شرح جريمة شهادة الزور في ضوء قانون العقوبات المصرى

شرح جريمة شهادة الزور في ضوء قانون العقوبات المصرى

 

تعريف جريمة الشهادة الزور :

 هى جريمة من شأنها أن تُحول الحق إلى باطل والعكس على يد شهود الإثبات أو النفى فى القضايا سواء قضايا الجنح أو الجنايات .

السند القانونى لجريمة الشهادة الزور : – 

نص المادة رقم ۲۹۷ من قانون العقوبات :-
كل من شهد زورا في دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنين .

مادة ۲۹۵:-

ومع ذلك إذا ترتب على هذه الشهادة الحكم على المتهم يعاقب من شهد عليه زوراً بالسجن المشدد أو السجن، أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها على المتهم هي الإعدام ونفذت عليه يحكم بالإعدام أيضاً على من شهد زوراً.

مادة ۲۹٦:-

ألغيت عقوبة الغرامة بموجب القانون رقم ۲۹ لسنه ۱۹۸۲، وكـانت قبل الإلغاء (بغرامة لا تتجاوز عشرين جنيهاً مصرياً).

كل من شهد زوراً على متهم بجنحة أو مخالفة أو شهد له زوراً يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين.

مادة ۲۹۷:-

كل من شهد زوراً في دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين.

مادة ۲۹۸:-

الفقرة الثانية مضافة بالقانون رقم ۱۱۲ لسنه ۱۹۵۷.

إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعداً بشيء ما يحكم عليه هو والمعطي أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة.

وإذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابله وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشان حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصيه أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب شهادة الزور أيهما أشد، ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً.

مادة ۲۹۹:-

يعاقب بالعقوبات المقررة لشهادة لزور كل شخص كلف من سلطة قضائية بعمل الخبرة أو الترجمة في دعوى مدنية أو تجارية أو جنائية فغير الحقيقة عمداً بأي طريقة كانت.

مادة ۳۰۰:-

من أكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة في المواد السابقة.

مادة ۳۰۱:-

من ألزم باليمين أو ردت عليه في مواد مدنية وحلف كاذباً يحكم عليه بالحبس، ويجوز أن تزاد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه.

للشهادة الزور آثار نفسية ، و أخرى مادية ، وخيمة تحيق بالمضرور من كل جانب، و المضرور هنا المواطن و المجتمع معاً ، إذ تُنشئ آلاماً مريرة في النفوس ، و تخلق الأحقاد في القلوب ، لما ترتبه من ضياع الحقوق بأنواعها المختلفة ، فضلاً عن أن فيها نصرة للظالم على المظلوم ، و ما يشيعه ذلك من تفشي الظلم و البغي ، و إفلات المجرم من العقاب ، أو إدانة برئ ، مما يجعل بنيان المجتمع معرضاً للتآكل ، ويعصف بأمنه ، حال أن الأصل أن يكون أفراده كالبنيان المرصوص ، يشد بعضه بعضاً ، ولذلك كان النهي الشرعي عن تلك الفعلة الشنعاء نهياً شديداً .

فقد قال الله تعالى في محكم كتابه :

( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)[ الفرقان:۷۲]؛

وقال: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) [الحج:۳۰]،

وقال أيضاً: (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً) [المجادلة: من الآية۲].
و قال الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي رواه عنه سيدنا أبوبكرالصديق رضي الله عنه :
(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر(ثلاثاً)؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً، فقال: (ألا وقول الزور)، قال: فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت) [متفق عليه، رواه البخاري، (٦۹۱۹)، ,مسلم، (۲٦۹)].

من هنا لم يكن غريباً أن يتنبه القانون الوضعي لتلك الشهادة الخبيثة ، و يدرجها في منظومة الافعال المجرمة و المستحقة للعقاب الجنائي ، فقد أفرد لها باباً خاصاً بها هو الباب السادس تحت عنوان ( شهادة الزور و اليمين الكاذبة )، و هذا الباب جاء ضمن الكتاب الثالث من قانون العقوبات و المعنون ( الجنايات و الجنح التي تحصل لآحاد الناس ).

ذلك أن ” للشهادة في قانون الإجراءات أهمية بالغة ، لأن الجريمة ليست تصرفاً قانونياً يتحرى الجناة إثباته بالكتابة ، و لكنها عمل غيرمشروع يجتهد الجاني في التكتم عند ارتكابه و يحرص على إخفائه عن الناس ، و لهذا فإن العثور على شاهد يعتبر كسباً كبيراً للعدالة ، و من هنا كانت قاعدة عدم رد الشهود ”

( د/ عوض محمد عوض – شرح قانون الإجراءات الجنائية – الجزء الأول – ۱۹۹۰ – ص ۵۰۷ ) ،

فكانت تلك الجريمة تحذيراً شديداً لكل من تسول و توسوس له نفسه من الشهود إعاقة العدالة و تضليل القضاء بارتكاب الجريمة المذكورة .

 

متى تتحقق جربمة الشهادة الزور : –

تتحق الحريمة إذا أصر الشاهد على أقواله الكاذبة حتى إنتهاء المرافعة فى الدعوى الأصلية، و إذا عدل الشاهد عن أقواله الكاذبة قبل إنتهاء المرافعة فى الدعوى إعتبرت هذه الأقوال كأن لم تكن.

 

قاعدة جريمة الشهادة الزور : –

شهادة الزور يتطلب القانون للعقاب عليها أن يقرر الشاهد أمام المحكمة، بعد حلف اليمين أقوالاً يعلم أنها تخالف الحقيقة بقصد تضليل القضاء .

 

متي تعتبر الشهادة زور معاقبا عليها :-

فى حالة إذا شهد الشاهد بعد حلف اليمين، بأقوال ما تغاير الحقيقة بإنكار الحق، أو تأييد الباطل، وكان ذلك منه بقصد تضليل القضاء، فأن ما يقرره من ذلك هو شهادة زور معاقب عليها قانونا.

 

أركان جريمة شهادة الزور : –

اطمئنان المحكمة إلى مغايرة أقوال الشاهد الحق، وتأييد الباطل بعد حلفه اليمين، بقصد تضليل القضاء مع التصميم عليها حتى نهاية الجلسة .

يشترط القانون لمسئولية الشاهد زوراً جنائياً قصده إلى الكذب و تعمده قلب الحقيقة ، بحيث يكون ما يقوله محض إفتراء فى مجلس القضاء و بسوء نية – فإذا كان الحكم قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين و أثبت أنهما إنما شهدا بما تنطق به شواهد الحال
و ظاهر المستندات فإن المحكمة إذ قضت ببراءة الشاهدين من جريمة شهادة الزور لم تخطئ فى تطبيق القانون .

( الطعن رقم ۵٦۷ لسنة ۲۹ ق ، جلسة ۱۹۵۹/٦/۲ )

لا يصح تكذيب الشاهد فى إحدى رواياته إعتماداً على رواية أخرى له دون قيام دليل يؤيد ذلك ، لأن ما يقوله كذباً فى حالة و ما يقرره صدقاً فى حالة أخرى إنما يرجع إلى ما تنفعل به نفسه من العوامل التى تلابسه فى كل حالة ، مما يتحتم معه أن لا يؤخذ برواية له دون أخرى صدرت عنه إلا بناء على ظروف يترجح معها صدقه فى تلك الرواية دون الأخرى – فإدانة المتهم فى جريمة شهادة الزور لمجرد أن روايته أمام المحكمة الإستئنافية قد خالفت ما قاله أمام المحكمة الجزئية لا تكون مقامة على أساس صحيح من شأنه فى حد ذاته أن يؤدى إليها .

( الطعن رقم ۱۲٤۲ لسنة ۲۹ مكتب فنى ۱۰ صفحة رقم ۹۸۳ بتاريخ ۰۷-۱۲-۱۹۵۹ )

 

متى تعد جريمة شهادة الزور جنحة أو جناية : –

” لما كان النص في المادة ۲۹٤ من قانون العقوبات على أن (كل من شهد زورا لمتهم في جناية أو عليه يعاقب بالحبس) وفى المادة ۲۹۵ منه على أن (ومع ذلك إذا ترتب على هذه الشهادة الحكم في المتهم يعاقب من شهد عليه زورا بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن ، أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها على المتهم هى الإعدام ونفذت عليه يحكم بالإعدام أيضا على من شهد عليه زورا) يدل على أن الشارع اعتبر شهادة الزور جنحة إذا كان الإدلاء بها لصالح متهم في جناية سواء ترتب عليها الحكم لصالحه أم لم يترتب ، أما إذا كانت الشهادة ضد المتهم فإنها تكون جنحة إذا لم يبلغ شاهد الزور مقصده وتكون جناية إذا ترتب عليها الحكم على المتهم . لما كان ذلك ، وكان البين من الحكم المطعون فيه أن المحكمة تبينت عدم صحة الشهادة أثناء المرافعة في الدعوى الأصلية ، ومن ثم لم يترتب عليها أثر في قضاء الحكم فيها ، فإن واقعة شهادة الزور تكون جنحة وفقا لنص المادة ۲۹٤ من قانون العقوبات السالف الإشارة إليها   “.

” لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر في ۱۵ من أكتوبر سنة ۱۹۸۸ بإدانة الطاعنين بجنحة شهادة الزور ، فقررت الطاعنة الأولى بالطعن فيه بطريق النقض بتاريخ ۲۰ من أكتوبر سنة ۱۹۸۸ وقدمت أسباب طعنها بتاريخ ۷ من نوفمبر سنة ۱۹۸۸ ، كما قرر الطاعن الثانى بالطعن فيه في ۱۵ من نوفمبر سنة ۱۹۸۸ وقدم أسباب طعنة في ۱۹ من نوفمبر سنة ۱۹۸۸ ، ولكن الدعوى لم يتخذ فيها أى إجراء منذ ذلك التاريخ إلى أن نظرت أمام هذه المحكمة بجلسة اليوم ۱۵ من مايو سنة ۱۹۹٦ وإذا كان البين من ذلك أنه قد انقضى على الدعوى من تاريخ إيداع أسباب الطعن مدة تزيد على الثلاث سنوات المقررة لانقضاء الدعوى الجنائية في مواد الجنح دون اتخاذ أى إجراء قاطع لهذه المدة ، ومن ثم تكون الدعوى الجنائية قد انقضت بمضى المدة عملاً بنص المادة ۱۵ من قانون الإجراءات الجنائية   “.

(الطعن رقم ۲۹۳۵۱ لسنة ۹۵ جلسة ۱۹۹٦/۵/۱۵س ٤۷ ع ۱ ص٦٤ )

 

حق المحكمة في تحريك تهمة الشهادة الزور : –

خول المشرع الجنائي المحكمة السلطة الجوازية في تحريك الاتهام الفوري و رفع الدعوى الجنائية ضد من يرتكب جنحة أو مخالفة أثناء الجلسة ، و محاكمته على اقترافه تلك الجريمة ،

و ذلك بموجب المادة ۲٤٤ من قانون الإجراءات الجنائية ، و التي نصت على أنه : –
” إذا وقعت جنحة أو مخالفة في الجلسة ، يجوز للمحكمة أن تقيم الدعوى على المتهم في الحال ، و تحكم فيها بعد سماع أقوال النيابة العامة و دفاع المتهم …… ” ، و هذا استثناء من الأصل المقرر بموجب المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية التي أسبغت على النيابة العامة الإختصاص الأصيل على سبيل الاستئثار برفع الدعوى الجنائية و مباشرتها باستثناء الأحوال المبينة في القانون ، و منها جرائم الجلسات .

و قد خول القانون المحكمة سلطة جوازية في الأمر بالقبض على المتهم الذي يرتكب جريمة من تلك الجرائم ، إذا اقتضى الحال ذلك ، فذاك إذن أمر تقديري موكول إليها حسبما تقتضيه الظروف و يتطلبه واقع الحال ، و ذلك وفقاً لما نص عليه عجز المادة ۲٤٤ المشار إليها سلفاً من أنه :
” و في جميع الأحوال يحرر رئيس المحكمة محضراً ، ويأمر بالقبض على المتهم إذا اقتضى الحال ذلك “.

و تعرف تلك الجرائم بجرائم الجلسة ، و لا مراء أن جريمة شهادة الزور التي تحصل أمام القضاء تندرج تحت مدلول الجرائم سالفة الذكر و تخضع بالتالي لذات الإجراءات ، فقد قضت محكمة النقض بأن : ” للمحكمة بمقتضى القانون أن توجه في الجلسة تهمة شهادة الزور إلى كل من ترى أنه لا يقول الصدق من الشهود و ان تأمر بالقبض عليه ، و ذلك على اعتبارأن شهادة الزور من جرائم الجلسة ”

( نقض في ۵/۱۱/۱۹۵۷ – أحكام النقض س ۸ ق ۲۳۷ ص ۸۷۲ ) .

 

لمن توجه جريمة شهادة الزور ؟

و توجه المحكمة جريمة شهادة الزور إلى كل من ترى أنه لا يقول الصدق من الشهود ، فقد نصت المادة رقم ۲۹٤ من قانون العقوبات على أنه : ” كل من شهد زوراً لمتهم في جناية أو عليه يعاقب بالحبس ” ، فالمادة صريحة في أن من يصح توجيه الجريمة المذكورة إليه هو فقط الشهود ، و لذلك سميت الجريمة بشهادة الزور، و الشهود هنا هم الذين يشهدون أمام المحكمة و بعد أداء اليمين ، فكل من أجازالقانون سماع اقوالهم بصفتهم شهود يجوز توجيه تهمة شهادة الزورإليهم إذا توافرت في حقهم شرائطها ، و ذلك كالمدعي بالحقوق المدنية الذي أجازت المادة رقم ۲۸۸ من قانون الإجراءات الجنائية سماعه كشاهد بعد حلف اليمين .

 

أثر توجيه الاتهام بشهادة الزور على المتهم : –
إذا ارتأت المحكمة تحريك جريمة شهادة الزور ضد الشاهد ، فما أثر ذلك على المتهم أو المتهمين في القضية التي شهد فيها الشاهد ؟ لا شك أن الأمر يتعلق بالمتهم الذي تخصه هذه الشهادة ، فالشاهد يدلي بوقائع بشأن متهم أو متهمين معينين ، وفقاً لما لديه من مسموعات أو مرئيات ، و على ذلك فإن توجيه هذه التهمة للشاهد – و كانت الشهادة لصالح المتهم – يعد لفت نظر للمتهم الذي تتعلق به هذه الشهادة لإعداد دفاعه و أدلته الأخرى على ضوء ذلك ، إذ لو تمت إدانة الشاهد بتهمة شهادة الزور لأضحت تلك الشهادة عصفاً ماكولا ، لا تغني و لا تسمن من جوع ، و لن تعول عليها المحكمة في قضائها .

 

مفهوم الشهادة محل التجريم : –
الشهادة المقصودة هنا ليست مطلقة من القيود ، و إنما لها ضوابط معينة حتى يمكن إسباغ وصف الجريمة عليها ، فالأصل أن المحكمة توجه الاتهام إلى من ترى أنه لا يقول الصدق في شهادته ، و لذلك يلزم أن تكون الشهادة الزور واقعة على أمور يمكن إداركها بالحس و إخضاعها للتحقق منها و التأكد من صحتها من عدمه ، حتى يتسنى وصفها بكونها صادقة أو كاذبة ، فلا يعتبر شاهد زور من كانت شهادته التي أداها أمام القضاء مبنية على تقديرخاص به أو على استنتاج راجع إلى مقدمات مضموم بعضها لبعض و لو كان عالماً انها تنافي الحقيقة .

و قد قضت محكمة النقض في ذلك بأن : –
” الأصل أن الشهادة التي يسأل الشاهد عن الكذب فيها أمام القضاء هي التي تكون لها في ذاتها قوة الاقتناع لابتنائها على عيان الشاهد و يقينه من جهة ولقابليتها للتمحيص و التحقق من صحتها من جهة أخرى ، أما الشهادة التي لا ترجع إلا إلى مجرد التسامع و الشهرة فلا تعد شهادة بالمعنى المتصورفي القانون لتعذر التحقق من صحتها ، و لا يرد على ذلك بما للشهادة بالتسامع من اعتبار في بعض الحالات الاستثنائية ، فإن هذا ليس من شأنه أن يغيرطبيعة ما قيل على سبيل الرواية و لا يرفعه إلى مرتبة الشهادة التي فرض القانون العقاب على الكذب فيها ، فإذا كانت الأقوال التي أدلى بها الشاهدان – على ماهو ثابت بالحكم – ليست إلا أنباء بما اتصل بعلمهما أو نقل لهما ، فإن شهادتهما لا تتوافرفيها أركان جريمة شهادة الزور ” .

( نقض في ۲/٦/۱۹۵۹ – أحكام النقض س ۱۰ ق ۱۳۵ ص ٦۱۲ ).

و يتعين كذلك أن تكون الشهادة الزور واردة على وقائع مؤثرة في الفصل في الدعوى ، و إلا فلا عقاب إذا انصبت على واقعة ثانوية لا أهمية لها في الدعوى ، و هذا هو المستفاد من نص المادة ۲۹٤ من قانون العقوبات التي جرمت شهادة الزور ، فقد جرمت شهادة الزور لصالح المتهم أو ضده ، و لا استفادة و لا ضرر للمتهم – في هذه الحالة – إلا إذا كانت الشهادة متعلقة بوقائع الدعوى و مؤثرة فيها إيجاباً أو سلباً ،

و قد قضت محكمة النقض في ذلك بأن : –

” انه و إن كان لا يلزم في جريمة شهادة الزور أن تكون الشهادة مكذوبة من أولها إلى آخرها ، بل يكفي تغيير الحقيقة في بعض وقائع الشهادة ، إلا أنه يشترط ان يكون الكذب حاصلاً في وقائع من شأنها أن تؤثر في الفصل في الدعوى التي سمع الشاهد فيها – مدنية كانت أم جنائية – فإذا كان الكذب حاصلاً في واقعة لا تأثيرلها في موضوع الدعوى و ليس من شأنها أن تفيد أحداً أو تضره فلا عقاب ، فإذا كانت المحكمة قد رأت في حدود سلطتها أن جنسية المتوفي المدعي تغير الحقيقة في شأنها لا أهمية لها في موضوع الدعوى الشرعية التي أديت فيها الشهادة ، فإنها تكون على حق إذا هي اعتبرت أن الكذب في هذه الواقعة لا عقاب عليه كشهادة زور ”

(نقض في ۲۱/۵/۱۹٤۵ مجموعة القواعد القانونية ج ٦ ق ۷۷ ص ۷۱۲)

 

شروط تجريم شهادة الزور بهذا المفهوم : –

يلزم لتحقق جريمة شهادة الزور بالمفهوم السابق ذكره ، عدة شروط ، نشير إليها على النحو التالي :
۱- يتعين أن يكون الشاهد قد حلف اليمين ، لأن الشاهد الذي يعتد به في المحاكمات الجنائية و غير الجنائية هو من حلف اليمين ، إعمالاً لنص المادة ۲۸۳ من قانون الإجراءات الجنائية ، فبهذا الحلف تكون للشهادة قيمتها ، و يجعل للشاهد ذكرى بحرمتها عند الله تعالى ، و يجب أن يكون حلف اليمين و الشهادة أمام المحكمة ، لأن الشهادة المعاقب عليها هي التي تحصل أمام القضاء و ليس أمام أية جهة اخرى . و لذلك لا عقاب على شهادة الزور التي لم تحصل أمام القضاء ، فإذا شهد شاهد أمام النيابة العامة أو غيرها من الجهات بشهادة الزور فلا يعد مرتكباً لجريمة شهادة الزور.

فقد قضت محكمة النقض في ذلك بأن : –
” … و إذ كان ذلك و كان الثابت من الشهادة المسندة إلى المطعون ضده أنها لم تحصل أمام القضاء ، و إنما أدلى بها في تحقيقات النيابة ، فإن الواقعة لا تتوافر بها العناصر القانونية لجريمة شهادة الزور ”

( نقض في ۲/۵/۱۹۷۲ – أحكام النقض س ۲۲ ق ۹٤ ص ۳۸٤ ).

۲- يجب على المحكمة التي وقعت شهادة الزورأمامها أن تقوم بتحريك الاتهام حال انعقاد الجلسة و قبل قفل باب المرافعة في الدعوى ، فإن تراخت حتى انتهاء المرافعة أو لم تكتشفها إلا بعد قفل باب المرافعة لم يكن لها الحق في تحريكها ، و إنما تحرك الدعوى حينئذ بالطريق العادي لرفع الدعوى وفقاً للقواعد العامة ، أي عن طريق النيابة العامة ، فإن حركتها رغم ذلك وقع ذلك الإجراء باطلاً ، فقد نصت المادة ۲٤٦ من قانون الإجراءات الجنائية على أن : ( الجرائم التي تقع في الجلسة و لم تقم المحكمة الدعوى فيها حال انعقادها يكون نظرها وفقاً للقواعد العامة ) .

و قد قضت محكمة النقض بأن :
” دل الشارع بنص المادتين ۲٤٤/۱ ، ۲٤٦ إجراءات جنائية على أن حق المحكمة في تحريك الدعوى الجنائية مشروط بوقوع الجنحة أو المخالفة بالجلسة وقت انعقادها ، و بأن تبادرالمحكمة إلى إقامة الدعوى في الحال فور اكتشافها ، كما دل على أنه إذا تراخي اكتشاف الواقعة إلى ما بعد الجلسة فإن نظرها يكون وفقاً للقواعد العادية و لا تملك المحكمة حق تحريكها من تلقاء نفسها ”

( نقض في ۳۰/۳/ ۱۹٦۵ – أحكام نقض س ۱٦ ق ٦۳ ص ۳۱۹ ) .

۳- أن تكون الشهادة انكاراً لحق أو تأييداً لباطل ، أي أنها تمثل أقوالاً تخالف الحقيقة ، و هذا هو الأساس في العقاب على تلك الجريمة ، فلولا أنها كاذبة ما كان العقاب عليها ، فقيمة الشهادة تكمن في مطابقتها للحقيقة ، و لهذا يجب على الشاهد أن يلتزم الصدق في كل ما يقرره ، فإذا خان هذا الواجب كان جديراً بالعقاب ، و هذا هو الركن المادي لتلك الجريمة ، و لا يلزم أن تكون الشهادة الزور مكذوبة من أولها إلى آخرها ، بل يكفي أن يتعمد الشاهد تغيير الحقيقة في بعض وقائع الشهادة – نفياً أو إثباتاً – تغييراً يضلل المحكمة .

أما الركن المعنوي فيتمثل في وجوب أن يكون الشاهد عالماً بذلك ، قاصداً تضليل العدالة ، و قد قضت محكمة النقض بأن :

” إن ما يتطلبه القانون للعقاب على شهادة الزور ، هو أن يقرر الشاهد أمام المحكمة بعد حلف اليمين أقوالاً يعلم بأنها تخالف الحقيقة بقصد تضليل القضاء …. ”

( نقض في ۱۵/۱۰/۱۹۸۵ – س ۳٦ ق ۱۵٤ ص ۸٦۳ ).

” يشترط القانون لمسئولية الشاهد زوراً جنائياً قصده إلى الكذب و تعمده قلب الحقيقة ، بحيث يكون ما يقوله محض افتراء في مجلس القضاء و بسوء نية ، فإذا كان الحكم قد نفى هذا الوصف عن شهادة الشاهدين و أثبت أنهما شهدا بما تنطق به شواهد الحال و ظاهر المستندات ، فإن المحكمة إذ قضت ببراءة الشاهدين من جريمة شهادة الزورلم تخطئ في تطبيق القانون ”

( نقض في ۲/٦/۱۹۵٦۷ – أحكام النقض س ۱۰ ق ۱۳۵ ص ٦۱۲ ).

و لا يعني ذلك أنه يشترط قصداً جنائياً خاصاً ، بل يكفي توافر تعمد الشاهد تغيير الحقيقة ، كما أنه لا يلزم الحكم التحدث استقلالاً عن هذه القصد ، طالما أن الحكم أورد في أسبابه ما يستفاد منه توافره ، فقد قضت محكمة النقض بأن :
” أن القانون لا يتطلب في جريمة شهادة الزور قصداً جنائياً خاصاً ، بل يكفي لتوفرالقصد الجنائي فيها أن يكون الشاهد قد تعمد تغيير الحقيقة بقصد تضليل القضاء ، و ليس يضير الحكم عدم تحدثه عن هذا القصد استقلالاً ما دام توافره مستفاداً مما أورده الحكم ”

( نقض في ۲۲/۵/۱۹۵۰ – أحكام النقض س ۱ ق ۲۲۱ ص ٦۸۰ ) .

٤- أن يكون من شأن الشهادة التأثير في الحكم لصالح المتهم أو ضده ، حسب صراحة نص المادة ۲۹٤ عقوبات المشار إليها سلفاً ، و بالتالي لا يشترط أن يتحقق ذلك التأثير بالفعل ، بحيث إذا أدلى الشاهد بشهادته و تبين للمحكمة أنها شهادة زور وقصد بها الشاهد صالح المتهم ، و حكمت بإدانة المتهم ، فإن ذلك ليس مانعاً من عقاب شاهد الزور، على الرغم من عدم استفادة المتهم منها ، لأن العبرة كما سبق القول بأن من شأنها التأثير في الحكم لا أن تؤثر فعلاً فيه ، و قد قضت محكمة النقض بأن :

” يكفي في جريمة شهادة الزور أن تكون الشهادة شأنها أن تؤثر في الحكم لصالح المتهم أو ضده ، و لو لم يتحقق ذلك بالفعل ، و إذن فلا يمنع من قيام هذه الجريمة كون المحكمة قد أدانت المتهم الذي أديت الشهادة زوراً لمصلحته ”

( نقض في ۲۰/۱۰/۱۹٤۷ مجموعة القواعد القانونية ج ۷ ق ٤۰۰ ص ۳۷۹ ) .

۵- ألا يعدل الشاهد عن أقواله الكاذبة حتى قفل باب المرافعة ، فإن رجع عن أقواله تلك قبل انتهاء باب المرافعة في الدعوى التي شهد فيها كذباً ، فلا تتحقق في حقه جريمة شهادة الزور ، فقد قضت محكمة النقض بأن :

” لا تتحقق جريمة شهادة الزورإلا إذا أصر الساهد على أقواله الكاذبة حتى انتهاء المرافعة في الدعوى الأصلية ، بحيث إذا عدل الشاهد عن أقواله الكاذبة قبل انتهاء المرافعة في الدعوى اعتبرت هذه الأقوال كأن لم تكن ”

( نقض في ۲۷/۱۰/۱۹٦۹ – أحكام النقض س ۲۰ ق ۲۳۰ ص ۱۱۷۲ ) .

الطعن في الحكم الصادرفي جريمة شهادة الزور:

الحكم الذي تصدره المحكمة في الجنحة أو المخالفة التي تقع أثناء الجلسة يخضع لطرق الطعن المقررة للدرجة التي صدر فيها ( مستشار دكتور/ حسن علام – شرح قانون الإجراءات الجنائية و قانون حالات و إجراءات الطعن بالنقض – ۱۹۹۱ – ص ۳۷۸ ) ، و لما كانت جريمة شهادة الزور تندرج ضمن تلك الجرائم ، فإن الحكم الصادر فيها يجوز الطعن فيه ، و إذ كانت تلك الجريمة يمكن أن تقع في جناية أو جنحة ، فإنه إذا كان صادراً من محكمة الجنايات كان الطعن فيه بطريق النقض ، أما إذا كان صادراً من محكمة الجنح فإن الطعن فيه يكون بطريق الاستئناف ثم النقض ، و إذا كان صادراً من محكمة الاستئناف كان الطعن فيه بطريق النقض .

 

أثر براءة الشاهد على تقديرالمحكمة لشهادته في الدعوى الأصلية :

يثور تساؤل هام في مجال الجريمة الراهنة وتعلقها بالدعوى الأصلية التي حصلت فيها شهادة الزور، فقد يحدث أن تحكم الحكمة ببراءة الشاهد من شهادة الزور، و يبقى للشهادة إذن وجودها في الدعوى الأصلية كما كان الحال قبل تحريك الاتهام ، فما هو تقديرالمحكمة لتلك الشهادة حينئذ ، و هل البراءة تلزم المحكمة بالأخذ بتلك الشهادة ؟ أم تعود لها سلطة تقديرها وحريتها في الأخذ بها من عدمه وفقاً لما يطمئن إليه وجدانها ؟

يمكن القول أن تلك الشهادة كانت في الأصل تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة ، ثم نشأ ظن لدى المحكمة في كونها مشوبة بالزور، فقامت بالتحقق من هذا الزور و دراسة ظروف و وقائع الدعوى و أدلتها ، فارتأت المحكمة أنها ليست زوراً، أي أن ما ران على تلك الشهادة من زور أصبح و كأنه لم يكن شيئاً مذكوراً ، فعادت إلى ما كانت عليه ، و بمعنى آخر أن ما كان يلابسها من شبهة جنائية قد زال ، ليس إلا ، فبحث المحكمة كان يدور في نطاق جنائي فقط ، و لم يكن في تقدير الشهادة ذاتها، لاسيما و أن المحكمة قد يكون حكمها بالبراءة مبناه انتفاء الدليل على كونها زوراً ، بالتالي لا يسبغ ذلك الحكم بالبراءة على تلك الشهادة مصداقية تحول دون المحكمة و إخضاعها لتقديرها و ما قد ينتج عن ذلك من الأخذ بها أو طرحها و عدم التعويل عليها ، مع الوضع في الاعتبار ضرورة مطالعة حيثيات الحكم الصادر بالبراءة حتى يتبين أسباب البراءة و أثرها على تقدير المحكمة للشهادة …

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *