براءة المتهم ومدى إستفاده باقي المتهمين في نفس القضية من هذه البراءة
محكمة النقض ترسى قواعد توحيد القضاء على مبادئ معينة..
والمٌشرع وضع مبدأ قضائياَ باستفادة المتهمين من براءة المتهم فى قضية تعود منذ 80 سنة
محكمة النقض المصرية تلعب دوراً هاماً فى توجيه المحاكم نحو الاستقرار والثبات، وهى تختص بمراقبة صحة تطبيق القانون أى التحقق من سلامة أعمال حكم القانون على الوقائع الثابتة فى حكم المحكمة الاستئنافية، وليس من وظيفتها إعادة النظر فى هذه الوقائع لأنها فى حقيقة الأمر محكمة “قانون” لا محكمة “واقع”.
دور محكمة النقض
تقوم محكمة النقض بدور هام فى إرساء واستخلاص القواعد القضائية من خلال توحيد القضاء واستقراره على مبادئ معينة، حيث تختلف المحاكم أحياناً فى تطبيق القانون وتتباين الأحكام بصدد أمر معين فيعرض النزاع على محكمة النقض لتقول كلمتها بشأنه، وقد يتم الطعن على حكم معين فتؤيده محكمة النقض أو تنقضه.
وضمن هذه القضايا التى واجهها المشرع المصرى منذ القدم هى مدى قانونية حكم البراءة المحمول على أسباب عينية لأحد المتهمين، هل يستفيد منه باقى المتهمين فى الواقعة سواء كانوا فاعلين أصليين أو شركاء فى الجريمة؟ وهل يحوز حجية أمام المحكمة التى تنظر الدعوى لباقى المتهمين؟
المُشرع المصرى
– أكد أن أحكام البراءة المبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة للمحكوم لهم تعتبر عنواناَ للحقيقة سواء بالنسبة لهؤلاء المتهمين أو لغيرهم متى كان ذلك فى مصلحة أولئك الغير ولا يفوت عليهم أى حق مقرر لهم بالقانون.
فالحكم النهائى
الذى ينفى وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياَ، ويبنى على ذلك براءة متهم، يجب قانوناَ أن يستفيد منه كل من يتهمون فى ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء سواء أقدموا للمحاكمة معاَ أم قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة، وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها أصلياَ أو شريكاَ ارتباطاَ لا يقبل بطبيعته أية تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدة من العامل المشترك بينهم، وهو الواقعة التى اتهموا فيها، متحدة اتحاداَ يقتضى أن يستفيد كل متهم من كل دفاع مشترك.
محكمة النقض منذ 80 سنة
وعن استفادة المتهمين من حكم البراءة لمتهم فى ذات القضية – فقد تصدت محكمة النقض لهذا الأمر منذ 80 سنة فى الطعن المُقيد برقم 1233 سنة 9 قضائية، وتحديداَ عام 1937 حيث تتحصل وقائع الدعوى فى أن الطاعن قدّم مع آخرين للمحاكمة بتهمة سرقة بقرة والشروع فى سرقة جاموسة، فقضى ابتدائياَ فى 12 مايو 1937 غيابياَ بالنسبة للطاعن وحضورياَ للباقين بإدانة الطاعن واثنين ممن قدموا معه للمحاكمة، فعارض الطاعن فقضى فى معارضته بتاريخ 23 مارس 1938 ببراءته مما نسب إليه اعتماداَ على أن الواقعة لا تخرج عن كونها مشاجرة عادية أثير فى خلالها الادعاء بالسرقة
وفى تلك الأثناء – ألقى الاتهام على المتهمين فيها جزافاَ بقصد الانتقام، ثم استؤنف هذا الحكم وحكم على الطاعن غيابياَ فى 14 نوفمبر 1938 بالإدانة، فعارض الطاعن فى هذا الحكم وذكر الدفاع عنه بجلسة المعارضة أن المواشى تسربت وأن المتهمين بالسرقة برئوا منها، وقد قضت المحكمة فى المعارضة بتاريخ 13 فبراير 1939 بتأييد الحكم المعارض فيه.
وجاء فى حيثيات الحكم حينها، أنه يتضح مما تقدم صحة ما جاء بوجه الطعن من أن الدعوى العمومية رفعت على الطاعن وآخرين بتهمة سرقة مواشى وشروع فيها، فحكم على الطاعن غيابياَ أمام الدرجة الأولى فعارض، وقبل الفصل فى معارضته صدر حكم نهائى من المحكمة الاستئنافية بناء على استئناف زملائه ببرائتهم، لأن الواقعة التى اتهموا فيها مشكوك فى صحتها، ثم قضى فى المعارضة للطاعن بالبراءة لقيام هذا الشك، ولكن المحكمة الاستئنافية لم تأخذ بوجهة النظر التى أوردها الحكم الاستئنافى النهائى بالنسبة لمن اتهموا مع الطاعن بنفس التهمة، وأدانته على أساس أنها لم تجد محلا للشك فى صحة وقوع الحادثة.
ضرورة استفادة المتهمين من براءة المتهم
ووفقا لـ”المحكمة” فإن الواقعة التى أدين فيها الطاعن هى بعينها الواقعة التى حكم فيها استئنافياَ – على أساس وجود الشك فى وقوعها – بالبراءة لمن كانوا متهمين معه باعتبارهم فاعلين أصليين مثله فيها، وحيث أن الطاعن وإن لم يكن طرفاَ فى هذا الاستئناف إلا أن الحكم النهائى الذى ينفى وقوع الواقعة المرفوعة بها الدعوى مادياَ ويبنى على ذلك براءة متهم فيها يجب قانوناَ أن يستفيد منه كل من اتهموا فى ذات الواقعة باعتبارهم فاعلين أصليين أو شركاء سواء أقدموا للمحاكمة معاَ أم قدموا على التعاقب بإجراءات مستقلة.
وذلك على أساس وحدة الواقعة الجنائية وارتباط الأفعال المنسوبة لكل من عزى إليه المساهمة فيها فاعلاَ أصلياَ أو شريكاَ ارتباطاَ بطبيعته أية تجزئة ويجعل بالضرورة صوالحهم المستمدة فيها من العامل المشترك بينهم، وهو الواقعة التى اتهموا فيها، متحدة اتحاداَ يقتضى أن يستفيد كل منهم من كل دفاع مشترك، وهذا ما تمليه المصلحة العامة، فإنه لا شك فى أن هذه المصلحة تضار دائما بتناقض الأحكام الجنائية – بحسب “المحكمة”.
أسباب إنشاء المحاكم الجنائية
وفضلاَ عن ذلك ، فإن الشارع قد أعدّ المحاكم الجنائية لتحقيق أغراض اجتماعية عامة تتصل بصميم شئون الجماعة، فسنّ لها نظاماَ خاصاَ يختلف عن المحاكم المدنية لتحرى الحقيقة المجردة بغض النظر عن أشخاص الخصوم فى الدعوى وطلباتهم، وكل ذلك يسوغ القول باعتبار الأحكام الجنائية المبنية على أسباب غير شخصية بالنسبة للمتهمين فيها عنواناَ للحقيقة، سواء بالنسبة لهؤلاء المتهمين أو لغيرهم متى كان ذلك فى مصلحة أولئك الغير ولا يفوت عليهم أى حق مقرر لهم بالقانون كما هو الحال بالنسبة للطاعن.