شرح قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون

شرح قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون

 

القاعدة القانونية تمر عادة بعدة مراحل حتى تصبح ملزمة للكافة وحتى تطبق على جميع الأفراد المخاطبين بها، وتعتبر آخر مرحلة هي نشر القانون في «الجريدة الرسمية»، وبمجرد تمام إجراءات نشر القانون في الجريدة الرسمية يفترض علم الكافة به، ولا يقبل من أحد «الاعتذار بالجهل» بالقاعدة القانونية ليفلت من تطبيقها والخضوع لأحكامها.

والواقع أن الجهل بالقاعدة القانونية لا يعتبر عذراً للإعفاء من تطبيقها، وافتراض العلم بالقاعدة القانونية قاعدة موضوعية لا يجوز مخالفتها وهي مبنية على اعتبارات العدالة والمساواة بين الأفراد أمام القانون، فاعتبارات العدالة والمساواة تقتضي ألا يفتح الباب أمام الاعتذار بجهل القانون، وإلا سادت الفوضى وفتح الباب للتحايل للهروب من تطبيق القاعدة القانونية.

قاعدة «عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون» تسرى على كافة القوانين أياً كان مصدرها، وسواء كانت قاعدة آمرة أو قاعدة مكملة، واستثناءاً من هذه القاعدة يجوز الاعتذار بالجهل بالقانون في حالة استحالة العلم بالقانون لوجود «قوة قاهرة» تحول دون وصول الجريدة الرسمية إلى إحدى المناطق بسبب فيضان أو حرب أو ثورة بحيث يستحيل أن تصل الجريدة الرسمية إلى هذا المكان.

لذلك فأنه إذا ما تم نشر التشريع بالجريدة الرسمية ودخل حيز التنفيذ، قامت قرينة قانونية على علم الأفراد به، ولا يجوز بحسب الأصل إثبات عكس هذه القرينة.

أ-مضمون القاعدة :

تعتبر قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون من القواعد المسلم بها في معظم دول العالم، ومؤداها أن التشريع متى أصبح نافذأ فإنه يسري في مواجهة جميع الأفراد المخاطبين بأحكامه، ولا يعفى أي منهم من الخضوع له، سواء علموا به أو لم يعلموا.

وتسري قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون في حق كافة الناس، فلا يحق لأحدهم أن يحتج بعدم علمه بأحكام القانون أياً كان سبب عدم العلم .

العائد من الخارج والأمى وعذرهم بالقانون:

لا يمكن لعائد من الوطن أن يعتذر بجهله القانون الذي يسري في حقه، بحجة صدوره حالة وجوده خارج البلاد، كما لا يقبل نفس العذر من شخص أمي بحجة أنه لا يستطيع قراءة الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون، بل لا يجوز لأجنبي قدم إلى مصر وأتى ما يستوجب تطبيق القانون المصري عليه أن يعتذر بجهله حتى ولو كان حسن النية لأن حكم هذا القانون يخالف تمامأ المعمول به في بلده.

ولعل فكرة المساواة بين الأفراد أمام القانون هي- الأساس الذي تقوم عليه قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون، فالقانون ينبغي أن يطبق على المجتمع، ولا يجوز لأحد أن يفلت من حكم القانون لأسباب خاصة به، كعدم علمه بالقانون أو ادعائه عدم العلم به، ولا شك في أن القول بغير ذلك يعني الإهدار الكامل للغاية التي من أجلها أنشأت القواعد القانونية، وهي رعاية مصالح الأفراد بالمحافظة على النظام في المجتمع.

(ب) نطاق القاعدة :

وقاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل بالقانون تسري على كافة القواعد القانونية، فهي ليست قاصرة على التشريع فقط، بل تمتد لتشمل كافة القواعد القانونية الأخرى مثل القواعد العرفية أو القواعد الدينية، فكما لا يستطيع أي رد أن يحتج بجهله قاعدة تشريعية معينة لاستبعاد تطبيقها، فهو لا يستطيع كذلك أن يحتج بجهله لقاعدة عرفية أو دينية فالمعروف عرفا المشروط شرطا.

كذلك تسري قاعدة عدم جواز الجهل بالقانون على جميع القواعد القانونية الآمرة أو المكملة، سواء أكانت من قواعد القانون الخاص أم العام.

القاعدة تسرى على الأجانب:

أيضا لا يفوتنا أن نشير إلى أن قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون تسري في حق جميع الأفراد أجانب كانوا أم وطنيين، حكاماً كانوا أم محكومين، فلا يستطيع القضاة على سبيل المثال أن يطلبوا من الخصوم في الدعوى تحديد القانون الواجب التطبيق على النزاع المطروح، إذ يفترض علم القاضي بالقانون الواجب التطبيق وتطبيقه من تلقاء نفسه.

(ج) الإستثناء من القاعدة:

وإذا كانت القاعدة هي أنه لا يعذر أحد بجهله القانون، إلا أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، إذا يرد عليها استثناء وحيد يتمثل في حالة القوة القاهرة التي تحول دون وصول الجريدة الرسمية إلى جزء من إقليم الدولة، كإحتلال الأجانب لمنطقة معينة أو حدوث زلزال أو فيضان ترتب عليه عزل أفراد منطقة معينة عن باقي أجزاء الوطن، وبالتالي يمكن للأفراد في مثل هذه الظروف أن يحتجوا بجهلهم القانون مع بذل الجهد الشديد لتوضيح أن دفعهم بهذا الدفع والدفاع مبنى على سند من الواقع يؤيده تأييدا لا تنال منه أوهن الشكوك.

وعلى الرغم من أنه لا يوجد نص تشريعي يقرر هذا الإستثناء على قاعدة عدم جواز الإعتذار بالجهل بالقانون، إلا أن الرأي الغالب في الفقه يذهب إلى أنه يجوز الإحتجاج بالجهل بالقانون وطلب الإعفاء من تطبيقه في حالة وحيدة وهى القوة القاهرة المشار إليها آنفا، إذ لا شك في أن مقتضيات العدالة لا تقبل إلزام الأفراد بما ليس في مقدرتهم، وبما تحول بينهم وبين العلم به أسبابا لا قبل البشر بالسيطرة عليها، وهذا الأمر فى مجمله لا يزال موضع إجتهاد فقهى…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *