الآثار المترتبة على نقض الحكم المطعون بالنسبة للوضع القانوني للدعوى

الآثار المترتبة على نقض الحكم المطعون بالنسبة للوضع القانوني للدعوى.

أولا:– انقضاء الدعوى بصدور حكم النقض وذلك إذا لم يعد بالإمكان النظر موضوع الدعوى بعد نقض الحكم المطعون فيه مثل خروج موضوع الدعوى عن الولاية العامة للقضاء (1).

كأن يكون النزاع من اختصاص جهات أو هيئات خاصة، أومن اختصاص القضاء الإداري مثلاً، أو أن القضاء ممنوع من النظر في مثل تلك المنازعات. وهذا بالضبط ما قصده المشرع المصري في أحكام المادة 269م0م0مصري والتي تنص على “إذا كان الحكم المطعون فيه قد نقض لمخالفة قواعد الاختصاص تقتصر المحكمة على الفصل في مسألة الاختصاص ….”

أما عن المشرع العراقي فقد ألزمت المادة 212م0م0ع محكمة الطعن بتعيين المحكمة المختصة بنظر الطعن في قرارها وهو أمرٌ متصور قبل ظهور نظام القضاء الإداري والذي ظهر عام 1991م مثلا إلا أن هناك أمورا أخرى مثل أعمال السيادة أو الطعن في دستورية القوانين …. الخ .

تخرج عن ولاية القضاء المدني العامة (المادة 29م0م0ع)والتي لا يمكن أن تأمر محكمة الطعن فيها إلا بعدم اختصاص القضاء المدني ودون أن تعين المحكمة المختصة بنظره .ونرى أن في الحالة الأولى أن تلتزم محكمة الطعن بتسبيب خروج الأمر عن ولاية القضاء وإعطاء إشارة إلى الجهة المختصة بنظره أن وجدت وذلك أعمالا للمادة 30م0م0ع

مع ملاحظة عدم إلزام تلك الجهة بهذا القرار التمييزي إذا كانت تلك الجهة تخرج من الولاية العامة للقضاء عموما ما لم ينص القانون على خلاف ذلك وقد تولد هذه المسألة مساسا بحق التقاضي أن ادعت تلك الجهة عدم اختصاصها أيضا بنظر الموضوع أو ادعائها بأن القضاء مختص بها ،وبالتالي لن يعرف المتداعين الجهة التي يمكن أن تنهي نزاعهم ،

لذا نرى ضرورة وجود معالجة تشريعية لهذا الموضوع تطبيقاً وضماناً لحق التقاضي العام وذلك أسوة بالقواعد المنضمة لمسائل الاختصاص والتداخل بين المحاكم الجنائية والمدنية الموجودة في قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقي الحالي (9-29منه)والمواد المنضمة لحجية الأحكام الجنائية أمام المحاكم المدنية(المواد 106-107اثبات عراقي)

وخاصة بعد اسناد مهمة القضاء الإداري إلى مجلس شورى الدولة  ،وان كنا نرى أن مكانة محكمة التمييز العراقية مازالت على حالها من علويتها التامة على باقي المحاكم والجهات والهيئات القضائية بل لها أمرهم وإلزامهم بما تراه؛ ما لم بنص القانون على خلاف ذلك ونستند في ذلك إلى أن قانون المرافعات المدنية العراقي يعتبر المرجع لكافة قوانين المرافعات والإجراءات إذا لم يكن فيها نص يتعارض معه صراحة (المادة1م0م0ع)وبما أن محكمة التمييز تمارس (2).

عمل قضائيا مضمونه مراقبة شرعية وصحة أعمال القضاة فهي ملزمة بموجب المادة(30م0م0ع) على إصدار الحكم فيما عرض عليها من نزاع ،ولا تكتمل عناصر ذلك الحكم إلا برده وأجابته على كافة الادعاءات والدفوع التي أوردها الخصوم وفق أحكام المادة (159/2م0م0ع) والتي من ضمنها حتما تعيين المحكمة المختصة بنظر الدعوى أو النزاع وبالطبع سيكون حكم محكمة الطعن التمييزي ملزما لأية جهة قضائية أخرى مهما تكن وذلك استنادا لنص المادة(1م0م0ع)

ما لم ينص القانون على خلاف ذلك 0وبقي علينا أن نقول أن هذه الحالة والحالة التالية تلزم محكمة الطعن بالنظر فيها حتى ولو لم يشر الطاعن إليها في طعنه لأنها من النظام العام ويجب على المحكمة أن تحكم به من تلقاء نفسها (3).

ومحكمة الطعن ملزمة بنقض الحكم من تلقاء نفسها إذا وجدت فيه مخالفة صريحة ذات اثر بين على صحته وان كانت البيانات والأسباب التي قدمها الممييز غير كافية لذلك (المادة 211م0م0ع)0 أو أن سبب الطعن هو التعارض بين حكمين وقامت المحكمة بنقض أحدهما (الأخير منهما حتماً)0

ثانياً:- نقض الحكم بسبب مخالفة قواعد الاختصاص (الوظيفي أو النوعي أو المحلي ) يظهر أن مجال عمل المادة(212م0م0ع) يتمحور في هذا الحالة إذ أنها بعد أن تعين المحكمة المختصة بنظر الدعوى ترسل أوراق الدعوى إليها وتشعر محكمة اصدار الحكم المطعون فيه بذلك ليكمل أطراف النزاع ما وصلوا إليه دون الحاجة لإجراءات ورسوم جديدة ونرى في ذلك أنصاف وعدالة لان الخطأ هنا كان من القضاء نفسه

إذ كان واجبا على محكمة الموضوع أن تلاحظ عدم اختصاصها منذ عرض النزاع لا أن تكبد المتخاصمين الجهد والوقت والمال ليظهر لاحقا عدم اختصاصها بل أن هذه الحالة موجبة لمساءلة تلك المحكمة عن الأضرار التي لحقت بالمتخاصمين وان تطلب الأمر مساءلة القاضي شخصيا عن ذلك الخطأ وتحت ضغط التخفيف من حدة ذلك الجزاء على اعتبار أن القاضي يدخل تحت مفهوم المكلف بخدمة عامة أو من موظفي الدولة الذين نتحاشى مساءلتهم لضمان استمرارهم بتقديم خدمات القضاء للجمهور من جهة لان الأصل

هو إزالة الضرر عيننا بإعادة الحال إلى ما كان عليه الأمر قبل حدوثه لذا وجب إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة بنظرها من دون المرور بإجراءات ورسوم جديدة يقتصر عمل محكمة النقض المصرية في هذه الحالة وعلى ما نصت عليه المادة(269م0م0مصري) على “… الفصل في مسألة الاختصاص ،وعند الاقتضاء تعين المحكمة المختصة التي يجب التداعي إليها بإجراءات جديدة …”ولم يعلق الفقه المصري (4).

كثيرا على هذه الحالة التي يظلم فيهل المتخاصمون من حيث وجوب إعادة نزاعهم القضائي إلى بدايته ، وضياع ما قدموه من رسوم وما حصلوا عليه من مراكز إجرائية .

وتجدر بنا الإشارة إلى أن النص المصري أنهى ما يمكن أن يثور من خلاف بشأن ما تم من إجراءات قضائية وما أثبت فيها من أدلة أو وقائع وما قدم فيها من طلبات وادعاءات ودفوع حيث أنها تعد وكأنها لم تكن وضرورة القيام بها من جديد أما في العراق فيفترض احترام ما تم من إجراءات وما نتجت عنه من أدلة ووقائع وما قدم فيها ما لم يطعن بها أحد الطرفين وكانت متعلقةً بالنظام العام .

ثالثا :- نقض الحكم لأسباب أخرى الأصل المتفق عليه تشريعياً أن تعاد الدعوى إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المنقوض لتحكم فيه من جديد وحسبما توجه به محكمة الطعن وتسمى في العراق “محكمة الموضوع “التي قد تكون محكمة استئناف أو بداءة أو أحوال شخصية (المادة 203م0م0ع) والمهم في الأمر أنها تكون محكمة إصدار الحكم المطعون فيه نفسه 0أما في مصر فتسمى “محكمة الإحالة ” وهي غالبا محكمة الاستئناف وفق ما أجازت به المادة( 248م0م0مصري) ؛مع مراعاة الاستثناء الذي أوردته المادة(249م0م0مصري ) .

وقد اشترطت المادة 269/3م0م0مصري والتي نصت “… الا يكون من بين أعضاء المحكمة التي أحيلت إليها القضية (والأصح التي أعيدت لها القضية ) أحد القضاة الذين اشتركوا في إصدار الحكم المطعون فيه…” وذلك لعدم صلاحيته المطلقة لنظر الدعوى (5).

ونعتقد أن الهدف من ذلك هو منع التعنت والتعصب ولتوفير أكبر قدراً من الضمانات القضائية  ونرى أن اتجاه المشرع العراقي في عدم أيراد مثل هذا الشرط يأتي مراعاة لقلة ما هو متوفر من القضاة في المحكمة المعادة إليها الدعوى ،

وخاصة وان ما يحذر وقوعه من تعنت وتصلب يمكن معالجته بالطعن في الحكم من جديد إضافة لفائدة علم القاضي بخطئه أن كان مخطئاً ومعالجة ذلك الخطأ لتفاديه في المستقبل أو لا مكانه الدفع عن حكمه أن كان  صحيحا كما يعتقد بالإضافة إلى معرفته الجيدة بموضوع الدعوى وخفاياه فيقلل بذلك الجهد والوقت بدلا من دراسة القاضي الجديد للدعوى مرة أخرى وهذا الأمر عندنا يبرز ثقة المشرع العالية بحسن خلق وعلم أدب القضاء العراقي .

ومع ملاحظة المادة(212/3م0م0ع) فان محكمة الموضوع ملزمة بإعادة النظر في الدعوى من جديد مع مراعاة ما تنص عليه المادة(215م0م0ع) من حيث قوة وإلزام قرار محكمة الطعن باختلاف محكمة إصدار الحكم المطعون فيه 0والأمر في مصر على خلاف ذلك فقد نصت المادة(269م0م0مصري)”….

تحيل القضية إلى المحكمة التي أصدرت الحكم المطعون فيه لتحكم فيها من جديد بناءً على طلب الخصوم وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة التي أحيلت إليها القضية أن تتبع حكم محكمة النقض في المسألة القانونية التي فصلت فيها المحكمة 000″أي اِشترط تعجيل الدعوى عن طريق أحد الخصوم وتكليف الخصم الأخر بالحضور ومن ثم سريان قواعد سقوط الخصومة وانقضائها على الدعوى مجدداً(6).

وهو ما سارت عليه محكمة النقض المصرية (7). ومن جهة أخرى الزم محكمة الإحالة بمضمون حكم الطعن مطلقاً بحيث يمكن أن يطعن في الحكم الجديد على أساس مخالفته لحكم الطعن السابق صدوره مهما كانت درجة صحة الحكم الجديد (8).

وذلك ما سارت عليه محكمة النقض المصرية (9). أما في العراق فلمحكمة الاستئناف صلاحية أوسع من نظيرتها المصرية 0وقد أثار الفقه المصري (10).

تساؤلا في حالة سقوط خصومة الاستئناف الجديدة لإهمال المستأنف أو لا انقضائها لأي سبب أخر هل يعني هذا تأكيد وظهور الحكم الابتدائي مجدداً أم لا ؟ ونرى الأخذ بالاتجاه الذي يعيد الحكم الابتدائي إلى الحياة ما لم يكن العيب الذي نقض الحكم الاستئنافي من اجله قد شاب أصلاً الحكم الابتدائي ونقض الحكم الاستئنافي لتأكيده الحكم الابتدائي رغم هذا العيب 0ويستعيد الخصوم أمام محكمة الموضوع أو الإحالة سلطاتهم من جديد (11).

وهو ما سارت عليه محكمة النقض المصرية (12). فبالإضافة لما سبق تمسكهم به من طلبات وما أبدوه من دفوع ،أن يقدموا دفوعاً جديدة ما لم يكن قد سقط حقهم فيها وتقديم طلبات جديدة مع التقييد بالقواعد العامة لتقديم الطلبات عند الاستئناف0كما تستعيد المحكمة سلطاتها (13).

بالنسبة للوقائع فيجوز لها تقديرها على نحو جديد مخالف لتقديرها السابق بناء على ما هو مطروح أمامها من أدلة وأسانيد جديده (14).كما يجوز حسب اعتقادنا أن تصر على تكيفها للوقائع التي سبق أن استخلصتها وذلك بناءً على أدلة وأسانيد مختلفة عن تلك التي نقض الحكم من اجلها ما دام ما أبداه الخصوم وتمسكت به المحكمة لا يودي إلى إهدار حكم النقض في المسألة التي فصل فيها (15).

وهذا يقتضي إلا تخرج محكمة الموضوع عن المبدأ القانوني الذي قرره الحكم في هذه المسألة وفي القضية ذاتها (16). وإلا كان حكمها مخالفاً للقانون…

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-انظر ضياء شيت خطاب-الوجيز–المصدر السابق–ص349بند393 ،أدم وهيب النداوي-المرافعات-المرجع السابق-ص391

2 -انظر المطلب الأول من المبحث الأول من فصل الأول من هذه الرسالة 0

3 -انظر المادة 77م0م0ع

4 -انظر عبد الحميد الشواربي – المرجع  السابق –ص495،وجدي راغب –مبادئ – المرجع  السابق –ص694،فتحي والي – الوسيط –المرجع  السابق –ص830بند404،نبيل إسماعيل –أصول –المرجع السابق –ص1297،احمد أبو ألوفا –المرافعات –المرجع  السابق –ص830 0

5 -انظر المادة146/5م0م0مصري

6 -انظر عبد المنعم حسني –طرق –المرجع السابق –ص802بند902 0

7 -انظر نقض مدني 29/11/1977مجموعة أحكام النقض المصرية س 28-ص1717 0

8 -انظر وجدي راغب – المرجع السابق  –ص695 0

9 -انظر نقض مدني 16يناير 1974مجموعة النقض المصرية س25-ص-164 -رقم 29،ونقض مدني 24يناير1973 مجموعة أحكام النقض المصرية س24 0ص108رقم 21 0

0 -انظر وجدي راغب – المرجع   نفسه  –ص695-هامش 101،وفتحي والي –المرجع السابق  –ص833بند29 0

1-انظر  عبد المنعم حسني –المرجع  السابق – ص804بند902،فتحي والي –المرجع  السابق –ص837بند408،فنسان –المرجع  السابق –ص953بند1082 0

2-انظر نقض مدني 14/3/1974مجموعة أحكام النقض المصرية –س23-ص401، نقض مدني مجموعة أحكام النقض المصرية س14-ص520 0

3-انظر نبيل إسماعيل – النظرية – المرجع  السابق –ص457-بند 236،فتحي والي –المرجع  السابق –ص675،عبد المنعم حسني –المرجع   نفسه  –ص805بند902 0

4-انظر نقض أحوال شخصية 1/ نوفمبر/1978-طعن رقم 22 لسنة 46ق مشار أليه في فتحي والي –المرجع   نفسه  –ص837-هامش 2  0

5- انظر ما يذهب أليه القضاء المصري انظر النقض 11/6/1975رقم 401لسنة 41ق مشار أليه في احمد أبو ألوفا –المرافعات – المرجع  السابق –ص830 هامش 2 0

6 -انظر عبد الحميد الشواربي –طرق الطعن – المرجع  السابق –ص499 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *