إختلاس الأموال في القطاع الخاص و العام على ضوء القانون الجزائري

إختلاس الأموال في القطاع الخاص و العام على ضوء القانون الجزائري

 

المقدمة:
لقد جاء القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و المؤرخ في 20 فبراير 2006 و هو يحوي في محاوره المفاهيم المتعلقة بظاهرة الفساد خاصة تلك المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في الدورة الثامنة والخمسون بتاريخ 31 أكتوبر 2003، والمصادق عليها بتحفظ بالمرسوم الرئاسي رقم 04-128 المؤرخ في 19 أبريل سنة 2004، و يحوي كذلك التدابير الوقائية المختلفة الهادفة إلى ضمان النزاهة و الشفافية في تسيير الشؤون العامة و تفعيل دور كافة الأجهزة في محاربة الفساد، إضافة إلى إنشاء هيئة وطنية تكلف بتنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمواجهة الفساد بالتنسيق مع كل الجهات المعنية على الصعيدين الوطني و الدولي.
و لقد جاء هذا القانون للقضاء على مختلف أشكال جرائم الفساد و مظاهره و الاتجار بالوظيفة العمومية و التلاعب بالمال العام و الخاص لا سيما ما نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة، فنص على تجريم و قمع كل إخلال بواجب النزاهة الذي يستوجب أن يتحلى به كل موظف عمومي أو شخص يدير كيان تابع للقطاع الخاص أو يعمل فيه بأية صفة.

كما أن هذا القانون يطمح لأن يكون إطارا مرجعيا لمنع الفساد ومحاربته، فقد تم إعداده بناء على تقييم نقدي للنصوص السارية المفعول، و كذلك التجارب الوطنية السابقة في هذا المجال، فلم تقتصر أحكامه على التجريم و العقاب بل تضمن قواعد تتعلق بالوقاية من الفساد و كشف مرتكبيه، كما نص على آليات لتفعيل و دعم التعاون القضائي الدولي، و من أهم الجرائم التي أحاطها هذا القانون بالتجريم و العقاب، جريمتي اختلاس الأموال في القطاع العام و اختلاس الأموال في القطاع الخاص.

فاختلاس الأموال في القطاع العام هو الفعل المنصوص والمعاقب عليه بنص المادة 29 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و التي حلت محل المادة 119 الملغاة من قانون العقوبات و الذي يهدف إلى حماية المال العام بصفة عامة، أما اختلاس الأموال في القطاع الخاص فهي صورة مستحدثة بموجب القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، و هو الفعل المنصوص و المعاقب عليه بنص المادة 41 منه، والذي أتى بحكم مميز لهذا النوع من الاختلاس الذي يهدف إلى حماية المال الخاص أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو تجاري أو مالي للكيان الذي ينشط بغرض الربح.

و لجريمة اختلاس الأموال في كلا القطاعين العام و الخاص أوجه تشابه و اختلاف من حيث الأركان التي تقوم عليهما الجريمتين و من حيث قمعهما، الأمر الذي يستدعي طرح الإشكاليتين التاليتين:
1. ما هي أركان جريمة اختلاس الأموال بين القطاع العام و القطاع الخاص؟
2. كيف يتم قمع جريمة اختلاس الأموال بين القطاع العام و القطاع الخاص؟
إختلاس الأموال بين القطاع العام و الخاصو للإجابة على هاتين الإشكاليتين و ضعنا خطة متكونة من مبحثين، خصصنا كل مبحث منهما للجواب على إحدى الإشكاليتين، و لقد اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج التحليلي و المقارن.

حيث نتعرض في المبحث الأول منها لأركان جريمة اختلاس الأموال بين القطاع العام و الخاص، والذي يشمل ثلاثة مطالب ندرس من خلالها كل ركن من أركان الجريمتين على حدا، و المتمثلة في الركن المفترض و الركن المادي و الركن المعنوي، و نبرز خلال كل مطلب من المطالب أوجه التشابه والاختلاف بين الجريمتين مدعمين ما توصلنا إليه ببعض القرارات الصادرة عن المحكمة العليا و حتى القضاء الفرنسي، أما في المبحث الثاني فنتعرض لقمع جريمة اختلاس الأموال بين القطاع العام و القطاع الخاص من خلال ثلاثة مطالب تتمثل في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته و إجراءات المتابعة و الجزاءات المقررة مبرزين خلال كل مطلب من المطالب أوجه الشبه و الاختلاف بين الجريمتين، و في الأخير نختم دراستنا بخاتمة نتعرض فيها بإيجاز إلى خلاصة ما توصلنا إليه من خلال بحثنا المتواضع مع بعض الملاحظات و الاقتراحات.

الخطة:
مـــقـــدمـــة
المبحث الأول: أركان جريمة الاختلاس بين القطاع العام و الخاص
المطلب الأول: الـــركـــــن المفترض.
المطلب الثاني: الـــركــــن المــــادي.
المطلب الثالث: الـــركــــن المـعنوي.
المبحث الثاني: قمع جريمة الاختلاس بين القطاع العام و الخاص
المطلب الأول: الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته
المطلب الثاني: إجـــــراءات الــمــتــابعة.
المطلب الثالث: الـــجـــزاءات الـــمـقررة.
خـــاتـــمـــة

المبحث الأول:
أركان جريمة الاختلاس بين القطاع العام و الخاص
تقوم جريمة الاختلاس سواء في القطاع العام أو الخاص على ثلاثة أركان، تتمثل في الركن المفترض والركن المادي والركن المعنوي.
ونتعرض بالدراسة لكل ركن فيها في مطلب مستقل مع إبراز أوجه الشبه و الاختلاف بين كل من جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص.

المطلب الأول:
الركن المفترض
إن جريمة الاختلاس سواء في القطاع العام أو الخاص تقتضي لقيامها توفر ركن مفترض يتمثل في صفة الجاني عند ارتكاب الفعل المجرم، إلا أن هذه الصفة تختلف تماما عما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو في القطاع الخاص، الأمر الذي يستدعي دراسة كل حالة على حدا .

الفرع الأول:
صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام
لقد اصطلح على صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام وفق القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته بالموظف العمومي Agent public، وهو نفس المصطلح الذي اعتمدته اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31 أكتوبر 2003 و المصادق عليها من طرف الجزائر بتحفظ بموجب المرسوم الرئاسي رقم 04/128 المؤرخ في 19/04/2004.
و لقد عرفت الفقرة (ب) من المادة 2 من القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته الموظف العمومي Agent public على النحو الآتي:
“01- كل شخص يشغل منصبا تشريعيا أو تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا أو في أحد المجالس الشعبية المحلية المنتخبة، وسواء أكان معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته.
02- كل شخص آخر يتولى ولو مؤقتا، وظيفة أو وكالة بأجر أو بدون أجر، ويساهم بهذه الصفة في خدمة هيئة عمومية أو مؤسسة عمومية أو أية مؤسسة أخرى تملك الدولة كل أو بعض رأسمالها، أو أية مؤسسة أخرى تقدم خدمة عمومية.

03- كل شخص آخر معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع و التنظيم المعمول بهما”.
و هذا التعريف مستمد من الفقرة (أ) من المادة 2 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المؤرخة في 31/10/2003.
و تجدر الإشارة هنا أن مفهوم الموظف العمومي Agent public وفق القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أكثر دلالة و اتساعا من مفهوم الموظف العمومي fonctionnaire public وفق القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية و التي عرفته الفقرة الأولى من المادة 4 منه.
و يشمل مصطلح الموظف العمومي كما جاء في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته أربع فئات نخصها بالدراسة والتحليل كما يلي:-
أولا: ذوو المناصب التنفيذية و الإدارية والقضائية
يعد موظفا عموميا كل شخص يشغل منصبا تنفيذيا أو إداريا أو قضائيا ويستوي في ذلك أن يكون معينا أو منتخبا، دائما أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر وبصرف النظر عن رتبته أو أقدميته طبقا للبند الأول من الفقرة (ب) للمادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.

1- الشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا:
ويشمل هذا المفهوم كل من:
1-1 رئيس الجمهورية: الذي جعله الدستور الجزائري على رأس السلطة التنفيذية وهو منتخب، حيث تنص المادة 71/1 من الدستور الجزائري لسنة 1996 على أن: “ينتخب رئيس الجمهورية عن طريق الاقتراع العام المباشر و السري”.
1-2 رئيس الحكومة: المعين من قبل رئيس الجمهورية، حيث تنص المادة 77 في بندها الخامس من الدستور على أن: “يضطلع رئيس الجمهورية بالإضافة إلى السلطات التي يخولها إياه صراحة أحكام أخرى في الدستور بالسلطات و الصلاحيات الآتية: 5- يعين رئيس الحكومة و ينهي مهامه”
1-3 أعضاء الحكومة (الوزراء و الوزراء المنتدبون): ويعينهم رئيس الجمهورية باقتراح من رئيس الحكومة، حيث تنص المادة 79/1 من الدستور الجزائري على أن: “يقدم رئيس الحكومة أعضاء حكومته الذين اختارهم لرئيس الجمهورية الذي يعينهم”.
و حسب مفهوم المادة 158 من الدستور الجزائري لسنة 1996 فإن رئيس الجمهورية لا يسأل عن الجرائم التي قد يرتكبها بمناسبة تأدية مهامه مالم تشكل خيانة عظمى، و يحال في هذه الحالة إلى المحكمة العليا للدولة، في حين أن رئيس الحكومة يجوز مساءلته جزائيا عن الجنايات والجنح بما فيها جرائم الفساد التي قد يرتكبها بمناسبة تأديته مهامه ويحال في هذه الحالة كذلك على المحكمة العليا للدولة التي سيحدد قانون عضوي تشكيلتها و تنظيمها و سيرها و الإجراءات المطبقة أمامها، و هو النص الذي لم يصدر إلى غاية اليوم ، مما يستحيل معه بالضرورة تطبيق نص المادة 158 من الدستور السالفة الذكر.
أما بالنسبة لأعضاء الحكومة فيجوز مساءلتهم عن جرائم الفساد أمام المحاكم العادية و لكن وفق إجراءات مميزة نصت عليها المادة 573 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية، حيث يتعين على وكيل الجمهورية الذي يخطر بالقضية إحالة الملف، بالطريق السلمي على النائب العام لدى المحكمة العليا الذي يرفعه بدوره إلى الرئيس الأول لهذه المحكمة و لهذا الأخير أن يعين قاضيا من المحكمة العليا ليجري التحقيق .

2- الشخص الذي يشغل منصبا إداريا:
و يقصد به كل من يعمل في إدارة عمومية سواء كان دائما في وظيفته أو مؤقتا، مدفوع الأجر أو غير مدفوع الأجر، بصرف النظر عن رتبته أو أقدميته طبقا للبند الأول من الفقرة (ب) للمادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، وينطبق هذا التعريف على فئتين:
2-1 العمال الذين يشغلون منصبهم بصفة دائمة: و يقصد بهم الموظفون Fonctionnaire بالمفهوم التقليدي كما عرفهم القانون الأساسي للوظيفة العامة في المادة 4 منه بقولها: “يعتبر موظفا كل عون عين في وظيفة عمومية دائمة ورسم في رتبة في السلم الإداري
الترسيم هو الإجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبته”.
وانطلاقا من هذا التعريف يمكن استخلاص العناصر الأساسية التي يقوم عليها تحديد مفهوم الموظف العمومي وهي أربعة عناصر :
أ‌- صدور أداة قانونية يعين بمقتضاها الشخص في وظيفة عمومية: وقد تكون هذه الأداة في شكل مرسوم رئاسي أو تنفيذي أو في شكل قرار وزاري أو ولائي أو في شكل مقرر صادر عن سلطة إدارية.
ب‌- القيام بعمل دائم: بمعنى أن يشغل وظيفة على وجه الاستمرار بحيث لا تنفك عنه لا بالوفاة أو الاستقالة أو العزل أو التقاعد، ومن ثمة لا يعد موظفا المستخدم المتعاقد والمستخدم مؤقتا Vacataire ولو كان مكلفا بخدمة عامة.
‌ج- الترسيم في رتبة في السلم الإداري: و هو الإجراء الذي يتم من خلاله تثبيت الموظف في رتبة، فالسلم الإداري يتكون من رتب لابد أن يصنف الموظف العمومي ضمن إحداها ثم يليه الترسيم بعد ذلك، ومن ثمة لا يعتبر موظفا من كان في فترة التربص.
‌د- ممارسة نشاط في مؤسسة أو إدارة عمومية طبقا للفقرة الأولى من المادة الثانية من القانون الأساسي للوظيفة العامة .
و لقد عرفت الفقرة الثانية من نفس المادة المقصود بالمؤسسة والإدارة العمومية بقولها: “يقصد بالمؤسسات و الإدارات العمومية، المؤسسات العمومية، و الإدارات المركزية في الدولة والمصالح غير الممركزة التابعة لها والجماعات الإقليمية والمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري، و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي و الثقافي و المهني، و المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي و كل مؤسسة عمومية يمكن أن يخضع مستخدموها لأحكام هذا القانون الأساسي”.
و يمكن شرح كل مفهوم من المفاهيم السابقة بالترتيب كما يلي:
1- المؤسسات العمومية : ويقصد بها الهيئات التي تم تأسيسها بنص صادر عن السلطات العمومية ويحكمها القانون العام، وبهذا التعريف فإن مفهوم المؤسسات العمومية ينطبق على كافة الهيئات النظامية كمجلس الأمة و المجلس الشعبي الوطني و المجلس الأعلى للقضاء و المحكمة العليا ومجلس الدولة ومجلس المحاسبة و المجلس الدستوري، كما ينطبق على المجلس الوطني الإقتصادي و الاجتماعي واللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها علاوة على المجالس العليا مثل المجلس الإسلامي الأعلى والمحافظة السامية للأمازيغية والمجلس الأعلى للغة العربية.
2- الإدارات المركزية في الدولة: ويقصد بها رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والوزارات.
3- المصالح غير الممركزة التابعة للإدارات المركزية: ويقصد بها أساسا المديريات الولائية التابعة للوزارات وكذا بعض المصالح الخارجية التابعة لرئاسة الجمهورية أو لرئاسة الحكومة أو للوزارات.
4- الجماعات الإقليمية : ويقصد بها الولايات والبلديات.
5- المؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري : وهي هيئات عمومية تخضع للقانون العام كما عرفها القانون 01-88 المؤرخ في 12/01/1988 المتضمن قانون توجيه المؤسسات العمومية، و من قبيل هذه المؤسسات المدرسة العليا للقضاء، الديوان الوطني للخدمات الجامعيةONOU ، والوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار ANDI وكذا المستشفيات.
6- المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والثقافي والمهني : وهي فئة جديدة من المؤسسات مستحدثة بموجب القانون رقم 99-05 المؤرخ في 04/04/1999 المتضمن القانون التوجيهي للتعليم العالي، وتشمل الجامعات والمراكز الجامعية والمدارس ومعاهد التعليم العالي.
7- المؤسسات العمومية ذات الطابع العلمي والتكنولوجي : وهي مستحدثة بموجب القانون 98-11 المؤرخ في 22/08/1998 المتضمن القانون التوجيهي والبرنامج الخماسي حول البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، ومن بين هذه المؤسسات مركز البحث في الاقتصاد المطبق من أجل التنمية CREAD ، مركز تنمية الطاقات المتجددة CDER .
8- كل مؤسسة عمومية يمكن أن يخضع مستخدموها لقانون الوظيفة العمومية وتشمل هذه الفئة:
 هيئات الضمان الاجتماعي: و ذلك بموجب القانون 01-88 المتضمن قانون توجيه المؤسسات العمومية و الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعيةCNAS و الصندوق الوطني للتقاعد CNR والصندوق الوطني للتأمينات لغير الأجراء CASNOS.
 المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري : وهي بدورها هيئات عمومية تخضع للقانون العام طبقا للقانون 01-88 المؤرخ في 12/11/1988، ومن قبيل المؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري الشركة الوطنية للنقل بالسكك الحديدية، و المؤسسة الوطنية للتلفزيون ENTV ، و دواوين الترقية والتسيير العقاري OPGI، الوكالة الوطنية لتحسين السكن AADL وبريد الجزائر، والواقع أن صفة الموظف بمفهوم قانون العام للوظيفة العمومية تكاد تنحصر في المدير العام بالنسبة للمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي التجاري .
و قد استثنى القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفقرة الثالثة من المادة الثانية القضاة والمستخدمين العسكريين و المدنيين للدفاع الوطني و مستخدمي البرلمان من مجال تطبيق هذا النص.
2-2 العمال الذين يشغلون منصبهم بصفة مؤقتة: و يقصد بهم العمال المتعاقدين و المؤقتين العاملين في الإدارات والمؤسسات العمومية السالفة الذكر و الذين لا تتوفر فيهم صفة موظف بمفهوم القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية .

3- الشخص الذي يشغل منصبا قضائيا:
المقصود به القاضيJuge بالمفهوم الضيق وليس بالمفهوم الواسع Magistrat، و هم القضاة كما عرفهم القانون العضوي رقم 04-11 المؤرخ في 06/09/2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء الذي تنص المادة الثانية منه على: “يشمل سلك القضاة:
1- قضاة الحكم والنيابة العامة للمحكمة العليا والمجالس القضائية والمحاكم التابعة للنظام القضائي العادي.
2- قضاة الحكم ومحافظي الدولة لمجلس الدولة والمحاكم الإدارية.
3- القضاة العاملين في:
 الإدارة المركزية لوزارة العدل
 أمانة المجلس الأعلى للقضاء
 المصالح الإدارية للمحكمة العليا ومجلس الدولة.
 مؤسسات التكوين والبحث التابعة لوزارة العدل”.
كما يشغل منصبا قضائيا المحلفون المساعدون في محكمة الجنايات والمساعدون في قسم الأحداث وفي القسم الاجتماعي بحكم مشاركتهم في الأحكام التي تصدر عن الجهات القضائية المختلفة المذكورة، وبالمقابل لا يشغل منصبا قضائيا قضاة مجلس المحاسبة، سواء كانوا قضاة حكم أو محتسبين، ولا أعضاء المجلس الدستوري ولا أعضاء مجلس المنافسة .

ثانيا: ذو الوكالة النيابية
ويتعلق الأمر بالشخص الذي يشغل منصبا تشريعيا أو المنتخب في المجالس الشعبية الوطنية والمحلية وهذا طبقا للبند الأول من الفقرة (ب) للمادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.

1- الشخص الذي يشغل منصبا تشريعيا:
ويقصد به العضو في البرلمان بغرفتيه سواء أكان منتخبا أو معينا، حيث تنص المادة 98/1 من الدستور الجزائري: “يمارس السلطة التشريعية برلمان يتكون من غرفتين، و هما المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة”.
و تنص الفقرة الأولى و الثانية من المادة 101 من الدستور الجزائري على: “ينتخب أعضاء المجلس الشعبي الوطني عن طريق الاقتراع العام المباشر والسري.
ينتخب ثلثا (2/3) أعضاء مجلس الأمة عن طريق الاقتراع غير المباشر و السري من بين و من طرف أعضاء المجالس الشعبية البلدية و المجلس الشعبي الولائي،و يعين رئيس الجمهورية الثلث الآخر من أعضاء مجلس الأمة من بين الشخصيات و الكفاءات الوطنية في المجالات العلمية و الثقافية و المهنية والاقتصادية و الاجتماعية”.
2- المنتخب في المجالس الشعبية المحلية:
و يقصد بهم كافة أعضاء المجالس الشعبية البلدية و المجالس الشعبية الولائية بمن فيهم الرئيس.

ثالثا: من يتولى وظيفة أو وكالة في مرفق عام أو في مؤسسة عمومية أو ذات رأس مال مختلط
ويتعلق الأمر بالأشخاص الذين يشغلون وظيفة أو وكالة في الهيئات العمومية أو المؤسسات العمومية أو المؤسسات العمومية ذات رأس مال مختلط أو في المؤسسات الخاصة التي تقدم خدمة عمومية طبقا للبند الثاني من الفقرة (ب) للمادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته .
و عليه يتعين تحديد المفاهيم التالية:
1- الهيئات والمؤسسات العمومية:
وتتمثل فيما يأتي:
1-1 الهيئات العمومية : ويقصد بها كل شخص معنوي عام آخر غير الدولة والجماعات المحلية يتولى تسيير مرفق عمومي Service public.
و يتعلق الأمر بالمؤسسات العمومية ذات الطابع الإداري (EPA) والمؤسسات العمومية ذات الطابع الصناعي والتجاري (EPIC) و هيئات الضمان الاجتماعي فضلا عن بعض الهيئات المتخصصة.
و يشمل كذلك مفهوم الهيئة العمومية السلطات الإدارية المستقلة كمجلس المنافسة، و سلطة ضبط البريد والمواصلات، وسلطة ضبط الكهرباء والغاز و سلطة ضبط المحروقات.
1-2 المؤسسات العمومية : وتتمثل في المؤسسات الاقتصادية التي حلت محل الشركات الوطنية بموجب الأمر رقم 01-04 المؤرخ في 20/08/2001 المتعلق بتنظيم المؤسسات العمومية الاقتصادية وتسييرها و خوصصتها التي عرفت المادة 4 منه المؤسسات العمومية الاقتصادية بقولها: “شركات تجارية تحوز فيها الدولة أو أي شخص معنوي آخر خاضع للقانون العام، أغلبية رأس المال الاجتماعي مباشرة أو غير مباشرة، وهي تخضع للقانون العام”.
و تضم هذه الفئة كل المؤسسات العمومية الاقتصادية التي كانت تعرف بالشركات الوطنية التي كانت تنشط في مجالات الإنتاج والتوزيع والخدمات بما فيها مؤسسة “سونطراك” و “سونلغاز” والبنوك العمومية وشركات التأمين والخطوط الجوية الجزائرية وشركات الملاحة البحرية .
1-3 المؤسسات ذات رأس المال المختلط: يتعلق الأمر بالمؤسسات العمومية الاقتصادية التي فتحت رأسمالها الاجتماعي للخواص سواء كانوا أفرادا أو شركات، مواطنين جزائريون أو أجانب، عن طريق بيع بعض الأسهم في السوق كما حدث بالنسبة لمؤسسة “فندق الأوراسي” ومجمع “صيدال” و”الرياض”، أو التنازل عن بعض رأسمالها كما حدث بالنسبة لمؤسسة الحجار للحديد والصلب مع شركة ” ميتال ستيل” التي تحوز على نسبة 70 % من رأسمال المؤسسة.
1-4 المؤسسات الأخرى التي تقدم خدمة عمومية: ويتعلق الأمر أساسا بمؤسسات من القانون الخاص تتولى تسيير مرفق عام عن طريق ما يسمى بعقود الإمتياز.
و للخدمة العمومية ثلاثة معالم هي أن تكون للمؤسسة مهمة ذات نفع عام، وأن تكون لها امتيازات السلطة العمومية وأن تكون للإدارة حق النظر في كيفية تطبيق مهمتها، وتخضع لثلاثة معايير أساسية وهي الاستمرارية و التكيف ومساواة المرتفقين .
و إن كانت المؤسسات الخاصة التي تقدم خدمة عمومية لا ينحصر مجال نشاطها في قطاع معين فإنها غالبا ما تنشط في قطاعات النقل العمومي، كما هو الحال في الجزائر بالنسبة لشركة “طحكوت محي الدين” لنقل الطلبة الجامعيين، و خدمة الهاتف كما هو الحال بالنسبة لشركات “أوراسكوم” و “الوطنية” و”لكم”، و استغلال المطارات و الموانئ و الطرق السريعة و الأسواق و المذابح، و توزيع المياه، والتطهير، و نقل قمامة المنازل، و التعليم…
2- تولي وظيفة أو وكالة:
يشترط في ذي الصفة أن يتولى وظيفة أو وكالة ، و تبعا لذلك يقتضي تولي وظيفة أن تسند للجاني مهمة معينة أو مسؤولية، و يقتضي تولي وكالة أن يكون الجاني منتخبا أو مكلفا بنيابة و تأسيسا على ما سبق:
2-1 يتولى وظيفة: كل من أسندت له مسؤولية في المؤسسات والهيئات العمومية السالفة الذكر مهما كانت مسؤوليته من رئيس أو مدير عام إلى رئيس مصلحة، كما يتولى وظيفة كذلك مسؤولوا المؤسسات الخاصة التي تقدم خدمة عمومية.
2-2 يتولى وكالة: أعضاء مجلس الإدارة في المؤسسات العمومية الاقتصادية باعتبارهم منتخبين من قبل الجمعية العامة ويستوي أن تحوز فيها الدولة كل أو بعض رأسمالها الاجتماعي أو جزء منها فقط .

رابعا: من في حكم الموظف
ينص البند الثالث من الفقرة الثانية للمادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أنه يعد موظفا عموميا بمفهوم هذا القانون كل شخص معرف بأنه موظف عمومي أو من في حكمه طبقا للتشريع و التنظيم المعمول بهما.
وينطبق هذا المفهوم لاسيما على المستخدمين العسكريين والمدنيين للدفاع الوطني و الضباط العموميين .
1- المستخدمون العسكريون و المدنيون للدفاع الوطني:
لقد استثنتهم الفقرة الثالثة من المادة الثانية من القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية من مجال تطبيقه و يحكمهم الأمر 06-02 المؤرخ في 28 فبراير 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين، الذي تنص المادة الأولى منه على: “يهدف هذا الأمر إلى تحديد القواعد القانونية الأساسية العامة المطبقة على المستخدمين العسكريين.
و يطبق في هذا الصدد على:
 العسكريين العاملين.
 العسكريين المؤدين للخدمة بموجب عقد.
 العسكريين المؤدين للخدمة الوطنية الذين يدعون في صلب النص “عسكري الخدمة الوطنية”.
 العسكريين الاحتياطيين في وضعية نشاط.”
و لقد قضت المحكمة العليا في هذا الشأن في قرارها الصادر بتاريخ 03/03/2004 ملف رقم 330989 بأنه يجب في جريمة اختلاس شيء مخصص للجيش أن يشمل السؤال أركان الجريمة من حيث تحديد صفة الجاني و هو عسكري، و من حيث أن الأشياء المختلسة مخصصة للجيش، و عهد بها إليه بهذه الصفة لأجل الخدمة .
2- الضباط العموميون:
و أما الضباط العموميون فإن تعريف الموظف العمومي كما ورد في الفقرة 1 و 2 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته لا يشملهم، كما لا ينطبق عليهم تعريف الموظف العمومي كما ورد في القانون الأساسي للوظيفة العامة، ومع ذلك فإنهم يتولون وظيفتهم بتفويض من قبل السلطة العمومية، ويحصلون الحقوق والرسوم المختلفة لحساب الخزينة العامة، الشيء الذي يؤهلهم لكي يدرجوا ضمن من في حكم الموظف العمومي .
ويتعلق الأمر أساسا بالموثقين، فقد نصت المادة 3 من القانون رقم 06-02 المتضمن مهنة الموثق : “الموثق ضابط عمومي مفوض من قبل السلطة العمومية…”.
و نفس الشيء بالنسبة للمحضرين القضائيين فلقد نصت المادة 4 من قانون تنظيم مهنة المحضر القضائي : “المحضر القضائي ضابط عمومي مفوض من قبل السلطة العمومية…”
و كذلك بالنسبة لمحافظ البيع بالمزايدة في المادة 5 من الأمر رقم 96-02 المتضمن مهنة المحافظ البيع بالمزايدة، والمترجمين الرسميين.

الفرع الثاني:
صفة الجاني في القطاع الخاص
تختلف صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص اختلافا تاما عن صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام، حيث تنص المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته فيما يتعلق بصفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص أن “…كل شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص أو من يعمل فيه بأية صفة أثناء مزاولة أي نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري…” و هذا التعريف مستمد من المادة 22 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تنص: “تنظر كل دولة طرف في اعتماد ما قد يلزم من تدابير تشريعية و تدابير أخرى لتجريم تعمد شخص يدير كيانا تابعا للقطاع الخاص، أو يعمل فيه بأي صفة، أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري، اختلاس أي ممتلكات أو أموال أو أوراق مالية خصوصية أو أي أشياء أخرى ذات قيمة عهد بها إليه بحكم موقعه”
و في تعريف لمصطلح الكيان نصت الفقرة (ه) من المادة الثانية من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أن: ” الكيان مجموعة من العناصر المادية أو غير المادية أو من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين المنظمين بغرض بلوغ هدف معين”.
و وفق هذا التعريف يصلح هذا المصطلح على كافة التجمعات مهما كان شكلها القانوني، شركات تجارية أو مدنية أو جمعيات أو تعاونيات أو نقابات أو اتحاديات، غير أنه باستقراء نص المادة 41 والتي اشترطت أن ترتكب الجريمة أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري يتبين أن مجال تطبيق الجريمة محصور في الكيان الذي ينشط بغرض الربح أي الشركات التجارية وبعض الشركات المدنية والتعاونيات .
و يتبين كذلك من تعريف الكيان على النحو الذي سبق بيانه، أن المادة 41 السالفة الذكر لا تنطبق على الشخص الذي يرتكب جريمة الاختلاس بمفرده وهو لا ينتمي إلى أي كيان ولا علاقة له بأي كيان مثل التاجر في المحل التجاري، كما لا ينطبق على الأشخاص الذين لا ينتمون إلى أي كيان ويرتكبون جريمة اختلاس مجتمعين، فمثل هؤلاء الأشخاص يخضعون للقانون العام وتطبق عليهم العقوبات المقررة في قانون العقوبات كالسرقة وخيانة الأمانة حسب الأحوال.
وتشرط المادة 41 من قانون مكافحة الفساد أن يدير الجاني الكيان أو يعمل فيه بأية صفة، مما يجعل النص يطبق على كل من ينتمي إلى أي كيان مهما كانت صفته والوظيفة التي يشغلها.

المطلب الثاني:
الركن المادي
إن الركن المادي في كل من جريمة الاختلاس في القطاع العام وجريمة الاختلاس في القطاع الخاص يشتركان في بعض النقاط و يختلفان في نقاط أخرى، و نبين ذلك من خلال دراسة أربعة عناصر هي السلوك المجرم و محل الجريمة وعلاقة الجاني بمحل الجريمة و مناسبة ارتكاب الفعل المجرم.

1- السلوك المجرم:
لقد نصت المادة 29 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بأن الركن المادي لجريمة الاختلاس في القطاع العام يأخذ أربعة صور تتمثل في الاختلاس و التبديد و الإتلاف و الاحتجاز بدون وجه حق، في حين أن الركن المادي لجريمة الاختلاس في القطاع الخاص طبقا للمادة 41 من نفس القانون محصورة في صورة الاختلاس فقط.
و طبقا للمادتين 29 و 41 السابقتين فلا يشترط أن يترتب على النشاط الإجرامي ضرر فعلي للدولة أو للأفراد لقيام الركن المادي للجريمة، و كذلك فإن رد المال المختلس أو المحتجز بدون وجه حق أو الذي كان محل تبديد أو رد قيمته لا ينفي قيام الفعل .
و يمكن شرح كل صورة من الصور السابقة كالتالي:
1-1 الاختلاس Détournement:
عرفه الأستاذ الدكتور احسن بوسقيعة بقوله: “أنه تحويل الأمين حيازة المال المؤتمن عليه من حيازة وقتية على سبيل الأمانة إلى حيازة نهائية على سبيل التمليك” .
وعرفه الدكتور أحمد أبو الروس بقوله:”هو إضافة الجاني المال الذي بحوزته بسبب الوظيفة إلى ملكه الخاص وتصرفه فيه تصرف الملاك” .
كما عرفه الدكتور محمد علي جعفر بأنه: ” تغيير نية حائز المال من الموظفين حيازة ناقصة بحكم الوظيفة إلى حيازة كاملة، أي اتجاه النية إلى تملك المال والتصرف فيه على اعتبار أنه مملوك للموظف” .
و يختلف مدلول الاختلاس في المادتين 29 و 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته عن مدلوله في جريمة السرقة المنصوص عليها في المادة 350 من قانون العقوبات، فالاختلاس في السرقة يتم بانتزاع المال من حيازة الغير خلسة أو بالقوة بنية تملكه، في حين يكون الشيء المختلس في جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص في حيازة الجاني بصفة قانونية ثم تنصرف نيته إلى التصرف فيه باعتباره مملوكا له، و كذلك فإن مدلول الاختلاس في الجريمة المنصوص عليها في المادة 29 و 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته يختلف عن مدلول في جريمة خيانة الأمانة المنصوص عليها في المادة 376 من قانون العقوبات، وإن كانت هذه الجريمة الأخيرة تقتضي أن يكون تسليم المال فيها بناء على عقد من عقود الأمانة .
وقد قضت المحكمة العليا في قرار صادر لها في 27 فبراير 1968 “أن الموظف إدارة البريد والمواصلات الذي يختلس حوالة بريدية من المفروض تسليمها إلى صاحبها يرتكب جريمة اختلاس أموال عمومية لا جنحة خيانة الأمانة ” .
و الاختلاس هي الصورة الوحيدة للركن المادي لجريمة الاختلاس في القطاع الخاص كما أسلفنا، عكس الاختلاس في القطاع العام فله ثلاثة صور أخرى هي الإتلاف و التبديد و الاحتجاز بدون وجه حق.
1-2 الإتلاف Destruction:
ويتحقق بهلاك الشيء أو بإعدامه والقضاء عليه، و يختلف عن إفساد الشيء أو الإضرار به جزئيا، وقد يتحقق الإتلاف بطرق شتى كالإحراق والتمزيق الكامل والتفكيك التام إذا بلغ الحد الذي يفقد الشيء قيمته أو صلاحيته نهائيا .
و تجدر الإشارة أن صورة الإتلاف مستحدثة في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، و لم ينص عليها المشرع الجزائري في قانون العقوبات ضمن المادة 119 الخاصة بتجريم فعل الاختلاس سابقا.
و فعل الإتلاف إذا تعلق الأمر بالأوراق والسجلات أو العقود أو السندات المحفوظة في المحفوظات أو كتابات الضبط أو المستودعات العمومية أو المسلمة إلى أمين عمومي بهذه الصفة فعل مجرم و معاقب عليه بموجب المادة 158 من قانون العقوبات ويشكل جناية، و عليه نكون أمام مسألة تعدد الأوصاف التي تقتضي تطبيق الوصف الأشد طبقا لأحكام المادة 32 من قانون العقوبات ، و يأخذ الفعل وصف المادة 158 من قانون العقوبات.
1-3 التبديد Dissipation:
و لقد عرفه الدكتور جيلالي بغدادي بأنه التصرف في المال بأي وجه من أوجه التصرفات سواء كان تصرفا قانونيا كالبيع والهبة أو تصرفا ماديا باستهلاكه ، و عرفه الأستاذ الدكتور احسن بوسقيعة بأن التبديد يتحقق متى قام الأمين بإخراج المال الذي أؤتمن عليه من حيازته باستهلاكه أو بالتصرف فيه تصرف المالك كأن يبيعه أو يرهنه أو يقدمه هبة أو هدية للغير و من هذا القبيل كاتب الضبط المكلف بحفظ وسائل الإثبات الذي يتصرف فيه بالهبة أو البيع، كما يأخذ التبديد معنى الإسراف و التبذير كمدير البنك الذي يمنح قروضا لأشخاص وهو يعلم بعدم جدية مشاريعهم وبعدم قدرتهم على الوفاء بالدين عند حلول الأجل .
و يتضمن التبديد بالضرورة اختلاس الشيء، فهو تصرف لاحق للاختلاس .
1-4 الاحتجاز بدون وجه حق rétention incluse:
يكفي في هذه الصورة أن يتحقق الركن المادي لجريمة الاختلاس في القطاع العام بمجرد احتجاز محل الجريمة عمدا و بدون وجه حق، إذ عمد المشرع حفاظا على الودائع إلى توسيع مجال التجريم إلى التصرف الذي من شأنه أن يعطل المصلحة التي أعد المال لخدمتها، ومن قبل الاحتجاز بدون وجه حق أمين الصندوق في هيئة عمومية الذي يحتفظ لديه بالإيرادات اليومية التي يتوجب إيداعها لدى البنك.

2- محل الجريمة :
تشترك جريمة الاختلاس في القطاع العام طبقا للمادة 29 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و جريمة الاختلاس في القطاع الخاص طبقا للمادة 41 من نفس القانون في محل الجريمة، والذي يتمثل في الممتلكات أو الأموال أو الأوراق المالية العمومية والخاصة أو أي أشياء أخرى ذات قيمة.
2-1 الممتلكات Biens:
وقد عرفتها المادة 2 في فقرتها (و) من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته كالآتي: “الموجودات بكل أنواعها، سواء كانت مادية أو غير مادية، منقولة أو غير منقولة، ملموسة أو غير ملموسة، المستندات و السندات القانونية التي تثبت ملكية تلك الموجودات أو وجود الحقوق المتصلة بها”.
ويقصد بالمستندات الوثائق التي تثبت حقا كعقود الملكية والأحكام القضائية و شهادة المنح …الخ، أما السندات فيقصد بها كل المحررات التي تثبت صفة كالبطاقات والشهادات، كما يشمل هذا المصطلح الأرشيف وكل الوثائق التي تكون له قيمة ولو معنوية .
وتشمل الممتلكات على سعتها كافة الأموال المنقولة ذات قيمة كالسيارات والأثاث والمصوغات المصنوعة من المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، كما تشتمل العقارات من مساكن وعمارات وأراضي، وقد استمد المشرع الجزائري تعريفه للممتلكات من المادة 2 فقرة (د) من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
2-2 الأموال fonds:
ويقصد بها النقود سواء كانت ورقية أو معدنية، وقد يكون محل الجريمة من الأموال العامة التي ترجع ملكيتها للدولة أو من الأموال الخاصة كالمال المودع من قبل الزبائن لدى كتابة الضبط.
2-3 الأوراق المالية valeurs:
ويقصد به أساسا القيم المنقولة المتمثلة في الأسهم والسندات والأوراق التجارية.
2-4 الأشياء الأخرى ذات قيمة:
يتسع محل الجريمة ليشمل أي شيء آخر غير الممتلكات والأموال والأوراق المالية متى كان لهذا الشيء قيمة معينة، و لم يحدد المشرع الجزائري نوع ما إذا كانت هذه القيمة مادية أو معنوية و بالتالي فهي تشملهما، و من قبيل هذه الأشياء الأخرى التي لا يشملها تعريف الممتلكات الأعمال الإجرائية القضائية كالمحاضر التي تحرر في إطار الدعاوى القضائية المدنية أو الجزائية و شهادة الإستئناف أو المعارضة وعقود الحالة المدنية وكذا مختلف الوثائق التي يدفعها الأطراف للإدارات العمومية لإثبات حالة على حق .
و خلاصة لمحل الجريمة فقد جاء نص المادتين 29 و 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته واسعا يشمل كل مال منقول أو عقار، و سواء كان للمال قيمة مالية أو اقتصادية أو كانت قيمة اعتبارية فقط بل وقد يكون شيئا يقوم مقامه أو وثيقة أو سندا أو مستندا أو عقدا أو مبلغ مالي ، ويستوي أن تكون هذه الممتلكات أو الأموال أو الأوراق المالية أو الأشياء الأخرى عمومية تابعة للدولة أو لإحدى هيئاتها أو مؤسساتها أو خاصة تابعة لأحد الأفراد أو لشخص معنوي .
و لقد قضت المحكمة العليا في العديد من قراراتها بضرورة تحديد محل الجريمة، فلقد قضت في القرار الصادر بتاريخ 21/09/2005 ملف رقم 388620 بأنه يتعين على محكمة الجنايات بخصوص جريمة اختلاس أموال عمومية في حالة عدم تحديد المبلغ المختلس في منطوق قرار الإحالة، استخلاص المبلغ الذي هو ركن من أركان الجريمة من القرار القاضي بالإحالة .

3-علاقة الجاني بمحل الجريمة :
يشترط لقيام الركن المادي لجريمة الاختلاس سواء في القطاع العام أو الخاص توفر علاقة السببية بين حيازة الجاني لمحل الجريمة و بين وظيفته، و لكن هذه العلاقة تختلف بين ما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو في القطاع الخاص.
ففي جريمة الاختلاس في القطاع العام تشترط المادة 29 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته أن يكون محل الجريمة قد سلم للموظف العمومي بحكم وظيفته أو بسببها، في حين أنه في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص فتحصر المادة41 من نفس القانون العلاقة السببية في محل الجريمة الذي يعهد به إلى الجاني بحكم مهامه فقط.
وتشدد المحكمة العليا رقابتها بالنسبة لهذه النقطة بالذات حيث قضى المجلس الأعلى في القرار المؤرخ في 03 أفريل 1984 بأنه لا يكفي معرفة صفة الجاني لتطبق المادة 119 من قانون العقوبات، بل يجب أن يكون المال محل الجريمة موضوع تحت يد الموظف بحكم وظيفته أو بسببها .
و لا تقوم جريمة الاختلاس سواء في القطاع العام أو الخاص إذا كانت حيازة الجاني لمحل الجريمة لا صلة لها بوظيفته و مهامه، و في هذه الحالة تقوم في حقه جريمة السرقة أو خيانة الأمانة حسب الأحوال، وهكذا قضى في فرنسا بعدم قيام جريمة الاختلاس في حق الموثق الذي اختلس الشيء الذي سلم له، ليس بحكم وظيفته و إنما اعتبارا للثقة الشخصية لصاحب الشيء في الموثق .
و بناء على ما سبق فلكي تتحقق علاقة السببية بين الجاني و محل الجريمة يتعين أن يتوفر الشرطين التاليين:
3-1 يجب أن يكون محل الجريمة قد سلم للجاني:
أي أن يكون محل الجريمة قد دخل في الحيازة الناقصة للجاني التي تتحقق بسيطرته الفعلية عليه، وتفترض الحيازة الناقصة أن تسلم الجاني لمحل الجريمة ليس على أساس أنه صاحبه و إنما يحوزه باسم صاحبه ولحسابه، و أنه ملزم بالمحافظة عليه واستعماله في الغرض الذي عينه صاحبه في حدود ما يرخص به القانون.
و لا يهم الأساس الذي يتم عليه تسليم محل الجريمة و لا الطريقة أو الوسيلة التي يستلم بها، فقد يتم التسليم مقابل وصل رسمي أو عرفي أو بدون وصل.
و الأصل أن يستلم الجاني محل الجريمة بمحض إرادة و اختيار صاحبه، كما في التسليم الذي يتم بناء على عقد من عقود الائتمان، ولكن من الجائر أن يعهد بمحل الجريمة إلى الجاني بناء على طلبه ثم يستولي عليه بعد ذلك، كما هو الحال بالنسبة لرجل الشرطة القضائية الذي يحجز محل الجريمة كدليل إثبات ثم يختلسه بعد ذلك .
3-2 يجب أن يتم التسليم بحكم أو بسبب الوظيفة أو المهام:
أي أن وظيفة الجاني أو عمله هي التي جعلته يتسلم محل الجريمة، و يأخذ هذا الشرط صورتين:
أ- أن يتم التسليم بحكم الوظيفة أو المهام: و تشترك في هذه الصورة كل من جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص، و مفادها أن استلام المال من مقتضيات العمل ويدخل في اختصاص الجاني استنادا إلى نص قانوني أو لائحة تنظيمية أو استنادا إلى مجرد أمر إداري صادر من رئيس إلى مرؤوسه ، ومن قبيل التسليم بحكم الوظيفة المال الذي يستلمه المحاسب العمومي أو أمين صندوق لحساب هيئة عمومية، والمال الذي يستلمه كاتب الضبط من المتقاضين بعنوان مصاريف رفع الدعوى.
ب- أن يتم التسليم بسبب الوظيفة: و تنفرد بهذه الصورة جريمة الاختلاس في القطاع العام دون جريمة الاختلاس في القطاع الخاص، و مفادها أن محل الجريمة في هذه الحالة يخرج من دائرة اختصاص الجاني و لكن الوظيفة التي يشغلها الجاني تيسر له تسلم المال، ككاتب قاضي التحقيق الذي يستلم وثائقا أو مالا قدم لقاضي التحقيق كدليل إثبات أو نفي لتهمة في إطار تحقيق قضائي، أو ضابط الشرطة الذي يعهد إليه المال محل الجريمة فيحجزه لإثبات الجريمة .
و لا تتحقق العلاقة بين الجاني و الفعل المجرم إذا سهلت فقط الوظيفة أو المهام للجاني الوصول إلى محل الجريمة دون أن يكون هذا الوصول بحكمها أو بسببها لأن المادتين 29 و 41 السالفتي الذكر حصرت علاقة الجاني بمحل الجريمة بحكم أو بسبب الوظيفة أو المهام حسب ما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو الخاص، و بحكم قاعدة التفسير الضيق للنصوص القانونية في المادة الجزائية يتعين استبعاد صورة من تسهل له وظيفته أو مهامه .
و على هذا الأساس فإن الجاني الذي يستولي على محل الجريمة الذي لم يسلم له بحكم وظيفته أو بسببها حسب الأحوال حتى و لو سهلت له وظيفته أو مهامه ذلك فلا يشكل جريمة الاختلاس ، كما إذا ادعى رجل الشرطة اختصاصه بتحصيل الغرامات و هو غير مختص في الأصل وتسلم بناء على ذلك مبلغ الغرامة الواجب أداؤه من المحكوم عليه، فهو لم يرتكب جريمة الاختلاس بالرغم من أن صفته كشرطي هي التي سهلت له ارتكاب الفعل المجرم.

4- مناسبة ارتكاب الفعل المجرم:
إن هذه الصورة تخص جريمة الاختلاس في القطاع الخاص دون جريمة الاختلاس في القطاع العام التي يكفي لتحقق الركن المادي فيها توفر العناصر الثلاثة السابقة، و مفادها أن المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته تشترط أن يرتكب الركن المادي أثناء مزاولة نشاط اقتصادي أو مالي أو تجاري.
4-1 النشاط الإقتصادي:
ويشمل نشاطات الإنتاج والتوزيع والخدمات في مجالات الصناعة و الفلاحة والخدمات.
4-2 النشاط التجاري:
ويقصد به كل عمل تجاري كما هو معروف في القانون التجاري، ويشمل العمل التجاري بحسب موضوعه كالبيع والشراء لإعادة البيع ومختلف المقاولات بغرض الربح وعمليات التوسط طبقا للمادة 2 من القانون التجاري، و العمل التجاري بحسب شكله كالشركات التجارية والتعامل بالسفتجة ووكالات ومكاتب الأعمال والعمليات المتعلقة بالمحلات التجارية طبقا للمادة 3 من القانون التجاري، و العمل التجاري بالتبعية كالالتزامات بين التجار و الأعمال التي يقوم بها التاجر والمتعلقة بممارسة تجارته أو حاجات متجره طبقا للمادة 4 من القانون التجاري .
4-3 النشاط المالي:
ويقصد به العمليات المصرفية وعمليات الصرف و السمسرة و العمليات الخاصة بالعمولة، و هي العمليات التي تعد عملا تجاريا بحسب موضوعه بمفهوم المادة 2 من القانون التجاري.
ويستخلص مما سبق أن مجال تطبيق الجريمة محصور في الكيان الذي ينشط بغرض الربح أي الشركات التجارية وبعض الشركات المدنية والتعاونيات في حين لا يشمل التجريم باقي الكيانات كالجمعيات والنقابات و الاتحاديات والأحزاب التي لا تنشط بغرض الربح .

المطـلب الثالث:
الركن المعـنوي
تشترك جريمة الاختلاس في القطاع العام مع جريمة الاختلاس في القطاع الخاص في الركن المعنوي للجريمة الذي يشترط لتحققه توافر القصد الجنائي العام المتكون من العلم و الإرادة.
حيث يجب أن يكون الجاني على علم بأن المال الذي بين يديه هو ملك للدولة أو إحدى مؤسساتها أو ملك لأحد الخواص وقد سلم له بحكم أو بسبب وظيفته أو مهامه بحسب ما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو الخاص، و مع ذلك تتجه إرادته إلى تنفيذ الركن المادي للجريمة و ذلك باختلاسه للمال أو بتبديده أو احتجازه أو إتلافه .
وبالنسبة لصورة الاختلاس فإن القصد العام لا يكفي لتحققها بل يتطلب قصدا خاصا يتمثل في اتجاه نية الجاني إلى تملك الشيء الذي بحوزته، فمن يستولي على المال لمجرد استعماله أو الإنتفاع به ثم رده لا يحقق صورة الاختلاس و إن كان قد يشكل في هذه الحالة احتجازا بدون وجه حق أو جريمة استعمال ممتلكات على نحو غير شرعي .
ويقول الدكتور محمود محمود مصطفى في هذا الشأن أن الركن المعنوي في صورة الاختلاس يتمثل في عنصر شخصي يصدر عن الجاني، وهذا العنصر هو نية التملك، و معناه اتجاه نية الجاني إلى الاستيلاء على الحيازة الكاملة للشيء، و الامتناع عن رد الشيء الذي يحوزه الجاني بصفة عارضه إلى المالك لا يكفي لتحقق صورة الاختلاس طالما كان الجاني لا ينوي تملك الشيء، فنية التملك هي عنصر في صورة الاختلاس ولا يمكن تصور نتيجة في هذا النطاق بدون توافر نية التملك قصدا خاص .
وتشدد المحكمة العليا رقابتها بالنسبة لعدم إبراز الركن المعنوي لجريمة الاختلاس من طرف قضاة الموضوع، وقد قضت في القرار الصادر بتاريخ 27/03/2001 تحت رقم 262693 بأن الحكم المطعون فيه والقاضي ببراءة المتهم من جريمة تبديد أموال عمومية لم يتضمن إلا الركن المادي وأغفل بقية عناصر الواقعة والمتمثلة في:
1- صفة الموظف.
2- القصد الجنائي والمتمثل في العمد.
3- أن تكون الأموال المبددة تحت يد الفاعل بمقتضى وظيفته أو بسببها.
وهذا يشكل خطأ في تطبيق القانون ينجر عنه النقض .
و لقد ذهبت المحكمة العليا في هذا الشأن إلى التشديد على ضرورة إبراز كل أركان جريمة الاختلاس بصفة عامة، فقد قضت في القرار الصادر بتاريخ 15/02/2006 ملف رقم 354438 بأنه يعد سؤالا غير قانوني السؤال المطروح بخصوص جريمة تبديد أموال عمومية الخالي من إبراز أركانها القانونية التالية:
1- الفعل المادي و هو التبديد.
2- القصد الجنائي و هو العمد.
3- أن يكون الفاعل موظفا أو شبيها به.
4- أن تكون الأموال المبددة قد وضعت تحت يده بمقتضى وظيفته أو بسببها .

المبحث الثاني:
قمع جريمة الاختلاس بين القطاع العام و الخاص
إن جريمة الاختلاس سواء في القطاع العام والخاص توصف بأنها من الجرائم المالية المنظمة التي تتميز بجملة من الخصائص التي تجعل معاينتها و ردعها شأنا صعبا للغاية، و من أهم هذه الخصائص:
1. كونها من جرائم الشبكات la délinquance de réseau.
2. الطابع التقني للجريمة مما يجعلها معقدة و ترتبط شديد الارتباط بفروع قانون الأعمال.
3. الطابع الخفي لهذه الجرائم و طابعها المتنقل و المتغير.
و لقد أدخل القانون رقم 06/01 المؤرخ في 20 فبراير سنة 2006 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و القانون رقم 06/22 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية تعديلات جوهرية على قمع جرائم الفساد بوجه عام و جريمة الاختلاس بوجه خاص، تمتاز بالعودة إلى قواعد القانون العام بالنسبة لإجراءات المتابعة و بتلطيف العقوبات السالبة للحرية مع تغليظ الجزاءات المالية، فضلا عن استحداث هيئة وطنية مستقلة تتكفل بالوقاية من الفساد و مكافحته و إدراج أحكام خاصة بأساليب التحري و بالإعفاء من العقوبات و تخفيفها، كما يأتي بيانه من خلال تطرقنا إلى الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته و إجراءات المتابعة و الجزاءات المقررة للجريمة.

المطلب الأول:
الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته
إن إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بموجب القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته كان حتميا بعد مصادقة الجزائر بتحفظ بالمرسوم الرئاسي رقم 04-128 المؤرخ في 19/04/2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك بتاريخ 31/10/2003، و التي تضمنت توصيات للدول المصادقة على الاتفاقية بالمادة السادسة منها بإنشاء هيئة أو هيئات داخلية لمكافحة الفساد يتم إعطائها الاستقلالية اللازمة لأداء مهامها على أن تقوم كل دولة طرف بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة باسم و عنوان السلطة أو الهيئة الوطنية المنشأة في هذا المجال لغرض مساعدة الدول الأطراف الأخرى في مكافحة الفساد.
و هذا ما ذهب إليه المشرع الجزائري، فلقد نصت المادة 17 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته على أن تنشأ هيئة وطنية مكلفة بالوقاية من الفساد و مكافحته قصد تنفيذ الإستراتيجية الوطنية في مجال مكافحة الفساد.

الفرع الأول:
النظام القانوني للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته
لقد نصت المادة 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته هي سلطة إدارية مستقلة تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي.
ولضمان استقلالية هذه الهيئة نص المشرع الجزائري في المادة 19 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على مجموعة من التدابير تتمثل في:
1. قيام الأعضاء و الموظفين التابعين للهيئة، المؤهلين للإطلاع على معلومات شخصية و عموما على أية معلومات ذات طابع سري بتأدية اليمين الخاصة بهم قبل استلام مهامهم.
2. تزويد الهيئة بالوسائل البشرية و المادية اللازمة لتأدية مهامها.
3. التكوين المناسب و العالي المستوى لمستخدميها.
4. ضمان أمن و حماية أعضاء و موظفي الهيئة من كل أشكال الضغط أو الترهيب أو التهديد أو الإهانة و الشتم أو الاعتداء مهما يكن نوعه، التي قد يتعرضون لها أثناء أو بمناسبة ممارستهم لمهامهم.
و بموجب المادة 18 السالفة الذكر وضع المشرع هذه الهيئة لدى رئيس الجمهورية، غير أن مجلس الحكومة لم ينتظر طويلا ليقترح مشروع قانون يعدل هذه المادة و يضع الهيئة لدى وزارة العدل .
و لقد نصت الفقرة الثانية من نفس المادة على أن تحدد تشكيلة الهيئة و تنظيمها و كيفية سيرها عن طريق التنظيم، فصدر المرسوم الرئاسي رقم 06/413 بتاريخ 22 نوفمبر 2006 ، الذي تنص المادة الخامسة منه أن الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته تتشكل من رئيس و ستة أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
و تتكون الهيئة طبقا لمضمون المادة 06 من نفس المرسوم من:
1. مجلس اليقظة و التقييم: تشكيلته هي نفس تشكيلة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.
2. مديرية الوقاية و التحسيس: لم يتطرق المرسوم الرئاسي لتشكيلة هذه المديرية، و اكتفى بالنص على المهام المخولة لها و هي الوقاية و التحسيس من خطورة الفساد.
3. مديرية التحاليل و التحقيقات: لم يحدد المرسوم الرئاسي كذلك تشكيلتها و تتمثل مهامها في تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بأعوان الدولة بصفة دورية، كما تقوم بجمع الأدلة و التحري في الوقائع التي تتعلق بالفساد بالاستعانة بالهيئات الخاصة.
أما فيما يخص كيفية سير الهيئة فلقد حدد المرسوم الرئاسي السالف الذكر على أن تعقد الهيئة اجتماعا عاديا كل ثلاثة أشهر، كما تعقد اجتماعات غير عادية بناء على استدعاء من رئيس مجلس اليقظة.
و تجدر الإشارة في هذا المقام أنه طبقا لنص المادة 23 من نفس القانون فإن جميع أعضاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته و موظفيها و حتى الأشخاص الذين انتهت علاقتهم المهنية بالهيئة ملزمون بالسر المهني، و كل خرق لهذا الالتزام المذكور يشكل جريمة إفشاء السر المهني المقررة في قانون العقوبات .
و يعد سرا كل ما يعرفه الأمين أثناء أو بمناسبة ممارسة وظيفته أو مهنته و يتم الإفشاء بإطلاع الغير عل السر بأي طريقة كانت سواء بالكتابة أو شفاهة أو بالإشارة .

الفرع الثاني:
مهام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته
جاء في المادة 20 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته ذكر للمهام الرئيسية للهيئة والمستمدة من التوجيهات الواردة بالمادة 05 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد و هي:
1. اقتراح سياسة شاملة للوقاية من الفساد تجسد مبادئ دولة القانون و تعكس النزاهة و الشفافية والمسؤولية في تسيير الشؤون و الأموال العمومية.
2. تقديم توجيهات تخص الوقاية من الفساد لكل شخص أو هيئة عمومية أو خاصة، و اقتراح تدابير خاصة منها ذات الطابع التشريعي و التنظيمي للوقاية من الفساد و كذا التعاون مع القطاعات المعنية العمومية و الخاصة في إعداد قواعد أخلاقيات المهنة.
3. إعداد برامج تسمح بتوعية و تحسيس المواطنين بالآثار الضارة الناجمة عن الفساد.
4. جمع و مركزة و استغلال كل المعلومات التي يمكن أن تساهم في الكشف عن أعمال الفساد والوقاية منها لاسيما البحث في التشريع و التنظيم و الإجراءات و الممارسات الإدارية، عن عوامل الفساد لأجل تقديم توصيات لإزالتها.
5. التقييم الدوري للأدوات القانونية و الإجراءات الإدارية الرامية إلى الوقاية من الفساد و مكافحته، و النظر في مدى فعاليتها.
6. تلقي التصريحات بالممتلكات الخاصة بالموظفين العموميين بصفة دورية و دراسة و استغلال المعلومات الواردة فيها و السهر على حفظها.
7. الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة و التحري في وقائع ذات علاقة بالفساد.
8. ضمان تنسيق و متابعة النشاطات والأعمال المباشرة ميدانيا، على أساس التقارير الدورية والمنتظمة المدعمة بإحصائيات و تحاليل متصلة بمجال الوقاية من الفساد و مكافحته، التي ترد إليها من القطاعات و المتدخلين المعنيين.
9. السهر على تعزيز التنسيق ما بين القطاعات و على التعاون مع هيئات مكافحة الفساد على الصعيدين الوطني و الدولي.
10. الحث على كل نشاط يتعلق بالبحث عن الأعمال المباشرة في مجال الوقاية من الفساد و مكافحته وتقييمها.
و لقد نصت المادة 21 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته أنه يمكن للهيئة في سبيل أداء مهامها أن تطلب من الإدارات و المؤسسات و الهيئات التابعة للقطاع العام أو الخاص أو من كل شخص طبيعي أو معنوي آخر أية وثائق أو معلومات تراها مفيدة في الكشف عن أفعال الفساد و أن كل رفض متعمد وغير مبرر لتزويد الهيئة بالمعلومات أو الوثائق يشكل جريمة إعاقة السير الحسن لقطاع العدالة .
و لقد جاء في المادة 24 من القانون الوقاية من الفساد و مكافحته أنه على الهيئة أن ترفع إلى رئيس الجمهورية تقريرا سنويا يتضمن تقييما للنشاطات ذات الصلة بالوقاية من الفساد و مكافحته و كذا النقائص المعاينة و التوصيات المقترحة عند الاقتضاء، غير أنه و حسب رأينا إذا تم تعديل المادة 18 من قانون الوقاية من الفساد و مكافحته وفق المشروع الجديد الذي اقترحه مجلس الحكومة، و تم إلحاق الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته بوزارة العدل فإنه يتعين معه كذلك تعديل المادة 24 السالفة الذكر لكي ترفع الهيئة تقريرها السنوي إلى وزير العدل.

الفرع الثالث:
علاقة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته بالسلطة القضائية
لقد نصت المادة 20 من قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته في البند السابع أن للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته صلاحية الاستعانة بالنيابة العامة لجمع الأدلة و التحري في وقائع ذات علاقة بالفساد غير أن ذلك يثير التساؤل و الجدل حول طبيعة وعمل الهيئة، فإن كان تزويدها بسلطات البحث والتحري في جرائم الفساد شيء محمود لما لها من صلاحيات واسعة في المطالبة بأية وثيقة أو معلومات من أي قطاع عمومي كان أو خاص دون التحجج بالسر المهني و تحت طائلة التجريم، إضافة إلى اختصاصها المحلي الواسع الذي يمتد على كامل التراب الوطني، إلا أن صلاحية البحث و التحري تتعارض و الطابع الإداري للهيئة طبقا للمادة 18 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته خاصة و أنه لم يتم تزويدها بصلاحيات الضبط القضائي.
و لقد نصت المادة 22 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته أنه عندما تتوصل الهيئة إلى وقائع ذات وصف جزائي تحول الملف إلى وزير العدل الذي يخطر النائب العام المختص لتحريك الدعوى العمومية عند الاقتضاء.
وتجدر الإشارة ها هنا أن المشرع الفرنسي تبنى بتاريخ 29/01/1993 قانون يتعلق بالوقاية من الفساد و شفافية الحياة الاقتصادية و الإجراءات العمومية، و قد صدر عن المجلس الدستوري الفرنسي قرار بتاريخ 20/01/1993 يسحب من مشروع هذا القانون سلطات التحري و التحقيق التي كان يزود بها “الجهاز المركزي للوقاية من الفساد”، لذلك جاء في القانون بعد تعديله أن هذا الجهاز مدعو إلى ضمان إجراء المعاينات و المتابعات و التحقيقات المتعلقة بجرائم الفساد في أحسن الظروف، و يفهم من ذلك أنه يساعد النيابة العامة على حسن سير التحريات التي تجريها و لا يباشرها هو بنفسه .

المطلب الثاني:
إجراءات المتابعة
تخضع متابعة جريمة اختلاس الممتلكات في القطاع العام و الخاص على حد سواء لنفس الإجراءات، وكأصل فإن إجراءات المتابعة هي نفسها الإجراءات التي تحكم متابعة جرائم القانون العام ، غير أن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و التعديل الأخير لقانون الإجراءات الجزائية المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 أورد أحكاما جديدة مميزة بشأن أساليب التحري الخاصة للكشف عن جرائم الفساد بوجه عام، و التعاون الدولي في مجال التحريات و المتابعات و الإجراءات القضائية و تجميد الأموال و حجزها و انقضاء الدعوى العمومية.

الفرع الأول:
أساليب التحري الخاصة
لقد أدرج القانون رقم 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته ضمن مادته 56 أحكام مميزة بخصوص أساليب التحري و التحقيق الجديدة للكشف عن جرائم الفساد بصفة عامة و التي لم تكن معروفة من قبل في التشريع الجزائي الجزائري
و قد نصت المادة 56 على ما يلي: “من أجل تسهيل جمع الأدلة المتعلقة بالجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، يمكن اللجوء إلى التسليم المراقب أو إتباع أساليب تحر خاصة كالترصد الإلكتروني والاختراق، على النحو المناسب و بإذن من السلطة القضائية المختصة.
تكون للأدلة المتوصل إليها بهذه الأساليب حجيتها وفقا للتشريع و التنظيم المعمول بهما”
و عند استقراء مضمون هذه المادة نجدها تنص على أساليب التحري الخاصة التي استحدثها قانون الفساد و التي تتمثل أصليا في أسلوب التسليم المراقب و أساليب تحر خاصة كالترصد الإلكتروني والاختراق.
و لقد علق المشرع اللجوء إلى هذه الأساليب الخاصة على إذن من السلطة القضائية المختصة ممثلة في وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق.
و ما يمكن ملاحظته على هذه المادة هو استعمال حرف التشبيه (كـ) في جملة (كالترصد الإلكتروني والاختراق) الأمر الذي يدل على أن المشرع الجزائري ذكر هذه الأساليب على سبيل المثال لا الحصر.
والجدير بالذكر أن قانون الفساد اكتفى بتعريف التسليم المراقب في مادته 02 فقرة ك دون باقي الأساليب الأخرى.
و لقد تم بموجب القانون 06/22 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 المعدل و المتمم لقانون الإجراءات الجزائية تخصيص فصلين كاملين لوسائل التحري التي استحدثها المشرع الجزائري أين تم التعرض لأسلوب الترصد الالكتروني في الفصل الرابع تحت عنوان في “اعتراض المراسلات و تسجيل الأصوات و التقاط الصور و الاختراق”، و في الفصل الخامس تحت عنوان “في التسرب”.

أولا: التسليم المراقب la livraison surveillée
لقد نصت عليه المادة 02 فقرة (ك) من قانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بقولها: “التسليم المراقب: الإجراء الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من الإقليم الوطني أو المرور عبره أو دخوله بعلم من السلطات المختصة و تحت مراقبتها بغية التحري عن جرم ما و كشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابه”.
و تجدر الإشارة هنا أن التعريف الذي اعتمده المشرع الجزائري للتسليم المراقب هو نفس التعريف الذي أتت به إتقاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في مادتها الثانية بقولها: “هو الإجراء الذي يسمح لشحنات غير مشروعة أو مشبوهة بالخروج من إقليم دولة أو أكثر أو المرور عبره أو دخوله بمعرفة سلطاته المختصة و تحت مراقبتها بغية التحري عن جرم ما و كشف هوية الأشخاص الضالعين في ارتكابه”
و لا يختلف كذلك هذا التعريف في مضمونه مع التعريف الذي جاءت به المادة 40 من الأمر 05/06 المؤرخ في 23 غشت 2005 المتعلق بمكافحة التهريب، و الذي أوضح أن اللجوء إلى هذا الإجراء يستلزم إذن من وكيل الجمهورية .
و قد جاء بالمادة 20 من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المؤرخ في 15 تشرين الثاني/نوفمبر2000 أمثلة عن أسلوب التسليم المراقب في الفقرة الثالثة منها بقولها: “يجوز بموافقة الدول الأطراف المعنية، أن تشمل القرارات التي تقضي باستخدام أسلوب التسليم المراقب على الصعيد الدولي طرائق مثل اعتراض سبيل البضائع أو السماح لها بمواصلة السير سالمة أو إزالتها أو إبدالها كليا أو جزئيا” و لا يكون ذلك إلا تحت مراقبة المصالح الأمنية و القضائية المشتركة للدول المعنية.

ثانيا: الترصد الالكتروني la surveillance électronique
لقد ورد كما أسلفنا في المادة 56 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أنه من ضمن أساليب التحري الخاصة لكن دون تعريف لهذا الإجراء، غير أن قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم بموجب القانون 06/22 و رغم عدم ذكره لمصطلح الترصد الالكتروني إلا أنه ذكر وسائل متعارف على أنها من طبيعته و هي اعتراض المراسلات و تسجيل الأصوات و التقاط الصور و ذلك بالمواد من 65 مكرر 5 إلى 65 مكرر 10.
و للإشارة هنا أن القانون الجزائري لم يكن في وقت جد قريب ينص على حكم يتعلق بوضع المكالمات الهاتفية مثلا تحت المراقبة، إلا أن الميدان العملي و الممارسات الواقعية أثبتت أنه تم اللجوء إلى هذا الإجراء بصورة استثنائية للتحري في بعض الجرائم ذات الأهمية، غير أنه و إن كانت النتائج المتحصلة باستعمال هذا الإجراء تبلغ درجة كبيرة من الأهمية في كشف الجرائم إلا أنها لا تشفع لعدم مشروعية هذا الإجراء و يترتب عليه البطلان.
1-اعتراض المراسلات:
لقد ورد هذا الأسلوب من ضمن الأساليب الخاصة للتحري بقانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم بموجب القانون 06/22 دون شرح للمصطلح، غير أن الفقه الدولي الحديث يعرفه بإمكانية الجهات المكلفة قانونا بمكافحة الجريمة تحت إشراف و موافقة الجهات القضائية المختصة بالاعتراض و الاطلاع على فحوى المراسلات التي تتم بين أشخاص مشتبه في تورطهم في ارتكاب أو التحضير لارتكاب جرائم دون علم أصحابها و دون اشتراط موافقتهم.
و يقصد بالمراسلات وفقا لما تضمنته المادة 65 مكرر 5 في فقرتها الثانية من القانون السالف الذكر، المراسلات السلكية أو اللاسلكية ، هذا يعني أن المشرع الجزائري يقصد هنا المراسلات الالكترونية وليس المراسلات المكتوبة العادية التي تنقل بالطريق اليدوي كالبريد مثلا.
و تشمل المراسلات الالكترونية خصوصا، الفاكس و التيلكس و البريد الالكتروني عبر الانترنيت أو البريد المتداول عبر أنظمة الهاتف الخلوي والمتمثل في الرسائل المكتوبة الصغيرة SMS و الرسائل المتعددة الوسائط MMS و غيرها.
2- تسجيل الأصوات و التقاط الصور:
و يقتضي اللجوء إلى هذه الوسيلة استعمال تقنيات الصورة أو الصوت أو كليهما و كذا وسائل الاتصال عن بعد أو المراقبة بواسطة الأقمار الصناعية كبرنامج (Google Earth) ، و هذا للقيام بعمليات الترصد و التصنت على العناصر الإجرامية لمعرفة تحركاتها و الكشف عن خططها المستقبلية لارتكاب الجرائم
3- الجهة الآمرة بالترصد الالكتروني:
لقد نصت المادة 65 مكرر 05 في فقرتيها الخامسة و السادسة من قانون الإجراءات الجزائية المعدل والمتمم بموجب القانون 06/22 على أنه يختص وكيل الجمهورية باتخاذ الإذن بممارسة هذا الإجراء في الجرائم المتلبس بها أو في التحقيق الابتدائي، كما يكون كذلك من اختصاص قاضي التحقيق باتخاذ الإذن باتخاذ هذا الإجراء عندما يكون ملف التحقيق على مستواه.
4-الجرائم محل إجراء الترصد الالكتروني:
لقد نصت عليها المادة 65 مكرر 05 في فقرتها الأولى من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم بموجب القانون 06/22 أن الجرائم التي يمكن اتخاذ الإجراء بشأنها هي:
– جرائم المخدرات.
– الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
– الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.
– جرائم تبييض الأموال.
– الجرائم الإرهابية.
– الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف.
– جرائم الفساد.
و لقد نصت المادة 65 مكرر6 فقرة 2 أن اكتشاف جرائم أخرى غير تلك التي ورد ذكرها في إذن القاضي لا تكون سببا لبطلان الإجراءات العارضة.
5- شروط العمل بإجراء الترصد الالكتروني:
لقد جاءت في المواد من 65 مكرر 05 إلى 65 مكرر 10 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل و هي:
1. أن تتم مباشرة الإجراءات بموجب إذن مكتوب مسلم من طرف وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق المختصين طبقا للمادة 65 مكرر 05/ 05، 06.
و يشمل هذا الإذن إما:
– اعتراض المراسلات التي تتم عن طريق وسائل الاتصال السلكية و اللاسلكية طبقا للمادة 65 مكرر 05 فقرة 02.
– التقاط و بث و تثبيت و تسجيل الكلام في أماكن خاصة أو عمومية و دون حاجة إلى موافقة المعنيين طبقا المادة 65 مكرر 05 فقرة 03.
– التقاط صور لشخص أو عدة أشخاص في مكان خاص طبقا للمادة 65 مكرر 05 فقرة 03.
2. إن هذا الإذن يسمح بالدخول إلى المحلات السكنية أو غيرها دون اشتراط علم أو رضا أصحابها و دون تقيد بالميقات القانوني المحدد في المادة 47 من قانون الإجراءات الجزائية طبقا للمادة 65 مكرر 05 فقرة 04.
3. لضمان مشروعية هذه العمليات المتخذة بموجب هذا الإذن يجب أن تتم تحت رقابة وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق المختص طبقا للمادة 65 مكرر 05 فقرة 06،05 من جهة، و من جهة أخرى يجب أن لا تمس بالسر المهني المنصوص عليه في المادة 45 من قانون الإجراءات الجزائية طبقا المادة 65 مكرر 06 فقرة 01.
4. و يجب أن يتضمن هذا الإذن كل العناصر التي تسمح بالتعرف على الاتصالات المطلوب التقاطها، و الأماكن المقصودة سكنية أو غيرها، و الجريمة التي تبرر اللجوء إلى هذه التدابير، ومدتها، على أن لا تتجاوز المدة المذكورة في الإذن أربعة (04) أشهر تكون قابلة للتجديد حسب مقتضيات التحري أو التحقيق بنفس الشروط الشكلية و الزمنية طبقا للمادة 65 مكرر07.
5. يجوز لوكيل الجمهورية أو لقاضي التحقيق المختصين أو لضابط الشرطة القضائية المكلف بالقيام بالإشراف على تنفيذ الإجراء أن يسخر كل عون مؤهل لدى مصلحة أو وحدة أو هيئة عمومية أو خاصة مكلفة بالمواصلات السلكية أو اللاسلكية للتكفل بالجوانب التقنية للعمليات طبقا للمادة 65 مكرر08.
6. يجب على ضابط الشرطة القضائية المكلف بالإجراء بموجب إذن من وكيل الجمهورية أو إنابة قضائية من قاضي التحقيق المختصين أن يحرر محضرا عن كل عملية اعتراض و تسجيل المراسلات و كذا عن عمليات وضع الترتيبات التقنية و عمليات الالتقاط و التثبيت و التسجيل الصوتي أو السمعي البصري مع ذكر تاريخ و ساعة بداية هذه العمليات و الانتهاء منها طبقا للمادة 65 مكرر09، كما يقوم الضابط المكلف بوصف و نسخ المراسلات أو الصور أو المحادثات المسجلة و المفيدة في إظهار الحقيقة في محضر إضافة إلى ترجمة الأحاديث التي تمت باللغات الأجنبية بمساعدة مترجم يسخر لهذا الغرض إذا اقتضى الأمر طبقا للمادة 65 مكرر10.
6-الترصد الالكتروني في القانون المقارن:
لقد تطرق إليه المشرع الفرنسي في قانون الإجراءات الجزائية لسنة 1997 و قد خصص له 10 مواد لتعريفه، و يقصد به اللجوء إلى جهاز للإرسال يكون غالبا سوارا الكترونيا يسمح بترصد حركات المعني بالأمر و الأماكن التي يتردد عليها .
و أنه من ضمن التقنيات الرائدة في الترصد الالكتروني و التحري تقنية الرسم الالكتروني باعتماد الذبذبة الصوتية، حيث أنه بواسطة جهاز مسح للذبذبات الصوتية أو الضوئية بمكان ما (موقع جريمة مثلا أو مكان اجتماع مشتبه فيهم) يرتسم نموذج مظلل أو نقاط أو محيط دائرة أو دوائر جراء حركة ذراع من شأنه تشكيل مجسم لجسم الجاني و مواصفاته الفيزيولوجية أو إعادة تجميع الذبذبات الصوتية التي لا تزال عالقة في المجال الجوي للحصول على نسخة الكترونية لأحاديث سابقة في مسرح الجريمة أو بمسكن أحد المشتبه فيهم بضلوعه في التخطيط للجرائم.

ثالثا: الاختراق أو التسرب L’infiltration
1- تعريف الاختراق أو التسرب:
هو أسلوب من أساليب التحري الخاصة نصت عليه المادة 56 من القانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته تحت تسمية “الاختراق”، و نص عليه قانون الإجراءات الجزائية المعدل و المتمم بموجب القانون 06/22 بتسمية أخرى هي “التسرب” و في النسخة الفرنسية لكلا القانونين له تسمية واحدة و هي “L’infiltration”، غير أن الاختلاف في التسمية في النسخة العربية للقانونين لا يعني اختلاف الإجرائين، بل يقصد به إجراء واحد.
و لقد عرف قانون الإجراءات الجزائية المعدل التسرب في مادته 65 مكرر 12 بقولها: “يقصد بالتسرب قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية، تحت مسؤولية ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق العملية، مراقبة الأشخاص المشتبه في ارتكابهم جناية أو جنحة بإيهامهم أنه فاعل معهم أو شريك لهم أو خاف.
يسمح لضابط أو عون الشرطة القضائية أن يستعمل لهذا الغرض هوية مستعارة و أن يرتكب عند الضرورة الأفعال المذكورة في المادة 65 مكرر 14 أدناه، و لا يجوز تحت طائلة البطلان أن تشكل هذه الأفعال تحريضا على ارتكاب جرائم”.
و على غرار ما تم إثارته حول افتقار قانون الإجراءات الجزائية قبل تعديله إلى أساس قانوني يبني عليه وكيل الجمهورية المختص إجازته لعمليات اعتراض المراسلات و التقاط الصور و تسجيل الأصوات، فكذلك بالنسبة لعملية التسرب فقد أثبت الميدان العملي و الممارسات الواقعية أنه تم اللجوء إلى هذا الإجراء و دون وجود أساس قانوني في عمليات التحري خاصة المعقدة منها، و التي كانت تستهدف كشف الشبكات الإجرامية الخطيرة و المنظمة، و التي كانت تستدعي في كثير من الحالات بعض المخاطرة من طرف الضباط المحققين عادة، و الذين يتولون بأنفسهم أو من طرف أحد أعوانهم عملية الاندساس و الاختراق قصد التسرب داخل الشبكات الإجرامية أو إيهامها بالتعامل معها، و أحيانا أخرى يتم التسرب أيضا باللجوء إلى دس أشخاص آخرين خارجيين مما يمكن أن يطلق عليهم بالمتعاونين، حتى يتم التوصل لكشف الشبكات و تحديد نشاطها و ضبط عناصرها، غير أنه و إن كانت النتائج المتحصلة باستعمال هذا الإجراء تبلغ درجة كبيرة من الأهمية في كشف الجرائم إلا أنها لا تشفع لعدم مشروعية هذا الإجراء، فقد يترتب عليه البطلان إذا ما حصلت فيه مخالفة للأحكام الجوهرية المقررة في الباب الخاص بجهات التحقيق من المادة 66 إلى المادة 211 من قانون الإجراءات الجزائية و كان من شأن هذه المخالفة الإخلال بحقوق الدفاع أو أي خصم في الدعوى طبقا للمادة 159 من قانون الإجراءات الجزائية .

2-الجهة الآمرة بالتسرب:
تنص المادة 65 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل أنه عندما تقتضي ضرورات التحري أو التحقيق يجوز لوكيل الجمهورية أو لقاضي التحقيق بعد إخطار وكيل الجمهورية أن يأذن تحت رقابته حسب الحالة بمباشرة عملية التسرب.

3-الجرائم محل إجراء التسرب:
لقد أحالت المادة 65 مكرر 11 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل في تحديد الجرائم محل إجراء التسرب إلى المادة 65 مكرر 05 في فقرتها الأولى من نفس القانون، و التي تنص أن الجرائم التي يمكن اتخاذ هذا الإجراء بشأنها هي:
– جرائم المخدرات.
– الجريمة العابرة للحدود الوطنية.
– الجرائم الماسة بأنظمة المعالجة الآلية للمعطيات.
– جرائم تبييض الأموال.
– الجرائم الإرهابية.
– الجرائم المتعلقة بالتشريع الخاص بالصرف.
– جرائم الفساد.

4- شروط العمل بإجراء التسرب:
لقد جاءت في المواد من 65 مكرر 11 إلى 65 مكرر 18 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل هي:
1. يجب أن يكون الإذن المسلم لضابط الشرطة القضائية المكلف بالإشراف على عملية التسرب من طرف وكيل الجمهورية أو قاضي التحقيق مكتوبا و مسببا تحت طائلة البطلان طبقا للمادة 65 مكرر 15 الفقرة الأولى.
2. يجب أن يذكر في الإذن:
– الجريمة التي تبرر اللجوء إلى إجراء التسرب.
– هوية ضابط الشرطة القضائية الذي تتم العملية تحت إشرافه.
3. يجب أن يحدد الإذن مدة عملية التسرب التي لا يمكن أن تتجاوز أربعة (4) أشهر قابلة للتجديد وفق نفس الشروط الشكلية و الزمنية، كما يمكن للقاضي الذي رخص بها أن يأمر في أي وقت بوقفها قبل انقضاء المدة المحددة طبقا للمادة 65 مكرر 15 الفقرتين 2 و 3.
غير أنه بالتمعن في نص المادة 65 مكرر 15 في فقرتها الثانية من قانون الإجراءات الجزائية المعدل، نجد أن المشرع الجزائري في النسخة العربية للمادة يقول أنه “يمكن أن يحدد هذا الإذن مدة عملية التسرب…”، مما يفهم منه أن تحديد مدة إجراء التسرب في الإذن هو أمر اختياري بالنسبة للقاضي الذي يأمر به مادام قد تم استخدام مصطلح “يمكن..”، و لكن بالرجوع إلى نفس النص في نسخته الفرنسية، فلقد نصت على “cette autorisation fixe la durée de l’opération…” مما يفهم منه إجبارية النص على المدة التي سيتم خلالها القيام بهذا الإجراء وهذا هو الأقرب للصواب حسب رأينا.
4. يجب على ضابط الشرطة القضائية المكلف بتنسيق عملية التسرب أن يحرر تقريرا يتضمن العناصر الضرورية لمعاينة الجرائم، دون ذكر تلك العناصر التي قد تعرض للخطر الضابط أو العون المتسرب و كذا الأشخاص المسخرين لهذا الغرض طبقا للمادة 65 مكرر 13.
5. يجب أن تبقى الهوية الحقيقية لضباط أو أعوان الشرطة القضائية الذين باشروا عملية التسرب سرية في كل مراحل الإجراءات تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في المادة 65 مكرر 16 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل ، و كفالة لضمان سلامة رجل الشرطة القضائية المكلف بالتسرب نص المشرع الجزائري في المادة 65 مكرر 17 من قانون الإجراءات الجزائية على أنه في حالة ما إذا تقرر وقف عملية التسرب أو في حالة عدم تمديدها يمكن للضابط أو العون المتسرب مواصلة ارتكاب الأفعال المبررة المذكورة في المادة 65 مكرر 14 للوقت الضروري الكافي لتوقيف عمليات المراقبة في ظروف تضمن أمنه دون أن يكون مسؤولا جزائيا، على أن لا يتجاوز ذلك مدة أربعة أشهر، و إذا انقضت هذه المهلة و لم يتمكن العون المتسرب من توقيف نشاطه في ظروف تضمن له أمنه جاز للقاضي أن يرخص بتمديدها لمدة أربعة أشهر على الأكثر طبقا لأحكام المادة 65 مكرر 17 في فقرتها الثانية.
6. يجب أن تودع نسخة من الإذن بالقيام بإجراء التسرب في ملف الإجراء بعد الانتهاء من التسرب طبقا للمادة 65 مكرر 15 في فقرتها الأخيرة.
7. لا يجوز سماع الضابط أو العون المتسرب في العملية محل الإجراء بأي صفة كانت، غير أنه يجوز سماع ضابط الشرطة القضائية المشرف على عملية التسرب بوصفه شاهدا على العملية طبقا لمادة 65 مكرر 18.
5-الأفعال المبررة عند تنفيذ إجراء التسرب:
إن إجراء الاختراق أو كما أسماها قانون الإجراءات الجزائية بالتسرب يستلزم بالضرورة قيام ضابط أو عون الشرطة القضائية بارتكاب أفعال مجرمة قانونا في الأصل لكسب ثقة المجرمين و التمكن من الدخول في وسط الشبكة الإجرامية، لذا رفع المشرع عليها في تعديل قانون الإجراءات الجزائية صفة الجريمة و اعتبرها من الأفعال المبررة على أساس أنها تعطل نص التجريم و تعدم الركن الشرعي للجريمة فتمحو الفعل المجرم و تجعله كأن لم يكن .
و لقد نصت المادة 65 مكرر 14 من قانون الإجراءات الجزائية على الأفعال المبررة التي يمكن للضابط أو العون المتسرب ارتكابها، و لكن لم تحدد إن كان ذلك على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، و هي:
1. اقتناء أو حيازة أو تسليم أو إعطاء مواد أو أموال أو منتجات أو وثائق أو معلومات متحصل عليها من ارتكاب الجرائم أو مستعملة في ارتكابها.
2. استعمال أو وضع تحت تصرف مرتكبي هذه الجرائم الوسائل ذات الطابع القانوني أو المالي وكذا وسائل النقل أو التخزين أو الإيواء أو الحفظ أو الاتصال.
إضافة إلى ذلك فلقد نصت الفقرة الثانية من المادة 65 مكرر 12 من قانون الإجراءات الجزائية على أن الأفعال المبررة التي يقوم بها الضابط أو العون المتسرب لا تشكل تحت طائلة البطلان تحريضا على ارتكاب جرائم، شريطة أن يكون ذلك بإذن من القضاء مكتوبا و مسببا.
و ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار، أن المشرع لم يتعرض في إجراء التسرب كما فعل بالنسبة للترصد الالكتروني في المادة 65 مكرر 06 من قانون الإجراءات الجزائية المعدل لمسألة اكتشاف جرائم أخرى غير تلك التي ورد ذكرها في إذن القاضي، و ما إذا كان ذلك يشكل سببا من أسباب بطلان الإجراءات.

الفرع الثاني:
الأحكام الخاصة الأخرى في متابعة جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص
إضافة إلى أساليب التحري الخاصة فلقد نص القانون المتعلق بمكافحة الفساد على أحكام مميزة للتحري و الكشف عن جرائم الفساد بوجه عام، تتمثل في إنشاء الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته واختصاصاتها و التعاون الدولي في مجال التحريات و المتابعات و الإجراءات القضائية و تجميد الأموال و حجزها و انقضاء الدعوى العمومية.

أولا: تجميد الأموال و حجزها
تنص الفقرة الأولى من المادة 51 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بأنه يمكن تجميد أو حجز العائدات و الأموال غير المشروعة الناتجة عن ارتكاب جريمة أو أكثر من الجرائم المنصوص عليها في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته و ذلك بقرار قضائي أو بأمر من السلطة المختصة كإجراء تحفظي .
لكن التساؤل يطرح عن “السلطة المختصة” التي أعطاها المشرع صلاحية تجميد أو حجز عائدات جرائم الفساد، خاصة تلك التي أعطاها إمكانية ذلك عن طريق القرار القضائي.
و سبب غموض مصطلحات هذه المادة راجع إلى تأثرها باتفاقية الأمم المتحدة للوقاية من الفساد ومكافحته، و معلوم أن آليات القانون الدولي تظهر دائما بمصطلحات فضفاضة و واسعة و غير محددة لكي تكون مرجعا لجميع دول العالم، لذلك فهي لا تصلح بذاتها تشريعا داخليا، و إنما يستلهم منها المشرع قواعده في إطار مصطلحات و أدبيات النظام القانوني الخاص به.
و يقصد بالسلطات المختصة حسب الأستاذ الدكتور أحسن بوسقيعة مصالح الشرطة القضائية أساسا، وكذا خلية معالجة المعلومات المالية في صورة ما إذا ارتبطت جريمة الفساد بجريمة تبييض الأموال المنصوص عليها في قانون 06 فبراير 2005 المتعلق بالوقاية من تبييض الأموال أو اقترنت بها أو تحققت حالة التعدد الصوري للجريمة .
ثانيا: التعاون الدولي و استرداد الموجودات
إن مكافحة الفساد لا يمكن أن تتم بالفعالية اللازمة إلا بتزويد القضاء بسلطات خاصة تمكنه من ردع مرتكبيه خصوصا من خلال مصادرة محل الجريمة و تمكين الطرف المتضرر من استرداده.
و الطرف المتضرر في مثل هذه الجرائم غالبا ما يكون دولة من الدول، لذلك تواجه إجراءات الحجز والمصادرة و الاسترداد عوائق كبيرة من ناحية مسائل الاختصاص و الحصانات بأنواعها، والتعاون القضائي الدولي، و كيفية التصرف في الأموال المصادرة و صعوبة معرفة مالكها الشرعي.
و لقد خص القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته التعاون الدولي بباب كامل هو باب الخامس بعنوان التعاون الدولي و استرداد الموجودات، نص فيه على سلسلة من الإجراءات و التدابير تضمنتها المواد من 57 إلى 70، ترمي إلى الكشف عن العمليات المالية المرتبطة بالفساد ومنعها و استرداد العائدات المتأتية من جرائم الفساد نذكر منها:
 إلزام المصارف والمؤسسات المالية باتخاذ تدابير وقائية بشأن فتح الحسابات و مسكها و تسجيل العمليات ومسك الكشوف الخاصة بها.
 تقديم المعلومات المالية.
 اختصاص الجهات القضائية الجزائرية بالفصل في الدعاوى المدنية المرفوعة إليها من طرف الدول الأعضاء في الاتفاقية الدولية ضد الفساد بشأن استرداد الممتلكات و تجميد و حجز العائدات المتأتية من جرائم الفساد و مصادرتها .
و تنص المادة 62 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أنه يمكن لأي دولة طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد برفع دعاوى مدنية من أجل استصدار حكم يعترف بملكيتها للأموال المتحصلة من إحدى جرائم الفساد، كما يمكنها أيضا المطالبة أمام نفس هذه الجهات القضائية بإلزام الأشخاص المحكوم عليهم بسبب جرائم الفساد بدفع تعويض مدني عن ما لحقها من أضرار .
و كذلك بالنسبة للفقرة الثانية و الثالثة من المادة 63 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته التي تنص أنه يمكن لقسم الجنح أثناء نظره في إحدى جرائم الفساد أو جريمة تبييض الأموال أن يأمر بمصادرة الممتلكات ذات المنشأ الأجنبي و التي تم كسبها عن طريق إحدى جرائم الفساد أو الممتلكات المستخدمة في ارتكابها.
بل و أكثر من ذلك يمكن لقسم الجنح الأمر بهذه المصادرة حتى و لو امتنعت الإدانة لأي سبب من الأسباب كانقضاء الدعوى العمومية أو البراءة.
و هنا يقع التساؤل حول طبيعة هذه المصادرة التي يمكن الحكم بها رغم انقضاء الدعوى العمومية تبرئة المتهم علما و أن المصادرة هي عبارة عن عقوبة تكميلية طبقا للمادة 09 من قانون العقوبات البند الخامس، أي هي عبارة عن عقوبة تضاف إلى العقوبة الأصلية و تعرفها المادة 15 من قانون العقوبات بأنها الأيلولة النهائية إلى الدولة لمال أو لمجموعة من الأموال أو ما يعادل قيمتها.
و تجدر الإشارة أنه في بعض الأحيان لا يكون للقضاء الجزائري اختصاص بالنظر في جرائم الفساد وجرائم تبييض الأموال و رغم ذلك يتم تهريب الأموال المتحصلة منها إلى الإقليم الجزائري، و للإحاطة بذلك سمح المشرع في الفقرة الأولى من المادة 63 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بنفاذ الأحكام القضائية الأجنبية التي أمرت بالمصادرة و ذلك على تراب الجمهورية الجزائرية وفقا للقواعد والإجراءات المقررة.
و عليه فلكل دولة أجنبية أن ترفع لوزارة العدل طلبات الحجز أو التجميد للممتلكات المتأتية من جرائم الفساد و الوسائل المستعملة في هذه الجرائم، كما يجوز لها أيضا التقدم لدى الوزارة بقراراتها القضائية القاضية بالمصادرة مبدية رغبتها في تنفيذها في الجزائر و يشترط بطبيعة الحال في كل ذلك أن تكون الأموال موجودة بالجزائر و أن تكون الدولة التي تتقدم بالطلب طرفا في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
و حسب المادة 67 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته فإنه لوزارة العدل كامل السلطات للتصرف في هذه الطلبات، إذ يمكن إحالتها على النائب العام المختص، و الذي يتولى بدوره إرسال الطلب إلى المحكمة المختصة مرفقا بطلباته، و حسب رأينا فالمقصود بالمحكمة المختصة هو رئيس المحكمة التي يقع بدائرة اختصاصها مكان وجود الأموال، و يستنبط هذا الحكم من الفقرة الأخيرة من المادة 64 من القانون السالف الذكر، و التي مفادها أن طلبات الحجز و التجميد تتولى النيابة العامة عرضها على المحكمة المختصة التي تفصل فيها وفقا للإجراءات المقررة في المادة الإستعجالي.

ثانيا: تقادم الدعوى العمومية
إن مدة تقادم الدعوى العمومية في جريمة الاختلاس في القطاع العام تختلف عنها في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص، فلقد تضمن القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته حكما مميزا بخصوص تقادم الدعوى العمومية في جريمة الاختلاس في القطاع العام، فلقد نصت المادة 54 منه في فقرتها الثالثة على أن مدة تقادم الدعوى العمومية في جريمة الاختلاس في القطاع العام مساوية للحد الأقصى للعقوبة المقررة لها.
و لما كانت العقوبة القصوى المقررة لجريمة الاختلاس طبقا للمادة 29 هي 10 سنوات حبس، فعلى هذا الأساس تكون مدة تقادم جريمة الاختلاس في القطاع العام هي 10 سنوات، غير أن قانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته لم ينص على تاريخ بداية سريان آجال التقادم و بالرجوع إلى القواعد العامة، فلقد نصت المادة السابعة من قانون الإجراءات الجزائية على أن يسري التقادم من تاريخ ارتكاب الجريمة أو من تاريخ القيام بآخر إجراء.
أما مدة تقادم الدعوى العمومية في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص فلقد نصت الفقرة الثانية من المادة 54 السالفة الذكر على تطبيق الأحكام المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجزائية.
و بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية و تحديدا المادة الثامنة منه فلقد نصت أن تتقادم الدعوى العمومية في مواد الجنح بمرور ثلاث سنوات كاملة تسري من تاريخ اقتراف الجريمة أو من تاريخ القيام بآخر إجراء.
في حين لا تتقادم الدعوى العمومية على الإطلاق سواء في جريمة الاختلاس في القطاع العام أو في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص، و حتى في كافة جرائم الفساد إذا تم تحويل عائدات الجرائم إلى الخارج طبقا للفقرة الأولى من المادة 54 السالفة الذكر.
و للإشارة إلى أنه سبق للمشرع عند تعديله لقانون الإجراءات الجزائية بموجب القانون رقم 04-14 المؤرخ في 10/11/2004 أن نص في المادة 08 مكرر المستحدثة على أن لا تنقضي الدعوى العمومية بالتقادم في الجنايات و الجنح المتعلقة باختلاس أموال عمومية بمعنى أن هذه الجريمة غير قابلة للتقادم، وبصدور القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و طبقا للمادة 54 منه تحديدا لم يعد حكم المادة 8 مكرر المذكورة ينطبق على جريمة الاختلاس بموجب الإلغاء الضمني للقواعد القانونية .

المطلب الثالث:
الجزاءات المقررة
و نتطرق في هذا المطلب بداية للعقوبات المقررة للشخص الطبيعي و الشخص المعنوي ثم إلى ما هو مقرر للمشاركة و الشروع سواء فيما يتعلق بجريمة الاختلاس في القطاع العام أو الخاص.

أولا: العقوبات المقررة للشخص الطبيعي
يتعرض الشخص الطبيعي المدان بجنحة الاختلاس في القطاع العام و القطاع الخاص للعقوبات الأصلية و التكميلية التالية:
1- العقوبات الأصلية:
لم ينص المشرع الجزائري على نفس العقوبة فيما يخص الاختلاس في القطاع العام و الاختلاس في القطاع الخاص، فلقد أعطى عقوبة مشددة بالنسبة للأولى مقارنة بعقوبة ملطفة للثانية للفاعل الذي يأتي نفس الفعل، و إن كان المنطق أن العقوبة تتناسب مع خطورة الفعل، فإنه حسب تقدير المشرع الجزائري فإن الاختلاس في القطاع العام أخطر منه في القطاع الخاص بالرغم من أن الفعل المجرم و النية الإجرامية هي نفسها في كلا الفعلين .
1-1- العقوبة الأصلية بالنسبة لجريمة الاختلاس في القطاع العام:
من أهم مميزات القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته تخليه عن العقوبات الجنائية و استبدالها بعقوبات جنحية، و هكذا تعاقب المادة 29 منه على جريمة الاختلاس في القطاع العام بالحبس من سنتين (2) إلى عشر (10) سنوات و بغرامة من 200.000دج إلى 1.000.000دج.
و كان المشرع في ظل المادة 119 من قانون العقوبات الملغاة يتدرج في تحديد العقوبة حسب قيمة مبلغ المال موضوع الجريمة على النحو التالي:
 تكون الجريمة جنحة إذا كانت قيمة الأشياء محل الجريمة أقل عن 5.000.000دج، و عقوبتها: الحبس من سنة إلى 5 سنوات إذا كانت قيمة محل الجريمة أقل من 1.000.000دج، و الحبس من سنتين إلى 10 سنوات إذا كانت هذه القيمة تعادل أو تفوق مبلغ 1.000.000دج و تقل عن 5.000,000دج.
 تكون الجريمة جناية إذا كانت قيمة الأشياء محل الجريمة تعادل أو تفوق 5.000.000دج، وعقوبتها: السجن المؤقت من 10 إلى 20 سنة إذا كانت القيمة تعادل أو تفوق 5.000,000دج وتقل عن 10.000.000دج، و السجن المؤبد إذا كانت القيمة تعادل مبلغ 10.000.000دج أو تفوقه.
و علاوة على الحبس أو السجن يعاقب الجاني في كل الأحوال، سواء كانت الجريمة جناية أو جنحة بغرامة من 50.000دج إلى 2.000.000دج.
كما كانت المادة 119 قبل تعديلها بموجب القانون المؤرخ في 26/06/2001، تعاقب على الجريمة بالإعدام إذا كان الاختلاس أو التبديد أو الحجز من طبيعته أن يضر بمصالح الوطن العليا.
1-2- العقوبة الأصلية بالنسبة لجريمة الاختلاس في القطاع الخاص:
تعاقب المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على جريمة الاختلاس في القطاع الخاص بالحبس من ستة (6) أشهر إلى خمس (5) سنوات و بغرامة من 50.000دج إلى 500.000دج وهي عقوبة ملطفة مقارنة بما هو مقرر للسرقة في قانون العقوبات المعاقب عليها في المادة 350 بالحبس من سنة إلى خمس (5) سنوات.
1-3- تشديد العقوبة:
طبقا للمادة 48 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، تشدد عقوبة الحبس دون الغرامة في جريمة الاختلاس في القطاع العام أو الخاص على حد سواء، لتصبح من عشر (10) سنوات إلى عشرين (20) سنة إذا اتصلت بالجاني بعض الصفات الشخصية.
و يطلق على هذه الصفات بظروف التشديد الشخصية و تعرف على أنها عبارة عن ظروف ذاتية تتصل بالصفة الشخصية للفاعل أو الشريك يكون من شأنها تغليظ إذناب من اتصلت به .
و الصفات المذكورة في المادة 48 هي:
 قاضي: بالمفهوم الواسع، و المقصود هنا هو حسب التعبير الفرنسي “Magistrat”، و هو مصطلح أوسع من “Juge”، بحيث يشمل علاوة على القضاة بعض الموظفين الذين يتمتعون بقسط من السلطة العمومية و تخولهم و وظائفهم صلاحية البت في طلبات المواطنين مثل الولاة ورؤساء البلديات ، و تبعا لذلك يشمل هذا المصطلح:
– القضاة بالمفهوم الضيق كما أسلفنا شرحهم في الفصل الأول و هم القضاة التابعين لنظام القضاء العادي والتابعين لنظام القضاء الإداري و المحلفون المساعدون في محكمة الجنايات والمساعدون في قسم الأحداث و في القسم الاجتماعي .
– قضاة مجلس المحاسبة و أعضاء مجلس المنافسة، بل و يشمل أيضا الوزراء و الولاة و رؤساء البلديات .
– كما تنطبق صفة القاضي على رئيس الجمهورية .
 موظف يمارس وظيفة عليا في الدولة: و يتعلق الأمر بالموظفين المعينين بمرسوم رئاسي، الذين يشغلون على الأقل وظيفة نائب مدير بالإدارة المركزية لوزارة أو ما يعادل هذه الرتبة في المؤسسات العمومية أو في الإدارات غير الممركزة أو في الجماعات المحلية .
 ضابط عمومي: و يمنح القانون هذه الصفة أساسا للموثق والمحضر القضائي و محافظ البيع بالمزاد العلني و المترجم.
 عضو في الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته: كما أسلفنا سابقا فإن هذه الهيئة تتشكل طبقا للمادة الخامسة للمرسوم الرئاسي رقم 06/413 بتاريخ 22 نوفمبر 2006 من رئيس وستة أعضاء يعينون بموجب مرسوم رئاسي لمدة 05 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
 ضابط أو عون شرطة قضائية: لقد نصت المادة 15 من قانون الإجراءات الجزائية على الأشخاص الذين منحهم القانون صفة الضبطية القضائية و يتعلق الأمر خصوصا برؤساء المجالس الشعبية البلدية، ضباط الدرك الوطني، محافظي و ضباط الشرطة و ضباط الجيش التابعين للمصالح العسكرية للأمن.
و لقد نصت المادة 19 من قانون الإجراءات الجزائية على الأشخاص الذين منحهم القانون صفة عون الشرطة القضائية و هم موظفو مصالح الشرطة و ذوو الرتب في الدرك الوطني و رجال الدرك و مستخدمو مصالح الأمن العسكري الذين ليست لهم صفة ضابط الشرطة القضائية.
 من يمارس بعض صلاحيات الشرطة القضائية: و لقد نصت عليهم المادتين 21 و 27 من قانون الإجراءات الجزائية و يتعلق الأمر أساسا برؤساء الأقسام و المهندسين و التقنيين المختصين في الغابات و حماية الأراضي و استصلاحها و بعض الموظفين و أعوان الإدارات و المصالح العمومية كأعوان الجمارك و أعوان الضرائب و الأعوان التابعين لوزارة التجارة المكلفين بضبط و معاينة المخالفات المتعلقة بالمنافسة و الممارسات التجارية.
 موظف أمانة الضبط: و يقصد به الموظف التابع لإحدى الجهات القضائية و المصنف في الرتب الآتية: رئيس قسم، أمين ضبط رئيسي، أمين ضبط و مستكتب ضبط دون باقي الموظفين التابعين للأسلاك المشتركة حتى و إن كانوا يشغلون وظائف بأمانة الضبط .
1-4- الإعفاء من العقوبة و تخفيفها:
لقد عرفت المادة 52 من قانون العقوبات الأعذار القانونية على أنها حالات محددة في القانون على سبيل الحصر يترتب عليها مع قيام الجريمة و المسؤولية إما عدم عقاب المتهم إذا كانت أعذارا معفية و إما تخفيف العقوبة إذا كانت مخففة.
و عليه فإن هذا النظام يمحو أو يخفف المسؤولية القانونية عن الجاني بإعفائه من العقوبة أو بتخفيفها حسب الحالة بالرغم من ثبوت إذنابه، و ذلك ليس راجع لانعدام الخطأ أو لبساطته، و إنما يرجع لاعتبارات وثيقة الصلة بالسياسة الجنائية و بالمنفعة الاجتماعية .
و لقد نصت المادة 49 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على عذرين من الأعذار القانونية، يسمح إحداهما بالإعفاء من العقوبة نهائيا و الآخر بتخفيفها سواء بالنسبة لجريمة الاختلاس في القطاع العام أو في القطاع الخاص و هذا حسب الظروف ووفق الشروط التالية:
1. العذر المعفي من العقوبة و هو ما يسمى عذر المبلغ المعفي :
يستفيد من العذر المعفي من العقوبة الفاعل أو الشريك الذي بلغ السلطات الإدارية أو القضائية أو الجهات المعنية عن الجريمة و ساعد على الكشف عن مرتكبيها و معرفتهم .
و يشترط أن يتم التبليغ قبل مباشرة إجراءات المتابعة، أي قبل تحريك الدعوى العمومية.
2. العذر المخفف من العقوبة و هو ما يسمى عذر المبلغ المخفف :
يستفيد من تخفيض العقوبة إلى النصف الفاعل أو الشريك الذي ساعد بعد مباشرة إجراءات المتابعة في القبض على شخص أو أكثر من الأشخاص الضالعين في ارتكاب الجريمة.
و مرحلة ما بعد مباشرة إجراءات المتابعة تظل مفتوحة إلى أن تستنفذ طرق الطعن .
1-5- تقادم العقوبة:
طبقا للمادة 54 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته فإن تقادم العقوبة في جريمة الاختلاس في القطاع العام و في القطاع الخاص هي نفسها، و فيها حالتين هما:
1. حالة تحويل عائدات الجريمة إلى الخارج: و لقد نصت عليها الفقرة الأولى من المادة 54، و في هذه الحالة العقوبة لا تتقادم.
2. الحالات الأخرى: و نصت الفقرة الثانية من المادة السابقة على أن يتم تطبيق قانون الإجراءات الجزائية في غير ذلك من الحالات.
و بالرجوع إلى قانون الإجراءات الجزائية و تحديدا المادة 614 منه نجدها تنص على أن عقوبات الجنح تتقادم بمرور خمس (5) سنوات ابتداء من التاريخ الذي يصبح فيه الحكم نهائيا.
غير أنه إذا كانت عقوبة الحبس المقضي بها تزيد عن 5 سنوات كما هو جائز حصوله في جنحة الاختلاس في القطاع العام أو الخاص، فإن مدة التقادم تكون مساوية لهذه المدة.

2- العقوبات التكميلية:
العقوبات التكميلية هي عقوبات تضاف إلى العقوبات الأصلية ، و الأحكام المتعلقة بالعقوبات التكميلية هي واحدة بالنسبة لكل من جريمة الاختلاس في القطاع العام و القطاع الخاص و لكل جرائم الفساد بصفة عامة، و يمكن تقسيم العقوبات التكميلية إلى صنفين، صنف يخص العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات و صنف يخص العقوبات التكميلية التي نص عليها القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته.
2-1 العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات:
لقد نصت المادة 50 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته أنه يجوز الحكم على الجاني بعقوبة أو أكثر من العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات.
و قد نص عليها قانون العقوبات المعدل و المتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر 2006 في المادة 9 بقولها:” العقوبات التكميلية هي:
1. الحجر القانوني.
2. الحرمان من ممارسة الحقوق الوطنية والمدنية و العائلية.
3. تحديد الإقامة.
4. المنع من الإقامة.
5. المصادرة الجزئية للأموال.
6. المنع المؤقت من ممارسة مهنة أو نشاط.
7. إغلاق المؤسسة.
8. الإقصاء من الصفقات العمومية.
9. الحظر من إصدار الشيكات و/أو استعمال بطاقات الدفع.
10. تعليق أو سحب رخصة السياقة أو إلغائها مع المنع من استصدار رخصة جديدة
11. سحب جواز السفر.
12. نشر أو تعليق حكم أو قرار الإدانة”.
2-2 العقوبات التكميلية المنصوص عليها في القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته:
2-2-1 مصادرة العائدات و الأموال غير المشروعة:
تنص الفقرة الثانية من المادة 51 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته أنه في حالة إدانة المتهم، تأمر الجهة القضائية بمصادرة العائدات و الأموال غير المشروعة، مع مراعاة حالات استرجاع الأرصدة أو حقوق الغير حسن النية.
الأصل أن العقوبات التكميلية هي جوازية، و لكن مصادرة العائدات و الأموال غير المشروعة هي عقوبة إلزامية، و يستنتج ذلك من استخدام المشرع عبارة “تأمر الجهة القضائية…” في المصادرة دون العقوبات التكميلية الأخرى، فلقد نصت المادة 51 في فقرتها الأولى بخصوص تجميد الأموال و حجزها والمادة 50 التي أحالت على تطبيق العقوبات التكميلية المنصوص عليها في قانون العقوبات على عبارة “يمكن…” .
و تجدر الملاحظة في هذا المقام أن الأموال المختلسة تعتبر بالنسبة للجاني أموال غير شرعية، و لكن لا يتم مصادرتها لأنها تدخل في إطار حقوق الغير حسن النية، و تكون محل إجراء آخر هو الرد الآتي بيانه.

3- الرد:
لقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 51 السالفة الذكر على أن تحكم الجهة القضائية برد ما تم اختلاسه أو قيمة ما حصل عليه من منفعة أو ربح و لو انتقلت إلى أصول الشخص المحكوم عليه أو فروعه أو إخوته أو زوجه أو أصهاره، سواء بقيت تلك الأموال على حالها أو وقع تحويلها إلى مكاسب أخرى.
و يستنتج من استخدام المشرع عبارة “على أن تحكم الجهة القضائية…”، أن الحكم بالرد إلزامي حتى و لو خلى النص من عبارة “يجب” .
و التساؤل الذي يمكن طرحه هنا، هو أن الأصل أن الرد هو طلب يقدمه الطرف المدني و هي الجهة التي تم اختلاس الأموال منها في الدعوى المدنية التبعية أو دعوى مدنية أخرى مستقلة في شكل المطالبة بالتعويض، و الحكم بالتعويض الصادر ينفذه الطرف المدني بطرق التنفيذ المدنية، و لما كان الرد قد تم النص عليه كحكم إلزامي يصدره القاضي الجزائي من تلقاء نفسه من جهة، و لما كانت النيابة هي التي تتولى تنفيذ الشق الجزائي في الحكم، فكيف يمكن الحكم بالرد إذا لم يتأسس المتضرر كطرف مدني، أو في حالة تأسسه كطرف مدني و لكن تنازل على طلب التعويض، و كيف يتم هذا التنفيذ عن طريق النيابة و بأية طرق، كل هذه إشكالات يتعين على المشرع الجزائري أن يوضحها.

4- إبطال العقود و الصفقات و البراءات و لامتيازات:
لقد نصت المادة 55 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته على أنه يمكن للجهة القضائية عند إدانة الجاني التصريح ببطلان و انعدام آثار كل عقد أو صفقة أو براءة أو امتياز أو ترخيص متحصل عليه مع مراعاة حقوق الغير حسن النية.
و هو حكم جديد لم يسبق له مثيل في القانون الجزائي الجزائري، فالأصل أن يكون إبطال العقود من اختصاص الجهات القضائية التي تبت في المسائل المدنية و ليس من اختصاص الجهات التي تبت في المسائل الجزائية .

ثانيا: العقوبات المقررة للشخص المعنوي
لقد نصت المادة 53 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد على أن الشخص الاعتباري يكون مسؤولا جزائيا عن الجرائم المنصوص عليها في قانون الفساد بما فيها اختلاس الأموال في القطاع العام و القطاع الخاص، و ذلك وفق القواعد المقررة في قانون العقوبات.
1- الهيئات المعنية بالمساءلة الجزائية:
يسأل جزائيا طبقا لنص المادة 51 مكرر من قانون العقوبات المعدل و المتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2006 كل الأشخاص المعنوية باستثناء الدولة و الجماعات المحلية والأشخاص المعنوية الخاضعة للقانون العام، و يكون الشخص المعنوي مسؤولا جزائيا عن الجرائم التي ترتكب لحسابه من طرف أجهزته أو ممثليه الشرعيين عندما ينص القانون على ذلك.
و لقد نصت الفقرة الثانية من نفس المادة أن المسؤولية الجزائية للشخص المعنوي لا تمنع مساءلة الشخص الطبيعي كفاعل أصلي أو كشريك في نفس الأفعال.
و كذلك فإن متابعة الشخص الطبيعي ليست شرطا ضروريا لمسائلة الشخص المعنوي، و هكذا فإن وفاة الشخص الطبيعي على سبيل المثال لا يحول دون متابعة الشخص المعنوي عن الجريمة التي ارتكبها الأول لحساب الثاني .
بالتالي نخلص إلى أن تجريم الشخص المعنوي و تجريم الشخص الطبيعي مستقل كل واحد عن الآخر.

2- العقوبات المقررة للشخص المعنوي:
يتعرض الشخص المعنوي المدان بجنحة الاختلاس للعقوبات المقررة في المادة 18 مكرر من قانون العقوبات المعدل و المتمم بالقانون رقم 06-23 المؤرخ في 20 ديسمبر سنة 2006.
2-1 العقوبات الأصلية المقررة للشخص المعنوي:
لقد نص عليها البند الأول من المادة 18 مكرر السالفة الذكر بقوله: “العقوبات التي تطبق على الشخص المعنوي في مواد الجنايات و الجنح هي:
1. الغرامة التي تساوي من مرة (1) إلى خمس مرات (5) مرات الحد الأقصى للغرامة المقررة للشخص الطبيعي في القانون الذي يعاقب على الجريمة”.
و عليه فطبقا لهذه المادة تكون عقوبة الشخص المعنوي إذا وقع الاختلاس في القطاع العام بعد الرجوع إلى المادة 29 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته هي الغرامة من 1.000.000دج إلى 5.000.000دج.
و تكون عقوبة الشخص المعنوي إذا وقع الاختلاس في القطاع الخاص بعد الرجوع إلى المادة 41 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته هي الغرامة من 500.000دج إلى 2.500.000دج.
2-2 العقوبات التكميلية المقررة للشخص المعنوي:
و لقد نص عليها البند الثاني من المادة 18 مكرر السالفة الذكر بقوله أنها تطبق على الشخص المعنوي واحدة أو أكثر من العقوبات التكميلية الآتية:
 حل الشخص المعنوي.
 غلق المؤسسة أو فرع من فروعها لمدة لا تتجاوز (5) سنوات.
 الإقصاء من الصفقات العمومية.
 المنع من مزاولة نشاط أو عدة أنشطة مهنية أو اجتماعية بشكل مباشر أو غير مباشر، نهائيا أو لمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات.
 مصادرة الشيء الذي استعمل في ارتكاب الجريمة أو نتج عنها.
 نشر و تعليق حكم الإدانة.
 الوضع تحت الحراسة القضائية لمدة لا تتجاوز خمس (5) سنوات، و تنصب الحراسة على ممارسة النشاط الذي أدى إلى ارتكاب الجريمة أو الذي ارتكبت الجريمة بمناسبته

ثالثا: المشاركة و الشروع في جريمة الاختلاس في القطاع العام و القطاع الخاص
1- المشاركة:
لقد أحالت الفقرة الأولى من المادة 52 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بخصوص المشاركة في جريمة الاختلاس بصفة خاصة و في كل جرائم الفساد بصفة عامة على قانون العقوبات ، وبالرجوع إلى قانون العقوبات، فلقد عرفت المادة 42 منه الاشتراك في الجريمة كالتالي: “يعتبر شريكا في الجريمة من لم يشترك اشتراكا مباشرا و لكنه ساعد بكل الطرق أو عاون الفاعل أو الفاعلين على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة أو المنفذة لها مع علمه بذلك” .
و يستخلص من هذا التعريف أن المشرع حصر الاشتراك في القيام بمساعدة أو معاونة على ارتكاب الأفعال التحضيرية أو المسهلة و المنفذة للجريمة، و عليه فإن الشريك لا يساهم مساهمة مباشرة في الجريمة و إنما يساهم فيها بصفة عرضية أو ثانوية .
و لقد اعتنق المشرع الجزائري نظام تبعية مسؤولية الشريك لمسؤولية الفاعل تبعية كاملة من حيث التجريم و تبعية نسبية من حيث العقاب، و مؤدى هذا النظام أن الشريك يستعير إجرامه من عمل الفاعل الأصلي .
وعليه فإن الحكم على الشريك في جريمة الاختلاس يتطلب إثبات الأركان المشكلة لجريمة الاختلاس في الفاعل الأصلي مع إثبات الأركان المكونة للإشتراك.
و عليه يمكن حصر أركان جريمة الاشتراك في جريمة الاختلاس بصفة عامة في ثلاثة أركان هي:
1. ارتكاب الفاعل الأصلي لجريمة الاختلاس بكل أركانها.
2. ارتكاب الشريك للعمل المادي المكون للإشتراك طبقا للمادة 42 من قانون العقوبات السالفة الذكر.
3. القصد الجنائي للشريك و هو نية الاشتراك.
أما بالنسبة لعقوبة الشريك، فلقد نصت الفقرة الأولى من المادة 44 من قانون العقوبات على أن يعاقب الشريك في جناية أو جنحة بالعقوبة المقررة للجناية أو الجنحة.
و للإشارة أن صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام أو الخاص هي ركن من أركان الجريمة، يجب أن تتوفر في الفاعل الأصلي لقيام الجريمة، و ليست ظرفا من الظروف الشخصية أو الموضوعية المنصوص عليها في المادة 44 من قانون العقوبات .
فمثلا إذا توفرت صفة الموظف في جريمة اختلاس الأموال في القطاع العام في الشريك دون الفاعل الأصلي، فبتطبيق القواعد العامة في الاشتراك، فإن جريمة الاختلاس هنا غير قائمة لعدم توافر الركن المفترض و هو صفة الموظف في الفاعل الأصلي، في حين يمكن أن تتحقق أركان جرائم أخرى هي السرقة أو خيانة الأمانة، فهنا يتابع المساهم في الجريمة حسب الحالة بالاشتراك في السرقة أو خيانة الأمانة و ليس بالاشتراك في الاختلاس.
في حين أن الظروف المشددة المنصوص عليها في المادة 48 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته التي سبق و تكلمنا عليها، فهي عبارة عن ظروف شخصية تتعلق إلا بالفاعل أو الشريك الذي اتصلت به ، و طبقا للفقرة الثانية من المادة 44 من قانون العقوبات فإن الظروف الشخصية التي ينتج عنها تشديد أو تخفيف العقوبة أو الإعفاء منها لا تؤثر في الفاعل أو الشريك الذي تتصل به هذه الظروف.

2- الشروع:
لقد نصت عليه الفقرة الثانية من المادة 52 من القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته بقولها: “يعاقب على الشروع في الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون بمثل الجريمة نفسها”.
غير أنه من خلال بحثنا وجدنا أن هناك خلاف فقهي حول مدى تصور الشروع في جريمة الاختلاس بصفة عامة يمكن تقسيمها إلى اتجاهين:
 الاتجاه الأول: يرى فقهاء هذا الاتجاه أن الشروع في جريمة الاختلاس غير متصور، و يستندون إلى أن السيطرة الفعلية على الشيء متوافرة عند الجاني و عليه فإن نية حيازته إياه هي التي تحدد فقط و على سبيل القطع وقوع الاختلاس من عدمه و هو أمر لا يحتمل التجزئة، فإذا اتجهت النية إلى تملك الشيء أصبحت الجريمة تامة و إذا لم تتجه إلى تملكه فلا تقع الجريمة، و يرى الأستاذ الدكتور احسن بوسقيعة في هذا الشأن أن الشروع في الاختلاس غير متصور، فإما أن تقع الجريمة كاملة و إما أن لا تقع، و هو الأمر الذي جعل المشرع لا ينص على المحاولة في ظل قانون العقوبات .
 الاتجاه الثاني: ينتقد فقهاء هذا الاتجاه الرأي الأول مبررين ذلك على أن نشاط الجاني يفترض سلوك و نتيجة و إذا كانت النتيجة تتوقف على نية الجاني في تملك الشيء فإن القانون لا يعاقب على النوايا و إنما يعاقب على السلوك و الأفعال التي تصدر من الجاني، و مثل هذه الأفعال تفصح عن تلك النية أو تعبر عنها، و على سبيل المثال أن يضبط أمين الصندوق أثناء فتحه للخزينة و إخراجه للمال المودع لديه دون مبرر قانوني تمهيدا للخروج بها من مكتبه، ففي هذه الحالة يعتبر الفعل الذي يتم به الاختلاس هو إخراج المال من الخزينة مع نية تملكه، فإذا ضبط قبل إتمامه كانت الواقعة شروعا في الجريمة .
و لقد ذهب القضاء الفرنسي إلى تكريس المحاولة في قراره الصادر عن محكمة النقض الفرنسي بتاريخ 19 جوان 2002 .
و لقد ذهبت المحكمة العليا لنفس ما ذهب إليه القضاء الفرنسي، و لقد تمكنا من الحصول على قرارين لها غير منشورين في هذا الشأن، الأول هو القرار الصادر بتاريخ 18/04/2007 ملف تحت رقم 384937، و الثاني هو القرار الصادر بتاريخ 19/09/2007 ملف تحت رقم 466919 .

خاتمة:
و ختاما للموضوع نستخلص بأن كلا من جريمتي اختلاس الأموال في القطاع العام و في القطاع الخاص تشتركان في أغلب النقاط و الأحكام، و مرد ذلك أنهما ينظمان نفس المادة الإجرامية وهي اختلاس الأموال وينص عليهما و ينظمهما قانون واحد هو القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، إلا أن هذا لا ينفي من وجود بعض الاختلافات و الفروقات.
فلقد رأينا أنه من حيث النشأة أن جريمة الاختلاس في القطاع العام كانت موجودة في ظل المادة 119الملغاة من قانون العقوبات في حين أن جريمة الاختلاس في القطاع الخاص مستحدثة بموجب القانون المتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، و نظن حسب رأينا أن المشرع قد أصاب في تجريم هذا الفعل كون أن المقتضيات الاقتصادية للدولة قد تطورت بدخول الجزائر في نظام اقتصاد السوق مما يؤدي إلى ظهور رؤوس أموال خاصة و كبيرة تحتاج إلى الحماية الجزائية.
و فيما يخص أركان الجريمتين فلقد رأينا أن لهما ثلاثة أركان، و رأينا أنه بالنسبة للركن المفترض والمتمثل في صفة الجاني، فإنه يختلف بين ما إذا كان الاختلاس في القطاع العام أو في القطاع الخاص كون أن صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام تتمثل في الموظف العمومي كما عرفه القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته في حين أنه في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص فصفة الجاني تتوفر في الشخص الذي يدير كيانا خاصا أو يعمل فيه بأية صفة.
أما بالنسبة للركن المادي فلقد رأينا بأن الفعل المجرم في جريمة الاختلاس في القطاع العام يأخذ أربعة صور تتمثل في الاختلاس و الإتلاف و التبديد و الاحتجاز بدون وجه حق في حين أنه في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص ينحصر في صورة الاختلاس فقط، أما فيما يخص محل الجريمة فإن كلتا الجريمتين تشتركان بالاعتداد بنفس المحل مع التشديد فقط على الطابع الخاص للمال محل جريمة الاختلاس في القطاع الخاص، و كذلك بالنسبة لعلاقة الجاني بمحل الجريمة فلقد رأينا أنه في جريمة الاختلاس في القطاع العام تقوم العلاقة بحكم أو بسبب الوظيفة في حين أنها في جريمة الاختلاس في القطاع الخاص تنحصر بحكم مهامه فقط.
أما بالنسبة للركن المعنوي فإن الجريمتين تتفقان في مفهوم واحد له، أنه بخصوص الصورة المشتركة بينهما وهي صورة الاختلاس فهي تستلزم توفر قصد عام يتكون من العلم و الإرادة و قصد خاص يتمثل في نية تملك الشيء المختلس، أما بالنسبة للصور الأخرى التي تنفرد بها جريمة الاختلاس في القطاع العام، فيكفي فيها توفر القصد العام فقط.
و فيما يخص قمع الجريمة فإن كلا الجريمتين تحكمها و تنظمها نفس القواعد و الأحكام، و لقد تعرضنا بالدراسة في هذا الشأن للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته المستحدثة بموجب القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته و إجراءات المتابعة التي تتميز بالعودة إلى قواعد القانون العام و بالخصوص أساليب التحري الخاص، أما بالنسبة للجزاءات المقررة فلقد رأينا أن عقوبة جريمة الاختلاس في القطاع الخاص هي عقوبة ملطفة مقارنة بجريمة الاختلاس في القطاع العام.
و لقد لاحظنا خلال دراستنا لهذا الموضوع أنه فيما يخص صياغة بعض مواد هذا القانون يوجد اختلاف في الصياغة بين النص العربي و مثيله بالفرنسية و هذا ما يؤثر سلبا على تطبيقه، كما أن هناك بعض النصوص الغامضة التي تحتمل الكثير من التأويلات و مرد ذلك هو أخذها مباشرة من اتفاقيات الأمم المتحدة لمكافحة الفساد و التي تستعمل عبارات و مصطلحات واسعة و فضفاضة و التي تحتاج إلى آليات وميكانيزمات حتى يمكن تطبيقها، و في انتظار ذلك ننتظر تدخل المشرع الجزائري لحسم التأويلات والاختلافات في تفسير بعض النصوص و توضيحها.
و ختاما نأمل أن نكون قد وفقنا، فإذا كان كذلك فمن الله و إن كان غير ذلك فمن أنفسنا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع:
الكتب القانونية:
1- د/احسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي العام، دار هومه للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الرابعة، الجزائر، 2007.
2- د/احسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، الجرائم ضد الأشخاص و الجرائم ضد الأموال، الجزء الأول، دار هومه للطبع و النشر و التوزيع، الطبعة الخامسة، الجزائر، 2006.
3- د/احسن بوسقيعة الوجيز في القانون الجنائي الخاص، جرائم الموظفين و جرائم الأعمال و جرائم التزوير، الجزء الثاني، دار هومه للطباعة و النشر و التوزيع، طبعة 2004، الجزائر.
4- د/احسن بوسقيعة بعنوان الوجيز في القانون الجزائي الخاص، جرائم الفساد و جرائم المال والأعمال و جرائم التزوير، الجزء الثاني، دار هومه للنشر و التوزيع، الطبعة الثالثة، الجزائر، 2006.
5- د/احسن بوسقيعة، التحقيق القضائي،دار هومه للطباعة و النشر و التوزيع، الطبعة الخامسة، الجزائر، 2006.
6- د/ أحمد أبو الروس، الموسوعة الجنائية الحديثة، جرائم التزييف والتزوير والرشوة واختلاس المال العام من الوجهة القانونية والفنية، الجزء الخامس، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1997.
7- د/ جيلالي بغدادي، الاجتهاد القضائي في المواد الجزائية، الجزء الأول.
8- د/ علي محمد جعفر، قانون العقوبات، القسم الخاص، الجرائم المخلة بواجبات الوظيفة بالثقة العامة والواقعة على الأشخاص والأموال، المؤسسة الجامعية للدراسات و النشر و التوزيع، الطبعة الأولى، بيروت، 2006.
9- د/محمود محمود مصطفى، شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، 1964.

الاتفاقيات الدولية:
1- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في الدورة الثامنة والخمسون بتاريخ 31 أكتوبر 2003، المصادق عليها بتحفظ بالمرسوم الرئاسي رقم 04-128 المؤرخ في 19 أبريل سنة 2004، الجريدة الرسمية العدد 26 المؤرخة في 25 أبريل 2004.
2- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك في الدورة الثامنة والخمسون بتاريخ 15 نوفمبر2000، المصادق عليها بتحفظ بالمرسوم الرئاسي رقم 02-55 المؤرخ في 5 فبراير 2002، الجريدة الرسمية العدد 09 المؤرخة في 25 فبراير 2002.
القوانين:
1- الدستور الجزائري لسنة 1996، الجريدة الرسمية العدد 76 المؤرخة في 08 ديسمبر 1996.
2- د/ احسن بوسقيعة، قانون العقوبات في ضوء الممارسة القضائية، منشورات بيرتي، طبعة 2007-2008، الجزائر.
3- د/ احسن بوسقيعة، قانون الإجراءات الجزائية في ضوء الممارسة القضائية، منشورات بيرتي، طبعة 2007-2008، الجزائر.
4- القانون رقم 06-01 المؤرخ في 20 فبراير 2006 يتعلق بالوقاية من الفساد و مكافحته، الجريدة العدد14 المؤرخة 8 مارس 2006.
5- القانون رقم 06-02 المؤرخ في 20 فبراير 2006 يتضمن مهنة الموثق، الجريدة الرسمية رقم 14 المؤرخة في 8 مارس 2006.
6- القانون رقم 06-03 مؤرخ في 20 فبراير 2006 يتضمن تنظيم مهنة المحضر القضائي، الجريدة الرسمية العدد 14 المؤرخة في 8 مارس 2006.
7- القانون العضوي رقم 04-11 المؤرخ في 06/09/2004 المتضمن القانون الأساسي للقضاء، الجريدة الرسمية العدد 57 المؤرخة في 8 سبتمبر 2004.
8- الأمر 75-59 المؤرخ في 29 سبتمبر و المتضمن القانون التجاري و المعدل و المتمم بالقانون رقم 05-02 المؤرخ في 06 فبراير 2005، الجريدة الرسمية العدد 11 المؤرخة في 09/02/2005.
9- الأمر رقم 05-06 المؤرخ في 23 غشت سنة 2005 يتعلق بمكافحة التهريب المعدل و المتمم بالأمر رقم 06-09 المؤرخ في 15/07/2006 و بالقانون رقم 06/24 المؤرخ في 26/12/2006 المتضمن قانون المالية لسنة 2007.
10- الأمر 06-02 المؤرخ في 28 فبراير 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للمستخدمين العسكريين جريدة رسمية عدد 12 المؤرخة في أول مارس 2006.
11- الأمر رقم 06-03 المؤرخ في 15 يوليو 2006 المتضمن القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، الجريدة الرسمية العدد 46 المؤرخة في 16 يوليو 2006.
12- المرسوم رئاسي رقم 06/413 الصادر بتاريخ 22 نوفمبر الذي يحدد تشكيلة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته و تنظيمها و كيفيات سيرها 2006، الجريدة الرسمية العدد 74 المؤرخة في 22 نوفمبر سنة 2006.

المجلات القضائية:
1- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الأول، الجزائر، 1989.
2- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الثاني، الجزائر، 2004.
3- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الثاني، الجزائر، 2005.
4- المجلة القضائية للمحكمة العليا، العدد الأول، الجزائر، 2006.
5- نشرة القضاة، العدد 60، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، 2006.

الفهرس:
المقدمة 01
الخطة 03
المبحث الأول: أركان جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص 04
المطلب الأول: الركن المفترض 04
الفرع الأول: صفة الجاني في جريمة الاختلاس في القطاع العام 04
أولا: ذوو المناصب التنفيذية و الإدارية والقضائية 05
1- الشخص الذي يشغل منصبا تنفيذيا 06
2- الشخص الذي يشغل منصبا إداريا 07
3- الشخص الذي يشغل منصبا قضائيا 10
ثانيا: ذو الوكالة النيابية 10
1- الشخص الذي يشغل منصبا تشريعيا 11
2- المنتخب في المجالس الشعبية المحلية 11
ثالثا: من يتولى وظيفة أو وكالة في مرفق عام أو في مؤسسة عمومية أو ذات رأس مال مختلط 11
1- الهيئات والمؤسسات العمومية 11
2- تولي وظيفة أو وكالة 13
رابعا: من في حكم الموظف 13
1- المستخدمون العسكريون و المدنيون للدفاع الوطني 13
2- الضباط العموميون 14
الفرع الثاني: صفة الجاني في القطاع الخاص 15
المطلب الثاني: الركن المادي 16
1- السلوك المجرم 16
2- محل الجريمة 18
3-علاقة الجاني بمحل الجريمة 20
4- مناسبة ارتكاب الفعل المجرم 22
المطـلب الثاني: الركن المعـنوي 23
المبحث الثاني: قمع جريمة الاختلاس في القطاع العام و الخاص 25
المطلب الأول: الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته 25
الفرع الأول: النظام القانوني للهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته 26
الفرع الثاني: مهام الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته 27
الفرع الثالث: علاقة الهيئة الوطنية للوقاية من الفساد و مكافحته بالسلطة القضائية 29
المطلب الثاني: إجراءات المتابعة 30
الفرع الأول: أساليب التحري الخاصة 30
أولا: التسليم المراقب 31
ثانيا: الترصد الالكتروني 32
1-اعتراض المراسلات 32
2- تسجيل الأصوات و التقاط الصور 33
3- الجهة الآمرة بالترصد الالكتروني 33
4-الجرائم محل إجراء الترصد الالكتروني 33
5- شروط العمل بإجراء الترصد الالكتروني 34
6-الترصد الالكتروني في القانون المقارن 35
ثالثا: الاختراق أو التسرب 36
1- تعريف الاختراق أو التسرب 36
2-الجهة الآمرة بالتسرب 37
3-الجرائم محل إجراء التسرب 37
4- شروط العمل بإجراء التسرب: 37
5-الأفعال المبررة عند تنفيذ إجراء التسرب 39
الفرع الثاني: الأحكام الخاصة الأخرى في متابعة جريمة الاختلاس في القطاع العام والخاص 40
أولا: تجميد الأموال و حجزها 40
ثانيا: التعاون الدولي و استرداد الموجودات 41
ثالثا: تقادم الدعوى العمومية 43
المطلب الثالث: الجزاءات المقررة 44
أولا: العقوبات المقررة للشخص الطبيعي 44
1- العقوبات الأصلية 44
2- العقوبات التكميلية 48
3- الرد 50
4- إبطال العقود و الصفقات و البراءات و لامتيازات 50
ثانيا: العقوبات المقررة للشخص المعنوي 51
1- الهيئات المعنية بالمساءلة الجزائية 51
2- العقوبات المقررة للشخص المعنوي 51
ثالثا: المشاركة و الشروع في جريمة الاختلاس في القطاع العام و القطاع الخاص 52
1- المشاركة 52
2- الشروع 54
خاتمة 56
قائمة المراجع 57
الفهرس 59

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *