إعتبار مخالفة القوانين واللوائح خطأ مستقلاً بذاته في جرائم القتل الخطأ.
الوقائع
اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه
أولاً: تسبب بخطئه في موت….. بالإصابات الموضحة بالتقرير الطبي المرفق وكان ذلك ناشئاً عن إهماله ورعونته وعدم احترازه وعدم مراعاته القوانين واللوائح على النحو المبين بالأوراق.
ثانياً: قاد سيارة بحالة خطرة. وطلبت عقابه بالمادة 238/ 1 من قانون العقوبات.
وادعت والدة المجني عليه عن نفسها وبصفتها مدنياً قبل المتهم بإلزامه بأن يؤدي لها مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنح مدينة نصر قضت حضورياً عملاً بمادة الاتهام بتغريم المتهم مائتي جنيه وإلزامه بأن يؤدي للمدعين بالحقوق المدنية مبلغ واحد وخمسين جنيهاً على سبيل التعويض المؤقت. استأنف ومحكمة شمال القاهرة الابتدائية – بهيئة استئنافية – قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف.
فطعنت الأستاذة/…… المحامية عن الأستاذ/….. المحامي نيابة عن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض…. الخ.
المحكمة
من حيث إنه مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي القتل الخطأ وقيادة سيارة بحالة خطرة، قد شابه قصور في التسبيب، ذلك بأن الخطأ الذي أدى إلى وقوع الحادث هو خطأ المجني عليه. الذي كان يلعب بالكرة بالطريق، وقد جرت الكرة إلى عرض الطريق، فجرى خلفها محاولاً التقاطها دون أن يتأكد من خلو الطريق من مرور السيارات فأرتطم بالسيارة وهو ما تمسك به الطاعن في دفاعه المكتوب أمام محكمة الموضوع، والتي أغفلت إيراده والرد عليه. مما يعيب الحكم ويستوجب نقضه.
ومن حيث إنه يبين من الحكم الابتدائي – المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه – أنه اكتفى في بيان واقعة الدعوى والأدلة على ثبوتها في حق الطاعن بقوله “حيث تخلص الواقعة حسبما يبين من مطالعة أوراقها، في أن المتهم….. وهو يقود سيارته بشارع صلاح سالم اصطدم بطفل يلعب الكرة، وأحدث به الإصابات المبينة بالتقرير الطبي والتي أودت بحياته، وحيث إنه…… وقد تمثل خطأ المتهم في الواقعة الماثلة في إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارته بحالة ينجم عنها الخطر، وعن الضرر فهو متوافر في الأوراق وثابت في جانب المتهم، وهو حدوث قتل المجني عليه…..
لما كان ما تقدم فقد توافرت لجريمة القتل الخطأ أركانها القانونية الثلاثة، وثبت للمحكمة يقيناً ارتكاب المتهم لهذه الجريمة المسندة إليه ثبوتاً كافياً لإدانته كالثابت في الأوراق، ويتعين لذلك معاقبته وفق مواد الاتهام سالفة البيان عملاً بنص المادة 304/ 2 أ. ج”. لما كان ذلك، وكان القانون قد أوجب في كل حكم بالإدانة أن يشتمل على بيان واقعة الدعوى المستوجبة للعقوبة بما تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ومؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلالها بها وسلامة مأخذها،
وكان من المقرر أن عدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة وإن أمكن اعتباره خطأ مستقلاً بذاته في جرائم القتل الخطأ، إلا أن هذا مشروط بأن تكون هذه المخالفة هي بذاتها سبب الحادث، بحيث لا يتصور وقوعه لولاها، وأنه من المقرر أنه يجب لصحة الحكم بالإدانة في جريمة القتل الخطأ أن يبين فيه وقائع الحادث وكيفية حصوله وكنه الخطأ المنسوب إلى المتهم وما كان عليه موقف كل من المجني عليه والمتهم حين وقوع الحادث،
وكانت رابطة السببية كركن من أركان هذه الجريمة تتطلب إسناد النتيجة إلى خطأ الجاني ومساءلته عنها طالما كانت تتفق والسير العادي للأمور، كما أنه من المقرر أن خطأ المجني عليه يقطع رابطة السببية متى استغرق خطأ الجاني وكان كافياً بذاته لإحداثه النتيجة. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائي – المؤيد لأسبابه بالحكم الغيابي الاستئنافي – المرفق بالمفردات المضمومة – وبالحكم المطعون فيه – قد خلص إلى إدانة الطاعن استناداً إلى إهماله وعدم احترازه وعدم مراعاته للقوانين واللوائح بأن قاد سيارة بحالة ينجم عنها الخطر،
دون أن يبين كيفية وقوع الحادث وسلوك الطاعن أثناء قيادته للسيارة وكيف أنه كان من شأن هذه القيادة تعريض الأشخاص والأموال للخطر، والقوانين واللوائح التي خالفها ووجه مخالفتها، ويورد الدليل على كل ذلك مردوداً إلى أصل ثابت في الأوراق، كما أغفل بحث موقف المجني عليه وكيفية سلوكه الطريق ليتسنى – من بعد – بيان مدى قدرة الطاعن في الظروف التي وقع فيها الحادث على تلافي وقوعه وأثر ذلك كله في قيام أو عدم قيام ركني الخطأ ورابطة السببية التي دفع الطاعن – وعلى ما يبين من مذكرة دفاعه المرفقة بالمفردات المضمومة – بانقطاعها،
وهو دفاع جوهري يترتب على ثبوته انتفاء مسئولية الطاعن الجنائية والمدنية، فإنه لا يكون قد بين الواقعة وكيفية حصولها بياناً كافياً يمكن محكمة النقض من إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على واقعة الدعوى، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه يكون معيباً بالقصور الذي يوجب نقضه والإعادة، بغير حاجة إلى بحث باقي أوجه الطعن.