شرح قاعدة عدم جواز إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة في ضوء القانون المدني المصري
النص القانوني : –
تنص المادة ٦۱ من قانون الإثبات رقم ۲۵ لسنة ۱۹٦۸ بإصدار قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية، على إنه : –
“لا يجوز الإثبات بشهادة الشهود، ولو لم تزد القيمة على خمسمائة جنيه :-
۱- فيما يخالف أو يجاوز ما أشتمل عليه دليل كتابي.
۲- إذا كان المطلوب هو الباقي أو هو جزء من حق لا يجوز إثباته إلا بالكتابة.
۳- إذا طالب احد الخصوم فى الدعوى بما تزيد قيمته على خمسمائة جنيه ثم عدل عن طلبه إلى ما لا يزيد على هذه القيمة”.
المذكرة الإيضاحية لمشروع التمهيدي للقانون المدني :
قواعد إثبات الالتزام كانت واردة أصلاً في النظرية العامة للالتزامات الواردة في القانون المدني، ثم ألغيت وصدر للإثبات قانون خاص هو القانون رقم ۲۵ لسنة ۱۹۸٦. وكان قد ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني – بشأن نص المادة ٤۰۱ مدني الملغي المقابلة لنص المادة ٦۱ من قانون الإثبات – إنه: – “يقصد بالدليل الكتابي: المحررات الرسمية، والعرفية، والرسائل، فهذه المحررات وحدها هي التي لا يقبل الإثبات بالبينة لنقض الثابت فيها أو الإضافة عليها. وقد يكون قوام الإضافة الإدعاء بصدور تعديلات شفوية قبل انعقاد الالتزام، أو بعده، أو في وقت معاصر له. ومهما يكن من أمر هذه الإضافة، فلا يجوز إثباتها بالبينة أياً كانت صورتها. فمن ذلك الإدعاء بإضافة وصف من الأوصاف المعدلة لحكم الالتزام، كشرط أو أجل، أو اشتراط خاص بأداء فوائد أو بالتجديد (الاستبدال). ولا يجوز كذلك نقض الثابت بالكتابة عن طريق البينة، فلا يجوز الإدعاء مثلاً بعدم مطابقة شرط من شروط المحرر للحقيقة وإقامة الدليل على ذلك بالبينة، كما لو أريد إثبات أن حقيقة المبلغ المقترض ليس مائة جنيه على ما هو ثابت بالكتابة بل أكثر”.
تعليق الفقه : –
إذا أريد إثبات ما يخالف ورقة رسمية، فيما يقرر الموظف العام أنه وقع تحت بصره أو سمعه، فإنه لا بد في ذلك من الطعن بالتزوير.
أما إذا أريد إثبات ما يخالف الورقة الرسمية في غير ذلك، أو إثبات ما يخالف مشتملات ورقة عرفية أياً كانت، فهذا جائز، على أن يكون الدليل على ما يخالف الكتابة هو أيضاً دليل كتابي، فلا يجوز للخصم أن يثبت ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة.
شروط تطبيق القاعدة : –
أولاً : وجود كتابة أعدت للإثبات : –
والمقصود بالكتابة هو الدليل الكتابي الكامل, أي الكتابة المعدة للإثبات, والكتابة التي أعدت هي الكتابة التي وقع عليها المدين، سواء أكانت رسمية أو عرفية.
أما الأوراق التي لم تعد للإثبات، كالدفاتر التجارية أو الأوراق المنزلية أو المذكرات الشخصية أو مراسلات غير موقع عليها, فمن الجائز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة وقرائن الأحوال. أما المراسلات الموقع عليها فإنها تعتبر في حكم الكتابة المعدة للإثبات ومن ثم فلا يجوز إثبات ما يخالفها أو يجاوزها إلا بالكتابة.
وكذلك يجوز إثبات ما يخالف أو يجاوز مبدأ الثبوت بالكتابة بالبينة وبقرائن الأحوال، لأن مبدأ الثبوت بالكتابة لا يكون عادة موقعاً عليه وإلا كان دليلاً كتابياً كاملاً، والدليل الكتابي الكامل لا يجوز هدمه بالبينة أو بالقرائن.
ثم يجب أخيراً أن يكون الثابت بالكتابة التزاماً غير تجاري. حيث إن الالتزامات التجارية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات أياً كانت قيمتها وحتى لو خالفت أو جاوزت الثابت بالكتابة.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “يجوز الإثبات بجميع طرق الإثبات بما فيها البينة والقرائن في التصرفات القانونية التجارية أياً كانت قيمتها، كما يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن فيما يخالف أو يجاوز الكتابة”.
كما قضت محكمة النقض بأن: “الشرط الوارد في عقد الشركة المكتوب بعدم انفراد مديرها بالعمل لا يجوز تعديله إلا بالكتابة ولا يعول على ادعاء هذا المدير بأنه قد انفرد بالعمل بإذن شفوي من أحد شركائه المتضامنين”.
ثانياً : أن يراد إثبات ما يخالف الكتابة المعدة للإثبات أو ما يجاوزها:-
أي أن يراد إثبات ما يخالف هذه الكتابة أو ما يجاوزها. وهذا يشمل:
ما يخالف الكتابة: أي ما يهدم ما جاء فيها أو ينتقصه أو يعدله.
ما يجاوز الكتابة: أي ما يضيف إليها وصفاً كشرط أو أجل أو تعديلاً يوسع نطاقها.
فلو كانت هناك ورقة ثابت بها دين مقداره ألف جنيه، فلا يجوز للمدين أن يثبت (بشهادة الشهود) أن حقيقة الدين هي سبعمائة جنيه فقط. وكذلك لا يجوز للدائن أن يثبت (بالبينة) أن الدين ينتج فوائد أو أنه قد حصل تجديداً للالتزام أو تعديلاً لبعض شروط العقد بعد تحريره. فهذا مما لا يجوز إثباته بشهادة الشهود – لكلا الطرفين – ما دام التصرف ثابتاً بالكتابة.
ثالثاً : أن يكون معارض الكتابة أحد المتعاقدين : –
وكل ما قدمناه من وجوب الإثبات بالكتابة فيما يخالف أو يجاوز الكتابة إنما يكون في العلاقة بين المتعاقدين، إذ هما اللذان كانا يستطيعان الحصول على الكتابة منذ البداية، وكالمتعاقدين الخلف العام لهما.
فإذا كان الذي يريد أن يثبت عكس ما هو ثابت بالكتابة أو ما يجاوز المكتوب، هو شخصاً من الغير, فيحوز له إثبات ما يدعيه بشهادة الشهود لأنه لم يكن طرفاً في العقد المثبت بالكتابة، طبقاً لمبدأ “نسبية أثر العقود”، كما إن التصرف بالنسبة للغير يعد مجرد واقعة مادية يجوز له إثباتها بكافة طرق الإثبات.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: “الأعمال والتصرفات القانونية بالنسبة لغير عاقديها تعد وقائع مادية، يجوز للغير إثباتها بالبينة، فيجوز إثبات واقعة التأجير من الباطن بالبينة”.
فعلى سبيل المثال: – فللشفيع أن يثبت بكافة طرق الإثبات أن العقار المشفوع فيه قد تم الاتفاق على بيعه بسعر أقل من السعر الصوري المثبت في عقد البيع (لمحاولة منعه من الأخذ بالشفعة فيه).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “للشفيع أن يطعن في الثمن الذي حصل الاتفاق عليه بين البائع والمشتري وانعقد به البيع بالصورية، وبأنه يزيد على الثمن الحقيقي وعندئذ يقع عليه عبء إثبات هذه الصورية، وله أن يثبتها بطرق الإثبات القانونية كافة”.
وبصفة عامة: – يجوز عند إثبات صورية تصرف ما، لغير أطراف التصرف الصوري، أن يثبتوها بكافة طرق الإثبات. أما الصورية فيما بين المتعاقدين فلا يجوز إثباتها إلا بالكتابة أي ما يسمى بـ : “ورقة الضد”.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: “إثبات صورية التصرف فيما بين المتعاقدين وورثتهم لا يكون إلا طبقاً للقواعد العامة، فلا يجوز لهم إثبات صورية العقد الثابت بالكتابة بغير الكتابة”.
رابعاً : يشترط ألا يكون هناك غش ضد القانون : –
والغش نحو القانون Fraude a la loi ويقصد به ستر تصرف غير قانوني في صورة تصرف قانوني، كأن يذكر في سند الدين أن سبب العقد هو توريد بضاعة بينما هو في الحقيقة دين قمار. أو أن يذكر في العقد أن مبلغ الدين ۱۰۰۰ جنيه والحقيقة أن المبلغ ۷۰۰ سبعمائة جنيه فقط وذلك لإخفاء ربا فاحش.
فإذا ما وجد “الغش نحو القانون” فيجوز إثبات ما يخالف الثابت بالسند أو يجاوزوه بكافة طرق الإثبات حتى فيما بين المتعاقدين. والسبب في ذلك يرجع إلى إنه متى وجد احتيال على القانون، فيجب تيسير كشفه وإباحة إثباته بجميع الطرق.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: “الاحتيال على القانون والغش، لا يعدو أن يكون واقعة مادية يجوز إثباتها بالبينة وبالقرائن”.
فضلاً عن إن الاحتيال على القانون ليس إلا تواطؤاً ما بين المتعاقدين على مخالفة قاعدة قانونية تعتبر من النظام العام وإخفاء هذه المخالفة تحت ستار تصرف مشروع، فقد وضح من ذلك أن من الطبيعي أن يتخذ هذا الاحتيال مظهر الصورية، ومن ثم أجاز القانون للمتعاقد أن يثبت الاحتيال على القانون بكافة طرق الإثبات في هذه الحالة.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: “يجوز إثبات العقد المستتر فيما بين عاقديه في حال الاحتيال على القانون”.
كما قضت محكمة النقض بأنه: “إذا كان المراد إثباته اتفاقاً يخالف النظام العام أو الآداب، جاز الإثبات بالبينة، فيجوز إثبات عدم مشروعية المحل أو السبب بالبينة”.
وعليه، فيجوز للوارث الذي يطعن على تصرف صادر من مورثه في صورة عقد بيع منجز بأن حقيقته وصية، وإنه قصد به الاحتيال على قواعد الإرث المقررة شرعاً إضراراً بحقه فيه، يجوز له إثباته بكافة طرق الإثبات.
كذلك يجوز إثبات ما يخالف الكتابة بالبينة وبالقرائن إذا كان السبب الحقيقي الذي تخفيه الكتابة هو صدور العقد أثناء الحجر على المدين، أو قيام علاقة غير مشروعة بين المدين والدائن، أو تخفيض ثمن المبيع هرباً من بعض رسوم التسجيل، أو التحايل على إخفاء الرهن في صورة البيع هرباً من قانون الخمسة أفدنة، أو هرباً من ضرورة اتخاذ إجراءات التنفيذ، أو تمييز بعض الورثة على البعض الآخر، أو إخفاء معاملة تجارية في صورة وديعة لإمكان اتخاذ الإجراءات الجنائية، أو غير ذلك من الأسباب غير المشروعة المخالفة للنظام العام.
على إنه يجب أن يعزز الإدعاء بوجود تحايل على القانون قيام قرائن قوية تجعل وقوعه محتملاً، حتى يمكن الترخيص بعد ذلك في إثبات هذا التحايل بالبينة وبالقرائن.
مجال تطبيق هذه القاعدة : –
وهذه القاعدة, تنطبق على “التصرفات القانونية” لا على “الوقائع المادية”.
وتنطبق على جميع التصرفات القانونية بصرف النظر عما إذا كانت قيمتها تزيد أو تقل عن “خمسمائة جنيه” ما دامت ثابتة بالكتابة.
وتنطبق تلك المادة على “التصرفات المدنية” دون “التصرفات التجارية”. وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأن: “ذكر سبب الالتزام فى العقد لا يمنع المدين من إثبات أن هذا السبب غير حقيقي وأن الالتزام فى الواقع معدوم السبب ولئن كان هذا الإدعاء لا يجوز إثباته بغير الكتابة إذا كان الالتزام مدنياً لأنه ادعاء بما يخالف ما اشتملت عليه دليل كتابي إلا أن إثباته يكون جائزا بطرق الإثبات كافة إذا كان الالتزام تجارياً على ما جرى عليه قضاء محكمة النقض من جواز إثبات ما يخالف ما أشتمل عليه دليل كتابي بغير الكتابة فى المواد التجارية”.
مع مراعاة أن المشرع يتطلب الكتابة في بعض المواد التجارية. وذلك كالأوراق التجارية, إذ لا يتصور وجودها بدون كتابة.كما يتطلب المشرع الكتابة أيضاً في عقود الشركات. حيث تنص المادة ۵۰۷/۱ مدني على أنه: “يجب أن يكون عقد الشركة مكتوباً، وإلا كان باطلاً. وكذلك يكون باطلاً ما يدخل على العقد من تعديلات دون أن تستوفي الشكل الذي أفرغ فيه ذلك العقد”.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “عقد الشركة أصبح عقداً شكلياً لا يُقبل في إثباته، فيما بين طرفيه، غير الكتابة، ولا يجوز لهما الاتفاق على إثباته بغير هذا الطريق”.
كما أنه يمكن الاتفاق على اشتراط الإثبات بالكتابة في المواد التجارية, وفي هذه الحالة لا يجوز الإثبات بالبينة فيما اشترط فيه الإثبات بالكتابة. ومثال ذلك: أن يتفق طرفا العقد على إنه لا يجوز إثبات الوفاء بالدين إلا بمخالصة كتابية من الدائن، ففي هذه الحالة لا يجوز إثبات ذلك الوفاء بغير الكتابة (المخالصة من الدائن).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “من المقرر في قضاء هذه المحكمة إنه ولئن كان الأصل في إثبات وجود الديون التجارية وانقضائها في علاقة المدين بالدائن الأصلي طليق من القيود التي وضعها الشارع لما عداها من الديون في قانون الإثبات فيجوز الإثبات في المواد التجارية بكافة طرق الإثبات القانونية حتى ولو انصرف الإثبات إلى ما يخالف ما هو ثابت بالكتابة، إلا إذا اشترط إنه لا يصح إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة فحينئذ لا يجوز الإثبات بالبينة”.
ويراعى كذلك إن التصرف إذا كان حاصلاً بين شخصين وكان بالنسبة لأحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تجارياً فإن قواعد الإثبات هي التي تتبع على من كان التصرف مدنياً بالنسبة له (فلا يجوز له إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة)، وقواعد قانون التجارة هي التي تتبع على من كان التصرف تجارياً بالنسبة له (فيجوز له إثبات التصرف وما يخالفه أو يجاوزه بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة “شهادة الشهود”).
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه إذا كان التصرف حاصلاً بين شخصين، وكان بالنسبة لأحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تجارياً، فإن قواعد الإثبات في المواد المدنية هي التي تتبع على من كان التصرف مدنياً بالنسبة له، فلا تجوز محاجة الدائن إلا طبقاً لقواعد الإثبات المدنية إذا كان التصرف بالنسبة له تصرفاً مدنياً ولو كان بالنسبة للمدين تصرفاً تجارياً”.
كما قضت محكمة النقض بأنه: “لما كانت الكتابة ليست شرطاً لانعقاد عقد النقل البري ولا لإثباته ولا تعتبر ركناً من أركانه ومن ثم يخضع إثبات عقد النقل البري للقواعد العامة فيجوز إثباته بالبينة والقرائن مهما كانت قيمته وذلك في مواجهة الناقل الذي يعد عمله تجارياً دائماً طالما كان محترفاً لعمليات النقل”.
استثناءات لا يعمل فيها بهذه القاعدة : –
من المقرر أن هناك عدة استثناءات لا يعمل فيها بهذه القاعدة وهي : –
۱– الوفاء:
فإذا كان محل الإثبات هو وفاء الالتزام أو تنفيذه فلا يعتبر ذلك إثباتاً لما يخالف الكتابة أو يجاوزها لأن تنفيذ الالتزام أو وفاءه يعتبر مسألة مستقلة عن واقعة الالتزام ذاتها, فيكون إثباتها طبقاً للقواعد العامة أي بالكتابة أن كانت تزيد عن خمسمائة جنيه في حالة ما إذا كان الالتزام عبارة عن عمل قانوني. أما إذا كانت لا تزيد عن خمسمائة جنية, أو كانت عبارة عن عمل مادي كبناء منزل أو إصلاحه مثلاً, فيجوز إثباتها بالبينة والقرائن, بل وبالمعاينة عندما يتصور ذلك.
۲- تفسير العقد:
يجوز الالتجاء إلى البينة وقرائن الأحوال لتفسير العقد وجلاء غوامضه، بتفسير عباراته الغامضة، أو بالتوفيق بين عباراته المتعارضة، أو تحديد ما ورد مطلقاً في المحرر المكتوب، وكذلك إثبات الظروف والملابسات المادية التي أحاطت بكتابة العقد.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “لا تثريب على المحكمة أن هي أحالت الدعوى على التحقيق لاستجلاء ما أبهم من مدلول هذا البند واستجلاء قصد المتعاقدين منه، متى كان تفسير هذا الذي جاء به مثار نزاع بين الطرفين”.
۳- إثبات عيوب الإرادة التي صاحبت التعاقد:
يجوز إثبات أي عيب من عيوب الإرادة، كالغلط والتدليس والإكراه، في سند مكتوب، بالبينة وبالقرائن، فليس في ذلك إثبات ما يخالف الكتابة، لأن الكتابة ليست دليلاً على صحة التصرف حتى يعتبر الطعن في صحته مخالفاً لها، كما إن عيوب الإرادة إنما هي وقائع مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات.
٤- التاريخ:
إذا لم يذكر في الورقة المكتوبة تاريخ كتابتها فيجوز إثبات هذا التاريخ بالبينة لأنه واقعة مادية.
أما إذا كان تاريخ التصرف مكتوباً في المحرر, فلا يجوز إثبات أن التاريخ الحقيقي للمحرر هو تاريخ آخر خلاف المدون به، إلا بالكتابة فيما بين المتعاقدين لأنه ادعاء بصورية التاريخ، أما الغير فيمكنه إثبات عكس التاريخ المكتوب بكافة طرق الإثبات.
وهناك نوعان من الاستثناءات يجوز فيها الإثبات بالبينة وبالقرائن، حتى لو زادت قيمة الالتزام عن خمسمائة جنيه، وحتى لو كان المراد إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها، وهما استثناء من قاعدة وجوب الدليل الكتابي بشقيها، وهما: “مبدأ الثبوت بالكتابة” و “وجود المانع الأدبي من الحصول على دليل كتابي” و “فقد الدليل الكتابي بسبب أجنبي”.
قواعد الإثبات ليست من النظام العام : –
ويراعى أن قواعد الإثبات ليست من النظام العام فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بها من تلقاء نفسها بل لا بد من أن يتمسك بها الخصم أمامها، كما إنه يجوز للخصوم الاتفاق على مخالفتها سواء صراحة أو ضمناً.
وفي هذا الشأن قضت محكمة النقض بأنه: “لما كانت قواعد الإثبات ليست من النظام العام ويجوز الاتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً. وكان الثابت أن البنك الطاعن لم يعترض على حكم التحقيق الذى أصدرته محكمة الاستئناف بتاريخ ۱۹۷۳/۱۲/۱۳ والذي كلفته فيه بأن يثبت بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود أن الموقعين على سراكى تسليم البريد الخاصة بمبلغ لهم صفة فى استلام اشعارات الخصم الخاصة بهذا المبلغ نيابة عن المطعون ضده كما أنه لم يشهد أحداً، فلا على المحكمة إن هي لم تأخذ بكشوف الحساب التى لم يقم الدليل على إرسالها للمطعون ضدهم كدليل فى إثبات الدعوى ولا تكون قد خالفت القانون أو خالفت قواعد الإثبات”.
كما قضت محكمة النقض بأنه: “من المقرر – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الإثبات بالكتابة ليست من النظام العام فعلى من يريد التمسك بالدفع بعدم جواز الإثبات بالبينة أن يتقدم بذلك إلى محكمة الموضوع قبل سماع شهادة الشهود فإذا سكت عن ذلك عد سكوته تنازلاً عن حقه فى الإثبات بالطريق الذى رسمه القانون، ومن ثم فلا يجوز التحدي به لأول مرة أمام هذه المحكمة”.