قراءة في حدود الاكراه المبطل للاستقالة وفقاً لاحكام القانون المصري

قراءة في حدود الاكراه المبطل للاستقالة وفقاً لاحكام القانون المصري

ان تقديم الاستقالة وقبولها ليس عملية تعاقدية تنتهي بها خدمة الموظف بل هي عملية إدارية , يثيرها الموظف بطلب الاستقالة , وتنتهي الخدمة بالقرار الإداري الصادر بقبول هذا الطلب الذي هو سبب هذا القرار , إلا أنه لما كان طلب الاستقالة هو مظهر من مظاهر إرادة الموظف في اعتزال الخدمة , والقرار بقبول هذا الطلب هو بدوره مظهر من مظاهر إرادة الرئيس الإداري في قبول هذا الطلب وإحداث الاثر القانوني المترتب علي الاستقالة.

وبما ان ركن الإرادة الصادر عن الموظف الراغب في ترك العمل بنية احداث أثر قانوني و هو الانسحاب وترك المركز القانوني بما يترتب علي ذلك من أثار قانونية , فان هذه الإرادة لا يعتد بها الا أن صدرت من شخص مكتمل الارادة ودون عيب يشوبها ، فلا اعتداد بالإرادة في هذه الحالة الا إذا صدرت سليمة وحرة وقاطعة ومبرأة من الشوائب لان الإرادة في حقيقة الأمر وجوهره هي عمل قانوني يتجه به صاحبه الي احداث أثر قانوني معين وهو يشكل ركن السبب في القرار الصادر بقبول الاستقالة .وإن اردنا تعريف مبسط للاستقالة نجدها تكمن في حق الموظف في أن يقطع رابطة الوظيفة اختياراً فيتصل الإنهاء بشخص الموظف ويلحق بها أثرها بمجرد تقديمها دون تعليق علي قبول جهة العمل لها , وعلي هذا التعريف استقر كل من الفقه والقضاء في فرنسا ومصر .

وتمثل الاستقالة عملا إراديا من جانب الموظف , وتظل متعلقة بمشيئته , ويصبح هو المتحكم الأوحد في إنهاء علاقته بالعمل , فالتعبير عن الاستقالة لا يكون مجرد إخبار وإنما تعبير عن إرادة تحمل في طياتها كافة مقومات التصرف القانوني , فيتعين أن يكون الموظف علي بينة من أمره , وأن تظل حريته في تقديم استقالته كاملة , فلا يعتد بالاستقالة الصادرة بناء علي تدليس أو غلط , أو بناء علي تهديد صادر من جهة الإدارة بايقاع الأذي للموظف دون حق حتي ولو لم يصبه أذي فعلي .

ويتعين في جميع الأحوال أن تكون الاستقالة واضحة الدلالة علي رغبة الموظف المؤكدة في ترك العمل نهائيا , أي خالية من الغموض والابهام , فالاستقالة لا تفترض الاستقالة .

ولهذا كان لزاماً أن يصدر طلب الاستقالة وقرار قبولها برضاء صحيح يفسده ما يفسد الرضا من عيوب , ومن ضمن العيوب المفسدة والمبطلة للاستقالة عيب الإكراه إذا توافرت عناصره , وهناك صور عديدة للإكراه منها أن يقدم الموظف الطلب تحت سلطان رهبة تبعثها الإدارة في نفسه دون حق , أو اتهامه في واقعة تنال من عرضه وشرفه خشية من أن يشيع هذا الاتهام ويلحقه الأذي من جرائه فيحدث دون روية وتحت تأثير هذه الرهبة فيتقدم بطلب الأستقالة أثناء التحقيق وقبل انتهاءه لتصوره بأن هناك خطراً جسيماً عليه .

كما يراعي في تقدير الإكراه جنس من وقع عليه هذا الإكراه وسنه وحالته الاجتماعية والصحية وكل ظرف أخر من شأنه أن يؤثر في جسامته .

وبما أن الاكراه عيباَ مؤثراً في صحة القرار الإداري فانه يخضع لتقدير القضاء في حدود رقابته المشروعية للقرارات الإدارية .

وحال تقديم الاستقالة تحت وطأة ظروف وقيود معينة , ثم تم العدول عنها خلال الفترة القانونية المسموح بها , يتعين معه اهدار تلك الاستقالة و عدم التعويل عليها ويكون صحيحاً أن سبب التقدم بها هو عدم احتمالية الظرف الذي وقع فيه الموظف حال التقدم بها لصدوره بناء علي طلب أو ضغط نفسي شديد لا يعبر صدفاً وحقاً تعبيراً سليماً عن إرادة حرة .

واعطي المشرع للموظف حق العدول عن الاستقالة من خلال مهلة أربعة عشر يوماً تبدأ في التاريخ التالي لتقديم طلب الاستقالة، بحيث يكون اليوم التالي لها هو يوم قبول الاستقالة حكماً بموجب القانون وقد أحسن المشرع في صياغة هذا النص من وجهين، الوجه الأول أنه قدر مدة أسبوعين فقط لاعتبار الاستقالة مقبولة بموجب القانون , وهي مدة عادلة ومنصفة للطرفين، فهي في الغالب ليست مدة طويلة تؤدي إلى الإضرار بالموظف أوضياع السبب الذي قدم من أجله الاستقالة، وفي الوقت نفسه هي فرصة مناسبة وكافية جداً لجهة الإدارة وبالتالي يكون المشرع قد وازن بين مصلحة الطرفين في الاستقالة موازنة جيدة .

وتثور المشكلة في حال قيام الموظف بالتعبير عن رغبته في سحب الاستقالة، وهناك صورتين، الأولى سحب الاستقالة قبل صدور قرار القبول وقبل مضي المهلة، والصورة الثانية سحب الاستقالة بعد صدور قرار القبول أو بعد مضي المهلة .

وفي حال طلب الموظف سحب استقالته قبل صدور القرار وقبل مضي المهلة، فيمكن القول بأن إرادة الموظف لم تصادف قبولاً من الإدارة وبالتالي لا تزال استقالته غير منتجة لأي أثر قانوني لأنها مشروطة بصدور قرار قبول الاستقالة، فلا تزال استقالة الموظف خاضعة له ومن حقه أن يعدلها أو يلغيها بالصورة التي توافق إرادته .

ويشترط ألا تكون الاستقالة وليدة تسرع أو عدم تروي , وان عباراتها تكون قاطعة الدلالة علي رغبة الموظف في ترك العمل , أما إذا قام الموظف بالعدول عن الاستقالة خلال فترة وجيزة , فهذا لا يستفاد منه الرغبة المؤكدة علي إنهاءه علاقته بوظيفته وإنما علي العكس تدل علي عدم جدية الاستقالة حتي وأن صادف الطلب المقدم منه علي عبارات قاطعة الدلالة علي رغبته في ترك العمل .

و تحديد القانون للمدة التي يجب على الإدارة الرد فيها على طلب الاستقالة، إنما هي لحماية مصلحة الموظف وحقه في الاستقالة ,أما حال عدوله فيها عقب صدور قرار بقبولها يصبح للإدارة الحق في الرد من خلال مركزها القانوني الجديد .

وفي كل الأحوال لا يجوز قبول استقالة الموظف إذا كان قد أحيل إلى التحقيق أو أوقف عن العمل أو اتخذت ضده أية إجراءات تأديبية أخرى، فإذا انتهت هذه الإجراءات إلى عدم مسئوليته أو مجازاته بغير عقوبة الفصل جاز قبول استقالته .

المستشارة / هدي الأهواني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *