توضيح لشروط إنعقاد الصلح القضائي في أفق القانون المصري
يقع الصلح القضائي بين الخصوم في دعوى مرفوعة بينهم أمام القضاء ، وتصدق عليه المحكمة.الصلح القضائي ، أو الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح ، بمثابة ورقة رسمية ، أي بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضي عليه . ولكنه لا يعتبر حكماً فهو لا يخرج عن كونه عقداً ثم بين الخصمين . ويجوز لكل منهما الطعن فيه ، ولكن ذلك لا يكون بالطرق المقررة للطعن في الأحكام ، لأنه لا يعتبر حكماً ،بل هو عقد وثقة القاضي في حدود سلطته الولائية وإنما يكون طريق الطعن فيه بدعوى أصلية.ويجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم يثبت صلحاً أو اتفاقاً تم بين الخصوم . ولكن لا يجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم صادر بصحة التوقيع.
شروط انعقاد الصلح القضائي:
يقع هذا الصلح بين الخصوم في دعوى مرفوعة بينهم أمام القضاء ، وتصدق عليه المحكمة . وقد نصت المادة 124 من تقنين المرافعات في هذا الصدد على ما يأتي :
” للخصوم أن يطلبوا إلى المحكمة في أية حال تكون عليها الدعوى إثبات ما اتفقوا عليه في محاضر الجلسة ، ويوقع عليه منهم أو من وكلائهم . فإذا كانوا قد كتبوا ما اتفقوا عليه ، ألحق المكتوب بمحضر الجلسة، وأثبت محتواه فيه . ويكون لمحضر الجلسة في الحالين قوة السند التنفيذي واعتباره. وتعطي صورته وفقاً للقواعد المقررة لإعطاء صور الأحكام”
ولا يجوز للمحكمة التصديق على الصلح إلا بحضور الخصمين لأن القاضي إنما يقوم بمهمة الموثق ، ولا يجوز توثيق عقد إلا بحضور الطرفين . فإذا غاب أحد الطرفين ، امتنع على القاضي التصديق على الصلح ، حتى لو كان الطرف الغائب قد قبل التصديق على الصلح في غيبته ، ولكن ذلك لا يمنع من اعتبار محضر الصلح الموقع عليه من الطرف الغائب سنداً يصح الحكم بمقتضاه . وإذا حضر الطرفان وعدل أحدهما عن الصلح ، لم يجز للقاضي التصديق عليه ( [1] ) ، ويعتبر القاضي الصلح الذي عدل عنه أحد الطرفين ورقة من أوراق الدعوى يقدر قيمتها بحسب الظروف ( [2] ) .
ويعتبر هذا الصلح القضائي ، أو الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح ، بمثابة ورقة رسمية ، أي بمثابة سند واجب التنفيذ لتصديق القاضي عليه . ولكنه لا يعتبر حكماً ،فهو لا يخرج عن كونه عقداً ثم بين الخصمين ( [3] ) . ويجوز لكل منهما الطعن فيه ، ولكن ذلك لا يكون بالطرق المقررة للطعن في الأحكام ، لأنه لا يعتبر حكماً كما قدمنا ، وإنما يكون طريق الطعن فيه بدعوى أصلية ( [4] ) . فيجوز لكل من الطرفين أن يطلب في دعوى أصلية إبطال الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح لنقص في الأهلية ( [5] ) ، أو لغلط في الواقع ، أو لتدليس ، أو لغير ذلك من أسباب البطلان ( [6] ) .
على انه يجوز أخذ حق اختصاص بموجب هذا الحكم ، لا لأنه حكم بالتطبيق للمادة 1085 مدني ، بل لأنه قد ورد في شأنه نص خاص يجيز أخذ حق الاختصاص ، وهو المادة 1087 مدني وتجري على الوجه الآتي : ” يجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم يثبت صلحاً أو اتفاقاً تم بين الخصوم . ولكن لا يجوز الحصول على حق اختصاص بناء على حكم صادر بصحة التوقيع ” ( [7] ) .
ويجب تمييز الحكم الاتفاقي عن الحكم الصادر بالتصديق علي محضر الصلح.
وصورة الحكم الاتفاقي هي أن يعمد الخصمان أثناء نظر الدعوى إلى الاتفاق على حسم النزاع ، فإذا كان المدعي يطالب المدعي عليه مثلاً بخمسمائة ثم يتفقان على أن يطالبه بأربعمائة ، ويسلم المدعي عليه بالطلبات المعدلة، فلا يسع القاضي في هذه الحالة إلا أن يقضي بهذه الطلبات ([8]). والحكم الصادر بذلك إنما هو في الواقع نتيجة صلح بين الخصمين واتفاق ولذلك سمى بالحكم الاتفاقى .
ولكن هذا الحكم يختلف في طبيعته عن الحكم الصادر بالتصديق على محضر الصلح ، فإن هذا الحكم الأخير ليس حكماً كما قدمنا بل هو عقد وثقة القاضي في حدود سلطته الولائية ، بينما الحكم الاتفاقي هو حكم حقيقي صدر من القاضي في حدود س لطته القضائية . ومن ثم يسرى على الحكم الاتفاقي طرق الطعن المقررة في الأحكام فلا يطعن فيه بدعوى مستقلة ([9])، ويخضع في تفسيره للقواعد المقررة في تفسير الأحكام لا في تفسير العقود ، ويجوز أخذ حق اختصاص بمقتضاه بموجب المادة 1085 مدني لا بموجب المادة 1087 ( [10] ) .
( [1] ) نقض مدني 28 مايو سنة 1938 مجموعة عمر 1 رقم 371 ص 1137 استئناف مصر 19 يناير سنة 1933 المحماة 13 رقم 623 ص 122 3 – محكمة مصر الوطنية 19 يناير سنة 1927 المجموعة الرسمية 29 رقم 7 م 2 ص 12 .
( [2] ) استئناف مصر 26 نوفمبر سنة 1935 المحاماة 16 رقم 215 ص 495 – 30 ابريل سنة 1930 المحاماة 11 رقم 86 ص 145 . وقد ذهبت محكمة الاستئناف المختلطة إلى أن للقاضي أن يرفض التصديق إذا وجد في الصلح ما يخالف النظام العام أو الآداب العامة أو ما يضر بمصالح الغير كائدان دخل في التوزيع ولم يكن طرفاً في الصلح ( 15 يونيه سنة 1 937 م49 ص 265 – وقارن الأستاذ أكثم الخولي ص 41 – ص 42 ) .
( [3] ) وقد قضت محكمة النقض بأن القاضي وهو يصدق على الصلح لا يكون قائماً بوظيفة الفصل في خصومة ، لأن مهمته إنما تكون مقصورة على إثبات ما حصل أمامه من الاتفاق ، وإذن فهذا الاتفاق لا يعدو أن يكون عقداً ليست له حجية الشيء المحكوم فيه ، وإن كان يعطي شكل الأحكام عند إثباته ( نقض مدني 9 مايو سنة 1940 مجموعة عمر 3 رقم 58 ص 192 – 19 ابريل سنة 1951 مجموعة أحكام النقض 2 رقم 115 ص 721 ) .
( [4] ) لكن إذا قبل الخصم الحكم الابتدائي صلحاً وتنازل بهذا الصلح عن الحق في استئنافه ، ثم استأنفه ، وقدم المستأنف عليه إلى محكمة الاستئناف عقد الصلح محتجاً به على خصمه في قبوله الحكم الابتدائي وتنازله عن الحق في استئنافه ، وطلب مؤاخذته به ، فلا شك أن من حق هذا الخصم ( المستأنف ) أن يطعن في هذا العقد ويدفع حجيته عنه ، ومن واجب المحكمة أن تتعرض له وتفصل في النزاع القائم بشأنه بين الطرفين ، فإن هذا العقد حكمه حكم كل دليل يقدم إلى المحكمة فتقول كلمتها فيه أخذاً به أو اطراحا له ، ولا يجب عليها وقف الاستئناف حتى يفصل في الدعوى المقامة بصحة عقد الصلح ونفاذه ( نقض مدني 5 يونيه سنة 1947 مجموعة عمر 5 رقم 211 ص 450 ) .
( [5] ) استئناف مختلط 18 مايو سنة 1 944 م 56 ص 151 .
( [6] ) استئناف مصر 26 نوفمبر سنة 1935 المحاماة 16 رقم 215 ص 495 – عكس ذلك استئناف مختلط 24 مايو سنة 1938 م 50 ص 317 . ويكون الصلح المصدق عليه قابلا للفسخ كسائر العقود ، ويكون تفسيره طبقاً للقواعد المتبعة في تفسير العقود لا في تفسير الأحكام ( نقض مدني 20 يناير سنة 1949 المجموعة الرسمية 50 رقم 76 – استئناف وطني 6 يناير سنة 1920 المجموعة الرسمية 21 رقم 57 ص 91 ) .
( [7] ) أنظر في الخلاف الذي كان قائماً في عهد التقنين المدني السابق في جواز الحصول على حق اختصاص الأستاذ محمود جمال الدين زكي ص 22 هامش رقم 4 – وانظر في كل ما تقدم الأستاذ محمد كامل مرسي في العقود المسماة 1 فقرة 265 – الأستاذ محمد علي عرفة ص 376 – ص 378 – الأستاذ أكثم الخولي ص 41 – ص 42 .
( [8] ) وهناك رأي يذهب إلى أنه لا محل لأن يجاري القاضي الخصوم في هذا السبيل الصوري ، فإذا علم بتمام الصلح بين الطرفين وجب عليه أن يصدق على هذا الصلح بمقتضى سلطته الولائية ، لا أن يصدر حكماً متفقاً عليه ( أنظر من هذا الرأي : استئناف مختلط 4 فبراير سنة 1903 م 15 ص 131 – الأستاذ أكثم الخولي ص 43 هامش 3 – وانظر من الرأي العكسي : استئناف مختلط 14 نوفمبر سنة 1934 م 47 ص 23 – 15 يونيه سنة 1937 م 49 ص 265 ) .
( [9] ) استئناف مختلط 24 مايو سنة 1938 م 50 ص 317 – بلانيول وريبير وسافاتييه 11 فقرة 1583 – الأستاذ محمود جمال الدين زكي فقرة 13 .
( [10] ) وهناك رأي يذهب إلى وجوب الجمع بين العنصرين الشكلي والموضوعي والاعتداد بكل منهما في نطاقه ، فلا يجوز الطعن في الحكم الإتفاقي إلا بطرق الطعن في الأحكام وفي المواعيد المقررة لها ، ولكن الطعن في الموضوع يخضع لأحكام الصلح ولأسباب بطلانه ولا يجوز تعديل هذا الحكم جزئياً لأنه من حيث الموضوع صلح تسري عليه قاعدة عدم التجزئة ( الأستاذ أكثم الخولي ص 43 – ص 44 ) .