الوضع القانوني لطلاق الفار من الميراث

الوضع القانوني لطلاق الفار من الميراث
طلاق الفار من إرث زوجته له فقها
الطلاق في اللغة:
الحلّ والانحلال. يقال: أطلقت الأسير: إذا حلَلْتَ إساره، وخلّيت عنه، وأطلقت الناقة من عقالها: أرسلتها ترعى حيث تشاء. ودابة طالق: مُرسلَة بلا قيد.
والطلاق شرعاً:
حلّ عقدة النكاح بلفظ الطلاق ونحوه.
دليل مشروعية الطلاق:
والأصل في مشروعية الطلاق: الكتاب، والسنة، والإجماع.
أما الكتاب: فقول الله عز وجل: {الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}
[البقرة: 229] وقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1].
وأما السنّة: فقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: ” أبغض الحلال إلى الله تعالى الطلاق “.

طلاق المريض مرض الموت :

كل مريض مثبت المرض طلق امرأته في مرضه ثم مات من ذلك المرض ورثته امرأته عند مالك وجمهور أهل المدينة وعليه أكثر أهل العلم اتباعا لعثمان في توريث امرأة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما وسواء عند مالك مات في العدة أو بعد انقضاء العدة وسواء عند مالك طلقها واحدة أو أثنتين أو ثلاثا اتباعا لقضاء عثمان بمحضر جماعة من الصحابه والطلاق البت والخلع وغير ذلك سواء إذا كان المرض مخوفا عليه ومات منه فإن طلقها في مرضه قبل الدخول بها كان لها نصف الصداق ولا عدة عليها للوفاة ولا للطلاق وترثه إن مات في مرضه ذلك وإن كانت مدخولا بها اعتدت من يوم طلاقه فإن كان طلاقه بائنا ومات في العدة لم تنتقل عدتها وإن كان طلاقها غير بائن انتقلت عدتها إلى عدة الوفاة فإن ماتت امرأة المطلق هو لايرثها .

ومريض الموت هو :

من أضناه مرض عجز به عن إقامة مصالحه المعتادة خارج البيت، كعجز العالم الفقيه عن الإتيان إلى المسجد وعجز التاجر عن الإتيان إلى دكانه. وأما المرأة المريضة: فهي التي عجزت عن مصالحها المعتادة داخل البيت كطبخ ونحوه. واستمر المرض في حدود السنة دون تزايد، وأعقبه الموت، فالمراد من مرض الموت: هو الذي يتحقق فيه أمران:
الأول/ أن يكون الغالب فيه الهلاك عادة.
الثاني/ أن يتصل به الموت ( خلال سنة) . ويلحق به من يترقب الموت كالمحكوم عليه بالإعدام، والمشرف على الغرق في سفينة.
إتفق الفقهاء :
أن الرجل المريض إذا طلق امرأته، فطلاقه نافذ كالصحيح، فإن مات من ذلك المرض ورثته المطلقة ما دامت في العدة من طلاق رجعي، كما ترثه فيها في طلاقها في حال الصحة؛ لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاق الزوج وظهاره وإيلاؤه، ويملك إمساكها بالرجعة ولو بغير رضاها، ولا ولي ولا شهود ولاصداق جديد.
أما إن طلقها في حال الصحة طلاقاً بائناً أو رجعياً، فبانت منه بانقضاء عدتها، فلم يتوارثا إجماعاً.
واتفق الفقهاء أيضاً على أن الرجل إذا طلق امرأته في مرض الموت ثم ماتت، لم يرثها وإن ماتت في العدة.

إختلف الفقهاء :

في إرث الزوجة المطلقة طلاقاً بائناً إذا مات الزوج في أثناء العدة من هذا الطلاق.
الاحناف رضي الله عنهم :
نفاذ طلاقه وإرث امرأته منه إذا مات وهي في العدة
أنّ الزوج بالطلاق في حالة المرض قصد إبطال حقّها؛ لأنّه قصد إبطال الزوجيّة، والزوجيّة من الوجه الذي هي متعلّق الإرث حقّها، فيرد عليه إبطاله، وذلك بإبقاء الزوجيّة من الوجه الذي هي متعلّق الإرث ما دام في إمكان الإبقاء ثابتاً، وما دامت العدّة باقية الإمكان ثابت؛ لأنّ الشرع ورد بتأخير عمل الطلاق إلى وقت انقضاء العدّة في كثير من الأحكام، فكذا في حقّ هذا الحكم، أمّا بعد انقضاء العدّة فالإمكان غير ثابت؛ لأنّ الشرع لم يرد بتأخير عمل الطلاق بعد انقضاء العدّة في حق حكم ما يعمل الطلاق عمله، وارتفع النكاح من كلّ وجه، فلهذا لا ترث، وهذا إذا طلقها من غير سؤالها. فأمّا إذا طلّقها بسؤالها فلا ميراث لها. وكذلك إذا وقعت الفرقة بمعنى من قبلها فلا ميراث لها
قال مالك رضي الله عنه :
إن مات بعد ما تزوجت بزوج آخر، فلها الميراث منه، وجه القياس أن سبب الإرث انتهاء النكاح بالموت، ولاتفاق الصحابة – رضي الله عنهم
واستدلو بإنها ترث وإن انقضت عدتها وتزوجت، لما روى أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف «أن أباه طلق أمه، وهو مريض، فمات، فورثته بعد انقضاء العدة» ولأن سبب توريثها فراره من ميراثها، وهذا المعنى لا يزول بعد انقضاء العدة.
الشافعي رضي الله عنه :
إذا طلق المريض امرأته ثلاثا، أو واحدة بائنة، ثم مات، وهي في العدة، فلا ميراث لها .
استدل الشافعي على أن المرأة المطلقة في عدة طلاق بائن لا ترث من زوجها الذي طلقها: بانقطاع آثار الزوجية بالطلاق البائن، والميراث لا يثبت بعد زوال سببه، بخلاف المطلقة في عدة طلاق رجعي، فإنها ترث بالاتفاق لبقاء آثار الزوجية
وقول للشافعي رضي الله تعالى عنه وقال ابن أبي ليلى رضي الله عنه :
إن مات بعد انقضاء عدتها ترث منه ما لم تتزوج بزوج آخر،
المشهور عند أحمد بن حنبل:
أنها ترثه في العدة وبعدها ما لم تتزوج، لما روي عن الحسن البصري، ولأن هذه المطلقة وارثة من زوج، فلا ترث زوجاً سواه كسائر الزوجات، فلو ورثت بعد الزواج بغيره لأدى ذلك إلى توريثها من زوجين في بعض الأحوال، والمرأة لا تكون زوجة لاثنين شرعاً، والتوارث من حكم النكاح فلا يجوز اجتماعه مع نكاح آخر، ولأنها فعلت باختيارها ما ينافي نكاح الزوج الأول لها، فأشبه ما لو كان فسخ النكاح من قبلها.
الظاهرية :
طلاق المريض كطلاق الصحيح ولا فرق، فإذا مات أو ماتت فلا توارث بينهما بعد الطلاق الثلاث، ولا بعد تمام العدة في الطلاق الرجعي.
الادلة:
روى إبراهيم رحمه الله تعالى قال: جاء عروة البارقي إلى شريح من عند عمر رضي الله تعالى عنه بخمس خصال، منهن إذا طلق المريض امرأته ثلاثا، ورثته إذا مات، وهي في العدة، وعن الشعبي أن أم البنين بنت عيينة بن حصن الفزاري كانت تحت عثمان بن عفان رضي الله عنه ففارقها بعد ما حوصر، فجاءت إلى علي رضي الله عنه بعد ما قتل، وأخبرته بذلك، فقال: تركها حتى إذا أشرف على الموت فارقها، وورثها منه، وإن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته تماضر آخر التطليقات الثلاث في مرضه فورثها عثمان رضي الله عنه ، وقال: ما اتهمته، ولكني أردت السنة، وعن عائشة رضي الله عنها أن امرأة الفار ترث ما دامت في العدة، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أنها ترث ما لم تتزوج، وقال ابن سيرين: كانوا يقولون: من فر من كتاب الله تعالى رد إليه يعني هذا الحكم، والقياس يترك بإجماع الصحابة رضي الله عنهم فإن قيل: لا إجماع هنا، فقد قال ابن الزبير رضي الله عنه في حديث تماضر: لو كان الأمر إلي لما ورثتها.
شروط ثبوت الميراث:
يشترط لثبوت ميراث المرأة في طلاق الفرار مايأتي:
1ً – ألا يصح الزوج من ذلك المرض، وإن مات منه بعد مدة ( خلال سنة).
2ً – أن يكون المرض مخوفاً يحجر عليه فيه.
3ًً – أن يكون الطلاق البائن بعد الدخول الحقيقي: فلو كان الطلاق قبل الدخول ولو بعد الخلوة الصحيحة لا يعتبر المطلِّق فارّاً ولا تستحق الزوجة الميراث؛ لأن العدة لا تجب بهذا الطلاق. ووجوب العدة بعد الخلوة عندا لحنفية ومن وافقهم للاحتياط محافظة على الأنساب، والميراث حق مالي لا يثبت للاحتياط.
4ًً – أن يكون الطلاق بدون رضا الزوجة: أي منه لا منها ولا بسببها، فلو كان برضاها لا يثبت لها الميراث، ولا يوصف المطلِّق بالفرار. وعليه لو كان الطلاق بالتمليك والتخيير بأن قال لها: اختاري، والخلع بأن اختلعت منه على مال دفعته له في سبيل تطليقها، والتفريق القضائي لعيب في الزوج، ثم مات وهي في العدة، لم ترثه، لتحقق رضاها بإبطال حقها في الميراث.
5ًً – أن تكون الزوجة أهلاً للميراث من زوجها وقت الطلاق، وأن تستمر هذه الأهلية إلى وقت الموت. فإذا لم تكن أهلاً للميراث وقت الطلاق، بأن كانت كتابية وهو مسلم، فلا يثبت لها الميراث، لعدم تحقق صفة الفرار. ولو كانت مسلمة وقت الطلاق، ثم خرجت عن هذه الأهلية قبل الموت فارتدت، فإنها لا ترث؛ لأنها بالردة سقط حقها في الميراث، ولا يعود لها عند الجمهور غير المالكية هذا الحق بالإسلام؛ لأن الساقط لا يعود.
وقال مالك: لو عادت إلى الإسلام بعد أن ارتدت ثم مات الزوج في عدتها، فإنها ترثه؛ لأنها مطلَّقة في المرض، فأشبه ما لو لم ترتد.

المراجع :

الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى اشترك في تأليف هذه السلسلة: الدكتور مُصطفى الخِنْ، الدكتور مُصطفى البُغا، علي الشّرْبجي الناشر: دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق الطبعة: الرابعة، 1413 هـ – 1992 م ص 119 ج 4

الكافي في فقه أهل المدينة المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي (المتوفى: 463هـ) المحقق: محمد محمد أحيد ولد ماديك الموريتاني الناشر: مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، المملكة العربية السعودية الطبعة: الثانية، 1400هـ/1980م ص 584 ج 2

المحيط البرهاني في الفقه النعماني فقه الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه المؤلف: أبو المعالي برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن عمر بن مَازَةَ البخاري الحنفي (المتوفى: 616هـ) المحقق: عبد الكريم سامي الجندي الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى، 1424 هـ – 2004 م ص 411 ج 3

المبسوط المؤلف: محمد بن أحمد بن أبي سهل شمس الأئمة السرخسي (المتوفى: 483هـ) الناشر: دار المعرفة – بيروت الطبعة: بدون طبعة تاريخ النشر: 1414هـ-1993م ص 155 ج 6

الفِقْهُ الإسلاميُّ وأدلَّتُهُ (الشَّامل للأدلّة الشَّرعيَّة والآراء المذهبيَّة وأهمّ النَّظريَّات الفقهيَّة وتحقيق الأحاديث النَّبويَّة وتخريجها) المؤلف: أ. د. وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ، أستاذ ورئيس قسم الفقه الإسلاميّ وأصوله بجامعة دمشق – كلّيَّة الشَّريعة الناشر: دار الفكر – سوريَّة – دمشق ص 6976 – 6981 ج 9

المستشار مازن امين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *