الإلتزامات التعاقدية لمقدم الخدمة الصوتية

الإلتزامات التعاقدية لمقدم الخدمة الصوتية.

 تمهيد وتقسيم:

يتمتع مقدم خدمة المعلومات الصوتية بالعلم بكافة ظروف وتفاصيل الخدمة التي يوفرها، في الوقت الذي لا يُقدم فيه مستخدم الخدمة على التعاقد بذات الإرادة المتنورة التي يتمتع بها مقدمها. ولذلك يقع على عاتق الأخير التزام قبل تعاقدي بإعلام مستخدم الخدمة بكل ما من شأنه التخفيف من وطأة هذا الاختلال في التوازن العقدي بينهما، وهو ما يتحقق عن طريق بلوغ أقصى درجات المساواة في العلم بخصوص العقد المزمع إبرامه،

على أنه متى تم التعاقد على هذا الأساس، أصبح مقدم الخدمة أن ملتزم في مواجهة المستخدم النهائي بمجموعة من الالتزامات التعاقدية التي تكفل حسن تنفيذ العقد بما يحقق الغاية المنشودة منه، كالالتزام بإعلام المستخدم بكيفية التعامل مع المعطيات التقنية اللازمة لتشغيل الخدمة، والالتزام بإتاحة المعلومات المطلوبة، فضلاً عن الالتزام بضمان سرية التعامل.

وترتيباً على ذلك، سنقسم التزامات مقدم خدمة المعلومات الصوتية في مواجهة المستخدم النهائي إلى التزامات قبل تعاقدية تتمثل في إعلام المستخدم بكل ما يتصل بالخدمة محل التعاقد من معلومات جوهرية تفيد في تكوين رأيه بشأن العقد المزمع إبرامه (مطلب أول)، والتزامات أخرى تعاقدية تنشأ بمجرد البدء في تنفيذ العقد (مطلب ثان).

المطلب الأول: الالتزام قبل التعاقدي بإعلام المستخدم النهائي

– مضمون الالتزام ومصدره:

يكتسب الالتزام بالإعلام قبل التعاقد أهمية خاصة في عقود تقديم خدمات المعلومات نظراً للتفاوت الواضح في درجة المعرفة بين مقدم الخدمة والمستخدم لها، إذ لما كان مقدم خدمة المعلومات الصوتية محترف في تقديم خدمات المعلومات وحائزاً لمعلومات مهمة وجوهرية متصلة بالعقد يجهلها المستخدم النهائي، لذلك يبدو من المنطق والعدل أن يعلم هذا الأخير في لحظة التعاقد بكل ما يتصل به من معلومات جوهرية تفيد في تكوين رأيه بشأن هذا العقد حتى يكون على بينة من أمره، بحيث يتخذ القرار الذي يراه مناسباً في ضوء حاجته وهدفه من إبرامه.

والتزام مقدم خدمة المعلومات الصوتية بإعلام المستخدم قبل التعاقد بالمعلومات الجوهرية المتصلة بالعقد يجد مصدره في مصر في قانون تنظيم الاتصالات رقم 10 لسنة 2003م فيما نصت عليه المادة (21) وما بعدها من مواد فيما تناولته بشأن التزامات المرخص له بتقديم خدمة الاتصالات واشتراطات استخراج هذه التراخيص، كما يجد هذا الالتزام مصدره في الاتفاق المبرم بين مقدم خدمة المعلومات الصوتية ومشغل شبكة الاتصالات – أي الشركات المرخص لها بالحق في إنشاء وتشغيل شبكات الاتصالات السلكية أو اللاسلكية – الذي يلزمه في كافة تعاملاته بالإفصاح للمستخدم النهائي عن هويته كمقدم للخدمة المعلوماتية وعن محتوى هذه الخدمة وسعر كل دقيقة نظير الاستفادة منها.

– أوصاف الإعلام قبل التعاقدي الصادر عن مقدم الخدمة:

والالتزام بالإعلام يفرض على عاتق المدين به في المرحلة السـابقة على التعاقد أن يراعي في إعلامه أوصافاً معينة ينبغي أن يتسم بها هذا الإعلام حتى يحقق الغاية المرجـوة منه، إذ يجب أن يكون بسـيطاً ومفهوماً في ألفاظه بحيث تستخدم عبارات سهلة غير معقدة يستطيع الشخص المعتاد استيعاب معانيها، كما يتعين أن يتسم الإعلام بالكفاية والشمول بحيث تذكر كافة البيانات التي لها تأثير عظيم على رضاء الدائن، فضلاً عن ضرورة اتسام الإعلام بالصـدق والدقة للتأكد من تبصـير الدائن وتنويره بالعـقد المزمع إبرامه.

ومعنى ما تقدم، أن مقدم الخدمة يلتزم – عن طريق الرسائل الصوتية المسجلة على أجهزته الخاصة – بإعلام المستخدم النهائي بمجرد اتصاله بالرقم الهاتفي المخصص للخدمة المعلوماتية – وقبل دخوله إليها – بهويته وبالغرض التجاري من الخدمة[1]، بالإضافة إلى بعض المعلومات الأخرى الجوهرية التي تحد من اختلال التوازن في المعرفة بينهما وتضمن تحقيق الرضاء الواعي والمستنير لدى المستخدم، مع مراعاة ما يجب أن يتسم به هذا الإعلام من بساطة في الأسلوب وكفاية في المحتوى، فضلاً عن الصدق والدقة في العرض.

المطلب الثاني: الالتزامات التعاقدية الواجبة على مقدم الخدمة

– تحديد التزامات مقدم الخدمة التعاقدية:

مثلما يلتزم مقدم الخدمة الصوتية بإعلام المستخدم النهائي قبل التعاقد بالمعلومات الجوهرية المتصلة بالعقد المزمع إبرامه، يقع عليه التزامات أخرى أثناء تنفيذ العقد. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه في إطار تحديدنا لهذه الالتزامات التعاقدية لوحظ أن جانباً من الفقه يتناول العديد من الالتزامات الملقاة على عاتق مقدم الخدمة في عقود خدمات المعلومات بوجه عام، والتي تنطبق بدورها على مقدم خدمة المعلومات الصوتية، وإن تغيرت رؤيتنا لمضمونها كنتيجة طبيعية لما تتسم به العلاقة بين مقدم الخدمة الصوتية ومستخدمها من خصوصية، سواء في المعطيات الفنية المرتبطة بوسيلة استعلام المستخدم واستقباله للمعلومات المتاحة أو في عدم قابلية هذه المعلومات للحفظ أو للتداول،

وكذلك تأثر هذه العلاقة بتلك التي تربط بين مقدم الخدمة الصوتية ومنتج أو حائز المعلومات المتاحة، هذا بالإضافة إلى عدم توافر الدليل المادي أو الدعامة الورقية المثبتة للعقد موضع الدراسة، خلافاً لما عليه الحال في عقود الاشتراك في قواعد المعلومات الإلكترونية – وخصوصاً ما يتم عبر شبكة الانترنت – التي يستلزم التوجيه الصادر عن برلمان الاتحاد الأوروبي في العشرين من مايو سنة 1997م بشأن حماية المستهلك عند التعاقد عن بُعد ضرورة الإفراغ الكتابي لبعض البنود التعاقدية الخاصة بهذا الشكل من أشكال التعاقد[2].

والواقع أنه عند الرجوع لكتابات الفقه وأحكام القضاء الفرنسي التي تناولت التزامات مقدمي خدمات المعلومات بوجه عام، وجدنا أنهم يشيرون في مقدمتها إلى الالتزام بتوفير أفضل السبل لدخول المستخدم النهائي إلى تلك الخدمات والاستجابة الفورية لما يرغب في الاستفسار عنه، في مقابل التزام هذا الأخير بالإفصاح عن البيانات التي تُعين مقدم الخدمة على الاستمرار في تقديمها بالشكل اللائق،وهو الأمر الذي دفع جانب من الفقه إلى الجمع بين هذين الالتزامين المتقابلين تحت مسمى واحد هو “الالتزام بالتعاون” (Obligation de coopération)…

كذلك يتناول رجال القانون التزام مقدم الخدمة بأن يتيح لمستخدمها معلومات مشروعة مع حرصه على صحتها وكفايتها ودقتها وحداثتها، فيما يعرف في الأوساط الفقهية بـ “الالتزام بالإخلاص” (Obligation de Loyauté)… كما يعرض الفقه والقضاء لالتزام مقدم الخدمة بعدم إفشاء أسرار تتعارض مع حرمة الحياة الخاصة للمستخدمين بشأن ما يجرونه أو يتلقونه من رسائل معلوماتية، وهو ما يتعارف على تسميته بـ “الالتزام بالسرية” (Obligation de la confidentialité).

ومن مجمل هذه الالتزامات يمكن أن نستخلص منها ما يتناسب مع خدمة المعلومات الصوتية لنوجزها في ثلاثة التزامات رئيسية، وهي الالتزام بالإعلام التعاقدي للمستخدم النهائي، والالتزام بتلبية احتياجاته عن طريق إتاحة المعلومات التي يطلبها مع ما يتضمنه هذا الالتزام من أوصاف وقيود، فضلاً عن الالتزام بالمحافظة على سرية التعامل.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(13)

« Dans le cas de communications téléphoniques, le fournisseur doit indiquer explicitement au début de toute conversation avec le consommateur son identité et le but commercial de l’appel ». André LUCAS: op. cit., p. 486.

(14) راجع ما سبق، فقرة 18، ص 44.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *