الحراسة وتنظيمها التشريعي في القانون المدني المصري

الحراسة وتنظيمها التشريعي في القانون المدني المصري

 

التعريف بالحراسة:
يمكن تعريف الحراسة (séquestre) تعريفًا مستخلصًا من المادة 729 مدني – وسيأتي ذكرها – بأنها وضع مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت، و يتهدده خطر عاجل، في يد أمين يتكفل بحفظه وإدارته ورده مع تقديم حساب عنه إلى من يثبت له الحق فيه [1] .ويوضع المال تحت الحراسة إما باتفاق بين الطرفين المتنازعين فتكون حراسة اتفاقية( conventionnent séquestre )، وإما بحكم من القضاء فتكون حراسة قضائية ( séquestre judiciaire ) .

 

أركان الحراسة :[i]
ويتبين مما تقدم أن للحراسة أركانًا ثلاثة :
( 1 ) المال الموضوع تحت الحراسة .
( 2 ) الاتفاق على الحراسة أو الحكم الصادر بها .
( 3 ) الحارس الذي يعينه الطرفان أو يعينه القاضي .
فمتى توافرت هذه الأركان الثلاثة ، قامت الحراسة ، اتفاقية كانت أو قضائية.

 

أحكام الحراسة هي أحكام الوديعة والوكالة:
وسنرى أن المادة 733 مدني تقضى بأن تطبق على الحراسة في الأصل أحكام الوديعة والوكالة . فالمال الموضوع تحت الحراسة هو في يد الحارس وديعة عنده ، ومن ثم تطبق أحكام الوديعة .

ولكن الحارس لا يقتصر ، كما يقتصر المودع عنده ، على حفظ المال ، بل يجب عليه أيضًا أن يديره وأن يقدم حسابًا عن إدارته ، ومن ثم تطبق أحكام الوكالة . والذي يغلب على الحارس هو صفة المودع عنده لا صفة الوكيل ، فهو في الأصل مكلف بحفظ المال ، وعليه أن يديره في أثناء ذلك .

والحراسة ليست إلا صورة خاصة من صور الوديعة ، وهي الصورة الأعم انتشارًا والأكثر وقوعًا في العمل . على أن هناك فروقًا بين الحراسة والوديعة العادية أهمها ما يأتي [2] :

( 1 ) الحراسة في الأصل تكون في الأشياء المتنازع عليها ، بخلاف الوديعة.
( 2 ) الحراسة تكون اتفاقية أو قضائية ، بل إن الحراسة القضائية هي التي يغلب وقوعها في العمل ، وإذا أطلقت الحراسة انصرفت إليها غذ يندر وقوع الحراسة الاتفاقية . أما الوديعة فلا تكون إلا اتفاقية ، إذ أن مصدرها العقد كما رأينا .
( 3 ) يغلب أن تقع الحراسة على العقار وإن كان يجوز وقوعها على المنقول أما الوديعة فيغلب وقوعها على المنقول وإن كان يجوز وقوعها على العقار .
( 4 ) الحراسة تكون في الأصل بآجر مجز وإن صح أن تكون بغير أجر ، أما الوديعة فتكون في الأصل بغير أجر وإن صح أن تكون بأجر زهيد .
( 5 ) في الحراسة يكلف الحارس بإدارة المال الموضوع تحت حراسته ، أما في الوديعة فيقتصر المودع عنده على حفظ المال دون إدارته وإن كان يصح أن يؤذن له في استعماله .
( 6 ) في الحراسة يلتزم الحارس في الأصل بالاستمرار في الحراسة إلى أن تنتهي ، أما في الوديعة فيجوز في الأصل أن يرد المودع عنده الوديعة قبل انتهاء العقد إلا إذا حدد للوديعة أجل لمصلحة المودع على الوجه الذي سبق بيانه [3].
( 7 ) في الحراسة يرد الحارس المال لمن يثبت له الحق فيه وهو غير معروف عند بدء الحراسة ، أما في الوديعة فيرد المودع عنده المال إلى المودع بمجرد أن يطلبه هذا الأخير إلا إذا حدد للوديعة أجل لمصلحة المودع عنده على الوجه الذي سبق بيانه .

تتميز كذلك الحراسة عن الوكالة في فروق أهمها ما يأتي:

( 1 ) في الحراسة يقوم الحارس بإدارة المال وليس له في الأصل أن يتصرف فيه ، أما في الوكالة فالوكيل قد يوكل في الإدارة وقد يوكل في التصرف وفي التبرع وفي سائر التصرفات القانونية .
( 2 ) وحتى إذا اقتصرت الوكالة على الإدارة ، فالأصل في الحراسة أن يحفظ الحارس المال وإدارته له تأتي تبعًا للحفظ ، أما في الوكالة فالأصل أن يدير الوكيل المال وحفظه إياه يأتي تبعًا للإدارة .
( 3 ) في الحراسة يتقاضى الحارس في الأصل أجرًا مجزيًا ومن ثم تكون الحراسة غالبًا من عقود المضاربة ، أما في الوكالة فالأصل ألا يتقاضى الوكيل أجرًا أو يتقاضى أجرًا لا يقصد من ورائه الربح فالوكالة ليست من عقود المضاربة .
( 4 ) وإذا تقاضى كل من الحارس والوكيل أجرًا فأجر الحارس لا يجوز تعديله ، أما أجر الوكيل فيجوز إنقاصه أو زيادته .
( 5 ) الحارس في بدء الحراسة لا يعلم لمن يرد المال إذ هو ملتزم برده لمن يثبت له الحق فيه ، أما الوكيل فيعلم منذ البداية أنه ملزم برد المال للموكل.
( 6 ) لا تنتهي الحراسة بموت من يثبت له الحق في المال بل تحل ورثته محله ، وتنتهي الوكالة في الأصل بموت الموكل .

الأهمية العملية للحراسة وتنظيمها التشريعي :
لم يرد في التقنين المدني القديم غير نصوص متقضية في الحراسة ، وهذا بالرغم من أن الحراسة – وبخاصة الحراسة القضائية – اتخذت في العمل أهمية كثيرة . فكثيرًا ما تبدأ الخصومات بدعاوي الحراسة كإجراء موقت تقصد به المحافظة على مصالح الخصوم ، انتظارًا لبت في الموضوع وقد لا يبت فيه إلا بعد مدة طويلة . لذلك تكثر قضايا الحراسة كثرة زائدة ، سواء أمام محكمة الموضوع أو بوجه خاص أمام القضاء المستعجل [4] . وقد عنى التقنين المدني الجديد باستعراض أحكام القضاء الكثيرة في هذا الموضوع ، واستخلص منها في عدد غير قليل من النصوص المبادئ والقواعد التي استقر عليها القضاء ، ورتبها الترتيب المنطقي الواجب [5] .

 

وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي في هذا الصدد :
“ولم يرد في شأن الحراسة في التقنين الحالي ( القديم ) غير مادتين مقتضبتين تخللتا النصوص المتعلقة بالوديعة . ولكن الحراسة ، وعلى الأخص الحراسة القضائية ، قد اتخذت في العمل أهمية كبرى ، حتى أصبح الخصوم كثيرًا ما يلجأون إليها . وتوسع القضاء في أحوالها ، حتى زخرت المجاميع بأحكامه في شأنها . وكان أكثر هذا القضاء اجتهادًا لقلة النصوص التي يستند إليها . فكان حريًا بهذا المشروع أن ينظر في هذا القضاء ليستنبط منه المبادئ والقواعد التي ينبغي أن يتضمنها التشريع الجديد فيما يتعلق بالحراسة . وقد تضمن المشروع عشر مواد في الحراسة ، مرتبة ترتيبًا منطقيًا . فبدأ بتعريف الحراسة باعتبارها عقدًا ، ثم نص على أحوال الحراسة القضائية، وخص حراسة الوقف ببعض أحكامه ، ثم بين حقوق الحارس والتزاماته وانتهى ببيان طرق انقضاء الحراسة وأحكامها” [6].

 

———————————————————————————–

[1] ^ محمد علي عرفة ص521 .
[2] ^ انظر في هذه الفروق بودري وفال فقرة1254 ص675 – محمد كامل مرسي فقرة346 – محمد علي عرفة ص522 – ص523 .
[3] ^ وتقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي : “الحراسة والوديعة عقدان من نوع واحد ، يختلفان في أن الحراسة لا ترد إلا على مال يقوم في شأنه نزاع أو يكون الحق فيه غير ثابت ، وأن الحارس مكلف بإدارة المال ، وأنه يرده غلى من يثبت له الحق فيه سواء أكان هو واضع لليد عليه قبل الحراسة أم لا” ( مجموعة الأعمال التحضيرية5 ص275 ) .

[4] ^ وهناك غير الحراسة القضائية حراسات إدارية تعددت صورها في العصر الحاضر . منها الحراسة على أموال الأعداء وتقع عادة في أثناء الحروب ، ومنها حراسات إدارية أخرى لأغراض اقتصادية وسياسية وتقع عادة في أثناء الانقلابات السياسية . وكل هذا يخرج عن نطاق البحث ، ولا يدخل في دائرة القانون المدني .

[5] ^ ويبدو أن الحراسة ، وبخاصة الحراسة القضائية ، ذات نطاق أوسع في القانون المصري منها في القانون الفرنسي ، لا فحسب من ناحية الأحوال التي يجوز فيها فرض الحراسة ، بل أيضًا من ناحية السلطة التي يخولها القانون للحارس في إدارة الأموال الموضوعة تحت حراسته في التصرف فيها . ومن ثم لا يجوز الرجوع إلى القضاء والفقه الفرنسيين في الفروض الكثيرة التي يخالف فيها القانون المصري القانون الفرنسي.

[6] ^ مجموعة الأعمال التحضيرية5 ص275 .

[i] ^ مراجع في الحراسة : جيوار في القرض والوديعة والحراسة سنة 1894 – بودري وفال في الشركة والقرض والوديعة الطبعة الثالثة سنة 1907 – أوبري ورو وإسمان6 الطبعة السادسة سنة 1951 – بلانيول وريبير وسافاتييه11 الطبعة الثانية سنة1954 – بيدان 12 الطبعة الثانية سنة1938 – دي باج5 – بلانيول وريبير وبولانجيه2 الطبعة الثالثة سنة 1949 – كولان وكابيتان ودي لامورانديير2 الطبعة العاشرة سنة 1948 – جوسران2 الطبعة الثانية سنة 1933 – أنسيكلوبيدي داللوز4 سنة 1954 لفظ Séquestre – تعليق سافاتييه على حكم محكمة النقض الفرنسية الصادر في 15أبريل سنة 1924 داللوز 1924 – 1 – 169 .

عبد الحكيم عبدالحميد فراج في الحراسة القضائية في التشريع المصري المقارن الطبعة الثانية سنة 1952 – محمد علي رشدي في قاضي الأمور المستعجلة الطبعة الثانية سنة 1952 – محمد عي راتب في قضاء الأمور المستعجلة الطبعة الرابعة ( ومعه محمد نصر الدين كامل ومحمد فاروق راتب ) سنة 1960 – محمد عبداللطيف في القضاء المستعجل الطبعة الثانية سنة 1961 – محمد كامل مرسي في العقود المسماة سنة 1949 – محمد على عرفة في التأمين والعقود الصغيرة الطبعة الثانية سنة 1950 . وفي إشارتنا إلى هذه المراجع المختلفة نحيل إلى الطبعات المبينة فيما تقدم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *