مدى صحة تصرف الوارث في عين من أعيان التركة قبل سداد الديون فقها وقانونا

مدى صحة تصرف الوارث في عين من أعيان التركة قبل سداد الديون فقها وقانونا

 

حكم تصرف الورثة في أعيان التركة قبل سداد الديون وما يجب من أمانة لحقوق دائني الشركة:
وما دامت تركة الميت هي المسئولة عن سداد ديونه كما قدمنا ، فما هو حكم تصرف الوارث في عين من أعيان التركة قبل سداد الديون ، هل يكون صحيحا أو يبطل
اختلفت المذاهب الفقهية في ذلك . ولكنها لا تربط الصحة والبطلان بوقت انتقال ملكية أعيان التركة إلى الورثة ، وإلا لوجب القول بأن من يذهب إلى انتقال الملكية بمجرد موت المورث وقبل سداد الديون يجعل تصرف الوارث قبل سداد الدين صحيحا مادامت الملكية قد انتقلت إليه ، ولكننا سنرى أن هذا غير مطرد . فعند الشافعية ، وهم يقولون كما رأينا بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة فورا بمجرد موت المورث ، لا يجوز مع ذلك للوارث أن يتصرف في أعيان التركة المدينة ، ولو كان الدين غير مستغرق للتركة . ذلك أن التركة تنتقل إلى الوارث مثقلة بالدين ، فيتعلق الدين بها كما يتعلق الرهن ، والرهن عندهم مانع من بيع العين المرهونة .

على أن في مذهب الشافعي رواية أخرى تقضي بأنه يصح تصرف الوارث في التركة المدينة ، لأن الدين حق تعلق بالمال من غير رضاء المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض . فإن قضى الوارث الدين نفذ تصرفه ، وإن لم يقضه فسخ التصرف . ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة ، فإن ظهر دائن لم يكن معروفاً وقت أن اقتسم الدائنون التركة ، رجع عليهم وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه ([1]) .

وفي مذهب الحنابلة روايتان ، أشهرهما أن أموال التركة تنتقل إلى ملك الورثة فوراً بموت المورث مع تعلق الدين بها ، فإن تصرف الوارث في التركة قبل سداد الدين صح تصرفه ولزمه أداء الدين ، فإن أداه نفذ التصرف وإن لم يؤده فسخ . والرواية الثانية تقضي بأن أموال التركة لا تنتقل إلى ملك الورثة إلا بعد سداد الدين ، فإن تصرف الوارث في مال للتركة قبل سداد الدين لم يصح التصرف ، لأنه يكون قد تصرف في غير ملكه ([2]) .

ورأينا أن الحنفية يميزون بين ما إذا كان الدين مستغرقاً للتركة أو كان غير مستغرق لها . فإن استغرق الدين أموال التركة ، تبقى هذه الأموال على ملك الميت ولا تنتقل إلى ملك الورثة ، ويكون أي تصرف للوارث في مال التركة باطلاً في هذه الحالة . وإن لم يستغرق الدين أموال التركة ، فبالرغم من أن هناك قولاً بانتقال أموال التركة إلى ملك الورثة ، لا يجوز مع ذلك للوارث التصرف في هذه الأموال ، فإن تصرف كان تصرفه باطلاً . وهناك من فقهاء الحنفية من يذهب إلى أن تصرف الوارث في هذه الحالة يكون صحيحاً نافذاً ما بقى في التركة ما يفي بسداد الدين ، أو إذا أجاز الدائن التصرف ([3]) .

وعند المالكية ، وهم القائلون ببقاء أموال التركة على ملك الميت حتى يسدد الدين ، يقتضى منطق هذا القول أن يكون تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين باطلاً ، سواء كان الدين مستغرقاً أو غير مستغرق . ولكن هذا هو أحد رأيين في المذهب ، وليس مبنياً على انعدام ملك الورثة ، بل على حماية حق الدائن فهو مقدم على الورثة . والرأي الآخر يذهب إلى أن تصرف الوارث في التركة المدينة قبل أداء الدين صحيح إذا لم يمس حق الدائن ولم يتضرر هذا به ، كأن يأذن فيه قبل أن يباشره الوارث ، أو ينزل عن دينه ، أن يبقى من التركة بعد التصرف ما يكفي لسداد الدين . وإذا لم يستطع الدائنون أخذ حقوقهم إلا من البيع ، فلذلك حالتان : الحالة الأولى أن يكون الوارث عالماً بالدين وقت تصرفه أو أن يكون الميت مشهوراً بأنه مدين ، وعند ذلك يفسخ البيع إلا إذا دفع المشتري قيمة المبيع يوم قبضه ، فإذا دفعها لزم البيع ورجع المشتري على بائعه من الورثة بما غرم من قيمته . والحالة الثانية أن يكون الوارث غير عالم بالدين ولم يكن الميت مشهوراً بأنه مدين ، وعند ذلك يسلم المبيع لمشتريه ، ويرجع الدائنون على الوارث بقدر الثمن سواء كان فيه وفاء بالدين أولاً ، ولا رجوع لهم على المشتري بشيء إلا إذا حاباه الوارث في البيع فيرجع الدائنون بقدر المحاباة فقط . ويتساوى الدائنون في اقتضاء حقوقهم من التركة ، فإن ظهر بعد ذلك دائن لم يقتض حقه ، رجع على الورثة بما في أيديهم من أموال التركة . فإن لم تكف هذه الأموال لوفاء دينه ، رجع على الدائنين بما فاته من حصته ([4]) .

ويخلص مما قدمنا في اختلاف المذاهب الفقهية أن منع الورثة من التصرف في أعيان التركة قبل سداد الدين لا يرجع إلى عدم انتقال الملكية إليهم قبل هذا السداد ، بل يرجع إلى حماية دائني التركة . ولما كان نظام شهر الحقوق عن طريق التسجيل أو القيد نظاماً حديثاً لا تعرفه القوانين القديمة ولم يكن مستطاعاً حماية حقوق الدائنين عن طريق الشهر ، فقد لجأ الفقه الإسلامي لحماية حقوق دائني التركة قبل سداد الديون باطلاً ، وبذلك تبقى الأعيان في التركة لينفذ عليها الدائنون . ونجد هذا القول في كل من المذاهب الأربعة على النحو الذي أسلفناه ، وهو طريق فيه إمعان في حماية الدائنين وتضحية لمصالح الورثة ومن يتصرف له هؤلاء . ( 2 ) أو يوفق بين حق الدائن وحق الوارث ، فيبيح تصرف الوارث في أعيان التركة قبل سداد الدين ويجعل هذا التصرف صحيحاً ، ولكنه لا يجعل نافذاً في حق الدائن إلا إذا أجاز الدائن التصرف أو نزل عن دينه أو استوفى هذا الدين أو بقى في التركة مال يكفي للوفاء به . وهذا القول الآخر نجده أيضاً في كل من المذاهب الأربعة ، كما سبق البيان .

مباديء انتقال أموال التركة من المورث إلى الوارث وفي حقوق الدائنين المتعلقة بالتركة وكيفية سداد الديون
ولما كان التقنين المدني قد صرح ، كما رأينا ، بوجوب تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في انتقال التركة إلى ملك الوارث ، فإنه قد التزم هذه الأحكام ، واختار من المذاهب المختلفة ما يتلاءم مع مبادئه العامة ([5]) . ومن ثم فقد قرر ، في انتقال أموال التركة من المورث إلى الوارث وفي حقوق الدائنين المتعلقة بالتركة وكيفية سداد الديون ، المبادئ الرئيسية الآتية :
أولاً – تنتقل أموال التركة إلى الورثة بمجرد موت المورث ، مع تعلق حقوق دائني التركة بها . فتنتقل هذه الأموال إلى الورثة مثقلة بحق عيني ([6]) ، قريب من أن يكون حق رهن ولكنه رهن مصدره القانون ، ومن ثم فهو أقرب إلى أن يكون حق رهن قانوني . وليس هو بحق امتياز لأن الامتياز يرجع إلى طبيعة الحق الممتاز ، ولم تتغير طبيعة حق الدائن بموت مدينه .

ثانياً – ولما كانت أموال التركة تنتقل إلى الورثة بمجرد موت المورث ، فإنه يجوز للورثة منذ هذا الوقت أن يتصرفوا فيها إذا شهروا حقوق إرثهم على النحو الذي سنبينه فيما يلي . ولكن تصرفهم يكون خاضعاً لحقوق الدائنين ([7]) ، على النحو الذي أسلفناه .

ثالثاً – وقد استعان التقنين المدني بنظام الشهر المعروف في القوانين الحديثة ، والذي لم يكن معروفاً في الفقه الإسلامي كما قدمنا . وبدلاً من أن يلجأ ، كما لجأ الفقه الإسلامي ، إلى إبطال تصرف الوارث الصادر قبل سداد الدين ، أو حتى إلى جعله غير نافذ في حق دائني التركة ، فإنه قد لجأ إلى نظام الشهر هذا . فأوجب شهر حق الدائن وهو حق عيني كما أسلفنا ، فإذا ما شهر هذا الحق صار نافذاً في حق الغير ممن عسى أن يتصرف له الوارث . وبذلك تتم حماية دائني التركة على أسلوب يتفق مع النظم الحديثة في الشهر وهي النظم التي تتلاءم مع مبادئ القانون المصري ([8])، ويكون لهؤلاء الدائنين حق تتبع أعيان التركة في يد من تصرف له الوارث وحق التقدم على دائني الوارث، فتتوافر لهم الحماية كاملة ([9]) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] ^ أنظر في ذلك المذهب جزء أول ص 327 .

[2] ^ أنظر في ذلك المغني جزء 4 ص 487 .

[3] ^ أنظر في ذلك المبسوط جزء 29 ص 137 – ص 138 – الزيلعي جزء 5 ص 213 – ص 214 وجزء 6 ص 214 .
وقد قضت محكمة استئناف مصر ، تطبيقاً لهذا الرأي في مذهب الحنفية ، بأن التركة المستغرقة بالديون ، طبقاً للشريعة الغراء ، لا يملكها الوارث ولا يملك التصرف فيها ، وكل تصرف منه يقع باطلاً بالنسبة إلى الدائنين لأن لهم حق متابعة التركة . أما غير المستغرقة فقد أباح الفقهاء للورثة التصرف في أعيانها حتى لا تتعطل في أيديهم ، ولذلك لا يجوز للدائن التعرض لهم في تصرفاتهم فيها . على أن حق الوارث ليس مطلقاً ، بل يقف حين لا يبقى في التركة إلا ما يكفي للوفاء بالديون ، وكل تصرف زاد على ذلك فهو باطل ( استئناف مصر 23 أبريل سنة 1935 المحاماة 16 رقم 77 ص 165 ) . وقضت أيضاً بأن ليس للوارث حق التصرف في التركة قبل سداد الدين ، ولا يمنع ما يحصل من تصرف منه الدائن من متابعة أعيان التركة في يد المشتري لاستيفاء حقوقه منها ، لأن الوارث لا يستطيع أن يبيع أكثر مما يملك ، ولا يملك من التركة إلا ما يتبقى بعد سداد الدين ، فلا يمكنه أن يبيع ولا أن يملك المشتري إلا بهذا القدر . ويقع باطلاً كل تصرف في التركة قبل سداد ديونها . ولا محل في هذه الحالة للبحث فيما إذا كانت شروط دعوى إبطال التصرفات الضارة بالدائن متوافرة ، أو دعوى الصورية متوافرة أو غير متوافرة ( استئناف مصر 25 مارس سنة 1941 المحاماة 21 رقم 420 ص 101 ) . وأنظر أيضاً في هذا المعنى استئناف مصر 6 أبريل سنة 1941 المحاماة 22 رقم 46 ص 94 – استئناف مختلط 12 مارس سنة 1914 م 26 ص 283 – 13 يونيه سنة 1916 م ن 28 ص 423 – 8 فبراير سنة 1917 م 29 ص 206 – 30 أكتوبر سنة 1917 م 30 ص 13 – 23 نوفمبر سنة 1926 م 39 ص 31 – 30 ديسمبر سنة 1926 م 39 ص 119 – أبريل سنة 1935 م 47 ص 225 – 9 مايو سنة 1940 م 52 ص 252 ( ويقع عبء إثبات أنه لا يزال باقياً في التركة مال لوفاء الديون وتعيين هذا المال على الورثة ومن تصرف الورثة لهم ) – 19 نوفمبر سنة 1940 م 53 ص 15 – 23 يناير سنة 1941 م 53 ص 71 – 4 يونية سنة 1942 م 54 ص 227 ( عبء إثبات أن في التركة مالاً معيناً يبقى بديونها يقع على الورية ومن تصرف الورثة لهم ) – 5 ديسمبر سنة 1944 م 57 ص 17 – 31 يناير سنة 1946 م 58 ص 36 – 10 أبريل سنة 1947 م 59 ص 176 – 27 مايو سنة 1947 م 59 ص 224 – فإذا كانت التركة مستغرقة ، وتصرف الوارث ، وأهمل الدائن في تقاضى حقه مدة طويلة ( ثلاثين سنة ) ، لم يكن له بعد هذا الإهمال أن يتتبع العين في يد من تصرف له الوارث ( استئناف مختلط 14 يونيه سنة 1949 م 61 ص 131 ) .
وقارن استئناف مصر 20 يناير سنة 1943 المحاماة 23 رقم 194 ص 445 .

[4] ^ أنظر في ذلك المدونة الكبرى جزء 3 ص 57 – ص 59 .
وأنظر في كل ما تقدم مصادر الحق في الفقه الإسلامي جزء 5 ص 87 – ص 93 – وأنظر أيضاً الوسيط 4 فقرة 191 .

[5] ^ ومع ذلك فقد قضت محكمة النقض ، في عهد التقنين المدني السابق ، بالتزام أرجح الأقوال في فقه الحنفية . فقد قضت بأن الشارع ، إذا أخضع دعاوى الحقوق للقانون المدني وجعلها من اختصاص المحاكم المدنية ، فقد أبقى المواريث خاضعة للشريعة الإسلامية تقضي فيها المحاكم الشرعية بصفة أصلية طبقاً لأرجح الأقوال في مذهب الحنفية . فإن تعرضت لها المحاكم المدنية بصفة فرعية ، كان عليها أن تتبع نفس المنهج . ثم صدر القانون رقم 77 لسنة 1943 مقنناً أحكام الإرث في الشريعة الإسلامية ، فلم يغير الوضع السابق بل أكده . وأعقبه القانون رقم 25 لسنة 1944 ، فنص صراحة على أن ” قوانين المواريث والوصية وأحكام الشريعة الإسلامية فيهما هي قانون البلد فيما يتعلق بالمواريث والوصايا بالنسبة إلى المصريين كافة من مسلمين وغير مسلمين ” . على أنه إذا كان المتوفى غير مسلم ، جاز لورثته الرجوع إلى الشريعة الإسلامية بوجه عام ، وإلى أرجح الآراء في فقه الحنفية بوجه خاص ، متعيناً بالنسبة إلى حقوق الورثة في التركة المدينة ومدى تأثرها بحقوق دائني المورث باعتبار ذلك من أخص مسائل المواريث ، فإن القانون المدني إذ يقرر حكم تصرف الوارث في التركة المدينة ، باعتبار هذا التصرف عقداً من العقود ، إنما يقرر ذلك على أساس ما خولته الشريعة للوارث من حقوق ( نقض مدني 27 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 159 ص 356 ) .

[6] ^ وقد قضت محكمة النقض بأن التركة عند الحنفية ، مستغرقة كانت أو غير مستغرقة ، تنشغل بمجرد الوفاة بحق عيني لدائني المتوفى يخول لهم تتبعها واستيفاء ديونهم منها بالتقدم على سواهم ممن تصرف له الوارث أ, من دائنيه . وهذا هو القانون الواجب على المحاكم المدنية تطبيقه إذا ما تعرضت للفصل في مسائل المواريث بصفة فرعية . ولا يحول دون ثبوت هذا الحق العيني لدائن التركة التعلل بأن الحقوق العينية في القانون المدني وردت على سبيل الحصر ، وبأ ، حق الدائن هذا من نوع الرهن القانوني الذي لم يرد في التشريع الوضعي ، وذلك لأن عينية الحق مقررة في الشريعة الإسلامية ، وهي ، على ما سبق القول ، القانون في المواريث ( نقض مدني 27 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 159 ص 356 وقد سبقت الإشارة إلى هذا الحكم ) . وقضت أيضاً بأن مؤدى قاعدة ألا تركة إلا بعد سداد الدين أن تركة المدين تنشغل بمجرد الوفاة بحق عيني لدائني المتوفى يخول لهم تتبعها واستيفاء ديونهم منها تحت يد أي وارث أو من يكون الوارث قد تصرف إليهم ما دام أن الدين قائم ، دون أن يكون لهذا الوارث حق الدفع بانقسام الدين على الورثة . أما إذا كان الدين قد انقضى بالنسبة إلى أحد الورثة بالتقادم ، فإن لهذا الوارث ، إذا ما طالبه الدائن قضائياً ، أن يدفع بانقضاء الدين بالنسبة إليه – كما لا تمنع المطالبة بالدين من تركة المدين المورث من سريان التقادم بالنسبة إلى بعض ورثة المدين دون البعض الآخر الذين انقطع التقادم بالنسبة إليهم ، متى كان محل الالتزام بطبيعته قابلاً للانقسام ( نقض مدني 7 يونيه سنة 1962 مجموعة أحكام النقض 13 رقم 116 ص 774 ) . وقضت كذلك بأن ورثة المدين ، باعتبارهم شركاء في تركته كل منهم بحسب نصيبه ، إذا أبدى واحد منهم دفاعاً مؤثراً في الحق المدعى به على التركة ، كان في إبدائه نائباً عن الباقين ، فيستفيدون منه . وذلك لأن التركة منفصلة شرعاً عن أشخاص الورثة وأموالهم الخاصة ، وللدائنين عليهم حق عيني بمعنى أنهم يتقاضون منها ديونهم قبل أن يؤدي شيء منها للورثة وبصرف النظر عن نصيب كل منهم فيها . وعلى هذا الاعتبار يكون دفع المطالب الموجهة إلى التركة في شخص الورثة غير قابل للتجزئة ، ويكفي أن يبديه البعض ليستفيد من البعض الآخر . فإذا تمسك بعض الورثة في دعوى مرفوعة منهم بطلب براءة ذمة مورثهم من دين عليه بسقوط هذا الدين بالتقادم ، فإنهم يكونون في هذا الدفع نائبين عن باقي الورثة الذين لم يشتركوا في الدعوى ، ويفيد من الحكم بسقوط الدين الورثة الآخرون الذين لم يشتركوا في الدعوى ( نقض مدني 19 نوفمبر سنة 1964 مجموعة أحكام النقض 15 رقم 156 ص 1050 ) .
وأنظر آنفاً نقض مدني 25 مارس سنة 1965 مجموعة أحكام النقض 16 رقم 61 ص 384 – استئناف مختلط 18 مارس سنة 1926 م 38 ص 298 – 7 يونية سنة 1927 م 39 ص 533 – 27 نوفمبر سنة 1930 م 43 ص 49 – 15 ديسمبر سنة 1931 م 44 ص 61 – 22 ديسمبر سنة 1932 م 45 ص 85 – 15 ديسمبر سنة 1937 م 50 ص 50 – 5 مايو سنة 1938 م 50 ص 287 – 24 يونيه سنة 1943 م 55 ص 200 – 8 مايو سنة 1947 م 59 ص 194 – 17 فبراير سنة 1948 م 60 ص 60 .
وعينية حق دائني التركة لا ترجع إلى طبيعة هذا الحق ، فهو لم يكن عينياً قبل موت المورث ، وإنما أصبح عينياً بعد موته لسببين واقعيين ، اجتمعا فنتج عن اجتماعهما هذه العينية الواقعية . السبب الأول أن المورث بعد موته لا يستطيع أن يستدين ، فانحصرت ديونه بموته ، ولم تعد تقبل الزيادة . والسبب الثاني أن المورث بعد موته لا يستطيع أن يتصرف في أمواله ، فأصبحت هذه الأموال لا تقبل النقصان . وأصبحت كلها ضامنة لديونه المنحصرة على النحو المتقدم ، وضامنة لهذه الديون وحدها ، إذ أنها بحكم القاعدة التي تقضي بألا تركة إلا بعد سداد الدين لا تخلص للوارث إلا بعد سداد ديون المورث . وباجتماع هذين السببين الواقعيين – ديون منحصرة لا تقبل الزيادة وأموال معينة لا تقبل النقصان – نتج أن هذه الديون المعينة بالذات قد تركزت في هذا الضمان المعين بالذات . وهذه هي معاني الحق العيني تجمعت بحكم الواقع ، فأصبح حق دائني التركة حقاً عينياً بحكم الواقع قبل أن يكونه بحكم القانون .

[7] ^ وقد قضت محكمة النقض ، منذ عهد التقنين المدني السابق ، بأن تصرف الورثة في التركة المستغرقة ببيع بعض أعيانها خاضع لحكم القانون المدني من حيث اعتباره صادراً من غير مالك وبالتالي سبباً صحيحاً لاكتساب الملكية بالتقادم الخمسي ، ومن حيث عدم اعتباره محلاً لدعوى إبطال التصرف إضراراً بدائن التركة . لكن الحكم الصادر على هذا الأساس بملكية المشتري للعين المبيعة له لا يكسب هذه الملكية إلا محملة بحق الدائنين العيني ، لأن التقادم قصير المدة المكسب للملكية لا يمكن أن يكون في الوقت نفسه تقادماً يسقط للحق العيني الذي يثقلها ، إذ هذا الحق إنما هو حق تبعي لا يسقط بالتقادم مستقلاً عن الدين الذي هو تابع له . وبقاء هذا الحق العيني على الأرض المبيعة هو سند الدائن في تتبعها بالتنفيذ تحت يد المتصرف إليه ، وإذن فمن الخطأ أن يقضي بإلغاء إجراءات نزع الملكية التي يتخذها الدائن على تلك الأرض ، إذ هذا القضاء يكون فيه إهدار لحق الدائن في تتبع العين لاستيفاء دينه ( نقض مدني 27 فبراير سنة 1947 مجموعة عمر رقم 160 ص 365 ) .

[8] ^ وقبل قانون الشهر العقاري الذي أخضع حق الوارث للشهر ونظم طريقة لشهر ديون التركة ، لم يكن الشهر لازماً لتتبع دائن التركة في يد المشتري عيناً من أعيانها باعها الوارث . وقد قضت محكمة النقض في هذا المعنى بأن حق دائن التركة في تتبع العين المبيعة منها لا يشترط له ، لكي ينفذ في حق المشتري ، أن يكون الدين مسجلاً أو مشهراً ( نقض مدني 24 يناير سنة 1946 مجموعة المكتب الفني لأحكام النقض في 25 عاماً جزء 2 ص 1000 رقم 11 ) .

[9] ^ وقد قضى بأن التركة ، مستغرقة كانت أو غير مستغرقة ، تنتقل بمجرد الوفاة مثقلة بحق عيني لدائني المتوفى ، يخول لهم تتبعها واستيفاء ديونهم بالتقدم على سواهم ممن تصرف له الوارث أو من دائنيه . هذا الحق العيني يتوافر له خصيصة التتبع والتقدم لاستيفاء دائني المورث حقوقهم من التركة بلا تفرقة بين حائز حسن النية وآخر سيء النية ، وإنه متعلق بالتركة كلها تعلق دين الرهن بالمرهون ( دمنهور الكلية 21 مارس سنة 1954 المحاماة 36 رقم 575 ص 1570 ) .
وأنظر في ذلك الوسيط 4 فقرة 191 ص 344 – ص 345 وفقرة 192 .
وفيما يتعلق بتركات الأجانب ، أنظر في تحقيق الوراثة وقبول الإرث ورفضه المواد 934 – 938 مرافعات .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *