا انعدمت الإرادة في شخص فلا محل لنسبة الخطأ إليه كما لو ارتكب الجريمة تحت تأثير قوة لا قبل له بدفعها.

ويترتب على ذلك أن الخطأ لا يكون درجة واحدة، بل هو درجات تختلف شدة وضعفا باختلاف المدى الذي تنسحب عليه الإرادة، فقد يريد الإنسان الفعل ونتيجته كما في حالة القتل العمد والسرقة وهذه هي حالة الخطأ العمدي المعبر عنه اصطلاحا بالقصد الجنائي. وهو أشد أنواع الخطأ. متناولين فيه أساس المسؤولية الجنائية (المبحث الأول) ثم محل المسؤولية الجنائية وسببها ودرجتها (المبحث الثاني) .

 المبحث الأول: أساس المسؤولية الجنائية

سوف نتطرق في هذا المبحث إلى عرض تاريخ المسؤولية الجنائية (المطلب الأول) ثم معنى المسؤولية في الشريعة والقانون الوضعي (المطلب الثاني).

 المطلب الأول: عرض تاريخ المسؤولية الجنائية

سوف نتكلم في هذا المطلب عن القوانين الوضعية (الفقرة الأولى) ثم في التشريع الإسلامي (الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى: في القوانين الوضعية

كانت القوانين الوضعية في العصور الوسطى وإلى ما قبل الثورة الفرنسية تجعل الإنسان والحيوان بل الجماد محلا للمسؤولية الجنائية، وكان الجماد يعاقب كالحيوان على ما نسب إليه من أفعال ضارة، كما يعاقب الإنسان على ما ينسب إليه من أفعال محرمة، وكانت العقوبة تصيب الأموات كما تصيب الأحياء، ولم يكن الموت من الأسباب التي تعفي الميت من المحاكمة والعقاب، ولم يكن الإنسان مسؤولا جنائيا عن أعماله فقط، وإنما كان يسأل عن عمل غيره ولو لم يكن عالما بعمل هذا الغير، ولو لم يكن له سلطان فعلي على الغير فكانت العقوبة تتعدى المجرم إلى أهله وأصدقائه، وتصيبهم كما تصيبه وهو وحده الجاني وهم البراءة من جنايته.

وكان الإنسان يعتبر مسؤولا جنائيا عن عمله، سواء كان رجلا أو طفلا مميزا أو غير مميز، وسواء كان محتارا أو غير مختار، مدركا أو فاقد الإدراك. وكانت الأفعال المجرمة لا تعين قبل تحريمها، ولا يعلم بها الناس قبل مؤاخذتهم عليها، وكانت العقوبات التي توقع غير معينة في الغالب، يترك للقضاة اختيارها وتقديرها، فكان الشخص بأتي الفعل لم يجرم من قبل، فيعاقب عليه إذا رأى صاحب السلطان

أن فعله يستحق العقاب، ولو لم يكن عوقب أحد من قبل، وكانت العقوبات على الفعل الواحد تختلف اختلافا ظاهرا، لأن اختيار نوعها وتقدير كمها متروك للقاضي فله أن يعاقب بما شاء وكما يشاء دون قيد ولا شرط.

هذه هي بعض المبادئ البالية التي كانت القوانين الوضعية تقوم عليها، وهي مبادئ ترجع في أساسها إلى نظرية المسؤولية المادية التي كانت تسيطر على القوانين وغيره من أهله والمتصلين به، ولا تحسب حسابا لملكات الجاني الذهنية، وقدر على التفكير والتمييز والاختيار، وتوجيه إرادته للفعل ومدى اتصال ذلك كله بالفعل المحرم وأثره عليه.

وقد ظلت هذه المبادئ سائدة في القوانين الوضعية حتى جاءت الثورة الفرنسية فزعزعت هذه الأوضاع الجائرة، وأخذت تحل محلها من ذلك الحين مبادئ جديدة، تقوم على أساس العدالة وعلى جعل الإدراك والاختيار أساسا للمسؤولية فأصبح الإنسان الحي وحده هو محل المسؤولية الجنائية، وأصبحت العقوبة شخصية لا تصيب إلا من أجرم ولا تتعداه إلى غيره، ورفعت المسؤولية عن الأطفال الذين لم يميزوا، ووضعت عقوبات للأطفال المميزين، وارتفعت المسؤولية عن المكره وفاقد الإدراك، وأصبح من المبادئ الأساسية في القوانين أن لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون وأن لا عقوبة إلا على الأفعال اللاحقة لصدور القوانين وقيد حرية القضاة في اختيار العقوبة وتقديرها.

 الفقرة الثانية: في الشريعة الإسلامية

ومن يعرف شيئا قليلا عن الشريعة الإسلامية يستطيع أن يقول وهو آمن من الخطأ، أن كانت هذه المبادئ الحديثة التي لم تعرفها القوانين الوضعية إلا في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، قد عرفتها الشريعة من يوم وجودها، وإنها من المبادئ الأساسية التي تقوم عليها الشريعة الإسلامية.

فالشريعة لا تعرف محلا للمسؤولية إلا الإنسان الحي المكلف، فإن مات سقطت عنه التكاليف ولم يعد محلا للمسؤولية. والشريعة تعفي الأطفال إلا إذا بلغوا الحلم مما يعفى منه الرجال لقوله تعالى: “إذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم” سورة النور ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام: “رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم وعن النائم حتى يصحو، وعن المجنون حتى يفيق”.

والشريعة لا تؤاخذ المكره ولا فاقد الإدراك لقوله تعالى: “إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان” سورة النحل وقوله تعالى “فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه” سورة البقرة ولقول الرسول عليه الصلاة والسلام “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.

ومن القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية “ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلى ما سعى” سورة النجم فلا يسأل الإنسان إلا عن جنايته، ولا يؤخذ بجناية غيره مهما كانت صلته به.

ومن القواعد الأساسية في الشريعة الإسلامية أن كل ما لم يحرم فهو مرخص لا عقاب على إتيانه، فإذا حرم فالعقوبة من وقت العلم بالتحريم في اختيار العقوبة أو تقديرها في جرائم الحدود والقصاص، أما في التقارير فلهم حرية مقيدة، لهم أن يختاروا العقوبة من بين عقوبات معينة، ولهم أن يقدروا كمية العقوبة إن كانت ذات حدين بما يتناسب مع ظروف الجريمة والمجرم، ولكن ليس لهم أن يعاقبوا بعقوبة لم يقررها أولو الأمر، ولا أن يرتفعوا أن ينزلوا بها عن الحدود التي وضعها أو يضعها أولو الأمر.

هذه هي المبادئ الحديثة التي ابتدأت القوانين الوضعية تعرفها في القرن الماضي، قد عرفتها الشريعة الإسلامية وطبقتها قبل القوانين الوضعية باثني عشر قرنا، ومن المؤلم حقا أن يجهل أكثر رجال القانون في البلاد الإسلامية هذه الحقائق الأولية، وأن يخيل إليهم من جهلهم بأحكام الشريعة أن القوانين الوضعية هي أول ما استحدث هذه المبادئ التشريعية.

 المطلب الثاني: معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون الوضعي

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى معنى المسؤولية في الشريعة (الفقرة الأولى) ثم معنى المسؤولية الجنائية في القوانين الوضعية (الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى: معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة أن يتحمل الإنسان نتائج الأفعال المحرمة التي يأتيها مختارا وهو مدرك لمعانيها ونتائجها، فمن أتى فعلا محرما وهو لا يريده كالمكره أو المغمى عليه لا يسأل جنائيا عن فعله، ومن أتى فعلا محرما وهو يريده ولكنه لا يدرك معناه كالطفل أو المجنون لا يسأل أيضا عن فعله. فالمسؤولية الجنائية في الشريعة تقوم على ثلاث أسس أولها: أن يأتي الإنسان فعلا محرما ثانيا: أن يكون الفاعل مختارا. ثالثها: أن يكون الفاعل مدركا فإذا وجدت هذه الأسس الثلاثة وجدث المسؤولية الجنائية وإذا انعدم أحدها انعدمت.

 الفقرة الثانية: معنى المسؤولية الجنائية في القوانين الوضعية

معنى المسؤولية الجنائية في القوانين الوضعية الحديثة هو نفس معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية، وأسس المسؤولية في القوانين هي نفس الأسس التي تقوم عليها المسؤولية في الشريعة، ولا يخالف الشريعة إلا القوانين التي تقيم نظرية المسؤولية على فلسفة الجبر وعدد هذه القوانين محدود.

والقوانين الوضعية عامة لم تكن كذلك قبل الثورة الفرنسية، فقد كانت المسؤولية الجنائية في ذلك الوقت معنى آخر، وهو أن يتحمل الفاعل أيا كان نتيجة فعله سواء كان إنسانا أو غير إنسان، مختارا أو غير مختار، مميزا أو غير مميز، فكان أغلب القوانين الوضعية تسير الآن في نفس الطريق الذي سلكته الشريعة الإسلامية من ثلاثة عشر قرنا.

المبحث الثاني: محل المسؤولية الجنائية وسببها ودرجها

سوف نتكلم في هذا المبحث عن محل المسؤولية الجنائية (المطلب الأول) ثم سبب المسؤولية ودرجتها (المطلب الثاني)

المطلب الأول: محل المسؤولية الجنائية

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى الإنسان محل المسؤولية الجنائية (الفقرة الأولى) ثم شخصية المسؤولية الجنائية (الفقرة الثانية) بالإضافة إلى المجني عليه (الفقرة الثالثة) وأخيرا سنتكلم عن الشريعة والقانون (الفقرة الرابعة)

 الفقرة الأولى: الإنسان محل المسؤولية

ولما كانت الشريعة الإسلامية تشترط أن يكون الفاعل مدركا مختارا، فقد كان طبيعيا أن يكون الإنسان فقط هو محل المسؤولية الجنائية لأنه وحده هو المدرك المختار، أما الحيوان أو الجماد فلا يمكن أن يكون محلا للمسؤولية الجنائية لانعدام الإدراك والاختيار.

ومحل المسؤولية هو الإنسان الحي، فلا يمكن أن يكون الميت محلا للمسؤولية الجنائية حيث ينعدم بالموت إدراكه واختباره ولأن القاعدة في الشريعة أن الموت يسقط التكاليف.

وإذا كان اشتراط الإدراك والاختيار يجعل الإنسان وحده محل المسؤولية الجنائية، فإن توفر هذين الشرطين يستوجب فوق ذلك أن يكون الإنسان المسؤول عاقلا بالغا مختارا، فإن لم يكن كذلك فلا مسؤولية عليه، لأن غير العاقل لا يكون مدركا ولا مختارا، ومن لم يبلغ سنا معينة لا يمكن أن يقال أنه تام الإدراك والاختيار، وعلى هذا فلا مسؤولية على طفل ولا مجنون أو معتوه أو فاقد الإدراك بأي سبب آخر، ولا مسؤولية على مكره أو مضطر.

_ الشخصيات المعنوية: وقد عرفت الشريعة الآسلامية من يوم وجودها الشخصيات المعنوية الفقهاء بين المال جهةَ, والوقت من جهة أخرى: شخصا معنويا وكذلك اعتبرت المدارس والملاجئ, والمستشفيات وغير, وجعلت هذه الجهات أو الشخصيات المعنوية لتملك الحقوق والتصرف فيها، ولكنها لم تجعلها أهلا للمسؤولية الجنائية, لأن المسؤولية تبنى على الإدراك و الاختيار وكلاهما منعدم دون شك في هذه الشخصيات, لكن إذا وقع الفعل المحرم ممن يتولى مصالح هذه الجهات ، أو الأشخاص المعنوية كما نسميها الآن، فأنه هو الذي يعاقب على جنايته ولو انه كان يعمل لصالح الشخص المعنوي.

ويمكن عقاب الشخص المعنوي كلما كانت العقوبة واقعة على ما يشرفون على شؤونه أو الأشخاص الحقيقيين الذين يمثلهم الشخص المعنوي لعقوبة الحل والهدم والإزالة والمصدرة, كذلك يمكن شرعا أن بفرض على هذه الشخصيات ما يحد من نشاطها الضار حماية للجماعة ونظامها وأمنها.

وإذا كان هذا هو حكم الشريعة الإسلامية من ثلاثة عشر قرنا أي من يوم وجودها, فأن القوانين الوضعية كانت إلى عهد غير بعيد تجعل الإنسان والحيوان والجماد محلا للمسؤولية الجنائية، ولم تكن تفرق بين الإنسان الحي والميت ولا بين المميز وغير المميز ولا بين المختار والمدرك، لأنها كانت تنظر إلى الجريمة بغض النظر عن فاعلها, ومن ثم كان العاقل البالغ والصبي الغير مميز والمجنون والمعتوه يعاقبون على جرائمهم دون نظر إلى حالتهم وعقلياتهم، بل كان الحيوان كذلك الجماد يعاقب على ما يمكن أن ينصب إليه من أفعال جنائية أما اليوم بعد أن تغيرت الأسس التي كانت تقوم عليها القوانين الوضعية هذه القوانين لا تعرف محلا للمسؤولية الجنائية غير الإنسان الحي كما أنها تفرق في حكمها بين المدرك والمختار وبين فاقد الإدراك والاختيار، وبهذا أصبحت في هذه النقطة مطابقة للشريعة الإسلامية.

 الفقرة الثانية:شخصية المسؤولية الجنائية

من القواعد الأولية في الشريعة الإسلامية أن المسؤولية الجنائية شخصية فلا يسأل عن الجرم إلا فاعله ولا يؤخذ امرؤ بجريمة غيره مهما كانت درجة القرابة أو الصداقة بينهما. وقد قرر القرآن الكريم هذا لمبدأ العادل في كثير من آياته من ذلك لقوله تعالى ” ولا تكسب كل نفس إلا عليها” ” الإنعام:164″ ولا تزر وزارة وزر أخرى” “فاطر: 18″ وأن ليس للإنسان إلا ما سعى” ” النجم:99″” من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها” ” فصلت: 46″ : من يعمل سواء يجزيه”” النساء: 123″ وجاءت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تؤكد هذا المبدأ حيث يقول” لا يؤخذ الرجل بجريمة أبيه ولا بجريمة أخيه” وحيث يقول لأبي رمثة وأبنه ” إنه لا يجنى عليك ولا تجنى عليه”.

ومبدأ شخصية المسؤولية الجنائية يطبق تطبيقا دقيقا في الشريعة الإسلامية من يوم وجودها وليس لهذا المبدأ العام إلا استثناء واحد, وهو تحميل العاقلة الدية مع الجاني في شبه العمد والخطأ, وأساس هذا الاستثناء الوحيد هو تحقيق العدالة المطلقة أي نفس الأساس الذي قام عليه مبدأ شخصية العقوبة, لأن تطبيق هذا المبدأ على دية شبه العمد و الخطأ لا يمكن أن يحقق العدالة المطلقة بل إنه يؤدي إلى ظلم فاحش,

ومن الفقهاء من لا يعتبر تحميل العاقلة الدية استثناء من مبدأ شخصية العقوبة حيث يرى أنه ليس في إيجاب الدية على العاقلة أخدهم بذنب الجانوي, أنما الدية على القاتل. وأمر هؤلاء بالدخول معه في تحملها على وجه المواساة له من غير التزامهم ذنبا جنائيا, وقد أوجب الله في أموال الأغنياء حقوقا لفقراء من غير التزامهم ذنبا لو يذنبون, بل على وجه المساواة، وأمر بصلة الأرحام بكل وجه أمكن ذلك أمر ببر الوالدين وهذه كلها أمور مندوب إليها للمواساة وإصلاح ذات البين، فذلك أمر العاقلة بتحمل الدية عن قاتل الخطأ على جهة المواساة من غير إجحاف بهم وبه, وإنما يلزم كل رجل منهم ثلاثة درهم أو أربعة مؤجلة ثلاث سنين, فهذا مما ندبوا إليه من محرم الأخلاق ، وقد كان تحمل الدية مشهورا في الحرب قبل الإسلام، وكان ذلك مما يعد من جميع أفعالهم وأخلاقهم وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ” بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” فهذا فعل مستحسن في العقول مقبول في الأخلاق والعادات.

وتأخذ اليوم القوانين الوضعية الحديثة بمبدأ شخصية المسؤولية الجنائية، فلا يؤخذ بالجرائم غير جناتها ولا تنفد العقوبة إلا على من أجرم دون غيره، ولكن القوانين الوضعية لم تطبق هذا المبدأ بدقة تامة حتى لأن.

 الفقرة الثالثة: المجني عليه

المجني عليه هو من وقعة الجناية على نفسه أو على ماله, أو على حقا من حقوقه. ولا تستلزم الشريعة أن يكون المجني عليه مختارا مدركا كما استلزمت هذين الشرطين في الجاني، لأن الجاني مسؤول عن الجنائية مأخوذ بها ولأن المسؤولية مترتبة على عصيان أمر الشريع، وأوامر الشارع لا يخاطب بها إلا مدرك مختار, أما المجني عليه فغير مسؤول وإنما هو معتد عليه أكتسب بالاعتداء حقا قبل المعتد وهو الجاني, وصاحب الحق لا يشترط فيه فقط أن يكون أهلا لاكتساب الحقوق.

والحقوق التي تنشأ عن جرائم على نوعين حقوق الله تعالى وحقوق للادمين, فأما النوع الأول فينشأ عن الجرائم التي تمس مصالح الجماعة ونظامها وأما النوع الثاني فينشأ عن الجرائم التي تمس الأفراد وحقوقهم, وعلى هذا يصح

أن يكون المجني عليه إنسانا مميزا أو غير مميز عاقلا أو مجنونا ويصح أن يكون المجني عليه طائفة من الناس كما لو بغيث طائفة على أخرى، ويصح أن يكون المجني عليه الجماعة كلها كما لو كانت الجريمة زنا أو ردة،

كما يصح أن يكون المجني عليه شخصا طبيعيا يصح أن يكون شخصا معنويا كأن يسرق الجاني مالا للشركة أو لوقف أو للدولة.

وإذا كان محل الجريمة حيوانا أو مالا في ضرورة الجماد أو عقيدة من العقائد فالمجني عليه هو مالك الحيوان أو المال أو الهيئة التي تعتنق العقيدة.

وظاهر مما سبق أن المجني عليه ولو لم ينفعل عن أمه, فمن أحدث جائفة امرأة حامل فأجهضت فقد جني على شخصين هما الأم والجنين حيث أجاف الأم واسقط الجنين, ووجبت عليه عقوبتان هما أرش ‘ الجائفة شربت ودية الجنين وإذا شربت الأم دوام فأجهضت فعليها دية الجنين. ويعرف البعض الجنين في هذا المقام بأنه ما طرحته المرأة من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد‘ ويرى البعض أن الجنين هو ما استبانت خلقتهَ, ويرى البعض الثالث أن الجنين هو ما وحدت الحياة فيه.

والقاعدة في الشريعة إن الإنسان تنتهي شخصيته بموته فإذا مات أصبح لا وجود له, وانتقلت أمواله وحقوقه إلى دائنيه وورثته وإذا كانت نفس الإنسان وماله وحقوقه هي محل الجريمة فلا يتصور أن يكون الإنسان بعد الموت محل الجريمة إلا في حالتين:

-1 الاعتداء على رفات الأموات: لا يعتبر الاعتداء على جثت الميت أو رفاته جريمة واقعة على الميت باعتباره إنسانا, ولا يعتبر الميت هو المجني عليه أنما يحرم الاعتداء على رفات الأموات باعتبارها شيء محترما لذي الجماعة وله حرمته في نفوسهم, فالمجني عليه في الجريمة هو الجماعة والشريعة تعاقب مرتكبها باعتباره متعديا على حرمة الأموات أو حرمة المقابر.

-2 قذف الأموات: من القواعد الأولية في الشريعة أن الدعوى لا تقام على القاذف إلا إذا تقدم المقذوف بالشكوى, لأن الجريمة تمس المجني عليه مساسا شديدا وتتصل بعرضه وسمعته, ولأن للجاني الحق في أن يثبت وقائع القذف، فإذا أثبتها أصبح المقذوف مسؤولا عن الجريمة التي قذف بها ووجبت عليه عقوبتها, ولهذا علق رفع الدعوى على شكوى المقذوف فإذا أشتكى أحدت الدعوى سيرها. وإذا كان المقذوف حيا وقع وقت القذف فله وحده حق الخصومة فأن مات بعد القذف وقبل الشكوى فليس لغيره من ورثته أو عصبته أن يخاصم القاذف ويشكوه إلا إذا كان المقذوف قد مات قبل العلم بالقذف ، أما إذ إلا مات بعد الشكوى فتحل لأنه يرى إن حق المخاصمة في دعوى القذف ليس حقا ماليا حثي يورث.

وإذا كان المقذوف ميتا فجمهور الفقهاء يبيحون رفع الدعوى على القاذف بناء على شكوى الورثة الأصول أو الفروع, وحجتهم في ذلك أن القذف يتعد الميت إلى الأحياء, وأنهم قدح في نسبهم فكأن القاذف قذفهم معا، ولهذا كان لهم حق تحريك الدعوى دفعا للعار عن أنفسهم. ويرى بعد الفقهاء أن العار يلحق الأصول والفروع دون غيرهم, ولهذا قصر حق المخاصمة عليهم ، ويرى البعض إن العار يلحق كل الورثة, وأصحب هذا الرأي يبيحون للورثة جميعا حق المخاصمة, وعلى كل حال فمن له حق المخاصمة يستطيع أن يخاصم دون توقف على غيره ممن له نفس الحق, ولو كان هذا الغير أقرب درجة للميت، أي أن الأبعد يستطع إن يخاصم ولو لم يخصم الأقرب.

وإذا كان الفقهاء يعللون المخاصمة بأنها لدفع العار على المخاصم من أصول الميت أو فروعه أو ورثته, وكان للأبعد أن يخاصم مع وجود الأقارب فمعنى ذلك أن الدعوى قصد منها حماية الأحياء لا حماية الميت، ودفع العار عنهم لا عنه خصوصا إن القذف يتعدى دائما المقذوف إلى غيره، أن القذف في الشريعة الإسلامية نفي النسب عن المقذوف أو نسبت الزنا إليه, فالمقذوف سوء كان رجل أو امرأة إذا نفى عنه نسبة تعداه نفى النسب إلى أصوله وفروعه وورثته, وإذا كانت امرأة فنسب إليها الزنا تعدها القذف إلى أصولها وفرعها وورثتها،

 الفقرة الرابعة: الشريعة والقانون

تتفق القوانين الوضعية مع الشريعة الإسلامية فيما قلنه على المجني عليه فيصح فيها أن يكون المجني عليه إنسان مميزا أو غير مميز، عاقلا أو مجنونا، ويصح أن يكون إنسانا طبيعيا أو معنويا، فردا أو جماعة، كما أن القوانين الوضعية تحمى الجنين قبل أن ينفصل عن أمه فتعقب على الأجهاض سواء حدث من الأم أو غيرها، وحمي حدث الميت ورفاته، فتعاقب من ينتهك حرمة القبور، وهي في ذلك تنفق مع الشريعة أما فيما يتعلق بالقذف فالرأي السائد في القوانين الوضعية اليوم أن القوانين توضع كماية الأحياء دون الأموات ومن تم فقذف الميت لا عقاب عليه إلا إذا تعدى أثر القذف إلى الأحياء من ورثة المقذوف أو دوي قرباء فلا مانع أدن من المحاكمة والعقاب،

وبعض قوانين لا يعلق رفع الدعوى على شكوى المقذوف أو ورثته كما هو الحال في القانون المصري، ولكن بعض القوانين يشترط لرفع الدعوى شكوى المقذوف كما هو الحال في القانون الفرنسي, فإذا مات المجني عليه سقط بموته حق الشكوى إلا إذا قصد من القذف المساس بكرامة أسرة المقذوف وذوي الأحياء فيحق لهم حينئذ أن يرفعوا الشكوى باسمهم.

واتجاه القوانين الوضعية في قذف الأموات لا يكاد يختلف عن اتجاه الشريعة،

فدعوى القذف في الشريعة تمس دائما أسرة المقذوف وأهله فإذا أجازت الشريعة للورثة رفع الدعوى دون قيد فأن هذا يساوي تماما ما أجازته القوانين للورثة من رفع الدعوى في حالة المساس بهم. لأن القوانين لا تقصر القذف على نسبة الزنا وفق النسب كما هو الحال في الشريعة، و إنما تعتبر القوانين قاد فكل من أسند لغيره واقعة توجب احتقاره. ومن المسلم به أن كثيرا مما يعتبر قذفا في القوانين لا يمس ورثة المقذوف أو أهله الأحياء، أما نسبة الزنا للمقذوف ونفي النسب عنه فلا شك أن يمسهم ومن ثم يمكن القول بان القوانين تجبر دائما ودن قيد لورثة المقذوف وأهله الأحياء أن يرفعوا الدعوى في هاتين الحالتين على القاذفًٍَِ، أما تعليق الدعوى على شكوى المقذوف فقد رأينا بعض القوانين كالقانون الفرنسي يتفق مع الشريعة في هذا المبدأ و أن قوانين أخرى منها القانون المصري لا تعلق رفع الدعوى على شكوى القاذف.

 المطلب الثاني: سبب المسؤولية الجنائية ودرجاتها

سوف نتطرق في هذا المطلب إلى سبب المسؤولية الجنائية” الفقرة الأول” ثم درجة المسؤولية الجنائية ” الفقرة الثانية”

 الفقرة الأول: سبب المسؤولية الجنائية

السبب هو ما جعله الشارع علامة مسببة, وربط وجود المسبب بوجوده و دعمه بعدمه, بحيث يلزم من وجود السبب ومن عدمه. والشرط هو ما يتوقف وجود الحكم الشرعي على وجوده، ويلزم من عدمه عدم الحكم. وسبب المسؤولية الجنائية هو ارتكاب المعاصي أي إتيان المحرمات التي حرمتها الشريعة وترك الواجبات التي أوجبتها, وإذا كان الشارع قد جعل ارتكاب المعاصي سببا للمسؤولية الجنائية إلا انه جعل وجود المسؤولية الشرعية موقوفا على توفر شرطين لا يغنى احدهما عن الأخر وهما الإرادة الإدراك والاختيار، فإذا انعدم أحد الشرطين أنعدم أحد هذين الشرطين انعدمت المسؤولية الجنائية, وإذا وجد الشرطان معا وجدت المسؤولية, فالسرقة معصية حرمها الشارع وجعل القطع عقوبة لفاعلها فمن سرق مالا من أخر فقد جاء بفعل هو لسبب المسؤولية الجنائية, ولكنه لا يسأله شرعا إلا وجد فيه شرطا المسؤولية وهم الإدراك والاختيار، فإن كان غير مدرك كالجنون مثلا فلا مسؤولية عليه وإن كان مدركا ولكنه غير مختار فلا مسؤولية عليه أيضا.

وإذا وجد شبب المسؤولية وهو ارتكاب المعصية وجد شرطا، وهما الإدراك والاختيار وأعتبر الجاني عاصيا, وكان فعله عصيانا أي خرج على ما أمر به الشارع، وخفت عليه العقوبة المقررة للمعصية. أما إذا ارتكبت المعصية ولم يتوفر في الفاعل شرط المسؤولية أو وأحدهما فلا يعتبر الفاعل عاصيا ولا يعتبر فعله عصيانا. وأدن فالوجود الشرعي للمسؤولية الجنائية متوقف على وجود العصيان وعدمها تابع لعدمه.

والعصيان في الشريعة يقابل الخطأ والخطيئة la faute في تعبير القوانين الوضعية ولكن التعبير بالعصيان أدق في دلالته على المعنى المقصود, وهو مخالفة أمر الشارع من التعبير بالخطأ والخطيئة, فضلا عن أن التعبير الأخير يؤدى إلى الخلط بين لفظ الخطأ معنى غير المعتمد, وبين لفظ الخطأ بمعنى مخالفة أمر الشارع.

 الفقرة الثانية: درجات المسؤولية

رأينا في السابق أن الوجود الشرعي للمسؤولية الجنائية يتوقف على وجود العصيان, فمن الطبيعي أدن أن تكون درجات المسؤولية تابعة لدرجات العصيان. والأصل في هذه المسألة ان الشريعة الإسلامية تقرن دائما الإعمال بالنيات وتحمل لكل امرئ نصيبا من نيته. وهذا معنى قولا الرسول صلى الله عليه وسلم ” أنما الإعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى” والنية محلها القلب ومناطها القصد, فتقول العرب نواك الله يحفظه أي قصدك الله يحفظه, فمن انتوى بقلبه أن يفعل ما حرمته الشريعة ثم فعل ما انتواه فقد قصد.

وتطبيقا لقاعدة اقتران الإعمال بالنيات لا تنظر الشريعة للجنايات وحدها عندما تقرر مسؤولية الجاني, وإنما تنظر إلى الجناية أولا وإلى قصد الجاني ثانيا, وعلى هذا الأساس ترتب المسؤولية الجاني.

والمعاصي التي يمكن أن تنسب للإنسان المدرك المختار فيسأل عنها جنائيا لا تخرج عن نوعين: نوع يأتيه الإنسان وهو ينتوي أثباته ويقصد عصيان الشارع, ونوع يأته الإنسان وينتوي أثباته ولا يقصد عصيان الشارع, أو لا ينتوي أثباته ولا يقصد العصيان ولكن الفعل يقع يقتصر أو بتسببه, فالنوع الأول هو ما يتعمد قلب الإنسان والنوع الثاني هو ما يخطأ به.

وقد فرق القرآن الكريم بين العامد والمخطأ في قوله تعالى:( عليكم جناح فيما أخطئتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم) ( سورة الأحزاب: الآية 5) وذكر الرسول عليه الصلاة والسلام هذا المعنى في قوله:( رفع عن أمتي الخطأ و النسيان) والمقصود من عدم الجنح ومن رفع الخطأ هو تخفيف مسؤولية المخطأ وعدم تسويته بالعامد ولا يقصد من هذه التعبيرين محو المسؤولية الجنائية كلية, وليس أدل على ذلك من أن الله جل شأنه جعل عقوبة القتل هي القصاص, وجعل عقوبة القتل الخطأ الدية والكفارة، فغلط المسؤولية العامد وخفف مسؤولية المخطئ ولم يمحها كليا وذلك قوله تعالى:( يأيها الذين أمنوا كتب عليكم القصاص في القتل) ” سورة البقرة الآية 178″

وقوله( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) “سورة المائدة: الآية95″ وقوله ( وما كان المؤمن أن يقتل مؤمنا إن خطأ, ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا , فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة) ” سورة النساء: الآية 92 “.

وهكذا تنوعة المسؤولية الجنائية وتعدد درجاتها بحسب تنوع العصيان وتعدد درجاته فإذا أردن أن نعرف مدى تنوع المسؤولية وتعدد درجاتها فعلينا أن نعرف مدى تنوع العصيان وتعدد درجاته .

وقد عرفنا فيما سبق أن العصيان إما أن يتعمده العاصي وأما إن يخطا به فهو أما عمد وأما خطا, والخطأ كلاهما على نوعين درجة جسامته فالعمد ينقسم على العمد والشبه العمد والخطأ ينقسم إلى وما جرى مجر الخطأ ومن ثم يكون العصيان على أربعة درجات وبالتالي تكون المسؤولية الجنائية على أربع درجات لأنها تقوم على العصيان, وتغلط وتخفف بحسب درجات العصيان من الجسامة والبساطة.

أولا: العمد:

المعنى العام للعمد هو يقصد الجاني أثبات الفعل المخطور فمن شرب الخمر وهو يقصد شربها فقد شربها متعمدا. ومن سرق وهو يقصد السرقة فقد تعمدها. والعمد هو أجسم أنواع العصيان وترتب ليه الشريعة أجسم أنواع المسؤولية, وتعرض عليه أغلب العقوبات.

وللعمد في القتل معنى خاص عند جمهور الفقهاء, وهو أن المعنى القصد الجاني الفعل القاتل ويقصد نتيجته ويفرق جمهور الفقهاء الذي يتوفر فيه هذا المعنى الخاص وبين القتل الذي يتوفر فيه العمد بمعناه العام فقط, ويسمون الأول القتل العمد والثاني القتل شبه العمد.

ثانيا: شبه العمد

لا تعرف الشريعة العمد إلا في القتل والجناية على ما دون النفس

وهو غير مجمع عليه من الأتمة, فمالك لا يعترفا به في القتل ولا في ما دون القتل ويرى أنه ليس في كتاب الله إلا العمد والخطأ فمن زاد قسما ثالثا زاد على النص ذلك أن القرآن نص على القتل العمد و القتل الخطأ فقط, فقال تعالى( زمن يقتل مؤمنا متعمدا فجزؤه جهنم) وعلى أساس هذا الرأي يعرف مالك العمد في القتل بأنه أثبات الفعل بقصد العدوان, فهو يقصد الجاني الفعل ويقصد نتيجته,

ويتفق أبو حنيفة والشافعي وأحمد في الاعتراف بشبه العمد في القتل ولكنهم يختلفون في وجوده فيما دون النفس, فيرى الشافعي أن العمد فيما دون النفس أما أن يكون عمدا مخطأ وأما أن يكون شبه عمد وهذا هو الرأي الراجح في مذهب أحمد ويرى أبو حنيفة أن شبه العمد لا يوجد فيما دون النفس ورأيه يتفق مع الرأي المرجوح في مذهب أحمد.

وشبه العمد هو أقل جسامة من العمد, وينبني على ذلك أن تكون عقوبة شبه العمد أخف من عقوبة العمد. فعقوبة العمد الأساسية هو القصاص وعقوبة شبه العمد هو الدية والتعزيز إن رأي لي الأمر تعزيز الجاني.

ثالثا: الخطأ:

هو أن يأتي الجاني الفعل دون أن يقصد العصيان ولكنه يخطأ إما في فعله وإما في قصده فإما الخطأ في الفعل فمثله أن يرمي طائرا فيخطئه ويصيب شخصا. وإما الخطأ في القصد فمثله إن يرى من يعتقد انه جندي من جنود الأعداء, لأنه في صفوفهم أو عليه لباسهم فإذا به جندي من جنود الوطني الحبيب معصوم الدم

رابعا: ما جرى مجرى الخطأ:

يلحق الفعل بالخطأ ويعتبر جاريا مجراه في حالتين:

أولهما: إن لا يقصد الجاني أثبات الفعل ولكن الفعل يقع نتيجة تقصيره كمن ينقلب وهو نائم على صغير فيقتله.

ثانيهما: “أن يتسبب الجاني في وقوع الفعل المجرم دون أن يقصد أثباته كمن يحفر حفره في الطريق لتصريف ماء مثلا فيسقط فيها أحد المارة ليلا.”

خلاصة:

“وتتفق القوانين مع الشريعة في سبب المسؤولية وشروطها فسبب المسؤولية في القانون هو ارتكاب الجرائم وشرط المسؤولية هو الإدراك والاختيار كما هو الحال في الشريعة, ولا مسؤولية مالم يكون الجاني مخطأ.” وتعدد الأخطأ في القانون على نوعين : خطأ بإهمال وخطأ بسيط، ويدخل تحت العمد ما يدخل في الشريعة تحت العمد والشبه العمد ويدخل تحت الخطأ من يدخل تحت الخطأ في الشريعة وما تجرى مجراه.

والقوانين الوضعية و إن كانت لا تغترف بشبه العمد في القتل إلا أنها تجعل هذا النوع من القتل ضرب مفضيا للموت وتخفف عقوبته عن عقوبة القتل العمد, فتصل بذلك على الغرض لذي ترمي إليه الشريعة من التفرقة بين القاتل بقصد الضرب والقتل بقصد القتل, فالخلاف أدن بين الشريعة والقانون خلاف التسمية لا غير.

و لا شك إن تعبير الشريعة بالقتل شبه العمد أصح منطق من تعبير القوانين الوضعية.

 الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية وموانعها

المسؤولية هي تحميل الإنسان نتيجة عمله ولكي يسال جنائيا عن جريمة من الجرائم يجب أن يكون أهلا لتحمل المسؤولية الجنائية. فيكون مدركا مختارا فيما يفعل وفوق ذلك يلزم أن يكون مخطأ.

فالخطأ أساس المسؤولية الجنائية إذا أنعدم فلا يسأ عما حدث. والخطأ وصف يلحق بالإرادة,ومن أجل ذلك إذا انعدمت الإرادة في شخص فلا محل لشبه الخطأ إليه كما لو أرتكب الجريمة تحت تأثير قوة لا قبل له بدفعها. ويترتب على ذلك إن الخطأ لا يكون درجة واحدة بل درجات تختلف شدة وضعها باختلاف المدى. الذي تنسحب عليه الإرادة. يرد الإنسان الفعل ونتيجته كما في حالة القتل العمد والسرقة وهذه هي حالة الخطأ العمدي المعبر عنه اصطلاحا بالقصد الجنائي وهو اشد أنواع الخطأ .

متى وجد التميز وتحققت حرية اختيار توفرت أهلية الشخص لتحمل المسؤولية الجنائية.وإذا امتنع أحد هذين الشرطين أو هما معا امتنعت المسؤولية من حيث المبدأ.1 سنتكلم في هذا الفرع عن قصد العصيان وأثر الجهل والخطأ على المسؤولية ” المبحث الأول” وشروط المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي ” المبحث الثاني”

 المبحث الأول: قصد العصيان وأثر الجهل والخطأ على المسؤولية

متناولينا في هذا المبحث قصد العصيان أو القصد الجنائي والمعين وغير المعين في ( المطلب الأول) وأثر الجهل والخطأ والنسيان على المسؤولية الجنائية (المطلب الثاني) وأثار الرضاء بالجريمة والأفعال المتصلة بها في المسؤولية الجنائية ( المطلب الثالث) و ارتفاع المسؤولية الجنائية ( المطلب الرابع).

 المطلب الأول: قصد العصيان أو القصد الجنائي

سوف نتطرق في هذا المطلب العصيان أو القصد الجنائي (الفقرة الأولى) وصور القصد (الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى: قصد العصيان أو القصد الجنائي

قصد العصيان أو القصد الجنائي هو تعمد إتيان الفعل المجرم أو تركه مع العلم بأن الشارع يجرم الفعل أو يوجبه, وينبغي أن لا يفوتنا إدراك الفرق بين العصيان وبين قصد العصيان, في العصيان عنصر ضروري يجب توفره في كل جريمة سواء كانت الجريمة بسيطة أو مركبة. من جرائم العمد أو جرائم الخطأ ، فإذا لم يتوفر عنصر َِِِِِالعصيان في الفعل فهو ليس جريمة أما قصد العصيان فلا يجب توفره إلا في الجرائم العمدية دون غيرها، والعصيان هو فعل المعصية أي إتيان الفعل المجرم أو الامتناع عن الفعل الواجب دون أن يقصد الفعل العصيان.

والتفرقة بين العصيان وبين قصد تقابل التفرقة بين الإدراك volonté. وهي تعمد الفعل المجرم أو تركه ماديا وبين القصد intention وهو تعمد النتيجة المترتبة على الفعل المادي تلك التفرقة التي نقول بها اليوم في القوانين الوضعية، ولا شك أن التعبير بالعصيان عن إتيان الفعل ليس تمة بقصد العصيان عن تعمد نتيجة، الفعل هو تعبير أكتر دقة ودلالة على ه1ين المعنيين من التعبير عنهم بالإرادة والقصد, لأنه ليس تمة فرق بين الإرادة والقصد من الوجهة اللغوية، وهما لفظان مترادفان يصلح كلامهما للادلالة على تعمد الفعل وتعمد نتيجته وهذه الصلاحيات اللغوية تؤدي إلى الخلط بين المعاني الفنية كما تؤدي إلى العجز عن تميزها أحيانا.

 الفقرة الثانية: صور القصد

وليس للقصد صورة معينة, يظهر في صور متنوعة باختلاف الجرائم ونية المجرم, فقد يكون القصد عاما, وقد يكون خاصا, وقد يكون القصد معينا وغير معين, وقد يكون القصد مباشرا أو غير مباشر.

أولا: القصد العام والقصد الخاص .

يتوفر القصد العام كلما تعهد الجاني ارتكاب جريمة مع عمله بأن يرتكب محضورا. وأكثر الجرائم يكتفي فيها بتوفر قصد الجنائي العام, كجريمة الجرح والضرب البسيط فإنه يكفي فيها إن يتعمد الجاني إتيان الفعل المادي مع علمه بأنه يأتي فعلا مجرما.

وفي بعض الجرائم لا يكتفي الشارع بالقصد العام, بل يشترط أن يتوفر معه قصد خاص كتعمد نتيجة معينة أو ضرر خاصاًٍَِ، كما هو الحال في جريمة القتل العند لا يكفي أن يضرب الجاني المجني عليه أو يجرحه وهو عالم بان الضرب والجرح مجرم، بل يجب يتعمد مع الضرب أو الجرح إزهاق روح المجني عليه، فالشارع يوجب لمحاسبة الجاني على القيل العمد أن يتعهد بعد توفر القصد العام نتيجة معينة أو قصدا خاصا، فإذا توفر القصد العام فقط ومات المجني عليه كان الفعل قتلا شبه عمد لا قتل عمدا وفي جريمة السرقة لا يكفي أن يأخذ الجاني مال الغير خفية وهو عالم بأن هذا الفعل مجرم، بل يجب أن يتعمد مع ذلك تملك المال فإذا أخذه وهو لا يقصد تملكه لم تتكون جريمة السرقة وفي الحالات التي يشترط فيها قصد خاص يختلط قصد الجاني بالباعث،كلما كان القصد الخاص هو الباعث على الجريمة، فمن يقتل شخصا بقصد إزالته من طريقه يختلط قصد الخاص بالباعث على الجريمة.

ثانيا: القصد المعين وغير المعين

يكون القصد معينا إذا قصد الجاني ارتكاب فعل معين على شخص أو أشخاص معينين.

ويعتبر الفعل معينا سواء كان بطبيعة ذا نتائج محددة، كمن يذبح شخصا أو أكثر بسكين، أو كان بطبيعته ذا نتائج غير محدودة كمن يبقى قنبلة على جماعة، فهذا يعرف دون شك أن فعله سيؤدي لقتل وجرح الكثيرين لكنه لا يستطيع تحديدهم من قبل. كما يستطيع من يستعمل السكن.

ويعتبر الفعل معينا ولو كانت نتائجه غير محدود كلما أتاه الجاني وهو عالم بنتائجه قاصدا تحقيق هذه النتائج كلها أو بعضها، لا يبالي أيها تحقق وأيها تخلف. ويعتبر المجني عليه معينا كلما أمكن تعينه.

ولو لم يعين باسمه أو شخصه أو وصفه فمن قصد أن يصيب أي شخص من جماعة معينة يعرف أفردها وأطلق عليهم النار فأصاب أحدهم فقد أصاب شخصا معينا. ومن أطلق النار بقصد إصابة أي شخص في جماعة معينة لا يعرف أفردها فقد أصاب شخصا معينا.

لأن الجماعة معينة وأنها تصبح مقصودة فتعتبر جماعة وإفرادا.

ويكون القصد غير معين إذا قصد الجاني ارتكاب فعل معين على شخص غير معين ويعتبر الشخص غير معين إذا لم يكن في الإمكان تعينه قبل الجريمة. فإذا أطلق الجاني كلبا عقورا ليعقر من يقابله، أو حفر بئرا في الطريق ليسقط فيه من يمر في الطريق، كان المجني عليه غير معين،ويشترط ليكن غير معين إن لا يقصد الجاني في فعله هلاك شخص معين، فإن قصده فالقصد معين بالنسبة للأول وغير معين بالنسبة لثاني.

ثالثا: القصد المباشر وغير مباشر

يعتبر القصد مباشرا سوءا كان معين أو غير معين كلما ارتكب الجاني الفعل وهو يعلم نتائجه ويقصدها، بغض النظر عما إذا كان يقصد شخص معينا أو لا يقصد شخصا معينا.

ويعتبر القصد غير مباشرا إذا قصد الجاني فعلا معينا فترتب على فعله نتائج لم يقصدها أصلا أو لم يقدر وقوعها، ويسمى القصد غير مباشر بالقصد المحتمل أو القصد الاحتمالي ولم يتعرض الفقهاء للقصد المباشر أو غير المباشر كما أنهم لم يعرفوا تعبير القصد الاحتمالي ولكن ليس معنى هذا أن الشريعة الإسلامية لم تعرف القصد الاحتمالي، وأنها لا تفرق بين القصد المباشر والقصد غير المباشر، فقد عرفت الشريعة حق المعرفة القصد الاحتمالي، وأنها لا تفرق بين القصد المباشر وغير المباشر من يوم نزولها، وليس أدل على ذلك من جرائم الجراح والضرب، فالضرب والجرح وهو لا يقصد إلا مجرد الإنذار أو التأديب، ولا يتوقع أن يصيب المجني عليه إلا بجرح بسيط أو كدمات خفية أو لا يتوقع أن يصيبه إلا بمجرد السلاح، ولكن الجاني مع هذا لا يسأل جنائيا عن النتائج التي قد قصدها فقط أو التي توقعها وإنما يسأل أيضا عن النتائج التي لم يقصدها فقط أو التي توقعها وإنما يسأل أيضا عن النتائج التي لم يقصدها ولم يتوقعها، فإذا أدى الجرح إلى الموت فهو مسؤول عن موت المجني عليه.

 المطلب الثاني: أثر الجهل والخطأ والنسيان على المسؤولية

سنتناول في هذا المطلب ثلاث فقرات، أثر الجهل على المسؤولية الجنائية ( الفقرة الأولى) أثر الخطأ على المسؤولية الجنائية( الفقرة الثانية) أثر النسيان على المسؤولية الجنائية ( الفقرة الثالثة).

 الفقرة الأولى: أثر الجهل على المسؤولية الجنائية

من المبادئ الأولية في الشريعة الإسلامية أن الجاني لا يؤاخذ على الفعل المجرم إلا إذا كان عالما علما تاما بتجريمه، فإذا جهل التجريم ارتفعت عنه المسؤولية.

ويكفي في العلم بالتجريم إمكانه، فمتى بلغ الإنسان عقلا وكان ميسرا له أن يعلم ما حرم عليه، أما يوجع به للنصوص الموجبة لتجريم، وإما يسؤال هل الذكر المميز عالما بالأفعال المجرم، ولم يكن له أن يعتذر بالجهل أو يحتج بعدم العلم ولهذا قول الفقهاء ” لا يقبل في دار الإسلام العذر بجهل الأحكام”

ويعتبر المكلف عالما بالأحكام بإمكان العلم لا بتحقق العلم فعلا ، زمن ثم يعتبر النص المحرم معلوما لكافة،ولو أن عليهم لم يطلع عليه أو يعلم عنه شيء مدام العلم به كان ممكنا لهم، ولم تشترط الشريعة تحقق العلم فعلا، لأن ذلك يؤدي إلى جرح ويفتح باب الادعاء بالجهل على مصراعيه ويعطل تنفيذ النصوص.

هذه القاعدة العام في الشريعة الإسلامية، لا استثناء لها وإذا كان الفقهاء يرون قبول الاحتجاج بجهل الأحكام ممن عاش في بادية لا يختلط بمسلمين أو ممن أسلم حديثا ولم يكون مقيما بين المسلمين، فإن هذا ليس استثناء في الواقع وإنما هو تطبيق لقاعدة الأصلية التي تمنع مؤاخذة من يجهل التجريم حتى يصبح العلم ميسرا له.

 الفقرة الثانية:أثر الخطأ على المسؤولية الجنائية

الخطأ هو وقوع الشيء على تميز أرادة فاعله. فالفاعل في جرائم الخطأ لا يأتي الفعل عن قصد ولا يريده، وإنما يقع الفعل منه على غير إرادته ويخلف قصده ، وفي بعض الأحيان يقصد الجاني فعلا معينا ليس جريمة في ذاته، فيتولد من هذا الفعل المباح ما يعتبر جريمة دون أن يقصد الجاني ما تولد عن فعله، وتعتبر الجريمة المتولي عن فعلا مباح جريمة غير عمدية ولو أن الجاني قصد الفعل المباح، لأنه قصد بفعله محلا غير المحال المحرم، أي غير محل الجريمة، ومثال ذلك أن يتمضمض صائم فيسري الماء إلى حلقه، أو يرمي صائد طيرا فيصب إنسانا،فالصائم قصد إدخال الماء إلى فمه ليتمضمض ولم يقصد أدخله إلى حلق ليفطر، فهو قد قصد فعلا مباحا، ولكن تولد عن الفعل المباح الذي قصده فعل أخر غير المباح لم يقصده وإنما وقع على غير إرادته، والصائد قصد صيد الطائر ولم يقصد إصابة المجني فهو قد قصد فعلا مباحا ولكن تولد الفعل المباح الذي قصده فعل آخر غير مباح لم يقصده، وهو إصابة المجني عليه، ومحل الفعل المقصود هو الطائر، ومحل الفعل غير المقصود هو الإنسان.

مخطأ كالعامد المسؤول جنائيا كلما وقع منه فعل يحرمه الشارع، ولكن سبب مسؤوليتهما مختلف، فمسؤولية العامد سببها أنه قصد عصيان أمر الشارع وتعمد إتيان ما حرمه أو ترك ما أوجبه، ومسؤولية المخطأ سببها أنه عصى الشارع لا عن قصد، ولكن عن تقصير وعدم تثبيت واحتياط.

 الفقرة الثالثة: أثر النسيان على المسؤولية.

النسيان هو عدم استحضار الشيء في وقت الحاجة إليه، وقد قرنت الشريعة الإسلامية النسيان بالخطأ في قوله تعالى:(ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ( سورة البقرة، الآية 276) وفي قول الرسول(ص)( رفع أمتي الخطأ والنسيان).

وقد أختلف الفقهاء في حكم النسيان، فرأى البعض أن النسيان عذر عام في العبادات والعقوبات، وأن القاعدة العامة في الشريعة أن من فعل محظورا ناسيا فلا إثم عليه ولا عقاب، لكن الناسي إذا أعفى من المسؤولية الجنائية فإنه لا يعفى من المسؤولية المدنية، لأن الأموال والدماء معصومة والعذر الشرعية لا تتنافى مع عصمة المحل. وطبقا لهذا الرأي لا يعاقب الناسي إذا ارتكب فعلا محرما ما دام قد أتى الفعل وهو لا يذكر أنه مجرم، ولكن النسيان لا يسقط الواجبات بل على الناسي إتيانها حين يذكرها أو يذكر بها، وإلا وجبت عليه العقوبة المقررة.

ويرى البعض أن النسيان عذر بالنسبة للمؤاخذة في الآخر، لأن العقوبة الأخروية تنقدي على القصد ولا قصد للناسي، أما بالنسبة للأحكام الدنيا فلا يعتبر النسيان عذرا معفيا من العقوبة الدنيوية إلا فيما يتعلق بحقوق الله تعالى، فإنه يعتبر عذرا فيها بشرط أن يكون هناك داع طبيعي للفعل، وان لا يكون هناك ما يذكر الناسي بما نساه، ويضربون مثلا لذلك أكل الصائم ناسيا فإن طبع الإنسان يدعوه للأكل وليس هناك ما يذكر بالصوم، أما ما يتعلق بحقوق الأفراد فالنسيان لا يعتبر فيها عذرا بأي حال.

وإذا كانت بعض الجرائم مما يمس حقوق الله كالزنا وشرب الخمر وما أشبهن إلا انه يمكن القول بأن الجرائم التي يعتبر النسيان فيها عذرا ينظر وقوعها، لأن نسيان الفعل المحرم ناذر في ذاته، ولأن الجريمة التي تنسى يجيب أن يندفع غليها الناسي بدوافع طبيعية، كما يجيب أن لا يكون هناك ما يذكره بالتحريم، ويمكننا أن نتصور من أسلم حديثا يعطش فيشرب الخمر ناسيا، ومن طلاق امرأته طلاقا بائنا يأتها وهي في العدة ناسيا،

 المطلب الثالث : آثار الرضا بالجريمة والأفعال المتصلة بالمسؤولية الجنائية:

سنتناول في هذا المطلب آثر الرضا على المسؤولية الجنائية( ) الأفعال المتصلة بالجريمة وعلاقتها بالمسؤولية الجنائية(الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى:آثر الرضا على المسؤولية الجنائية

الأصل في الشريعة الإسلامية أن رضاء المجني عليه بالجريمة و إذنه فيها لا يبيح الجريمة ولا يؤثر على المسؤولية الجنائية إلا إذا هدم الرضا ركنا من أركان الجريمة كالسرقة والغصب مثلا، فإن الركن الأساسي في الجريمتين هو أخذ المال على رغبة المجني عليه بأخذ المال كان الفعل مباحا لا جريمة.

وهذه القاعدة العامة تطبقها الشريعة بدقة على الجرائم، ما عدا جرائم الاعتداء على النفس وما دونها، أي: جرائم القتل والجرح والضرب، وكان المنطق يقضى أن تطبيق القاعدة على هذه الجرائم أيضا، لأن الرضا لا يهدم ركنا من أركان جريمة القتل أو الجرح أو الضرب، ولكن الذي منع من تطبيق هده القاعدة وجود قاعدة أخرى خاصة بهذه الجرائم، وهي للمجني عليه وأوليائه حق العفو عن العقوبة الأصلية في الجناية على النفس وما دون النفس، فلهم أن يعفوا عن القصاص إلى الدية، ولهم أن يعفوا عدية والقصاص معان، فلا يبقى بعد ذلك إلا تعزير الجاني إن رأى ذلك أولو الأمر، أي من لهم حق التشريع.

وقد أدى وجود القاعدتين معا إلى اختلاف الفقهاء على المدى الذي تطبق فيه كل قاعدة، كما جعل آراء الفقهاء في القتل تختلف عن آرائهم في القط والجرح، ولهذا سنتكلم أولا عن الرضا بالقتل، ثم نتكلم بعد ذلك عن الرضا بالقطع والجرح.

-1 الرضا بالقتل : يرى أبو حنيفة و أصحاب أن الإذن بالقتل لا يبيح الفعل، لأن عصمة النفس لا تباح إلا بما نص عليه الشرع، والإذن بالقتل ليس منها، فكان الإذن عدما لا أثر له على الفعل، فيبقى الفعل محرما معاقبا عليه باعتباره قتلا عمدا، لكنهم اختلفوا فيما بينهم على العقوبة التي توقع على الجاني، فرأى أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد أن يدرأوا عقوبة القصاص عن الجاني، وأن تكون العقوبة الدية، على أساس أن الإذن بالقتل شبهة، وأن الرسول (ص) يقول: ” ادرأوا الحدود بالشبهات” والقصاص معنبرحدا، فكل شبهة تقوم في فعل مكون لجريمة عقوبتها القصاص يدرأ بها الحد عن الحاني، ورأى زفر أن الإذن لا يصلح أن يكون شبهة ، ومن ثم فهو لا يدرأ القصاص، فوجب أن يكون هو العقوبة.1

-2 الرضا بالجرح القتل: يرى أبو حنيفة وأصحابه أن الإذن بالقطع والجرح يترتب عليه منع العقوبة، لأن الأطراف عندهم يسلك بها مسلك الأموال، وعصمة المال تثبت حقا لصاحبه، فكانت العقوبة على القطع والجرح محتملة السقوط بالإباحة والأذن، وكنهم اختلف فيما أدى الجرح أو القطع بالموت، فأبو حنيفة يرى الفعل قتلا عمدا ، لأن الإذن كان على الجرح أو القطع فلما مات تبين أن الفعل وقع قتلا لا جرحا ولا قطعا،ومن ثم فعليه عقوبة القتل العمد، ولما كان الإذن يعتبر شبه تذرأ القصاص فيتعين أن تكون العقوبة الدية، أما أبو يوسف ومحمد فمن رأيهما أنه إذا أدى الجرح أو القطع إلى الموت فلا شيء على الجاني إلا التعزير، لأن العفو على الجرح أو القطع عفوا عما تولد منه، وهو القتل.

ومذهب مالك على الإذن بالقطع أو الجرح لا عبرة به إلا إذا أستمر المجني عليه مبريا له بعد الجرح أو القطع، فإن لم يبرأ المجني عليه الجاني بعض الجرح أو القطع فقد وجبت العقوبة المقررة، وهي القصاص أو الدية إذا امتنع القصاص لسبب شرعي ، أما إذا استمر المجني عليه مبرأ الجاني، فإن العقوبة المقررة أصلا هي القصاص والدية تسقط ويحل محلها التعزير، هذا إذا لم يؤدي القطع أو الجرح للموت، فإذا أدى إليه أعتبر الجاني قاتلا عمدا ووجبت عقوبة القتل العمد والإذن بالجرح والقطع عند أحمد كالإذن بالقتل مسقط للعقوبة، وأن كان الإذن لا يبيح الفعل، لأن للمجني عليه الحق في أسقط العقوبة، وقد أسقطها بإذنه.

 الفقرة الثانية: الأفعال المتصلة بالجريمة وعلاقتها بالمسؤولية الجنائية.

الأفعال المتصلة بالجريمة لا تعدوا أن تكون فعلا من ثلاث فهي إما مباشرة وغما سبب وإما شرط والتمييز بين هذه الأفعال الثلاثة ضروري للتمييز بين الجاني وغير المجني.

المباشرة: هي ما أحدث الجريمة بذاته دون واسطة وكان له للجريمة،كذبح شخص بسكين، فإن الذبح يحدث الموت بذاته، وهو في الوقت نفسه علة الموت، وكإشعال النار في الشيء المحروق فإن أشعل النار يحدث الحريق بذاته ، وهو في نفس و وقته علة الحريق، وكأخذي السارق مال غير من حرزه خفية، فإن الأخذ يحدث السرقة وهو علة لها، وكتناول الخمر فإنه يحدث جريمة الشرب وهوفي الوقت نفسه علة لها.

السبب: هو ما أحدث الجريمة لا لذاته بل بواسطة، وكان علة لجريمة، كشهادة الزور على برئي بأنه قتل غيره فإنها علة للحكم على المشهود عليه بالموت، ولكن الشهادة لا تحديث بذاتها الموت، وإنما يحدث الموت بواسطة فعل الجلد الذي يتول تنفيذ حكم القاضي الذي صدر بالموت، وكحفر بئر في طريق المجني عليه وتغطيتها بحيث إذا مر عليها سقط فيها وجرح أو مات، فالحفر هو علة الموت أو الجرح، ولكن الحفر لا يحدث الجرح أو الموت بذاته، وإنما يحدثه بواسطة سقوط المجني عليه في البئر.

ونستطيع أن نفرق بين المباشر والسبب بأن المباشر تولد الجريمة دون واسيط وأن سبب يولد المباشرة، أو هو واسطة لتولد مباشرة التي تتولد عنها جريمة.

والسبب ثلاثة أنواع:

أـ سبب حسي: وهو ما يولد مباشرة توليد محسوسا مدركا لا شك فيه ولا خلاف عليه، سواء كان السبب ماديا أو معنويا، كالإكراه على القتل والجرح فإنه يولد في المكره داعية القتل والجرح دون شك، وكحفر بئر في طريق المجني عليه وتغطيتها، حتى إذا ما مر عليها سقط فيها ومات أو جرح، فلا شك أن الحفر هو الذي تولد عنه التردي ثم الموت أو الجرح، وكإشعال النار في البيت الذي ينام فيه المجني عليه حتى إذا ما أستيقظ كانت النار قد أحاطت به وقضت عليه، وكإطلاق حيوان مفترس على المجني عليه بقصد قتله فيفترسه الحيوان، وكأمر طفل غير مميز بقتل شخص فقتله، فهذه كلها أسباب مادية ومعنوية تؤدي إلى الجريمة بطريق محسوس مدرك لا شك فيه ولا يختلف عليه.

ب سبب شرعي: وهو ما يولد مباشرة توليدا شرعيا، أي أساسه النصوص الشرعية، كشهادة الزور والسرقة والقتل فإنها تولد في القاضي داعية القتل بالموت على القاتل والقطع على السارق، وتنفيذ الحكم يؤدي إلى مباشرة الموت والقتل، وكتعمد القاضي أن يحكم ظلما بالقتل أو القطع ، فإن تنفيذ هذا الحكم يؤدي إلى مباشرة الموت أو القطع.

ج سبب عرفي: وهو ما يولد المباشرة توليدا عرفيا لا حسيا ولا شرعيا كترك الطعام المسموم في متناول الضيف، وكالقتل بوسيلة معنوية مثل الترويع والتخويف والسحر، ويدخل تحت السبب العفوي الأسباب الحسية التي بعدت فأصبحت مشكوكا فيها أو مختلفا عليها، مثل ذالك إشعال نار في مسكن شخص بقصد قتله، فإن إشعال النار بسبب محسوس للموت إذا مات المجني عليه محترقا، ولكن إذا أنقد المجني عليه ووضع في مستشفى لعلاجه فإنهم المستشفى على المجني عليه ومات تحت الأنقاض، فإن إشعال نار يصبح سببا للموت مشكوكا فيه أو مختلفا عليه وينقلب إلى سبب عرفي.

والسبب العرفي قد يكون ماديا وقد يكون معنويا، ويسمى السبب العرفي لأن حد السببية في النوع هو الحد المتعارف عليه، أي ما أقره عرف الناس وقبلته عقولهم.

 المطلب الرابع: ارتفاع المسؤولية الجنائية

سوف نتطرق في ( الفقرة الأولى) إلى علة ارتفاع المسؤولية الجنائية وفي ( الفقرة الثانية) إلى أسباب الإباحة وفي ( الفقرة الثالثة) الإعفاء من العقوبة

 الفقرة الأولى: علة ارتفاع المسؤولية الجنائية :

بينا فيما سيق أن المسؤولية الجنائية تقوم على أسس ثلاثة هي:

1ـ تيان فعل محرم. 2ـ. أن يكون الفاعل مختارا. 3ـ. وأن يكون مدركا.

فإذا توفرت هذا الأسس الثلاثة توفرت المسؤولية الجنائية، وإذا انعدم أحدها لم يعقب الجاني على فعله، على أن عدم العقاب لا يرجع في كل حالات إلى سبب واحد بعينه، فإذا لم يكون الفعل محرما فلا مسؤولية أطلاقا، لأن الفعل غير محرم، والمسؤولية لا تكون قبل كل شيء إلا عن الفعل محرم وإذا كان الفعل محرما ولكن الفاعل فاقد الإدراك أو الاختيار فالمسؤولية الجنائية قائمة، ولكن العقاب يرفع عن الفاعل لفقدانه الإدراك أو الاختيار.

فالمسؤولية ترتفع أدن،أما بسبب يتعلق بالفعل، وإما لسبب يرجع للفاعل، وفي الحالة الأولى يكون الفعل مباحا ، وفي الحالة الثنية يبقى الفعل محرما، ولكن لا يعاقب على إتيانه.

 الفقرة الثانية: أسباب الإباحة ورفع العقوبة.

يباح الفعل المحرم في الشريعة الإسلامية، لأسباب متعددة، ولكنها كلها ترجع، إما

لاستعمال حق، وإما لأداء واجب، فاستعمال الحقوق وأداء الواجبات هو الذي يبيح إتيان الأفعال المحرمة على الكافة، ويمنع من مؤاخذة الفاعل، لأن الشريعة جعلت له حقا في إتيان الفعل المحرم أو ألزنته بإتيانه فأباحت له بذلك إتيان ما حرم على الكافة. وترفع العقوبة عن الفاعل لأربعة أسباب وهي :

1 الإكراه. 2 السكر. 3 الجنون. 4 صغر السن.

وفي هذه الحالات الأربع يرتكب الحاني فعلا محرم ولكن العقوبة ترتفع عنه لفقدان الاختيار أو الإدراك.

 الفقرة الثالثة: الإعفاء من العقاب.

وقد جاءت الشريعة بعض ذلك كله بمبدأ أخر يسمح بإعفاء من العقاب بالرغم من أنه استحقه، لرتكابه فعلا محرما وهو متمتع بالإدراك والاختيار، ويعتبر هذا المبدأ استثناء من القواعد العامة، ولعل الشارع يقصد من أقرار هذا المبدأ الاستثنائي تشجيع الجاني على الثوبة في الجرائم الخاطرة والعدول عن الاشتراك فيها وهي من أخطر الجرائم وذلك قوله تعالى( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهن فاعلموا أن الله غفور رحيم) ” سورة المائدة: الآية 33و 34″

ومن المسلم به أن هذا النص ينطبق على جريمة الحرابة، إما ما عداها من جرائم الحدود فمختلف عليه وقد سبق الكلام عن هذا الخلاف،ولا شك أن المبدأ الذي جاء به النص يمكن تطبيقه على بعض جرائم التعازير إذا رأى أولو الأمر مصلحة في ذلك.

والفرق بين الشريعة والقانون هي أسباب ارتفاع المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية، وهي بذاتها نفس أسباب ارتفاع المسؤولية في القوانين الوضعية ،وحكم هذه الأسباب في الشريعة والقوانين واحد من حيث التكليف.

الفرق الواحد بين الشريعة والقوانين الوضعية أن أسباب الإباحة وأسباب رفع العقاب والإعفاء من العقاب عرفت كلها في الشريعة الإسلامية من يوم وجودها، أي:

من مدة تزيد على ثلاثة عشر قرنا، وعرفت من أول يوم على الوجه الذي هي عليه الآن، بينما القوانين الوضعية لم تعرف هذا كله إلا في أواخر القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر، ولم تعرفه إلا سببا بعد سبب وخطوة بعد خطوة.

 المبحث الثاني: شروط المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية وموانعها.

لا يكفي لقيام المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي، وقع الفعل المحظور. بل لا بد من توافر الإدراك او التمييز وتحقق حرية الاختيار، فإذا أنعدم الشرطان أو تخلف أحدهما امتنعت المسؤولية الجنائية، وقد جاءنا الدليل النقلي من الشارع في قوله صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاث: عن الصبي حتى يبلغ، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق.)

ورفع القلم يفسرها البعض أنها حط التكليف لأن التكليف خطاب وخطاب من لا يهم أو لا يفهم أو يقدر غير واقع شرعا، ويعني بها آخرون امتناع المسؤولية.

سوف نتكلم في هذا المبحث عن شروط المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي (المطلب الأول) ثم موانع المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي (المطلب الثاني) ثم نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي و الفقه الإسلامي ( المطلب الثالث)

 المطلب الأول: شروط المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي .

سنتناول في هذا المطلب إلى التمييز ( الفقرة الأولى) وحرية الاختيار (الفقرة الثانية)

 الفقرة الأولى: التمييز.

“التميز هو القدرة على فهم خطاب الشارع ويكتمل بالعقل. ويعتبر التميز الذي هو شرط المسؤولية الجنائية جوهرة البلوغ فإذا لم يبلغ الصبي أو بلغ وكان مجنونا امتنعت المسؤولية، والإنسان في طرقه إلى البلوغ يمر بثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: من الولد إلى سن التميز:

وفيها يكون غير مميز ولا عقل له أهمية الأداء بقصور عقله فلا يصح له تصرف من التصرفات الشرعية لأن عبارة تكون لغونا لا قيمة لها، ولا يؤاخذ على شيء من أفعاله مؤاخذة جسدية لأن العقل والبلوغ هما شرط توقيعها ولكنه يضمن في ماله ما يتلفه.

المرحلة الثانية: من التميز إلى البلوغ:

وأقلها سبع سنين وفيها يكون ناقص العقل فثبتت له أهلية الأداء ناقصة تقوم بها مسؤوليته المدنية وتمتنع مسؤوليته الجنائية.

المرحلة الثالثة: العقل و البلوغ:

وهي مرحلة إن وصلها قامت مسؤوليته عن كل أفعاله فإن القتل أقتص منه وان سرق قطعت يداه وان زنا جلد الخ

وحد البلوغ عند جمهور الفقهاء خمسة عشرة سنة و التمييز دلائله الإنزال سواء فيه الذكر والأنثى.

ودليل ربط المسؤولية الجنائية بالبلوغ قوله (ص) ” رفع القلم عن ثلاث ” عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ”

وقد اشتملت الروايات الثلاث لحديث ـ رفع القلم قوله (ص) ” حتى يكبر” ” حتى يعقل” ” حتى يحتلم” وهي معاني كلها تحدث عند البلوغ.

فالكبر:أشارة إلى قوته وشدته، واحتماله التكاليف والطاقة والعقوبات على تركها.

والعقل: المرد به فكرته فإنه وإن ميز قبل ذلك لم يكون فكره تاما وتمامه عند هذا السن ـ أي سن البلوغ ـ وبذلك يتأهل للمخاطبة وفهم كلام الشارع والوقوف مع الأوامر والنواهي.

والاحتلام: إشارة إلى انفتاح باب الشهوة العظيمة التي توقع في الموبقات وتحدبه إلى الهوى في الدرجات.

 الفقرة الثانية: حرية الاختيار.

الاختيار لغة يعني الاصطفاء ويعرف بأنه ترجيح الشيء وتخصيصه وتقديمه وهو اخص من الإرادة.

أو المشهور أن له معنيين الأول كون الفاعل بحيث إن شاء فعل وأن لم يشأ لم يفعل.

والثاني صحة الفعل والترك، فالمختار والقادر هو الذي يصح منه الفعل والترك، وقد يفسران بالذي أن شاء فعل وأن شأ ترك

فالاختيار هنا يتضمن حريته التي بها يفعل وبها يترك.

والحق إنه لا يكفي أن يكون الإنسان مميزا يفهم الخطاب ويريد الفعل بل ينبغي أن يكون حرا في إتيان هذا الفعل أو ذلك فالحرية شرط رئيسي من شروط تحمل المسؤولية، وشرط رئيسي للثواب والعقاب وشرط رئسي للمدح والذم.

وقد اختلف المفكرون الإسلاميون حول حرية الاختيار بين المعتزلة الذين يرون الاختيار شرطا أساسيا لتحمل المسؤولية وبدنه لا يمكن عقاب أحد أو أثابته على أفعاله، وبين الأشاعرة الذين يرون أن الإنسان يتوهم انه حر مختار، لكن هذه الحرية وذلك الاختيار أمران لا وجود لهما في مجرى الحياة الفعلية التي يحيها الإنسان.

وحرية الاختيار التي يتحمل المرء مسؤوليتها تنتمي إليه وتخصه باعتباره كائن عاقلا مميزا لا باعتباره كائن نائما حساسا، إنها تعامله باعتباره كائنا مريدا يستطيع أن يتوجه نحو هذا أو ذك ويستطيع إن يسلك بناء على تصورات المبادئ

وهذا الشرط في المسؤولية يؤكد الصلة الوثيقة بين المسؤولية الجنائية و المسؤولية الخلقية بل أن القانون الجنائي الإسلامي لا ينفصل عن القادة الخلقية و إنما يعمل على تدعيمها، ” وليس بعيدا أن يقول أن حماية القاعدة الجنائية الإسلامية للقواعد الأخلاقية جزء من تشريع الإسلام ذاته وليس مجرد استنتاج من قول الرسول(ص) :” بعث لأتمم مكارم الأخلاق وعلى ذلك فلا انفصل في النظام القانوني الإسلامي بين القاعدة الجنائية والأخلاقية” ، ولكن أيضا لا يتطابقان “لأن برغم من أن العمل الدخلة ولواقع الخرجي مختلطان في العقل بطريقة لا تنفصم فيما يتعلق بأي حكم بالمسؤولية، سواء كانت أخلاقية إما عقابية، إلا أن العنصر المتحكم أو مركز الثقل يغير مكانته تبعا لوجهة نظر التي يؤخذ بها، فحركة الضمير هي التي تهمنا بصفة أساسية في مجال المسؤولية الأخلاقية ووهي لازمة لها بصورة مطلقة.فالعمل البدني الحض لا يمكن أن ينشأ مطلقا مسؤولية أخلاقية، والعمل الإرادي لا يمكن أن ينشاها إلا متجاوبا مع نيته، وبعكس ذلك نجد إن العقوبة تعترض مقدما واقعا خارجيا، وتستهدفه دائما، ذلك أن أشد النوايا سودا كأشدها نقاء كلاهما عجزا عن أن يفرض حكما للمسؤولية القانونية حين يكون مفردا. غير مصحوب بتعبيره المادي”

أولا: الإرادة وحرية الاختيار.

الإرادة غير حرية الاختيار فالأول تتعلق بالسلوك والقصد والثانية تتعلق بالفعل وعدم الفعل” ولا ينبغي الخلط بين تجرد الشخص من حرية الاختيار وبين انعدام إرادته، لأن التلازم بين الآمرين غير مضطرد، فقد يتجرد الشخص من تلك الحرية ومع ذلك لا تنعدم إرادته، وهذه التفرقة لازمة، لأن حرية الاختيار شرط لقيام المسؤولية إما الإرادة فلازمة لقيام الحرية.

والحقيقة أن حرية الاختيار بهذا المعنى هي الاستطاعة في عرف المتكلفين فهي قدرة يتمكن بها الإنسان من الفعل والترك، إما الإرادة فهي كما يقول ” الجرجاني” صفة توجب للحي خالا يقع منه الفعل على وجه دون وجه.”

ثانيا: الرضا والاختيار.

يفرق فقهاء المذهب الحنفي بين الاختيار ورضا وهي تفرقه ليست من ابتكار الأحناف بل استمدها من الفقه ” الأمام إبراهيم النخعى” الذي تستند نظريته في الإكراه على أساس التفرقة بين الرضا الاختيار هذا التفريق الذي أخده عنه الحنفية وصاغوا بناء عليه نظريتهم في الفساد.

والاختيار كما يعرفه “البز دوي” هو القصد إلى أمر متردد بين الوجود والعدم داخل في قدرة الفاعل بترجيح احد الجانبين على الآخر.

غما الرضا فهو الانشراح النفس ولا تلزم بين الرضا والاختيار فقد يختار المرء أمرا لا يرضاه. ويظهر أثر هذا التعريف عند الأمام” النخعى” والحنفية في مسائل الإكراه، فالإكراه غير ملجئ بعدم الرضا ولا يفسد الاختيار.

إما الإكراه الملجئ فإنه يعدم الرضا ويفسد الاختيار.

 المطلب الثاني: موانع المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي.

موانع المسؤولية الجنائية بمعناها الدقيق هي تلك الأسباب التي تفقد الشخص قدرته على التميز والاختيار فتجعله غير أهل لتحمل المسؤولية الجنائية.

ويكاد يتفق الفقهاء على أن الصغير والمجنون والسكر الاضطراري موانع للمسؤولية الجنائية.

فصغير الذي لم يبلغ غير مسؤول عن النقصان أهليته وعدم تكليفه والمجنون غير جنونه غير مسؤول لعدم أهليته، وكذلك من كان في حالة سكر اضطراري ، وتتفق هذه الموانع الثلاث في أنها خارجة عن طاقة الإنسان وليس في وسعه، فالصغر السن لا يد له فيه والجنون ابتلاء والسكر الاضطراري أيضا لا يملك المرء له دفعا

إما السكر الاختياري فقد اختلف الفقهاء حوله، هل برفع العقوبة ويمنع المسؤولية إما لا آثر له.

ونحن نرى أن السكر مطلقا يعد مانعا للمسؤولية الجنائية. لأن العقل والتميز هو أساس كل المسؤولية، والسكران لا يعقل، ويعلل “الغزلي” عدم مسؤولية بعدم تكليف، فالتكليف محل وإلا كان تكليفا بما لا يطاق

ولا شك أن السكر غير مسؤول عند أغلب علماء الأصول فهم نصوا على امتناع مسؤوليته ولكن فقهاء الفروع اثبت بعض الأحكام على أفعال المجنون فماهو تعليلها؟

كما رتبوا مسؤوليته على السكران في بعض الحالات على نحو ما سنعرض بعد قليل، فما هو تكيفها الفقهي؟

أغلب الفقهاء وعلماء الأصول اعتبروا أن مسؤولية السكران في هذه الحالة ليست من خطاب التكليف في شيء فهي لا تقوم على العقل أو الاختيار وشرط خطاب تكليف العقل فإذا لزم السكران أرش جنايته وقيمة ما أتلفه وصح طلاقه، فهذا باب أحكام الوضع لا التكليف.

فهو من قليل ربط الأسباب بالمسببات مثل تبث الإرث في حق الوارث

سنتطرق في هذا المطلب إلى الجنون ( الفقرة الأولى) والصغر ( الفقرة الثانية) ثم السكر (الفقرة الثالثة)

 الفقرة الأولى: الجنون.

الجنون هو اختلال بحيث يمنع جريان الأعمال و الأقوال على نهج العقل الانادر وهو عند” أبو يوسف” أن كان حاصلا في أكثر السنة فهو مطبق وما دنها فغير مطبق1 وقد توا ثرة فروع الفقه على أثبات أثر الجنون على المسؤولية الفاعل وعقابه واختلفت من ذلك أحكام المذاهب.

وقد اتفق على الجنون يمنع المسؤولية لقوله (ص) ” رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يعقل والصبي حتى يحتلم”

مسؤولية المجنون: إذا توفر الجنون امتنعت مسؤولية الفاعل على النحو التالي:

أولاـ في الحدود: لا خلاف بين فقهاء الذاهب على إن الجنون لا تطبق عليه الحدود لأن شرط توقيعها التكليف.

ثانياـ في القصاص المجنون لا يجب عليه القصاص وعند جمهور الفقهاء فإن عمده خطأ، فلو قتل فلا قصاص عليه، وإنما تجب قوليه وتحملها العاقلة، ويرى” الشافعي” في أصح قوله أن عمد المجنون عمد وليس خطأ تم عنه القصاص ويوجب الدية ولكنه يختلف مع الجمهور في مقدارها فهي عنده كدية العامد.

“فأفعال المجنون مدمنة ماليا في ماله أو على عاقلته، ويرى الظاهرية عدم مسؤولية المجنون مطلقا فلا قصاص عليه ولا دية، وهم في هذا منطقيون مع أصول مذهبهم فظهرة النص في الحديث رفع المسؤولية مطلقا عن المجنون.

في الكفارة: في كفارة القتل يرى “أبو حنيفة و الشيعة الزيدية” أنه لا كفارة عن المجنون لأنها عبادة مخضة ويرى” أحمد والشافعي ومالك والشيعة الأمامية” أنها تجب عليه لأنها حق مالى متعلق بالقتل فتتعلق به كتعلق الدية. وهي تختلف عن الصوم والصلاة فهما من العبادة البدنية وهذه عبادة مالية فأنسجة نفقة الأقارب، إما كفارة اليمين فلا تجب على المجنون لأنها تتعلق بالقول وهو لا قول له.

أما التعزيز فالأصل فيه لا أنه يلحق بالمحدود والقصاص فلا عقاب على المجنون لأن شرط العقاب العقل والمجنون لا عقل له، فالتعزيز على كل عقال إلا الصبي العاقل ، المميز غير البالغ، فإنه يعزر تأديبا لا عقوبة لأنه من أهل التأديب.

ومع ذلك فقد نصب فقهاء الشافعية على جواز تعزير المجنون.

وقال بعض فقهاء المالكية كما جاء في مواهب الجليل ويسل المجنون إلى أولياء المقتول فيقتلونه إن شاءوا ولو شاءوا لم يقتلوه حتى يصح لأن أدر الحدود بالشبهات ولا أقول هذا في حقوق الناس.

وعند الشيعة الأمامية من وجب عليه الحد وهو صحيح العقل ثم أختلط العقل عليه وقالت عليه البينة بذلك قيم عليه الحد كائنا من كان. وفي المختصر النافع” أما لو قتل ثم جن لم يسقط قوده. وكذلك عند الجعفرية لا يسقط القود بلا خلاف سواء ثبت بالبينة أو بالإقرار، وعند الشيعة الاباضية فإن الجنون العارض بعد الجريمة الراجح أنه لا يؤثر والمرجوح أنه يؤثر .”

خلاصة القول:

أن الجنون العارض وتأثره على إيقاف المحاكمة وتنفيذ العقوبة فيه خلاف لذى الفقهاء، فالحنابلة والشافعي والشيعة الأمامية والأباظية لا يمنعون العقوبة بالجنون، أما الأحناف وجمهور المالكية فإنهم يمنعون العقوبة على التفصيل السالف ذكره.

 الفقرة الثانية: الصغر.

“الحالة فطرية في الإنسان ليست ملازمة له وهي منافية للأهلية، وفقهاء يطلقون على الصغير الصبي، وهو في الأحكام على أربعة أقسام يهمن منها مالا يلحق فيه بالبالغ بلا خلاف وذلك في التكاليف الشرعية من الواجبات والمحرمات والحدود.

والصبي قبل البلوغ يمر بمرحلتين هما

أـ مرحلة عدم التميز حتى يبلغ السابعة.

ب ـ مرحلة التميز من السابعة حتى البلوغ .

والصبي سواء كان مميزا أو غير مميز حكمه حكم المجنون تماما.

لهذا نرى الفقهاء ينصون على إحكامها معا وقد تقدم ذكرهما في حديث رفع القلم.

فالصبي كالمجنون لا يسأل جنائيا ويفرق المجنون في التعزيز كما نص على ذلك الكاساني فالتعزيز لا يطبق على المجنون لغياب العقل ويطبق على الصغير لقيام الفهم الناقص ولكنه يطبق عليه من باب التأديب لا العقوبة وهذا الإجراء مع الصغير هو من قبيل التدابير الوقائية.

ومسؤولية الصغير في الشريعة الإسلامية ـ سواء في مرحلة عدم التمييز أو التمييزـ هي مسؤولية تأديبية ووقائية محضة وليست مسؤولية عقابية، وذلك لأن المسؤولية الجنائية في الإسلام تبدأ مع البلوغ. فالصغير أدن مانع من المسؤولية وجاء في “المسودة” وقد أختار قوم تكليف الصبي والمجنون قلة من أختار تكليفهما أن أراد أنه يترتب على أفعالهما ما هو من خطاب الوضع فلا نزاع في ترتيبه وان أراد خطاب التكليف فإنه لا يلزمهما بلا نزاع”.

 الفقرة الثالثة: السكر.

أغلب الأصوليين والمتكمين على أن السكران غير مكلف لن شرط التكليف العقل والسكران لا عقل له.

والسكر نوعان:

أولا: السكر الاضطراري: الفقهاء يرفعون الأتم والمسؤولية عن هذا النوع.

ثانيا: السكر الاختياري: وقد اختلف الفقهاء فيه فغالبية الفقهاء يرون فاعله كالعاصي في كل أفعاله وأقواله، وهذه النظرية حمل لوائها الحنفية ووافقهم بعض الشافعية وكثير من المالكية وبعض الحنابلة.

والنظرية الثانية ترفع عن السكران المسؤولية خاصة في الحدود والقصاص، والمسألة في رأينا حلها ليس في فروع الفقه وإنما في أصوله فإذا كان الرأي الأصولي الراجح عدم جوز تكليف السكران لغياب العقل والفهم شرط التكليف ولا السكران ، كما يقول ” ابن تيمية” فإن القول بمسؤولية الجنائية بعد ذلك هو مما لا تسنده الأصول خاصة وأن الفقهاء قد قرروا أن ثبوت وترتب بعض الأحكام ليس نمن قبيل خطاب التكليف بل هو خطاب وضع. ونحن لا نسقط على السكران المسؤولية الجنائية إطلاقا وإنما نسوى بين سكره الاضطراري وسكره الاختياري فيما يجنيه حال سكره لانتفاء تكليف وتظل المسؤولية المدنية قائمة الدية كانت أو غيرها، إما حد السكر فإنه ثابت على من تناول عمدا وباختياره المسكر.

وثبوت المسؤولية هنا ليس استثناء من القاعدة لأنها ثبتت حال تناوله المسكر لحال سكره، فالحد أساسه تناول المسكر لا حالة السكر ذاتها، وقد رأى بعض فقهاء القانون، أن السكران بخياره مسؤول جنائيا في الشريعة الإسلامية.

وعلل أخر هذه المسؤولية بقوته وهذا تأخذ الشريعة الإسلامية بفكرة المسؤولية المفترضة في حق السكران الذي تناول المسكر بعلمه وإرادته”.

” ومحاولة تبرير مسؤولية السكران في الفكر الوضعي مقبولة حيث إن الخمر في ذاتها غير محرمة، أما في الشريعة الإسلامية فإن الإسلامية السكران الجنائية ثبت وهي تؤدى وظيفتها الجزائية ونفي بحق المجتمع.

كما أن المسؤولية السكران المدني قائمة استيفاء لحقوق العباد ولا نرى مبررا بعد ذلك لتقرير مسؤولية السكران الجنائية عن أفعاله حال سكره. لأن في هذا خروجا عن مبدأ العقل والحرية وهما شرطا المسؤولية وهو مبدأ عام في الشريعة الإسلامية وهنا نلاحظ مايلي:

أ ـ أن تقرير مسؤولية السكران اختياريا في الفرع الفقهي هي دليل على أهمية وحرية اختيار لا العكس لأننا نشترط في السكر أن يكون اختياريا.

ب ـ يمكن تأويل الأحكام الفروع التي تقيم مسؤولية السكران على أنها تقوم على الأفعال المتولدة، فما يثبت به حد الخمر قد يتسع لعقوبات أخر. على أن نظل في كل الأحوال مؤسس المسؤولية على الإرادة الحرة تستطيع الفعل والترك.

المطلب الثالث: نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي والفقه الإسلامي.

سوف نقسم هذا المطلب إلى نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي (الفقرة الأولى) ونظرية المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي(الفقرة الثانية).

 الفقرة الأولى: نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي.

إذا كانت الشريعة الإسلامية قد عرفت النظرية التي بسطنها من 13 قرنا ولم تعرف غيرها فإن القوانين الوضعية قد عرفت أكثر من نظرية واحدة، فقبل الثورة الفرنسية كانت المسؤولية الجنائية قائمة على أساس النظرية المادة، ومقتضاها العقاب على أي فعل أيا كان مرتكبه، وبغض النظر على صفته و حالته، وقد أدت هذه النظرية إلى عقاب الإنسان والحيوان والجماد، وأدت إلى عقاب الإحياء والأموات والأطفال والمجانين وبعض الثورة الفرنسية قامت المسؤولية الجنائية على أساس فلسفة الاختيار ويسمى هذا المذهب بالمذهب التقليدي وخلاصته إنه لا يصح أن يسأل جنائيا إلا من يتمتع بالإدراك والاختيار.

وأن الإنسان وحده هو الذي تتوفر فيه هاتان الصفتان، وأن الإنسان بعد سن معين يستطيع أن يميز بين الخير والشر ويختر بينهما، ومثل هذا الشخص هو الذي توجه إليه أوامر الشارع ونواهيه، فإذا خلف الشارع على قدرته على الإدراك والاختيار، كان من العدل أن يعاقب جزاءا على مخالفة أمر الشارع، فاساس المسؤولية هو الإدراك والاختيار والعقوبة مفروضة ضمانا لتنفيذ أمر الشارع وجزاءا عادلا على مخالفته.

وبعد أن ساد المذهب التقليدي زمنا ظهر المذهب الوضعي وهو قائم على فلسفة الجبر، وخلاصة أن المجرم لا يأتي الجريمة مختارا، وإنما يأتيها مدفوعا إليها بعوامل لا قبل له بها ترجع إلى الورثة والبيئة والتعليم والتركيب الجثماني، وإذا كان الجاني لا خيار له في ارتكاب الجريمة فقد امتنع عقابه طبقا لمذهب التقليدي. ولكن يمكن عقابه إذا اعتبرت العقوبة التي تصيب كل جاني باختلاف سنه وعقله وقد أخذت بعد القوانين بهذا المذهب ومنها القانون السوفيتي الصادر في سنة 1926، ولكن أكثر الدول لم تأخذ به.

ثم ظهر بعد ذلك مذهب أخر قصد منه التوفيق بين المذهبين السابقين ويسمى مذهب الاختيار النسبي، ويرى أصحابه الإبطاء على المذهب التقليدي، لأن الإنسان مهم كان اختياره محدودا فإن الإرادة داخل في الجريمة، ولكن المذهب الجديد يضيف إلى المذهب القديم فكرة أخرى،وهي أن المشرع أن يحمي الجماعة من أجرام الأشخاص الذين يمتنع عقابهم لانعدام إدراكهم أو اختيارهم، بأن يتخذ معهم إجراءات خاصة

مناسبة لحالتهم. وهذا المذهب هو الذي يسود القوانين الوضعية اليوم.

ويلاحظ أن المذهب القانوني الأخير يؤدي إلى نفس النتائج التي تؤدي إليها مذهب الشريعة الإسلامية، ولا يفترق عنه إلا في أن نظرية الشريعة أدق منطقا وأفضل صياغة، فهي تجعل العقوبة ضرورة اجتماعية ووسيلة لحماية الجماعة، وتفرق في تطبق وسائل حماية الجماعة بين الشخص المختار المدرك وبين فاقد الإدراك أو الاختيار. أما المذهب القانوني فأساس العقوبة فيه مخالفة أمر الشارع وتحقيق العدالة، وهذا الأساس مأخذ عن المذهب التقليدي، وهو أساس يتعرض منطقيا مع معاقبة غير المسؤول، أو اتخاذ أي إجراء ضده، إذ لا يمكن أن يقال إن فاقد الإدراك والاختيار خالف أمر الشارع، وإذا لم يكون قد خالف أمر الشارع فليس من العدالة في شيء أن يؤاخذ بأي وجه من وجوه المؤاخذة والشريعة الإسلامية وإن كانت تجعل أساس المسؤولية الجنائية الإدراك والاختيار، والمدرك المختار مسؤولا كلما خالف أمر الشارع، ويعتبر فاقد الإدراك أو الاختيار غير مسؤول، إلا أنها تجعل العقاب ضرورة اجتماعية ووسيلة لحماية المجتمع، وهذا يجعل من حق الشارع عقاب المسؤول جنائيا بالعقوبة التي تحمي الجماعة منه كما يجعل من حق الشارع أن يتخذ ضد غير المسؤول الوسائل الملائمة لحماية الجماعة منة شره وإجرامه إذا ضعة الضرورة لذلك ويجب أن ننس بعد هذا أن الشريعة الإسلامية عرفت من القرن 7 م، وأن أحدث المذاهب الوضعية لم تعرف إلا في القرن 20 وأن لا يقال من أن القوانين تقوم على أساس حديثة لا تعرفها الشريعة الإسلامية هو قول اقل ما يقال فيه انه يخالف الواقع.

الفقرة الثانية: نظرية المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي.

من المتفق أن الأفعال المحرمة يؤمر بها أو ينهى عنها، لأن في إتيانه أو تركها ضرر بنظام الجماعة أو عقائدها أو بحياة أفرادها أو بأموالهم أو بإعراضهم أو بمشاعرهم أو بغير ذلك من الاعتبارات التي تمس مصالح الإفراد أو مصالح الجماعة ونظامها، والأفعال التي تمس مصالح الأفراد تنهي بمساس مصلحة الجماعة ونظامها، فالأفعال التي تحرم إذن لم تحرم إلا لحفظ مصالح الجماعة ونظامها والعقوبات التي تفرض على هذه الأفعال إنما تفرض لحماية مصالح الجماعة ونظامها والأفعال التي تحرم لا تحرم لذاتها، أن من هذه الأفعال ما قد يستفيد منه الفاعل ويعود عليه بالنفع كالسرقة وخيانة الأمانة والرشوة. فإنها تعود على الجاني بالكسب وكالزنا فأنه يعود على الزاني باللذة وإطفاء الشهوة، وكالقتل الانتقام فأنه يعود على القاتل بشفاء نفسه منة الحقد والشعور بالذل والعار، فهناك فوائد محققة تعود على الجاني من ارتكاب جريمة، ولكن هذه الفوائد التي قد يصيبها الجاني من جرمته تؤدي إلى أفساد الجماعة والإضرار بها وانحلال أنظامها، ولتلافي هذه النتائج حرمت هذه الأفعال، حماية للجماعة من الفساد وحفظا لنظامها من التفكك والانحلال والأفعال المحرمة بعضها يعتبر بطبعته جريمة، لأنه يتنافى مع الأخلاق الفاضلة كالسرقة والزنا، وبعضها لا يعتبر بطبيعته جريمة ولم يحرمها الشارع، لأنه يمس بالشرف أو يؤدي الأخلاق، وإنما حرمه ، لأن في إباحته أضرار بالجماعة كتحريم حمل السلاح، وتحريم الانتقام من محل موبوء بمرض معدي إلى محل غير موبوء، وتحريم الامتناع عن تلقي العلم فمثل هذه الأفعال تحرم لحفظ مصالح الجماعة ودفع الضرر عنها.

وإذا كانت الأفعال تحرم لمصلحة الجماعة، فإن العقوبة تفرض باعتبارها وسيلة لحماية الجماعة وحماية نظامها، ولما كانت العقوبة هي أمثل الوسائل لحماية الجماعة من الجريمة والإجرام فإن العقوبة بهذا تصبح ضرورة اجتماعية لا مفر منها، ومثل العقوبة في هذا كل وسيلة آخري تقوم مقام العقوبة في حماية الجماعة من الإجرام والمجرمين.وإذا كانت العقوبة ضرورية اجتماعية، فإن كل ضرورة تقدر بقدرها، ولا يصح أن تكون أقل مما يجب لحماية الجماعة من الإجرام.

وتعتبر العقوبة محققة لمصلحة الجماعة كلما بعدت عن الإفراط و التفريط وهي تعتبر كذلك كلما توفرت فيها العناصر التالية:

1ـ أن تكون العقوبة بحيث تكفي تأديبي الجاني وكفيه عن معاودة الجريمة وان تكون بحيث يستطيع القاضي أن يختر العقوبة الملائمة لشخصية الجاني وأن يقدر مقدار العقوبة التي يراها كافية لتأديبه وكف أداه، وهذا يقضي تناول العقوبة وتعددها للجريمة الوحدة، وجعل العقوبة ذات حدين يستطيع القاضي أن يختار العقوبة الملائمة ويقدر كميتها من بين حدى العقوبات الأدنى والأعلى.

2ـ أن تكون العقوبة كافية كالجزر للغير عند ارتكاب الجريمة بحيث إذا فكر في الجريمة وعقوبتها وجد أن ما يعود عليه من ضرر العقوبة قد يرد على ما يعود عليه من نفع الجريمة.وهذا يقتضي ان تكون أنواع العقوبات وحددها العليا بحيث تنفر من الجريمة.

3ـ ان يكون هناك تناسب بين الجريمة والعقوبة بحيث تكون العقوبة على قدر الجريمة، فلا يصح أن يكون العقاب قطع الطريق كعقوبة السرقة العادية ولا يصح أن تكون عقوبة القتل العمد متساوية مع عقوبة القتل الخطأ.

4ـ أن تكون العقوبة عامة بحيث تطبق العقوبة المقررة للجريمة على من ارتكبها، فلا يعفى منها أحد لمركزه أو شخصه أو لغير ذلك من الاعتبارات.

والعقوبة التي تتوفر فيها العنصر السابقة هي العقوبة العادية، ولا يصح أن تقع إلا على من ارتكب الجريمة وهو مدرك مختار.

ويعلل الفقهاء أشترط الإدراك والاختيار لاستحقاق العقاب العادي بأن الله جل ثنائه وتقدست أسمائه خلق العباد وخلق الموت والحياة وجعل ما على الأرض زينة لها ليبلو عباده ويختبرهم أيهم أحسن عمل. وأنه هيأ لهم أسبا ب الابتلاء في أنفسهم وفي خارج أنفسهم، فإما في أنفسهم فقد خلق لهم العقول والأسماع والأبصار والشهوات والقوى والطبائع والحب والبغض والميل والنفور والأخلاق المتضاد المقتدية لأثارها اقتضاء السبب لمسببه، وأما في خارج أنفسهم فقد خلق لهم منافع والمعاني التي تحرص النفوس عليها وتتنافس في الوصول إليها، كما خلق لهم في المعاني والأسباب ما تكرهه النفوس وتعمل على دفعة عنها، ولم يترك الله جل شأنه من الناس ودواعي أنفسهم وطبائعهم بل ركب في فطرتهم وقولهم معرفة الخير والشر والنافع والضار والألم واللذة ومعرفة أسبابها، ولم يكتف بمجرد ذلك حتى عرفهم به مفصلا على ألسنة رسله وقطع معا زير الناس بأن أقام على صدق رسله من أدلة وبراهن مالا يبقى معه لهم عليه حجة، ليهلك من هلك عن بينة، ويحي من حي عن بينة، وصرف لهم طرق الوعد الواعد والترغيب والترهيب وضرب لهم الأمثال وأوال عنهم كل أشكال ومكنهم من القيام بما أمرهم به وترك ما نهاهم عنه غاية التمكين وأعانهم عليه بكل سبب، وسلطتهم على قهر طباعهم، وأرشدهم إلى التفكير و التدبير وإيثار ما تقضي به عقولهم، وأكمل لهم دينهم وأثم عليهم نعمته بما أوصله إليهم على ألسنة رسله من أسباب العقوبة والمثوبة والبشارة والناذرة و الرغبة و الرهبة، وحقق لهم ذلك فجعل بعضه في دار الدنيا ليكون علما و أمارة لتحقق ما أخره عنهم في دار الجزاء و المثوبة ويكون العاجل مذكرا بالأجل. وكان من بعض حكمته أن حرم على الناس ما يضر بأفرادهم وجماعتهم ونظامهم، وشرع لهم من العقوبات عليه ما يقطع أطماعهم ويرد عدوانهم ويمنع تظالمهم ، فإن سمعوا وأطاعوا لم يضرهم ذلك شيئا، وإن عضوا فقد حقت عليهم العقوبة بعصيانهم وعدوانهم، ولا عذر لهم أن عملوا بها وما ينتظرهم من عقاب وبعد أن أتوا وهم مختارين مدركين.

أما من لم يكن مدركا أو مختارا فلا عقاب عليه، لأن المكلف بإتيان فعل أو تركه يجيب أن يفهم الخطاب الموجه إليه أي الأمر والنهي،وهو لا يستطيع أن يفهم ذلك إلا إذا كان عاقلا، كما أنه لا يمكن القول بأن المكلف عصى امر المشرع إذا كان قد أكره على الفعل المحرم.

وسنعرض على القارئ فيما يلي نموذجا مما يقول الفقهاء في تعليل عدم العقاب في هاتين الحالتين وهذا القول لأبي الحسن الأمدي صاحب الكتاب الأحكام في أصول الأحكام. ” أتفق العقلاء على أن شرط المكلف. أن يكون عاقلا فاهما لتكلف، لأن التكلف خطاب، وخطاب من لا عقل له ولا فهم محال، كالجماد والبهيمة”.

” ومن وجد له أصل الفهم لأصل الخطاب دون تفاصيله من كونه أمرا أو نهيا ومقتضيا للثواب والعقاب، ومن كون الأمر به هو الله تعالى، وان له واجب الطاعة وكون المأمور به على صفة كذا كذا، كالمجنون و الصبي الذي لا يميز فهو بالنظر إلى فهم التفاصيل كالجماد والبهيمة، بالنظر إلى فهم أصل الخطاب، ويتعذر تكلفه إلا على رأي من يجيز التكليف بما لا يطاق لأن المقصود من التكليف كما يتوقف على فهم أصل الخطاب فهو متوقف على فهم تفاصيله”.

وأما الصبي المميز وأن كان يفهم ما لا يفهم غير المميز، غير أنه أيضا غير فاهم على الكمال لا يعرفه كامل العقل من وجود الله تعالى، وكونه متكلما مخاطبا مكلفا بالعبادة ومن وجود الرسول الصادق والمبلغ عن الله تعالى، وغير ذلك مما يتوقف عليه مقصود التكليف، فنسبته على غير المميز كنسبة غير المميز إلى البهيمة فيما يتعلق لفوات شرط التكليف.

فهذه هي نظرية المسؤولية في الشريعة الإسلامية، وظاهر مما سبق أنها تقوم على أساسين:

أولهما: إن العقوبة فرضت لحماية الجماعة وحفظ نظامها وتحقيق الأمن لها فهي ضرورة اجتماعية أمستلزمها وجود الجماعة ، وكل ضرورة تقدر بقدرها، فإذا اقتد مصلحة الجماعة أن تكون العقوبة قاسية غلظت العقوبة، وإذا اقتضت مصلحة الجماعة أن تخفف العقوبة خفضت العقوبة، وإذا اقتضت مصلحة الجماعة استئصال المجرم، استؤصل منها: أما بقتله وأما بحبسه حتى يموت أو ينصلح حاله.

ثانيهما: أنة العقوبة العادية لا يستحقها إلا من كان مدركا مختارا من المكلفين، فإذا لم يكون المكلف مدركا أو مختارا فلا مسؤولية عليه وبالتالي لا عقاب ولكن هذا لا يمنع الجماعة من أن تحمي نفسها من الشخص غير المسؤول بالوسيلة الملائمة لحاله وحال الجماعة، ولو كانت هذه الوسيلة عقوبة مادمت تلائم حال المعاقب.

خاتمة :

نعني بالمسؤولية الجنائية تلك الرابطة التي تقوم بين الواقعة الإجرامية التي تعد جريمة في نظر القانون من جهة، والمتهم بتلك الواقعة من جهة أخرى.

ولقد رئينا في هذا البحث نقاش الفقهاء المسلمين أساس المسؤولية للشخص سواء كان مخيرا أو مسيرا.

وتقوم الشريعة الإسلامية على أساس أن العقل والإرادة الحرة المختارة هما مناط تحمل التبعة أو المسؤولية ولذلك يقول الحديث” رفع القلم عن ثلاث عن الصغير حتى يحتلم وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق” ورفع عن الخطأ والنسيان وما السكران وقد تكلموا هؤلاء الفقهاء أيضا عن قتل النفس ويعتبرون الغريزة هي الدافع إلى الشهوة، والعقل هو مناط الإدراك وأن الإرادة هي حصيلة الأتنين معا: الإدراك والغريزة.

فعلماء الشريعة كما قال “الزيلعي” مثلا ” إن الله تعالى ركب في البشر العقل و الهوى وركب في الملائكة العقل دون الهوى وركب في البهائم الهوى دون العقل”

فكلمة الهوى هنا هي بالذات كلمة الغريزة التي يعنيها علماء النفس.

لائحة المراجع

المراجع العربية

– د العلمي عبد الواحد : المبادئ العامة للقانون الجنائي المغربي الجزء الثاني طبعة 1999 مطبعة دار الصباح الجديدة

ـ الجرجاني للتعريفات دار الكتابة العربية ببيروت الطبعة 2009

– د الرازي أبن بكر أحكام القرآن الجصاص نشرة الشيخ محمد صادق القمحي ج 2 الشيخ عبد الوهاب خلاف علم أصول ص18 دار الحديث 1423هـ 2003 م الطبعة 8 ص233. و الاقتصاد الجزء 1ص371.

– د أبو زهرة محمد:أصول الفقه الجريمة في الفقه الإسلامي دار الفكر العربية

العربية الطبعة 2007.

– د إمام محمد كمال الدين: المسؤولية الجنائية أسا سها و تطورها دراسة في القانون الوضعي و الشريعة الإسلامية طبعة 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية

– د بنهيسي أحمد فتحي: المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي مؤسسة الحلبة مطبعة القاهرة الطبعة 1969.

د بلان فرانسوا بول ،المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القانون المغربي الترجمة والعقاب،ترجمة علي الكتاني،المجلة المغربية للقانون عدد 19،ص 227.

– د توفيق عبد العزيز : القانون الجنائي مع أخر التعديلات. ظهير 25/07/ 1994 دار الثقافة لنشر و التوزيع – الدار البيضاء.

ـ د عبد القادر عودة :التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي الجزء الأول طبعة 1421 هجرية2000 مطبعة مؤسسة الرسالة بيروت . لبنان

– د عودة عبد القادر عودة:التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي الجزء الثاني طبعة 2009 دار الحديث القاهرة سنة 1430هجرية 2009.

– د عبود رشيد عبود : السيادة القانون الجنائي

– د غانيم إسماعيل: النظرية العامة للالتزامات المطبعة العالمية 1956الجزء الثاني القاهرة

– د سعفان حسن شحاتة : علم الإجرام طبعة 3 مكتبة النهضة القاهرة 1966

– د صالح حسين إبراهيم: القضاء الدولي الجنائي 1977ـ دار النهضة القاهرة طبعة 26يناير 2010

– د مهدي عبد الرؤف مهدي : المسؤولية الجنائية على الجريمة الاقتصادي، طبعة1976 مطبعة المدين القاهرة

– القرآن الكريم برواية ورش .

– د نجيب حسني. شرح قانون العقوبات طبعة الأولى دار النهضة العربية القاهرة سنة 2006

الأطروحات

ــ د الحضري محمد ، دكتوراه في أصول الفقه بامتياز من جامعة القاهرة مجلة القانون و الاقتصاد الجزء 1ص371.

ـ د. العلمي محمد: أطروحة حول المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية

المصادر

قانون العقوبات المصري.

راجع الفصل 7 فقرة 3 من ظهير 15 نوفمبر 1958.

–ظهير 5 أكتوبر 1984

ظهير 15 نوفمبر 1958 المنظم لقانون الجمعيات المعدل بظهير10 ابريل 1973.

المادة 10 من التشريع الايطالي والمادة 23 من قانون العقوبات المصري.

القانون الجنائي منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية سلسلة ( نصوص ووثائق)

المجلات

مجلة القضاء و القانون العدد 138 لسنة 1988.

المواقع

GooGle

تمهيد

الفصل الأول: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص الطبيعية والمعنوية

الفرع الأول: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص الطبيعية

المبحث الأول: قيام المسؤولية الجنائية وإسنادها عند الأشخاص الطبيعية

المطلب الأول: المسؤولية في الجرائم الواضحة والجرائم بالخطأ

المطلب الثاني: المسؤولية في الجرائم الجنائية وأحكام رضى المجني عليه

الفقرة الأولى: في الجرائم الجنائية

الفقرة الثانية: في المسؤولية وأحكام رضي المجني عليه

المبحث الثاني: نطاق المسؤولية الجنائية وأساسها

المطلب الأول: نطاق المسؤولية الجنائية والمدنية

الفقرة الأولى: التمييز بين كل من المسؤولية الجنائية والمدنية

الفقرة الثانية: التمييز بين كل من المسؤولية الجنائية والتأديبية

الفقرة الثالثة: الوقائع القانونية التي تترتب عنها المسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى: أهمية البحث في أساس المسؤولية

المطلب الثاني: أساس المسؤولية الجنائية

الفقرة الرابعة: شخصية المسؤولية الجنائية

المطلب الثاني: أساس المسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى: أهمية البحث في أساس المسؤولية

الفقرة الثانية: معنى المسؤولية

الفقرة الثالثة: أنواع المسؤولية

الفقرة الرابعة: الخصائص الحديثة للمسؤولية الجنائية

الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية عند الأشخاص المعنوية

المبحث الأول: نطاق تطبيق المسؤولية الجنائية حسب الفصل 127 ق.ج

المطلب الأول: الاتجاه المعارض للمسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

المطلب الثاني: مبررات وشروط تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

الفقرة الأولى: مبررات تقرير المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي

الفقرة الثانية: شروط مساءلة الشخص المعنوي جنائيا

المطلب الثالث: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية والأشخاص المعنوية وعيوب الفصل 127

الفقرة الأولى: موقف الفقه من المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية

الفقرة الثانية: عيوب الفصل 127

المطلب الخامس: العقوبة الجنائية للأشخاص المعنوية في التشريع المغربي

المبحث الثاني: عوارض المسؤولية الجنائية

المطلب الأول:العاهات العقلية

الفقرة الأولى: مفهوم الخلل العقلي والجنون

الفقرة الثانية: ثبوت قيام حالة الخلل العقلي

الفقرة الثالثة: أثر قيام الخلل العقلي

الفقرة الرابعة: الضعف العقلي

الفقرة الخامسة: أثر قيام الضعف العقلي على مسؤولية الفاعل

المطلب الثاني: صغر السن

الفقرة الثانية: مرحلة الصبي الذي أتم 12 سنة من عمره دون أن يبلغ 16

الفقرة الأولى:مرحلة الصبي الذي يكون سنه أقل من 12 السنة

الفقرة الثالثة: مرحلة الحدث الذي أتم 16 من عمره

الفصل الثاني: المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي

الفرع الأول: المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي وأساسها

المبحث الأول: أساس المسؤولية الجنائية

المطلب الأول: عرض تاريخ المسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى: في القوانين الوضعية

الفقرة الثانية: في الشريعة الإسلامية

المطلب الثاني: معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة والقانون الوضعي

الفقرة الأولى: معنى المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية

الفقرة الثانية: معنى المسؤولية الجنائية في القوانين الوضعية

المبحث الثاني: محل المسؤولية الجنائية وسببها ودرجها

المطلب الأول: محل المسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى: الإنسان محل المسؤولية

الفقرة الثانية:شخصية المسؤولية الجنائية

الفقرة الثالثة: المجني عليه

الفقرة الرابعة: الشريعة والقانون

الفقرة الأول: سبب المسؤولية الجنائية

المطلب الثاني: سبب المسؤولية الجنائية ودرجاتها

الفقرة الأول: سبب المسؤولية الجنائية

الفقرة الثانية: درجات المسؤولية

الفرع الثاني: المسؤولية الجنائية وموانعها

المبحث الأول: قصد العصيان وأثر الجهل والخطأ على المسؤولية

المطلب الأول: قصد العصيان أو القصد الجنائي

الفقرة الأولى: قصد العصيان أو القصد الجنائي

الفقرة الثانية: صور القصد

المطلب الثاني: أثر الجهل والخطأ والنسيان على المسؤولية

الفقرة الأولى: أثر الجهل على المسؤولية الجنائية

الفقرة الثانية:أثر الخطأ على المسؤولية الجنائية

الفقرة الثالثة: أثر النسيان على المسؤولية

المطلب الثالث : آثار الرضا بالجريمة والأفعال المتصلة بالمسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى:آثر الرضا على المسؤولية الجنائية

الفقرة الثانية: الأفعال المتصلة بالجريمة وعلاقتها بالمسؤولية الجنائية

المطلب الرابع: ارتفاع المسؤولية الجنائية

الفقرة الأولى: علة ارتفاع المسؤولية الجنائية

الفقرة الثانية: أسباب الإباحة ورفع العقوبة

الفقرة الثالثة: الإعفاء من العقاب

المبحث الثاني: شروط المسؤولية الجنائية في الشريعة الإسلامية وموانعها

المطلب الأول: شروط المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي

الفقرة الأولى: التمييز

الفقرة الثانية: حرية الاختيار

المطلب الثاني: موانع المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي

الفقرة الأولى: الجنون

الفقرة الثانية: الصغر

الفقرة الثالثة: السكر

المطلب الثالث: نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي والتشريع الإسلامي

الفقرة الأولى: نظرية المسؤولية الجنائية في القانون الوضعي

الفقرة الثانية: نظرية المسؤولية الجنائية في التشريع الإسلامي

خاتمة

د عبد الروؤف مهدي “المسؤولية عن الجرائم الاقتصادية”طبعة 1 سنة 1976،مطبعة المدين القاهرة، ص 16.

–د العلمي عبد الواحد”المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية”ط 2 سنة 1999 مطبعة دار الصباح الجديدة ص 9.

العلمي عبد الواحد”المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية”ط 2 سنة 1999 مطبعة دار الصباح الجديدة ص.10.

محمد العلمي: أطروحة حول المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ص 43-44.

د العلمي عبد الواحد”المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية”ط 2 سنة 1999 مطبعة دار الصباح الجديدة ص.10.

-محمد العلمي: أطروحة حول المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ص 43-44

–د عبود رشيد عبود”مبادئ القانون الجنائي”طبعة الأولى سن ة 1963 دار النشر القاهرة ص 62.

–د عبود رشيد عبود”مبادئ القانون الجنائي”طبعة الأولى سنة 1963 دار النشر القاهرة ص63.

خصصت المسطرة الجنائية المغربية لهذا الموضوع الفصل الثالث عشر ونصه كما يلي:

يمكن للفريق المتضرر أن يتخلى عن حقه من الإدعاء أو يصالح بشأنه أو يتنازل عن الدعوى من دون أن يترتب عن ذلك انقطاع سير الدعوى العمومية أو توقفه.

–د العلمي عبد الواحد “المبادئ العامة للقانون الجنائي”طبعة 1999ج 2 دار الصباح الجديدة ص 12.

‑ إمكانية لإظهار عدم التلازم بين قيام المسؤولية الجنائية والعقاب المأخوذ به استثناء في القانون المغربي (على سبيل المثال لاحظ المادة 543 من المجموعة).وردة في كتاب “المبادئ العامة للقانون الجنائي”لدكتور العلمي عبد الواحد،ص13.

ـ حكم عدد 169 في 12 إبريل 1969 مجموعة القانون المجلس الأعلى عدد 10 ص 29

ـ موضوع تقيد القاضي المدني بالحكم الجنائي موضوع شائك ومعقد لا يمكن إلقاء الضوء على جميع جوانبه في هذه العاجلة، وننصح لمن أراد التوسع لمعرفة آثر حكم المحكمة الزجرية بالإدانة أو البراءة على القاضي المدني بالرجوع إلى رسالتنا حجية المقضي فيه جنائيا أمام القضاء المدني كلية الحقوق من جامعة الحسن الثاني سنة 1987.

مثلها في ذلك الجرائم التي تتولد عنها المسائلة الجنائية.

ـ و القرارات التي تصدرها هذه الهيئات تخضع طبقا للرقابة القضاء.

أقصد القرارات التي تنتهي بها الدعوتيين.

في موجهة المبدأ جنائيا أخذ بنظرية الوحدة بين الخطأ الجنائي والمدني يرجع الجزء الأول من هذا الكتاب ابتداء من ص 274

قرار رقم 515 صادر في 16 أكتوبر 1926 مجموعة قرارات محكمة استئناف الرباط 1927ـ 1928 صفحتي 20ـ21

يقضي الفصل 133 بما يلي ” الجنايات والجنح لا يعاقب عليها إلا إذا ارتكبت عمدا، ( لاحظ استثناء لهذا الحكم في الفصل 192 من المجموعة الذي يعاقب عن الإهمال يعاقب جنائيا)، إلا أن الجنح التي ترتكب خطأ يعاقب عليها بصفة استثنائية في الحالات الخاصة التي ينص عل يها القانون.

إما المخالفات فيعاقب عليها حتى ولو ارتكبت خطأ فيما الأضرار.

ـ إلى جانب مبدأ شخصية العقوبة وهما مبدآن إن متكاملان مع ملاحظة أنهما قد يبدوان متشابهين لدرجة التطابق، خصوصا لذي القائلين بتلازم المسؤولية الجنائية والجزاء، وهما ليس كذلك، كما هو معلوم في القانون المغربي على الأقل في حدود ما سبقت الإشارة إليه محكمة أنفا.

ـ مع افتراض أهلية لاستناد هذه الوقائع إليه معنويا على ما سنرى استقبالا.

ـ وهي نوع من المسؤولية الموضوعية أو المفترضة التي تقوم على افتراض الخطأ في جانب المسؤول ( أو بالأصح على مجرد توافر السببية عن حراسة الأشياء أو الحيوان، أو عن مراقبة المجنون أو المتبوع عن أعمال تابعه…..) وفي كل حال فهي صورة من المسؤولية الجنائية، إذ تكن الضرورة قد أوجدتها في النطاق الجنائي في بعض الجرائم التهديدية، فمجالها جد محدود تشريعيا كما أن الفقه يتصدى لها بمعارضة شديدة بقيمها على ضرورة التخلي عن الافتراض في الميدان الجنائي لحضوره.

ـ د. العلمي عبد الواحد، “المبادئ العامة للقانون الجنائي،” الجزء 2 الطبعة 1999 دار الصباح الجديدة ص 21ـ 22.

ـ د. نجيب حسني: شرح قانون العقوبات” الطبعة 1 سنة 2006 دار النهضة العربية القاهرة 528 ص 527.

سورة الإسراء لآية 34 .

ـ د. محمد عبد الله دراز،” دستور الأخلاق” الطبعة العربية بيروت 1983ص 130 .”

ـ د. محمد “عوض قانون العقوبات القسم العام”الطبعة، سنة 1985 الجزء الأول دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، ص 410ـ 412.

ـ د. المقداد بالجن ” الاتجاه الأخلاقي في الإسلام، دار النهضة القاهرة الطبعة 1973 ص 337.

ـ د. محمد عوض” قانون العقوبات القسم العام” دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية الجزء الأول، سنة 1985ص416.

ـ د. محمد عوض “قانون العقوبات القسم العام”مرجع سابق، ص،419.

‑ د إسماعيل غانم،النظرية العامة للالتزامات،الطبعة 1977المطبعة العامة القاهرة الجزء 2،ص 101‑109.

‑ د أحمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات، القسم العام، الطبعة 2009 دار النهضة العربية القاهرة، ص 432

–أنَظر المادة 10 من التشريع الايطالي والمادة 23 من قانون العقوبات المصري.

–د أحمد فتحي سرور، أصول قانون العقوبات، مرجع سابق، ص436.

–د محمد كمال الدين إمام ،المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها،الطبعة 2004 دار الجامعة الجديدة للنشر الإسكندرية،ص115

–د إبراهيم علي صالح،المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية ،ط 1، 2010 دار المعارف ص 300 و 301.

–حكم صادر عن ابتدائية الرباط بتاريخ 156/6/1984.

–د محمود سليمان موسى،المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في القانون الليبي و الاجنبى، الكتاب الأول الطبعة سنة 1977 دار الفكر العربي القاهرة،ص 149.

–د محمود سليمان موسى،المسؤولية الجنائية للشخص المعنوي في القانون الليبي والاجنبى، مرجع سابق،ص ‑150‑149.

–د محمد العلمي، مرجع سابق، ص 57.

–د محمد العلمي، مرجع سابق، 84‑ 82.

‑د حسن الفكهاني.التعليق على القانون الجنائي في ضوء الفقه والقضاء، الجزء 1 دار العربية للموسوعات ص 414 ،

‑د حسن الفكهاني.مرجع سابق ص 414 415

–د محمد العلمي،أطروحة حول المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، مرجع سابق ،ص 106‑107.

–د محمد العلمي،مرجع سابق،ص 113‑114.

–د حسين إبراهيم صالح عبيد،القضاء الدولي الجنائي رسالة ،الطبعة الأولى،1977 دار النهضة القاهرة ،ص 61‑ 62 .

–د فرانسوا بول بلان ،المسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية في القانون المغربي الترجمة والعقاب،ترجمة علي الكتاني،المجلة المغربية للقانون عدد 19،ص 227.

–الفصل 16 من ظهير 15 نوفمبر 1958 المنظم لقانون الجمعيات المعدل بظهير10 ابريل 1973.

–د فرانسوا بول بلان،مرجع سابق،ص 231‑232.

–راجع الفصل 7 فقرة 3 من ظهير 15 نوفمبر 1958.

–ظهير 5 أكتوبر 1984

– مجلة القضاء و القانون العدد 138 لسنة 1988،ص 118.

ـ المشرع المصري و السوري اعتبرا حالة الضرورة و القوة القاهرة موانع المسؤولية الجنائية،أما المشرع الليبي فقد يمار في نفس اتجاه المشرع المغربي .ورد في كتاب “المبادئ العامة للقانون الجنائي”د‑العلمي عبد الواحد،مرجع سابق ص 26.

–د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية،الجزء الثاني طبعة 1999،دار الصباح الجديدة ،ص 28.

د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية،مرجع سابق، ص 32 وما بعدها .

د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية، مرجع سابق، ص36.

للقاضي إن يتثبت من قيام حالة الضعف العقلي من ظروف الحال كما له أن يستعين بآراء الخبراء في هدا المجال وهدا هو الغالب.لقد ورد في كتاب –د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية، مرجع سابق، ص36.

–د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية، مرجع سابق، ص 38.

مع ملاحظة إن هدا المانع شخصي محض لا يستفيد منه غيره من شركاء ومساهمين ما لم يتوفر فيهم بدورهم.ورد في كتاب “المبادئ العامة للقانون الجنائي”لدكتور العلمي عبد الواحد، مرجع سابق ص 39.

‑ أهم ماجاء به الفصل 518 مسطرة الجنائية المحال عليه في هدا النص عبارة عن جملة إجراءات مسطريه لم يعد لأغلبها وجود في ظل التنظيم القضائي الحالي. ورد في كتاب “المبادئ العامة للقانون الجنائي”لدكتور العلمي عبد الواحد، مرجع سابق ص 41.

د العلمي عبد الواحد،المبادئ العامة للمسؤولية الجنائية، مرجع سابق، ص 43.

–د يحيي هاشم فرغل”الأسس المنهجية،لبناء العقيدة الإسلامية “الطبعة سنة 1978 دار الفكر العربية القاهرة ص 39‑40.

–د يحيي هاشم فرغل”الأسس المنهجية،لبناء العقيدة الإسلامية”مرجع سابق،ص 49.

د‑عبد القادر عودة “التشريع الجنائي مقارن بالقانون الوضعي”الجزء الأول الطبعة سنة 1430ه2009م دار الحديث القاهرة ص380 وما بعدها.

د‑عبد القادر عودة “التشريع الجنائي مقارن بالقانون الوضعي”مرجع سابق ص 392 و 393.

د‑عبد القادر عودة “التشريع الجنائي مقارن بالقانون الوضعي”مرجع سابق ص 394

ـ أحكام القران لأبي بكر الرازي الجصاص ج 2 ص 234ورد في كتاب “التشريع الإسلامي ج 1 ط 2000 ،مؤسسة الرسالة بيروت لبنان ص 396.

ـ معنى الجنائية في الشريعة هو الجريمة أيا كانت بغض النظر عما إذا كانت العقوبة المقدرة عليها جسيمة أو بسيطة.

ـ الأوامر التي يعاقب على عصيانها إما أن يأمر الله الرسول أو أولى الأمر كالخليفة أو السلطان أو الحاكم، فإن كان الأمر هو الله وجب الأمر بإيجاب وتعين نفاذه، أما إذا كان الأمر الرسول أو الأولى الأمر فإن الأمر لا يجب بإيجاب الرسول أو أولى الأمر، وإنما يجب الأمر أن الله أوجب علينا طاعة الرسول وأولى الأمر في قوله ” يأيها الذين أمنوا أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم” فأمر الرسول وولي الأمر يجب بالإيجاب الله، ومن ثم يكون كل أمر صادر من ولي الأمر مخالفا لأمر الله أو أمر الرسول باطلا ولا يجب طاعته، راجع المستصف للغزالي الجزاء الأول من 83 وشرح مسلم الثبوت لعبد العلى الأنصاري ص 25 و ما بعدها.

الجائفة هي الجرح النافذ للتجويف الصدري أو البطني.

عبد القادر عودة التشريع الإسلامي مقارن بالقانون الوضعي الجزء 1، مؤسسة الرسالة بيروت لبنان 1421 هـ، 2000م، ص 299 و 300.

راجع المواد من 260إلى 264 من قانون العقوبات المصري.

رابع المادة 160 من قانون العقوبات المصري.

عبد القادر عودة مرجع سابق ورد فيه أصول الفقه للأستاذ عبد الوهاب خلاف ص 93.

عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص 404 .

الجناية على ما دون النفس معناها الاعتداء على الجسم بما لا يؤدي للقتل كالضرب والجرح وقطع الأطراف وغير ذلك.

ـ الشيخ أبن بكر الرازي أحكام القرآن الجصاص نشرة الشيخ محمد صادق القمحي ج 2 الشيخ عبد الوهاب خلاف علم أصول ص18 دار الحديث 1423هـ 2003 م الطبعة 8 ص233.

أذكر نافيا سبق أن الخطأ أوالخطيئة في القانون تقابل العصيان في الشريعة.

د. لعلى بدوي القانون الجنائي الموسوعة ج 3 دار النشر بالأردن سنة 2010، ص 68 و 34 وما بعدها.

لا يشرط مالك القصد الخاص في الجريمة القتل لأنه لا يعرف بالقتل شبه العمد، والقتل عنده نوعان لا ثالث لهما قتل عمد، وقتل خطأ، فيعتبر قاتلا عنده كل من أتى الفعل بقصد العدوان ولو لم يقصد إزهاق روح المجني عليه فالقصد العام كاف وحده عند مالك لنكون أمام جريمة القتل العمد.

د. عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص 312.

د. عبد القادر عودة ،مرجع سابق، ص 325.

ـ محمد الحضري، دكتوراه في أصول الفقه بامتياز من جامعة القاهرة مجلة القانون و الاقتصاد الجزء 1ص371.

د. عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص 350.

ـ د. عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص 351.

“التميز هنا يعني به الإدراك مع ذلك مع أستاذنا الدكتور عوض محمد والإدراك عند الإسلاميين هو وصول الطفل إلى درجة البلوغ” راجع” التهانوي” كشاف إصلاح القانون القاهرة طبعة 1963 ج 1 ص 218.

عرضنا هذا الخلاف بالتفصيل في المبحث الأول من هذا الفصل من البحث.

فيصل يدير عون، محاضرات في الفلسفة الخلقية، مطبعة القاهرة بدون تاريخ ص 209

محمد سليم العوا ، أسس التشريع الجنائي المجلة العربية للدفاع الاجتماعي، الطبعة عدد 10 أكتوبر 1979 ص 69، 70.

د. محمد عبد الله دراز، دستور الأخلاق، المطبعة العربية، بيروت الطبعة 1973 ص .229

د. محمد عوض، قانون العقوبات مرجع سابق ص 440

د. الجرجاني ، التعريفات ، وفيه تعريفات عدة للإرادة والاستطاعة دار الكتاب العربي بيروت سنة 2009 ص 10 .

د. محمد الخضري، مرجع سابق، الطبعة 1969، ص 105.

د. محمد كمال الدين إمام، المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها مطبعة دار الجامعة الجديدة للنشر ص 416

الجرجاني التعريفات مرجع سابق ص 70.

ـ د. محمد كمال الدين إمام”المسؤولية الجنائية أساسها وتطورها،طبعة سنة 2004 مطبعة دار الجديدة للنشر الإسكندرية ص 417.

د.محمد كمال الدين إمام، مرجع سابق ص 420.

د. محمد أبو زهرة الجريمة في الفقه الإسلامي الطبعة الأولى ص 506.

د. محمد الدين إمام، مرجع سابق، ص 422.

د. عبد القادر عودة، مرجع سابق، ص 389 وما بعدها.

ـ تسير الشريعة على هذه القاعدة في كل الجرائم الحدود والقصاص وقد بينا علة ذلك في الفقرات من 440 إلى 442

ـ أعلام الموفعين ج 2 الصفحة 214 /216.

ـ المستصف للغزالي الجزء 1 الصفحة 83 ـ 84 ـ 90 فواتح الرحموت ج 1 ص 143 وما بعدها وص 166ـ أصول الفقه للخضري ص 109 وما بعدها .

ـ أحكام في أصول الأحكام للأمدي ج 1 ص 215 وما بعدها

ـ المكلف هو الشخص الذي يوجه إليه الأمر والنهي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *