قضايا الطاعة الزوجية في قانون الأحوال الشخصية المصري

قضايا الطاعة الزوجية في قانون الأحوال الشخصية المصري

 

سفينة الحياة الزوجية في الأصل أنها تسير في هدوء لما يسيطر علي قيادتها من دواعي المودة والرحمة التي يفيضها الله تعالي علي ركابها ، ولكن الحياة الدنيا لا تخلو من المكدرات ؛ لأن الإنسان خلقه الله ليكابد في هذه الحياة ، ومن هنا كانت هذه السفينة عرضة للأنواء التي تجعلها تتلاطم بين الأمواج ، وقد تشرف من وقت لآخر علي الغرق ، فتطفو علي السطح بعض المشكلات التي تنال من استقرار الأسرة ، ومن بين هذه المشكلات ما يتعلق بالطاعة الزوجية .

ويقصد بالطاعة في مجال الحياة الزوجية الواجب الملقي علي عاتق الزوجة بموجب عقد الزواج بالاستقرار في منزل الزوجية ، وعدم مغادرته إلا بإذن الزوج ، وهذا الواجب هو في حقيقته حق للزوج ، ويترتب علي ذلك التزام الزوجة بالمحافظة علي هذا الحق ، فإذا أخلت به تكون خارجة عن طاعة الزوج ، وينجم عن هذا الخروج الكثير من الآثار السلبية التي جاءت أحكام الشريعة الغراء بالحلول التي تؤدي إلي إزالتها . وهنا نحاول التعرض لعلاج بعض المشكلات المتعلقة بالطاعة الزوجية من منظور التطبيق العملي في مسائل الأحوال الشخصية ، وهذا يقتضي بيان النقاط الآتية :

أولاً : ما بيت الطاعة ؟
في إطار العلاقة الزوجية يوصف البيت بأحد الوصفين الآتيين :
(أ‌) بيت الزوجية : وهو المسكن الذي يقيم به الزوجان أثناء قيام رابطة الزوجية بينهما ، وطالما أن الزوجة قد رضيت بالإقامة في هذا المسكن فلا محل لما قد يثار عن ضرورة توافر شروط معينة في هذا المسكن ؛ لأن هذا الرضاء يسقط الحق في التمسك بهذه الشروط .
(ب) بيت الطاعة : وهو المسكن الذي يجب علي الزوج إعداده حتى يتمكن من دعوة الزوجة للدخول فيه بعد تركها بيت الزوجية دون وجه حق ، وقد يكون بيت الطاعة هو ذات مسكن الزوجية أو أي مسكن آخر ، ولكن يجب أن تتوافر فيه عدة شروط تجعل منه مسكنًا شرعيًا يصلح كبيت للطاعة ، وهذه الشروط هي :
1 – أن يحقق هذا المسكن للزوجة الأمن والأمان علي نفسها ومالها ، ويمكنها أن تستمتع بزوجها داخله دون منغصات ، وهذا يقتضي أن يكون لهذا المسكن غلق – أي باب مستقل – حتى ولو كانت بجواره بيوت كثيرة .
2 – أن يكون هذا المسكن بين جيران صالحين يوثق بهم ولا يميلون إلي الزوج وحده ، وصلاح هؤلاء الجيران أمر يقدره قاضي الموضوع حسب الهيئة الاجتماعية للزوجين.
3 – أن يكون هذا المسكن خاليًا من سكني الغير ، ولو كان هذا الغير من أهل أي من الزوجين ، كالأبوين أو الإخوة أو الأخوات ، ومن باب أولي الضرة والحماة ، وهنا يقرر الفقهاء أن الزوج إذا أراد إسكان زوجته مع ضرتها أو حماتها ولكنها رفضت ذلك ، فإن للقاضي أن يجبره علي إسكانها في منزل مستقل بعيدًا عنهما ، وإلا كان ذلك إضرارًا بها يبرر لها أن تطلب الطلاق .
4 – أن يكون هذا المسكن مستكملاً الأدوات اللازمة للإقامة فيه ، كالفرش والأواني وكل ما يلزم للمعيشة بما يليق بحال الزوجين بحسب العرف الجاري في الزمان والمكان .
ويترتب علي تخلف أحد الشروط السابقة في بيت الطاعة أن للزوجة حق الاعتراض علي دعوة الزوج لها بالدخول في طاعته ويعتبر الإنذار الموجه منه إليها بهذه الدعوة كأن لم يكن ، وإذا لم تعد إلي بيت الزوجية بعد ذلك لا تعتبر ناشزًا ولا توقف نفقتها مطلقاً ، ويظل الزوج ملتزما بها .

ثانيًا : إنذار الطاعة لا بيت الطاعة :
كان فيما مضي قبل صدور القانون رقم 44 السنة 1979 إذا تركت الزوجة منزل الزوجية ورفضت العودة إليه بناء علي طلب الزوج ، أن يلجأ الزوج إلي قاضي الأحوال الشخصية المختص يطلب منه تكليفها بالعودة إلي هذا المنزل ، ويتم تنفيذ هذا التكليف ولو باستعمال القوة الجبرية إذا لزم الأمر ، وذلك عن طريق رجل الشرطة الذي كان يقتاد هذه الزوجة إلي منزل زوجها تحت الحراسة الأمنية ، فيما يشبه موقف الاتهام الجنائي ، وكان هذا الوضع من الموروثات الاجتماعية منذ عصور التخلف الحضاري في أيام حكام المماليك والعثمانيين ، وليس له ما يسانده من أحكام الشريعة الإسلامية السمحاء . تلك الشريعة التي تضمنت أحكامًا راقية في معاملة الزوجة التي تخرج عن طاعة زوجها ، أيًا كانت صورة عدم الامتثال لهذه الطاعة ، فقد قرر فقهاء هذه الشريعة أن الأصل في الزوجة أنها تدخل في طاعة زوجها كأحد الآثار المترتبة علي عقد الزواج ، فإن هي خرجت عن هذا الأصل كان من حق الزوج أن يطلبها للدخول في طاعته بشرط أن يوفيها عاجل صداقها وأن يهيئ لها المسكن الشرعي المناسب .

وقد حدد الشرع الوسيلة التي يستخدمها الزوج في طلب زوجته إلي طاعته وفي توجيه إنذار منه إليها بهذا الطلب يعلن إليها علي يد محضر ، فقد نصت الفقرة الأولي من المادة 11 مكررًا (ثانيًا) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 علي أنه ” إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع ، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان علي يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها ” .
ونص هذه المادة مستمد من أحكام الشريعة الغراء ، ويترتب علي العمل به أن الزوجة التي تترك منزل الزوجية دون وجه حق ، فليس للزوج أو القاضي أن يجبرها علي العودة إليه ، ولكن يكفي إعلانها علي يد محضر يطلب عودتها إلي منزل الزوجية ، ويترتب علي هذا الإعلان أحد أمرين هما :
(أ) الأول : أن تعلم الزوجة بهذا الإنذار وتقبله ولا تعترض عليه ، ومع ذلك تصر علي عدم العودة إلي منزل الزوجية ، وفي هذه الحالة تعتبر هذه الزوجة ممتنعة دون حق عن طاعة زوجها ، والأثر المترتب علي ذلك هو اعتبارها ناشزًا وتوقف نفقتها من تاريخ انتهاء الفترة التي يسمح بها بالاعتراض علي إنذار الطاعة .
(ب) الثاني : أن تعلم الزوجة بهذا الإنذار وتعترض عليه في الميعاد .

ثالثًا : الاعتراض علي إنذار الطاعة :
إذا أعلنت الزوجة بالإنذار الموجه إليها من زوجها للدخول في طاعته ولم تقبل هذا الإنذار ، فإن لها حق الاعتراض عليه ، فتقرر الفقرة الثالثة من المادة 11 مكررًا (ثانيًا) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 ، أن للزوجة الاعتراض علي هذا الإنذار أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان هذا الإنذار لها . ويجب علي الزوجة أن تبين في صحيفة الاعتراض علي إنذار الطاعة الأوجة الشرعية التي تستند إليها في الامتناع عن طاعة زوجها ، وهي بيانات جوهرية في هذه الصحيفة يترتب علي إغفالها عدم قبول الاعتراض ، وهذه الأوجه هي :
1 – عدم شرعية مسكن الطاعة ، لعدم مناسبته لحال الزوجين ، أو لشغله بسكني الغير ، أو لعدم تكامل أدواته ومرافقه غير ذلك .
2 – عدم أمانة الزوج عليها نفسًا ، كالاعتداء عليها بالقول أو الفعل .
3 – عدم أمانته عليها مالاً ، كالاعتداء علي أموالها بالسرقة أو التبديد .

ويجب علي الزوجة أن تقيم الدليل علي صحة هذه الأوجه في حق الزوج ، وإلا حكم القاضي برفض الاعتراض علي إنذار الطاعة واعتباره كأن لم يكن ، وحينئذ تعتبر ممتنعة عن الطاعة وتوقف نفقتها من تاريخ هذا الحكم . وقد أوجب القانون في الفقرة الخامسة من المادة سالفة الذكر علي المحكمة التي تنظر دعوى الاعتراض علي إنذار الطاعة أن تتدخل سواء من تلقاء نفسها أو بناء علي طلب أحد الزوجين لإنهاء النزاع بينهما صلحًا باستمرار الزوجية وحسن المعاشرة ، وهذا الإجراء جوهري يتعلق بالنظام العام ، يترتب علي مخالفته بطلان الحكم الصادر دون مراعاته بطلانًا مطلقاً . ولكن إذا تبين للمحكمة بعد نظر الاعتراض أن الأوجه التي أقيم عليها صحيحًا ، وأن الخلاف بين الزوجين مستحكم ، فإنها تقضي بعدم الاعتداد بالإنذار الموجه من الزوج لزوجته بالدخول في طاعته واعتباره كأن لم يكن ، ومن ثم لا تكون الزوجة ممتنعة عن طاعة زوجها ولا توقف نفقتها ، بل تظل مستحقة لها عليه طالما كانت العلاقة الزوجية قائمة بينهما .

رابعًا : دعوى النشوز :
النشوز في اللغة من الفعل الثلاثي ” نشز ” بمعني ارتفع ، يقال : نشز الشيء أي ارتفع عن مكانه ، والنشز : هو ما ارتفع وظهر من الأرض ، والنشاز : هو الشيء لا يكون في مستوي غيره ، والمرأة إذا خرجت عن طاعة زوجها فهي ناشز أو ناشزة ، والنشوز علي النقيض من الطاعة ، ولهذا فإن أثر النشوز لا يظهر إلا من المرأة : لأنها بحكم عقد الزواج مكلفة بطاعة زوجها ، ومن هنا نظر المشرع القانوني لهذا الاعتبار عند تقنين دعوى الطاعة الزوجية ، فترتب الأثر المباشر علي عدم طاعة الزوجة لزوجها أن تكون ناشزًا ، وفي ظل لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادرة عام 1931 كانت دعوى الطاعة الزوجية .. تعرف بدعوى النشوز ، وهي التي يرفعها الزوج ضد الزوجة لإثبات خروجها من منزل الزوجية دون العودة إليه رغم طلبها . ولكن بعد إلغاء هذه اللائحة بالقانون رقم 1 لسنة 2000 بإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية ، أصبح التنظيم القانوني لإثبات نشوز الزوجة يشمل المراحل الآتية :
1 – بعد أن تترك الزوجة منزل الزوجية يقوم الزوج بتوجيه إنذار علي يد محضر إليها يعلنها بمحل إقامتها ، يطلب منها العودة إلي منزل الزوجية والدخول في طاعته في هذا المنزل أو مسكن آخر تتوافر فيه الشروط الشرعية .
2 – للزوجة الحق في الاعتراض علي هذا الإنذار أمام المحكمة الابتدائية خلال ثلاثين يومًا من تاريخ إعلانها بهذا الإنذار .
3 – إذا حكمت المحكمة بقبول هذا الاعتراض وعدم الاعتداد بإنذار الطاعة أو اعتباره كأن لم يكن ، فإنها لا تعتبر ناشزًا .
4 – إذا لم تعترض الزوجة علي إنذار الطاعة أو إذا حكمت المحكمة برفض الاعتراض عليه ، فإن هذه الزوجة تعتبر ناشزًا ، ويترتب علي اعتبارها كذلك وقف النفقة الزوجية التي يلتزم بها الزوج بموجب عقد الزواج ، ولا تعود لها هذه النفقة إلا بعودتها إلي منزل الزوجية والدخول في طاعة زوجها مرة أخري .

ومن الملاحظ أن المحكمة المختصة بنظر دعوى النشوز كانت في ظل اللائحة الملغاة هي المحكمة الجزئية باعتبار أن هذه الدعوى من دعاوى الزوجية حال قيامها ، ولكن بصدورالقانون رقم 100 لسنة 1985 المعدل للمرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 أصبح هذا الاختصاص للمحكمة الابتدائية وخاصة بعد صدور القانون رقم 1 لسنة 2000 .

إن الطاعة الزوجية ليست ترفاً يتمتع به الزوج دون مقابل ، وهي ليست تسلطاً من إنسان علي آخر دون مبرر ، بل هي مسئولية متبادلة التبعات بين طرفي العلاقة الزوجية ، ونصيب الزوج من هذه المسئولية هو الأكبر بحكم قيادته لسفينة الحياة الزوجية ، وأكثر من هذا ، فإن علي الزوج طاعة من نوع خاص في مجال هذه الحياة ، يترتب علي الإخلاء بها رد فعل أشد من إخلال الزوجة بالطاعة المفروضة عليها ، قد يصل الأمر إلي حد إنهاء الحياة الزوجية بطلب التطليق إذا بلغ عدم التزام الزوج بالطاعة إلي درجة هجر منزل الزوجية ، علي نحو ما سوف نوضحه في مقال آخر إن شاء الله تعالي .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *