قضايا الإفلاس من حيث الطعن بالإستئناف

قضايا الإفلاس من حيث الطعن بالإستئناف.

الإفلاس طريق للتنفيذ الجماعي على أموال المدين التاجر الذي توقف عن سداد ديونه في ميعاد استحقاقها، ويقصد منه تصفية هذه الأموال وبيعها تمهيداً لتوزيع ثمنها على الدائنين قسمة غرماء (40)، ويعرف أيضاً بأنه طريق للتنفيذ على مال المدين التاجر الذي يتوقف عن دفع ديونه التجارية ويهدف إلى تنشيط الائتمان ودعم الثقة في المعاملات التجارية (41).

وتعدّ أحكام الإفلاس من النظام العام ، لأن القانون التجاري قد قررها بنصوص آمرة(42)، وهو نظام ورد النص عليه في القانون التجاري ولا مقابل له في القانون المدني، ولذلك تسري أحكامه على التجار دون غيرهم من الأشخاص الذين لا يمارسون مهنة التجارة، ولا يعد التاجر المدين في حالة إفلاس بمجرد التوقف عن دفع ديونه الحالة بل لابد لذلك من صدور حكم من المحكمة المختصة (43)، وذلك بعد رفع دعوى لدى محكمة البداءة المختصة(44).

وفق القواعد المقررة بالقانون التجاري ، لان الافلاس مركز قانوني نظم القانون له طريقة قضائية خاصة ، اذ لا بد لشهره من حكم قضائي صادر من محكمة مختصة (45).

ويشترط لشهر الافلاس توفر ثلاثة شروط ، شرطان موضوعيان أحدهما: ان يكون المدين تاجراً ، والأخر: أن يتوقف التاجر عن دفع دين تجاري ، وشرط شكلي وهو صدور حكم بإشهار الإفلاس(46). ومما تجدر الإشارة أليه أن هذا الحكم يعد منشئاً لحالة الإفلاس وليس كاشفاً لها ويستوجب تصفية ذمة المدين تصفية جماعية وقسمة أمواله بين الدائنين(47).

أما فيما يخص الدعاوى المتفرعة عن التفليسة في قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ فان محكمة البداءة تفصل فيها (48)، بدرجة أولى قابلة للاستئناف وذلك لأهمية هذه القضايا(49)،

وهذه الدعاوى هي ما يتعلق بحق الحبس فيما إذا كان للمفلس مال لدى الغير وطالبه أمين التفليسة برده، وكذلك ما يتعلق بالعقود التبادلية فيما إذا أبرم المفلس مع الغير عقداً من العقود الملزمة للجانبين قبل إشهار إفلاسه (50)، وحق المالك في الاسترداد فيما إذا كانت بعض أموال التفليسة تعود ملكيتها لغير المفلس (51) ..

إن صدور الحكم بإشهار إفلاس التاجر يترتب عليه غل يده عن إدارة أمواله والتصرف فيها إذ يعد إشهار الإفلاس بمثابة حجز عام على أمواله الحاضرة والمستقبلية تمهيداً لتصفية هذه الأموال تصفية جماعية ببيعها وتوزيع الثمن الناتج عنها على الدائنين كل بنسبة دينه (52) ..

وبتطـبيق القـواعد العامة بالاختصاص وأنواعه على قضايا الإفلاس وما يتفرع عنها، نجد أن الاختصاص النوعي يعود إلى محاكم البداءة بغض النظر عن قيمة الدعوى ، لأن دعوى الإفلاس غير قابلة للتقدير (53)، وهذا الحكم يستنبط من نص المـادة (32) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ومن نص الفقرة الأولى من المادة (573) من قانون التجارة الملغي(54).

ان الأحكام الصـادرة في مواد الإفلاس تخضع لطرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعـات المدنية العراقي كما هو شـأن الأحكام القضـائية كافة إلا مـا استثني بنص خاص(55).

وقد تضمن قانون التجارة الملغي أحكاماً خاصة تخالف القواعد العامة المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ (56)، حيث راعى المشرع في هذه القواعد الخاصة ما لأحكام الإفلاس من حجية مطلقة تجاه الكافة وإن لم يكونوا طرفاً فيها (57)،

كما نص قانون التجارة المذكور آنفاً على مادتين أحدهما خاصة باعتراض الغير، والأخرى خاصة بالاستئناف والاعتراض على الحكم الغيابي، وما يهمنا هو المادة الأخيرة الخاصة بموضوع الدراسة .. حيث نصت المادة (582) من قانون التجارة العراقي الملغي على استئناف الحكم الصادر في دعوى الإفلاس وفي الاعتراض على الحكم الغيابي بقولها:

“يتبع في استئناف الحكم الصادر في دعوى إشهار الإفلاس وفي الاعتراض على الحكم الغيابي الإجراءات والمواعيد المبينة في قانون المرافعات المدنية”.

ومن استقراء هذه المادة نلاحظ أنها قد اكتفت بالإحالة إلى القواعد العامة المبينة في قانون المرافعات المدنية الخاصة في استئناف الحكم وفي الاعتراض على الحكم الغيابي(58). و

مما تجدر الإشارة أليه إن المادة (185) من قانون المرافعات المدنية قد جعلت دعاوى الإفلاس من الدعاوى الخاضعة للاستئناف وان المشرع العراقي قد حدد أيضاً الاختصاص المكاني لهذه الدعاوى(59)، وإن القضاء العراقي مستقر على ذلك الحكم (60)، مهما بلغت قيمة تلك الدعاوى ولعل السبب في ذلك مدى الأهمية البالغة لهذه الدعاوى (61) .

وبعد استعراض هذا الاختصاص الثاني من اختصاص محكمة الاستئناف بصفتها الاستئنافية يمكننا إيراد بعض الملاحظات الآتية بخصوص ذلك :

  لقد اتسمت دعاوى الإفلاس بالندرة، وبشكل ملفت للنظر ويرجع السبب إلى سوء فهم الناس لطبيعة قواعد قانون التجارة، والذي شجع على ذلك توجه التشريع العراقي في السبعينات والثمانينات إلى توحيد أحكام قانون التجارة مع القانون المدني في بعض المسائل المتشابهة والاكتفاء بالقانون الأخير، إذ أن المشرع العراقي أصبحت له نية توحيد قانون التجارة مع القانون المدني، فعلى سبيل المثال ما يتعلق بأهلية التاجر والمساواة في ذلك مع الأهلية التي نص القانون المدني العراقي النافذ عليها (62)،

حيث لم يحدد قانون التجارة سناً معيناً للأهلية التجارية فقد نصت المادة (8) من القانون التجاري العراقي النافذ على أنه “يشترط في التاجر أن يكون متمتعاً بالأهلية .. ..” (63)، ومن الواضح أن حكم هذا النص إنما جاء طبقاً للمبادئ التي قررها قانون إصلاح النظام القانوني (64)،

والتي تقرر “توحيد الأحكام المتعلقة بالأهلية في المسائل المدنية والتجارية وصياغتها في القانون المدني ابتغاء التنسيق فيما بين المسائل المتشابهة ” (65). وكذلك ما نص عليه قانون التجارة الحالي من إلغاء جميع القوانين السابقة عدا المواد المتعلقة بالافلاس .

كما تم توحيد مسائل الإثبات المدني مع الإثبات التجاري فيما يتعلق بكيفية تقديم الدفاتر التجارية للقضاء وحجيتها في الإثبات (66)، ويعد عدم التمييز بين مفهومي الإفلاس والإعسار (67)، من أهم العوامل التي أدت إلى ضعف قيمة الإفلاس،

حيث عد الإفلاس هو الإعسار بمفهوم قانون التجارة النافذ (68)، بينما نتفق مع ما ذهب أليه الفقه العراقي من أن الإعسار قد نظم القانون المدني العراقي أحكامه بعنوان الحجر على المدين المفلس (69)، فهو إعسار مدني ، أما الإفلاس فقد نظم من قبل قانون التجارة الملغي (70)، وهو يقع ضمن نطاق القانون التجاري ولكل من النظامين أوجه اختلاف بينهما (71)،

حيث أدت كل هذه الأسباب إلى قلة الدعاوى المتعلقة بالإفلاس أمام محاكم الاستئناف، إذ وصلت الحالة إلى وصول دعوى واحدة في غضون أربع سنوات أمام إحدى المحاكم الاستئنافية العراقية (72)، الأمر الذي يستلزم أيجاد الحلول الكافية لمعالجة هذا القصور وذلك لأهمية تلك الدعاوى كونها تتعلق بالحياة الاقتصادية،

حيث أصبحت الحاجة لبيان أحكام الإفلاس وطرق الطعن فيه وجهته بصورة وافية أكثر أهمية مما مضى وذلك نظراً لما أصاب الحياة الاقتصادية من تطور جعل ظهور المنازعات التجارية أكثر من المنازعات ذات الطابع المدني ،

لذلك فإننا نرى ضرورة صياغة نصوص قانونية تعالج الطعن بدعاوى الإفلاس بالاستئناف وبشكل صريح كما ما هو واضح في قانون التجارة الملغي فضلاً عن وضع النصوص الصريحة في القانون التجاري والتي لابد لها أن تميز بين الإعسار والإفلاس،

ذلك أن الأخير أضحى في مصطلح القانون وصفاً يوصف به الإعسار في دائرة المعاملات التجارية ، وتولت القوانين التجارية تنظيمه ، وإذا كان بعضها يوسع نطاق تطبيق الإفلاس التجاري ليشمل دائرة المعاملات المدنية ، فإن حكمه واحد في الدائرتين وهو التصفية الجماعية لأموال المدين (73) .

أما فيما يتعلق بموقف القوانين المقارنة، فإن أياً منها لم يحدد إمكانية الطعن بالاستئناف في الدعاوى المتعلقة بالإفلاس وقد اقتصرت فقط على بيان الاختصاص المكاني للمحكمة المختصة في المنازعات المتعلقة بالإفلاس (74).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

40- د. محمد سامي مدكور ود. علي حسن يونس، الإفلاس، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون سنة طبع، ص2.

41- د. عزيز العكيلي، الوجيز في شرح قانون التجارة، أحكام الإفلاس، ط1، مطبعة دار السلام، بغداد، 1973، ص 7.

42- ضياء شيت خطاب، الإفلاس الواقعي، بحث منشور في مجلة القضاء، العددان الأول والثاني، آب، 1961، ص 85.

43- لمزيد من التفصيل حول لزوم صدور حكم من المحكمة في حكم الإفلاس أحمد محمود خليل، الإفلاس التجاري والاعسار المدني، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1987، ص 64.

44- د. عبد الحميد الشواربي، الإفلاس ، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1988، ص 81.  

45- ضياء شيت خطاب ، الافلاس الواقعي ، بحث منشور في مجلة القضاء التي تصدرها نقابة المحاميين ، العددان الاول والثاني ، آب ، 1961 ، ص 85 .

46- المادة (566) من قانون التجارة العراقي ذي الرقم (149) لسنة 1970 (الملغي) .  

47- محمد سامي مدكور ود. علي حسن يونس ، الافلاس ، دار الفكر العربي ، القاهرة، بدون سنة طبع ، ص 2 . 

48- المادة (32) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ ..

49- الأسباب الموجبة لقانون المرافعات المدنية العراقي النافذ . .

50- ومن هذه العقود عقد بيع البضائع وعقد إيجار المتجر الذي يزاول فيه المفلس تجارته، وعقد العمل الذي يربطه مع عماله ومستخدميه.

51- المادة (641) من قانون التجارة العراقي السابق.

52- د. عزيز العكيلي ، الوجيز في شرح قانون التجارة ، احكام الافلاس ، ط1 ، مطبعة دار السلام ، بغداد ، 1973 ، ص 242.

53- جدير بالإشارة إن كل المنازعات المترتبة على الإفلاس والتي تقضي بتطبيق قواعد الإفلاس مهما بلغت قيمتها وبصرف النظر عن قيمة الدعوى تعتبر قابلة للاستئناف ولا ينظر إلى قيمة الدعوى، لمزيد من التفصيل عبد الرحمن العلام، ج3، مصدر سابق، ص 375.

54- نصت المادة (32/2) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ بقولها “تختص محكمة البداءة بنظر الدعاوى كافة التي تزيد قيمتها على خمسمئة دينار ودعاوى الإفلاس وما يتفرع عن التفليسة مهما كانت قيمة الدعوى .. .. ” كما نصت المادة (573/1) من قانون التجارة العراقي الملغي ذي الرقم 149 لسـنة 1970 على أنـه “تختص بإشـهار الإفلاس محكمة البداءة التي يقع في منطقتها المركز الرئيس لمتجر المدين” . ومما تجدر الاشارة اليه انه جاء في المادة (331) من قانون التجارة العراقي النافذ ذي الرقم (30) لسنة 1984 الحكم على ابقاء الباب الخامس من قانون التجارة ذي الرقم (149) لسنة 1970 وعدم الغاءه ، وقد تضمن هذا الباب احكام الافلاس والصلح الواقي منه لحين تنظيم احكام الاعسار بقانون . ولم يصدر هذا القانون الى وقتنا الحالي .

55- د. عزيز العكيلي، مصدر سابق ، ص 85.

56- إن المشرع العراقي لم يخرج عن أحكام القواعد العامة الخاصة بالطرق القانونية للطعن إلا بالنسبة إلى اعتراض الغير وتلك الأحكام متعلقة بمدد الطعن بالنسبة لاعتراض الغير ..

57- د. عزيز العكيلي ، المصدر نفسه ، ص 86 ..

58- انظر المواد (177-195) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ.

59- المادة (39) من قانون المرافعات المدنية العراقي النافذ .  

60- قرار محكمة تمييز العراق المرقم 41 / هيئة عـامة / 1974 في 27/4/1974، وقرارها المرقم 215 / هيئة عامة أولى / 1974 في 5/ 6/ 74، النشرة القضائية، العدد الثاني، السنة الخامسة، 1974، ص ص 179-181، وقرارها المرقم 290/ مدنية أولى / 1973 في 6/ 2/ 1974، النشرة القضائية، العدد الأول، السنة الخامسة، 1976، ص 211، وقرارها المرقم 188/ استئنافية / 1969 في 15/1/1970، النشرة القضائية، العدد الأول ، السـنة الأولى ، 1970 ، ص 97.

61- مدحت المحمود، شرح قانون المرافعات المدنية، ج 1، شركة الحسام للطباعة ، بغداد، 1994، ص 53.

62- راجع المادة (106) من القانون المدني العراقي النافذ ذي الرقم (40) لسـنة 1951 المعدل.

63- راجع المادة (8) من قانون التجارة العراقي النافذ ذي الرقم (30) لسـنة 1984.

64- قانون إصلاح النظام القانوني العراقي ذي الرقم 35 لسـنة 1977.

65- د. باسم محمد صالح، القانون التجاري، ط2، مطبعة جامعة بغداد، بغداد، 1992، ص 101.

66- د. باسم محمد صالح، المصدر نفسه ، ص 147.

67- الإعسار هو نظام خاص بالمدينين غير التجار، فإذا زادت قيمة الديون المستحقة الأداء عن قيمة أموال المدين يعتبر هذا المدين في حالة إعسار.

68- أنظر المادة (331) من قانون التجارة العراقي ذي الرقم (30) لسـنة 1984 النافذ.

69- د. عبد المجيد الحكيم والأستاذ عبد الباقي البكري والأستاذ المساعد محمد طه البشير، القانون المدني، ج2، أحكام الالتزام، دار الكتب للطباعة والنشر، جامعة البصرة، 1986، ص 129؛ ود. حسن علي الذنون ، شرح القانون المدني العراقي ، احكام الالتزام ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1952 ، ص 113 ؛ ود. احمد علي الخطيب ، الحجر على المدين لحق الغرماء في الفقه الاسلامي والقانون المقارن ، مطبعة دار التأليف ، مصر ، 1964 ، ص 346 . 

70- المواد (566-791) من قانون التجارة المشار إليه أعلاه.

71- د. عزيز العكيلي، مصدر سابق، ص 19.

72- وهذا ما حدث بالفعل في الهيئة الاستئنافية لمحكمة استئناف منطقة نينوى بصفتها الاستئنافية للفترة من عام 1998 وحتى عام 2001م.

73- د. عبد المجيد الحكيم والاستاذ عبد الباقي البكري والاستاذ المساعد محمد طه البشير، القانون المدني ، ج2 ، احكام الالتزام ، دار الكتب للطباعة والنشر ، جامعة البصرة ، 1986، ص 130.

74- المادة (54) من قانون المرافعات المدنية والتجارية المصري النافذ، والمادة (41) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني النافذ، والمادة (108) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني النافذ، بينما أجمع الفقه الفرنسي على استبعاد الطعن بالاستئناف أحياناً لكسب الوقت فيما يخص بعض الحالات العرضية ومنها حالة الإفلاس ..       

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *